تفسير سفر المزامير – مزمور ٩١
الطمأنينة المعطاة للمتكلين على الرب
هذا مزمور بلا عنوان، ولهذا يبقى كاتبه مجهولًا. ولأنه يشترك مع المزمور٩٠ في بعض الأفكار، يعتقد بعضهم أن موسى هو كاتبه. ولأنه يشترك في بعض الأفكار مع المزمور والعبارات في المزمورين٢٧ و٣١، يرى بعضهم ان داود هو كاتبه. “بعض تعابيره مثل الحصن والترس تذكرنا بداود الذي تنسب إليه الترجمة السبعونية هذا المزمور. وبعض العبارات تتردد في ترنيمه موسى في تثنية ٣٢ و مزمور٩٠. لكن المزمور في واقع الأمر غير معروف كاتبه ولا زمن كتابته. ولعل هذا هو ما يجعل الوصول إليه أسهل.” ديريك كيدنر (Derek Kidner)
لاحظ كثيرون الطبيعة الرائعة لهذا المزمور: “هذا المزمور واحد من أعظم مقتنيات القديسين.” ج. كامبل مورجان (G. Campbell Morgan)
“في كل المجموعة لا يوجد أي مزمور أكثر مدعاة للبهجة. فنغمته مرتفعة محتفظه بمستواها عبر المزمور، والإيمان في أفضل حالاته، وهو يتحدث بنبل.” تشارلز سبيرجن (Charels Spurgeon)
“إنه واحد من أفضل المؤلَّفات التي ظهرت على الإطلاق امتيازًا في نوعه. وإنه لأمر مستحيل أن نتصور شيئًا أكثر متانة وجمالًا وعمقًا وزخرفة.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن دي موي (De Muis)
أولًا: تأكيد حماية الله
أ ) الآيات (١-٢): حماية الرب وتعزيته ورعايته.
١اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ، فِي ظِلِّ الْقَدِيرِ يَبِيتُ. ٢أَقُولُ لِلرَّبِّ: «مَلْجَإِي وَحِصْنِي. إِلهِي فَأَتَّكِلُ عَلَيْهِ».
١. اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ ٱلْعَلِيِّ: لله مكان سري لخاصته (مزمور٥:٢٧؛ مزمور١:٩٠، تحدّث موسى عن الله كونه مكان سكن لشعبه. والسطور الأولى من مزمور٩١ تأخد هذه الفكرة وتتوسع فيها. “تحدَّث موسى عن الله كونه المسكن والمستوطن والبيت للإنسان. وصاحب المزمور يبدو هنا أنه يقبل هذه الفكرة العظيمة، ومن ثم يتحدث عن الحجرة المركزية في هذا المسكن، مشيرًا إليها بأنها سِتْرِ ٱلْعَلِيِّ، واصفًا إياه بالأمان التام.” مورجان (Morgan)
· هنالك أتباع كثيرون ليسوع المسيح لا يعرفون الكثير عن سِتْرِ ٱلْعَلِيِّ هذا ولا معنى أن يبيتوا في ظله. ويبدو أن كثيرين يعدّون هذا على أنه مجرد للمتصوفون والروحين الخارقين. غير أن داود – إذا كان صاحب هذا المزمور – كان محاربًا ومطّلعًا على حقائق الحياة. وإنه لأمر صحيح أنه يبدو أن الحياة الروحية تأتي بسهولة للبعض أكثر من الآخرين. لكن يوجد جانب من سِتْرِ ٱلْعَلِيِّ لكل شخص يضع ثقته فيه.
· “كل ابن لله يتطلّع إلى المقْدس الداخلي وكرسي الرحمة، غير أنه لا يسكن الجميع في قدس الأقداس، لكنهم يهرعون إليه أحيانًا ويتمتعون بالاقتراب إليه بين الحين والآخر، لكنهم لا يقيموا بشكل اعتيادي في محضره السري.” سبيرجن (Spurgeon)
· ظِلّ القَدِيْرِ: “هذا تعبير يدل على قرب كبير. يتوجب علينا أن نسلك على مقربة كبيرة من رفيقنا إذا أردنا أن يسقط ظلّه علينا.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن دنكن (Duncan)
- اقترح سبيرجن (Spurgeon) – مستعيرًا أفكارًا من فرانسيس ريدلي هافرجال (Frances Ridley Havergal) – أربع طرق تتحدث فيها كلمة الله عن ظِلّ القَدِيْرِ:
ü ظل الصخرة (إشعياء ٢:٣٢)
ü ظل الشجرة (نشيد الأنشاد ٣:٢)
ü ظل جناحيه (مزمور ٧:٦٣)
ü ظل يده (إشعياء ٢:٤٩)
· تستخدم أول آيتين من المزمور ٩١ أربعة ألقاب أو أسماء لله:
ü العليّ: عليون
ü القدير: شادّاي
ü الرب: يهوه
ü إلهي: إيلوهي
٢. مَلْجَإِي وَحِصْنِي: كل من يحيا بحميمية مع الله يعرف عِظمة حمايته. الله نفسه يصبح كملجأً وكحصن قوي للمؤمن.
· مَلْجَإِي: “هل قلتَ قطّ: ’يا رب، أنت مَلْجَإِي؟‘ هاربًا من كل الآخرين؟ هل احتميت به من الريح الهوجاء والعاصفة الشديدة، من السلب في النهار ومن الوبأ في الليل، ومن الإنسان ومن إبليس؟ عليك أن تتعهد بهذا. لا تفكر في الأمر فحسب. بل قُلْها.” ميير (Meyer)
٣. إِلَهِي فَأَتَّكِلُ عَلَيْهِ: هذه العلاقة الوثيقة بالرب وكل المزايا التي تتبعها هي للذين يعرفون يهوه بصفته الله، ومن يتكلون عليه حقًّا. وكمؤمن يستقبل حمايته وتعزيته ورعايته، فإنه يزداد ثقةً به، ويزداد معرفة به كالله.
· الناس ميّالون بما يكفي إلى الإعلان عن شكوكهم، بل إنهم يتباهون بها. وبالفعل، فإن هنالك جماعة كبيرة اليوم من أكثر المدّعين جسارةً في ميدان الثقافة والفكر، ممّن يفتخرون بإلقاء شك أو شُبهة على كل شيء؛ ومن هنا، يصبح واجب كل المؤمنين الحقيقيين أن يرفعوا أصواتهم ويشهدوا بشجاعة هادئة على اعتمادهم المؤسَّس تأسيساً حسناً على إلههم.” سبيرجن (Spurgeon)
· اقترح سبيرجن (Spurgeon) أمثلة كتابية كثيرة مختلفة لأشخاص كان لديهم تعبيرهم الخاص عن عبارة “إلهي“:
ü “إلهي” هو اعتراف المهتدية الشابة، (راعوث كما في ١ملوك ١٤:٢٢).
ü “إلهي” هو النذر السري للمؤمن في التكريس (يعقوب كما في تكوين٣٢: ٢٨–٣٠).
ü “إلهي” هي أعمق تعزية لأبناء الله في ويلاتهم العظيمة (يسوع كما في متى ٤٦:٢٧).
ü “إلهي” هو احتفال المؤمن المنتصر (مريم كما في خروج١:١٥).
ب) الآيات (٣-٤): كيف يجلب الله حمايته وتعزيته ورعايته.
٣لأَنَّهُ يُنَجِّيكَ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِ وَمِنَ الْوَبَإِ الْخَطِرِ. ٤بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ، وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي. تُرْسٌ وَمِجَنٌّ حَقُّهُ.
١. لِأَنَّهُ يُنَجِّيكَ مِنْ فَخِّ ٱلصَّيَّادِ: بعد التصريح العام في أول آيتين، يذكر الآن صاحب المزمور الطرق المحددة التي يحمي ويعتني بها الله بشعبه، بدءاً بإنقاذه من الذين يريدون أن يضعوا له فخاخًا كما يضع ٱلصَّيَّادِ فخاخًا للعصافير.
· هذه “… استعارات لمؤامرات قد تربكنا بأمورنا (مزمور١٤٠: ١-٥)، أو تساوم على ولائنا (مزمور١١٠:١١٩).” كيدنر (Kidner)
· “نحن حمقى وضعفاء مثل العصافير الصغيرة المسكينة. ونحن ميّالون إلى أن نُغوى لهلاكنا من قبِل أعداء ماكرين. لكن إذ أقمنا قرب الله، فإنه سيضمن أنه لن يتمكن أكثر الخداعين مهارةً من الإيقاع بنا في فخ.” سبيرجن (Spurgeon)
· ابليس وأجناده غالبًا ما يعملون عمل ٱلصَّيَّادِ.
ü الصياد يعمل في سرية.
ü الصياد يغيّر فخاخه وأساليبه.
ü الصياد غالبًا ما يُغوى باللذة أو بالمنفعة.
ü الصياد غالبًا ما يستخدم مثلًا سيئًا، طُعمًا.
· “إن أكثر سمة إذهالًا في هذا القسم (وفي القسم التالي أيضًا) هي استخدام صيغة المفرد ’أنت‘ على مدى النص كله. وهذه طريقة للقول بأن هذه الحقائق هي لكل شخص بشكل فردي. فهي لك إن كنت تثق بالله أو تثبت فيه.” بويس (Boice)
٢. وَمِنَ ٱلْوَبَإِ ٱلْخَطِرِ: يحمي الله شعبه في أيام الوبأ والمرض أيضًا. صاحب المزمور، بوحي من الروح القدس، لم يقصد أن يكون هذا وعدًا مطلقًا، بأن كل مؤمن سوف ينقذ من كل فخ أو كل وبأ. لكن الفكرة هنا أنه كان بمقدور صاحب المزمور أن يشير إلى مرّات كثيرة عندما فعل الله هذا لشعبه المتكل عليه.
· “لا يعني هذا أن أولئك المتكلين على الله لا يموتون من أمراض معدية أو أنهم لا يعانون من مؤامرات العدو بالطبع. بل يعني هذا أن الذين يتكلون على الله عادة ما يُنقذون من مثل هذه الأخطار. فأيّ مؤمن بالمسيح لا يستطيع أن يشهد عن مثل هذه الإنقاذات؟” بويس (Boice)
· “كان اللورد كريفن(Lord Craven) ، وهو مؤمن، من طبقة النبلاء الذين كانوا يعيشون في لندن عندما ضرب الطاعون تلك المدينة في القرن الخامس عشر. ولكي ينجو من الطاعون المتفشّي، قرر أن يغادر المدينة إلى بيته الريفي، كما فعل كثيرون من طبقته الاجتماعية. فأمر بتجهيز عربته وحقائبه. لكن بينما كان يتمشى في إحدى قاعات بيته متوجهًا لعربته، سمع أحد خدمه يقول لآخر: ’أفترض من ترك سيدنا اللورد لندن لتجنب الوباء، أن إلهُّه يسكن في القرية وليس في المدينة.‘ لقد كانت ملاحظة واضحة وبرئية، لكنها صدمت اللورد كريفن بعمق حتى أنه ألغى سفره قائلًا: ’لهي يحيا في كل مكان، ويستطيع أن يحفظني في المدينة كما في الريف. سابقى حيث أنا.‘ فبقي في لندن وقام بمساعدة ضحايا الطاعون، ولم يُصبْ هو نفسه بالمرض.” بويس (Boice)
· هنالك ايضًا فهم روحي وتطبيق لهذا. “فللروح أعداؤها أيضًا، المستعدون لمهاجمتها ومباغتتها في أي وقت.” هورن (Horne)
· “أبناء الله ليسوا محصّنين دائمًا من الوبأ الحرفي والطاعون. لكنهم محروسون دائمًا من القوى الروحية المدمّرة وهم يسكنون في ستر العلي.” مورجان (Morgan)
٣. بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ، وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي: هذه استعارة، يمثَّل الله بالطائر، الذي يؤوي فراخه تحت جناحيه – كما سبق أن وصف داود في مزمور٤:٦١.
· “أنثى النسر تفرش جناحيها فوق صغار النسور… هذا رمز رائع للوحدة بين القوة واللطف.” ماكلارين (Maclaren)
· “يقول لوثر(Luther ) إنه الإيمان هو الذي يجعلكم فراخًا ضعيفة، والمسيح دجاجةً، لكي تختبئوا وترجوا وتحوّموا وتستظلوا بجناحيه لأن الصحّة (الشفاء) في أجنحته.” تراب(Trapp)
· ربط بويس (Boice) متى ٣٧:٢٣ بالآية ٤. “أراد يسوع أن ينقذ ويحمي أورشليم وسكانها، لكن الشعب لم يريد. لم يريدُ أن يأتو اليه. لم يسكنوا في ستر العليّ. وبدلًا من ذلك، صرخوا طالبين أن يُصلَب.”
٤. تُرْسٌ وَمِجَنٌّ حَقُّهُ: تستمر صور حماية الله بحقّه ممثلًا بترس دائري صغير غالبًا، وبترس كبير مستطيل في الغالب يُدعى مِجنًّا.
· “في ما يتعلق برعاية الله، فإنها تجمع بين الحماية الدافئة من الطائر وصلابة وقوة السلاح التي لا تلين.” كيدنر (Kidner)
· تُرْسٌ وَمِجَنٌّ: “هذا سلاح مزدوج يمتلكه كل من يعتمد على الرب. فهو يحمل ترسًا ويرتدي معطفًا مكسوًّا بحراشف يلف جسده.” سبيرجن (Spurgeon)
· يعلّق بويس (Boice) على كلمة مِجَنٌّ: “الكلمة العبرية تدل على ما يُلَف حول شخص من أجل حمايته. ومن هنا، يمكن أن تعني ’درعًا‘ أو ’متراسًا‘ أو كما جاءت في الترجمة الإنجليزية الحديثة: ’حصن بمتراس‘ أو ’حصنًا.‘”
ج) الآيات (٥-٦): نتيجة حماية الله ورعايته.
٥لَا تَخْشَى مِنْ خَوْفِ ٱللَّيْلِ، وَلَا مِنْ سَهْمٍ يَطِيرُ فِي ٱلنَّهَارِ، ٦وَلَا مِنْ وَبَإٍ يَسْلُكُ فِي ٱلدُّجَى، وَلَا مِنْ هَلَاكٍ يُفْسِدُ فِي ٱلظَّهِيرَةِ.
١. لَا تَخْشَى: كون الله ملجأً وملاذًا من شأنه أن يعطي شعبه قوة وشجاعة. وعندما يكون شعب الله عالقين بخوفٍ عميقٍ، فإن هذه إشارة إلى أنهم مقصّرون في الثقة المناسبه به كحامي ومعزّي.
· “عدم الخوف في حد ذاته هو بركة لا توصف، حيث أننا في كل معاناة نتحملها بسبب جروح حقيقية نتعذب بآلاف الأحزان التي تنبع من الخوف وحده.” سبيرجن (Spurgeon)
· “في الحياة قد يسمح الرب بحدوث أشياء رهيبة لأبنائه (انظر أيوب)، كما فعل مع ابنه، ربنا يسوع المسيح، لكن أبناءه يعرفون أنه لا توجد قوة تخرج عن سيطرة الله.” فانجيميرين (VanGemeren)
٢. مِنْ خَوْفِ ٱللَّيْلِ، وَلَا مِنْ سَهْمٍ يَطِيرُ فِي ٱلنَّهَارِ: صاحب المزمور يقدم كل أنواع الدمار التي يمكن أن تأتي في كل الظروف. فقد تأتي في ٱللَّيْلِ أو فِي ٱلنَّهَارِ، في الظلمة (ٱلدُّجَى) أو في وضَح النهار (ٱلظَّهِيرَةِ). يمكن ان تأتي كخوف أو كسهم، مثل وباء أو هلاك، فأينما تأتي وكيفما تأتي، فإن الله قادر على الدفاع عن شعبه.
· “هجمات الأعداء ودمار الوبأ تؤخذ في مزمور٩١: ٥-٦ على أنها كل أنواع الأخطار.” ماكلارين (Maclaren)
د ) الآيات (٧-٨): طمأنينة للمؤمن.
٧يَسْقُطُ عَنْ جَانِبِكَ أَلْفٌ، وَرِبْوَاتٌ عَنْ يَمِينِكَ. إِلَيْكَ لَا يَقْرُبُ. ٨إِنَّمَا بِعَيْنَيْكَ تَنْظُرُ وَتَرَى مُجَازَاةَ ٱلْأَشْرَارِ.
١. يَسْقُطُ عَنْ جَانِبِكَ أَلْفٌ: يصف صاحب المزمور كيف أن حماية الله يمكنها التغلب على أي تهديدات أو احتمالات. حماية الله ورعايته يمكن أن تركّز على نحو محدود بأن تحفظ واحدًا من أَلْفٌ.
· “إنه لأمر مستحيل أن يحدث سوء للشخص المحبوب من الرب؛ ولا تفعل أكثر المصائب سحقًا شيئًا إلا أن تقصّر رحلته وتعجّل حصوله على مكافأته. فما هو سيئ ليس سيئًا بالنسبة له، لكنه صالح بشكل غامض. والخسائر تُثريه، والمرض هو دواؤه، والتوبيخ كرامته، والموت ربحه. فلا يمكن أن يحدث له أي شر بمعنى الكلمة، لأن كل شيء يتحول إلى ما هو صالح.” سبيرجن(Spurgeon)
٢. إِنَّمَا بِعَيْنَيْكَ تَنْظُرُ وَتَرَى مُجَازَاةَ ٱلْأَشْرَارِ: على النقيض من حماية المختارين، فقد عيّن الله مُجَازَاةَ للْأَشْرَارِ. ويشجَّع شعب الله على النظر إلى هذه الحقيقة والتأمل فيها بعناية.
ثانيًا. تكرار الطمأنية مرة أخرى
أ ) الآيات (٩-١٣): تكرار الوعد للإنقاذ وتـأكيد النصر.
٩لِأَنَّكَ قُلْتَ: «أَنْتَ يَارَبُّ مَلْجَإِي». جَعَلْتَ ٱلْعَلِيَّ مَسْكَنَكَ، ١٠لَا يُلَاقِيكَ شَرٌّ، وَلَا تَدْنُو ضَرْبَةٌ مِنْ خَيْمَتِكَ. ١١لِأَنَّهُ يُوصِي مَلَائِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرُقِكَ. ١٢عَلَى ٱلْأَيْدِي يَحْمِلُونَكَ لِئَلَّا تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ. ١٣عَلَى ٱلْأَسَدِ وَٱلصِّلِّ تَطَأُ. ٱلشِّبْلَ وَٱلثُّعْبَانَ تَدُوسُ.
١. لأَنَّكَ … جَعَلْتَ ٱلْعَلِيَّ مَسْكَنَكَ: المبادئ والوعود في الآيات ١٠وحتى ١٦ موجهة إلى الذين يتكلون على الرب، جاعلين إياه مسكنهم – مصدر حياتهم وشبعهم.
٢. لَا يُلَاقِيكَ شَرٌّ: تتكرر الوعود السابقة (الآيات ٥-٨) بالأمن والسلامة حتى في وقت الوبأ . ومرة أخرى، فإن هذا لا يُعَد وعدًا مطلقًا لكل مؤمن في جميع الظروف، لأن شعب الله المحبوبين لاقوا شرًّا وماتوا في الوبأ. إنه توقُّع سعيد لصاحب المزمور وتعبير عام عن حماية الرب وتعزيته ورعايته لشعبه.
· “كتب مارتن لوثر(Martin Luther) أن هذا يشير إلى ’من يسكن الله حقًّا، وليس من يبدو أنه يسكن في الله، أو يتخيّل أنه يسكن الله.‘” بويس (Boice)
· “لا ينبغي أن يُفهم هذا الوعد وما شابهه بشكل مطلق وشمولي، كما لو أنه لا يمكن لشخص صالح حقًّا أن يُقطع بسبب وباء أو كوارث شائعة. وهذا أمر تثبّته نصوص أخرى واضحه في كلمة الله وفي الخبرة التي لا جدال فيها.” بوله(Poole)
· “إذ قد تصيب قديسًا كارثة شائعة؛ كما تُقطع الحنطة والزوان معًا، لكن من أجل نهاية وقصد مختلفين.” تراب(Trapp)
· “لا يقول الله أنه ’لا تلاقيك مصيبة‘ بل يقول ’لَا يُلَاقِيكَ شَرٌّ.‘” سبيرجن(Spurgeon) نقلًا عن واطسون(Watson)
٣. وَلَا تَدْنُو ضَرْبَةٌ مِنْ خَيْمَتِكَ: أدلى تشارلز سبيرجن(Charles Spurgeon) بشهادة رائعة حول تحقيق محدد لهذا الوعد:
· “في عام ١٨٥٤، عندما قضيت في لندن فترة لا تزيد عن اثنتي عشر شهرًا، ضرب وباء الكوليرا الآسيوية الحي الذي كنت أخدم فيه. وتأثر شعب كنيستي بغاراتها. عائلة بعد الأخرى كانت تدعوني إلى جانب فرد مصاب. وتقريبًا كل يوم كنتُ أُدعى إلى زيارة قبر. قدمت نفسي بحماسة شبابية لزيارة المرضى. وكنتُ أُستدعى من كل ركن في المنطقة من قبل أشخاص من جميع الطبقات والأديان. تعب جسدي ومرض قلبي. وبدا أن أصدقائي كانوا يسقطون واحدًا تلو الآخر، وشعرت أو تخيلت أني مريض مثل أولئك الذين حولي. وكان من شأن مزيد من العمل والبكاء أن يطرحني كالبقية؛ شعرت أن العبء كان أكبر من أن أحتمله، وكنت أوشك على الغرق تحته. وحسب ترتيب الله، بينما كنت في طريقي عودتي إلى البيت من جنازة نادبًا، دفعني الفضول إلى قراءة ورقة معروضة على واجهة زجاجية في محل تجاري لبيع الأحذية في شارع دوفر. لم تكن تبّدُ أنها إعلانًا تجاريًا، لأنه كان مكتوبًا بحروف كبيرة غامقة هذه الكلمات: ’لِأَنَّكَ قُلْتَ: «أَنْتَ يَارَبُّ مَلْجَإِي». جَعَلْتَ ٱلْعَلِيَّ مَسْكَنَكَ، لَا يُلَاقِيكَ شَرٌّ، وَلَا تَدْنُو ضَرْبَةٌ مِنْ خَيْمَتِكَ.‘ كان تأثير هذه الكلمات في قلبي فوريًّا. امتلك الإيمان هذا النص على أنه خاصٌّ به. فشعرت بالأمان والانتعاش، وبأني متمنطق بالخلود. فواصلتُ زياراتي للمحتضرين بروح هادئة مرتاحه. ولم أشعر بأي خوف من شر، ولم أُصَبْ بأي أذى. وأنا أقر الآن بشكر للرعاية الإلهية التي دفعت ذلك التاجر إلى وضع هاتين الآيتين على واجهة محله الزجاجية. وفي ذكرى قوتها العجيبة أنا أعشق الرب إلهي.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. لِأَنَّهُ يُوصِي مَلَائِكَتَهُ بِكَ: هذا يصف طريقة أخرى يمكن بها أن يرسل الله حمايته ورعايته لشعبه – من خلال ملائكته آمرًا إياهم بأن يحفظوا ويحملوا شعبه.
· “ملائكة الله لديها مسؤولية خاصة أن ترافقك وتدافع عنك وتحفظك، ولن تستطيع الأرواح الشريرة بتأثيرها أن تتغلب على قوّتها. وعند الحاجة ستغير مسار طريقك لتبعدك عن الخطر؛ وتزيحها بعيدًا عنك عندما تعترض سبيلك.” كلارك(Clarke)
· “يُوْصِي؛ يوصي هو أمر حازم، وهو أكثر من مجرد أمر؛ مثل أن تطلب من خادم أن يعمل امرًا كاملًا ومؤكدًا. فأنت تكلِّفه بمسؤولية خاصة، أنا أوصيك بأن لا تهمل هذا العمل؛ وأنت بالكاد لا تخبره ما يجب عمله وتصفه لهُ فحسب، بل تحمّله مسؤوليته أيضًا. هكذا يوصي الله الملائكة.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن بريدج(Bridge)
· “ليس ملاك حارس واحد، كما يحلم بعضهم بحب، لكن النص يلمّح إلى كل الملائكة… فقد حصلوا على مأمورية من ربهم وربنا لكي يسهروا بعناية على مصالح المؤمنين الأمناء.” سبيرجن(Spurgeon)
· “لا نستطيع أن نعرف الكيفية التي بها تحفظنا الملائكة. هل يقومون بطرد الأرواح الشريرة، أم بالتصدي للمؤامرات الروحية، أم بصدِّ قوى الأمراض الجسدية المرهقة، نحن لا نعلم. وربما سنقف مذهولين ذات يوم أمام الخدمات المضاعفة التي قدمتها لنا هذه الجيوش غير المنظورة.” سبيرجن(Spurgeon)
· “لنتذكر أن هؤلاء الملائكة هم ملائكة الله. وهو يوصيهم – فهم يتلقّون مأمورياتهم منه – وهم مسؤولون عن تنفيذها. وأنت تتوقعها من الله، وهو وحده يستحق الشكر على العون الذي يقدّمونه. ويقال صراحة ’يوصي ملائكته‘ لكي يبيّن أنه لا ينبغي أن نصلي لهم أو أن نشكرهم. لكن الصلاة والشكر هما لله وحده، وهم عبيده.” كلارك (Clarke)
٥. لِأَنَّهُ يُوصِي مَلَائِكَتَهُ بِكَ: هذا الوعد الموجود في الآيتين١١ و١٢ تم اقتباسهم وتحريفهم من قبل إبليس في وقت تجربته ليسوع في البرية (متى٤: ٥-٧؛ لوقا٤: ٩-١٢). جرّب إبليس يسوع ليخلق لديه أزمة مفتعلة بأن يلقي بنفسه من نقطة عالية من جبل الهيكل، واستخدم ابليس المزمور٩١: ١١-١٢ كوعد للحماية إذا فعل يسوع ذلك.
· كما يذكر متى في الإصحاح الرابع، فإن اقتباس إبليس من مزمور ٩١: ١١-١٢هو نمط لكيفية تحريف كلمة الله عن معناها.
ü تم اقتُباس الآيتان ١١و١٢ خطأً، لأن إبليس أغفل تكملة الآيتين: ’لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرُقِكَ.‘ فامتحان الله بهذه الطريقة ليس أسلوب يسوع، وليست طريقة المخلص. “لم يَعِد الله قط بحماية من الملائكة لإنسان بطرق آثمة ومحرّمة، ولم يقدّم مثل هذه الحماية.” بوله (Poole) في تفسيره لمتى ٤.
ü تم تطبيق هذا النص بشكل خطأ لأنه لم يُستخدم للتعليم أو التشجيع، بل للخداع، “… جاعلًا هذه الكلمة وعدًا بالتحقيق عندما يهمل المسيح واجبه، موسِّعًا وعد العناية الإلهية الخاصة لتشمل الأخطار التي يلقي الناس بأنفسهم فيها طوعًا.” بوله (Poole) في تفسيره لمتى ٤.
· وبطريقة غريبة، فإننا ممتنون لتجربة إبليس في متى ٤، لأنها تساعدنا في فهم المزمور ٩١ على نحو أفضل. فنحن نرى أنه لا يقدم وعودًا مطلقة لكل مؤمن في كل ظرف. لكن وعود الله الجميلة بالحماية والتعزية والرعاية تُستقبل وتطبَّق على نحو خاص على المؤمن بالروح القدس.
· حضرت الملائكة هناك لتساعد يسوع في تجربته، لا بالطريقة التي اقترحها إبليس (متى ١١:٤).
٦. عَلَى ٱلْأَسَدِ (الشبل) وَٱلصِّلِّ تَطَأُ. ٱلشِّبْلَ وَٱلثُّعْبَانَ تَدُوسُ: تمتد حماية الله لشعبه إلى ما وراء الإنقاذ العام من الأذى. إذ يتحدث النص عن منح الله نصرًا لشعبه حتى للأعداء الأقوياء كالشبل والكوبرا (ٱلْأَسَدِ وَٱلصِّلِّ).
· هذه الكلمات”… تصوّرخدام الله، لا على أنهم ينجون فحسب، بل إنهم يدوسون الأعداء المميتين تحت الأقدام.” كيدنر(Kidner)
· هنالك صلة أخرى مثيرة للاهتمام بتجربة يسوع في البرية. “أثمرت ثقة يسوع بأبيه أيضًا عن هزيمة إبليس، وهذا جزء آخر من المزمور أغفله إبليس.” بويس(Boice)
ب) الآيات (١٤-١٦): وعد الله وبركته لمن يحبونه.
١٤«لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ. أُرَفِّعُهُ لأَنَّهُ عَرَفَ اسْمِي. ١٥يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ، مَعَهُ أَنَا فِي الضِّيقْ، أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ. ١٦مِنْ طُولِ الأَيَّامِ أُشْبِعُهُ، وَأُرِيهِ خَلاَصِي».
١. لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ: تأتي هذه الآيات الثلاث الأخيرة في صيغة المتكلم المفرد (أنا)، حيث يتكلم الله إلى شعبه بوعود بالبركة. وهو يتكلم عن الأشخاص الذين جعلوه هدفًا لمحبّتهم، لكل من (تَعَلَّقَ بِي). ومن الجدير بالملاحظة أن هذه الكلمات لم تصدر عن شعب الله، بل وُجِّهت إلى شعب الله من إلههم شخصيًّا.
· تَعَلَّقَ بِي: “يُستخدم هذا التعبير في مواضع أخرى من كلمة الله في سياق تعلُّق المرء بشخص أو بمشروع أو اهتمام ما. لكن استخدامه في سياق التكريس لله لا يرد إلا هنا.” كيدنر (Kidner)
· أن يتعلّق المرء بالله يعني أن يفعل ذلك باختياره. فهو لا ينتطر أن تأتي مشاعر الحب أولًا. لكنه ببساطة يختار أن يفكر ويتصرف نحو الله بطرق تعبّر عن المحبة له وتبني تلك المحبة. ويمكن أن يشمل ذلك ما يلي:
ü قضاء وقت مع الله
ü الاستماع إلى الله
ü قراءة ما كتبه الله لنا
ü التكلم مع الله
ü التفكير في الله في اللحظات التي لا ننشغل فيها بأي شيء آخر
ü عبادة الله
ü الحديث مع الآخرين عن الله
ü العطاء لله وتقديم تضحيات له ومن أجله
· غالبًا ما تنظر ثقافتنا الحالية إلى الحب على أنه شيء يحدث للناس، لا كشيء يختارونه. وتذكّرنا عبارة “لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي” بأن أحد جوانب الحب هو الاختيار. وهذا يصف جزئيًا المحبة التي يجب ان نقدمها لله.
٢. أُنَجِّيْهِ: تتكرر المبادئ والوعود المذكورة سابقًا في هذا المزمور، لكنها تأتي هذه المرة من الله نفسه. فالله سيحمي حبيبه وسيرفّعه، وسيفعل هذا لِأَنَّهُ عَرَفَ ٱسْمِي (أي الله)، حيث إن له علاقة حقيقية بالله.
· أُرفِّعُهُ: “سأضعه بعيدًا عن متناول أعدائه، وسأمجّده وسأُكرّمه لِأَنَّهُ عَرَفَ ٱسْمِي – لأنه أحبني، وأكرمني، وخدمني، وقدّم لي العبادة اللائقة التي أستحقها. لقد عرفني كإله الرحمة والمحبة غير المحدودة.” كلارك(Clarke)
· “هنالك بركات يفوِّتها بعضهم لأنهم يتذمرون ولا يتكلون على الرب كما ينبغي. هنا يقتبس صاحب المزمور الله قائلًا إن البركات هذه هي للذين يحبون الله ويعرفون اسمه (الآية ١٤)، ويدعونه (١٥) ويطلبون الإشباع في ما يستطيع الله وحده أن يقدمه.” بويس (Boice)
٣. يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ: يَعِد الله بأن يستجيب لصلاة من يحبه ومن يعرفه حقًّا.
٤. مَعَهُ أَنَا: تحدَّث الله في آخر سطور المزمور عن بركات شخصية رائعة للذين يحبونه ويعرفونه.
ü بركة حضوره: مَعَهُ أَنَا فِي ٱلضِّيقِ
ü بركة حمايته: أُنْقِذُهُ
ü بركة الترفيع: أُمَجِّدُهُ
ü بركة النجاح والازدهار: مِنْ طُولِ ٱلْأَيَّامِ أُشْبِعُهُ
ü بركة حِفظه: أُرِيهِ خَلَاصِي
· مَعَهُ أَنَا: “لا يستطيع أحد أن يضيف العزلة إلى حزنه، لكن يمكن أن يدعو الله إلى أن يجلس معه، مثل أصحاب أيوب، والذي انتظر منهم تعزية حقيقية.” ماكلارين (Maclaren)
· مَعَهُ أَنَا فِي ٱلضِّيقِ: “ومرة أخرى، يتحدث الله ويتصرف كأم حنون تجاه ابنها المريض. فعندما يكون ابنها في صحة جيدة، يمكنها أن تتركه بين يدي المربية. لكن عندما يمرض، فإنها تهتم به شخصيًّا. وستقول للمربية: ’يمكنك أن تهتمي بعمل آخر بعض الوقت بينما أرعى ابني بنفسي.‘” سبيرجن(Spurgeon) نقلًا عن دوسون(Dawson)