سفر الخروج – الإصحاح ١٨
مشورةُ يثرون إلى موسى
أولًا. لقاء يثرون مع موسى
أ ) الآيات (١-٦): يلتقي موسى مع يثرون، حَمِيهِ، في صحراء مديان.
١فَسَمِعَ يَثْرُونُ كَاهِنُ مِدْيَانَ، حَمُو مُوسَى، كُلَّ مَا صَنَعَ ٱللهُ إِلَى مُوسَى وَإِلَى إِسْرَائِيلَ شَعْبِهِ: أَنَّ ٱلرَّبَّ أَخْرَجَ إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ. ٢فَأَخَذَ يَثْرُونُ حَمُو مُوسَى صِفُّورَةَ ٱمْرَأَةَ مُوسَى بَعْدَ صَرْفِهَا ٣وَٱبْنَيْهَا، ٱللَّذَيْنِ ٱسْمُ أَحَدِهِمَا جِرْشُومُ، لِأَنَّهُ قَالَ: «كُنْتُ نَزِيلًا فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ». ٤وَٱسْمُ ٱلْآخَرِ أَلِيعَازَرُ، لِأَنَّهُ قَالَ: «إِلَهُ أَبِي كَانَ عَوْنِي وَأَنْقَذَنِي مِنْ سَيْفِ فِرْعَوْنَ». ٥وَأَتَى يَثْرُونُ حَمُو مُوسَى وَٱبْنَاهُ وَٱمْرَأَتُهُ إِلَى مُوسَى إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ حَيْثُ كَانَ نَازِلًا عِنْدَ جَبَلِ ٱللهِ. ٦فَقَالَ لِمُوسَى: «أَنَا حَمُوكَ يَثْرُونُ، آتٍ إِلَيْكَ وَٱمْرَأَتُكَ وَٱبْنَاهَا مَعَهَا».
- فَسَمِعَ يَثْرُونُ كَاهِنُ مِدْيَانَ، حَمُو مُوسَى، كُلَّ مَا صَنَعَ ٱللهُ إِلَى مُوسَى وَإِلَى إِسْرَائِيلَ شَعْبِهِ: إنَّ عظمةَ عملِ الله بواسطة موسى من أجلِ شعبِهِ إسرائيل أصبحت معروفة للشُّعوب الـمُحيطة، وبشكلٍ خاص لأُولئك الَّذين لهم اهتمامٌ في موسى كَيَثرون.
- كان يثرون كَاهِنَ مِدْيَان – مُتحِدِّرٌ مُحتمَلٌ من أحَدِ أولاد إبراهيم الآخَرين من امرأته قَطُورة، اسمهُ مديان (تكوين ١:٢٥-٢). وبسببِ هذه العلاقة مع إبراهيم، لدينا سببٌ كافٍ للاعتقاد بأنَّه كان كاهِنًا حقيقيًّا وعبدَ الله الحقيقيّ.
- “يعتقِد البعض بأنَّ يثرون كان صِهرًا أو نسيبًا لِمُوسى (فالكلِمة قادرة بشكلٍ مُتساوٍ على أداء هذا المعنى)، ورعوئيل كان أباه (خروج ١:٣).” توماس (Thomas)
- فَأَخَذَ يَثْرُونُ حَمُو مُوسَى صِفُّورَةَ ٱمْرَأَةَ مُوسَى بَعْدَ صَرْفِهَا وَٱبْنَيْهَا: لقد تمَّ هُنا إعادة لَمِّ شَملِ العائلة حيث التقى موسى بزوجتهِ صِفُّورة وابنَيهِ جِرْشُوم وأَلِيعَازَر. على ما يبدو، فقد أرسلَ موسى عائلتَه إلى مديان في وقتٍ ما، لَرُبَّما خلال ضرباتِ الأوبئة في مصر.
- “هذه هي المرَّة الأُولَى والوحيدة لِذكرِ اسمِ الإبن الثَّاني لِمُوسى، الَّذي يعني اسمهُ إعادة إحياء الإيمان في قلبِ موسى، مُقارنةً مع اليأس الظَّاهِر في اسمِ ’جرشوم.‘” كُول (Cole)
- أَنَا حَمُوكَ يَثْرُونُ، آتٍ إِلَيْكَ وَٱمْرَأَتُكَ وَٱبْنَاهَا مَعَهَا: كان لِمُوسى علاقةٌ خاصَّة مع يثرون. بالرغم من ترَعرُعهِ وتهذيبهِ بكلِّ حكمة المصريِّين وعِلمهم، لَرُبَّما تعلَّم موسى أكثر عن القيادة الحقيقيَّة من الكاهن والرَّاعي يثرون – فقد رعى موسى قطعانَهُ لحين دعوته في جبل سيناء.
- “إنَّه لَمُؤكَّد بأنَّ هذا لا يتَّسِقُ مع دقَّة الكرونولوجيا هُنا. فَمِن الـمُؤكَّد بمكانٍ ما أنَّ هذا قد حصلَ في وقتٍ لاحِق بينما كان النَّاس يتحضَّرون للمغادرة من جبل سيناء. قارِن سفر العدد ١٤:١١-١٧ وتثنية ٧:١-١٤.” للـمُفسِّر آدم كلارك (Adam Clarke) قسمًا طويلًا يتناولُ فيه هذا الأمر كَونَه لا يتَّبِع التَّسلسُل الكرونولوجيّ. مورجان (Morgan)
ب) الآيات (٧-١٢): يُمجِّد يثرون الله عندما يُخبِرُه موسى بما فعله الله.
٧فَخَرَجَ مُوسَى لِٱسْتِقْبَالِ حَمِيهِ وَسَجَدَ وَقَبَّلَهُ. وَسَأَلَ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ عَنْ سَلَامَتِهِ، ثُمَّ دَخَلَا إِلَى ٱلْخَيْمَةِ. ٨فَقَصَّ مُوسَى عَلَى حَمِيهِ كُلَّ مَا صَنَعَ ٱلرَّبُّ بِفِرْعَوْنَ وَٱلْمِصْرِيِّينَ مِنْ أَجْلِ إِسْرَائِيلَ، وَكُلَّ ٱلْمَشَقَّةِ ٱلَّتِي أَصَابَتْهُمْ فِي ٱلطَّرِيقِ فَخَلَّصَهُمُ ٱلرَّبُّ. ٩فَفَرِحَ يَثْرُونُ بِجَمِيعِ ٱلْخَيْرِ ٱلَّذِي صَنَعَهُ إِلَى إِسْرَائِيلَ ٱلرَّبُّ، ٱلَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ أَيْدِي ٱلْمِصْرِيِّينَ. ١٠وَقَالَ يَثْرُونُ: «مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَنْقَذَكُمْ مِنْ أَيْدِي ٱلْمِصْرِيِّينَ وَمِنْ يَدِ فِرْعَوْنَ. اَلَّذِي أَنْقَذَ ٱلشَّعْبَ مِنْ تَحْتِ أَيْدِي ٱلْمِصْرِيِّينَ. ١١ٱلْآنَ عَلِمْتُ أَنَّ ٱلرَّبَّ أَعْظَمُ مِنْ جَمِيعِ ٱلْآلِهَةِ، لِأَنَّهُ فِي ٱلشَّيْءِ ٱلَّذِي بَغَوْا بِهِ كَانَ عَلَيْهِمْ». ١٢فَأَخَذَ يَثْرُونُ حَمُو مُوسَى مُحْرَقَةً وَذَبَائِحَ لِلهِ. وَجَاءَ هَارُونُ وَجَمِيعُ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ لِيَأْكُلُوا طَعَامًا مَعَ حَمِي مُوسَى أَمَامَ ٱللهِ.
- فَخَرَجَ مُوسَى لِٱسْتِقْبَالِ حَمِيهِ وَسَجَدَ وَقَبَّلَهُ: بالرغم من أنَّه قائدٌ لأُمَّة، فقد أكرمَهُ موسى كَحَمِيهِ وككاهنٍ لله العليّ. فَمَقامُهُ في القيادة لَم يجعله مُتكبِّرًا.
- “إنَّ المشهدَ برُمَّته لَهُوَ مُجاملَة شرقيَّة. فكِلا الرَّجُلَين رئيسان بحدِّ ذاتهما وقد تصرَّفا بناءً على هذا الأساس.” كُول (Cole)
- وَكُلَّ ٱلْمَشَقَّةِ … فَخَلَّصَهُمُ ٱلرَّبُّ: أعطى موسى يثرون تقريرًا صادِقًا، واصِفًا كُلًّا من المشقَّات والخلاص.
- ٱلْآنَ عَلِمْتُ أَنَّ ٱلرَّبَّ أَعْظَمُ مِنْ جَمِيعِ ٱلْآلِهَةِ: من الـمُحتمَلِ بمكانٍ ما بأن يكون يثرون على اطِّلاع على هذا الأمر، ذلك لأنَّه كان كاهنَ مديان (خروج ١٦:٢، ١:٣، و١:١٨). لكنَّه عندما سمِعَ عن أعمال الله العظيمة الـمُتفوِّقة على آلِهة المصريِّين، ترسَّخت هذه الحقيقة عندَهُ بشكلٍ أوضَح.
- “قد لا يكون هذا توحيدًا حقيقيًّا (الإيمان بالله الواحِد)، لكنَّه يقودُ حتمًا إلى الأُحاديَّة (عبادةُ إلهٍ واحِدٍ دون الآخَرين) بشكلٍ منطقيّ.” كُول (Cole)
ثانيًا. نصيحةُ يثرون لِمُوسى
أ ) الآيات (١٣-١٦): يُراقِبُ يثرون موسى وهو يقضي للنِّزاعات النَّاشئة بين بَني إسرائيل.
١٣وَحَدَثَ فِي ٱلْغَدِ أَنَّ مُوسَى جَلَسَ لِيَقْضِيَ لِلشَّعْبِ. فَوَقَفَ ٱلشَّعْبُ عِنْدَ مُوسَى مِنَ ٱلصَّبَاحِ إِلَى ٱلْمَسَاءِ. ١٤فَلَمَّا رَأَى حَمُو مُوسَى كُلَّ مَا هُوَ صَانِعٌ لِلشَّعْبِ، قَالَ: «مَا هَذَا ٱلْأَمْرُ ٱلَّذِي أَنْتَ صَانِعٌ لِلشَّعْبِ؟ مَا بَالُكَ جَالِسًا وَحْدَكَ وَجَمِيعُ ٱلشَّعْبِ وَاقِفٌ عِنْدَكَ مِنَ ٱلصَّبَاحِ إِلَى ٱلْمَسَاءِ؟» ١٥فَقَالَ مُوسَى لِحَمِيهِ: «إِنَّ ٱلشَّعْبَ يَأْتِي إِلَيَّ لِيَسْأَلَ ٱللهَ. ١٦إِذَا كَانَ لَهُمْ دَعْوَى يَأْتُونَ إِلَيَّ فَأَقْضِي بَيْنَ ٱلرَّجُلِ وَصَاحِبِهِ، وَأُعَرِّفُهُمْ فَرَائِضَ ٱللهِ وَشَرَائِعَهُ».
- وَحَدَثَ فِي ٱلْغَدِ أَنَّ مُوسَى جَلَسَ لِيَقْضِيَ لِلشَّعْبِ: من المنطقيّ القَول، بأنَّه بين هذه الجماعة الكبيرة ستنشأُ بشكلٍ طبيعيّ خلافاتٌ عدَّة وأسئلةٌ في التَّحليل يجب التَّنبُّهَ لها وحلَّها. بحسب الظَّاهِر، لقد كان موسى فعليًّا القاضي الوحيد الـمُعترَف به في الأُمَّة، لذلك فقد كان عملُ سماعه لكلِّ قضيَّة يحتلُّ حيِّزًا هامًّا من وقتهِ، فَوَقَفَ ٱلشَّعْبُ عِنْدَ مُوسَى مِنَ ٱلصَّبَاحِ إِلَى ٱلْمَسَاءِ. لاحظَ يثرون ذلك واستفسر من موسى عن هذا الأمر.
- وَحَدَثَ فِي ٱلْغَدِ أَنَّ مُوسَى جَلَسَ لِيَقْضِيَ … وَجَمِيعُ ٱلشَّعْبِ وَاقِفٌ: “جلس … وقف هي كلِماتٌ تقنيَّة للشَّريعة السَّاميَّة، وتدلُّ إلى ’قاضي‘ و ’مُتقاضي،‘ على التَّوالي.” كُول (Cole)
- وَأُعَرِّفُهُمْ فَرَائِضَ ٱللهِ وَشَرَائِعَهُ: لأنَّ موسى عرف الله وكلِمتَهُ، فقد كان قادرًا على الحُكم بالعدل لجهَّة الخلافات النَّاشئة بين بَني إسرائيل. بالرغم من ذلك، فإنَّ أخذَ هذه المسؤوليَّة على عاتقهِ مُنفرِدًا، كان حِملًا ثقيلًا.
ب) الآيات (١٧-١٨): ينصَح يثرون موسى من أجلِ تغيير توجُّههِ الحاليّ.
١٧فَقَالَ حَمُو مُوسَى لَهُ: «لَيْسَ جَيِّدًا ٱلْأَمْرُ ٱلَّذِي أَنْتَ صَانِعٌ. ١٨إِنَّكَ تَكِلُّ أَنْتَ وَهَذَا ٱلشَّعْبُ ٱلَّذِي مَعَكَ جَمِيعًا، لِأَنَّ ٱلْأَمْرَ أَعْظَمُ مِنْكَ. لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصْنَعَهُ وَحْدَكَ.
- لَيْسَ جَيِّدًا ٱلْأَمْرُ ٱلَّذِي أَنْتَ صَانِعٌ: لَم يكُن الأمرُ وكأنَّ موسى لَم يكُن صالِحًا لِسَماع خلافاتهم؛ لَم يكُن الأمرُ وكأنَّه لَم يكترِث لخلافاتهم؛ لَم يكُن الأمرُ وكأنَّ هذا العمَل دون مُستواه، ولَم يكُن الأمرُ وكأنَّ الشَّعب لَم يُرِد من موسى سماعَ خلافاتهم. لقد كانت الـمُشكِلَة بكُلِّ بساطة بحجم العمل الَّذي كان كبيرًا جدًّا ولا يستطيع موسى وحدَه التَّعامُلَ معه. لقد توزَّعت طاقتهُ واستُنفِذَت بشكلٍ غير حكيمٍ، وبالتَّالي تأخَّرت العدالَة جرَّاءَ ذلك للكثيرين من إسرائيل.
- لقد كان موسى مُحتاجًا إلى مندوبٍ أو مُفوَّضٍ، حتَّى كما في أعمال الرُّسُل ٢:٦-٤ عندما أصرَّ الرُّسُل على انتدابِ أو انتخاب آخَرين في الخدمة، ذلك لأنَّهُ … لَا يُرْضِي أَنْ نَتْرُكَ نَحْنُ كَلِمَةَ ٱللهِ وَنَخْدِمَ مَوَائِدَ.
- لِأَنَّ ٱلْأَمْرَ أَعْظَمُ مِنْكَ. لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصْنَعَهُ وَحْدَكَ: بالرغم من إرجاع الفضلِ في ذلك إلى موسى، فقد كان قابلًا للتَّعلُّم؛ عندما قال يثرون لَيْسَ جَيِّدًا ٱلْأَمْرُ ٱلَّذِي أَنْتَ صَانِعٌ، سَمِع موسى لهُ. لقد عَلِمَ موسى بكيفيَّة عدم الإنحناء لِتذمُّر بَني إسرائيل (خروج ٣:١٧)، لكنَّه عرف أيضًا كيف يسمع للنَّصيحة أو المشورة التَّقويَّة الصَّالِحة من رجُلٍ مثل يثرون.
- “إنَّ الرِّجالَ المدعوِّين من الله هُم دائمًا في خطر التَّعرُّض لِشَملِ وحَملِ ما هو أكثر من طاقاتهم.” مورجان (Morgan)
ج) الآيات (١٩-٢٠): ينصَح يثرون موسى لكي يُصلِّي ويُعلِّم.
١٩اَلْآنَ ٱسْمَعْ لِصَوْتِي فَأَنْصَحَكَ. فَلْيَكُنِ ٱللهُ مَعَكَ. كُنْ أَنْتَ لِلشَّعْبِ أَمَامَ ٱللهِ، وَقَدِّمْ أَنْتَ ٱلدَّعَاوِيَ إِلَى ٱللهِ، ٢٠وَعَلِّمْهُمُ ٱلْفَرَائِضَ وَٱلشَّرَائِعَ، وَعَرِّفْهُمُ ٱلطَّرِيقَ ٱلَّذِي يَسْلُكُونَهُ، وَٱلْعَمَلَ ٱلَّذِي يَعْمَلُونَهُ.
- كُنْ أَنْتَ لِلشَّعْبِ أَمَامَ ٱللهِ: كانت هذه أُولَى الخطوات الضَّروريَّة على طريق التَّفويض والإنتداب بالنِّسبة إلى موسى. فقد كان عليهِ أن يُصلِّي من أجل النَّاس؛ وكان على موسى أيضًا بأن يَكُنْ لِلشَّعْبِ أَمَامَ ٱللهِ. كانت الصَّلاة جانِبًا حيويًّا في قيادة موسى لِشَعبه.
- وَعَلِّمْهُمُ ٱلْفَرَائِضَ وَٱلشَّرَائِعَ: لكي يكون موسى فعَّالًا في القيادة والتَّفويض، كان عليه أن يُعلِّم كلِمة الله ليس فقط لِأُولئك الَّذين يستَمِع لخلافاتهم، بل أيضًا لكلِّ الَّذين من الـمُمكِن أن تنشأ الخلافات بينهم.
- لَو قُدِّر للنَّاس بأن يعرفوا كلمة الله بأنفسهم، لَحُلَّت الكثير من الخلافات النَّاشئة على الفور. أيضًا، لَو عرفوا كلِمة الله بأنفسهم، فلَن يخوروا إذا لم يكُن بإمكانهم الإتيان بنزاعاتهم وخلافاتهم إلى موسى – ذلك لأنَّهم عرفوا أنَّ أحد الَّذين انتدبهم موسى للخدمة يُمكنه أن يُقدِّم المشورة من حكمة الله.
- هُناك تشبيهٌ واضِح بين قيادة موسى لإسرائيل وقيادة الخادم لِشَعب الله. لا يتَّفق التَّشبيه في جميع الأَوجُه، بل في العديد من الجوانب:
- لقد لُوحِظَ بأنَّ الله هو القائد الحقيقيّ للشَّعب.
- من غير الـمُمكِن أن يقوم القائد بعمل القيادة وحيدًا.
- هُناك مسؤوليَّة خاصَّة مُلقاة على عاتِق القائد في الصَّلاة والتَّعليم.
- يجب على القائد أن يختار ويُدرِّب ويُعطي السُّلطة للآخَرين من أجل الـمُساعدة في العمل.
- للشَّعبِ دورٌ مُحدَّدٌ في كُلِّ هذا (تثنية ١٣:١).
- “يُمكِن أن يُقارَن الخادِمَ المسيحيّ بموسى في بعض الجوانب، ذلك لأنَّه مُفرَزٌ كقائدٍ في وسط جماعة الإخوة؛ لذلك، فإنَّ عملهُ ليس فقط في تعليم النَّاس بل بالتَّضرُّع من أجلهم أمام الله.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (٢١-٢٢): ينصَح يثرون موسى لانتدابِ المسؤوليَّة في حلِّ الخلافات.
٢١وَأَنْتَ تَنْظُرُ مِنْ جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ ذَوِي قُدْرَةٍ خَائِفِينَ ٱللهَ، أُمَنَاءَ مُبْغِضِينَ ٱلرَّشْوَةَ، وَتُقِيمُهُمْ عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ، وَرُؤَسَاءَ مِئَاتٍ، وَرُؤَسَاءَ خَمَاسِينَ، وَرُؤَسَاءَ عَشَرَاتٍ، ٢٢فَيَقْضُونَ لِلشَّعْبِ كُلَّ حِينٍ. وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ ٱلدَّعَاوِي ٱلْكَبِيرَةِ يَجِيئُونَ بِهَا إِلَيْكَ، وَكُلَّ ٱلدَّعَاوِي ٱلصَّغِيرَةِ يَقْضُونَ هُمْ فِيهَا. وَخَفِّفْ عَنْ نَفْسِكَ، فَهُمْ يَحْمِلُونَ مَعَكَ.
- وَأَنْتَ تَنْظُرُ مِنْ جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ ذَوِي قُدْرَةٍ خَائِفِينَ ٱللهَ: كانت هذه الخطوة التَّالية في الإنتداب الفعَّال بالنِّسبة إلى موسى. يفشَل الإنتداب إذا لَم يُوضَع العمل بين أيدٍ كفوءة لِرجالٍ أتقياء. هُناك فقط رجالٌ مُخصَّصون وصالحون للقيام بهذا العمل:
- رجالٌ لهم القدرة: ذَوِي قُدْرَةٍ.
- رجالٌ أتقياء: خَائِفِينَ ٱللهَ.
- رجالٌ مملوؤون بكلِمة الله: أُمَنَاءَ.
- رجالٌ شرفاء: مُبْغِضِينَ ٱلرَّشْوَةَ.
- يعني هذا بأنَّ على موسى أن يُتمِّمَ دورًا حيويًّا كقائد: أن يُطوِّرَ ويُنصِّبَ قادةً جُدُدًا. “لا يوجَد أيُّ فنٍّ في العالَم أعظم من تطوير القدرات النَّائمة لِأُولئك الَّذين حولَنا، وذلك بتسخيرهم وربطهم في الخدمة النَّافعة.” ماير (Meyer)
- لقد أعطى الرَّسُول بولس مشورةً مُماثِلَة إلى تيموثاوس في ٢ تيموثاوس ٢:٢، وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا.
- وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ ٱلدَّعَاوِي ٱلْكَبِيرَةِ يَجِيئُونَ بِهَا إِلَيْكَ: لكي يستطيع موسى مُمارسَة الإنتداب الفعَّال، عليه بأن يُراقِب ويُمارس دوره في القيادة بالنِّسبة إلى أُولئك الَّذين يعملون تحت إشرافه. فالإنتدابُ هو مُمارسةٌ للقيادة، وليس تركَها.
هـ) الآية (٢٣): يقول يثرون لِمُوسى بأنَّ الخير يتبَع من المشورة الصَّالِحة.
٢٣إِنْ فَعَلْتَ هَذَا ٱلْأَمْرَ وَأَوْصَاكَ ٱللهُ تَسْتَطِيعُ ٱلْقِيَامَ. وَكُلُّ هَذَا ٱلشَّعْبِ أَيْضًا يَأْتِي إِلَى مَكَانِهِ بِٱلسَّلَامِ».
- إِنْ فَعَلْتَ هَذَا ٱلْأَمْرَ وَأَوْصَاكَ ٱللهُ: لقد عرفَ يثرون بأنَّ مشورتَهُ قد أتت من خارج المجتمع الإسرائيليّ، ولَرُبَّما من مدرسةٍ في الإدارة أكثرَ منها مدرسةً كتابيَّة مُقدَّسة موجودةً بالفعل. لذلك، فقد كان حريصًا جدًّا بأن يقول لِمُوسى بأنَّه ينبغي أن يكون مُتأكِّدًا بأنَّ الله قد أوصى بهذا الـمَنحَى، وليس موسى.
- “كلُّ نصيحةٍ أو مَشورة نأخذها من البشر يجب أن تُفحَصَ بتحويل الأمر إلى الله من أجلِ الـمُصادَقة عليها وتغييرها.” مورجان (Morgan)
- تَسْتَطِيعُ ٱلْقِيَامَ: كانت هذه الـمُكافأة الأُولى للإنتداب الفعَّال. سَيَسْعَد موسى، ذلك لأنَّه سيتمتَّع بالحياة أكثر وسيكون بإمكانهِ أن يَبرعَ في العمل أكثر من ذي قبل، مُتجنِّبًا الإرهاق النَّاتج عن حلِّه لِكُلِّ خلاف.
- وَكُلُّ هَذَا ٱلشَّعْبِ أَيْضًا يَأْتِي إِلَى مَكَانِهِ بِٱلسَّلَامِ: كانت الـمُكافأة الثَّانية له بأنَّ النَّاس سوف يُخدَمون بشكلٍ فعَّال. يُقال بأنَّ العدالة الـمُتأخِّرة هي ليست بعدالةٍ بل هي عدالةٌ مرفوضة، وبذلك يُمكِن للخلافات أو النِّزاعات أن يُمنَعَ حدوثَها، أو تُحَلُّ من قِبَل الأطراف المعنيِّين أنفَسَهُم (بتعليمهم ناموس الله)، أو من قِبَل القادة الَّذين انتدبهم أو عيَّنهم موسى.
- لهذه الطَّريقة أيضًا، مَيِّزة أو فائدة حلِّ المشاكل بسرعة، فَتَنتفي الحاجة إلى الوقوف في صفوفٍ من الطَّوابير مُنتظرين موسى. “كُلَّما طالَ أمَدُ الجدال أو الخلاف، كُلَّما ساءَت وتعقَّدت الأُمور، وتسارعت الكلِمات الحامية، وتورَّط الكثير من المارَّةِ في الموضوع.” ماير (Meyer). قال يسوع بضرورة مُوافقتنا على إرضاء الخصم سريعًا (متَّى ٢٥:٥).
و ) الآيات (٢٤-٢٧): يُوافِق موسى على اقتراحات يثرون الَّذي يَهِمُّ بالمغادَرَة.
٢٤فَسَمِعَ مُوسَى لِصَوْتِ حَمِيهِ وَفَعَلَ كُلَّ مَا قَالَ. ٢٥وَٱخْتَارَ مُوسَى ذَوِي قُدْرَةٍ مِنْ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَجَعَلَهُمْ رُؤُوسًا عَلَى ٱلشَّعْبِ، رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ، وَرُؤَسَاءَ مِئَاتٍ، وَرُؤَسَاءَ خَمَاسِينَ، وَرُؤَسَاءَ عَشَرَاتٍ. ٢٦فَكَانُوا يَقْضُونَ لِلشَّعْبِ كُلَّ حِينٍ. ٱلدَّعَاوِي ٱلْعَسِرَةُ يَجِيئُونَ بِهَا إِلَى مُوسَى، وَكُلُّ ٱلدَّعَاوِي ٱلصَّغِيرَةِ يَقْضُونَ هُمْ فِيهَا. ٢٧ثُمَّ صَرَفَ مُوسَى حَمَاهُ فَمَضَى إِلَى أَرْضِهِ.
- فَسَمِعَ مُوسَى لِصَوْتِ حَمِيهِ وَفَعَلَ كُلَّ مَا قَالَ: لقد علَّم الله موسى بواسطة شخصٍ خارجيّ، وسَمِعَ له موسى. فقد اتَّبعَ موسى بحكمةٍ مشورةَ يثرون، الأمر الَّذي وبكُلِّ تأكيدٍ، وسَّع تخوم خدمتِهِ وجعلَهُ أكثر فعاليَّةً.
- “لله طُرُقٌ كثيرة في إعلان مشيئتهِ لِعَبيده.” مورجان (Morgan)
- رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ، وَرُؤَسَاءَ مِئَاتٍ، وَرُؤَسَاءَ خَمَاسِينَ، وَرُؤَسَاءَ عَشَرَاتٍ: في طريقة وأُسلوبِ موسى في الإدارة، تتواجدُ الهرَميَّة بشكلٍ يُحتِّمُ وجودَ مراكِزَ أعلى من مراكِزَ أُخرى. بالرغم من ذلك، فقد أكرَمَ الله الخدمة الأمينة التي قامَ بها رُؤَسَاءُ عَشَرَاتٍ بنفس مقدار الخدمة التي قامَ بها رُؤَسَاءُ أُلُوفٍ.
- لقد كان هذا جيِّدًا بالنِّسبة إلى موسى. فهو يُمكِنهُ الآن بأن يُركِّزَ على تلك الأُمور الأهمِّ، فلا يُربَك ويُرهَق بالأمور الصَّغيرة والثَّانويَّة.
- لقد كان هذا جيِّدًا بالنِّسبة إلى القادة الَّذين اختارهم موسى. رجالٌ أكفاء أُعطوا مسؤولياتٍ حقيقيَّة وتمتَّعوا بالفرصة لخدمة شعب الله بطرقٍ ذاتِ معنًى، الأمر الَّذي يدفع بعمل الله قُدُمًا إلى الأمام.
- لقد كان هذا جيِّدًا بالنِّسبة إلى الجماعة. لقد صلَّى موسى من أجل هذه الجماعة وعلَّمَها، لذلك أصبحوا قادرين على حلِّ أُمورهم بأنفسهم. فعندما كانوا يحتاجون إلى حلِّ نزاعٍ مُعيَّن، كانوا يحصلون على اهتمامٍ سريع وأفضل من القادَة الـمُنتدبين بل أكثر من موسى نفسِه.
- “من الأفضل تعيين مئةِ رجُلٍ للعمل بدل العمل من أجل مئةِ رجُلٍ.” د. ل. مودي (D.L. Moody)