تفسير سفر المزامير – مزمور ١٠٩
نبوءة انتقام من أعداء بغيضين
هذا المزمور معنون لِإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ. لِدَاوُدَ. مَزْمُورٌ. ويعتقد بعضهم أن إمام المغنين (كبير الموسيقيين) هو داود، بينما يرى آخرون أن هذه إشارة شعرية إلى الله نفسه، مؤلف الموسيقى نفسها.
هذا مزمور لداود، وهو يُعتقد أنه أقوى المزامير الانتقامية، وهي المزامير التي تستنزل لعنات على أعدائه. ومن المهم أن نتذكر أن هذه صلوات حيث يترك مسألة الانتقام بين يدي الله. ومع الإعلان الأعظم للنعمة والحق اللذين في يسوع المسيح، نفهم أن علينا أن نصلي من أجل خير أعدائنا، لا من أجل دمارهم.
غير أننا نذكّر أنفسنا بأن داود رفض أن يتصرف وفق هذه اللعنات، تاركًا الانتقام لله. ويتعلق هذا المزمور على نحو خاص بداود الذي عرف ما يعنيه أن تُؤخذ الحياة بالسيف. فعندما كان يمتنع عن الانتقام، فقد كان يفعل ذلك لأنه اختار ذلك، لا لأنه افتقر إلى الفرصة أو المهارة أو الشجاعة لتنفيذ الانتقام.
أولًا. صلاة للإنقاذ
أ ) الآيات (١-٣): إنقاذ من بُغض الأعداء.
١يَا إِلَهَ تَسْبِيحِي لَا تَسْكُتْ، ٢لِأَنَّهُ قَدِ ٱنْفَتَحَ عَلَيَّ فَمُ ٱلشِّرِّيرِ وَفَمُ ٱلْغِشِّ. تَكَلَّمُوا مَعِي بِلِسَانِ كِذْبٍ، ٣بِكَلَامِ بُغْضٍ أَحَاطُوا بِي، وَقَاتَلُونِي بِلَا سَبَبٍ.
١. يَا إِلَهَ تَسْبِيحِي لَا تَسْكُتْ: مرة أخرى نرى داود في ضيقة، محاصرًا من أعداء كثيرين، وٱنْفَتَحَ عَلَيه فَمُ ٱلشِّرِّيرِ، ولهذا صلّى أن لا يسكت الله. فلم يُرد أن تكون الكلمة الأخيرة لفَمُ ٱلشِّرِّير.
· إِلَهَ تَسْبِيحِي: “اتخذ صاحب المزمور موقفًا حازمًا ثابتًا قبل جيشان الأفكار المضطربة. وسيتلمس المزمور طريقه ثانية إلى هذه النقطة المواتية، لكن في آخر آيتين من المزمور.” كيدنر (Kinder)
٢. قَاتَلُونِي بِلَا سَبَبٍ: كان داود واثقًا ببراءته في ما يتعلق بأعدائه. كانت كلماتهم الفظة منطوقة بِلِسَانِ كِذْبٍ، وكانت كلمات الكراهية بِلَا سَبَبٍ.
· “لا يوجد أسهل من هزّ لسان شرير.” تراب (Trapp)
· “لا توجد في كل ترسانة إبليس أسلحة أسوأ من ألسنة الغش والخداع.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٤-٥): إنقاذ من جحود المُبغِضين.
٤بَدَلَ مَحَبَّتِي يُخَاصِمُونَنِي. أَمَّا أَنَا فَصَلَاةٌ. ٥وَضَعُوا عَلَيَّ شَرًّا بَدَلَ خَيْرٍ، وَبُغْضًا بَدَلَ حُبِّي.
١. بَدَلَ مَحَبَّتِي يُخَاصِمُونَنِي: أصر داود في السطور السابقة على أن بغض أعدائه له كان بلا سبب. وهنا يوضح أنه قدّم المحبة لهؤلاء الخصوم، لكنهم بادلوا خيره بالشر، ومحبته بالبغض.
· يخاصمونني: هم خصومي، المشتكون عليّ. هذه هي نفس الكلمة العبرية التي تترجم إلى إبليس – المتّهِم والمشتكي. “يقول النص العبري، إنهم يبغضونني بشكل شيطاني. إن مقابلة الشر بالشر أمر وحشي، لكن مقابلة الخير بالشر أمر شيطاني.” تراب (Trapp)
٢. أَمَّا أَنَا فَصَلَاةٌ: كانت استجابة داود هي الصلاة، مستخدمًا حتى مفهومًا من مفاهيم العهد الجديد. والسطور التالية ممتلئة بأمنيات مريرة تمثل نوعًا من نبوّة بهلاك هؤلاء الأعداء. لكن داود لم يفعل شيئًا لإحداث هذا الهلاك. إذ كان ذلك عمل الله لا عمله. وأمّا بالنسبة لداود، فقد كرّس نفسه للصلاة، تاركًا المسألة في يد الرب.
· “يقول النص العبري (كما هو في الترجمة العربية): ’أَمَّا أَنَا فَصَلَاةٌ.‘ وهو أقوى من الترجمات الإنجليزية التي تقول ’أنا أكرس نفسي للصلاة.‘ وكأنّ داود يقول: ’أنا كلّي صلاة‘ أو ’أنا أتميّز بالصلاة، مع أن أعدائي يتلفظون بأكاذيب حولي لآخرين محاولين إيذائي، إلا أني أتكلم مع الله، وأنا أصلّي إليه دائمًا.‘” بويس (Boice)
· “لم يفعل داود شيئًا غير الصلاة. فصار صلاةً بينما صاروا خُبثًا وشرًّا. كان هذا ردّه على أعدائه. سلّم داود هؤلاء الأشخاص وظُلمهم إلى ديان الأرض الذي لا بد أن يفعل الصواب.” سبيرجن (Spurgeon)
ثانيًا. نبوّة هلاك
أ ) الآيات (٦-١٣): دمار على عائلة العدو.
٦فَأَقِمْ أَنْتَ عَلَيْهِ شِرِّيرًا، وَلْيَقِفْ شَيْطَانٌ عَنْ يَمِينِهِ. ٧إِذَا حُوكِمَ فَلْيَخْرُجْ مُذْنِبًا، وَصَلَاتُهُ فَلْتَكُنْ خَطِيَّةً. ٨لِتَكُنْ أَيَّامُهُ قَلِيلَةً، وَوَظِيفَتُهُ لِيَأْخُذْهَا آخَرُ. ٩لِيَكُنْ بَنُوهُ أَيْتَامًا وَٱمْرَأَتُهُ أَرْمَلَةً. ١٠لِيَتِهْ بَنُوهُ تَيَهَانًا وَيَسْتَعْطُوا، وَيَلْتَمِسُوا خُبْزًا مِنْ خِرَبِهِمْ. ١١لِيَصْطَدِ ٱلْمُرَابِي كُلَّ مَا لَهُ، وَلْيَنْهَبِ ٱلْغُرَبَاءُ تَعَبَهُ. ١٢لَا يَكُنْ لَهُ بَاسِطٌ رَحْمَةً، وَلَا يَكُنْ مُتَرَأِفٌ عَلَى يَتَامَاهُ. ١٣لِتَنْقَرِضْ ذُرِّيَّتُهُ. فِي ٱلْجِيلِ ٱلْقَادِمِ لِيُمْحَ ٱسْمُهُمْ.
١. فَأَقِمْ أَنْتَ عَلَيْهِ شِرِّيرًا: والآن يتحدث داود عن عدوه بصيغة المفرد، إمّا واضعًا في اعتباره قائد المجموعة المذكورة في الآيات ١-٥، وإمّا مستهدفًا واحدًا بين كثيرين. وعندما تنبّأ داود بهلاك عدوه، بدأ بالرغبة في أن يتسلط عليه شِرِّيرًا في دينونته هذه. وتمثل القيادة الشريرة لشعب ما دينونة عليه.
· تمثل هذه بداية لمجموعة طويلة مكثفة من اللعنات التي نطق بها داود ضد أعدائه. ويعتقد بعضهم أن الآيات ٦-٢٠ تصف كلمات الكذب التي نطق بها أعداء داود ضده، وأن استخدام صيغة المفرد في هذا القسم يبرهن ذلك، إضافة إلى الآية ٢٠ لاحقًا. وقد تبنّى مورجان (Morgan) هذا الرأي. “أنا أتفق تمامًا مع أولئك المفسرين الذين يعاملون هذا المقطع على أنه كلام أعداء داود ضده قام باقتباسه.”
· تتمثل الحجة الرئيسية ضد هذا الرأي في كيفية تعامل الرسول بطرس مع الآية مزمور ١٠٩: ٨ في اقتباسه لها في أعمال الرسل ١: ٢٠، حيث طبّقها على يهوذا الذي أُدين بحق، ولم يطبّقها على رجل أُدين خطأ.
· “ولهذا نأخذ هذه الكلمات على أنها كلمات داود نفسه. ومع إعطاء الوزن المستحَق لعنصر الغضب البار والمبالغة البلاغية، نراها شبيهة بثورات إرميا وأيوب. وهي مدوّنة لكي نتعلّم منها لا لكي نقلّدها، مع التعبير عن صرخة الدم البريء تعهَّد الله بأن يسمعه.” كيدنر (Kidner)
· إنه لأمر منصف أن نلاحظ أن نغمة هذه اللعنات تأتي بشكل عام في شكل نبوة، لا كلعنات فورية. فقد توقّع داود مجيء الدينونة البارة بدلًا من النطق بها، رغم أن من المؤكد أنه كان يرغب في تلك الدينونة.
· “كان داود معروفًا بأنه غير ميّال إلى الانتقام، وطويل الروح، ورحيم، بل كان ممدوحًا على هذه الصفات. وما علينا إلا أن نتذكر تلك المناسبتين اللتين كان بمقدورهما أن يقتل في أيٍّ منهما عدوه الرئيسي، الملك شاول لو أراد (١ صموئيل ٢٤، ٢٦). بل إنه لم يفكّر أصلًا في قتل شاول. وبدلًا من ذلك، قال: “لَا أَمُدُّ يَدِي إِلَى سَيِّدِي، لِأَنَّهُ مَسِيحُ ٱلرَّبِّ هُوَ” (١ صموئيل ٢٤: ١٠). ولكل المزامير الانتقامية نكهة رومية ١٢: ١٩ “لِيَ ٱلنَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ.” فهي تترك تنفيذ العدالة في يد الرب.” بويس (Boice)
٢. وَلْيَقِفْ شَيْطَانٌ (مُشتكٍ) عَنْ يَمِينِهِ: كانت اللعنة التي خطرت ببال داود هي وجود مشتكٍ (شيطان) أو خصم عن يمينه بدلًا من شخص يعينه. وسيكون هذا الشخص المذنب من دون عون. بل سيقف عن يمينه شيطان أو مشتكٍ (وهما نفس الكلمة في العبرية).
٣. إِذَا حُوكِمَ فَلْيَخْرُجْ مُذْنِبًا: فكّر داود في كل كارثة يمكن أن تحل على عدوه، وهو يتمنّى أن يكون مذنبًا في المحكمة، وأن تكون صلاته، إذا صلى، أن تكون هي نفسها خطية، وأن تكون حياته قصيرة، وأن يأخذ شخص آخر وظيفته.
· اقتبس بطرس عبارة ’وَوَظِيفَتُهُ لِيَأْخُذْهَا آخَرُ‘ الموحى بها من الروح القدس في سياق تعيين رسول آخر يحل محل يهوذا ليكتمل عدد الرسل (أعمال الرسل ١: ٢٠). ومن المؤكد أن العدو البغيض الذي وصفه داود صورة مسبقة ليهوذا الذي قاتل ضد يسوع بلا سبب (١٠٩: ٣)، وقابل الخير الذي صنعه يسوع معه بالشر (كما في الآية ٥).
٤. لِيَكُنْ بَنُوهُ أَيْتَامًا: تنبّأ داود أن الهلاك الذي سيحل على هذا العدو البغيض سيمتد إلى عائلته. إذ ستعني حياته القصيرة أن أولاده سيصبحون يتامى (لِيَكُنْ بَنُوهُ أَيْتَامًا)، وستترمل زوجته (وَٱمْرَأَتُهُ أَرْمَلَةً)، وسيعاني أطفاله اليتامى من فقر مدقع (وَيَسْتَعْطُوا، وَيَلْتَمِسُوا خُبْزًا مِنْ خِرَبِهِمْ)، وستكون حياتهم ملعونة (فِي ٱلْجِيلِ ٱلْقَادِمِ لِيُمْحَ ٱسْمُهُمْ).
· “تمتد اللعنات المذكورة في مزمور ١٠٩: ١١-١٥ لتشمل الأبناء والوالدين وفق الإحساس القوي بالتضامن بين العائلة قديمًا. ويعبَّر عن هذا الامتداد بأن يحل الدمار على المجرم المذنب وتسوية بيته إلى الأرض.” ماكلارين (Maclaren)
· “نُذهل عندما نجد أطفالًا مشمولين في حُكم الأب. غير أن الواقع هو أن الأطفال يعانون فعلًا بسبب خطايا أبيهم. وما دامت أمور الحياة مرتَّبة كما هي، فلا بدّ أن تكون هكذا.” سبيرجن (Spurgeon)
· “كان ينتج عن خرق العهد تنفيذ اللعنات، بما في ذلك المجاعة، والمرض، والسبي، والموت (لاويين ٢٦: ١٤-٣٩). وهكذا يقول صاحب المزمور إن كلمة الرب ستتحقق في ما يتعلق بالمتهتّكين.” فانجيميرين (VanGemeren)
ب) الآيات (١٤-٢٠): دمار وفق خطايا العدو الكثيرة.
١٤لِيُذْكَرْ إِثْمُ آبَائِهِ لَدَى ٱلرَّبِّ، وَلَا تُمْحَ خَطِيَّةُ أُمِّهِ. ١٥لِتَكُنْ أَمَامَ ٱلرَّبِّ دَائِمًا، وَلْيَقْرِضْ مِنَ ٱلْأَرْضِ ذِكْرَهُمْ. ١٦مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنْ يَصْنَعَ رَحْمَةً، بَلْ طَرَدَ إِنْسَانًا مِسْكِينًا وَفَقِيرًا وَٱلْمُنْسَحِقَ ٱلْقَلْبِ لِيُمِيتَهُ. ١٧وَأَحَبَّ ٱللَّعْنَةَ فَأَتَتْهُ، وَلَمْ يُسَرَّ بِٱلْبَرَكَةِ فَتَبَاعَدَتْ عَنْهُ. ١٨وَلَبِسَ ٱللَّعْنَةَ مِثْلَ ثَوْبِهِ، فَدَخَلَتْ كَمِيَاهٍ فِي حَشَاهُ وَكَزَيْتٍ فِي عِظَامِهِ. ١٩لِتَكُنْ لَهُ كَثَوْبٍ يَتَعَطَّفُ بِهِ، وَكَمِنْطَقَةٍ يَتَنَطَّقُ بِهَا دَائِمًا. ٢٠هَذِهِ أُجْرَةُ مُبْغِضِيَّ مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ، وَأُجْرَةُ ٱلْمُتَكَلِّمِينَ شَرًّا عَلَى نَفْسِي.
١. لِيُذْكَرْ إِثْمُ آبَائِهِ لَدَى ٱلرَّبِّ: أمِلَ داود أن تكون خطاياهم محفوظة، وأن تكون ذكراها أمام الرب دائمًا.
٢. مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنْ يَصْنَعَ رَحْمَةً: احتقر هذا العدو ورفقاؤه الخير الذي قدّمه لهم داود (الآية ٥). غير أن طرقهم البغيضة تجاوزت ما فعلوه بداود، حيث اضطهدوا المسكين والفقير.
· رأى ماثيو بوله أن المسكين والفقير هنا هو داود نفسه، “الذي كان مُعْدَمًا وتعيسًا ومستحقًا للشفقة، لا لإضافات من القساوة.” بوله (Poole)
٣. وَٱلْمُنْسَحِقَ ٱلْقَلْبِ لِيُمِيتَهُ: كانت هذه القسوة الخالية من كل رحمة تجاه منسحقي القلوب مناقضة تمامًا لطبيعة الله. “قَرِيبٌ هُوَ ٱلرَّبُّ مِنَ ٱلْمُنْكَسِرِي ٱلْقُلُوبِ” (مزمور ٣٤: ١٨)، “ٱلْقَلْبُ ٱلْمُنْكَسِرُ وَٱلْمُنْسَحِقُ يَا ٱللهُ لَا تَحْتَقِرُهُ” (مزمور ٥١: ١٧).
٤. وَأَحَبَّ ٱللَّعْنَةَ فَأَتَتْهُ: كانت صلاة داود متجذرة في العدالة البسيطة. إذ أراد من الله أن يفعل بهذا العدو ما سبق أن فعله هذا الرجل المذنب بالآخرين. أراد أن يلبس ٱللَّعْنَةَ مِثْلَ ثَوْبِهِ.
· “صارت محبة الشرير للعنة جزءًا منه حتى إن صاحب المزمور وصفه كما لو أنه ’لَبِسَ ٱللَّعْنَةَ مِثْلَ ثَوْبِهِ.‘” فانجيميرين (VanGemeren)
· “إن ما يطالب به صاحب المزمور هو المجازاة، وليس انتقامًا شخصيًّا، لكن كإجراء من العدالة العامة كما تستحق جريمته. ومن المؤكد أن هذا الرجل الشرير لن يشتكي إذا حُكم عليه بحُكمه الخاص وإذا كِيلَ له بنفس المكيال الذي كان يكيله للآخرين.” سبيرجن (Spurgeon)
٥. هَذِهِ أُجْرَةُ مُبْغِضِيَّ مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ: يؤكد هذا أن هذه صلاة من داود. فكما قال في الآية ٤، فإنه سيصلي وسيترك المسألة بين يدي الرب. لقد تنبًا داود بهذا الهلاك وتمنّاه، لكن هذا سيكون من عمل الله.
· “ستتحقق كل هذه اللعنات على أعدائي، وسيحصلون على مكافأتهم.” كلارك (Clarke)
ثالثًا: طلب العون
أ ) الآيات (٢١-٢٥): طلب العون بسبب الضعف.
٢١أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ ٱلسَّيِّدُ فَٱصْنَعْ مَعِي مِنْ أَجْلِ ٱسْمِكَ. لِأَنَّ رَحْمَتَكَ طَيِّبَةٌ نَجِّنِي. ٢٢فَإِنِّي فَقِيرٌ وَمِسْكِينٌ أَنَا، وَقَلْبِي مَجْرُوحٌ فِي دَاخِلِي. ٢٣كَظِلٍّ عِنْدَ مَيْلِهِ ذَهَبْتُ. ٱنْتَفَضْتُ كَجَرَادَةٍ. ٢٤رُكْبَتَايَ ٱرْتَعَشَتَا مِنَ ٱلصَّوْمِ، وَلَحْمِي هُزِلَ عَنْ سِمَنٍ. ٢٥وَأَنَا صِرْتُ عَارًا عِنْدَهُمْ. يَنْظُرُونَ إِلَيَّ وَيُنْغِضُونَ رُؤُوسَهُمْ.
١. فَٱصْنَعْ مَعِي مِنْ أَجْلِ ٱسْمِكَ: فهِم داود أنه ليس كافيًا أن يُحكم على عدوه. إذ احتاج داود إلى عون من الرب السيد (يهوه أدوناي). وقدّم طلبته على أساس كلمة الله ورحمته، لا على أساس بره الخاص.
٢. وَقَلْبِي مَجْرُوحٌ فِي دَاخِلِي: كان داود فَقِيرًا وَمِسْكِينًا، ويبيّن هذا أنه الرجل منسحق القلب المذكور في الآية ١٦.
٣. كَظِلٍّ عِنْدَ مَيْلِهِ ذَهَبْتُ: كانت تعاسة داود جسمية أيضًا. أحس بأن حياته تتبدد، مشتكيًا أن لحمه هزل بعد أن كان ممتلئًا. وقد تسبب العدو البغيض في هذا أو أنه استغلّه.
٤. يَنْظُرُونَ إِلَيَّ وَيُنْغِضُونَ رُؤُوسَهُمْ: نظر الناس إلى داود في حالته المؤسفة فاحتقروه (صِرْتُ عَارًا عِنْدَهُمْ)، فأنغضوا رؤوسهم في شفقة واشمئزاز.
ب) الآيات (٢٦-٢٩): طلب عون من قلب يحب مجد الله.
٢٦أَعِنِّي يَا رَبُّ إِلَهِي. خَلِّصْنِي حَسَبَ رَحْمَتِكَ. ٢٧وَلْيَعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ هِيَ يَدُكَ. أَنْتَ يَا رَبُّ فَعَلْتَ هَذَا. ٢٨أَمَّا هُمْ فَيَلْعَنُونَ، وَأَمَّا أَنْتَ فَتُبَارِكُ. قَامُوا وَخَزُوا، أَمَّا عَبْدُكَ فَيَفْرَحُ. ٢٩لِيَلْبِسْ خُصَمَائِي خَجَلًا، وَلْيَتَعَطَّفُوا بِخِزْيِهِمْ كَٱلرِّدَاءِ.
١. أَعِنِّي يَا رَبُّ إِلَهِي: كان توسُّل داود مباشرًا وبسيطًا. فكما تضرعت المرأة الكنعانية إلى يسوع من أجل ابنتها المجنونة (متى ١٥: ٢١-٢٥)، كذلك طلب داود عونًا. وكما في الآية ٢١، طلب داود محتكمًا إلى رحمة الله، لا إلى استحقاقه الخاص.
٢. وَلْيَعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ هِيَ يَدُكَ: كان مهمًّا جدًّا أن يعرف أعداء داود والذين ينظرون إليه أن إنقاذه هو من يد الرب. فالرب هو الذي فعل هذا. ولم يطلب داود إنقاذًا من أجل نفسه فحسب، بل من أجل مجد الله أيضًا.
· هَذِهِ هِيَ يَدُكَ: لن يرى الأشرار يد الله في أي شيء طالما كان ذلك بمقدورهم. وعندما يرون الصالحين يُنقذون من قوتهم، فإنهم يصيرون أكثر عزمًا في حماستهم. لكن في الوقت المناسب، سيقوم الله وسيعاقبهم على شرهم، وسينقذ موضوع حقدهم إلى أن يُجبروا على أن يقولوا مع سحرة مصر: ’هذه إصبع الله.‘” سبيرجن (Spurgeon)
٣. أَمَّا هُمْ فَيَلْعَنُونَ، وَأَمَّا أَنْتَ فَتُبَارِكُ: فهِم داود أن لعنات الأعداء لن تقوى على بركات الرب في حياته، فَيَفْرَحُ. وأما أعداؤه فسيرتدون الخزي كثوب (لِيَلْبِسْ خُصَمَائِي خَجَلًا، وَلْيَتَعَطَّفُوا بِخِزْيِهِمْ كَٱلرِّدَاءِ).
ج) الآيات (٣٠-٣١): شكر الله بثقة على استجابته.
٣٠أَحْمَدُ ٱلرَّبَّ جِدًّا بِفَمِي، وَفِي وَسَطِ كَثِيرِينَ أُسَبِّحُهُ. ٣١لِأَنَّهُ يَقُومُ عَنْ يَمِينِ ٱلْمَسْكِينِ، لِيُخَلِّصَهُ مِنَ ٱلْقَاضِينَ عَلَى نَفْسِهِ.
١. أَحْمَدُ ٱلرَّبَّ جِدًّا بِفَمِي: كانت رغبة قلب داود هي أن يرى الله ممجَّدًا ومكرَّمًا في إنقاذه. وسيسبحه بصوته فِي وَسَطِ كَثِيرِينَ.
· “بدأ المزمور بمخاطبة ’إله تسبيحي،‘ وهو ينتهي بثقة ونذر بأن يسبّحه صاحب المزمور أكثر. ورسم في البداية شيطانًا واقفًا عن يمين الشرير ليدينه. وينتهي بالتوكيد أن الرب يقف عن يمين عبده المبتلى كمحامٍ يدافع عنه.” ماكلارين (Maclaren)
٢. يَقُومُ عَنْ يَمِينِ ٱلْمَسْكِينِ: يحمد صاحب المزمور الله ويسبّحه على محبته ورعايته بالفقراء والمقموعين من قِبَل مثل هؤلاء الأعداء البغيضين الذين يدينون الأبرار.
· لِأَنَّهُ يَقُومُ عَنْ يَمِينِ ٱلْمَسْكِينِ… “مستبدلًا صورة المشتكي الواقف عن الضحية بصورة الله الواقف عن يمين الفقراء بمعنى آخر. هذا هو الجواب الكامل.” كيدنر (Kidner)