تفسير سفر المزامير – مزمور ٤٥
الملك الممسوح وعروسه
عنوان هذا المزمور هو: لِإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ. عَلَى «ٱلسُّوسَنِّ». (تأمُّل) لِبَنِي قُورَحَ. قَصِيدَةٌ. تَرْنِيمَةُ مَحَبَّةٍ. كان أبناء قورح لاويين من عائلة قهات. وبحلول زمن داود، خدموا في الجانب الموسيقي من عبادة الهيكل (سفر أخبار الأيام الأول ١٩:٢٠).
ربما تشير “عَلَى ٱلسُّوسَنِّ” إلى الجمال العام للمؤلَّف، أو نوع اللحن، أو حتى الآلة الموسيقية التي يُعزَف المزمور عليها، وهي آلة وترية بستة أوتار معروفة بالعبرانية شوشانيم.
وبطريقة غير مباشرة، رأى سي. أس. لويس (C.S. Lewis) أن هذا المزمور يشير إلى عيد الميلاد. “إن ميلاد المسيح هو وصول المحارب العظيم، والملك العظيم، والحبيب أيضًا، والعريس الذي هو أبرع جمالًا من كل بني البشر. لكنه ليس بصفته العريس المحبوب المُشتهى فحسب، بل العريس الذي يجعل أب (الآب) الأبناء مثمرًا، والذي يتعيّن عليه (العريس) أن يولد.” ويلم فانجيميرين (Willem VanGemeren) نقلًا عن سي. أس. لويس (C.S. Lewis)
أولًا. مجد الملك
أ ) الآية (١): مستعد لكتابة المزمور.
١فَاضَ قَلْبِي بِكَلَامٍ صَالِحٍ. مُتَكَلِّمٌ أَنَا بِإِنْشَائِي لِلْمَلِكِ. لِسَانِي قَلَمُ كَاتِبٍ مَاهِرٍ.
١. فَاضَ قَلْبِي بِكَلَامٍ (بموضوع) صَالِحٍ: نغمة المزمور موضوع صالح. وهنالك إحساس بالفرح والاحتفال عبر المزمور. غير أن هذه الكلمات تلمّح أيضًا إلى أن صاحب المزمور يتلقى إلهامًا في كتابته، كما لو أن الموضوع يفيض من داخله.
· “لغة هذا المزمور غير عادية إلى حد دفع المفسرين إلى الاعتقاد أن الشاعر يدّعي وحيًا خاصًّا.” بويس (Boice)
· “إنه لأمر محزن عندما يكون القلب باردًا تجاه مسألة صالحة. وهو أسوأ عندما يكون أدفأ تجاه مسألة سيئة. لكنه جيد إلى حد لا يقارن عندما يجتمع قلب دافئ ومسألة صالحة معًا.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. مُتَكَلِّمٌ أَنَا بِإِنْشَائِي لِلْمَلِكِ: الفكرة هنا هي إمّا أن يكون المزمور هو عن الملك أو موجَّه إلى الملك. وهو يحتفل بزفاف ملكي، لكن لا يوجد مكان محدد لربطه بملك من بيت داود الملكي. ويرى مفسرون قدماء أن هذا زفاف سليمان على أميرة مصرية. لكن هذا أمر غير مؤكد.
· وفي الوقت نفسه، يتطلب منّا نص المزمور وطريقة اقتباسه في العهد الجديد أن نَعُد نغمته العامة وكثيرًا من سطوره المعيّنة الشعرية على أنها تتحدث عن الملك الأسمى، يسوع المسيّا.
· “من لغة المزمور وعنوانه ’ترنيمة (قصيدة) محبة،‘ يدخل في فئة الزفاف الفعلي… غير أنه لا يوجد شك في أنه يتحدث عن المسيّا. وإنه لدليل كافٍ أن مستوى واحدًا من المعنى لا يستثنى المستوى الآخر. لكن رسالة أفسس ٣٢:٥ [وما بعدها] تحسم المسألة من دون أي شك.” كيدنر (Kidner)
· “ولهذا نفترض أن الشاعر يكتب عن ملك يهودي معيَّن لا نعرف هويته، لكنه يتطلع أيضًا إلى الأمام وإلى فوق، إلى ذلك الملك المثالي الذي شكّل العهد الملكي العبري صورة مسبقة لحُكمه الكامل والأبدي.” بويس (Boice)
· لاحظ ماكلارين (Maclaren) أن النص العبري يتكلم عن “ملك” من دون أل التعريف. “يوحي غياب أل التعريف بأن المنصب أكثر بروزًا من الشخص.”
ب) الآيات (٢-٥): جمال الملك العريس وجلاله وقوّته.
٢أَنْتَ أَبْرَعُ جَمَالاً مِنْ بَنِي الْبَشَرِ. انْسَكَبَتِ النِّعْمَةُ عَلَى شَفَتَيْكَ، لِذلِكَ بَارَكَكَ اللهُ إِلَى الأَبَدِ. ٣تَقَلَّدْ سَيْفَكَ عَلَى فَخْذِكَ أَيُّهَا الْجَبَّارُ، جَلاَلَكَ وَبَهَاءَكَ. ٤وَبِجَلاَلِكَ اقْتَحِمِ. ارْكَبْ. مِنْ أَجْلِ الْحَقِّ وَالدَّعَةِ وَالْبِرِّ، فَتُرِيَكَ يَمِينُكَ مَخَاوِفَ. ٥نَبْلُكَ الْمَسْنُونَةُ فِي قَلْبِ أَعْدَاءِ الْمَلِكِ. شُعُوبٌ تَحْتَكَ يَسْقُطُونَ.
١. أَنْتَ أَبْرَعُ جَمَالًا مِنْ بَنِي ٱلْبَشَرِ: يبدأ هذا وصفًا شعريًّا قويًّا للملك ممتدحًا وممجّدًا إياه على شخصه وعلى ما يفعله. ويبدأ صاحب المزمور بملاحظة جمال الملك قائلًا إنه أكثر (أَبْرَعُ) جمالًا من كل البشر.
· “هذا الملك أبرع جمالًا من كل بني البشر. ويعزف (صاحب المزمور) نغمة التميُّز البشري في البداية.” ماكلارين (Maclaren)
· نعتقد أن التوكيد هنا هو على المعدن الأدبي للمسيّا، وعلى جمال طبيعته وشخصيته. تقول الآية في سفر إشعياء ٢:٥٣ إن المسيا غير مشهور بمظهره وجماله الجسدي. وفي تَحَقُّق هذا في يسوع المسيح، يمكننا أن نقول إنه لم يكن هنالك قط بشر أكثر جمالًا من يسوع الناصري.
· “كانت نفسه كلؤلؤة غنية في قشرة خشنة. مثل خيمة الاجتماع التي كانت من شعر الماعز من الخارج، ومن الذهب في الداخل.” تراب (Trapp)
٢. ٱنْسَكَبَتِ ٱلنِّعْمَةُ عَلَى شَفَتَيْكَ: يمتد جمال الملك إلى كلماته الممتلئة نعمةً. فشفتاه المباركتان بالنعمة تنطقان بكلمات ممتلئة نعمة.
· كان هذا ينطبق بشكل رائع على يسوع المسيح. إذ قيل عنه في بداية خدمته: “وَكَانَ ٱلْجَمِيعُ يَشْهَدُونَ لَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ ٱلنِّعْمَةِ ٱلْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ” (إنجيل لوقا ٢٢:٤). حتى إن أعداء يسوع قالوا: “لمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ إِنْسَانٌ هَكَذَا مِثْلَ هَذَا ٱلْإِنْسَانِ!” (إنجيل يوحنا ٤٦:٧).
· “علّمت كلمته الجهّال، وأعطت يقينًا للمتشككين، وعزّت النائحين، وأعادت تأهيل الأشرار، وأخرست أعداءه، وشفت الأمراض، وسيطرت على عناصر الطبيعة، وأقامت الموتى.” هورن (Horne)
٣. لِذَلِكَ بَارَكَكَ ٱللهُ إِلَى ٱلْأَبَدِ: يتمتع الملك في جمال معدنه الأدبي ونعمة كلماته ببركة الله إِلَى ٱلْأَبَدِ.
· توحي عبارة “لِذَلِكَ بَارَكَكَ ٱللهُ” بأن هنالك بُعدًا أو جانبًا من اللاهوت لا يشمل الملك المتكلم في هذا المزمور. هنالك جانب أو بُعد من الله يتعامل معه ويباركه به.
٤. تَقَلَّدْ سَيْفَكَ عَلَى فَخْذِكَ أَيُّهَا ٱلْجَبَّارُ: الملك جميل في معدنه الأدبي، وينطق بكلمات ممتلئة نعمة، لكن ليس كشخص ناعم مُخّنّث. فالملك رجل حرب جبار مسلَّح يتقلّد سيفًا.
· يرجح أن صياغة هذا المزمور تشكل مصدر بعض صياغة الأوصاف التي استخدمها يوحنا عن يسوع الذي يعود بانتصار في سفر الرؤيا ١١:١٩-١٦.
· أَيُّهَا ٱلْجَبَّارُ: “هذا لقب مستحَق، وهو لا يُعطى من باب المجاملة الفارغة، مثل “معالي الوزير” و”سمو الأمير” و”سعادة النائب” التي نطلقها على البشر الفانين مثلنا لإشباع رغبة في مجد باطل. فيسوع هو بطل الأبطال حقًّا. وهنا عبادة البطل في هذه الحالة أمر جدير بالثناء. وهو جبّار بما يكفي ليخلّص، وجبّار بما يكفي ليحب.” سبيرجن (Spurgeon)
٥. جَلَالَكَ وَبَهَاءَكَ، وَبِجَلَالِكَ ٱقْتَحِمِ. ٱرْكَبْ. مِنْ أَجْلِ ٱلْحَقِّ وَٱلدَّعَةِ وَٱلْبِرِّ: الملك ممتلئ بالجلال والبركة، لكن ليس في المقام الأول بسبب الغزو والجبروت، بل لأن هذا يتدفق من حقه وبره وتواضعه.
· “يتحدث ’الجَلال والبَهَاء‘ عن الانتصارات السابقة والتوقع الثابت بانتصارات إضافية كلما سار على رأس جيوشه.” فانجيميرين (VanGemeren)
- “لأنك لم تحصل على مملكتك، أو أنك تديرها، بالخداع أو العنف والإثم، كما يفعل رؤساء الأرض كثيرًا، لكن بالحق والأمانة والوداعة واللطف تجاه شعبك وكل الذين يخضعون لك.” بوله (Poole)
· تخيّل سبيرجن الملك يسوع وهو يركب عربة تجرها ثلاثة أحصنة. “يمكن أن تترجم هذه الكلمات هكذا: ’اركب على الحق والوداعة والبر – وهذه أحصنة نبيلة تجر عربة حرب الإنجيل.” سبيرجن (Spurgeon)
٦. فَتُرِيَكَ (تعلِّمك) يَمِينُكَ مَخَاوِفَ (أشياء مهيبة): حسب تفكير إسرائيل القديمة، تدل اليد اليمنى على القوة والمهارة، لأن معظم الناس يستخدمون يُمناهم. ويعني هذا أن ممارسة الملك لقوّته ومهارته تعلّمه أشياء مهيبة.
· قد يبدو تطبيق هذا على يسوع أمرًا غريبًا. فربما تتساءل أية أشياء مهيبة تَعَلَّمَها يسوع من خلال يمينه. تخبرنا رسالة العبرانيين ٨:٥ أن يسوع، “مَعَ كَوْنِهِ ٱبْنًا تَعَلَّمَ ٱلطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ.” تعَلَّم يسوع ممارسة الطاعة من آلامه. كانت تلك ممارسة قوّته ومهارته، وهي من الأشياء المهيبة التي تعلّمها.
٧. نَبْلُكَ (سهامك) ٱلْمَسْنُونَةُ فِي قَلْبِ أَعْدَاءِ ٱلْمَلِكِ: أسلحة الملك كثيرة. إذ لا يمتلك سيفًا فقط، بل أيضًا سهامًا مسنونة جاهزة، بل إنها أُرسِلت في قلوب أعدائه. وهو قادر على إخضاع العالم له (شُعُوبٌ تَحْتَكَ يَسْقُطُونَ).
· يطلق يسوع سهامه في القلب، وهي مسنونة، وهي جاهزة وقادرة على الاختراق. “نُخست قلوب الذين اهتدوا على أيدي بطرس، ونُخست قلوب سامعي استفانوس (أعمال الرسل ٣٧:٢، ٥٤:٧).” تراب (Trapp)
· “يشار إلى السهام في صيغة الجمع لأنها – مع أنها سهام تبكيت، وسهام عدل، وسهام رعب – أيضًا سهام رحمة، وسهام تعزية. وبينما هنالك سهام تقتل الخطية، هنالك أيَضًا سهام تقتل اليأس، والذي هو نفسه خطية. وكما أن هنالك سهامًا تضرب وتذبح آمالنا الجسدية، إلا أن هنالك سهامًا تقضي بشكل فعّال على مخاوفنا الآثمة. وكلها سهام مسنونة في قلوب أعداء الملك، ولا يوجد في جعبته أي سهم مثلوم.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (٦-٧): الله يمتدح المسيّا بصفته الله.
٦كُرْسِيُّكَ يَا اَللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ. ٧أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلهُكَ بِدُهْنِ الابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ رُفَقَائِكَ.
١. كُرْسِيُّكَ يَا ٱللهُ إِلَى دَهْرِ ٱلدُّهُورِ: هنا يُمتدح الملك ويمجَّد بصفته الله. يمكن أن يطبق الوصف في مزمور ٢:٤٥-٥ على رجل بارز، لكنه رجل لا أكثر. لكن، مع استمرار الوصف، نجد أن الوصف يشير بوضوح إلى هذا الملك نفسه على أنه الله المتوّج على عرش أبدي.
· شرح كاتب الرسالة إلى العبرانيين كيف أن هذه الكلمات تنطبق على يسوع بشكل محدد (سفر العبرانيين ٨:١-٩). ولاحظ أن هذه الكلمات لا تقول إن يسوع هو الله المتوّج إلى الأبد فحسب، بل إن الله الآب أيضًا يَعُده كذلك. وأوضح أيضًا أن بني قورح أعطونا بروح النبوة هذه الكلمات التي وجهها الله الآب إلى الله الابن.
· “حتى إن المترجمين اليهود القدماء نظروا إلى هذه الكلمات على أنها تشير إلى المسيّا.” بويس (Boice)
· “إن أمانة الترجمة السبعينية التي سبقت المسيحية في ترجمة هذه الآيات من دون تغيير أمر مذهل.” كيدنر (Kidner)
· “منذ العصور الأولى، نُظِر إلى هذه الآيات بشكل مؤكد على أنها مسيّانية من قبل المفسرين اليهود والمسيحيين على حد سواء.” مورجان (Morgan)
٢. قضِيبُ (صولجان) ٱسْتِقَامَةٍ (بِر) قَضِيبُ مُلْكِكَ (مملكتك): ليس مُلك الملك مؤسسًا على العدوان والغزو، وليس مسألة جبروت يفرض ما هو صواب، بل ملكوت مؤسس على البر، حتى إن رمز السلطة (قضِيبُ) هو نفسه البِر (ٱسْتِقَامَة).
٣. أَحْبَبْتَ ٱلْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ ٱلْإِثْمَ: ينبع بر ملكوت الملك من معدنه الأدبي، وهو نتيجة طبيعية لمحبته للبر وبُغضه للإثم. وليس مضطرًّا إلى بذل جهد كبير لجعل ملكوته بارًّا، فهو بارٌّ في طبيعته ومعدنه الأدبي.
٤. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَسَحَكَ ٱللهُ إِلَهُكَ بِدُهْنِ ٱلِٱبْتِهَاجِ: بسبب بر المسيّا الملك العظيم، يتلقى بركة من الله. وهو يبارَك بزيت السرور (بِدُهْنِ ٱلِٱبْتِهَاجِ). إنه مبتهج وراضٍ أكثر من أي شخص آخر (أَكْثَرَ مِنْ رُفَقَائِكَ). فهو ملك ممسوح.
· صحيح أن يسوع ’رجل أوجاع ومختبر الحَزَن‘ (سفر إشعياء ٣:٥٣)، غير أن عمل برّه – بكلّ ملئه وأبعاده – كوفئ بصفته على أنه أكثر الأعمال التي تمّت إسعادًا وإرضاءً. ورغم حزنه وأساه، إلا أن الإنجاز الذي حققه تركَه ممسوحًا بدهن الابتهاج أكثر من أي شخص آخر.
· “كان رجل أوجاع حقًّا، لكن كان يكمن وراء تلك الأوجاع والأحزان فرح ثابت مركزي… كان، وهو الأكثر حزنًا، الأكثر ابتهاجًا أيضًا، ممسوحًا بزيت الفرح أكثر من رفقائه.” ماكلارين (Maclaren)
٥. مَسَحَكَ ٱللهُ إِلَهُكَ: يوصف شخص الملك الممسوح بطريقة مذهلة. فهو يخاطَب في مزمور ٦:٤٥ على أنه الله. وفي مزمور ٧:٤٥، يوصف بأن له علاقة بالله الذي تلقّى منه المسحة.
· هذه عبارة غريبة – الملك هو الله، لكنه يتلقى بركة من الله. تشكل نصوص كهذه أساسًا لفكرة الثالوث، أي أنه يوجد إله واحد في ثلاثة أقانيم. هذه هي الطريقة المنطقية لفهم ما يبدو عبارات متناقضة في الكتاب المقدس.
ü لا يوجد إلا إله واحد (سفر التثنية ٤:٦؛ سفر غلاطية ٢٠:٣).
ü يقال إن الأقانيم الثلاثة يرتبطون بعضهم ببعض (هنا وفي نصوص كثيرة أخرى).
· يبيّن المزمور ٤٥ تفاعلًا ملحوظًا بين أقانيم الثالوث. تتحدث عبارة “ٱللهُ إِلَهُكَ” عن الآب ومركزه في السلطة على الأقنوم الثاني في الثالوث. ويشير الضمير المتصل “ك” إلى الابن. وتشير كلمة “مَسَحَكَ” إلى حضور الروح القدس وخدمته، وهو الأقنوم الثالث في الثالوث.
· “كلمات الآيتين معًا غير قابلة للاستيعاب ما لم تُفهم على أنها تشير إلى تجسُّد يسوع المسيح. فهو الوحيد الذي يمكن أن يُدعى الله، وفي نفس الوقت يمكن أن يُدعى الآب إلهه.” بويس (Boice)
د ) الآيات (٨-٩): عظمة الملك الممسوح الكاملة.
٨كُلُّ ثِيَابِكَ مُرٌّ وَعُودٌ وَسَلِيخَةٌ. مِنْ قُصُورِ الْعَاجِ سَرَّتْكَ الأَوْتَارُ. ٩بَنَاتُ مُلُوكٍ بَيْنَ حَظِيَّاتِكَ. جُعِلَتِ الْمَلِكَةُ عَنْ يَمِينِكَ بِذَهَبِ أُوفِيرٍ.
١. كُلُّ ثِيَابِكَ مُرٌّ وَعُودٌ وَسَلِيخَةٌ: هذه إشارة أخرى إلى جمال الملك الممسوح وسحره. فبطريقة ما، يمكن أن تعطي رائحته الطيبة صورة أكثر اكتمالًا عن جماله وسحره.
· يمكننا أن نتخيل رجلًا وسيم الطلعة يتمتع بمعدن أخلاقي رائع وبر وشجاعة، غير أن رائحته سيئة. وليس يسوع كهذا.
٢. مِنْ قُصُورِ ٱلْعَاجِ سَرَّتْكَ ٱلْأَوْتَارُ: لم يفكر صاحب المزمور بقصر واحد، بل بقصور متعددة مهيبة حتى إنها كانت مغشّاة ومزيّنة بالعاج. ويمكننا أن نفكر بقصور جديرة بسليمان في بهائه، حيث تشير إلى مسكن الله الأبيض النقي(ٱلْعَاجِ) في السماء.
· “سُمّيت قصور العاج هكذا لأنها كانت تُطعَّم بالعاج في التلبيس والتزيين.” كيدنر (Kidner)
· في تَطَلُّعنا إلى عمل الله المستقبلي، تشير قصور العاج إلى أن الملك الممسوح سيأتي من السماء. فهو ليس من الأرض فقط، بل جاء من قصور غير موجودة إلا في السماء.
٣. بَنَاتُ مُلُوكٍ بَيْنَ حَظِيَّاتِكَ (نساء مكرَّمات لديك): ليس الملك الممسوح عظيمًا بسبب شخصه فحسب، بل أيضًا بالحاشية حوله. وكبار الشخصيات الملكية (بَنَاتُ مُلُوكٍ… حَظِيَّاتِكَ) وصيفات شرف في حفل زفافه.· من ناحية نبوية، يذكّرنا هذا بأن مقياس عظمة يسوع وجلاله هو عظمة الرجال والنساء الذين كانوا مكرسين له جدًّا عبر السنين. فقد كانوا وما زالوا أشخاصًا لا يستحقهم العالم. (سفر العبرانيين ٣٨:١١).
٤. جُعِلَتِ ٱلْمَلِكَةُ عَنْ يَمِينِكَ: يوشك حفل الزفاف على البدء، حيث تقف العروس (الملكة) في مكان الشرف بجوار الملك.
· “أُجلِست العروس على يمين الملك مزيّنة بذهب ثمين من أوفير، وهو ذهب راقٍ يُضرب به المثل (انظر سفر ملوك الأول ٢٨:٩، ١١:١٠).” فانجيميرين (VanGemeren)
· “كما أن المسيح هو على يمين الآب، كذلك فإن الكنيسة هي على يمين المسيح، حيث تسطع عروسه بأشعة زوجها.” تراب (Trapp)
ثانيًا. عروس المسيّا الملك
أ ) الآيات (١٠-١٢): التحدث إلى عروس المسيّا الملك.
١٠اِسْمَعِي يَا بِنْتُ وَانْظُرِي، وَأَمِيلِي أُذُنَكِ، وَانْسَيْ شَعْبَكِ وَبَيْتَ أَبِيكِ، ١١فَيَشْتَهِيَ الْمَلِكُ حُسْنَكِ، لأَنَّهُ هُوَ سَيِّدُكِ فَاسْجُدِي لَهُ. ١٢وَبِنْتُ صُورٍ أَغْنَى الشُّعُوبِ تَتَرَضَّى وَجْهَكِ بِهَدِيَّةٍ.
١. اِسْمَعِي يَا بِنْتُ: يتحوّل صاحب المزمور الآن إلى العروس ويتحدث إليها مقدِّمًا لها التشجيع والتوجيه.
٢. وَٱنْسَيْ شَعْبَكِ وَبَيْتَ أَبِيكِ: كانت هذه دعوة – بناء على تصوُّر سفر التكوين ٢٤:٢ – إلى هذه الابنة الملكية المعيّنة لتترك شعبها وبيت أبيها لتلتصق بالملك الممسوح في الزواج.
· لو لم نكن نعلم شيئًا عن الملك، لاعتقدنا أن هذا وصف لدعوة فعلية للزواج من امرأة حقيقية لتصبح زوجته. وبناءً على معرفتنا بأن يسوع الناصري هو المسيا الملك، وأنه لم يتزوج قط أثناء حياته على الأرض، فإننا نفهم أن هذا مرتبط بصورة مجازية مألوفة: فشعب الله في العهد القديم كان بمنزلة زوجة الله، وكنيسة يسوع هي عروسه.
٣. فَيَشْتَهِيَ ٱلْمَلِكُ حُسْنَكِ: إن أحد الأسباب التي دفعت الملك إلى تقديم دعوة للابنة الملكية للزواج هو جمالها (حُسْنَكِ)، ولهذا اشتهاها (فَيَشْتَهِيَ ٱلْمَلِكُ). وبما أن جمال الملك جمال معدن أدبي (أخلاقي)، يمكننا أن نتأكد من أن جمال العروس يشمل المعدن الأدبي.
· وتوسُّعًا في القياس التمثيلي، يرى يسوع – المسيّا الملك – جمال شعبه، الكنيسة، بشكل جماعي، فيشتهي جمالها في علاقة تكريس في مشاركة كل شيء في مستقبل يربطهما معًا.
· “إن جمالها الذي اشتهاه المسيّا والنهج به جمال روحي. إنه جمال القداسة. وثيابها برّ القديسين – رسالة بطرس الأولى ٣:٣؛ سفرالرؤيا ٨:١٩.” هورن (Horne)
٤. لِأَنَّهُ هُوَ سَيِّدُكِ (ربُّكِ) فَٱسْجُدِي لَهُ: يحمل هذا معنى أكبر مما يعبر عنه الاحترام العادي تجاه زوج، حتى لو كان زوجًا ملكيًّا. ترى هذه العروس، الابنة الملكية، أن زوجها هو ربّها ومستحق لعبادتها.
٥. وَبِنْتُ صُورٍ أَغْنَى ٱلشُّعُوبِ تَتَرَضَّى وَجْهَكِ بِهَدِيَّةٍ: يعني الانضمام إلى الملك الممسوح مزايا كثيرة للابنة الملكية. فهي تحصل على هدايا من الأمم، وتوضع في مكان عالٍ حتى إن الأثرياء يسعون إلى رضاها. عادة ما يسعى الناس إلى رضا الأثرياء، لكن الملك الممسوح وضعها في مكان أعلى منهم.
· “يسير خضوع العروس لشريكها كزوج وملك جنبًا إلى جنب مع الكرامة التي تستمدها منه. فأصدقاؤه ورعاياه هم لها الآن. إنها رابحة، لا خاسرة في ولائها له.” كيدنر (Kidner)
ب) الآيات (١٣-١٥): مجد رفيقة الملك الممسوح.
١٣كُلُّهَا مَجْدٌ ابْنَةُ الْمَلِكِ فِي خِدْرِهَا. مَنْسُوجَةٌ بِذَهَبٍ مَلاَبِسُهَا. ١٤بِمَلاَبِسَ مُطَرَّزَةٍ تُحْضَرُ إِلَى الْمَلِكِ. في إِثْرِهَا عَذَارَى صَاحِبَاتُهَا. مُقَدَّمَاتٌ إِلَيْكَ. ١٥يُحْضَرْنَ بِفَرَحٍ وَابْتِهَاجٍ. يَدْخُلْنَ إِلَى قَصْرِ الْمَلِكِ.
١. كُلُّهَا مَجْدٌ ٱبْنَةُ ٱلْمَلِكِ: تحصل الابنة الملكية بفضل انضمامها إلى الملك الممسوح في علاقة مكرسة من الحب على مزايا عظيمة. فهي كُلُّهَا مَجْدٌ، لا بسبب ذاتها، بل بصلتها بالملك.
· لا يسعنا لدى قراءة هذه الكلمات إلا أن نطبّقها على كيفية نظر يسوع إلى عروسه، وكيفية حقيقتها الموضوعية. كُلُّهَا مَجْدٌ. نحن نرى الكنيسة ونلاحظ عيوبها الكثيرة. وينظر يسوع إلى شعبه الذي اشتراه بالدم ويقول: كُلُّهُ مَجْدٌ.
· “ربما لا نجد في كتابات العهد القديم نهجًا أفضل لكشف سر الكنيسة من هذا الموضوع.” مورجان (Morgan)
· فِي خِدْرِهَا: “داخل غرف القصر السرية مجد عظيم. رغم أن الناس لا يرون مجدها، إلا أن الرب يراه ويمتدحه. ’لَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ.‘” سبيرجن (Spurgeon)
٢. مَنْسُوجَةٌ بِذَهَبٍ مَلَابِسُهَا: تلبس ثيابًا ثمينة جميلة. ولديها أثواب كثيرة ملوّنة (مُطَرَّزَةٍ) ترتديها في حضور الملك.
· مَنْسُوجَةٌ بِذَهَبٍ مَلَابِسُهَا: “تؤلّف فضائل الأمناء المختلفة التي يصنعها الروح القدس فيهم ذلك الثوب المطرز الإلهي الذي يزيّن ثوب زفاف الكنيسة، والتي تُزَفّ إليه بمرافقة وصيفات الشرف حسب عادات الزفاف.” هورن (Horne)
٣. في إِثْرِهَا عَذَارَى صَاحِبَاتُهَا. مُقَدَّمَاتٌ إِلَيْكَ: “ترافق الابنة الملكية، زوجة الملك الممسوح، وصيفات العروس، ويَمْثُلْن معًا أمام الملك في حفل الزفاف.
· “ليست عملية مصاحبة وصيفات العروس لها وهن يقَدّمن للعريس الملك بأبهى الثياب – وهو ينتظر في حالة استعداد كامل – شكلية غير ضرورية. إنها تمثل معادِلًا لعبارة بولس في رسالة كورنثوس الثانية ٢:١١ “لِأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، لِأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ.” كيدنر (Kidner)
· “إنهن، بمعنى ما، جزء من الكنيسة. لكن من أجل الصورة الشعرية، فإنهن يقدَّمن كوصيفات شرف. ورغم أن الصورة ربما تكون غير منسجمة، إلا أنهن يُحضَرن إلى الملك بنفس الألفة المتسمة بالمحبة التي تُحضَر بها العروس، لأن خدام الكنيسة الحقيقيين هم من الكنيسة ويشتركون في كل سعادتها.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (١٦-١٧): ميراث رفيقة المسيّا الملك.
١٦عِوَضًا عَنْ آبَائِكَ يَكُونُ بَنُوكَ، تُقِيمُهُمْ رُؤَسَاءَ فِي كُلِّ الأَرْضِ. ١٧أَذْكُرُ اسْمَكَ فِي كُلِّ دَوْرٍ فَدَوْرٍ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ تَحْمَدُكَ الشُّعُوبُ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ.
١. عِوَضًا عَنْ آبَائِكَ يَكُونُ بَنُوكَ، تُقِيمُهُمْ (أنت) رُؤَسَاءَ فِي كُلِّ ٱلْأَرْضِ: تُطْلق بركة على زواج الملك الممسوح. لقد مات الآباء، لكن سيحل محلهم أبناء كثمرة من ذلك الزواج. وهكذا ينتقل ميراث الملك من جيل إلى جيل. ويعني هذا العمل المستمر أن اسم الملك سيُذكر في كل الأجيال.
· “الملك هو الخاطب الآن. فالمخاطب مفرد مذكر ’بنوكَ…تقيمُهم (أنت).‘” كيدنر (Kidner)
· الاستعارات المستخدمة مختلطة بعض الشيء، لكن الفكرة واضحة. فالاتحاد بين المسيّا وعروسه يجلب أبناء سيكونون أمراء في الأرض كلها. “وَهُوَ آتٍ بِأَبْنَاءٍ كَثِيرِينَ إِلَى ٱلْمَجْدِ.” (سفر العبرانيين ١٠:٢).
· “يا كنيسة المسيح، لا تظنّي أنك قد تُرِكت لأنك لا ترين بطرس أو بولس – لا ترين أولئك الذين وُلِدتِ من خلالهم. فمن نسلك سيقام آباء لك.” سبيرجن (Spurgeon) نقلُا عن أوغسطين (Augustine)
٢. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ تَحْمَدُكَ ٱلشُّعُوبُ إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلْأَبَدِ: ونتيجة لهذا، يرفَّع ويعّظَّم الملك الممسوح. فاختياره لعروس، وإعطاء بركات عظيمة لها، وإعطاء بركة تدوم عبر الأجيال كلها أمر يجلب له المديح.
· “بفضل مجد الرب وحده صرنا مستعدين للتخلي عن شعبنا وممتلكاتنا لكي نكون لمجده وتسبيحه بشكل كلي، ولنكون الأدوات التي بها يتكاثر النسل الملكي، ويُعرف مجد الملك بين الأجيال والشعوب.” مورجان (Morgan)
· “هل نحن نفعل ما فعله صاحب المزمور؟ هل نسبّح ذاك الذي اشترانا بدمه لنفسه لنكون عروسه؟ هل نعمل لكي تأتي الشعوب لتكرمه أيضًا؟” بويس (Boice)