خروج ٢٢
قوانين إضافيَة لِتَوجيه القضاة
أولًا. قوانين وأحكام تتعلَّق بالأملاك والتَّعويض.
أ ) الآيات (١-٤): إلزاميَّة التَّعويض في حالات السَّرِقة.
١«إِذَا سَرَقَ إِنْسَانٌ ثَوْرًا أَوْ شَاةً فَذَبَحَهُ أَوْ بَاعَهُ، يُعَوِّضُ عَنِ ٱلثَّوْرِ بِخَمْسَةِ ثِيرَانٍ، وَعَنِ ٱلشَّاةِ بِأَرْبَعَةٍ مِنَ ٱلْغَنَمِ .٢ إِنْ وُجِدَ ٱلسَّارِقُ وَهُوَ يَنْقُبُ، فَضُرِبَ وَمَاتَ، فَلَيْسَ لَهُ دَمٌ .٣ وَلَكِنْ إِنْ أَشْرَقَتْ عَلَيْهِ ٱلشَّمْسُ، فَلَهُ دَمٌ. إِنَّهُ يُعَوِّضُ. إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ يُبَعْ بِسَرِقَتِهِ .٤ إِنْ وُجِدَتِ ٱلسَّرِقَةُ فِي يَدِهِ حَيَّةً، ثَوْرًا كَانَتْ أَمْ حِمَارًا أَمْ شَاةً، يُعَوِّضُ بِٱثْنَيْنِ.
١. إِذَا سَرَقَ إِنْسَانٌ ثَوْرًا أَوْ شَاةً: كانت الوصيَّة بشأن السَّرِقة مُتضَمَّنة بالفعل بين الوصايا العشر (خروج ١٥:٢٠). أمَّا هُنا، فإنَّنا نُلاحِظُ المزيد من التَّفاصيل في المبادئ التي أُعطِيَت للقُضاة، لكي يتمَّ تطبيقها في الحياة اليوميَّة وفي إدارة العدل بين شعبِ إسرائيل.
فَذَبَحَهُ أَوْ بَاعَهُ :”هُناك ثمنٌ باهِظٌ لهذا، ذلك لأنَّ هذا العمل من شأنه، فرَضيًّا، أن يُظهِرَ نيَّةً مٌتعمَّدَة للسَّرقة.” كُول (Cole)
٢. يُعَوِّضُ: لَم يُرسِل النَّاموس الموسويّ أيَّ إنسانٍ إلى السِّجنِ بسبب السَّرقة. بدلًا من ذلك، كان يتوجَّب على السَّارق بأن يُعَوِّضَ الَّذي سرَقَهُ، بالإضافة إلى جزاءٍ إضافيّ.
في هذه الفقرة، يُمكِن أن يتراوح الجزاء بين ما قيمته ٥٠٠ ٪ (يُعَوِّضُ عَنِ ٱلثَّوْرِ بِخَمْسَةِ ثِيرَانٍ) إلى ٢٠٠ ٪ (يُعَوِّضُ بِٱثْنَيْنِ). “إنَّ السَّبب وراء التَّعويض بقيمة خمسة أضعافٍ إنَّما يعودُ إلى احتمال أن تقود سرقة الثَّور إلى التَّأثير على معيشةِ رَجُلٍ آخَر. وتطوَّر المبدأ لِيَشمَلَ سَرِقة أيٍّ من أدوات الحراثة أو الحصاد.” كايزر (Kaiser)
يُمكِن أن يُنظَرَ إلى هذا من ناحيةٍ إيجابيَّة بالنِّسبة إلى مُعاقبة الـمُجرِمين، واضعين إيَّاهم على طريق الإستعادة البنَّاءَة وتعويض الضَّحيَّة بسبب السَّرِقة. فهذه المبادئ غالِبًا يُغَضُّ الطَّرف عنها في إدارة العدل الحديثة.
هي أيضًا، كمبادئ، مُهمَّشة في حياة الكثيرين من المسيحيِّين. “إنَّ هذا الأصحاح لَمَليءٌ بالتَّعويضات، التي يتواجد منها القليل في الحياة المسيحيَّة. نُحاوِل أن نُعوِّض عن الأذيَّة للآخَرين بكمِّيَّةٍ استثنائيَّة من الكَيَاسة واللُّطف؛ لكنَّنا نتردَّدُ بكلِماتٍ لا حصرَ لها عن الإعتراف الصَّريح بأنَّنا قد أخطأنا، أو القيام بالتَّعويض أو الإصلاح الـمُناسِب للفشل والكلام.” ماير (Meyer)
٣. إِنَّهُ يُعَوِّضُ. إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ يُبَعْ بِسَرِقَتِهِ: إذا لَم يكُن الشَّخص قادِرًا على دَفعِ ما قد سرَقَهُ، فَيُباع السَّارق كعامِل مَهرٍ، حيث يُستخدَم المال من عمليَّة البيع هذه في التَّعويض عن الضَّحيَّة.
٤. إِنْ وُجِدَ ٱلسَّارِقُ وَهُوَ يَنْقُبُ، فَضُرِبَ وَمَاتَ، فَلَيْسَ لَهُ دَمٌ .وَلَكِنْ إِنْ أَشْرَقَتْ عَلَيْهِ ٱلشَّمْسُ، فَلَهُ دَمٌ: للمالِك الحقُّ في حماية أملاكهِ ولَو بالقوَّة – ولكن بالإستخدام المنطقيّ للقوَّة. يُحتِّم الإفتراض بأنَّه إذا طلَعَ ضوءُ الصبَّاح، فَيُمكِن للمالِك بأن يُدافِع عن نفسه بقوَّةٍ غير مُميتة.
“إنَّه لَأمرٌ نموذجيٌّ بالنِّسبة إلى الشَّريعة الرَّحومة بأن يكونَ حتَّى للسَّارق حقوق.” كُول (Cole)
ب) الآيات (٥-٨): تطبيقٌ إضافيّ لِمَبدأ التَّعويض.
٥ «إِذَا رَعَى إِنْسَانٌ حَقْلًا أَوْ كَرْمًا وَسَرَّحَ مَوَاشِيَهُ فَرَعَتْ فِي حَقْلِ غَيْرِهِ، فَمِنْ أَجْوَدِ حَقْلِهِ، وَأَجْوَدِ كَرْمِهِ يُعَوِّضُ .٦ إِذَا خَرَجَتْ نَارٌ وَأَصَابَتْ شَوْكًا فَٱحْتَرَقَتْ أَكْدَاسٌ أَوْ زَرْعٌ أَوْ حَقْلٌ، فَٱلَّذِي أَوْقَدَ ٱلْوَقِيدَ يُعَوِّضُ .٧ إِذَا أَعْطَى إِنْسَانٌ صَاحِبَهُ فِضَّةً أَوْ أَمْتِعَةً لِلْحِفْظِ، فَسُرِقَتْ مِنْ بَيْتِ ٱلْإِنْسَانِ، فَإِنْ وُجِدَ ٱلسَّارِقُ، يُعَوِّضُ بِٱثْنَيْنِ .٨ وَإِنْ لَمْ يُوجَدِ ٱلسَّارِقُ يُقَدَّمُ صَاحِبُ ٱلْبَيْتِ إِلَى ٱللهِ لِيَحْكُمَ هَلْ لَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى مُلْكِ صَاحِبِهِ.
١. إِذَا رَعَى إِنْسَانٌ حَقْلًا أَوْ كَرْمًا وَسَرَّحَ مَوَاشِيَهُ فَرَعَتْ فِي حَقْلِ غَيْرِهِ، فَمِنْ أَجْوَدِ حَقْلِهِ، وَأَجْوَدِ كَرْمِهِ يُعَوِّضُ: كان مالِكُ الحيوان مسؤولًا عن رَعي مواشيهِ. فقد كان مُلزَمًا باحترامِ مُلْكِ جارِه (حَقْلِ غَيْرِهِ).
“لذلك، يتحمَّل النَّاس المسؤوليَّة، ليس فقط بسبب الأذيَّة التي يقومون بها، ولكن أيضًا بسبب الأذيَّة التي يُسبِّبونها، بالرغم من عدم تقصُّدِهم للخراب النَّاتِج عن ذلك.” كايزر (Kaiser)
“نُذَنِّب بعضنا البعض ليس فقط بما نقومُ به، أو بما نسمح بالقيام به، بل أيضًا بإهمال ما يجب أن نقوم به.” ماير (Meyer)
٢. فَمِنْ أَجْوَدِ حَقْلِهِ، وَأَجْوَدِ كَرْمِهِ يُعَوِّضُ: لقد كان هذا عقابًا عادِلًا، وهامًّا بشكلٍ كافٍ إلى درجة أنَّه يجعل الـمُزارِع يُفكِّر مليًّا بعدم السَّماح لِمَواشيه بأن تُعيث فسادًا في حقلِ غيرهِ.
“لقد بدأت هذه القوانين والأحكام بِعَرض تشديدٍ مُعيَّن حولَ ذَنْبِ الإهمال. فالحقيقة الـمُشدَّد عليها هُنا هي أنَّه لا يجب على أيِّ إنسانٍ أن يعيش حياةً مَبنيَّة على الأنانيَّة أو الوحدانيَّة، وبأنَّ أيَّ تَعَدٍّ من هذا القبيل في المجال المادِّيّ لَسَوفَ يُعتبَرُ خطيَّةً مُوجَّهة ضدَّ الله في المجال الأخلاقيّ.” مورجان (Morgan)
٣. فَٱلَّذِي أَوْقَدَ ٱلْوَقِيدَ يُعَوِّضُ: كان التَّعويضُ مطلوبًا أيضًا في حالات التَّخريب أو الإهمال الأخرَق، حتَّى ولَو حافظ الإنسان على مُلكِ غيره. لقد كان للنِّظام القانونيّ الموسويّ نظرةً سامية للمسؤوليَّة الشَّخصيَّة، حتَّى في علاقتها مع ممتلكات الآخَرين.
قد يُترجَمُ هذا إلى قلَقٍ في محلِّهِ يتعلَّق بِمُمتلكات الآخَرين في أيَّامنا. فالمسيحيّ، إذا رَجِعَ بسيَّارتهِ إلى الوراء وضربَ سيَّارةَ آخَر، يجب أن يترُك مُلاحظة عن هذا الأمر ويُعوِّض عن الخراب النَّاتج عن هذا الإصطدام. يجب على المسيحيّ بأن يكون له تأمينٌ صالِح، يضمَن من خلالهِ إمكانيَّة التَّعويض لخسارة شخصٍ آخَر.
إذا أعطاكَ أحدُهُم أمانةً للإحتفاظِ بها، فأنتَ إذًا مسؤولٌ عنها كَوكيلٍ أمينٍ أو مُدير. فهذا المبدأ أيضًا يشمَل ما يُعطينا إيَّاه الله في الإدارة والوكالة من أجله.
٤. يُعَوِّضُ … يُعَوِّضُ بِٱثْنَيْنِ: كان التَّعويضُ يُدفَع بحسبِ قيمةٍ أو نسبةٍ مئويَّة مُحدَّدَة مُسبَقًا؛ فهذا الأمرُ لَن يُترَك لِهَوى الضَّحيَّة أو القاضي.
ج) الآيات (٩-١٣): تطبيقٌ إضافيّ لِمَبدأ التَّعويض.
٩ فِي كُلِّ دَعْوَى جِنَايَةٍ، مِنْ جِهَةِ ثَوْرٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ مَفْقُودٍ مَا، يُقَالُ: إِنَّ هَذَا هُوَ، تُقَدَّمُ إِلَى ٱللهِ دَعْوَاهُمَا. فَٱلَّذِي يَحْكُمُ ٱللهُ بِذَنْبِهِ، يُعَوِّضُ صَاحِبَهُ بِٱثْنَيْنِ .١٠ إِذَا أَعْطَى إِنْسَانٌ صَاحِبَهُ حِمَارًا أَوْ ثَوْرًا أَوْ شَاةً أَوْ بَهِيمَةً مَّا لِلْحِفْظِ، فَمَاتَ أَوِ ٱنْكَسَرَ أَوْ نُهِبَ وَلَيْسَ نَاظِرٌ، ١١ فَيَمِينُ ٱلرَّبِّ تَكُونُ بَيْنَهُمَا، هَلْ لَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى مُلْكِ صَاحِبِهِ. فَيَقْبَلُ صَاحِبُهُ. فَلَا يُعَوِّضُ .١٢ وَإِنْ سُرِقَ مِنْ عِنْدِهِ يُعَوِّضُ صَاحِبَهُ .١٣ إِنِ ٱفْتُرِسَ يُحْضِرُهُ شَهَادَةً. لَا يُعَوِّضُ عَنِ ٱلْمُفْتَرَسِ.
١. أَوْ مَفْقُودٍ مَا، يُقَالُ: إِنَّ هَذَا هُوَ: في قانونِ إسرائيل، لا يخسَر المالِك مُلكَهُ بسبب فُقدانِهِ له. إذا وجدَهُ شخصٌ آخَر وادَّعى المالِك أنَّه له (ونشأ خلافٌ جرَّاءَ ذلك)، فَيُترَك الأمرُ للقُضاة.
“لقد فُقِدَ شيءٌ ما: يرى المالِك في مرحلةٍ لاحقة شيئًا شبيهًا به بين مُمتلكات جارِهِ، فيدَّعي بأنَّه مُلكَه. من الواضحِ بمكانٍ ما أنَّ الإسرائيليِّين لَم يتَّبِعوا القَولَ الفَصْل للأنجلو-سكسونيَّة التي تُشير إلى فكرة ’الـمُكتشِفون هُم الحافِظون‘: يبقى أيُّ غرَضٍ مفقود مُلكًا للمالِك الأصليّ، وهو يُمكِنهُ استعادته متى شاء ذلك.” كُول (Cole)
٢. تُقَدَّمُ إِلَى ٱللهِ دَعْوَاهُمَا. فَٱلَّذِي يَحْكُمُ ٱللهُ بِذَنْبِهِ، يُعَوِّضُ صَاحِبَهُ بِٱثْنَيْنِ: إذا نشأَ خلافٌ يتعلَّق بخسارة الـمُمتلكات، يسمع القُضاة عن الدَّليل ويتفحصُّون الأمر ومن ثمَّ يُقرِّرون مَا معه حقٌّ ومَن كان مُخطِئًا. فيجبُ على الجهَّة الـمُذنِبَة أن تدفع أو تُعَوِّضَ بِٱثْنَيْنِ – سواء كانت الجهَّة الـمُتَّهمَة أو الـمُذنَب إليها. هُناكَ ثمنٌ للإتِّهام الكاذِب أو الدَّعوى الـمُحرَّفة.
تُقَدَّمُ إِلَى ٱللهِ دَعْوَاهُمَا: “في العبريَّة، الآلِهَة: هكذا يُسمَّى القُضاة، وخصوصًا إذا كانوا صالِحين (مزمور ٦:٨٢). وكانت كُرسيُّ القضاءِ تُسمَّى المكان الـمُقدَّس أو مكانُ القُدسِ (جامعة ١٠:٨)” ترَاب (Trapp)
٣. إِذَا أَعْطَى إِنْسَانٌ صَاحِبَهُ حِمَارًا أَوْ ثَوْرًا أَوْ شَاةً أَوْ بَهِيمَةً مَّا لِلْحِفْظِ، فَمَاتَ أَوِ ٱنْكَسَرَ أَوْ نُهِبَ وَلَيْسَ نَاظِرٌ: لقد تناول هذا القانون جانبًا يتعلَّق بحدوثِ أمرٍ مشبوه – حيوانٌ في عُهدَةِ آخَر قد مَاتَ أَوِ ٱنْكَسَرَ أَوْ نُهِبَ. بالرغم من ذلك، فقد حدث هذا الأمر في غيابِ أيِّ شهودٍ (وَلَيْسَ نَاظِرٌ). فهَل تُقبَل شهادة الـمُتَّهَم في هذه الحالات؟
٤. فَيَمِينُ ٱلرَّبِّ تَكُونُ بَيْنَهُمَا، هَلْ لَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى مُلْكِ صَاحِبِهِ. فَيَقْبَلُ صَاحِبُهُ: في هذه الحالات، على مالِك الحيوان التزامٌ بأن يقبلَ قسَمَ الـمُتَّهَم، إلَّا إذا تواجد دليلٌ أعطى شكًّا مقبولًا بصحَّة صِدق الـمُتَّهَم.
يُعتبَر هذا المبدأ أساسَ فكرتنا بأنَّ الإنسان يكون بريئًا إلى حين إدانتهِ. ففي هذه الحالَة، يُؤخَذ قَسَمُ الإنسان كصادقٍ إلَّا إذا برهن الدَّليلُ خلاف ذلك.
يُحْضِرُهُ شَهَادَةً: “إنَّ برازَ الجسمِّ الحيِّ سوف يظهَر، وبينما لا يُمكِن للرَّاعي أن يمنَع القَتل، فقد كان واعيًا إلى درجة إستطاعتهِ بأن يمنع التهامَ الفريسة.” كُول (Cole)
٥. فَيَقْبَلُ صَاحِبُهُ: بالرغم من خسارة صاحِب الحيوان، فَلَم يكُن مسموحًا له بتعويض خسارته من خلال اتِّهام وابتزاز جهَّةٍ بريئة. فقد توجَّب عليه بأن يَقْبَلَ النَّتيجة، بالرغم من أنَّ العدالَة لَم تُعوِّض خسارته.
هُناك فكرٌ مُوَازٍ في العهد الجديد يعتقِد بأنَّه على المؤمنين تجنُّب النِّزاعات القضائيَّة بينهم أمام قُضاةٍ مدّنيِّين. يجب أن يسمحوا بإقامة الدَّعوى أمام قاضٍ بواسطة الكنيسة (١ كورنثوس ١:٦-٨).
د ) الآيات (١٤-١٥): تطبيقُ مبادئ التَّعويض في الإستعارة والإستئجار.
١٤ وَإِذَا ٱسْتَعَارَ إِنْسَانٌ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا فَٱنْكَسَرَ أَوْ مَاتَ، وَصَاحِبُهُ لَيْسَ مَعَهُ، يُعَوِّضُ .١٥ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مَعَهُ لَا يُعَوِّضُ. إِنْ كَانَ مُسْتَأْجَرًا أَتَى بِأُجْرَتِهِ.
١. وَإِذَا ٱسْتَعَارَ إِنْسَانٌ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا: إنَّ مبادئ المسؤوليَّة والتَّعويض يُمكِن تطبيقها أيضًا في الإستعارة والإستئجار.
٢. وَصَاحِبُهُ لَيْسَ مَعَهُ … وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مَعَهُ: كان من الـمُفترَض بأنَّ المالِك يكون مع حيوانهِ أو أدواته (مهما كانت) بينما كانت تُستعمَل من قِبَل آخَرين، فالمالِكُ لَهُوَ مسؤولٌ عن الاهتمام بهذا الشَّيء واستخدامه بحضورهِ. وإذا لَم يكُن المالِك موجودًا، فالشَّخص الَّذي استعارَهُ لَهُوَ مسؤولٌ عنه.
٣. أَتَى بِأُجْرَتِهِ: لقد كان هذا مبدأً بسيطًا يُعنَى بإرشاد القُضاة. فقد كان على الجهَّة الـمُذنِبَة بأن تأتيَ بالأُجرة. يجب تطبيق الفوارِق بحسب تقديرها وعدالتها، وليس فقط من أجلِ تعويض الخسارة لِمَن خَسِرها. ففي بعض الأحيان تقع الخسارة، ولا يُلامُ أيُّ أحَدٍ.
ثانيًا. قوانين وأحكام أخلاقيَّة وطَقسيَّة.
أ ) الآيات (١٦-١٧): علاجُ مُمارسَة الجنس قبل الزَّواج.
١٦ «وَإِذَا رَاوَدَ رَجُلٌ عَذْرَاءَ لَمْ تُخْطَبْ، فَٱضْطَجَعَ مَعَهَا يَمْهُرُهَا لِنَفْسِهِ زَوْجَةً .١٧ إِنْ أَبَى أَبُوهَا أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهَا، يَزِنُ لَهُ فِضَّةً كَمَهْرِ ٱلْعَذَارَى.
١. وَإِذَا رَاوَدَ رَجُلٌ عَذْرَاءَ لَمْ تُخْطَبْ: يظنُّ البعض بأنَّ هذه الفقرة لا تنهي عن مُمارسة الجنس قبل الزَّواج؛ لكنَّها تمنع بالفعل (أو على الأقلِّ تشجبُ بشدَّة) ممارسته، ذلك لأنَّه يتطلَّب بأنَّ الرَّجُل إمَّا يتزوَّج بالفتاة أو يُوفِّر لها قيمةً مادِّيَّة مُحدَّدة.
عَذْرَاء: كانت الكلِمة العبريَّة ’بَتُول‘ (betulah) تُشيرُ إلى ’فتاةِ غير مُتزوِّجة دائمًا يُظَنُّ بأنَّها عذراء.‘ كايزر (Kaiser)
رَاوَدَ … عَذْرَاءَ: “في العبريَّة: إقناع الفتاة بإصرارٍ باستخدام كلِماتٍ مَلِقَة، والتي تجعل الأحمق يسعَد.” ترَاب (Trapp)
٢. يَمْهُرُهَا لِنَفْسِهِ زَوْجَةً: لقد ركَّز هذه القانون على مبدأ أن لا وجودَ لما يُسمَّى بالجنس العَرَضيّ. فَكِلا العهدَان القديم والجديد يُشيران إلى أنَّ للعلاقات الجنسيَّة تَبِعاتٌ دائمة (١ كورنثوس ٦: ١٥-١٦).
“لقد كان هذا قانونًا بشريًّا فائق الحكمة، وكان يجبُ بأنَّ يُطبَّق بقوَّةٍ بخصوص الإغواء والعهارة؛ فبسببِ أنَّ ذلك الشَّخص الَّذي يشعر بِمَيلهِ يُمكِن أن يستغلَّ امرأةً يافعة، فهو قد عرف تمامًا بأنَّه يجب عليه الزَّواج بها، وأن يُقدِّم مهرَها.” كلارك (Clarke)
لقد شجَّع هذا القانون كُلًّا من الرِّجال والنِّساء على تقديم الكرامة لِعُذريَّة المرأة. “بما أنَّ الرَّجُل قد أخذ فتاةً من دون أن يدفعَ مهرَها، فمهرُها إذًا يجب أن يدفَع، فَلِمَن غيرها يُدفَعُ المهرُ الآن؟” كُول (Cole) هذا لا يعني إطلاقًا بأنَّ عُذريَّة الرَّجُل لا قيمةَ لها أو يُمكِن تجاهلها؛ بالرغم من ذلك، فقد شجَّع القانون على اهتمامٍ أكبر بالعُذريَّة النِّسائيِّة وبحفظها أو صَونها إلى حين الزَّواج وحلول الظُّروف الـمُناسبة لِتَرَعرع الأطفال.
إنَّه لَضَررٌ عظيم بالنِّسبة إلى المجتمع والبيئة عندما تعمل الحكومة ضدَّ القِيَم العذراويَّة، وتدعم (بشكلٍ عرَضيّ أو خلاف ذلك) ذلك السُّلوك الَّذي لا يُقيمُ اعتبارًا لها ويُروِّجُ إلى تبخيس العذراويَّة. يجبُ الإمتناع عن مُمارسة الجنس إلى حين الزَّواج.
عبرَّ أحدُ الرِّجالِ عن قيمة العذراويَّة بقصَّةٍ حقيقيَّة تناولت صديقًا كان يمتلِكُ متجرًا للتُّحَف القديمة، عرَض فيه طاولةً للبيع. لقد كانت قيمةُ الطَّاولة ٦٠٠ $، لكن تمَّ خفضُ سعرها إلى ٣٠٠ $. حاولَ أحدُهُم بأن يتفاوض على السِّعر نزولًا إلى ٢٠٠ $، لكنَّ الـمُضيفة رفضت ذلك وهي عالِمةٌ بقيمتها الفعليَّة، حتَّى عندما كان ذلك الرَّجُل مُستعدًّا لأن يدفع ثمنها ٣٠٠ $. وأخيرًا، ابتاع الرَّجُلُ الطَّاولة بسعرها الأصليّ، أي ٦٠٠ $، وتعامَل معها بالفعل على أساس قيمتها التي هي ٦٠٠ $ – ذلك لأنَّ قيمتها قد قُدِّرت وتمَّ التَّمسُّك بها. بعض النِّساء اللَّواتي يعْرِفن أنَّ الرِّجال يُعاملونهنَّ بشكلٍ رخيص، يُضيفون إلى هذه المشكلة بِبَيعِ أنفسهنَّ بِبَخس الأثمان.
٣. إِنْ أَبَى أَبُوهَا أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهَا، يَزِنُ لَهُ فِضَّةً كَمَهْرِ ٱلْعَذَارَى: إذا اعتُبِرَ الرَّجُل الَّذي استغلَّ المرأة زوجًا غير مقبولٍ بالكامِل، من قِبَل أبي الفتاة الـمُساءُ إليها، فعلى الرَّجُل الـمُعتدي أن يدفع أو يُعطي مهرَها بدون أخذ الزَّوجة. لقد كان هذا حافِزًا يضمن عدم استغلالِ الفتيات.
٤. يَزِنُ لَهُ فِضَّةً: هذا العَرض الـمُقتضَب للقانون، لَم يُعطِ أيَّ جزاءٍ للمرأة الـمُتورِّطة. لقد كان هذا بسببِ أنَّها اعتقدت بأنَّه قد تمَّ استغلالها (وَإِذَا رَاوَدَ رَجُلٌ عَذْرَاءَ) ويجب تعويضها. إذا لَم يتمّ استغلالها، فقد كان فُقدانها لِعُذريَّتها والإنتقاص من فُرَصِ زواجها، أمران كافيان للعقاب.
“إنَّ هذا الإعتبار الواحِد لَعِامِلٌ أساسيّ في كَبْحٍ قويٍّ للعواطِف الجيَّاشة، ويجب أن يرعى أُصول الزَّواج الـمُحترَم، ويمنع حدوث أيَّةِ جرائم جنسيَّة من هذا القَبيل.” كُول (Cole)
ب) الآيات (١٨-٢٠): ثلاثُ جرائمَ تستوجِب الإعدام.
١٨ لَا تَدَعْ سَاحِرَةً تَعِيشُ .١٩ كُلُّ مَنِ ٱضْطَجَعَ مَعَ بَهِيمَةٍ يُقْتَلُ قَتْلًا .٢٠ مَنْ ذَبَحَ لِآلِهَةٍ غَيْرِ ٱلرَّبِّ وَحْدَهُ، يُهْلَكُ.
١. السَّاحِرَة: لقد كان لِمُمارسة السِّحر في المجتمعات القائمة رابطان: الأوَّل، التَّفاؤل أو التَّواصُل مع قوًى أو أشخاص في الظَّلام، وهي شيطانيَّة. والثَّاني، تبدُّل الحالات باستخدام الأدوية أو الـمُخدَّرات أو أساليبَ أُخرى غيرهما. كان يُعتقَدُ بوجودِ رابطٍ ما بين الـمُخدَّرات والسِّحر أو الشَّعوذَة.
يُظهِرُ هذا القانون بأنَّ من شأن هذا التَّواصُل أن يكون مُمكِنًا وليس مُستحيلًا، فالجواءُ يُظهِرُ فداحتَهُ و خطورَتَهُ.
تُترجِم نسخة الملِك جيمز للكتاب المقدَّس كلِمة سَاحِرَة كَـ مُشعوِذَة. “فالسَّاحرة، أو الـمُشعوِذَة، قد تمَّت الإستعانة بها أحيانًا في إغواء الخادِمات اليافعات لارتكاب الحماقات. والمقصود هُنا أيضًا هو الرَّجُل الـمُشعوِذ، بالرغم من ذكر المرأة الـمُشعوِذَة؛ ذلك بسبب أنَّ النِّساء هُم أكثرُ عُرضةً لهذه الخطيَّة؛ وأيضًا لأنَّه لا يُمكِن استثناء الجنس اللَّطيف من هذه الحماقة.” ترَاب (Trapp)
“إذا أخذنا هذ الإسم: ’سَاحِرَة،‘ فالفعل يُشيرُ إلى استخدام التَّعاويذ والسِّحر والشَّعوذَة، أو فنِّ العِرافة. فالكلِمة الإنكليزيَّة ’سَاحِرَة‘ يُزعَم بأنَّها تنحدِرُ من كلِمة ’فطنة،‘ أي ’ذكاء،‘ في نعتَيها wittigh أو wittich، اللَّذَين تُرجِما إلى ساحرة. قدَّم اليونانيُّون القُدماء كلِمتنا هذه إلى pharmakos، (’الـمُسمِّمون‘)، بسبب أنَّ الـمشعوِذين كانوا يستخدمون العقاقير والـمُخدَّرات.” كايزر (Kaiser)
“لقد تعلَّم الكثيرون من الإسرائيليِّين، من دون أدنى شكٍّ، هذه الفنون الغريبة الأطوار خلال سَكَنِهِم الطَّويل مع المصريِّين؛ وبذلك فقد تعلَّق بها الإسرائيليُّون، حيث نجدُ أنَّ لهذه الفنون سُمعةً بينهم، بالإضافة إلى أنَّ العديد من هذه الفنون كانت تُمارَس عبر التَّاريخ اليهوديّ، ومع ذلك، لقد كانت هذه الجُنحة جزائيَّة الطَّابَع، وفي كلِّ الحالات كانت تُعاقَبُ بالموت.” كلارك (Clarke)
“إنَّها خطيَّة مُوجَّهة ضدَّ مشيئة الله بأن يقومَ إنسانٌ ما بالتَّواصُل مع العالَم الرُّوحيّ، بدلًا من الشَّركة الـمُباشرة معه، من خلالِ ابنهِ وبواسطة الرُّوح القدس.” مورجان (Morgan)
٢. لَا تَدَعْ سَاحِرَةً تَعِيشُ: لقد كان هذا يُعتبَرُ تهديدًا شديدًا كافيًا للنَّظر إلى السِّحر كجريمةٍ تستحقُ عقوبة الإعدام. فهذا المزيجُ بين مُمارسات الشَّعوذَة وتأثير الـمُخدَّرات في تبدُّل الحالات، كان يُنظَرُ إليه كأمرٍ مُدمِّرٍ للبيئة والنَّسيج الأخلاقيّ لإسرائيل القديمة.
“لذلك، فبصراحةٍ صلبَة وبموقفٍ نهائيّ، قد صدَرَ قانون الله الَّذي ينهي عن التَّواصُل مع عالَم الأرواح الشرِّيرة .” مورجان (Morgan)
“تُدان العرِافةُ أيضًا بنفس القَدَر في أيَّام العهد الجديد (أعمال الرُّسُل ١٠:١٣، ١٩:١٩)، لكن بالرغم من مُمارسات الكنيسة في العصور الوسطى، فلا وجودَ لأيَّةِ إشارةٍ في العهد الجديد تقضي بالموت للعرَّافين أو السَّحرَة.” كُول (Cole)
لَا تَدَعْ … تَعِيشُ: تُستخدَمُ هُنا الكلِمة العبريَّة herem، أي ’حَرَام.‘ “فالحرَامُ هو أمرٌ مُخصَّص لله؛ بالرغم من ذلك، فهو ليس التزامًا إراديًّا، بل غير إراديّ. فقد أُفرِزَ هذا لكي يتمَّ مَنعُهُ من الأرض.” كايزر (Kaiser)
٣. كُلُّ مَنِ ٱضْطَجَعَ مَعَ بَهِيمَةٍ يُقْتَلُ قَتْلًا: كانت تُمارَس البهيميَّة في العالَم القديم، وهُنا يوصي الله بالإمتناع عنها.
“إنَّ هذه الـمُمارسة الجنسيَّة الهجوميَّة كانت مُنتشِرة بين الكنعانيِّين.” كايزر (Kaiser) “لَم تكُن البهيميَّة فقط شذوذًا واضِحًا: فقد كانت مذكورة في الدَّوريَّة الكنعانيَّة بعنوان: ’قِصَصُ البَعل،‘ والتي لَرُبَّما كان لها صِبغَة دينيَّة لدى الكنعانيِّين.” كُول (Cole)
قد يتعجَّب البعضُ من أنَّ البهيميَّة مُمارسةٌ قانونيَّة في بعض البلدان الأُوروبِّيَّة، وهي مُمارساتٌ اجتماعيَّة يُروَّجُ لها. بالرغم من ذلك، فلا يجب أن نتعجَّب من ذلك؛ فإذا رُفِضَ المبدأ الإلهيّ في حقلٍ ما من الجانب الجنسيّ، عندها يعودُ الأمر إلى الشَّخص المعنيّ في تحديد وإقرار الأُسُس والمعايير. إنَّها الإجتماعيَّات والأخلاقيَّات المسيحيَّة التي تُثبِط وتدين التَّالي: العهارة والزِّنى والاعتداء الجنسي على الأطفال والتَّعدُّديَّة الزَّوجيَّة والبَغاء والمثليَّة الجنسيَّة واضطراب الهويَّة الجندريَّة، وإلى ما هُنالِك. وكُلَّما ازدادت السُّخرية وتعاظم الرَّفضُ لهذه القِيَم الإجتماعيَّة والأخلاقيَّة المسيحيَّة، فلا يجب أن نتعجَّبَ أبدًا بأنَّ كُلَّ هذه الـمُمارسات الجنسيَّة يزدادُ مُمارستها ودَعمها وتشجيعها.
لِسِنينَ خلَت، تفاعلت مجموعةٌ من التَّلامذة الجامعيِّين مع تبنِّي جامعتهم لِحَركة أو حَملَة ’GLAD،‘ التي هي اختصارٌ لأربَعِ كلِماتٍ، وهي في العربيَّة، على التَّوالي: اللِّواط والمثليَّة والوعي والأيَّام (Gay/Lesbian Awareness Days)، التي يُمكِن ترجمتها حرفيًّا إلى: أوقات التَّوعية الجنسيَّة. لقد كان هذا التَّفاعل ساخِرًا حيث أسمَوها: أوقات التَّوعية البهيميَّة. لَم تسمَح إدارة الجامعة بالتَّرويجِ لهذا أو بالإحتفالِ بِمُحاكاتهم السَّاخرة؛ لكن لا وجودَ لأيِّ منطقٍ واعٍ يمنَع هذا بالإستقلاليَّة عن الأُسُس الكتابيَّة للأخلاقيَّات والآداب العامَّة.
إذا كان المقياس الأخلاقيّ للـمُمارسة الجنسيَّة هو التَّالي: إذا شعرت بأنَّها جيِّدة، فمارسها – عندها لَن يكونَ هُناك أيُّ معيارٍ أخلاقيّ والبيئة المجتمعيَّة سيزدادُ انحرافها إلى أن تتغيَّر.
٤. مَنْ ذَبَحَ لِآلِهَةٍ غَيْرِ ٱلرَّبِّ وَحْدَهُ، يُهْلَكُ: في إسرائيل القديمة، كانت الذَّبيحة للآلِهة الوثنيَّة ممنوعةً منعًا باتًّا. فقد تعرَّض هذا القانون للإنتهاك غالِبًا، وهذه العقوبة طُبِّقت نادِرًا. ففي مثَلٍ نادِر من تطبيقهِ، نعود بالذَّاكرة إلى إعدام إشعياء لأنبياء البَعل في سفر ١ ملوك ٤٠:١٨.
ج) الآيات (٢١): العطفُ تجاه الغريب.
٢١ «وَلَا تَضْطَهِدِ ٱلْغَرِيبَ وَلَا تُضَايِقْهُ، لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ.
١. وَلَا تَضْطَهِدِ ٱلْغَرِيبَ وَلَا تُضَايِقْهُ: إنَّ المعيار الصَّالِح لطبيعتنا الأخلاقيَّة يُمكِن أن نجِدَهُ في طريقة مُعاملاتنا للغَريب. من السُّهولة بمكانٍ ما للنَّاس أن يُعامِلوا بالحُسنَى خاصَّتهم، لكنَّ الله يوصينا بأن نهتمَّ بالآخَرين – بِمَن فيهم الغريب.
إنَّ الكراهيَّة الثَّابتة والـمُستمرَّة والخلاف بين المجموعات العرقيَّة والوطنيَّة يُظهِران التَّباطؤ الشَّديد في تطوُّر البشريَّة.
من العَدلِ التَّحقُّق عن مدى استيعابنا للغرباء فيما بيننا. فإذا أقَمنا مع مجموعتنا الخاصَّة واستمتعنا بكلِّ البركات وفشلنا في التَّواصُلِ والتَّطلُّع إليه كبركاتٍ يُمكننا مُشاركتها مع الآخَرين، فنحن بذلك نَضْطَهِدُ ٱلْغَرِيبَ وَنُضَايِقَه.
٢. لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ: إنَّ اختبارَ إسرائيل الشَّخصيّ في كَونِهم كانوا غُرباءَ، يجب أن يُؤخَذَ كعاملٍ يُعطيهم الحنوَّ الـمُناسِب للغرباء في وسطهم.
إنَّ وصيَّة الله بضرورة توجيه اللُّطف والإحسان للغرباء لا تعني بأنَّهُ صالِحُ أو مُناسِبٌ حصولَ الغرباء على إذنٍ بالعيشِ في وسط بيئةٍ جديدة. لقد كان شعبُ إسرائيل غريبًا في أرضِ مصرَ، لكن بدعوةٍ صريحة من فرعون (تكوين ٥:٤٧-٦). لَم يكُن إسرائيل محطَّ ترحيبٍ في كنعان، فمجيئهم كان يُنظَرُ إليه بحقٍّ كعملٍ حربيّ. للحكومات الحقُّ والمسؤوليَّة في ترسيم الحدود والهجرة؛ بالرغم من ذلك، لا شكَّ إطلاقًا بمسؤوليَّة الفَرد في عدم اضطهادِ الغريب أو مُضايقته.
د ) الآيات (٢٢-٢٤): العطفُ تجاه الضَّعيف والـمُعرَّض.
٢٢ لَا تُسِيءْ إِلَى أَرْمَلَةٍ مَّا وَلَا يَتِيمٍ .٢٣ إِنْ أَسَأْتَ إِلَيْهِ فَإِنِّي إِنْ صَرَخَ إِلَيَّ أَسْمَعُ صُرَاخَهُ، ٢٤ فَيَحْمَى غَضَبِي وَأَقْتُلُكُمْ بِٱلسَّيْفِ، فَتَصِيرُ نِسَاؤُكُمْ أَرَامِلَ، وَأَوْلَادُكُمْ يَتَامَى.
١. لَا تُسِيءْ إِلَى أَرْمَلَةٍ مَّا وَلَا يَتِيمٍ: لقد كان كلٌّ من الأرملَة واليتيم الحلَقةَ الأضعَف والأكثرُ عُرضةً للإساءة في المجتمع. ففي مُجتمعٍ بلا قيود ويتَّسِمُ بِبَقاء الأفضَل، يكونانِ الأُوَلَين في التَّعرُّض للإساءَة وسوءِ الإستغلال والتَّدمير. لقد أمرَ الله بأنَّه، على الأقلِّ، يجبُ أن لا يُساءَ إليهما.
“لقد وبَّخ الأنبياءُ شعبَ إسرائيل بسبب إهمالهم في هذا المجال وذلك بإخضاعهم الفقير والضَّعيف.” كايزر (Kaiser)
٢. وَأَقْتُلُكُمْ بِٱلسَّيْفِ: بسببِ حساسيَّتهم، أوصى الله بعنايةٍ خاصَّة لهم وباهتمامٍ بهم، مُتعهِّدًا بحمايتهم.
“إنَّ المجتمع الَّذي يفتقِدُ إلى العدالَة الإجتماعيَّة، سيخضَع تحت دينونةِ الله.” كُول (Cole)
هـ) الآيات (٢٥-٢٧): العطفُ تجاه الفقير.
٢٥ إِنْ أَقْرَضْتَ فِضَّةً لِشَعْبِي ٱلْفَقِيرِ ٱلَّذِي عِنْدَكَ فَلَا تَكُنْ لَهُ كَٱلْمُرَابِي. لَا تَضَعُوا عَلَيْهِ رِبًا .٢٦ إِنِ ٱرْتَهَنْتَ ثَوْبَ صَاحِبِكَ فَإِلَى غُرُوبِ ٱلشَّمْسِ تَرُدُّهُ لَهُ، ٢٧ لِأَنَّهُ وَحْدَهُ غِطَاؤُهُ، هُوَ ثَوْبُهُ لِجِلْدِهِ، فِي مَاذَا يَنَامُ؟ فَيَكُونُ إِذَا صَرَخَ إِلَيَّ أَنِّي أَسْمَعُ، لِأَنِّي رَؤُوفٌ.
١. إِنْ أَقْرَضْتَ فِضَّةً لِشَعْبِي ٱلْفَقِيرِ ٱلَّذِي عِنْدَكَ فَلَا تَكُنْ لَهُ كَٱلْمُرَابِي. لَا تَضَعُوا عَلَيْهِ رِبًا: لقد كانت الفائدة ممنوعة على القَرض الـمُقدَّم إلى الفقير، والإستردادُ يجب أن يكونَ منطقيًّا.
“لقد كان السَّببُ وراءَ هذا النَّهي لَرُبَّما مُتعلِّقٌ بأنَّ الفقير إنَّما يستدين بسبب الحاجة. فالقَرضُ يُنظَرُ إليهِ كمُساعدة للجار، والإتِّجار أو كَسب الرِّبح الماليّ من جرَّاء ذلك، لَهُوَ عملٌ غير أخلاقيّ.” كُول (Cole)
لقد منعَ هذا أخذ الرِّبا، أو الفائدة، على القروض الممنوحة إلى الفقير. يقول آدَم كلارك عن الكلِمة الـمُترجَمَة رِبًا التَّالي: “Neshech، من nashach، أي أن يلدَغ، يقطَع، أو ثَقَبَ باستخدام الأسنان؛ فائدة أو ربَا فاحِشة. لذلك يُسمِّيها اللَّاتينيُّونusura vorax ، أو ربَا آكِلَة … لَرُّبَّما كلِمة ’رِبَا‘ يُمكِن تعريفها بالفائدة غير الشَّرعيَّة، أي الحصول على أكثر ممَّا هو مشروعٌ في القرض أو الدَّين، بل وأكثر ممَّا يسمح به القانون.” يشرح ترَاب (Trapp) في تفسيره بأنَّ هذه الكلِمة رِبَا تعني: ’بالعبريَّة، فائدة آكِلَة‘
“إنَّ هذا النَّهي عن الرِّبَا لَمَكتوبٌ، آخذين الفقير بعَين الإعتبار. فالقروض التِّجاريَّة لَم تُمنَع بشكلٍ مُباشَر بسبب عدم اعتبارها آنذاك. فَمِن بين ستَّةَ عشر مقطعًا كتابيًّا يتعامَل مع القروض (اكن من دونِ ربَا)، ولا واحدٌ منها يتعامَل مع القَرض التِّجاريّ. بكلِّ بساطةٍ، لَم تخضع القروض التِّجاريَّة للاختصاص الكتابيّ.” غامُران (Gamoran)، مُقتبَسٌ من كايزر Kaiser
٢. إِنِ ٱرْتَهَنْتَ ثَوْبَ صَاحِبِكَ: إنَّ الحقيقة الهادفة إلى إمكانيَّة استخدام الثَّوب في الإستعارَة (ضمن ضوابط مُنتظَمَة)، تُظهِرُ بأنَّ الأثواب كانت تُعتبَرُ قروضًا، مع العِلم أنَّ التَّعويض لَمُتوقَّع ومُؤمَّنٌ كأمرٍ مُلازِمٍ للقانون. فهي لَم تكُن هبات، بل قُروض.
“إنَّ الإبقاء على الثَّوب الخارجيّ (الـمُستخدَم في الإستعارة) طوال اللَّيل كان ممنوعًا بتاتًا، فحتَّى القرض الخالي من الرِّبَا كان يخضع لمعايير التَّعهُّد والأمان.” كايزر (Kaiser)
٣. فَيَكُونُ إِذَا صَرَخَ إِلَيَّ أَنِّي أَسْمَعُ، لِأَنِّي رَؤُوفٌ: لقد وعد الله بسماع صلاة المسكين الَّذي يصرخ إلى الرَّبِّ. فحنانُ الله العام للفقير لَمُنعكِسٌ في الحقيقة بأنَّ يسوع قد جاءَ من عائلةٍ فقيرة. فعندما تمَّ تكريسه في الهيكل، بُعيدَ ولادته، كانت الذَّبيحة دالَّة على فَقْرِ هذه العائلة: عُصفوران (لوقا ٢٤:٢).
و ) الآيات (٢٨-٣١): قوانين وأحكام تتعلَّق بالقداسة والفَرزِ لله.
٢٨ «لَا تَسُبَّ ٱللهَ، وَلَا تَلْعَنْ رَئِيسًا فِي شَعْبِكَ .٢٩ لَا تُؤَخِّرْ مِلْءَ بَيْدَرِكَ، وَقَطْرَ مِعْصَرَتِكَ، وَأَبْكَارَ بَنِيكَ تُعْطِينِي .٣٠ كَذَلِكَ تَفْعَلُ بِبَقَرِكَ وَغَنَمِكَ. سَبْعَةَ أَيَّامٍ يَكُونُ مَعَ أُمِّهِ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّامِنِ تُعْطِينِي إِيَّاهُ .٣١ وَتَكُونُونَ لِي أُنَاسًا مُقَدَّسِينَ. وَلَحْمَ فَرِيسَةٍ فِي ٱلصَّحْرَاءِ لَا تَأْكُلُوا. لِلْكِلَابِ تَطْرَحُونَهُ.
١. لَا تَسُبَّ ٱللهَ، وَلَا تَلْعَنْ رَئِيسًا فِي شَعْبِكَ: إنَّ القياس الأساسيّ للقداسة هو ما نتفوَّه به. يهتمُّ الله بكيفيَّة كلامنا عنهُ وعن أُولئك الَّذين يمتلكون سُلطانًا شرعيًّا علينا.
بحسب كلارك وآخَرين، فسياقُ الكلامِ يُظهِرُ بأنَّ الله ( ألوهيم) هُنا هو مَرجِعٌ بالنِّسبة إلى القُضاة. لقد كانت هُناك قوانين ضدَّ سَبِّ أو لَعنِ الله، لكن هُنا – إذا أُخِذَت مُجتمعةً مع ’وَلَا تَلْعَنْ رَئِيسًا فِي شَعْبِكَ‘ – فهي تُشيرُ إلى أنَّ ألوهيم يعني قُضاة إسرائيل الشَّرعيِّين، كما هي الحالة في بعض الأحيان (خروج ٩:٢٢؛ مزمور ٦:٨٢).
“إنَّ هذه العبارة لَمَشهورة حتَّى أنَّها اقتُبِسَت من قِبَل بولس خلال مُحاكمته أمام رئيس الكهنة (أعمال الرُّسُل ٥:٢٣).” كُول (Cole)
٢. لَا تُؤَخِّرْ مِلْءَ بَيْدَرِكَ، وَقَطْرَ مِعْصَرَتِكَ: هُناك طريقةٌ أُخرى لإكرام الله وهي بإعطائه ما يستحقُّ. عندما نُوصَى بأن نُعطي شيئًا لله، تُحسَب خطيَّة لنا إذا لَم نُعطِ – أو أخَّرنا العطاء.
“إنَّ الطَّاعة الحقيقيَّة لَهِيَ فوريَّة وحاضرة، مُستعدَّة وسريعة، بدون مرمرة احتجاجاتٍ أو استشارات.” ترَاب (Trapp)
٣. وَأَبْكَارَ بَنِيكَ تُعْطِينِي: بحسب خروج ١١:١٣-١٢، إنَّ هذه الوصيَّة كانت لِتُطاع عندما أتوا إلى أرض كنعان. لقد عنى النَّاموس الموسويّ الكثير لإسرائيل في البرِّيَّة، وهو أُعطيَ من أجل تحضيرهم للحياة في كنعان.
لَو أنَّهم أطاعوا الله ووثِقوا به كما ينبغي، لكانوا على قابِ قوسَين أو أدنى من وصولهم إلى كنعان. فبسببِ عدم إيمانهم وطاعتهم، استغرقت رحلتهم إلى كنعان أربعين سنةً، لكنَّهم لَم يعرفوا هذا عندما أُعطيَ لهم النَّاموس.
٤. وَأَبْكَارَ بَنِيكَ تُعْطِينِي: لقد تمَّ هذا الأمرُ من خلال الفداء، أي إعطاء المال مُقابِل الإبن (خروج ١٩:٣٤-٢٠). لقد كانت النُّقود أيضًا تعويضًا عن بكر الحيوان غير الطَّاهِر، لكنَّ البكر بين الحيوانات غير الطَّاهرة كان يُقدَّم في الذَّبيحة أمام الرَّبِّ.
إنَّ هذا القانون الـمُتعلِّق بإعطاءِ البكر لله كان مُهمًّا، ذلك لأنَّ:
ü البكر كان دائمًا يُنظَرُ إليهِ كالأفضَل، وقد ظهرَ هذا في الطَّريقة التي كان الأفضل يُقدَّم بها إلى الله.
ü ذلك ذكَّر إسرائيل بأنَّ الله يُلاحِظهُ كَبِكرٍ له، شعبَه الـمُفضَّل.
ü ذلك ذكَّر إسرائيل بأنَّ الله حَفِظَ أبكارَهُم عندما أدان أبكارَ المصريِّين.
٥. وَتَكُونُونَ لِي أُنَاسًا مُقَدَّسِينَ. وَلَحْمَ فَرِيسَةٍ فِي ٱلصَّحْرَاءِ لَا تَأْكُلُوا: لقد كانت هذه وصيَّة تتعلَّق بأن يكون الإنسان مُختلِفًا عن الحيوان، الَّذي بغريزتهِ يفترِس الجثث الـمَيِّتة. لقد دعا الله إسرائيل بأن يكونوا مُقدَّسين، وألَّا يتصرَّفوا كَمَن يلتهِم ويفترِس جُثثَ الحيوانات. إنَّ هذا يُدعِّمُ الفكرة الأساسيَّة عن القداسة: أن نكون مُفرَزين، مُختلِفين:
يُضيف كايزر فكرَتَين: “إنَّ الحيوانات التي قُتِلَت بواسطة آخَرين كانت غير طاهرة لِسَبَبَين: (١) إنَّ الحيوانات الآكِلة للُّحوم كانت غير طاهرة، و(٢) إنَّ دمَ الحيوان المذبوح سيبقى داخل الأنسجة، ممَّا يجعله غير طاهر. بدلًا من ذلك، كان على النَّاس أن يُلقوا اللَّحم إلى الكلاب.”
“في ختام هذا الأصحاح، نرى السَّبب الرَّئيس لكلِّ هذه الأحكام والشَّرائع التي يحتويها. فليس هُناك من أيَّةِ وصيَّةٍ كُتِبَت وسُطِّرت فقط بسلطانٍ من الله. فقد أعطاها لِشَعبهِ كضوابطَ للعواطف الجيَّاشة وحوافزَ للقداسة؛ لذلك يقول: ينبغي أن تكونوا لي أُمَّةً مُقدَّسة.” كلارك (Clarke)