سفر الخروج – الإصحاح ٥
يلتقي موسى بفرعون؛ ازدياد استعباد الإسرائيليِّين
أولًا. يستقبِل فرعون موسى وهارون ويتجاوَب بوضعهِ أمرًا مُحدَّدًا
أ ) الآيات (١-٣): يسأل موسى فرعون لأن يُطلِقَ بني إسرائيل للعبادة في البريَّة.
١وَبَعْدَ ذَلِكَ دَخَلَ مُوسَى وَهَارُونُ وَقَالَا لِفِرْعَوْنَ: «هَكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: أَطْلِقْ شَعْبِي لِيُعَيِّدُوا لِي فِي ٱلْبَرِّيَّةِ».٢فَقَالَ فِرْعَوْنُ: «مَنْ هُوَ ٱلرَّبُّ حَتَّى أَسْمَعَ لِقَوْلِهِ فَأُطْلِقَ إِسْرَائِيلَ؟ لَا أَعْرِفُ ٱلرَّبَّ، وَإِسْرَائِيلَ لَا أُطْلِقُهُ». ٣فَقَالَا: «إِلَهُ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ قَدِ ٱلْتَقَانَا، فَنَذْهَبُ سَفَرَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ وَنَذْبَحُ لِلرَّبِّ إِلَهِنَا، لِئَلَّا يُصِيبَنَا بِٱلْوَبَإِ أَوْ بِٱلسَّيْفِ».
- وَبَعْدَ ذَلِكَ دَخَلَ مُوسَى وَهَارُونُ وَقَالَا لِفِرْعَوْنَ: لقد تطلَّبت هذه المواجهة الكثير من الشَّجاعة، لذلك يجب الثَّناء على مُوسَى وَهَارُونُ بسبب طاعتهم للهِ الَّذي يستطيع القيامَ بذلك.
- لَم يكُن فرعون أيًّا كان في منصِبِ عامٍّ؛ فقد كان اهتمامُ الشَّعبِ بأكملِهِ بأن يخدِمَ فرعون. فقد كانت قوَّته وسُلطتهُ ساميتان ولا وجودَ لأيِّ دستورٍ أو قانونٍ أو تشريعٍ أعظَم أو حتَّى مُساوٍ له.
- يُقال بأنَّ الفراعنة كانوا يُعتقَدون بأنَّهم أبناءُ الشَّمسِ؛ لقد كانوا أصدقاءً لآلِهة المصريِّين وجلسوا معًا في معابدهم للعبادة مع بعضهم البعض.
- هُناك حَفْرُ نَقشٍ وكتابةٌ لأحدِ الفراعِنة في معبدٍ مصريٍّ قديم، يُعطي فكرةً عن هذا الموضوع: “أنا هو مَن كُنت ومَن أكون ومَن سأكون، ولا أحدَ من البشَر استطاع أن يُزيلَ هذا البُرقع والقناع.” ماير (Meyer). لقد كان فرعون أكثر من مُجرَّد إنسان؛ فقد كان يعتبِر نفسَه إلهًا، ووافق المصريُّون على ذلك.
- بسبب ترَعرُعِهِ في القصور الـمَلَكيَّة المصريَّة، عرَفَ موسى هذا الأمرَ جيِّدًا؛ لكنَّه عرفَ أيضًا بأنَّ فرعون كان مُجرَّدَ إنسانٍ. فكان مُستعدًّا لِمُواجهته، مُتسلِّحًا بِسلطان الله الحيِّ.
- أَطْلِقْ شَعْبِي: كان الأمرُ الأساسيُّ من الله لِفرعون (بواسطة مُرسَلَيهِ موسى وهارون) يتطلَّبُ ويبغي الحُرِّيَّة لِشَعبهِ. لقد أكَّد الله بأنَّ إسرائيل هي مُلكٌ له، وليست لِفرعون؛ لذلك، يجب إطلاقَهُم. أُولئك الَّذين ينتمون إلى الله يجب إطلاقَهُم في الحُرِّيَّة، وليس أسرَهُم.
- مَنْ هُوَ ٱلرَّبُّ حَتَّى أَسْمَعَ لِقَوْلِهِ فَأُطْلِقَ إِسْرَائِيلَ؟ لَا أَعْرِفُ ٱلرَّبَّ، وَإِسْرَائِيلَ لَا أُطْلِقُهُ: لقد كان فرعون على علمٍ بالكثير من الآلهة لكنَّه لَم يُلاحِظ الرَّبَّ أو مُلكيَّتَهُ لإسرائيل. لذلك، رفض هذا الطَّلَب.
- مَنْ هُوَ ٱلرَّبُّ: لَم يكُن فرعون يمتلِكُ قلبًا صالِحًا، لكنَّه استفسَرَ بسؤالِهِ سؤالًا صحيحًا. لقد سأل موسى هذا السُّؤال: مَنْ أَنَ؟ (خروج ١١:٣). لَم تكُن هذه الأسئلة وثيقة الصِّلَة بالموضوع الـمُتعلِّق بهويَّة موسى أو فرعون، لمن بِـ مَنْ هُوَ ٱلرَّبُّ؟ لَو عرفَ فرعون حقًّا من كان الرَّبُّ، لَفَرِحَ في إطلاق سراح إسرائيل.
- فَنَذْهَبُ سَفَرَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ وَنَذْبَحُ لِلرَّبِّ إِلَهِنَا: لقد أَوصلَ موسى طلبَ الله الـمُعطَى له سابَقًا في خروج ١٨:٣. لقد قدَّم الله طلَبًا مُختصَرًا إلى فرعون أوَّلًا لكي يكونَ هذا الطَّلَبُ جذَّابًا وسهلًا لِقَبولِهِ الـمُحتَمَل. لقد قام بذلك لكي لا يكونَ لِفرعون أيُّ عُذرٍ البتَّة في رفضِ الله بسبب قساوة قلبهِ.
ب) الآيات (٤-٩): يزيد فرعون من أثقالِ الإسرائيليِّين.
٤فَقَالَ لَهُمَا مَلِكُ مِصْرَ: «لِمَاذَا يَا مُوسَى وَهَارُونُ تُبَطِّلَانِ ٱلشَّعْبَ مِنْ أَعْمَالِهِ؟ اِذْهَبَا إِلَى أَثْقَالِكُمَا. ٥«وَقَالَ فِرْعَوْنُ: «هُوَذَا ٱلْآنَ شَعْبُ ٱلْأَرْضِ كَثِيرٌ وَأَنْتُمَا تُرِيحَانِهِمْ مِنْ أَثْقَالِهِمْ». ٦فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ مُسَخِّرِي ٱلشَّعْبِ وَمُدَبِّرِيهِ قَائِلًا: ٧«لَا تَعُودُوا تُعْطُونَ ٱلشَّعْبَ تِبْنًا لِصُنْعِ ٱللِّبْنِ كَأَمْسِ وَأَوَّلَ مِنْ أَمْسِ. لِيَذْهَبُوا هُمْ وَيَجْمَعُوا تِبْنًا لِأَنْفُسِهِمْ. ٨وَمِقْدَارَ ٱللِّبْنِ ٱلَّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَهُ أَمْسِ، وَأَوَّلَ مِنْ أَمْسِ تَجْعَلُونَ عَلَيْهِمْ. لَا تَنْقُصُوا مِنْهُ، فَإِنَّهُمْ مُتَكَاسِلُونَ، لِذَلِكَ يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ: نَذْهَبُ وَنَذْبَحُ لِإِلَهِنَا. ٩لِيُثَقَّلِ ٱلْعَمَلُ عَلَى ٱلْقَوْمِ حَتَّى يَشْتَغِلُوا بِهِ وَلَا يَلْتَفِتُوا إِلَى كَلَامِ ٱلْكَذِبِ».
- لِمَاذَا يَا مُوسَى وَهَارُونُ تُبَطِّلَانِ ٱلشَّعْبَ مِنْ أَعْمَالِهِ؟: لَم يرفض فرعون فكرة إعطاءِ الإسرائيليِّين فُرصَةَ ثلاثة أيَّامٍ فحسب، بل رأى بأنَّ هذا الطَّلب هو بمثابة إفسادٍ للشَّعب عن العمل الجيِّد.
- هُوَذَا ٱلْآنَ شَعْبُ ٱلْأَرْضِ كَثِيرٌ: كان فرعون على عِلمٍ بأنَّ كلَّ المحاولات السَّابقة لتقليص عدد الإسرائيليِّين قد باءَت بالفشَل. لقد استمرَّوا بالإكثار. كان هذا الأمرُ جيِّدًا بالنِّسبة إلى شعبِ إسرائيل، لكنَّه سيِّئًا بالنِّسبة إلى فرعون.
- فَإِنَّهُمْ مُتَكَاسِلُونَ، لِذَلِكَ يَصْرُخُونَ: لكي يُعاقبَ الإسرائيليِّين بسبب طلَبهم ويُعطيهم عملًا إضافيًّا لإكمالِه (“يبدو أنَّه لديكم الكثير من الوقت للقيامِ بهذه المطالِب المجنونة – لذلك يتوجَّب عليكم إيجاد الوقت الكافي لِلقيامِ بالمزيد من العمل!”) فقد أمرَ فرعون بأن يُعطى الإسرائيليُّون عملًا إضافيًّا في جَمْعِ المواد التي يستخدمونها (تحديدًا، التِّبن) لِصُنعِ اللِّبنِ.
- للتِّبنِ مُحتوًى أسيديّ يجعل منه مُتماسِكًا. إنَّ استخدام التِّبنِ لِصُنع اللِّبنِ في مصرَ خلال هذه الحقَبَة لَمُؤكَّدٌ في عِلم الآثار. “لقد تمَّ اكتشافُ جميع الأنواع من اللِّبنِ في مصرَ، فالبعضُ منها كان لِبنًا مُقطَّعًا بشكلٍ مُنتظَم، والبعض الآخَر يحتوي على جذورٍ قاسية وبقايا، أمَّا البعض الآخَر فلم يكُن يحتوي على التِّبنِ بالمرَّة.” كُول (Cole)
- “كان التِّبنُ الـمُقطَّع يُخلَط مع الطِّين لِصُنع اللِّبنِ، الأمر الَّذي يجعلَهُ أكثرَ مرونةً وصلابةً، وذلك من خلالِ جَمْعِ الطِّين معًا، أوَّلًا، وثانيًّا تَحلُّل وتصريف مادَّة الأسيد أو الحامض الدِّباليّ.” كايزر (Kaiser)
- “كان اللِّبنُ الَّذي يُصنَع في البلدان الـمَشرقيَّة مُكوَّنًا من طينٍ و تِبنٍ مَعجونَين معًا، ومن ثمَّ يُشوَى ويُترَك لِيَنشَفَ تحت أشعَّة الشَّمسِ. لقد تمَّ ذكرُ ذلك بوضوحٍ من قِبَل أحدهم المعروف باسم فيلو … ’بسببِ أنَّ التِّبنَ هو الرَّابط الَّذي يجعل اللِّبنَ مُتماسِكًا.‘” كلارك (Clarke)
ج) الآيات (١٠-١٤): يُنفِّذ مُسخِّرو فرعون الأوامِر.
١٠فَخَرَجَ مُسَخِّرُو ٱلشَّعْبِ وَمُدَبِّرُوهُ وَكَلَّمُوا ٱلشَّعْبَ، قَائِلِينَ: «هَكَذَا يَقُولُ فِرْعَوْنُ: لَسْتُ أُعْطِيكُمْ تِبْنًا. ١١ٱذْهَبُوا أَنْتُمْ وَخُذُوا لِأَنْفُسِكُمْ تِبْنًا مِنْ حَيْثُ تَجِدُونَ. إِنَّهُ لَا يُنْقَصُ مِنْ عَمَلِكُمْ شَيْءٌ». ١٢فَتَفَرَّقَ ٱلشَّعْبُ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ لِيَجْمَعُوا قَشًّا عِوَضًا عَنِ ٱلتِّبْنِ. ١٣وَكَانَ ٱلْمُسَخِّرُونَ يُعَجِّلُونَهُمْ قَائِلِينَ: «كَمِّلُوا أَعْمَالَكُمْ، أَمْرَ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ، كَمَا كَانَ حِينَمَا كَانَ ٱلتِّبْنُ». ١٤فَضُرِبَ مُدَبِّرُو بَنِي إِسْرَائِيلَ ٱلَّذِينَ أَقَامَهُمْ عَلَيْهِمْ مُسَخِّرُو فِرْعَوْنَ، وَقِيلَ لَهُمْ: «لِمَاذَا لَمْ تُكَمِّلُوا فَرِيضَتَكُمْ مِنْ صُنْعِ ٱللِّبْنِ أَمْسِ وَٱلْيَوْمَ كَٱلْأَمْسِ وَأَوَّلَ مِنْ أَمْسِ؟».
- ٱذْهَبُوا أَنْتُمْ وَخُذُوا لِأَنْفُسِكُمْ تِبْنًا … إِنَّهُ لَا يُنْقَصُ مِنْ عَمَلِكُمْ شَيْءٌ: كانت النَّتيجة الـمُباشِرَة لِعَمل موسى أن ازدادَ الوضعُ سوءًا بالنِّسبة إلى إسرائيل، وليس للأفضَل. فالـمُواجهة مع العبوديَّة المصريَّة لَن تكون سريعة أو سهلة. لقد كان هذا الأمرُ بمثابةِ امتحانٍ مُهمٍّ لِكلٍّ من موسى وإسرائيل.
- وَكَانَ ٱلْمُسَخِّرُونَ يُعَجِّلُونَهُمْ … فَضُرِبَ مُدَبِّرُو بَنِي إِسْرَائِيلَ: كانت الحُرِّيَّة هدفًا لجميع إسرائيل؛ فقد تحمَّل جميعُ الإسرائيليِّين صعاب الصِّراع قبل أن تًؤخَذَ الحُرِّيَّة. لَم يكُن العُمَّال والـمُدبِّرين في مواجهةٍ مع فرعون، لكنّهم كانوا مُرتبطين بذلك العمل الرَّامي إلى إطلاق سراحِ إسرائيل من العبوديَّة المصريَّة.
- “عادَةً ما تَسيء الأُمور وترجع إلى الوراء مع القدِّيسين قبل الـمُضيِّ قُدُمًا إلى الأمام، تمامًا كَنَبتةِ الذُّرَة التي تنمو في ترابِ الأرض قُبيل انبثاقها إلى الأعلَى.” ترَاب (Trapp)
ثانيًا. يُزعِج فرعون بَني إسرائيل
أ ) الآيات (١٥-١٩): يُؤنِّب فرعون مُدبِّري إسرائيل، واضِعًا أثقالًا إضافيَّة.
١٥فَأَتَى مُدَبِّرُو بَنِي إِسْرَائِيلَ وَصَرَخُوا إِلَى فِرْعَوْنَ قَائِلِينَ: «لِمَاذَا تَفْعَلُ هَكَذَا بِعَبِيدِكَ؟ ١٦اَلتِّبْنُ لَيْسَ يُعْطَى لِعَبِيدِكَ، وَٱللِّبْنُ يَقُولُونَ لَنَا: ٱصْنَعُوهُ! وَهُوَذَا عَبِيدُكَ مَضْرُوبُونَ، وَقَدْ أَخْطَأَ شَعْبُكَ». ١٧فَقَالَ: «مُتَكَاسِلُونَ أَنْتُمْ، مُتَكَاسِلُونَ! لِذَلِكَ تَقُولُونَ: نَذْهَبُ وَنَذْبَحُ لِلرَّبِّ. ١٨فَٱلْآنَ ٱذْهَبُوا ٱعْمَلُوا. وَتِبْنٌ لَا يُعْطَى لَكُمْ وَمِقْدَارَ ٱللِّبْنِ تُقَدِّمُونَهُ». ١٩فَرَأَى مُدَبِّرُو بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْفُسَهُمْ فِي بَلِيَّةٍ إِذْ قِيلَ لَهُمْ لَا تُنَقِّصُوا مِنْ لِبْنِكُمْ أَمْرَ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ.
- فَأَتَى مُدَبِّرُو بَنِي إِسْرَائِيلَ وَصَرَخُوا إِلَى فِرْعَوْنَ: حتَّى في محنتهِم، لَم يرجِع بَني إسرائيل إلى الله؛ لَم يرجعوا إلى موسى. فبدلًا من ذلك، تطلَّعوا إلى فِرْعَوْن للـمُساعدة. لقد اعتقدوا بأنَّ عبوديَّتهم السَّابقة لأَفضلَ من وضعهم الـمُزري الحاليّ.
- من الخطأِ بمكانٍ ما أن نقول بأنَّ الإسرائيليِّين قد أحبَّوا العبوديَّة. يقول خروج ٢٣:٢ التالي: وَحَدَثَ فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ ٱلْكَثِيرَةِ أَنَّ مَلِكَ مِصْرَ مَاتَ. وَتَنَهَّدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنَ ٱلْعُبُودِيَّةِ وَصَرَخُوا، فَصَعِدَ صُرَاخُهُمْ إِلَى ٱللهِ مِنْ أَجْلِ ٱلْعُبُودِيَّةِ. بالرغم من ذلك، فقد سمحَ الله بهذه الظُّروف الملأى بالمساوئ قبل أن يجلِب الحُرِّيَّة، على الأقلِّ لبعض الوقت.
- مُتَكَاسِلُونَ أَنْتُمْ، مُتَكَاسِلُونَ: كان فرعون غيرَ مُتعاطفٍ وقاسٍ بالكامِل. لقد اعتقدَ بأنَّ الـمُشكِلَة تكمُنُ في تكاسُلِهِم؛ من أجل ذلك، فإنَّ المزيد من العمل الـمُضني سيكون علاجًا لِتَكاسُلِهِم. فقد أبغض فرعون إسرائيل وأرادَهُم في عبوديَّةٍ مُستدامَة له.
- “بذلك، ستَتِمُّ تهدئتهم وستخفتُ إثارتهم.” توماس (Thomas)
- كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ: “كانت حِصَصُ اللِّبنِ مُوَثَّقة بكَثرة في مصر.” كايزر (Kaiser)
ب) الآيات (٢٠-٢١): صرخَ مُدبِّرو الشَّعب في وجهِ موسى.
٢٠وَصَادَفُوا مُوسَى وَهَارُونَ وَاقِفَيْنِ لِلِقَائِهِمْ حِينَ خَرَجُوا مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ. ٢١فَقَالُوا لَهُمَا: «يَنْظُرُ ٱلرَّبُّ إِلَيْكُمَا وَيَقْضِي، لِأَنَّكُمَا أَنْتَنْتُمَا رَائِحَتَنَا فِي عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ وَفِي عُيُونِ عَبِيدِهِ حَتَّى تُعْطِيَا سَيْفًا فِي أَيْدِيهِمْ لِيَقْتُلُونَا».
- وَصَادَفُوا مُوسَى وَهَارُونَ: لَم يكُن مُدبِّرو شعبِ إسرائيل فرِحين لدى خروجهم من لَدُنِ فرعون، فقد ظنُّوا بأنَّ كلَّ هذا هو خطأُ موسى وهارون.
- يَنْظُرُ ٱلرَّبُّ إِلَيْكُمَا وَيَقْضِي: لقد كان مُدبِّرو شعبِ إسرائيل على يقينٍ كاملٍ بأنَّ الله إلى جانبهم، وبأنَّ أيَّ أمرٍ يُؤدِّي بالوضع الحاليّ للإسرائيليِّين إلى المزيد من البَليَّة، لَم يكُن من الرَّبِّ.
- لِأَنَّكُمَا أَنْتَنْتُمَا رَائِحَتَنَا فِي عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ: لقد اعتقدوا بأنَّ هذا الخطأ هو من صنيعِ موسى. فعندما كان شعبُ إسرائيل عبدًا مُطيعًا لِفرعون، لقد ظنَّ هؤلاء بأنَّه صديقٌ لهُم. والآن، بما أنَّ فكرة الحُرِّيَّة بدأت تتبلوَر، فقد أظهرَ لهم فرعون حقيقتهُ طوال الوقت.
- يبدو إبليس أحيانًا بأنَّه صديقٌ لنا عندما نقبَل بسيادتهِ؛ ولكنَّنا عندما نبدأُ بأخذ الحُرِّيَّة التي في يسوع، فهو غالِبًا يُحاول بأن يُعقِّدَ لنا حياتنا.
- يقول خروج ٣١:٤ التالي: فَآمَنَ ٱلشَّعْبُ. وَلَمَّا سَمِعُوا أَنَّ ٱلرَّبَّ ٱفْتَقَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَنَّهُ نَظَرَ مَذَلَّتَهُمْ، خَرُّوا وَسَجَدُوا. فبعد الهجوم الـمُضادِّ لِفرعون، تبخَّر بسرعةٍ قياسيَّة ذلك الإيمان وتلك الإثارة والعبادَة التي تكلَّم عنها خروج ٣١:٤.
- لقد سمحَ الله بكلِّ ذلك. ففي واقِع الأمر، يُمكِنك القَول بأَنَّهُ قد هَندسَ ذلك. نظريًّا، لقد كان من الـمُمكِن لله بأن يُطلِق إسرائيل في الحُرِّيَّة من دون المرور في عذاباتٍ من جهَّتهم. رغمًا من ذلك، فقد عَلِمَ بأنَّ هذا لَن يكونَ صالِحًا أو أفضَلَ بالنِّسبةِ لهم؛ فبالنِّسبة إليهم إنَّ هذا العبور من كونهم عبيدًا إلى شعبٍ حُرٍّ في أرض الموعِد، سيتطلَّب بعض الإختبارات، من أجل ذلك نرى أنَّ مُمارسَة الضَّغط عليهم كان أمرًا لا بُدَّ منه.
ج) الآيات (٢٢-٢٣): يتذمَّر موسى بسببِ الـمُشكِلَة أمامَ الله.
٢٢فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى ٱلرَّبِّ وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، لِمَاذَا أَسَأْتَ إِلَى هَذَا ٱلشَّعْبِ؟ لِمَاذَا أَرْسَلْتَنِي؟ ٢٣فَإِنَّهُ مُنْذُ دَخَلْتُ إِلَى فِرْعَوْنَ لِأَتَكَلَّمَ بِٱسْمِكَ، أَسَاءَ إِلَى هَذَا ٱلشَّعْبِ. وَأَنْتَ لَمْ تُخَلِّصْ شَعْبَكَ».
- يَا سَيِّدُ، لِمَاذَا أَسَأْتَ إِلَى هَذَا ٱلشَّعْبِ؟: لقد كان سؤالًا مُهمًّا، فقد أحسن موسى صنيعًا بكَونهِ صلبًا في التَّعبير عن مَكامِن قلبه إلى الله. بالرغم من ذلك، فقد نسيَ موسى ما قالَه الله له عند تلك الـعُلَّيقة الـمُشتعِلَة، أي أنَّ فرعون لَن يُطلِق إسرائيل بسهولَة.
- لقد أحسن موسى صنيعًا بالتَّعبير عن مَكامِن قلبه لله. “طوبى للرَّجُلِ الَّذي، وإن كان لا يستوعِب التَّحرُّك الإلهيّ بل، وبكلِّ تأكيدٍ، يُشكِّكَ فيه، يُحافِظ على إيمانٍ كافٍ في الله حتَّى يكشِفَ له مخاوِفَهُ. فأُولئك الَّذين يواجهون الإنسان، لَهُم الحقُّ في القَول: ’هكذا يقول يهوه،‘ ولهم الحقُّ أيضًا في العودَة إلى يهوه وتعداد المصاعِب التي يمرُّون فيها، وإعلان شكوكِهُم ومخاوِفهم بشكلٍ علَنيٍّ.” مورغن (Morgan)
- وَلَكِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ مَلِكَ مِصْرَ لَا يَدَعُكُمْ تَمْضُونَ وَلَا بِيَدٍ قَوِيَّةٍ، فَأَمُدُّ يَدِي وَأَضْرِبُ مِصْرَ بِكُلِّ عَجَائِبِي ٱلَّتِي أَصْنَعُ فِيهَا. وَبَعْدَ ذَلِكَ يُطْلِقُكُمْ. (خروج ١٩:٣-٢٠).
- لَو كان مُقدَّرًا بأن يُعطي الله موسى شرحًا مُفصَّلًا في جوابهِ لِتَساؤلِهِ، فكان من الـمُمكِن بأن يكون على الشَّكل التَّالي: “موسى، لقد جلبتُ هذه الـمُشكِلَة بسبب رغبتي في أن أقوم بأكثرِ من مُجرَّد تحرير إسرائيل من العبوديَّة؛ إنَّني أُريدُ تغييرَهُم من شعبٍ عبدٍ إلى شعبٍ صالِحٍ لأرض الموعِد. فهذا الأمر لَن يحصُل بين ليلةٍ وضُحاها، بسرعةٍ وبسهولَة، وسيتطلَّب ذلك الكثير من الثِّقَة والخضوع. ثِق بي في هذه الـمُشكِلَة، فسأستخدِمُها لصالِح إسرائيل ولِمَجدي.”
- لِمَاذَا أَرْسَلْتَنِي: وفي هذا الفصل من الإختبار، لقد عاودت موسى نفس المخاوِف القديمة التي أصابته في بلِيَّتهِ: ’أنا لستُ بذلك الرَّجُل الَّذي يُرسِلهُ الله. لَن يُكمِل الله العمَل. فِرعون والمصريُّون أقوياء كثيرًا.‘ كان الشكُّ لا يزال موجودًا، وكذا غياب التَّركيز على الله، أمران لا بُدَّ من علاجهما في حياةِ موسى.
- “لقد كان عذابُ الرُّوح الَّذي يمرُّ فيه موسى، كاختبارِ الموت بالنِّسبة إليه. لقد مات عن عزَّة نفسه وثقتهِ وعن آمالِه العظام وعن كبريائه في إنجازاته وعن حماسة شعبِه وعن كلِّ شيءٍ مرغوبٍ يُحبُّه القائد. وبينما كان مُستلقيًا على الأرض مُنفرِدًا أمام الله، مُتمنِّيًا عودَتَهُ إلى مديان وظانًّا بأنَّه غيرَ نافِعٍ بالكاد، فقد كان كَحبَّةِ حنطةٍ تُذريِّها الرِّيح، فَتُدفنَ في تراب الأرض لكي تموت، لا لِتكونَ وحيدةً فيما بعدُ، بل لتأتيَ بثمرٍ كثير” ماير (Meyer)
- لَرُبَّما اعتقدَ موسى بأنَّ موتَه لذاتهِ قد أُكمِل بعد أربعين سنةٍ من الاهتمام بالقطعان في مديان، لكنَّ الأمرَ لَم يكُن كذلك. ولَن يكون كذلك البتَّة. سيستخدِم الله المحنة من أجل تدريبنا لكي نثِقَ به إلى ذلك اليوم الَّذي فيه نترك هذا العالَم لِنَكون معه في السَّماء.
- وَأَنْتَ لَمْ تُخَلِّصْ شَعْبَكَ: على ما يبدو وبالرغم من تحذير الله في السَّابق، كان هُناك شيءٌ ما في داخل موسى يصبو بأن يصير كلُّ هذا بأكثر سهولَةٍ. لكنَّ خلاص الله لَـمُؤكَّدٌ وحقيقيٌّ وسَيُرى في وقتٍ قريب عن كثَب. لقد شعر إسرائيلُ أحيانًا بصعوبة البقاء ضمنَ مشيئة الله؛ لكنَّهم كانوا سَيُبتَلونَ بمصائب أكثر لَو تحوَّلوا ضدَّ إرادة الله.