خروج ٢٠
الوصايا العشر
أولًا. أربعُ وصايا مُتعلِّقة بالسُّلوك أمام الله.
أ ) الآية (١): مُقدِّمة إلى الوصايا العشر.
١ ثُمَّ تَكَلَّمَ ٱللهُ بِجَمِيعِ هَذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ قَائِلًا:
١. ثُمَّ تَكَلَّمَ ٱللهُ: من الـمُستحسَن أن نعتقِد بأنَّ ٱلله قد تَكَلَّمَ بهذه الكلِمات لإسرائيل كجماعة، بينما كانوا مُجتمعين معًا عند سَفْحِ جبل سيناء. هُناك، أجابه الله ]موسى[ بصَوتٍ (خروج ١٩:١٩)، بينما كان موسى بين الشَّعب عند سَفْحِ جبل سيناء.
“لقد كانت هذه الوصايا بعد كُلِّ ذلك مُوَجَّهة إلى إسرائيليِّين عاديِّين، وليس إلى نُخبةٍ دينيَّة في أيَّامهم: فهيَ مُعبَّرٌ عنها بكلِمات بسيطة لكنَّها قويَّة، مفهومة من الجميع، وتتعامَل مع التَّجارِب التي يتعرَّضُ لها الإنسان العاديّ، وليس اللَّاهوتيّ.” كُول (Cole)
بعد هذا، طلب النَّاس ألَّا يتكلَّم الله معهم بشكلٍ مُباشر، وبأن يكونَ موسى مُرسَلًا (خروج ١٨:٢٠-١٩). وبعد هذا أيضًا، رَجِعَ موسى إلى الجبل ليأخُذَ إعلانًا إضافيًّا من الله للشَّعب (خروج ٢١:٢٠).
في قراءةٍ مُتمعِّنة لهذه الوصايا، يجب دائمًا التَّذكُّر بأنَّ إسرائيل سَمِعَ أوَّلًا هذه الأوامِر التي نطقَ الله بها من السَّماء بصوتٍ مسموع. لقد سبَّبَ ذلك أقوى تأثيرٍ موثوقٍ مُمكِن على الشَّعب.
٢. تَكَلَّمَ ٱللهُ بِجَمِيعِ هَذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ: لَم يتمَّ اختراع هذه الوصايا على جبل سيناء. فبعضُ جوانِب النَّاموس الموسويّ تُظهِرُ إعلانًا جديدًا، لكنَّه بمُجملهِ يضعُ ناموس الله بوضوحٍ بسيط وأكيد، ذلك لأنَّه قد كُتِبَ في قلبِ الإنسان منذ وقتِ آدَم.
“إنَّه لَمِنَ الخطأِ بمكانٍ ما السَّرقة أو القتل أو اشتهاء مُلكِ الغير، ليس في المقام الأوَّل، بسببِ أنَّ هذه الخطايا هي ممنوعة بحسب الوصايا العشر. وذلك لأنَّها كانت ممنوعة من قَبل من قِبَل الضَّمير؛ وهي ممنوعة من الضَّمير بسببِ أنَّها ممنوعة بطبيعة الأشياء؛ وطبيعةُ الأشياءِ هي الله.” ماير (Meyer)
“لقد قيلَ حسنًا بأنَّ الوصايا العشر هي طبيعة الله الـمُعبَّر عنها بحسب الضَّرورات الأخلاقيَّة.” كُول (Cole)
في كتابهِ بعنوان: (The Abolition of Man)، شرحَ ك. س. لويس (C.S. Lewis) كيفيَّة وجودٍ حتميٍّ لأخلاقٍ عالميَّة بين البشَر. لقد أعطى أمثلةً محسوسة من قَبيل كيف أنَّ الثَّقافات في القديم كانت قادِرَة على الإتِّفاق على أساسيَّات الأخلاق، ذلك لأنَّ هذه المبادئ مزروعة في قلب وعقلِ البشريَّة.
جميعُ الثَّقافاتِ قالت بأنَّ القتل هو أمرٌ خاطئ، بينما اللُّطفُ فهو أمرٌ جيِّد. يتَّفق الجميع بأنَّ لدينا التزاماتٍ خاصَّة تجاه عائلتنا. الجميع يقولون بأنَّ الأمانة هي أمرٌ جيِّد وبأنَّ الرَّجُل لا يستطيع أن يأخذ المرأة التي يُريد. يتَّفقون بأنَّ السَّرقة هي أمرٌ خاطئ، وبأنَّ العدالة جيِّدة. لا توجَد أيَّةُ ثقافةٍ نجد فيها أنَّ الجُبنَ هو أمرٌ جيِّد، والشَّجاعةُ خاطئة.
٣. تَكَلَّمَ ٱللهُ بِجَمِيعِ هَذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ: إنَّ القانون الأخلاقيّ المبنيّ على الله قد حدَّد مَن هو إلهُ إسرائيل – إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب – بالاستقلاليَّة عن الآلهة الشَّائعين المعبودين من قِبَل العالَم الوثنيّ في ذلك الوقت. لقد كانوا غالِبًا مُجرَّد آلِهة غير أخلاقيِّين أكثر من أتباعهم البشريِّين.
إنَّ القانون الأخلاقيّ المبنيّ على الله أيضًا وضع ركيزة أنَّ هذا الشَّعب، هذه الأُمَّة الإسرائيليَّة، تنتمي إلى الله وليس إلى موسى. لَم تكن هذه شريعة موسى (بالرغم من أنَّنا نُشير إليها كذلك). خلافًا لذلك، لقد تَكَلَّمَ ٱللهُ بِجَمِيعِ هَذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ، ولا يُمكن أن يُفكِّر أحدٌ بأنَّ موسى أو أيَّ إنسانٍ آخَر يُمكِن أن يسمح للآخرين بالتَّفكير بأنَّه فوق القانون. الله هو فوق الجميع، وشريعته لَهِيَ كانت ولا تزال تعبيرًا عن إرادته.
إنَّ شريعة حَمُورابي لَهِيَ مجموعةٌ أُخرى من الشَّرائع والمبادئ من نفس الحقبة تقريبًا. هُناك بعضُ التَّشابُه بين الوصايا العشر/ النَّاموس الموسويّ وشريعة حَمُورابي، لكنَّ الإختلافات فهيَ عميقة. فبينما تذكر شريعة حَمُورابي آلِهَة بابل، فإنَّ تركيزها ينصَبُّ عليهِ كملِكٍ ومُعطٍ للشَّرائع (بسلطةٍ إلهيَّة، بالطَّبع). تبدأ شريعة حَمُورابي بصفحةٍ تلو الأُخرى بالتَّكلُّمِ عن روعة حَمُورابي وعن مدى إنجازاتهِ. يبدو إذًا، بأنَّ حَمُورابي هو فوق شريعتهِ وهو تجسيدٌ لهذه الشَّريعة. إنَّ الأمر ليس كذلك مع موسى؛ فالتَّركيزُ واضِحٌ: لقد تَكَلَّمَ ٱللهُ بِجَمِيعِ هَذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ، ولا يوجَد أيُّ إنسانٍ فوق القانون.
٤. تَكَلَّمَ ٱللهُ بِجَمِيعِ هَذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ: نحن نحتاج إلى الله من أجل التَّوجيه الأخلاقيّ والإرشاد. بالرغم من أنَّ هذه المبادئ تتناغمُ مع الضَّمير الإنسانيّ (فرديًّا وجماعيًّا)، فبكلِّ تأكيدٍ هي ليست الـمُؤثِّر الوحيد على تفكيرنا وتصرُّفنا. نحن نحتاج لأن نعرِف أنَّه يوجَد إلهٌ في السَّماء يتوقَّع تصرُّفًا أخلاقيًّا مُعيَّنًا وأنَّه قد تترتَّبُ نتائجَ عن الطَّاعة أو عدَمِها لهذه الشَّرائع.
إنَّ الوصايا العشر (وكلَّ الوصايا الموسويَّة التي تلَت) هي بمثابة القانون الأخلاقيّ المبنيّ على الله. فهو لا يقول فقط بأنَّ تصرُّفًا ما هو غير حكيم أو غير مُساعِد؛ فهو يقول: إنَّ الله يوصينا بأن نعمل أو لا نعمل أشياء مُحدَّدة، وهو إمَّا يقول أو يُلمِّح إلى أنَّ:
ü الله يرى طاعتنا أو عدم طاعتنا أيضًا.
ü الله يقيس طاعتنا أو عدم طاعتنا.
ü الله، بطريقةٍ ما، يُكافِئُ طاعتنا أو يُعاقِب عدم طاعتنا.
بدون ذلك القانون الأخلاقيّ المبنيّ على الله، فمن الصُّعوبة بمكان ما، أو سيكون مُستحيلًا الإجابة على السُّؤال بِـ ’لماذا؟‘ في الجواب لأيِّ طلبٍ أخلاقيّ.
إنَّ فكرة القانون الأخلاقيّ المبنيّ على الله تبدو بأنَّها تخسَر شعبيَّتها رويدًا رويدًا. وبينما الفكرة التي تعترِف بوجودِ شريعةٍ أخلاقيَّة، تبقى قويَّة، فالميل يزداد وينمو نحو اعتبارِ التَّقدير الإنسانيّ الدَّاخليّ في تحديد الخطأ والصَّواب – وليس على مبدأٍ موضوعٍ من قِبَل الله.
هُناك دافعٌ مُستمرٌّ للقيام بتأسيس شريعةٍ فرديَّة خاصَّة، بالإستقلالية عن الله أو إعلانه. ففي أواخِر الثَّمانينات من القرن الماضي، اقترح الإعلاميُّ الـمُخضرَم تيد تيرنر استبدال الوصايا العشر بِـ ’عشرِ مُبادراتٍ طوعيَّة.‘ كانت قائمة السيِّد تيرنر (Turner) ظاهرة في فشلها ذكرَ الله أو الدِّين بأيَّة طريقةٍ. هذه هي الـمُبادرات الطَّوعيَّة للسيِّد تيرنر:
١) أتعهَّد بأن يكون لي حُبٌّ واحترامٌ لكوكب الأرض والكائنات الحيَّة عليه، وبشكلٍ خاص جنسُ نُظرائي – البشريَّة.
٢) أتعهَّد بأن أُعامِل كلَّ الأشخاص في أيِّ مكانٍ بكرامة واحترام وبودٍّ.
٣) أتعهَّد بأن لا يكونَ لي أكثرُ من ولَدَين، أو أكثر ممَّا تقترحه الأُمَّة.
٤) أتعهَّد بأن أستخدم أفضل طاقاتي لأُنقذ ما تبقَّى من العالَم الطَّبيعيّ في وضعه الأصليّ، وبأن أستعيدَ المناطق الخربة والـمدمَّرة بشكلٍ عمليّ.
٥) أتعهَّد بأن أستخدم كمِّيَّاتٍ قليلة من الطَّاقة غير الـمُتجدِّدة حيث أمكن.
٦) أتعهَّد بأن أستخدم كمِّيَّاتٍ قليلة من المواد الكيميائيَّة السَّامَّة والمبيدات الحشريَّة وسمومًا أُخرى حيث أمكَن، وبأن أعملَ على التَّخفيف من منسوبهم النَّاتج عن الآخرين.
٧) أتعهَّد بأن أُقدِّم للأقلِّ حظًّا منِّي، وبأن أُساعدهم لكي يصيروا مُكتَفين وسعيدين بمنافع الحياة الكريمة، بما فيها الهواء النَّظيف والمياه النَّظيفة والغذاء الصَّحيح والإستشفاء والسَّكَن والتَّعليم والحقوق الفرديَّة.
٨) أتعهَّد بأن أرفضَ استخدام القوَّة، في شكلِ قوَّةٍ عسكريَّة خاصَّة، وبأن أدعم مُنظَّمة الأُمَم الـمُتَّحِدَة في تحكيم النِّزاعات الدَّوليَّة.
٩) أتعهَّد بأن أدعم الإزالَة الكاملة لجميع أسلحة الدَّمار الشَّامِل النَّوويَّة والكيميائيَّة والبيولوجيَّة.
١٠) أتعهَّد بأن أدعم مُنظَّمة الأُمَم الـمُتَّحِدَة ومساعيها الرَّامية إلى التَّحسين الجماعيّ لِأوضاع الكوكب.
٥. تَكَلَّمَ ٱللهُ بِجَمِيعِ هَذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ: يقول لنا الكتاب المقدَّس بأنَّ النَّاموس مُقدَّس وعادِل وصالح (رومية ١٢:٧). وهو يقول لنا أيضًا بأنَّ كلَّ عطيَّةٍ صالحة إنَّما هي من الله (يعقوب ١٧:١). فهذه الوصايا هي عطايا صالِحة قد جاءَت إلى إسرائيل والبشريَّة في جبل سيناء. إن الوصايا العشر هي وصايا صالحة، ذلك بسبب التَّالي:
إنَّها تُظهِرُ الإرشاد الأخلاقيّ الحكيم وحُكمَ (سُلطان) الله.
إنَّها تُجيبُ عن حاجة البشريَّة للإرشاد الأخلاقيّ والحُكم.
إنَّها تُعطينا طريقًا أو فرصةً لِتعليم الأخلاقيَّات.
إنَّها تجعل العالَم أفضلَ مكانًا إذا أُطِيعَت.
إنَّها صالحة لجميع البشَر؛ كانت بعض وصايا النَّاموس الموسويّ خاصَّة بإسرائيل، لكنَّ الوصايا العشر هي عالَميَّة.
إنَّها صالحة عندما تُنشَر ويُتمسَّك بها كمثاليَّات، حتَّى ولَو لَم تتمَّ إطاعتها بشكلٍ كامل.
ü “إنَّ ’الكلِمات العشر‘ لَهِيَ، دفعةٌ واحِدَة، البداية وقلب الإعلان الموسويّ.” كُول (Cole)
٦. تَكَلَّمَ ٱللهُ بِجَمِيعِ هَذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ: من الـمُهمِّ بمكانٍ ما لنا أن نعرفَ ونفهم ونقبل ونُطيعَ جميع هذه الوصايا من مُنطلقٍ كتابيٍّ شامِل، آخذين في عين الإعتبار ماذا يقول باقي سفر الخروج وكذلك العهد الجديد عن شريعة الله وناموسه.
لَم تُعطَ الوصايا العشر أبدًا، مع الفكرة بأنَّ الإنسان يستطيع الحصول على السَّماء بإطاعتها جميعها بشكلٍ كاملٍ ومُنظَّم. إنَّ العهد الَّذي صنعهُ الله مع إسرائيل في جبل سيناء كان أعظَم من النَّاموس، بالرغم من أنَّ ذلك كان الجانب الأوَّل والأكثَر دراماتيكيَّة. هُناك جانبٌ آخَر من العهد يُعنى بِـ الذَّبيحة، وهي التي أُعطِيَت بسبب أنَّ الله وإسرائيل قد عَلِما كلاهما بأنَّه من الـمُستحيل بمكانٍ ما حفظُ النَّاموس بشكلٍ كامِل، لذلك يجب الإعتماد على الذَّبيحة، الضحيَّةِ البريئة،كبديلٍ عن الـمُذنب الـمُخالِف للقانون. وبهذا المعنى، فإنَّ الوصايا العشر كانت كَمِرآةٍ قد أظهرت لإسرائيل حاجتهم للذَّبيحة.
يُمكِن اختصارُ هذه الوصايا العشر كما فعل يسوع في متَّى ٣٥:٢٢-٤٠، وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ نَامُوسِيٌّ، لِيُجَرِّبَهُ قَائِلًا» :يَا مُعَلِّمُ، أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ ٱلْعُظْمَى فِي ٱلنَّامُوسِ؟» . فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «تُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هَذِهِ هِيَ ٱلْوَصِيَّةُ ٱلْأُولَى وَٱلْعُظْمَى .وَٱلثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ .بِهَاتَيْنِ ٱلْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ ٱلنَّامُوسُ كُلُّهُ وَٱلْأَنْبِيَاءُ». إنَّ هذا التَّبسيط الحاصل لا يُلغي الوصايا العشر؛ إنَّه يُكمِّلها، مُظهِرًا لنا قلبَ وشوقَ الله من أجلِ شعبهِ. إنَّ الـمُشكلة تكمنُ في أنَّنا أخفقنا في حفظ هاتَين الوصيَّتَين، فكيف بنا إذا أردنا أن نحفظ الوصايا العشر!
الأهمُّ من ذلك، نحن نعلَم أنَّ يسوع وحدَهُ قد حَفِظَ النَّاموس بالكامل – في كِلا الوصايا العشر والوصيَّتَين المذكورتَين. فهو لَم يكُن مُحتاجًا أبدًا إلى ذبيحةٍ من أجل خطاياه، ذلك لكي يكون ذبيحةً كاملة من أجلِ خطايانا. يا للرَّوعة، إنَّ بركاتَ طاعتهِ تُمنَح لكلِّ الَّذين أحبُّوه ووثِقوا به. تضَع كلمات رومية ٢:٨-٣ هذه الفكرة على الشَّكل التَّالي: لِأَنَّ نَامُوسَ رُوحِ ٱلْحَيَاةِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ ٱلْخَطِيَّةِ وَٱلْمَوْتِ .لِأَنَّهُ مَا كَانَ ٱلنَّامُوسُ عَاجِزًا عَنْهُ، فِي مَا كَانَ ضَعِيفًا بِٱلْجَسَدِ، فَٱللهُ إِذْ أَرْسَلَ ٱبْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ ٱلْخَطِيَّةِ، وَلِأَجْلِ ٱلْخَطِيَّةِ، دَانَ ٱلْخَطِيَّةَ فِي ٱلْجَسَدِ. إنَّ هذا هو وعدُ الله الرَّائع لِأُولئك الَّذين يتوبون ويُؤمنون بيسوع.
إنَّ النَّاموس لَمُؤدِّبُنا (غلاطية ٢٢:٣-٢٥). فقبل أن أُظهِرَت خُطَّة الله للخلاص بيسوع المسيح بشكلِ كامِل، فقد أُبقينا تحت حراسة النَّاموس – بمعنَيَين: مُرتبطين بالنَّاموس، وتحت وصايتهِ. لقد كان النَّاموس بإعلانه عن شخصيَّة الله وإظهارهِ خطيَّتنا، مُحضِّرًا إيَّانا لكي نأتي إلى يسوع – ولكن، بعد مجيئنا إليهِ، لا نعيش فيما بعد تحت إرشاده (بالرغم من تذكُّرنا للسُّلوك الَّذي علَّمنا إيَّاه).
من وجهة نظَر الكتاب المقدَّس برُمَّتهِ، يُمكِنُنا القَول بأنَّهُ كان لِناموسِ الله ثلاثة مقاصِد واستخدامات:
ü إنَّه الدرابزين، الَّذي يحفظ البشريَّة في طريق ومسارِ الأخلاق.
ü إنَّه المرآة، التي تُظهِرُ لنا فشلنا الأخلاقيّ والحاجة إلى الـمُخلِّص.
ü إنَّه الـمُرشِد، الَّذي يُظهِرُ لنا قلبَ ورغبةَ الله لِشَعبهِ.
“إنَّ الرِّسالَة العُظمَى للإيمان المسيحيّ لَهِيَ، من ثمَّ، أنَّنا أُطلِقنا أحرارًا من لعنة النَّاموس لكي نستطيع أن نكون قادرين على تتميمِ التزام القوَّة ]يسوع[ التي فينا.” ريدباث (Redpath).
“إنَّ طاعتي، من ثمَّ، ليست قانونيَّة، بل مُستوحاة من المحبَّة ومدعومة بقوَّة الله بواسطة الرُّوح القدس. فهل يسمح العهد الجديد في النِّعمة، بِمُستوًى أقلَّ من ناموس العهد القديم؟ إنَّ المعيار تحت النِّعمة لَهُوَ أسمَى.” ريدباث (Redpath).
تُقسَم أو تُرتَّب الوصايا العشر في مجموعتَين غالِبًا. فالوصايا الأربَع الأُولَى تُركِّز على سلوكنا تجاه الله، والسِّتُّ الأُخريات على سلوكنا تجاه بعضِنا البعض.
ب) الآيات (٢-٣): الوصيَّة الأُولَى: لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي.
٢ «أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ ٱلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ ٱلْعُبُودِيَّةِ .٣ لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي.
١. أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ: في العالَم القديم (بما فيه مصر)، عبَدَ الإنسانُ آلِهَةً كثيرة. هُنا يهوه (ٱلرَّبُّ)، إلهُ العهد مع إسرائيل، يضع نفسَهُ مُنفصِلًا عن أيٍّ من تلك الآلِهة المزعومة.
ففي هذه الكلمات الأُولَى، قام الله بتذكير وتعليم إسرائيل حقائقَ أو مبادئ أساسيَّة عن مَن يكون هو، أي عن طبيعته.
ü إنَّ الله فوق الطِّبيعة؛ فهو ليس مُجرَّد تجسيد للنَّار أو الرِّيح أو الشَّمس او السَّماء أو أيِّ شيءٍ آخَر مخلوقًا.
ü إنَّ الله شخصيّ؛ فهو ليس قوَّةً غير شخصيَّة؛ وهو يتَّصِل ويتواصَل مع الإنسان بطريقةٍ مفهومة. لله عقلٌ وإرادة وصوت، وإلى ما هُنالك.
ü إنَّ الله صالِح؛ لقد كان صالحًا مع إسرائيل والآن هو صالحٌ معهم بإعطائهم الوصايا، التي إن حُفِظَت فستكون ليست سبب رضًى لديه فحسب، بل الأفضل بحقٍّ للبشريَّة.
ü إنَّ الله قدُّوس؛ فهو مُختلِفٌ عن تلك الآلِهَة المزعومة للوثنيِّين، وهو من ثمَّ يتوقَّع بأن يكون شعبُهُ مُختلِفًا.
يبدو بأنَّ شكلَ هذه الوصايا والعهد كان معروفًا في العالَم القديم. “يُشيرُ معظم الباحثون إلى تشابهٍ بين هذه الدِّيباجة التَّاريخيَّة الـمُستهلَّة (الـمُتبَعَة بشروطها وشهودها وأُسُسِ استمراريَّتها) وبين معاهدة ’ولاية الملوك العظيمة‘ في مناطق الشَّرق الأدنى القديم.” كايزر (Kaiser)
٢. ٱلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ ٱلْعُبُودِيَّةِ: قبل أن يأمرَ ويوصي الله إسرائيل بأيِّ شيءٍ، فقد ذكَّرهم بماذا قام بفعله من أجلهم. لقد كان هذا أساسًا واضحًا: ذلك بسبب مَن هو الله وما قام بفعله من أجلنا، فإذًا له الحقُّ بالطَّلبِ إلينا عمَّا نفعله – ونحن بدورنا علينا الإلتزام بأن نُطيعَه.
“لَم ينشُر الله وثيقة شرائع وقوانين لِبَني إسرائيل، بينما كانوا في العبوديَّة، قائلًا أنَّه إذا أطاعوه، فسيُحرِّرَهُم. لقد أخرجهم من أرضِ مصرَ، من بيت العبوديَّة، ومن ثمَّ أعطاهم شريعته.” مورجان (Morgan)
“إنَّ بركاتَ الله لَمُلزِمة؛ فكلُّ خلاصٍ هو مُرتبطٌ بالطَّاعة.” ترَاب (Trapp)
٣. لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي: لقد انبثقت الوصيَّة الأُولَى بشكلٍ منطقيٍّ من فَهم مَن كان الله وما الَّذي قام بفعلِهِ لإسرائيل. وبسبب ذلك، لا شيءَ يُمكِنه أن يأتي قبل الله، فهو الإله الوحيد الَّذي نعبُد ونخدِم.
في أيَّام إسرائيل القديم، تواجدت تجربةٌ عظيمة تمثَّلت في عبادة الآلِهَة الحسِّيَّة (مثل بَعْل، إلهُ الطَّقس والنَّجاح الماليّ) والجنسيَّة (مثل عشتروت، إلهَةُ الجنس والغرام والتَّناسُل)، أو أيِّ عددٍ آخَر من الآلِهة المحلِّيَّة. نحن مُعرَّضون لعبادة نفس الآلِهَة هذه، ولكن من دون أسمائها وصُوَرِها القديمة العهد.
لقد قيلَ، لَرُبَّما أوَّلًا بواسطة جون كالفن (John Calvin) بأنَّ الطَّبيعة البشريَّة تُشبِه مصنعًا للآلِهَة يعمل باستمرار. فنحن نتعامل باستمرارٍ مع جميع أنواع الأُمور التي تتنافسُ مع الله وموقعهِ السَّامي في حياتنا.
٤. لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي: لا يعني هذا بأنَّه يُسمَح لوجودِ آلِهَةٍ أُخرى، لطالَما تلطَّت وراء الإله الحقيقيّ. بدلًا من ذلك، فإنَّ الفكرة تُشير إلى عدم إمكانيَّة وجودِ آلِهَةٍ أُخرى في نظر الله في حياتنا. بالنِّسبة إلى كُول، تعني أَمَامِي حرفيًّا، في وجهي.
هذا يعني بأنَّ الله يُطالِب بأن يكون أكثر من إضافةٍ إلى حياتنا. لا نُضيف يسوع إلى حياةٍ موجودةٍ أصلًا. يجب أن نُقدِّمَ له كُلَّ حياتنا.
إن الفشل في طاعة هذه الوصيَّة يُدعى الوثنيَّة أو عبادة الأصنام. يجب أن نهرُبَ من عبادة الأصنام (١ كورنثوس ١٤:١٠). وتلك الحياة المختومة بعبادة الأصنام العاديَّة لَن ترِثَ ملكوت الله (١ كورنثوس ٩:٦-١٠، أفسس ٥:٥، رؤيا ٨:٢١، ١٥:٢٢). إنَّ عبادة الأصنام هي بمثابة أعمال الجسد (غلاطية ١٩:٥-٢٠)، التي تُشيرُ إلى طبيعة حياتنا القديمة بدل الجديدة (١ بطرس ٣:٤)، لذلك لا يجب أن نشترك مع أُولئك الَّذين يُسمُّون أنفسَهُم مسيحيِّين، لكنَّهم بالحقيقةِ وثنيِّين (١ كورنثوس ١١:٥).
ج) الآيات (٤-٦): الوصيَّة الثَّانية: لَا تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا … لَا تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلَا تَعْبُدْهُنَّ.
٤ لَا تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، وَلَا صُورَةً مَا مِمَّا فِي ٱلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي ٱلْأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي ٱلْمَاءِ مِنْ تَحْتِ ٱلْأَرْضِ .٥ لَا تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلَا تَعْبُدْهُنَّ، لِأَنِّي أَنَا ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ إِلَهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ ٱلْآبَاءِ فِي ٱلْأَبْنَاءِ فِي ٱلْجِيلِ ٱلثَّالِثِ وَٱلرَّابِعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ، ٦ وَأَصْنَعُ إِحْسَانًا إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ.
١. لَا تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا: لقد نهَت الوصيَّة الثَّانية ليس فقط عن عبادة الأصنام الـمُتعلِّقة بالآلِهَة الكاذِبة (مُتداخِلَة مع الوصيَّة الأُولَى)، بل أيضًا عن صُنعِ صورةٍ عن أيِّ شيءٍ مخلوق يُمكِنُنا أن نعبُدَه (لَا تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلَا تَعْبُدْهُنَّ).
يأخذ البعض هذه الوصيَّة من أجلِ مَنْعِ أيِّ تمثيلٍ صوريّ عن الله، مثل تلك اللَّوحة عن يسوع أو صورة الحمامة مُمثِّلةً الرُّوح القدس، أو أيِّ تمثيلٍ آخَر. بالرغم من ذلك، يُشدِّد البعض الآخَر على أنَّ هذا النَّهي إنَّما يطالُ بالفعل صُنعَ صورةٍ يُمكِن استخدامها في العبادة (لَا تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلَا تَعْبُدْهُنَّ).
مُتكلِّمًا في وقتٍ لاحِق عن اختبارِ إسرائيل في سيناء، كتب موسى: فَكَلَّمَكُمُ ٱلرَّبُّ مِنْ وَسَطِ ٱلنَّارِ وَأَنْتُمْ سَامِعُونَ صَوْتَ كَلَامٍ، وَلَكِنْ لَمْ تَرَوْا صُورَةً بَلْ صَوْتًا (تثنية ١٢:٤). لقد أسَّسَ هذا الأمرُ لتلك القاعدة بأنَّ عبادة الله يجب أن تكون مبنيَّة على الكلِمة وليس على الصُّورة.
٢. وَلَا صُورَةً مَا مِمَّا فِي ٱلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي ٱلْأَرْضِ مِنْ تَحْتُ: في تلك الأيَّام كما في أيَّامنا هذه، كانت ترتبط العبادة بشكلٍ وثيق بالصُّوَر – صُوَر مثاليَّة، أو حتَّى صُوَر من بناتِ أفكار الإنسان. لَن يسمح الله لنا بوصفهِ بأيِّ من هذه الصُّوَر، أو باستبدالهِ بصورةٍ أُخرى.
لا تمنع الوصيَّة الثَّانية صُنعَ صورةٍ أو شيءٍ شبيهٍ بها لأهدافٍ فنِّيَّة؛ لقد أمر الله نفسه بِصُنعِ صُوَرٍ للكروبيم (خروج ١٨:٢٥، ٣١:٢٦). لكنَّها تنهي عن صُنعِ صُوَرٍ مُساعِدة في العبادة. “إذا كان صُنعُ الكروبيم مسموحًا، فهذا يدلُّ على أنَّ منعَ ’الصُّورة‘ يُشيرُ فقط إلى صُنعِ أجسامٍ مُباشرة للعبادة.” كُول (Cole)
“في تأييدٍ لِمُمارسة عبادة الصُّوَر، استثنت الكنيسة الكاثوليكيَّة الرُّومانيَّة هذه الوصيَّة بمجملها من بين الوصايا العشر، وبالتَّالي خسِرت وصيةً كاملة مُقدَّسة من بين العشر وصايا؛ ولكن، من أجل إبقاء العدد عند الرَّقم ١٠، قسموا الوصيَّة العاشرة إلى اثنتَين.” كلارك (Clarke)
في يوحنَّا ٤: ٢٤، يشرح يسوع عرضَ الأسباب الواقفة وراء الوصيَّة الثَّانية: ٱللهُ رُوحٌ. وَٱلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَٱلْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا. إنَّ استخدام الصُّوَر وأمور مادِّيَّة أُخرى كمساعدٍ في التَّركيز لَهُوَ نكرانٌ لِمَن هو الله (روحٌ) ولكيفيَّة عبادته (بالرُّوح وبالحقِّ).
يُذكِّرنا الرَّسُول بولس بمخاطِر وعبثيَّة محاولة جعلَ الله على صورتنا: وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلَاءَ، وَأَبْدَلُوا مَجْدَ ٱللهِ ٱلَّذِي لَا يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ ٱلْإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَفْنَى، وَٱلطُّيُورِ، وَٱلدَّوَابِّ، وَٱلزَّحَّافَاتِ (رومية ٢٢:١-٢٣).
٣. لِأَنِّي أَنَا ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ إِلَهٌ غَيُورٌ: إنَّ الله إِلَهٌ غَيُورٌ بمعنًى ما هو أنَّه لا يُريد بأن يُضاف إلى الحياة؛ فهو مُصرٌّ في كَونهِ فائقًا ويقوم بفعل ذلك من محبَّته.
“إنَّ غيرةَ الله لَهِيَ المحبَّة العمليَّة. فهو يرفصُ مُشاركة قلب الإنسان بأيِّ شريكٍ آخَر، ليس بسبب أنَّه طمَّاع ويُريدنا لِنفسهِ، بل بسبب عِلمهِ بأنَّ حياتنا الأخلاقيَّة تعتمِد على ولاءنا له … فالله ليس غيورًا منَّا: فهو غيورٌ من أجلِنا.” ريدباث (Redpath)
“إنَّ كلِمة ’غيور‘ قد تكون ترجمةً أفضل في الإنكليزيَّة الحديثة، ذلك لأنَّ ’الغيرة‘ قد استجمعت حولَها حصريًّا معانٍ سيِّئة.” كُول (Cole)
٤. أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ ٱلْآبَاءِ فِي ٱلْأَبْنَاءِ فِي ٱلْجِيلِ ٱلثَّالِثِ وَٱلرَّابِعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ: هذا لا يعني أنَّ الله يُعاقِب النَّاس بشكلٍ مُباشِر بسبب خطايا أسلافهم. إنَّ الكلِمات الهامَّة هُنا هي مِنْ مُبْغِضِيَّ. إذا أحبَّت الأجيال الله، فلَن تُفتقَدَ آثامُ آبائهم في جيلهم.
“هذا يعني بالضَّرورة التَّالي: إذا مشى الأولادُ في خُطى آبائهم؛ لا يُمكِن لأيِّ إنسانٍ أن يُدان بالعدالة الإلهيَّة بسبب جُرمٍ لَم يرتَكِبَه.” كلارك (Clarke)
“إنَّ الأولاد الَّذين يُكرِّرون خطايا آبائهم يُقدِّمون دليلًا على كراهيَّتهم الشخصيَّة لله؛ عندها سَيُحاسَبون ويُدانون كآبائهم.” كايزر (Kaiser)
بالرغم من ذلك، فإنَّ التَّشديد هُنا هو على عبادة الأصنام، وهذا يُشيرُ إلى الدَّينونة على نطاقٍ محلِّي – فالأُمم أو الشُّعوب التي تترك الرَّبَّ فسوف تُدان، وسيكون لهذه الدَّينونة تبعاتٌ في الأجيال القادمة.
٥. وَأَصْنَعُ إِحْسَانًا إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ: من الـمُمكِن لكُلِّ واحدٍ بأن يأخذ نعمة ورحمة الله؛ ذلك فقط إذا رجعوا إليه بمحبَّةٍ وطاعة.
د ) الآية (٧): الوصيَّة الثَّالِثة: لَا تَنْطِقْ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ بَاطِلًا.
٧ لَا تَنْطِقْ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ بَاطِلًا، لِأَنَّ ٱلرَّبَّ لَا يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِٱسْمِهِ بَاطِلًا.
١. لَا تَنْطِقْ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ بَاطِلًا: يتواجدُ على الأقلِّ ثلاث طُرُقٍ يُمكِن من خلالها عصيان هذه الوصيَّة.
الشَّتم: استخدام اسمَ الله في التَّجديف واللَّعن.
الرُّعونة: استخدام اسمَ الله بطريقةٍ سطحيَّة وسخيفة.
النِّفاق: ادِّعاء صفةَ اسمِ الله لكن التَّصرُّف والسُّلوك بطريقةٍ مُهينة له.
ü تواصَلَ المسيحُ مع هذه الفكرة بذكرها للتَّلاميذ في صلاتهِ عندما علَّمهم بأن يحتاطوا عِلمًا بقداسة اسمِ الله (ليتقدَّس اسمُك، متَّى ٩:٦).
٢. لِأَنَّ ٱلرَّبَّ لَا يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِٱسْمِهِ بَاطِلًا: إنَّ قوَّة هذه الوصيَّة قد أدَّت إلى عاداتٍ غريبة في وسط الشَّعب اليهوديّ. فالبعضُ يتطرَّف بهدف تجنُّب كَسر هذه الوصيَّة، رافضًا حتَّى كتابة اسمِ كلِمة الله، وذلك خوفًا من التَّخلُّصِ من الورقة وذهاب اسمَ الله عبثًا أو باطِلًا.
هـ) الآيات (٨-١١): الوصيَّة الرَّابعة: اُذْكُرْ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ.
٨ اُذْكُرْ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ .٩ سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ، ١٠ وَأَمَّا ٱلْيَوْمُ ٱلسَّابِعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ. لَا تَصْنَعْ عَمَلًا مَّا أَنْتَ وَٱبْنُكَ وَٱبْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَبَهِيمَتُكَ وَنَزِيلُكَ ٱلَّذِي دَاخِلَ أَبْوَابِكَ .١١ لِأَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ ٱلرَّبُّ ٱلسَّمَاءَ وَٱلْأَرْضَ وَٱلْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَٱسْتَرَاحَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ. لِذَلِكَ بَارَكَ ٱلرَّبُّ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ وَقَدَّسَهُ.
١. اُذْكُرْ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ: تُعنى هذه الوصيَّة باحترام واعتبارِ اليوم السَّابع (يوم السَّبت) كيوم راحة (لَا تَصْنَعْ عَمَلًا مَّا). لقد كانت هذه الرَّاحة لجميع إسرائيل – فهي من أجل الإبن والعبد والغريب – حتَّى تتضمَّن البهيمة.
إنَّ هذا لَمَبدأٌ هامٌّ يُمكِن إغفالُهُ بسهولة. هُنا، أعلن الله الإنسانيَّة الأساسيَّة والكرامة للنِّساء والعبيد والغرباء، وقال بأنَّ لهم نفس الحقّ بيوم الرَّاحة كما الإسرائيليّ الحُر. لقد كان هذا بكلِّ تأكيدٍ مفهومًا راديكاليًّا في العالَم القديم.
“إنَّ النَّاس العاديِّين في السُّويَد يكسرون باستمرار السَّبت، ويقولون بأنَّ السَّادة الأفاضِل هُم مَن يحفظونه.” ترَاب (Trapp)
٢. لِتُقَدِّسَهُ: لقد أوصى الله إسرائيل – وكلَّ البشريَّة – بالتَّأكُّد من وجودِ وقتٍ مُقدَّسٍ في حياتهم، وقتٍ مُنفصِلٍ للرَّاحة.
في صُلبِ عاداتهم، توصَّل الشَّعب اليهوديّ إلى تعدادٍ دقيق لما كانوا يعتقدونه بأنَّه يُمكِن أن يُعمَل أو لا يُعمَل في يوم السَّبتِ من أجل أن يبقى مُقدَّسًا. فعلى سبيل المثال، في إنجيل >لوقا ١:٦-٢، كان التَّلاميذُ، في ذهنِ القادة اليهود، مُذنبين في أربعةِ تعدِّياتٍ للسَّبت في كلِّ مرَّةٍ مدُّوا أيديهم إلى القمح الَّذي في الحقول، ذلك بسبب أنَّهم حصدوا ودَرسوا وذرُّوا وحضَّروا الطَّعام.
لقد ظنَّ الحاخامات القدماء بأنَّ الإنسان لا يستطيع حَمْلَ أيِّ شيءٍ في يدهِ الـيُمنى أو في يدهِ الـيُسرى، وعلى صَدرهِ أو مِنكَبَيه (الكَتِف). لكن يُمكِنه أن يحملَ شيئًا على الجهَّة الخلفيَّة لليَد أو الرِّجلِ أو المِرفَق أو الأُذُن أو الشَّعر أو هُدْبَ ثوبهِ أو في حذائهِ أو الصَّندَل. وفي يوم السَّبت أيضًا، لقد تمَّ مَنْعُ ربط العقدة – باستثناء المرأة التي يُمكِنها أن تربطَ العقدة كَطوقٍ أو حزام. لذلك، إذا لَزِمَ الأمرُ رَفْعَ سطلٍ من الماء من البئر، لا يُمكِن للإسرائيليّ بأن يربط العقدة في الدَّلوِ، لكنَّ المرأة يُمكِنها استخدام حزامها لربط الدَّلوِ ورفعه إلى سطح البئر.
في بيوتِ اليهود الـمُحافظين اليوم، لا يُمكِن إشعالُ الضَّوء أو الفرن أو أيِّ مفتاحٍ كهربائيٍ في يوم السَّبت. تُمنَع القيادة لمسافةٍ مُعيَّنة ويُمنَع إجراءُ المكالمات الهاتفيَّة – وجميع هذه مُنتظِمَة بشكلٍ دقيق بالعادات التي تسعى لِتَطبيق النَّاموس بالتَّمام.
٣. لِأَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ ٱلرَّبُّ ٱلسَّمَاءَ وَٱلْأَرْضَ: لقد ثبَّت الله النَّمط ليوم السَّبت منذ بدء الخليقة. فعندما استراحَ من أعمالِهِ في اليوم السَّابع، جعل الله اليوم السَّابع يومًا للرَّاحة من جميع أعمالنا (تكوين ٣:٢). وكأنَّ الله يقول: ” إنَّ وجودَ الكثير من الأعمال التي يجب أن تُنجَز ليس عُذرًا للرَّاحة – لقد خلقت العالَمين ووجدت وقتًا لأستريح من عملي.”
عندما أحاطَهُم الله عِلمًا بتذكُّرِ يومِ السَّبت، أخبرهم أيضًا بتذكُّر الرَّاحة. “تشتقُّ كلِمة ’سبت‘ من الفعل العبريّ ’يرتاح أو يتوقَّف عن العمل.‘” كايزر (Kaiser). إنَّ ابرزَ قصدٍ للسَّبتِ هو خدمةُ ظلٍّ في صورةٍ موجَزَة للرَّاحة التي في يسوع.
وكَكُلِّ شيءٍ في الكتاب المقدَّس، نفهمُ هذا في ضوءِ وسياق الكتاب كُلِّه، وليس هذه الفقرة فقط. وبناءً على هذا الفَهم، نرى معنًى حقيقيًّا في يسوع الَّذي تمَّم قصدَ وخُطَّةَ السَّبتِ من أجلنا وفينا (عبرانيِّين ٩:٤-١١) – فهو راحتنا، وعندما نتذكَّر عملَهُ الـمُنجَز، نتذكَّرُ يومَ السَّبتِ، ونتذكَّر الرَّاحة.
لذلك، يُشيرُ الكتاب المقدَّس بأكملهِ تحت مظلَّة العهد الجديد، بأنَّ لا أحدًا مُلزَمٌ بالتَّقيُّد بيوم السَّبتِ (كولوسي ١٦:٢-١٧ وغلاطية ٩:٤-١١). يقول بولس في غلاطية ١٠:٤ بأنَّ المسيحيِّين غيرَ مُقيَّدين باعتراف أو ملاحظة الأيَّام والأشهر والأوقات والسِّنين. فالرَّاحة التي ندخلها كمسيحيِّين هي أمرٌ نختبرهُ كلَّ يومٍ، وليس فقط في يومٍ واحدٍ من الأُسبوع – فهي الرَّاحة النَّابعة من معرفتنا بأنَّنا لا يجب أن نعمل لكي نُخلِّص ذواتنا، إذ أنَّ خلاصنا قد أُنجِز وأُكمِل في يسوع (عبرانيِّين ٩:٤-١٠).
كان السَّبتُ الـمُوصَى به هُنا، والَّذي اعترف به الإسرائيليُّون، ظلًّا للأُمور العتيدة: لَا يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ فِي أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ، أَوْ مِنْ جِهَةِ عِيدٍ أَوْ هِلَالٍ أَوْ سَبْتٍ، ٱلَّتِي هِيَ ظِلُّ ٱلْأُمُورِ ٱلْعَتِيدَةِ، وَأَمَّا ٱلْجَسَدُ فَلِلْمَسِيحِ (كولوسي ١٦:٢-١٧). فالفكرة في العهد الجديد ليست أن لا وجودَ للسَّبتِ، بل أنَّ كلَّ يومٍ هو يوم سبتٍ وراحة بسبب انتهاء عمل الله. وبما أنَّ ظلَّ السَّبتِ قد تُمِّم في يسوع، فنحن أحرارٌ في اعتبارِ أيِّ يومٍ – أو ولا يوم – كسبتٍ في خُطى عادة إسرائيل القديمة.
بالرغم من ذلك، لا نتجرَّأُ على تجاهل أهمِّيَّة يوم الرَّاحة – لقد بنانا الله بشكلٍ نحتاجُ فيه إلى واحدٍ. فَمِثلُ السيَّارة التي تحتاج إلى صيانةٍ دوريَّة، فنحن نحتاج إلى راحةٍ دوريَّة – وإلَّا لَما استطعنا الإستمرار. هناك بعض النَّاس الَّذين يُشبهون تلك السيَّارة ذاتِ عدَّاد الأميال أو الكيلومترات العالي والتي لَم يتمَّ صيانتها بشكلٍ سليم، فسيظهر ذلك عليها.
وهُناك أيضًا بعضُ المسيحيِّين العقائديِّين الَّذين يُلاحظون السَّبت كَيَوم السَّبت مُقارنة مع نهار الأحَد. لكن، لأنَّنا أحرارٌ باعتمادِ كلِّ الأيَّام الـمُعطاة لنا من الله، فلا فرق عندنا فعلًا. ولكن في بعض الأحيان، نرى أنَّ يوم الأحد هو يومٌ مُناسِب؛ ذلك لأنَّه يومُ قيامةِ يسوع من بين الأموات (مرقُس ٩:١٦)، ويومُ لقائهِ أوَّلًا مع تلاميذهِ (يوحنَّا ١٩:٢٠)، ويومُ يجتمعُ فيه المسيحيِّين للشَّركة (٧:٢٠ و١ كورنثوس ٢:١٦). بحسب النَّاموس، إنَّ الإنسان يعمل من أجل راحة الله؛ لكن، بعدما أنهى يسوع عمله على الصَّليب، يدخل المؤمِن إلى الرَّاحة ويذهب منها على العمَل.
لكنَّنا أيضًا أُوصينا بأن نعملَ ستَّة أيَّامٍ. “إنَّ مَن تُسوِّل له نفسه بالتَّراخي خلال ستَّة أيَّامٍ، لَهُوَ مُذنِبٌ في نظر الله كذلك الشَّخص الَّذي يعمل في اليوم السَّابِع.” كلارك (Clarke). يجب على الكثير من المسيحيِّين أن يُعطوا ’أوقات فراغهم‘ من أجل عمل الرَّبِّ. وكلُّ مسيحيٍّ يجب أن يتعمَّد خدمة الله وينشرَ ملكوت يسوع المسيح.
ثانيًا. سِتُّ وصايا مُتعلِّقة بالسُّلوك أمام الله والنَّاس.
أ ) الآية (١٢): الوصيَّة الخامسة: أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ.
١٢ أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي يُعْطِيكَ ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ.
١. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ: هذه الوصيَّة هي وصيَّةٌ حكيمة وهي أيضًا صالِحة، ذلك بسبب أنَّ إكرامَ الوالِدَين هو أمرٌ أساسيٌّ في بناء استقرار وصحَّة المجتمعات. فإذا كانت الأجيال الحديثة في حربٍ مُستمرَّة مع الأجيال القديمة، فستُدمَّر أساساتُ المجتمع.
يتضمَّن إكرامُ الوالِدَين تثمينهما، أي الإعتناء أو الاهتمام بهما، وتقديم الإحترام أو الوقار لَهُما. لقد أُعطِيَت هذه الوصيَّة إلى الأولاد، ولكنَّها لا تنحصِرُ بهذه الفترة فقط. “هذه ليست عقيدة شعبيَّة في عالَمنا الحديث، حيث يُعبَد الأحداث، وكبارُ السنِّ يُخشَى منهم أو يُحتقرون. والنَّتيجة ظاهرة في حماقة أُولئك الرِّجال والنِّساء الَّذين يجهدون للبقاء صغارًا في السنِّ أبديًّا، فقط لِيُدركوا فيما بعد استحالَة مسعاهم.” كُول (Cole)
استخدم يسوع الطَّريقة التي فسَّر فيها الفرِّيسيُّون هذا المثل لِيُشيرَ إلى كيفيَّة الإلتزام بحفظ النَّاموس بتفسيرٍ محدود، ورغمًا من ذلك فإنَّهم ينتهكون روح الوصيَّة (متَّى ٣:١٥-٦).
٢. لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ: في رسالة أفسس ٢:٦، يُكرِّر الرَّسُول بولس هذه الوصيَّة، مُشدِّدًا على الوعد المذكور هُنا، لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى ٱلْأَرْضِ. إنَّ العصيان والتَّمرُّد مُكلِفَين، والكثيرون دفعوا أثمانًا شخصيَّة باهظة بسبب تمرُّدهم على ذويهم.
“إنَّ الولد الصَّالِح يُطيلُ بعُمر أبيه؛ لذلك يعِد الله بأن يُطيل بِعُمرِهِ.” ترَاب (Trapp)
ب) الآية (١٣): الوصيَّة السَّادسة: لَا تَقْتُلْ.
١٣ لَا تَقْتُلْ.
١. لَا تَقْتُلْ: في العبريَّة كما في الإنكليزيَّة هُناك فرقٌ بين أن تقتُل أو أن ترتكب جريمة. بالـمُقارنة مع القتل، إنَّ الجريمة هي أخذُ حياةٍ بدون تبريرٍ قانونيّ (الإعدام بعد وقف التَّنفيذ) أو تبريرٍ أخلاقيّ (في حالَة الدِّفاع عن النَّفس).
“لقد استُخدِمَت كلمتان فقط في العبريَّة، فظَّتان كـأمرِ ’لا للقتلِ‘ في الإنكليزيَّة.” كُول (Cole)
يقول كايزر (Kaiser) في هذا الخصوص (rasah): “تحتوي العبريَّة على سبعِ كلماتٍ للقتل … فإذا كانت أيَّةُ كلمةٍ منها تُشيرُ إلى ’جريمة قتل،‘ حيث نجدُ عوامل القتل العَمد والـمُتقصَّد، فهي بمثابة فعل.”
هذا الفرق الـمُهم يشرح كيف أنَّ أحدهم يُجادل باستمرار حولَ قبول مبدأ عقوبة الإعدام ومَنعِ الجريمة. عندما تُنفَّذ عقوبةُ الإعدام بشكلٍ سليم، تُصبِحُ مُبرَّرة قانونيًّا.
٢. لَا تَقْتُلْ: لقد شرح يسوع بعنايةٍ شديدةٍ لُبَّ هذه الوصيَّة. فقد أظهرَ بأنَّها تَنهي عن كراهيَّة أحدٍ ما (متَّى ٢١:٥-٢٦)، ذلك لأنَّه بإمكاننا أن نتمنَّى لأحدٍ ما بأن يموت في قلوبنا، رغمًا من ذلك فإنَّنا لا نمتلك الجرأة في تنفيذها. قد لا يقتل أحدٌ ما لِقِلَّة الشَّجاعة أو الغياب الحافِز، إلَّا أنَّ قلبَهُ أو قلبَها مشحونُ بالكراهيَّة.
ج) الآية (١٤): الوصيَّة السَّابعة: لَا تَزْنِ.
١٤ لَا تَزْنِ.
١. لَا تَزْنِ: بكلِّ وضوح، نُلاحِظُ أنَّ ذاتَ الفعلِ مُدان. لا يسمح الله لأيِّ تبريرٍ لتلك الطُّرُق الكثيرة التي يبتكرها كثيرون لتبرير العلاقات الجنسيَّة خارج إطار الزَّواج. لا يجب أن يحدثَ ذلك، فعندما يحصل الأمر، إنَّها خطيَّة ولها آثارٌ مُدمِّرَة.
“لأيِّ رجُلٍ يُمارس الجنس مع امرأةِ رجلٍ آخَر، لَسَوف تُعتبَر خطيةً شنيعة موجَّهة ضدَّ الله كما وضدَّ الإنسان، وذلك قبل وقتٍ طويل من بروز النَّاموس، في عهد الآباء الأوَّلين (تكوين ٩:٣٩).” كُول Cole
بسببِ وجودِ عقوباتٍ مُختلِفة للزِّنى (تثنية ٢٢:٢٢) ولإغراء امرأةٍ بتول ( خروج ١٦:٢٢-١٧، تثنية ٢٣:٢٢-٢٩)، يتمايز الزِّنى عن مُمارسة الجنس قبل الزَّواج في العهد القديم. فكلاهُما خطيَّة، ولكن بطرُقٍ مُختلِفة.
لبضع سنينٍ خلَت، كان هُناك مُغنٍّ مسيحيّ في عالَم الموسيقى اسمه مايكل إنجليش (Michael English). لقد خَسِرَ كُلًّا من عقد عمل التَّسجيل وزواجه بسبب زناهُ مع مُغنِّيةٍ مسيحيَّة أُخرى. في إثر ذلك، قال عن زناه ونتائجه التَّالي: “لَرُبَّما أراد الله أن يحدث هذا لكي يجعلني أُبصِر كم كنت مُحتاجًا إلى الحُرِّيَّة.” كَلَّا!
٢. لَا تَزْنِ: يدين العهد الجديد بوضوحٍ كامل الزِّنى: وَأَعْمَالُ ٱلْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ، ٱلَّتِي هِيَ: زِنًى، عَهَارَةٌ، نَجَاسَةٌ، دَعَارَةٌ (غلاطية ١٩:٥). فالزِّنى مُدان، ولكن ليست الـمُمارسة فقط.
في اتِّجاهٍ يقود إلى أكثر من الفعل نفسِه، شرحَ يسوع لُبَّ هذه الوصيَّة. فهي تَنهينا عن النَّظر إلى امرأةٍ لِنَشتهيها، حيث نُمارِس الزِّنى في قلوبنا وعقولِنا، رغمًا من ذلك لا نمتلِك الجرأة أو الفرصة لِمُمارسته (متَّى ٢٧:٥-٣٠). لسنا أبرياء حتَّى في حالة لَم يتسنَّ لنا مُمارسة الخطيَّة بالطَّريقة التي أرَدناها.
“بالنِّسبة إلى كلِمة ’زنى،‘ أو ’adulterium،‘ لَرُبَّما هي مُشتقَّة من الكلِمات ’ad alterius torum, to another’s bed‘ أي ’الدُّخول إلى سرير رجُلٍ آخَر،‘ الأمر الَّذي يتضمَّن الفعل والجريمة، أو التَّعدِّي.” كلارك Clarke
د ) الآية (١٥): الوصيَّة الثَّامنة: لَا تَسْرِقْ.
١٥ لَا تَسْرِقْ.
١. لَا تَسْرِقْ: تُعتبَر هذه الوصيَّة أساسًا مُهمًّا آخر بالنِّسبة إلى المجتمع البشريّ يتعلَّق بالـمُلكيَّة الشَّخصيَّة. لقد ائتمن الله بوضوح بعض الــمُمتلكات إلى أشخاصٍ مُحدَّدين، فلا حقَّ لأشخاصٍ آخَرين أو حتَّى لولاياتٍ أو دُوَلٍ أُخرى بوضع اليد على هذه الـمُمتلكات بدون مُسوَّغٍ قانونيّ.
٢. لَا تَسْرِقْ: يُمكِنُنا أيضًا أن نسرق من الله. بالطَّبع، هذا يتطلَّب أن نُكرِم الله من مصادرنا الماليَّة، لكي لا نكون مُذنبين بسبب سَرِقَته (ملاخي ٨:٣-١٠). ولكن يُمكِنُنا أيضًا بأن نسرق الله برفضنا إعطاءَهُ أنفُسَنا في الطَّاعة والخدمة، ذلك لأنَّه اشترانا ويمتلكنا: عَالِمِينَ أَنَّكُمُ ٱفْتُدِيتُمْ لَا بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ ٱلْبَاطِلَةِ ٱلَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ ٱلْآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلَا عَيْبٍ وَلَا دَنَسٍ، دَمِ ٱلْمَسِيحِ (١ بطرس ١٨:١-١٩).
تُعطينا هذه الآية في ١ كورنثوس ٢٠:٦ نفس الفكرة: لِأَنَّكُمْ قَدِ ٱشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا ٱللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ ٱلَّتِي هِيَ لِلهِ.
٣. لَا تَسْرِقْ: تُقدِّم رسالة أفسس ٢٨:٤ الحلَّ للسَّرقة. لَا يَسْرِقِ ٱلسَّارِقُ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ بِٱلْحَرِيِّ يَتْعَبُ عَامِلًا ٱلصَّالِحَ بِيَدَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَهُ ٱحْتِيَاجٌ.
هـ) الآية (١٦): الوصيَّة التَّاسعة: لَا تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ.
١٦ لَا تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ.
١. لَا تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ: إنَّ المغزى الرَّئيسيّ وراء هذه الوصيَّة لَمُرتبطٌ بالعمليَّة القانونيَّة. بالرغم من ذلك، من الـمُمكِن أنَّ ما نقوله في محكمةٍ غير رسميَّة يُؤخَذ بجدِّيَّة حيث صحَّته من عدَمه مُهمٌّ بالنِّسبة إلينا وللآخَرين.
بمعنًى أوسَع، يُمكِنُنا بأن نكسر الوصيَّة التَّاسعة من خلال الإفتراء والتَّشهير والثَّرثرة، وكذلك خَلق مناخات كاذِبة والصَّمت ومُساءلة الدَّوافع وراء أفعال شخصٍ ما أو حتَّى التَّملُّق والإطراء.
“الإفتراء … هو كِذبة اختُرِعت ونُشِرَت، بهدف الأذيَّة. قد يكون هذا أسوأَ جُرحٍ مُمكِن أن يتلقَّاه إنسان من إنسانٍ آخَر. بالـمُقارنة مع مَن أقدَمَ على فعلِ ذلك، فإنَّ رَجُلَ عصابةٍ يصيرُ رجُلًا نبيلًا، وقاتلًا يصيرُ رجُلًا لطيفًا، ذلك لأنَّهُ أقدم على إزهاقِ روحِ إنسانٍ آخَر بلحظةٍ من الزَّمن وبضربةٍ خاطفة لَم تُسبِّبَ ألَمًا كثيرًا. لكنَّ الـمُتَّهَم بالإفتراء لَهُوَ مُذنِبٌ في تدمير السُّمعة التي من الـمُمكِن استحالة إعادتها، الأمر الَّذي قد يُسبِّبُ عذابًا مدى الحياة.” ريدباث (Redpath)
“الثَّرثرة … هي تكرارُ تقريرٍ ما عن أحَدِ الأشخاص بدون تحقُّقٍ دقيق. عرَفتُ في الكثير، الكثير من المرَّات معنى عذابٍ كهذا. أن تُكرِّر قصَّةً تُسبِّبُ تشويهًا للسُّمعة والإهانة لشخصٍ آخَر بدون التَّحقُّق من المعلومات، فهذا يعني بأنَّك تُخالِف الوصيَّة … كَم من النَّاس، ولا سيَّما المسيحيِّين منهم، يُعربدون بل ويستمتعون في تدمير الآخَرين بثرثرتهم. بالرغم من تبريرهم لِعملهم هذا بقولهم أنَّهم قد صدَّقوا هذا التَّقرير، أو بأنَّه لا توجد لديهم أيَّةُ نيَّةٍ للأذيَّة، لا يُبرِّرَهُم.” ريدباث (Redpath)
إنَّ الصَّمت غير اللَّائق قد يكسر الوصيَّة أيضًا. “عندما يتفوَّه أحدهم بزيفٍ ما عن شخصٍ آخَر، وهُناك شخصٌ ثالِث موجود يُدرِك عدمَ صحَّة هذا الكلام، ولكن لسببٍ ما من الخوف أو الكراهية، يبقى صامِتًا، فهو لَمُخطئٌ بكسرهِ للوصيَّة كما ولَو أنَّه هو مَن لفَّق هذه الكذبة.” ريدباث (Redpath)
“لا تستمِع إليها، أو تسمعها؛ لا ترفع أو تأخذ أيَّ تقريرٍ خاطئ عن شخصٍ آخَر؛ ]لا[ تخترع كذبة، وتُحِبَّها عندما تُصنَع.” ترَاب (Trapp)
٢. لَا تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ: يضع العهد الجديد هذه الفكرة ببساطة. لَا تَكْذِبُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، إِذْ خَلَعْتُمُ ٱلْإِنْسَانَ ٱلْعَتِيقَ مَعَ أَعْمَالِهِ (كولوسي ٩:٣). إنَّ الكذب والتَّوكيلات الكاذبة ينتميان إلى الطَّبيعة القديمة، وليس إلى الحياة الجديدة التي لنا في يسوع.
“كَم هو غريبٌ أن نُفكِّر بأنَّ النُّضوج المسيحيّ يظهر من خلال القدرة على إبداء الرَّأي بالكلام، بينما هو مُعبَّرٌ عنه بترويض ألسِنتنا.” ريدباث (Redpath)
“يا له من إعلانٍ مُدهِش، لَو استطعنا تسجيلَ وسماع كلَّ ما قاله كلُّ عضوٍ في الكنيسة عن إخوةٍ آخَرين في أُسبوعٍ واحِد!” ريدباث (Redpath)
يُحاول إبليس دائمًا بوجودِه تشجيع الكذب (يوحنَّا ٤٤:٨، أعمال الرُّسُل ٣:٥)؛ ويسوع نفسُه كان ضحيَّةً لشهودٍ كذَبة (مرقُس ٥٧:١٤)؛ بطُرُقِ عدَّة، يُمكِنُنا القَول بأنَّ هذه الخطيَّة قادت المسيح إلى الصَّليب.
و ) الآية (١٧): الوصيَّة العاشرة: لَا تَشْتَهِ.
١٧ لَا تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ. لَا تَشْتَهِ ٱمْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلَا عَبْدَهُ، وَلَا أَمَتَهُ، وَلَا ثَوْرَهُ، وَلَا حِمَارَهُ، وَلَا شَيْئًا مِمَّا لِقَرِيبِكَ».
١. لَا تَشْتَهِ: كانت الوصايا التِّسع الأُولَى مُركِّزة على الأشياء التي نعملها؛ أمَّا الوصيَّة العاشرة فتتعامل بشكلٍ مُباشر مع القلب ومُشتهياته أو رغباته.
حرفيًّا، إنَّ الكلِمة تَشْتَهِي هُنا تعني، أن يُريدَ بشدَّة. “إنَّ الكلِمة العبريَّة hamad، ’يشتهي،‘ هي بحدِّ ذاتها كلِمة حياديَّة. ولكن عندما توجَّه إلى ما ليس لنا، تُصبِح كلِمة ’يشتهي‘ بمعنًى سلبيّ.” كُول (Cole)
يعمل الإشتهاء على الشَّكل التَّالي: تنظر العينان إلى شيءٍ ما، يعجَب لها الذِّهن، تذهبُ إليه الإرادَة، ويتحرَّك الجسم لامتلاكهِ. ولُنَفترِض بأنَّك لَم تَقُم بهذه الخطوة الأخيرة، فلا يعني ذلك بتاتًا بأنَّك في طريق الإشتهاء الآن.
٢. بَيْتَ قَرِيبِكَ … ٱمْرَأَةَ قَرِيبِكَ … ثَوْرَهُ … حِمَارَهُ: يُمكِن التَّعبير عن الإشتهاء في أوجُهٍ عدَّة: إنَّه التَّلهُّف نحو امتلاكِ ما يملِكهُ الآخَر. فهو يتكلَّم عن عدم الرَّضى بما يمتلِكهُ، ويشعر بالحسَدِ تجاه مَن يمتلكون شيئًا أفضل.
يضع سفر العبرانيِّين٥:١٣ هذه الفكرة بشكلٍ جيِّد: لِتَكُنْ سِيرَتُكُمْ خَالِيَةً مِنْ مَحَبَّةِ ٱلْمَالِ. كُونُوا مُكْتَفِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ، لِأَنَّهُ قَالَ: لَا أُهْمِلُكَ وَلَا أَتْرُكُكَ.
ترتبط هذه الوصيَّة الختاميَّة ارتباطًا وثيقًا بالوصيَّة الأُولَى لجهَّة عبادة الأوثان: فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ هَذَا: أَنَّ كُلَّ زَانٍ أَوْ نَجِسٍ أَوْ طَمَّاعٍ – ٱلَّذِي هُوَ عَابِدٌ لِلْأَوْثَانِ – لَيْسَ لَهُ مِيرَاثٌ فِي مَلَكُوتِ ٱلْمَسِيحِ وَٱللهِ (أفسس ٥:٥).
لقد قدَّم يسوع تحذيرًا خاصًّا بالنِّسبة إلى الإشتهاء، الأمر الَّذي فسَّر لُبَّ الفلسفة وراء القلب الـمُشتهي: وَقَالَ لَهُمُ: ٱنْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ ٱلطَّمَعِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لِأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ (لوقا ١٥:١٢).
ثالثًا. خوفُ الأُمَّة العظيم بسببِ حضورِ الله.
أ ) الآية (١٨): يقِفُ الشَّعبُ بعيدًا.
١٨ وَكَانَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ يَرَوْنَ ٱلرُّعُودَ وَٱلْبُرُوقَ وَصَوْتَ ٱلْبُوقِ، وَٱلْجَبَلَ يُدَخِّنُ. وَلَمَّا رَأَى ٱلشَّعْبُ ٱرْتَعَدُوا وَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ،
١. وَكَانَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ يَرَوْنَ ٱلرُّعُودَ وَٱلْبُرُوقَ: لقد جاءَت هذه المناظِر والأصوات الـمُذهِلَة من جبل سيناء مُترافِقة مع التَّكلُّمِ بالنَّاموس. فقد شكَّلت هذه الظَّواهِرُ معًا مشهدًا غامرًا.
وَٱلْبُرُوقَ: “إنَّ الكلِمة هُنا غير اعتياديَّة ويُمكِن ترجمتها ’مشاعِل،‘ أي ’ومضات‘ أو ’كراتٌ ناريَّة.‘ فهذه هي نفس الكلِمة الـمُستخدَمة كرمزٍ لِحضورِ الله الَّذي عاينه إبراهيم عندما صنع الله العهد معهُ (تكوين ١٥).” كُول (Cole)
وَٱلْجَبَلَ يُدَخِّنُ: يشرح سفرُ التَّثنية ٢٣:٥ لماذا كان الجبلُ يُدخِّن؛ يقول: فَلَمَّا سَمِعْتُمُ ٱلصَّوْتَ مِنْ وَسَطِ ٱلظَّلَامِ، وَٱلْجَبَلُ يَشْتَعِلُ بِٱلنَّارِ، تَقَدَّمْتُمْ إِلَيَّ، جَمِيعُ رُؤَسَاءِ أَسْبَاطِكُمْ وَشُيُوخُكُمْ.
٢. ٱرْتَعَدُوا وَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ: لَم يستطِع مشهدُ هذه الظَّاهرة الـمُرعِبة بأن يُقرِّبَ النَّاس أكثر إلى الله؛ فقد جعلهم يقفون من بَعيدٍ.
ب) الآية (١٩): طلَبُ الشَّعبِ.
١٩ وَقَالُوا لِمُوسَى: «تَكَلَّمْ أَنْتَ مَعَنَا فَنَسْمَعَ. وَلَا يَتَكَلَّمْ مَعَنَا ٱللهُ لِئَلَّا نَمُوتَ».
١. وَلَا يَتَكَلَّمْ مَعَنَا ٱللهُ: قد يعتقِد البعض بأنَّ إسرائيل أحبَّ هذا الإختبار الدراماتيكيّ في جبل سيناء، ولا سيَّما امتياز سماع صوت الله كَمَن يتكلَّم من خلالِ مُكبِّرٍ للصَّوت من السَّماء. بدلًا من ذلك، فبسببِ الرُّعب العظيم والرَّهبة التي شعروا بهما، أرادَوا بأن يتوقَّف الله عن الكلام إليهم بشكلٍ مُباشر.
مُتكلِّمين كتابيًّا، إنَّ اختبار مُقابلة الله عن قُرب قد يكون مُقلِقًا مثلما قد يكون مُعزِّيًا. لَم يستطِع إسرائيل أن يرى ويشعرَ ويسمعَ هذا الكَمَّ الهائل من الله ولا يكون مُدركًا بنفس الوقت كَم أنَّه كاملٌ ومُقدَّسٌ وهُم ليسوا كذلك.
كانت هذه ردَّة فعلٍ نموذجيَّة لأُولئك الَّذين أتوا إلى محضر الله، أمثال إشعياء الَّذي شعرَ بالتَّراجُع أمام الله (إشعياء ١:٦-٥) ويوحنَّا الَّذي وقعَ أرضًا كَمَيت أمام الرَّبِّ (رؤيا ١٧:١).
“إنَّ الَّذي أقلق بل وأرعبَ إسرائيل، كان محطَّ اشتهاء موسى (خروج ١٨:٣٣).” كُول (Cole)
٢. تَكَلَّمْ أَنْتَ مَعَنَا فَنَسْمَعَ: لقد وعد الشَّعبُ بالإستماع بالتَّوازي مع طاعةٍ لكلمة الله التي جاءت إليه بواسطة موسى. لقد فشلوا في هذا الوعد، وذلك في الـمُستقبَل القريب وعلى المدى البعيد.
نُلاحظ أنَّه في الأجيال اللَّاحِقة، خفَّف إسرائيل من مُستوى النَّاموس، ذلك لكي يتمكَّنوا من إطاعته بأكثر سُهولةٍ، حاذفينَ بذلك لُبَّ ونيَّةَ النَّاموس. كشف يسوع هذا الفَهم السَّطحيّ للنَّاموس في موعظته على الجبَل (متَّى ١٧:٥-٤٨). وتوالى الأمر إلى تلك النُّقطة التي استطاع فيها شاول الطَّرسوسيّ بأن يقول ويعني نفسَه بما يقول: مِنْ جِهَةِ ٱلْغَيْرَةِ: مُضْطَهِدُ ٱلْكَنِيسَةِ. مِنْ جِهَةِ ٱلْبِرِّ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّامُوسِ: ]حُسِبتُ[ بِلَا لَوْمٍ (فيلبِّي ٦:٣).
٣. وَلَا يَتَكَلَّمْ مَعَنَا ٱللهُ لِئَلَّا نَمُوتَ: بالنَّظر إلى التَّعامُل الـمُباشر مع الله، أراد إسرائيل من موسى بأن يكون وسيطهم، ذلك خوفًا من الموت في غياب الوسيط.
تَوقُ الإنسان إلى وسيط – شخصٌ ما يعمل بالإنابة عنَّا مع الله – هو أمرٌ جيِّد إذا تُمِّم في يسوع، لِأَنَّهُ يُوجَدُ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ ٱللهِ وَٱلنَّاسِ: ٱلْإِنْسَانُ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ (١ تيموثاوس ٥:٢).
ج) الآية (٢٠): سببُ هذا الخوف.
٢٠ فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: «لَا تَخَافُوا. لِأَنَّ ٱللهَ إِنَّمَا جَاءَ لِكَيْ يَمْتَحِنَكُمْ، وَلِكَيْ تَكُونَ مَخَافَتُهُ أَمَامَ وُجُوهِكُمْ حَتَّى لَا تُخْطِئُوا».
١. لَا تَخَافُوا. لِأَنَّ ٱللهَ إِنَّمَا جَاءَ لِكَيْ يَمْتَحِنَكُمْ: أراد شعبُ إسرائيل الإنفصال عن هذا الحضور الظَّاهِر لله، لكنَّ الله أرادَهُ للخير وذلك لكي يمتحنهم.
لقد كشفَ لهم هذا الإمتحان طبيعة الله الَّذي يخدمونَهُ: فهو إلهٌ فوق الطَّبيعة وشخصيٌّ وصالِحٌ وقدُّوس.
لقد كشفَ لهم هذا الإمتحان توقُّعات الله بالنِّسبة إليهم، أي أنَّ الله هو إلهٌ أخلاقيّ يتوقَّع سلوكًا أخلاقيًّا من شعبه.
لقد كشفَ لهم هذا الإمتحان ضعفهم وحاجتهم إلى نعمةِ الله والمساعدة والخلاص.
٢. وَلِكَيْ تَكُونَ مَخَافَتُهُ أَمَامَ وُجُوهِكُمْ: يُميِّز هذا الأمرُ بين نوعَين من الخوف: لا تخَف، عبارةٌ تتكلَّم عن عذاب الخوف النَّاتج عن الذَّنْب والخطر. وَلِكَيْ تَكُونَ مَخَافَتُهُ أَمَامَ وُجُوهِكُمْ تتكلَّم عن موقِف التَّكريم والهَيبة الَّذي يقود إلى الإحترام والطَّاعة.
“لا تخافوا. رغمًا من ذلك، خافوا.” ترَاب (Trapp)
مع أنَّه من الأفضل أن يُطاع الله بسبب الخوف بدل عدم طاعتهِ، فإنَّ الحافز الأسمى لدى الله للطَّاعة هو المحبَّة. إنَّ هذا لَوَاضحٌ في الفقرة الواردة في رسالة ١ يوحنَّا ١٨:٤-١٩، لَا خَوْفَ فِي ٱلْمَحَبَّةِ، بَلِ ٱلْمَحَبَّةُ ٱلْكَامِلَةُ تَطْرَحُ ٱلْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ لِأَنَّ ٱلْخَوْفَ لَهُ عَذَابٌ. وَأَمَّا مَنْ خَافَ فَلَمْ يَتَكَمَّلْ فِي ٱلْمَحَبَّةِ .نَحْنُ نُحِبُّهُ لِأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلًا.
٣. حَتَّى لَا تُخْطِئُوا: لَم يتعلَّم إسرائيل هذا الدَّرس جيِّدًا. ففي خلالِ ٤٠ يومًا، رقص الشَّعب حولَ عجلٍ ذهبيّ ومارسوا عبادة الأوثان وأُربكوا باللَّاأخلاقيَّة (خروج ٣٢).
د ) الآية (٢١): يقترِبُ موسى.
٢١ فَوَقَفَ ٱلشَّعْبُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَمَّا مُوسَى فَٱقْتَرَبَ إِلَى ٱلضَّبَابِ حَيْثُ كَانَ ٱللهُ.
١. فَوَقَفَ ٱلشَّعْبُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَمَّا مُوسَى فَٱقْتَرَبَ: لقد خَشِيَ إسرائيل من قوَّة حضورِ الله، لكنَّ موسى كان توَّاقًا إلى ذلك. ولاحقًا سيكون موسى أكثر صراحةً وفصاحةً بخصوص كَشفِهِ لهذه الشَّوق (خروج ٣٣).
كان لِمُوسى تلك العلاقة مع الله التي لَم تكُن لأيِّ رجُلِ في إسرائيل. من خلالِ ظروفِ حياتهِ والإعلان الـمُباشر من الله، كان موسى مُدرِكًا لِقُوَّة الله الـمُقدَّسة وأيضًا لِنِعمتهِ المجيدة.
٢. وَأَمَّا مُوسَى فَٱقْتَرَبَ إِلَى ٱلضَّبَابِ حَيْثُ كَانَ ٱللهُ: لَم يكُن الأمرُ وكأنَّ موسى كان قدِّيسًا بلا عيب. لقد كان موسى قاتِلًا مغفورًا له قد تمَّ استعادتهُ من قِبَل الله. عَلِمَ موسى ماذا يعني التَّواصُل مع الله على أساس النِّعمة التي لَم يستحقَّها أحد.
رابعًا. شرائع تُعنى بالعبادة والمذبح.
أ ) الآيات (٢٢-٢٣): نقاءُ العبادة.
٢٢ فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «هَكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ أَنَّنِي مِنَ ٱلسَّمَاءِ تَكَلَّمْتُ مَعَكُمْ .٢٣ لَا تَصْنَعُوا مَعِي آلِهَةَ فِضَّةٍ، وَلَا تَصْنَعُوا لَكُمْ آلِهَةَ ذَهَبٍ.
١. أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ أَنَّنِي مِنَ ٱلسَّمَاءِ تَكَلَّمْتُ مَعَكُمْ: هذا يجعل الأمرُ شديد الوضوح بأنَّ الله قد تكلَّم بالوصايا العشر إلى إسرائيل مِنَ ٱلسَّمَاءِ. لقد حصل هذا في جبل سيناء، لكنَّ الله تكلَّم من السَّماء.
٢. لَا تَصْنَعُوا مَعِي آلِهَةَ فِضَّةٍ، وَلَا تَصْنَعُوا لَكُمْ آلِهَةَ ذَهَبٍ: لأنَّ الله لَم يُظهِر ذاتَهُ لإسرائيل بأيِّ شكلٍ أو صورة، فلَم يكُن مُمكِنًا بأن يصنعوا آلِهةَ فضَّةٍ أو ذَهَب لمشاركة (تَصْنَعُوا مَعِي) الله بها.
ب) الآيات (٢٤-٢٦): تعليمات للمذبح والذَّبيحة.
٢٤ مَذْبَحًا مِنْ تُرَابٍ تَصْنَعُ لِي وَتَذْبَحُ عَلَيْهِ مُحْرَقَاتِكَ وَذَبَائِحَ سَلَامَتِكَ، غَنَمَكَ وَبَقَرَكَ. فِي كُلِّ ٱلْأَمَاكِنِ ٱلَّتِي فِيهَا أَصْنَعُ لِٱسْمِي ذِكْرًا آتِي إِلَيْكَ وَأُبَارِكُكَ. ٢٥ وَإِنْ صَنَعْتَ لِي مَذْبَحًا مِنْ حِجَارَةٍ فَلَا تَبْنِهِ مِنْهَا مَنْحُوتَةً. إِذَا رَفَعْتَ عَلَيْهَا إِزْمِيلَكَ تُدَنِّسُهَا .٢٦ وَلَا تَصْعَدْ بِدَرَجٍ إِلَى مَذْبَحِي كَيْلَا تَنْكَشِفَ عَوْرَتُكَ عَلَيْهِ.
١. مَذْبَحًا مِنْ تُرَابٍ تَصْنَعُ لِي: لـمَّا ابتدأَ الله بتوسيع هذا القسم الـمُتعلِّق بالشَّريعة لإسرائيل، فإنَّ القانون الأوَّل المذكور كان مُرتبطًا بالذَّبيحة والكفَّارة. لقد كان هذا مُتوقَّعًا بأن يكسِر إسرائيل الشَّرائع التي أعطاهُ إيَّاها الله، لذلك كان يحتاج إلى تكفيرٍ عن الخطيَّة من خلالِ الذَّبيحة؛ كُلُّ هذا وأمامَ ناظِرَيهِ ذبيحة الله النِّهائيَّة التي سيُؤمِّنها في الختام.
إن كلمتنا مذبَح ترجِع في أصلها إلى اللَّاتينيَّة altus، التي تعني عالي أو مُرتفِع، ذلك لأنَّ المذابح كانت في مكانٍ مُرتفع لإعطائها الأهمِّيَّة والكرامة. بالرغم من ذلك، فإنَّ الكلمة العبريَّة للمذبَح (mizbach) تحمل معنى مكان التَّضحية أو القتل، مُشتقَّة من الكلِمة العبريَّة لِيَقتل.
مَذْبَحًا مِنْ تُرَابٍ: “على عكسِ تلك الأضرِحَة الـمُكلِفَة وخدمات تلك الكَومة من روث الآلِهة الكاذِبة.” ترَاب (Trapp). لَم يكُن الله مُحتاجًا إلى مذبحٍ مُزخرَف أو مُفصَّل؛ مَذْبَحًا مِنْ تُرَابٍ كان كافيًا. مع مذبحِ الله النِّهائيّ، بضعةُ أعمدةٍ خشبيَّة كانت كافية.
٢. وَتَذْبَحُ عَلَيْهِ مُحْرَقَاتِكَ وَذَبَائِحَ سَلَامَتِكَ: إنَّ الفرقَ بين تقدِمات المحرَقات وذبائح السَّلامة قد أُعطيَ لاحقًا بأكثر تفصيل. بالرغم من ذلك، فإنَّ مُجرَّد ذكرهم في بداية إعطاء الشَّريعة يُشيرُ إلى أنَّ الإنسان لا يستطيع أن يحفظ النَّاموس، من أجل ذلك يحتاج إلى ذبيحة للتَّعامل مع هذا التَّقصير.
٣. آتِي إِلَيْكَ وَأُبَارِكُكَ: صُنِعَ هذا الوعدُ الرَّائع في سياق الذَّبيحة والكفَّارة. حتَّى في ناموس موسى، غالِبًا ما كان الله يُقيم رابطًا بين الثِّقة في ذبيحة الكفَّارة وحضور وبركة الله.
بالرغم من وجودِ البرَكَة في حفظ النَّاموس، فنحن سنُبارَكُ في الختام بالنَّاموس إذا حفظنا النَّاموس بأكملهِ – لذلك، فنحن نبحث ونجد البرَكَة التي هي من الله على أساس ذبيحته الكفَّاريَّة.
٤. وَإِنْ صَنَعْتَ لِي مَذْبَحًا مِنْ حِجَارَةٍ فَلَا تَبْنِهِ مِنْهَا مَنْحُوتَةً: إذا صُنِعَ المذبح من حجر، من الـمُحتمَل أن يتحوَّلَ الإهتمام إلى النحَّات. الله، في مذبحه، لا يُريد أن يُشارِك مجدَهُ مع أيِّ إنسانٍ – فالجمال والجاذبيَّة موجودان فقط في عطاءِ الله وليس في أيِّ مظهرٍ جسديّ.
إِذَا رَفَعْتَ عَلَيْهَا إِزْمِيلَكَ تُدَنِّسُهَا: “غير مَصقول. كذلك الأمر في الوعظ (١ كورنثوس ٤:٢-٥). البعض يُشوِّه كلَّ هذا من خلال الإفراط في العمل.” ترَاب (Trapp)
٥. وَلَا تَصْعَدْ بِدَرَجٍ إِلَى مَذْبَحِي: لَم يُرِد الله أيَّ مظهرٍ من الجسم البشريّ في مكان الذَّبيحة الـمُكفِّرة. فالسُّلَّم يسمح لِرجْلِ الكاهن بأن تُرَى. لا يُريد الله أن يرى أجسادنا خلال العبادة.
إنَّ ما يُريده الله منَّا في العبادة يُمكِن أن يُرى في عبارة يسوع في إنجيل يوحنَّا ٢٤:٤، ٱللهُ رُوحٌ. وَٱلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَٱلْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا. يُريد الله تلك العبادة التي تتميَّز بالرُّوح (على عكس الجسد) وبالحقِّ (على عكس الخداع أو مُجرَّد المشاعِر).
“لاحِقًا، عندما سُمِحَ للمذابح بأن تُبنَى مع الأدراج (لاويِّين ٢٢:٩؛ حزقيال ١٣:٤٣-١٧)، تمَّ توجيهُ الكهنة لكي يلبسوا سراويلَ داخليَّة من حرير (خروج ٤٠:٢٨-٤٢؛ حزقيال ١٨:٤٤).” كايزر (Kaiser)