تفسير سفر المزامير – مزمور ٧٢
الملك وملك الملوك
عنوان هذا المزمور هو: مزمور لِسُلَيْمَانَ. يمكن ترجمة الكلمة العبرية هنا (وفي معظم المزامير التي تذكر اسم المؤلف) على أنه موجَّه إلى سليمان. وقد عدّه بعض المفسرين على أنه من تأليف داود لابنه سليمان وعنه، وعن ابنه الأعظم، المسيّا. غير أن الطريقة الأكثر طبيعية لفهم العنوان هو أنه ’مزمور سليمان،‘ مع الفهم أن السطر الشعري عن داود في ٢٠:٧٢ يشير إلى مجموعة الكتاب الثاني من المزامير الممتلئ بمزامير داود فاصلًا بين الكتابين الثاني والثالث، والذي يبدأ بأحد عشر مزمورًا كتبها آساف.
يُحتمل أن سليمان جمع مزامير الكتاب الثاني (٤٢-٧٢) وألّف هذا المزمور كخاتمة ملائمة لهذه المجموعة التي تتألف في معظمها من مزامير داود نفسه. وهي خاتمة ملائمة لأنها بشكل غير متوقع لا تركز على داود نفسه، بل على المسيّا – ملك الملوك وابن داود.
“لا يقتبس العهد الجديد في أي موضع من مواضعه على هذا المزمور بصفته مسيّانيًّا، لكن صورة الملك قريبة من نبوّات إشعياء ١:١١-٥ وإشعياء ٦٠-٦٢. فإن كانت هذه النصوص مسيّانية، فإن هذا المزمور كذلك.” ديريك كيدنر (Derek Kidner)
أولًا. صلاة للملك
أ ) الآيات (١-٤): صلاة الملك من أجل الحكمة.
١اَللَّهُمَّ، أَعْطِ أَحْكَامَكَ لِلْمَلِكِ، وَبِرَّكَ لِٱبْنِ ٱلْمَلِكِ. ٢يَدِينُ شَعْبَكَ بِٱلْعَدْلِ، وَمَسَاكِينَكَ بِٱلْحَقِّ. ٣تَحْمِلُ ٱلْجِبَالُ سَلَامًا لِلشَّعْبِ، وَٱلْآكَامُ بِٱلْبِرِّ. ٤يَقْضِي لِمَسَاكِينِ ٱلشَّعْبِ. يُخَلِّصُ بَنِي ٱلْبَائِسِينَ، وَيَسْحَقُ ٱلظَّالِمَ.
١. اَللَّهُمَّ، أَعْطِ أَحْكَامَكَ لِلْمَلِكِ، وَبِرَّكَ لِٱبْنِ ٱلْمَلِكِ: بدأ هذا المزمور طالبًا من الله أن يباركه بصفته ملك إسرائيل ويباركه بأحكام حكيمة وحُكم مبكي يُظهر بر الله. كان هذا نفس القلب وراء الطِّلبة التي قدّمها لله في سفر ملوك الأول ٥:٣-٩.
· “تعكس هذه الصلوات تصورًا قديمًا للملك على أنه نبع العدل، حيث كان يضع القانون، ويديره، ويتخذ القرارات.” ماكلارين (Maclaren)
· “كمزمور ملكي، صلّى من أجل الملك الحاكم. وهو تذكير قوي بدعوته السامية، غير أنه يرفع هذا الأمر بشكل يتجاوز ما هو في متناول البشر (مثلًا في حديثه عن حكم لا نهاية له) وكأنه يوحي بأن تحقيقه لن يتم إلاّ في شخص المسيّا، حسب التفكير لا المسيحي فحسب، بل اليهودي أيضًا.” كيدنر ((Kidner
· “يضيف الترجوم – في إعادة صياغة آرامية قديمة للكتاب المقدس العبري – كلمة المسيّا إلى ’الملك.‘ وتوجد تلميحات رابانية إلى المزمور تكشف نفس الرأي.” كيدنر ((Kidner
٢. يَدِينُ شَعْبَكَ بِٱلْعَدْلِ: أعلن سليمان في توقُّعه للبركة عن نيّته في أن يحكم بالبرّ والعدل، حتى من أجل المساكين الذين غالبًا ما يُنكر العدل عليهم.
· “تهيمن فكرة البر على الافتتاحية، حيث إنها الفضيلة الأولى في الحكم، حسب كلمة الله، وهي تأتي قبل الرأفة والشفقة (وهذا هو موضوع الآيات ١٢-١٤).” كيدنر ((Kidner
٣. تحْمِلُ ٱلْجِبَالُ سَلَامًا لِلشَّعْبِ: تمثل ٱلْجِبَال أحيانًا الحكومات البشرية في الكتاب المقدس، وربما لّمح سليمان إلى هذا القصد هنا. إذ كانت بباله حكومة وطنية (ٱلْجِبَال) تبارك الشعوب، وحكومة محلية (وَٱلْآكَامُ – تلال صغيرة) تحكم بالبر. وستحقق هذه الحكومة ثلاثة أمور على الأقل:
· يَقْضِي لِمَسَاكِينِ ٱلشَّعْبِ: رغم أنه غالبًا ما يُنكَر عليهم العدل، إلا أن الملك وحكومته سيضمنان تطبيق العدل بإنصاف.
· يُخَلِّصُ بَنِي ٱلْبَائِسِينَ: سينقذ الملك وحكومته الأشخاص الأكثر ضعفًا وقابليةً للجَرح في المجتمع.
· يَسْحَقُ ٱلظَّالِمَ: سيحكم الملك وحكومته إسرائيل ليكون الشعب حرًّا من الهيمنة الخارجية والفساد الداخلي.
· تَحْمِلُ ٱلْجِبَالُ سَلَامًا: ربطنا فكرة ٱلْجِبَال بالحكومة، لكن هنالك فهمًا آخر لهذا الأمر. إذ اقتبس سبيرجن (Spurgeon) أقوالًا من كُتّاب آخرين لديهم أفكار مختلفة حول ما تدل عليه هذه ٱلْجِبَال.
ü كتب جيديس (Geddes) أن الجبال تشير إلى على قمم الجبال أو التلال لينشروا الأخبار عبر البلاد.
ü كتب موليروس (Mollerus) أن الجبال تشير إلى خصوبة التربة على الجبال.
ü كتب كاريل (Caryl) أن الجبال تشير إلى السلامة من اللصوص في الطرقات الجبلية.
ü كتب ماكلارين (Maclaren) عن معنى آخر: “تظهر الجبال إلى المشهد كأكثر تضاريس الأرض بروزًا.”
· بنِي ٱلْبَائِسِينَ: “تدل هذه الكلمة على المبتلين. وهذا مصطلح في العبرية.” سبيرجن (Spurgeon)نقلًا عن كالفن Calvin))
· يَسْحَقُ ٱلظَّالِمَ: “يقول اليونانيون إنه حامل الحكايا، واللاتينيون إنه المفتري، وبعضهم إنه إبليس. وتدور العجلة على هؤلاء.” تراب (Trapp)
ب) الآيات (٥-٧): بركات على مملكة حسنة الحُكم.
٥يَخْشَوْنَكَ مَا دَامَتِ ٱلشَّمْسُ، وَقُدَّامَ ٱلْقَمَرِ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. ٦يَنْزِلُ مِثْلَ ٱلْمَطَرِ عَلَى ٱلْجُزَازِ، وَمِثْلَ ٱلْغُيُوثِ ٱلذَّارِفَةِ عَلَى ٱلْأَرْضِ. ٧يُشْرِقُ فِي أَيَّامِهِ ٱلصِّدِّيقُ، وَكَثْرَةُ ٱلسَّلَامِ إِلَى أَنْ يَضْمَحِلَّ ٱلْقَمَرُ.
١. يَخْشَوْنَكَ مَا دَامَتِ ٱلشَّمْسُ، وَقُدَّامَ ٱلْقَمَرِ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ: ستعني الاستجابة للصلاة المقدمة في السطور السابقة أن شعب إسرائيل، والملك، والحكومة، والناس سيخشون الرب إلى الأبد عبر الأجيال (إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ).
· “مع قيام صاحب المزمور بسكب تضرعاته، تتحول إلى نبوّات. فهي رغبات تتشكل على شكل وعود، وتحمل في جدّيّتها التعهد بتحقيقها.” مورجان (Morgan)
٢. يَنْزِلُ مِثْلَ ٱلْمَطَرِ عَلَى ٱلْجُزَازِ: عندئذٍ سيكون حضور الله مع شعبه واسعًا وكثيفًا وخيِّرًا مثل زخات المطر على الأرض.
· “تعني الكلمة العبرية (Zggez) المترجمة إلى ’الجُزاز‘ على نحو أدق أعشاب المراعي أو أرض المراعي، حيث يهدف ندى الليل إلى استعادة العشب الذي تم أكله في بحر النهار.” كلارك (Clarke)
· “إن الإدارة اللطيفة لرئيس حكيم لرعاياه منعشة وصحية مثل قطرات السماء على العشب المجزوز أو الذي جففته الشمس. وما هي الصورة التي يمكن أن توصل على نحو أفضل التأثيرات المبارَكة والمفيدة التي تبعت نزول ابن الله إلى الأرض، وحلول الروح القدس في يوم الخمسين؟ تزخر كتابات الأنبياء بأوصاف لهذين الحدثين بتعابير مستعارة من فلسفة المطر والندى. انظر سفر إشعياء ٣:٤٤؛ ١٠:٥٥؛ هوشع ٥:١٤؛ عبرانيين ٧:٦.” هورن (Horne)
· غالبًا ما تربط كلمة الله فكرة الحكومة العادلة البارّة بالبركة على بيئة البلد ومنتجاته. “يبيّن هذا المزمور ككل أن ما ندعوه ’المجال الأخلاقي‘ و’مجال الطبيعة‘ يشكلان كُلًّا واحدًا لا يتجزأ عند بني إسرائيل. ويتمتع المجتمع الذي يحيا حسب البر لا بانسجام داخلي فحسب، بل أيضًا بازدهار في الحقول والمواشي.” فانجيميرين (VanGemeren) نقلًا عن آندرسون(Anderson)
· “جعل الظلم فلسطين صحراء. فإذا ذهب الأتراك والبدو، فستبتسم الأرض ثانية. فبالمعنى الأكثر حرفية، فإن العدالة مُسمِّدة للبلدان. ويجِدّ الرجال في الحرث وجمع المحاصيل عندما يعرفون أنهم سيأكلون من ثمر تعبهم.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. يُشْرِقُ فِي أَيَّامِهِ ٱلصِّدِّيقُ: عندما يرسل الله بركة كهذه، سيزدهر شعبه، وسيحل سلام (شالوم) وفير سيدوم إلى زمن لا يمكن تخيُّله (إِلَى أَنْ يَضْمَحِلَّ ٱلْقَمَرُ).
· وبمعنى محدود، انطبق هذا على سليمان. “ففي مملكة سليمان، ومن خلال تأثيرات حكمته، تَشَجَّع الصالحون، وازدهر الصدّيقون، وتمتعت الأرض بالهدوء.” هورن (Horne)
· وبمعنى أكبر، يشير هذا إلى يسوع وحده. إذ تذكّرنا الصلة بين البر والسلام بملكيصادق، الذي كان وما زال ملك البر والسلام معًا (رسالة العبرانيين ١:٧-٣).
ثانيًا. الملك الأعظم
أ ) الآيات (٨-١١): التطلع إلى ملك أعظم وحُكم أعظم.
٨وَيَمْلِكُ مِنَ ٱلْبَحْرِ إِلَى ٱلْبَحْرِ، وَمِنَ ٱلنَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي ٱلْأَرْضِ. ٩أَمَامَهُ تَجْثُو أَهْلُ ٱلْبَرِّيَّةِ، وَأَعْدَاؤُهُ يَلْحَسُونَ ٱلتُّرَابَ. ١٠مُلُوكُ تَرْشِيشَ وَٱلْجَزَائِرِ يُرْسِلُونَ تَقْدِمَةً. مُلُوكُ شَبَا وَسَبَإٍ يُقَدِّمُونَ هَدِيَّةً. ١١وَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ ٱلْمُلُوكِ. كُلُّ ٱلْأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ.
١. وَيَمْلِكُ مِنَ ٱلْبَحْرِ إِلَى ٱلْبَحْرِ: بدأ سليمان برفع رؤيته من رغبته في أن يكون حُكمه مباركًا إلى توقُّع حكم ابن داود الأعظم، المسيّا الملك. وسيكون لهذا الملك سيطرة أعظم ومدى أوسع من سليمان.
· كان لدى إسرائيل في عهدي داود وسليمان أعظم امتداد للحدود.
· “تنتشر الحكومة المسيانية على بحار وأنهار وأرض. وليس ضروريًّا أن يقيَّد المعنى ليشير إلى بحر أو نهر معين، لأن مزمور ٨:٧٢ تتحدث عن حكم شمولي يتضمن بحارًا وأنهارًا وأراضي.” فانجيميرين (VanGemeren)
٢. وَأَعْدَاؤُهُ يَلْحَسُونَ ٱلتُّرَابَ: ستعني مقاومة هذا الملك الذي يتمتع بهذه السيطرة العظيمة هزيمة مؤكدة. وسيُذل أعداؤه بطريقة تذكّرنا باللعنة التي أُطلقت على عدو النفوس في سفر التكوين ١٤:٣-١٥.
· “ضع في اعتبارك أن هذه كانت عادة في شعوب كثيرة أنه عندما يقترب أشخاص إلى ملوكهم، كانوا يقبّلون الأرض وينبطحون على الأرض أمامه. وقد شاعت هذه العادة على نحو خاص في آسيا.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن لابلانك (LeBlance)
· “الألسنة التي تسب الفادي تستحق أن تلحس التراب.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. وَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ ٱلْمُلُوكِ: تغنّى سليمان بملك أعظم منه بكثير ستخدمه كل الشعوب حتى البعيدة في الجزر.
· هذا هو ما تنبّأ به النبي ناثان في سفر صموئيل الثاني الإصحاح ٧ والذي وضع في اعتباره ابن داود الفوري وخليفته (سليمان)، وابن داود الأعظم وخليفته (يسوع – المسيّا الموعود). وكلاهما متضمَّن في سفر صموئيل الثاني ١١:٧-١٦، وكلاهما متضمَّن في مزمور ٧٢ أيضًا. ونحن نجد التحقيق في زمن سليمان في سفر ملوك الأول ٢٣:١٠-٢٥.
· “الشعوب البعيدة هي الشواطئ البعيدة (١٠:٧٢): ترشيش (انظر مزمور ٤٨: ٧)، وشَبا (اليمن الحديثة)، وسبأ (أمة إفريقية) انظر سفر التكوين ٧:١٠؛ سفر إشعياء ٣:٤٣؛ ١٤:٤٥.” فانجيميرين (VanGemeren)
- ربما كانت ترشيش هي طرطيسوس في إسبانيا؛ على كل حال، كان اسمها مرتبطًا برحلات طويلة؛ وبالمثل كانت الجزر أو الأراضي الساحلية مرادفة لنهايات الأرض: انظر على سبيل المثال سفر إشعياء ١٠:٤٢.” كيدنر (Kidner)
ب) الآيات (١٢-١٤): الحكم الرؤوف للمسيّا الملك.
١٢لِأَنَّهُ يُنَجِّي ٱلْفَقِيرَ ٱلْمُسْتَغِيثَ، وَٱلْمِسْكِينَ إِذْ لَا مُعِينَ لَهُ. ١٣يُشْفِقُ عَلَى ٱلْمِسْكِينِ وَٱلْبَائِسِ، وَيُخَلِّصُ أَنْفُسَ ٱلْفُقَرَاءِ. ١٤مِنَ ٱلظُّلْمِ وَٱلْخَطْفِ يَفْدِي أَنْفُسَهُمْ، وَيُكْرَمُ دَمُهُمْ فِي عَيْنَيْهِ.
١. لِأَنَّهُ يُنَجِّي ٱلْفَقِيرَ ٱلْمُسْتَغِيثَ، وَٱلْمِسْكِينَ إِذْ لَا مُعِينَ لَهُ: العدالة والبر اللذان صلّى سليمان من أجلهما وطمح إليهما حول حُكمه (مزمور ١:٧٢-٤) ستتحقق تحقيقًا كاملًا في الملك الأعظم.
· “كل العاجزين هم تحت الرعاية الخاصة لملك صهيون الرؤوف. فليُسرعوا إلى وضع أنفسهم في شركة معه. ولينظروا إليه، لأنه يبحث عنهم.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. لِأَنَّهُ يُنَجِّي ٱلْفَقِيرَ ٱلْمُسْتَغِيثَ: سيتخطى في عمله ما يُنظر إليه على أنه عمل اجتماعي. إذ سيعمل الملك الأعظم على إنقاذ نفوس المساكين.
٣. مِنَ ٱلظُّلْمِ وَٱلْخَطْفِ يَفْدِي أَنْفُسَهُمْ: نستطيع أن نرى هذا في كل من الظلم والعنف اللذين صاروا هدفًا لهما، واللذين يوجههما الأشرار إلى آخرين أيضًا. ويمثلان شكلًا من العبودية التي تتطلب التحرير منها عن طريق الشراء، أي دفع الفدية (يَفْدِي أَنْفُسَهُمْ).
· ٱلظُّلْمِ وَٱلْخَطْفِ: “هذان هما المحركان البارزان لتعاسة المساكين، أي الخداع السري والعنف الصريح، الاحتيال والقوة، والدهاء والقسوة.” تراب (Trapp)
· “يمثَّل الملك في مزمور ١٤:٧٢ على أنه يتطوع فيتولى منصب دور الولي، أو الفادي القريب، مفتديًا حياة رعاياه من الخداع والعنف.” ماكلارين (Maclaren)
· مع أن حُكم سليمان كان مباركًا جدًّا، إلا أنه لم يرتفع إلى هذا المستوى بشكل كامل. فبعد موته، تذمروا من ظُلمه (سفر ملوك الأول ٤:١٢). “ظلّ سليمان يتكلم بحكمة أكبر مما كان يتصرف.” كيدنر (Kidner)
٤. وَيُكْرَمُ دَمُهُمْ فِي عَيْنَيْهِ: غالبًا ما تُعد حياة المساكين والمعوزين ذات قيمة قليلة. وأما المسيّا، الملك الأعظم، فسيثمّنها كثيرًا. وهذا أمر ذو دلالة عندما نضع في اعتبارنا رُخص الحياة خارج البلدان التي تأثرت بالمسيحية والبلدان قبل تأثُّرها بها.
ج) الآيات (١٥-١٧): تمجيد الملك الأعظم.
١٥وَيَعِيشُ وَيُعْطِيهِ مِنْ ذَهَبِ شَبَا. وَيُصَلِّي لِأَجْلِهِ دَائِمًا. ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ يُبَارِكُهُ. ١٦تَكُونُ حُفْنَةُ بُرٍّ فِي ٱلْأَرْضِ فِي رُؤُوسِ ٱلْجِبَالِ. تَتَمَايَلُ مِثْلَ لُبْنَانَ ثَمَرَتُهَا، وَيُزْهِرُونَ مِنَ ٱلْمَدِينَةِ مِثْلَ عُشْبِ ٱلْأَرْضِ. ١٧يَكُونُ ٱسْمُهُ إِلَى ٱلدَّهْرِ. قُدَّامَ ٱلشَّمْسِ يَمْتَدُّ ٱسْمُهُ، وَيَتَبَارَكُونَ بِهِ. كُلُّ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ يُطَوِّبُونَهُ.
١. وَيَعِيشُ (يحيا): يناقش المفسرون إن كان فاعل الفعل ’يَعِيش‘ هنا يشير إلى الشخص المفدي في السطور السابقة أو إلى الملك الذي فداه. وبما أن السطور السابقة تتحدث عن جموع مفدية، بينما يشار إلى هذا الشخص كمفرد، ولأن السطور التالية تلائم الملك بشكل أفضل، فإننا نَعُد كلمة ’يَعِيش‘ كأمنية وإعلان معًا للملك.
· “ربما لا يعني هذا كثيرًا من مخاطبة الملك في سفر دانيال: ’أيها الملك، عش إلى الأبد.‘ لكن يمكن أن نرى أيضًا الكيفية التي فُهمت بها هذه النصوص المسيّانية في أزمنة العهد الجديد.” كيدنر (Kidner)
· كتب سليمان بالروح القدس أشياء متعلقة بالمسيّا الملك جاوزت قدرته على استيعابها وفهمها. ومن الممكن أنه لم يعرف قط كم هو رائع أن يقول إن ملك الملوك وضع نفسه ذبيحة للخطايا، وأنه بعد ثلاثة أيام من مكوثه في القبر، سيراه الجميع وسيقولون إنه حيٌّ (يَعِيشُ).
٢. وَيُعْطِيهِ مِنْ ذَهَبِ شَبَا: يتلقى الملك الأعظم عطايا وتكريمًا ومديحًا (تسبيحًا). وفي مقابل ذلك، سيمنح بركة للأرض (تَكُونُ حُفْنَةُ بُرٍّ فِي ٱلْأَرْضِ)، وعلى شعبه (وَيُزْهِرُونَ مِنَ ٱلْمَدِينَةِ).
· “عادة ما يكون شعب الله مساكين، لكن من المؤكد أن هذه الحقبة ستصل عندما يحسب أغنى الأغنياء أن وضع كنوزهم تحت قدمي المسيح فرحًا خالصًا.” سبيرجن (Spurgeon)
· تَتَمَايَلُ مِثْلَ لُبْنَانَ ثَمَرَتُهَا: “ستنمو وتتكاثر الذرة، حتى إن السنابل لكثافتها وطولها وامتلائها ستُحدث صوتًا عندما تهزها الريح، مثل سنابل الذرة التي تنمو على قمم جبال لبنان.” بوله (Poole)
· “كان الذهب والحبوب والفواكه مقاييس الازدهار لدى القدماء. فهذه طريقة للقول إن الحكم تحت يسوع سيكون مزدهرًا بكل طريقة يمكن تصوُّرها.” بويس (Boice)
٣. وَيُصَلِّي لِأَجْلِهِ دَائِمًا: يمكننا أن نفكر في الكيفية التي يمكن أن تقدَّم بها الصلاة من أجل ملك أرضي، وهم يفعلون، ذلك لكن غالبًا ما لا نفكر في المؤمنين وهم يصلون من أجل يسوع المسيّا.
· يمكننا القول إننا نصلي من أجل يسوع عندما نصلي من أجل واحد من شعبه. وهنالك معنى بموجبه نصلي من أجل يسوع عندما نصلي من أجل انتشار إنجيله.
٤. يَكُونُ ٱسْمُهُ إِلَى ٱلدَّهْرِ: أحس داود بأن ابن داود الأعظم سيكون أكثر من مجرد إنسان عظيم. إذ سيدوم صيته وعظمته ومعدنه الأدبي إلى الأبد.
· “نرى على شواطئ الزمن حطام القياصرة، ومخلفات المغول، وآخر بقايا العثمانيين. ويمر شارلمان وماكسيمليان ونابوليون بسرعة كالظلال أمامنا! كانوا… وليسوا الآن. وأمّا يسوع، فهو موجود إلى الأبد.” سبيرجن (Spurgeon)
· “الديمومة التي تصوَّرها صاحب المزمور على أنها تنتمي إلى عائلة أو منصب هي في واقع الأمر تخص ملكًا واحدًا، هو يسوع المسيح، الذي اسمه فوق كل اسم، والذي يبرعم من جديد في إعلانات جديدة لانهائية، ليس فقط أثناء سطوع الشمس، لكن أيضًا عندما تبرد نيرانها وينطفئ نورها.” ماكلارين (Maclaren)
٥. وَيَتَبَارَكُونَ بِهِ. كُلُّ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ يُطَوِّبُونَهُ: أدرك سليمان أن ملك الملوك لم يكن تحقيقًا للوعد المقطوع لداود في سفر صموئيل الثاني ١١:٧-١٦ فحسب، بل هو تحقيق للوعد المقطوع لإبراهيم في سفر التكوين ١:١٢-٣ ’فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ‘ أيضًا.
· “المسيح كله بركة. فبعد أن تكون قد كتبتَ اسمه، فإنك قد أشرت إلى النبع الذي تتدفق منه كل البركات.” سبيرجن (Spurgeon)
· “هذا المزمور بالنسبة لنا نبوّة رجاء. فقد رأينا الملك، ونعرف أن ملكوته الرائع لا بدّ أن يأتي. فلا يمكن أن يُهزَم الله.” مورجان (Morgan)
· يتحدث المزمور ٧٢ بقوة عن ملكوت ملك الملوك، وهو يفعل هذا من منظور حُكمه الشخصي، لا على مؤسسة ما مثل الكنيسة. “نرى في هذا المزمور على الأقل ملكًا شخصيًّا، وهو الشخصية المركزية ومحور كل المجد. نراه، لا خادمه، وهو يمتلك السيطرة ويوزع الإدارة. والضمائر الشخصية التي تشير إلى ملكنا ترِد باستمرار في هذا المزمور. إذ له السيطرة، وكل الملوك يسقطون أمامه، ويخدمونه، لأنه ينقذ ويعفو ويخلّص، وهو حي، وهو مسبَّح كل يوم.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (١٨-١٩): بركة ختامية من التسبيح.
١٨مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ ٱللهُ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ، ٱلصَّانِعُ ٱلْعَجَائِبَ وَحْدَهُ. ١٩وَمُبَارَكٌ ٱسْمُ مَجْدِهِ إِلَى ٱلدَّهْرِ، وَلْتَمْتَلِئِ ٱلْأَرْضُ كُلُّهَا مِنْ مَجْدِهِ. آمِينَ ثُمَّ آمِينَ.
١. مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ ٱللهُ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ، ٱلصَّانِعُ ٱلْعَجَائِبَ وَحْدَهُ: انتقل سليمان إلى التسبيح عندما تأمّل عظمة المسيّا الملك. والعمل في يسوع ومن خلاله هو عجب العَجَائِب.
٢. وَلْتَمْتَلِئِ ٱلْأَرْضُ كُلُّهَا مِنْ مَجْدِهِ: حركت فكرة عظمة الله وعمله بشكل طبيعي القلب إلى التوق إلى أن تمتد هذه البركة إلى الأرض كلها، وإلى أن تَمْتَلِئَ ٱلْأَرْضُ كُلُّهَا مِنْ مَجْدِهِ، لا أن تلمسه فحسب.
· “نحن نصلي أن يمتلئ كل ملحد ومجدّف ومتمرد متقسٍّ وضالٍّ بمجد الله. وعندئذٍ نطلب رحمة الله على الأرض كلها. لا نريد أن نستثني أحدًا، لكن نرجو ونتوقع ذلك اليوم الذي يسجد فيه كل بشر عند قدمي المخلّص.” سبيرجن (Spurgeon)
· هنالك مأساة أيضًا في هذا المزمور. فرغم ارتفاع تصوُّر الملك وحُكمه، فإننا نتذكر الخيبة المحزنة حول الانحدار السريع للملكية بعد سليمان. ومن المؤكد أنه كان هنالك ملوك صالحون بعده، لكنّ ذهب سليمان (سفر ملوك الأول ١٦:١٠-١٧) تحوَّل إلى نحاس رحبعام (سفر ملوك الأول ٢٥:١٤-٢٨) في غضون حوالي خمس سنوات.
هـ ) الآية (٢٠): نهاية الكتاب الثاني من المزامير.
٢٠تَمَّتْ صَلَوَاتُ دَاوُدَ بْنِ يَسَّى.