خروج ٢٤
لقد صُنِع العهدُ
أولًا. توقيع العهد الموسويّ.
أ ) الآيات (١-٣): يُحدِّثُ موسى ٱلشَّعْبَ بِجَمِيعِ أَقْوَالِ ٱلرَّبِّ وَجَمِيعِ ٱلْأَحْكَامِ.
١ وَقَالَ لِمُوسَى: «ٱصْعَدْ إِلَى ٱلرَّبِّ أَنْتَ وَهَارُونُ وَنَادَابُ وَأَبِيهُو، وَسَبْعُونَ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ، وَٱسْجُدُوا مِنْ بَعِيدٍ .٢ وَيَقْتَرِبُ مُوسَى وَحْدَهُ إِلَى ٱلرَّبِّ، وَهُمْ لَا يَقْتَرِبُونَ. وَأَمَّا ٱلشَّعْبُ فَلَا يَصْعَدْ مَعَهُ». ٣ فَجَاءَ مُوسَى وَحَدَّثَ ٱلشَّعْبَ بِجَمِيعِ أَقْوَالِ ٱلرَّبِّ وَجَمِيعِ ٱلْأَحْكَامِ، فَأَجَابَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ وَقَالُوا: «كُلُّ ٱلْأَقْوَالِ ٱلَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا ٱلرَّبُّ نَفْعَلُ».
١. ٱصْعَدْ إِلَى ٱلرَّبِّ أَنْتَ وَهَارُونُ وَنَادَابُ وَأَبِيهُو، وَسَبْعُونَ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ: نحنُ نذكرُ بأنَّ الله قد تكلَّم بكلِمات سفر الخروج الأصحاحات ٢٢:٢٠ إلى ٣٣:٢٣، ضمنًا، إلى موسى وحدَهُ. أمَّا الآن، فهُنالك آخَرون سيصعدون إلى الجبل وسيحافظون على مسافةٍ مُعيَّنة (وَٱسْجُدُوا مِنْ بَعِيدٍ)، بالرغم من ذلك، يَقْتَرِبُ مُوسَى وَحْدَهُ. لقد سُمِح لِمُوسى بأن يكون له وصولٌ خاص إلى الله، من أجلِ ذلك تكلَّم الله مع موسى، وموسى بدورهِ تكلَّم إلى الأُمَّة.
٢. فَجَاءَ مُوسَى وَحَدَّثَ ٱلشَّعْبَ بِجَمِيعِ أَقْوَالِ ٱلرَّبِّ وَجَمِيعِ ٱلْأَحْكَامِ: عندما سمِعَ الشَّعبُ شريعة الله، تجاوبوا باتِّفاقٍ كامل (فَأَجَابَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ). ومن ثمَّ عبَّروا بالكلام عن قَبولِهم إطاعةَ الله (كُلُّ ٱلْأَقْوَالِ ٱلَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا ٱلرَّبُّ نَفْعَلُ).
لَرُبَّما كان إسرائيلُ هُنا مُذنِبًا بسببِ ثقةٍ عمياءَ هائِلَة. لقد بدت الطَّريقة التي عبَّروا فيها بسهولةٍ في قولهم لله: ’ كُلُّ ٱلْأَقْوَالِ ٱلَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا ٱلرَّبُّ نَفْعَلُ،‘ وكأنَّهم كانوا يفتقدون تقدير كَم كان ناموس الله كاملًا وشاملًا.
بالرغم من ذلك، فإنَّ الأُمَّة التي ارتعبت بسبب حضور الله الرَّائع في سيناء، لَم تكُن في حالةٍ ذهنيَّة تسمَح بعمل أيِّ شيءٍ إلَّا بموافقةِ الله.
ب) الآيات (٤-٨): تُؤكِّد الأُمَّة العهد الـمَهيب مع الله.
٤ فَكَتَبَ مُوسَى جَمِيعَ أَقْوَالِ ٱلرَّبِّ. وَبَكَّرَ فِي ٱلصَّبَاحِ وَبَنَى مَذْبَحًا فِي أَسْفَلِ ٱلْجَبَلِ، وَٱثْنَيْ عَشَرَ عَمُودًا لِأَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ ٱلِٱثْنَيْ عَشَرَ .٥ وَأَرْسَلَ فِتْيَانَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ، وَذَبَحُوا ذَبَائِحَ سَلَامَةٍ لِلرَّبِّ مِنَ ٱلثِّيرَانِ .٦ فَأَخَذَ مُوسَى نِصْفَ ٱلدَّمِ وَوَضَعَهُ فِي ٱلطُّسُوسِ. وَنِصْفَ ٱلدَّمِ رَشَّهُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ .٧ وَأَخَذَ كِتَابَ ٱلْعَهْدِ وَقَرَأَ فِي مَسَامِعِ ٱلشَّعْبِ، فَقَالُوا: «كُلُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ نَفْعَلُ وَنَسْمَعُ لَهُ» .٨ وَأَخَذَ مُوسَى ٱلدَّمَ وَرَشَّ عَلَى ٱلشَّعْبِ وَقَالَ: «هُوَذَا دَمُ ٱلْعَهْدِ ٱلَّذِي قَطَعَهُ ٱلرَّبُّ مَعَكُمْ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ ٱلْأَقْوَالِ».
١. فَكَتَبَ مُوسَى جَمِيعَ أَقْوَالِ ٱلرَّبِّ: في العدد السَّابق (خروج ٣:٢٤)، وافق إسرائيل كلاميًّا على إقامة شراكة عهدٍ مع الله؛ لكن هُناك شعورٌ ما بأنَّ هذا ليس كافيًا بحدِّ ذاته. يجب عليهم القيام بأُمورٍ مُحدَّدة من أجل تأكيدِ عهدهم مع الله. أوَّلًا، يجب أن تُكتَبَ كلِمةُ الله: فَكَتَبَ مُوسَى جَمِيعَ أَقْوَالِ ٱلرَّبِّ. لقد كانت كلِمةُ الله مُهمَّةً لِدَرجة أنَّها لَم تُترَك للذَّاكِرَة البشريَّة والطَّبيعة الخلَّاقة للذِّكرى. كان يجب أن تُكتَب.
لَم يصنع الله عهدًا شخصيًّا مع ترتيباتهِ مع كُلِّ إسرائيليّ. فقد كان هُناك عهدٌ واحِدٌ. إنَّ نفسَ الشَّيءِ لَصَحيحٌ اليوم تحت مظلَّة العهد الجديد. فهُناك علاقةٌ شخصيَّة مع الله؛ ليس لك اتِّفاقٌ خاصٌّ معه يتعارَضُ مع أَقْوَالِ ٱلرَّبِّ الـمُعلَنَة.
لقد تكلَّم الله بنفس الفكرة من خلالِ حبَقُّوق: فَأَجَابَنِي ٱلرَّبُّ وَقَالَ: ٱكْتُبِ ٱلرُّؤْيَا وَٱنْقُشْهَا عَلَى ٱلْأَلْوَاحِ لِكَيْ يَرْكُضَ قَارِئُهَا (حبَقُّوق ٢:٢).
٢. فَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ، وَذَبَحُوا ذَبَائِحَ سَلَامَةٍ لِلرَّبِّ مِنَ ٱلثِّيرَانِ: ثانيًا، لقد صُنِعَ العهدُ فقط في سياقِ الذَّبيحة. فالذَّبيحة تعترِف بخطيَّتنا وفشلِنا أمام الله، وتتعامَل مع الحاجة إلى بديلٍ بالموت.
وَأَرْسَلَ فِتْيَانَ بَنِي إِسْرَائِيلَ: “لقد كانت هذه لمسةً بدائيَّة، قادِمةً منذ ما قبل وقت الكهنوت الـمُتخصِّص … لا وجودَ لأيِّ سحرٍ في اختيار الفتيان للقيام بهذه الـمُهِمَّة. فقد كان مُجرَّد اعتبار. فقد تتطلَّب رَبْطُ الماشية على مذبحٍ من حجر، قوَّةً وحرَكَة. لقد كان الفتى مُحارِبًا، لذلك فهو ’كاهِنٌ‘ طبيعيّ.” كُول (Cole)
٣. وَأَخَذَ كِتَابَ ٱلْعَهْدِ وَقَرَأَ فِي مَسَامِعِ ٱلشَّعْبِ: ثالثًا، لقد صُنِعَ العهد عندما سُمِعَت كلِمةُ الله وتمَّ التَّجاوب معها. فإنَّ عهدنا مع الله لَمَبنيٌّ على كَلِمتهِ وشروطهِ، وليس على كَلِمتنا وشروطنا.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون هُناك تجاوبٌ مع كَلِمة الله: كُلُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ نَفْعَلُ وَنَسْمَعُ لَهُ. وكما أنَّ الله لا يُفاوِضُ عهدَهُ مع إسرائيل، فهو كذلك لا يفرضُهُ عليهم. فعليهم التَّجاوب الحُر.
كِتَابَ ٱلْعَهْدِ: “إنَّ هذا الكتاب (خروج ٧:٢٤) بدون شكٍّ لَهُوَ بِذرَةُ العهد القديم.” توماس (Thomas)
٤. وَأَخَذَ مُوسَى ٱلدَّمَ وَرَشَّ عَلَى ٱلشَّعْبِ: رابعًا، لقد صُنِعَ العهدُ بتطبيق الدَّمِ. وبينما استحوذَت الأُمَّةُ على دَمِ العهد، فقد تمَّ خَتْمُ العهد.
لَم يكُن هُناك من أيِّ سحرٍ في الدَّم، ولكن بسبب أنَّه يُمثِّل حياة الكائن ( لِأَنَّ نَفْسَ ٱلْجَسَدِ هِيَ فِي ٱلدَّمِ، لاويِّين ١١:١٧)، فالدَّمُ يعني سَفْكَ أو إراقةَ الحياة، حياةَ كائنٍ تُعطى لِآخَر.
“كان طَقْسُ الدَّمِ بنوعِ ما شائعًا في مُعظَم أنواع العهود: لاحِظ التَّقليد في الكثير من بقاع الأرض الرَّامي إلى صُنعِ ’أُخوَّةِ الدَّمِ‘ بالسَّماح للدَّم من شخصَين أن يختلِطَ وينسابَ انسيابًا واحِدًا.” كُول (Cole)
“نصفُ الدَّمِ يُرَشُّ على المذبَح، والنِّصُ الآخَر يُرشُّ على الشَّعب، عبارةٌ تُظهِرُ بأنَّ كِلَيهما – أي الله وهُم – مُرتبطان بالتَّبادُل بهذه العهد.” كلارك (Clarke)
بشكلٍ تقريبيّ، بعد ألفِ سنةٍ، لَم ينسَ الله دَمَ العهدِ: وَأَنْتِ أَيْضًا فَإِنِّي بِدَمِ عَهْدِكِ قَدْ أَطْلَقْتُ أَسْرَاكِ مِنَ ٱلْجُبِّ ٱلَّذِي لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ (زكريَّا ١١:٩).
إنَّ دمَ عهدِ يسوع يُخلِصُنا: لِأَنَّ هَذَا هُوَ دَمِي ٱلَّذِي لِلْعَهْدِ ٱلْجَدِيدِ ٱلَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ ٱلْخَطَايَا (متَّى ٢٨:٢٦).
إنَّ دمَ عهد يسوع لَهُوَ أيضًا أساسُ نموِّنا ونُضوجنا في المسيح: إِلَهُ ٱلسَّلَامِ ٱلَّذِي أَقَامَ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ رَاعِيَ ٱلْخِرَافِ ٱلْعَظِيمَ، رَبَّنَا يَسُوعَ، بِدَمِ ٱلْعَهْدِ ٱلْأَبَدِيِّ، لِيُكَمِّلْكُمْ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ لِتَصْنَعُوا مَشِيئَتَهُ، عَامِلًا فِيكُمْ مَا يُرْضِي أَمَامَهُ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي لَهُ ٱلْمَجْدُ إِلَى أَبَدِ ٱلْآبِدِينَ. آمِينَ (عبرانيِّين ٢٠:١٣-٢١).
إنَّ تعامُلنا مع الله من خلال العهد الجديد، يَتبَع نفس النَّمط في العهد.
ü تُقرَأ كَلِماتُ الله.
ü يجب أن تُمارَس الذَّبيحة.
ü قَبول كلِمات الله.
ü قَبول دَمِ الذَّبيحة.
ثانيًا. تواجدُ شيوخ وكهنة إسرائيل مع الله في سيناء.
أ ) الآيات (٩-١١): يلتقي شيوخُ إسرائيل مع الله.
٩ ثُمَّ صَعِدَ مُوسَى وَهَارُونُ وَنَادَابُ وَأَبِيهُو وَسَبْعُونَ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ، ١٠ وَرَأَوْا إِلَهَ إِسْرَائِيلَ، وَتَحْتَ رِجْلَيْهِ شِبْهُ صَنْعَةٍ مِنَ ٱلْعَقِيقِ ٱلْأَزْرَقِ ٱلشَّفَّافِ، وَكَذَاتِ ٱلسَّمَاءِ فِي ٱلنَّقَاوَةِ .١١ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى أَشْرَافِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَرَأَوْا ٱللهَ وَأَكَلُوا وَشَرِبُوا.
١. وَرَأَوْا إِلَهَ إِسْرَائِيلَ: من الصَّعب بمكانٍ ما القَول بالتَّحديد ماذا رأوا. فالَّذي رأَوهُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ يُشيرُ على الأكثَر بأنَّهم قد رأَوا كُرسيَّ قَدَمَي الله. على الأغلَب، فقد رأَوا جانِبًا من رؤيا سماويَّة عن الله، على مثالِ نمطِ النبيّ إشعياء (إشعياء ٦) أو النبيّ حزقيال (حزقيال ١).
“في هذا العدد، هُنالك تشديدٌ مُتساوٍ يُشيرُ إلى أنَّ الشُّيوخَ لَم يتجرَّؤوا على رَفْعِ أعيُنِهِم فوق كُرسيِّ قَدَمَيهِ.” كُول (Cole)
إنَّ اللَّونَ الأزرَق للعَقِيق قد يُوحي بأنَّ الشُّيوخ رأوا بحرًا من الزُّجاج أمام عرشِ الله (رؤيا ٦:٤). “يرى حزقيال ٢٦:١ الله كَجَالِسٍ على عرشٍ من عقيق، على سماءٍ بلَّوَريَّة شفَّافة (عدد ٢٢)، وتُستَكمَل الفكرة مرَّةً أُخرى في سفر الرُّؤيا.” كُول (Cole)
شِبْهُ صَنْعَةٍ مِنَ ٱلْعَقِيقِ ٱلْأَزْرَقِ ٱلشَّفَّافِ: “لإظهارِ بأنَّ الله قد غير حالَهُم الآن، فاللِّبنَ الَّذي صنعوه في عبوديَّتهم، قد تحوَّل إلى عقيق.” تراب (Trapp)
٢. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى أَشْرَافِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: يُشيرُ هذا إلى أنَّه وبالرغم من جلالِ هذا الإختبار، فقد كان هُناك أمرٌ مفقودٌ أو ناقصٌ في هذا اللِّقاء. لَم يكُن هذا لقاءَ ’وجهٍ لِوَجهٍ‘ مع الله. فهؤلاء الشُّيوخ يُمكِنهم رؤية الله، لكن لَم يكُن هُناك من شركة أو تواصُل بينهم وبين الله.
أَشْرَافِ: “حرفيًّا، إنَّ الكلمتَين ’أوتادُ الزَّوايا،‘ اللَّتان هُما غير اعتياديَّتَين وأراميَّتَين، فَمَعناهُما واضحٌ من سياق الكلام. سوف تُستخدَم تشابيه مماثِلَة في أمكنَةٍ أُخرى من العهد القديم (إشعياء ٢٣:٢٢؛ زكريَّا ٤:١٠).” كُول (Cole)
٣. فَرَأَوْا ٱللهَ: لقد سمحَ الله لِشيوخِ إسرائيل بأن يرَوا رؤيا رائعة للتَّأثير عليهم في واقعيَّة وحقيقة حضور الله. فبعد هذا الإختبار، سيكونون أكثر قابليَّةٍ لأن يثقوا بالله عندما تكلَّم بواسطة موسى.
“إنَّ سجلَّ هذا الإختبار لَهُوَ بِهَيبةٍ مُتحفِّظ. فلا وصْفَ مُقدَّمٌ يتعلَّق بشكل الظُّهور. فكُلُّ مُحاولةٍ في الوصفِ كانت لِكُرسيِّ قدَمَي اللَّاهوت.” مورجان (Morgan)
“من الصُّعوبةِ بمكانٍ ما، القَول ما هو المغزى من هذه العبارة: ’فَرَأَوْا ٱللهَ.‘ لقد كان ظهورًا للحضورِ الإلهيّ (عدد ٨:١٢؛ إشعياء ١:٦؛ حزقيال ٢٦:١)” توماس (Thomas)
“يبدو وكأنَّ إمكانيَّة موسى والمرافقين له بأن ’يرَوا إلهَ إسرائيل،‘ للوهلة الأُولَى، تتعارَضُ مع سفر الخروج ٢٠:٣٣؛ يوحنَّا ١٨:١؛ و١ تيموثاوس ١٦:٦؛ لكنَّ الَّذي رأَوهُ كان ’شكلًا ]’شبَهًا‘[ عن الرَّبِّ (عدد ١٢: ٨)، تمامًا كما رأى كُلٌّ من النبيّ حزقيال (حزقيال ٢٦:١) والنبيّ إشعياء (إشعياء ١:٦) تقديرًا تقريبيًّا، شبَهًا باهِتًا وظلًّا محسوسًا للكسيح الـمُتجسِّد الَّذي سيأتي.” كايزر (Kaiser)
٤. وَأَكَلُوا وَشَرِبُوا: لقد أرادَهم الله بأن يأكلوا ويشرَبوا في حضرتهِ، وذلك لأنَّه أرادَ توصيلَ معنًى ما في الشَّركَة مع هؤلاء الشُّيوخ.
“أربعةٌ وسبعون رجُلًا كانوا مُجتمعين معًا حولَ ظهور حضرة الله، وفي تلك الحضرة قد أكلوا وشربوا بالفعل.” مورجان (Morgan)
“لقد كان الأمرُ حقيقيًّا بأن يكون الغذاءُ الـمُشترَك (وخصوصًا ما يشمَل المِلح) طريقةً شائعة في خَتمِ العهد، من الأيَّام الكتابيَّة إلى الأيَّام الحديثة. بالرغم من ذلك، فقد كان صحيحًا أيضًا بأنَّ أيَّ نوعٍ من العبادة يتضمَّن ذبيحة ’تقدِمات السَّلامة‘ (خروج ٥:٢٤)، لَسوفَ يُستَتْبَع طبيعيًّا بعيدِ أو احتفالِ تضحية.” كُول (Cole)
لاحظ ف. ب. ماير (F.B. Meyer) بأنَّ الأكلَ والشُّربَ لَأمرانِ طبيعيَّان، يُمارسان يوميًّا، وقد اختبَرَها هؤلاء الرِّجال بعمقٍ كأمرٍ طبيعيّ. فهو لاحظَ بعد ذلك:
ü إنَّ البعض يأكلون ويشربون، لكنَّهم لا يلمحون أو يُبصِرون الله.
ü إنَّ البعضَ يُبصِرون الله، لكنَّهم لا يأكلون أو يشربون.
ü إنَّ البعضَ يُبصِرون الله ويأكلون ويشربون.
ب) الآيات (١٢-١٨): يصعدُ موسى إلى الجبل لِلِقاء الله ولأخذِ حجَرَي الوصايا العشر.
١٢ وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: «ٱصْعَدْ إِلَيَّ إِلَى ٱلْجَبَلِ، وَكُنْ هُنَاكَ، فَأُعْطِيَكَ لَوْحَيِ ٱلْحِجَارَةِ وَٱلشَّرِيعَةِ وَٱلْوَصِيَّةِ ٱلَّتِي كَتَبْتُهَا لِتَعْلِيمِهِمْ» .١٣ فَقَامَ مُوسَى وَيَشُوعُ خَادِمُهُ. وَصَعِدَ مُوسَى إِلَى جَبَلِ ٱللهِ .١٤ وَأَمَّا ٱلشُّيُوخُ فَقَالَ لَهُمُ: «ٱجْلِسُوا لَنَا هَهُنَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْكُمْ. وَهُوَذَا هَارُونُ وَحُورُ مَعَكُمْ. فَمَنْ كَانَ صَاحِبَ دَعْوَى فَلْيَتَقَدَّمْ إِلَيْهِمَا» .١٥ فَصَعِدَ مُوسَى إِلَى ٱلْجَبَلِ، فَغَطَّى ٱلسَّحَابُ ٱلْجَبَلَ، ١٦ وَحَلَّ مَجْدُ ٱلرَّبِّ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ، وَغَطَّاهُ ٱلسَّحَابُ سِتَّةَ أَيَّامٍ. وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ دُعِيَ مُوسَى مِنْ وَسَطِ ٱلسَّحَابِ .١٧ وَكَانَ مَنْظَرُ مَجْدِ ٱلرَّبِّ كَنَارٍ آكِلَةٍ عَلَى رَأْسِ ٱلْجَبَلِ أَمَامَ عُيُونِ بَنِي إِسْرَائِيلَ .١٨ وَدَخَلَ مُوسَى فِي وَسَطِ ٱلسَّحَابِ وَصَعِدَ إِلَى ٱلْجَبَلِ. وَكَانَ مُوسَى فِي ٱلْجَبَلِ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً.
١. ٱصْعَدْ إِلَيَّ إِلَى ٱلْجَبَلِ، وَكُنْ هُنَاكَ: صعِد موسى بناءً على دعوة الله وأخذ معَهُ أيضًا يَشُوعَ خَادِمَهُ. فنفسُ يشوعَ هذا قد أصبحَ ذلك القائد العظيم الَّذي استخدمهُ الله ليأتيَ بإسرائيل إلى أرضِ الموعِد، لكنَّه ابتدأ كَخادِمِ موسى – أوَّلًا، فقد كان مُساعِدًا لِمُوسى في الحرب (خروج ٨:١٧-١٦)، ومن ثمَّ بِمَدِّه يدَ العونِ له في الأُمور الرُّوحيَّة.
“رافق يشوع موسى مُحافِظًا على مسافةٍ مُعيَّنة، وهُناك انتظرا ستَّة أيَّامٍ (تذكيرٌ جدِّيٌّ بصعوبة الإقتراب إلى الله)، إلى أن استُدعيَ موسى إلى مُقابلةٍ شخصيَّة وخاصَّة مع الله، استمرَّت حوالي ستَّة أسابيع (تثنية ٩:٩).” توماس (Thomas)
لقد اجتمعت أُمَّةُ إسرائيل في أسفلِ الجبَل. وقد كان هارون وأبناؤهُ وسبعون شيخًا في مُنتصف الطَّريق إلى الجبل. أمَّا موسى ويشوع فقد اقتربا صعودًا لِمسافةٍ أكبَر، وموسى وحدَهُ التقَى بالله.
٢. وَهُوَذَا هَارُونُ وَحُورُ مَعَكُمْ: لقد كان عندَ موسى سببٌ كافٍ لِيَعتقِدَ بأنَّ هذَين الرَّجُلَين يُمكنهما الاهتمام بِمُعسكَر إسرائيل. لقد برهَنا بأنَّهما رجُلَين مُقتدِرَين في مُساعدة موسى في الصَّلاة (خروج ١٠:١٧-١٣). بالرغم من ذلك، فإنَّ هَارُونَ وَحُورَ لَم يقومَا بِعِملٍ جيِّدٍ في حراسة الـمُعسكَر – كما سيتبيَّن في الأصحاحات التَّالية.
٣. وَكَانَ مَنْظَرُ مَجْدِ ٱلرَّبِّ كَنَارٍ آكِلَةٍ عَلَى رَأْسِ ٱلْجَبَلِ أَمَامَ عُيُونِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: لَرُبَّما بدا ذلك كَجمرةٍ مُتوهِّجة ومُشعَّة بنارٍ حامية (كَنَارٍ آكِلَةٍ). بَقِيَ حضورُ الله المجيد في سيناء لِمُدَّةِ أربعين يومًا استمرَّ فيها موسى على الجبل. بالرغم من أنَّ الشَّعب لَم يستطِع بأن يرى الله، فقد ترك لهم الله تذكاراتٍ عن مجدهِ وحضورهِ، ذلك من أجلِ مُساعدتهم للثِّقة بما لا يرَوَنَه.
وَحَلَّ مَجْدُ ٱلرَّبِّ: “إنَّ الفعل العبريّ الـمُستخدَم هو ’سَكَنَ.‘ فقد استُخدِمَ بمعنًى تقنيّ لاحقًا عن ’شكينة‘ الله، ذلك التَّعبير الخارجيّ لحضورهِ للإنسان” كُول (Cole)
“عندما ’حلَّ‘ مجدُ الله على الجبل، فقد استُخدِمت نفس الكلِمة ’سَكَنَ،‘ أو (sakan)، كَمجدِ ’شكينة‘ (يوحنَّا ١٤:١، الكلِمة ’خيَّمَ‘ بيننا).” فالكلِمة اليونانيَّة القديمة لِـ حلَّ في يوحنَّا ١٤:١ تبدو مُشابِهة إلى حدٍّ كبير للكلِمة العبريَّة سَكَنَ. كايزر (Kaiser)
٤. دُعِيَ مُوسَى مِنْ وَسَطِ ٱلسَّحَابِ: لَم يكُن هذا المكانُ مكانًا مُرحِّبًا؛ فقد كان هذا الـمُحيط القاسي والخَطِر يقولُ: ’إبقَ بعيدًا.‘ لكنَّ الله دعَا موسى وقال له: ’اقترِب إليَّ.‘
وكالبيئة القاسية والخَطِرَة، قد كان هُناك شيئًا من مجدِ الله فيها. فهذه الصُّوَر عن السَّحاب والدُّخَّان والنَّار، جميعها صُوَرٌ كتابيَّة عن مجدِ الله الـمُعلَن والظَّاهِر. فهي مُتَّصِلَة بسحابة المجد في شكينة، كَذلك الحضور ليسوع بين النَّاس.
في كلِّ هذا، قال الله لِمُوسى: “يُمكنكَ أن تقترِب. سأحفظُكَ آمِنًا وسأُظهِرُ ذاتي لك.” ففي العهد الجديد، وعلى ضَوءِ كلِمة الله، وتحت ذبيحة يسوع، يتحدَّانا الله للإقترابِ إليه.