تفسير سفر المزامير – مزمور ٧٧
القلب المضطرب يتذكر أعمال الله العظيمة
عنوان هذا المزمور هو إِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ عَلَى «يَدُوثُونَ». لِآسَافَ. مَزْمُورٌ. ويعتقد بعضهم أن إمام المغنّين أو الموسيقيين هو الرب نفسه، بينما يفترض آخرون أنه إشارة إلى قائد الجوقات أو الموسيقيين مثل هيمان المرنم (أخبار الأيام الأول ٣٣:٦؛ ٥:١٦-٧، ٦:٢٥). “تَظهر هذه الإشارة ’لى مدير الموسيقى‘ [إِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ] في ٥٥ مزمورًا (أيضًا في سفر حبقوق ١٩:٣). ويرجّح أنها إضافة موسيقية جاعلةً المزمور جزءًا من عبادة الهيكل أو مادة يتلوها قائد الجوقة.” ويليم فانجيميرين (Willem VanGemeren)
كان يَدُوثُون (وهو مذكور أيضًا في عنواني المزمورين ٣٩و٦٢) أحد الموسيقيين الذين عيّنهم داود لقيادة العبادة العامة في إسرائيل (أخبار الأيام الأول ٤١:١٦؛ ١:٢٥ -٣). كتب تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon) عن يَدُوثُونَ: “كان أبناء يَدُوثُون حمالين أو بوّابين، حسب سفر أخبار الأيام الأول ٤٢:١٦. فالذين يخدمون جيدًا (مهما كانوا) هم أفضل المرنمين. ولا ينبغي للذين يشغلون أعلى المراكز في الجوقة أن يخجلوا من الانتظار عند أبواب بيت الرب.”
خدم الكاتب آسَافَ المرنم والموسيقي العظيم في عهدي داود وسليمان (أخبار الأيام الأول ١٧:١٥-١٩؛ ٥:١٦-٧)؛ أخبار الأيام الثاني ١٣:٢٩). وتضيف الآيات في سفر أخبار الأيام الأول ١:٢٥ و أخبار الأيام الثاني ٣٠:٢٩ أن آساف كان نبيًّا في مؤلفاته الموسيقية.
“رسالة هذا المزمور هي أن اجترار الحزن يعني أن تكون مكسورًا ومحبطًا، بينما تعني رؤية الله أن ترنم في أكثر الأيام ظلمةً. فحالما نعرف أن سنواتنا هي في يمين الله، يكون هنالك نور في كل مكان.” ج. شابيل مورجان (G. Campbell Morgan)
أولًا. تعزية وعذاب في تذكُّر أعمال الله
أ ) الآيات (١-٣): طلب الله وبقاء الاضطراب.
١صَوْتِي إِلَى ٱللهِ فَأَصْرُخُ. صَوْتِي إِلَى ٱللهِ فَأَصْغَى إِلَيَّ. ٢فِي يَوْمِ ضِيْقِي ٱلْتَمَسْتُ ٱلرَّبَّ. يَدِي فِي ٱللَّيْلِ ٱنْبَسَطَتْ وَلَمْ تَخْدَرْ. أَبَتْ نَفْسِي ٱلتَّعْزِيَةَ. ٣أَذْكُرُ ٱللهَ فَأَئِنُّ. أُنَاجِي نَفْسِي فَيُغْشَى عَلَى رُوحِي. سِلَاهْ.
١. صَوْتِي إِلَى ٱللهِ فَأَصْرُخُ: يبدأ المزمور بفكرة شائعة في المزامير، وهي الصراخ إلى الله. صرخ صاحب المزمور إلى الله عارفًا أنه سمعه (فَأَصْغَى إِلَيَّ).
· “يتوجب أن تكون أيام الضيق أيام صلاة. ففي أيام اضطرابنا الداخلي، وبشكل خاص عندما يبدو أن الله قد انسحب من حياتنا، يتوجب علينا أن نطلبه ونسعى إليه حتى نجده. لم يطلب صاحب المزمور أشياء ملهية أو تسلية للتفريج عن نفسه لينسى ضيقه في ذلك اليوم، لكنه طلب الله ورضاه ونعمته. ولا ينبغي للذين يرزحون تحت ضيق ذهني أن يُغرقوه في شرب الخمر، أو أن يواصلوا الضحك حتى ينسوه. بل ينبغي أن يصلّوا ليتخلصوا منه.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن هنري (Henry)
٢. فِي يَوْمِ ضِيْقِي: كانت صرخته إلى الله مُلِحّة (فِي يَوْمِ ضِيْقِي)، ونشطة (يَدِي ٱنْبَسَطَتْ)، ومثابرة (وَلَمْ تَخْدَرْ).
· “حسب الطريقة الشرقية في الصلاة، بسط يديه (مزمور٦:١٤٣)، واستمر يرفع يديه في المساء.” فانجيميرين (VanGemeren)
٣. أَبَتْ نَفْسِي ٱلتَّعْزِيَةَ: جاءت أفكار مشجعة إلى الذهن، لكنه صرفها فورًا. تحدَّث أصحابٌ عن صلاح الله في الحاضر والمستقبل الأكثر سطوعاً، لكن نفسه رفضت كل تعزية.
· تُرفض التعزية أحيانًا لأنها سطحية. فقد يقول المرء لشخص شيء مثل هذا: “اذهب إلى السينما واقضِ وقتًا ممتعًا،” أو يقدم له نصيحة أخرى تتعامل مع يأسه باستخفاف. ونمر أحيانًا بمثل هذا اليأس الذي لا يمكن إلا لله وحده أن يعيننا فيه. فلا ينفع شيء سطحي.
· “رفَض التعزيات باعتبارها ضعيفة في معالجة حالته، ورفض تعزيات أخرى باعتبارها غير صحيحة، وأخرى باعتبارها جوفاء. لكن بشكل أساسي، وبسبب الإلهاء، رفض حتى أسس التعزيات التي يمكن أن تكون فعّالة بالنسبة له. فكما تعاف نفس المريض الطعام المغذي، كذلك فعل صاحب المزمور. إنه لأمر مستحيل أن تعزّي الذين يأبون التعزية.” سبيرجن(Spurgeon)
· “ربما هنالك تلميح أبعد هنا لهذا التشديد يعكس رفض يعقوب التعزية بفقدان ابنه يوسف (سفر التكوين ٣٥:٣٧).” كيدنر (Kidner)
٢. أَذْكُرُ ٱللهَ فَأَئِنُّ: صرخ صاحب المزمور بجدية وإخلاص إلى الله. وعرف أن الله سمعه. غير أنه كان مضطربًا (فَأَئِنُّ)، وأحس بأنه مسحوق. والمعنى هنا: “يا رب، أعرف أنك موجود. فلماذا لا تساعدني بالطريقة التي بها أحتاج إلى مساعدة؟”
· في معظم الأحيان، عندما يصرخ المؤمن إلى الله ويحس بأن الله سمعه، فإن هذا يعطيه سلامًا وطمأنينة الإيمان. لكن ليس هذا هو واقع الحال هنا. فأحيانًا عندما نبقى في شدة بدلًا من أن نُنقذ منها، فإن إحساسنا بأن الله سمعنا ولم يرفع الضيق عنا هو إحباط حقيقي.
· ربما كان هذا بعض ما أحس به بولس حول شوكته في الجسد التي ذكرها في رسالة كورنثوس الثانية ٧:١٢-١٠. ففي البداية، أحس بالإحباط بسبب عدم استجابة الرب له. ثم أحس بأن الصلاة استُجيبت، لكن ليس حسب توقعاته السابقة.
· هذا هو نوع الصراع الذي يمر به أولئك الذين قطعوا شوطًا لا بأس به في علاقتهم بالله. فعُمق الصراع وتعقيده أمر مستحق للتأمل، ولهذا نجد في نهاية المقطع كلمة سِلاهْ.
ب) الآيات (٤-٦): البحث الدؤوب.
٤أَمْسَكْتَ أَجْفَانَ عَيْنَيَّ. ٱنْزَعَجْتُ فَلَمْ أَتَكَلَّمْ. ٥تَفَكَّرْتُ فِي أَيَّامِ ٱلْقِدَمِ، ٱلسِّنِينَ ٱلدَّهْرِيَّةِ. ٦أَذْكُرُ تَرَنُّمِي فِي ٱللَّيْلِ. مَعَ قَلْبِي أُنَاجِي، وَرُوحِي تَبْحَثُ.
١. أَمْسَكْتَ أَجْفَانَ عَيْنَيَّ: تأمّل آساف شدّة صراخه إلى الله. وبعينين منهكتين وقلب مضطرب، طلب الله بإخلاص.
· “يلتهم الحزن النفس في الليل كوحش مفترس. ويعرف كل قلب حزين كيف أن الجفنين، رغم إرهاقهما، ترفضان أن تطبقا على العينين المنهكتين اللتين تحدّقان في السواد وتريان أشياء مخيفة هناك. أحس هذا الرجل كما لو أن إصبع الله كانت ترفع جفنيه لتجبراهما على الحملقة في الليل.” ماكلارين (Maclaren)
· فَلَمْ أَتَكَلَّمْ: “يبيّن هذا زيادة في الحزن والعذاب. أحسَّ في البداية تعاسته، فصرخ عاليًا. فرأى مزيدًا من النور استشعر تعاسته العميقة، ثم ابتُلعت كلماته في حزن مفرط. فويلاته أكبر من كل كلام.” كلارك (Clarke)
٢. تَفَكَّرْتُ فِي أَيَّامِ ٱلْقِدَمِ: تأمّل آساف مدى صرخته إلى الله، ووضع في اعتباره ما فعله الله في الأزمنة القديمة (أَيَّامِ ٱلْقِدَمِ). وتساءل لماذا بدا له أن الله استجاب لهؤلاء بشكل مُرضٍ أكثر مما في الحاضر.
٣. أَذْكُرُ تَرَنُّمِي فِي ٱللَّيْلِ: تذكَّر آساف وهو يطلب الله أوقاتًا أفضل (تَرَنُّمِي فِي ٱللَّيْلِ) وعميقة (مَعَ قَلْبِي أُنَاجِي). وكان يبحث بجدية (وَرُوحِي تَبْحَثُ).
ج) الآيات (٧-٩): الأسئلة الفاحصة.
٧هَلْ إِلَى ٱلدُّهُورِ يَرْفُضُ ٱلرَّبُّ، وَلَا يَعُودُ لِلرِّضَا بَعْدُ؟ ٨هَلِ ٱنْتَهَتْ إِلَى ٱلْأَبَدِ رَحْمَتُهُ؟ ٱنْقَطَعَتْ كَلِمَتُهُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ؟ ٩هَلْ نَسِيَ ٱللهُ رَأْفَةً؟ أَوْ قَفَصَ بِرِجْزِهِ مَرَاحِمَهُ؟. سِلَاهْ.
١. هَلْ إِلَى ٱلدُّهُورِ يَرْفُضُ ٱلرَّبُّ؟: بهذه الأسئلة، تحدَّث آساف بخوف من أن يدوم موسم الجفاف والإحباط إلى الأبد (إِلَى ٱلدُّهُورِ). وخشي ألاّ يرى فضل الله أو رحمته أو تحقيق وعوده مرة أخرى.
· “حاججَ هذا الرجل الصالح نفسه بحكمة، وسعى إلى علاج عدم إيمانه. فعامل نفسه بالمثل، بنفس الطريقة التي عامل بها الله بأسئلته. فعندما هاجمه مرض التشكُّك، وجّه أسئلة مماثلة إلى نفسه. لاحظْ كيف أنه يقتل سؤالًا بسؤال كما يقاتل الرجال النار بالنار. إذ لدينا هنا ستة أسئلة متلاحقة يضرب كل واحد منها قلب عدم الإيمان.” سبيرجن (Spurgeon)
· “أيها ألأحباء، إذا أردنا أن نُعلّم أنفسنا ونجري تحقيقًا مع أنفسنا، سيعطينا الروح القدس تعزية وتشجيعًا.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. هَلْ نَسِيَ ٱللهُ رَأْفَةً؟: مع سؤالين آخرين، تساءل آساف إن كانت نعمة الله ورحمته ما زالتا متاحتين له. ربما نَسِيَ ٱلله كيف يكون منعمًا أو رحيمًا، أو ربما منعهما عنه.
· أحسَّ قديسون كثيرون عذاب هذه الأسئلة. ونحن نتمنى أن يطرحوا هذه الأسئلة بشجاعة وبصدق كما فعل آساف.
· “درس سبيرحن المزامير بين ١٨٦٥ و ١٨٨٥. وأثناء تلك السنوات العشرين، عانى كثيرًا من اعتلال صحته التي تدهورت إلى أن مات في عام ١٨٩٢. كان يعاني من النورالجيا (الألم العصبي) والنقرس الذي جعل أطرافه متورمة ومحمرّة ومؤلمة حتى إنه لم يكن قادرًا في كثير من الأحيان أن يمشي أو يكتب. كما كان يعاني من الصداع الموهن. ومع هذه العلل الجسدية جاءت نوبات مخيفة من الاكتئاب أدت إلى يأس تقريبًا.”بويس (Boice)
· ولهذا كتب سبيرجن عن هذا المزمور وعن نفسه: “للأسف يا إلهي، يعرف صاحب هذه الكلمات جيدًا ما عناه آساف، لأن نفسه كانت على دراية بطريق الحزن. تعرف نفسي الأودية العميقة والكهوف الموحشة لاكتئابات النفس، وتعرف تمامًا كآباتك الفظيعة!” سبيرجن (Spurgeon)
· قَفَصَ بِرِجْزِهِ مَرَاحِمَهُ: “مراحم الله هي مصدر كل كرم ولطف يتدفق إلى بني البشر. والاستعارة هنا مأخوذة من عين ماء فمها مغلق فلا تستطيع المياه أن تجري في نفس القناة.” كلارك(Clarke)
· “إذا كنت ابنًا لله، ولم تضطر يومًا إلى طرح هذه الأسئلة، يفترض أن تكون شاكرًا جدًّا. لكن إن كنت مضطرًّا إلى طرحها، فكن شاكرًا أيضًا لأن آساف طرحها قبلك. وصدِّق أنه كما حصل على جواب مريح، كذلك يمكن أن تحصل على جواب مريح، لأن إلهه هو معينك أيضًا.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. سِلاهْ: تحدَّث آساف عن أشياء نادرًا ما يحس المؤمنون بالأمان في التحدث عنها. فلن يخاطر كثيرون من المؤمنين بهذا النوع من الصدق والصراحة. وعذاب آساف الصادق جدير بالتأمل.
ثانيًا. عظمة الله
أ ) الآيات (١٠-١٢): يتحول العذاب إلى تذكُّر.
١٠فَقُلْتُ: «هَذَا مَا يُعِلُّنِي: تَغَيُّرُ يَمِينِ ٱلْعَلِيِّ». ١١أَذْكُرُ أَعْمَالَ ٱلرَّبِّ. إِذْ أَتَذَكَّرُ عَجَائِبَكَ مُنْذُ ٱلْقِدَمِ، ١٢وَأَلْهَجُ بِجَمِيعِ أَفْعَالِكَ، وَبِصَنَائِعِكَ أُنَاجِي.
١. هَذَا مَا يُعِلُّنِي: نحن نقدّر عذاب آساف الصادق في هذا المزمور. فبالنسبة له، كانت الهوة بين ما كان يؤمن به وما أحس به مؤلمة.
٢. أَذْكُرُ: في وسط العذاب الأليم بين ما كان يؤمن به آساف وما أحس به، تكلّم إلى نفسه وأعلن ما سيفعله. كان مصممًا على أن يتذكر شيئًا وأن يضعه نصب عينيه.
· والآن، بدأ الإيمان يرد على تلميحات عدم الثقة.” هورن (Horne)
· “تقدّم الذاكرة الألوان التي يرسم بها الرجاء أصدق صوره.” ماكلارين(Maclaren)
· “الذاكرة خادمة للإيمان. فعندما يكون للإيمان سبع سنوات من المجاعة، مثل موسى في مصر، تفتح الذاكرة صوامعها.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. يَمِين ٱلْعَلِيّ – أَذْكُرُ أَعْمَالَ ٱلرَّبِّ (سأتذكر سنوات يمين العلي): صمّم آساف أن يتذكر مواسم أفضل عندما كانت قوة الله تجري بلا عوائق. عندما كانت يمينه – وهي رمز قوته ومهارته – واضحة. ففي أوقات محبطة، قرر أن يتذكر أوقاتًا أفضل ليستمد منها رجاء راسخًا للمستقبل.
· “إن لم يكن هنالك خير في الحاضر، فإن الذاكرة تنهب الماضي بحثًا عن تعزية. إذ ستَسعَد باقتراض صور من مذابح الماضي لتضيء ظلمة اليوم. وإن واجبنا هو أن نبحث عن تعزية، لا أن نبقى في خمول كئيب يؤدي إلى اليأس.” سبيرجن(Spurgeon)
٤. أَذْكُرُ… ألْهَجُ (أتأمل)… بِصَنَائِعِكَ أُنَاجِي (أتحدث): قدم آساف عملية من ثلاث خطوات للتشجيع والشفاء. وهي أن نتذكر أعمال الرب العظيمة (أَذْكُرُ أَعْمَالَ ٱلرَّبِّ)، ثم أن نتأمل هذه الأعمال (ألْهَجُ بِجَمِيعِ أَفْعَالِكَ) وما يمكن أن تعلمنا اليوم. والخطوة التالية هي أن نتحدث عن هذه الأمور العظيمة مع الآخرين (بِصَنَائِعِكَ أُنَاجِي).
· أَذْكُرُ أَعْمَالَ ٱلرَّبِّ: أشار كيدنر (Kidner) إلى أن كلمة ’أَذْكُرُ‘ هنا تشير إلى التذكُّر العلني: “بالمعنى الدقيق، سأذكر أعمالك في سرد علني.”
ب) الآيات (١٣-١٥): عظمة الله في مقدسه.
١٣اَللَّهُمَّ، فِي ٱلْقُدْسِ طَرِيقُكَ. أَيُّ إِلَهٍ عَظِيمٌ مِثْلُ ٱللهِ؟ ١٤أَنْتَ ٱلْإِلَهُ ٱلصَّانِعُ ٱلْعَجَائِبَ. عَرَّفْتَ بَيْنَ ٱلشُّعُوبِ قُوَّتَكَ. ١٥فَكَكْتَ بِذِرَاعِكَ شَعْبَكَ، بَنِي يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ. سِلَاهْ.
١. اَللَّهُمَّ، فِي ٱلْقُدْسِ طَرِيقُكَ: شرح آساف في الجزء الأول من المزمور فائدة التذكر والتأمل والتحدث عن أعمال الرب العظيمة. ويبدأ في الجزء الثاني منه بوصف تلك الأعمال بدءًا بالمقدس (ٱلْقُدْسِ) – إما الهيكل أو خيمة الاجتماع.
· كان طريق الله في القُدس بمعنى أن الهيكل (أو خيمة الاجتماع) وطقوسه يدل بوضوح على الطريق إلى الله من خلال دم الذبيحة البريئة، والتي تشير في نهاية المطاف إلى شخص يسوع المسيح وعمله.
٣. أَنْتَ ٱلْإِلَهُ ٱلصَّانِعُ ٱلْعَجَائِبَ. عَرَّفْتَ بَيْنَ ٱلشُّعُوبِ قُوَّتَكَ: تحدّث آساف عن المعجزات التي أظهرت قوة الله، كما فعل مرارًا وتكرارًا في تاريخ إسرائيل.
٤. فَكَكْتَ بِذِرَاعِكَ شَعْبَكَ: رأى إسرائيل مرات كثيرة عبر تاريخه أمانة الله وقوته وهو ينقذ شعبه من كل أنواع الضيق.
· بَنِي يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ: ربما يرجع الجمع بين يعقوب ويوسف كسلفين للشعب الذي افتُدي من مصر إلى إصرار كليهما على أن تكون الأرض الموعودة، لا مصر، آخر مكان لراحتهما (سفر التكوين ٢٩:٤٧ فصاعدًا؛ ٢٤:٥٠ فصاعدًا.” كيدنر (Kidner)
ج) الآيات (١٦-٢٠): عظمة الله في البحر الأحمر.
١٦أَبْصَرَتْكَ ٱلْمِيَاهُ يَا ٱللهُ، أَبْصَرَتْكَ ٱلْمِيَاهُ فَفَزِعَتْ، اِرْتَعَدَتْ أَيْضًا ٱللُّجَجُ. ١٧سَكَبَتِ ٱلْغُيُومُ مِيَاهًا، أَعْطَتِ ٱلسُّحُبُ صَوْتًا. أَيْضًا سِهَامُكَ طَارَتْ. ١٨صَوْتُ رَعْدِكَ فِي ٱلزَّوْبَعَةِ. ٱلْبُرُوقُ أَضَاءَتِ ٱلْمَسْكُونَةَ. ٱرْتَعَدَتْ وَرَجَفَتِ ٱلْأَرْضُ. ١٩فِي ٱلْبَحْرِ طَرِيقُكَ، وَسُبُلُكَ فِي ٱلْمِيَاهِ ٱلْكَثِيرَةِ، وَآثَارُكَ لَمْ تُعْرَفْ. ٢٠هَدَيْتَ شَعْبَكَ كَٱلْغَنَمِ بِيَدِ مُوسَى وَهارُونَ.
١. أَبْصَرَتْكَ ٱلْمِيَاهُ يَا ٱللهُ: من المرجّح أن ما خطر ببال آساف في هذا القسم الأخير من المزمور شقّ البحر وعبوره كمثلٍ لأعمال الله العظيمة التي سيتذكرها ويتأملها ويتحدث عنها. بدأ بوصف شعري لمياه البحر الأحمر على أنها فزعت من الرب وكانت مستعدة للهروب من محضره.
· تصوَّر مياه البحر الأحمر بشكل جميل على أنها تمتلك إدراكًا، فكانت ترى وتشعر وترتبك، وتصل إلى أدنى مستويات الروح المعنوية عند حضور خالقها وقوته.” هورن(Horne)
٢. سَكَبَتِ ٱلْغُيُومُ مِيَاهًا: لا تخبرنا كلمة الله عن عاصفة رعدية جبارة صاحبتْ شقّ البحر الأحمر. لكن آساف وصف مطرًا ورعودًا وبرقًا (أَيْضًا سِهَامُكَ طَارَتْ – أو وَمَضَتْ). ويصعُب علينا هنا أن نعرف عند هذه النقطة إن كان آساف يذكر شيئًا لم تشمله رواية سفر الخروج ١٤، أو إن كان يصف قوة الله بطريقة شعرية فحسب.
· يبدو أكثر ملاءمة أن نأخذ هذا الأمر حرفيًّا، كما فعل المؤرخ اليهودي يوسيفوس: “بمجرد دخول الجيش المصري بأكمله، تدفّقت مياه البحر ورجعت إلى مكانها. ونزل تيار جارف بسبب رياح عاصفة على المصريين. ونزلت زخات من المطر أيضًا من السماء صاحبتها رعود وبروق وومضات من النار. وأُطلقت صواعق رعدية عليهم. لم يكن هذه شيئًا مما استخدمه البشر، لكن أرسله الله على المصريين كمؤشرات على غضبه. وقد غشته ليلة قاتمة جدًّا. ولهذا هلك هؤلاء كلهم، ولم يبقَ رجل واحد ليكون رسولًا ينقل ما حدث للمصريين.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن يوسيفوس (Josephus)
· “ربما تكون هذه التفاصيل مفقودة من الرواية الأصلية، لكن تم الاحتفاظ بها في ذاكرة تاريخ الشعب، أو أنها مجرد زخرفة شعرية لهذا الحدث. وأيًّا كان الحال، فإنه لا يوجد ما هو غير محتمل حول الإظهارات الإضافية لقوة الله في تلك الليلة العظيمة لإسرائيل.” بويس (Boice)
· سِهَامُكَ: إما أن تكون المشار إليها هنا حجارة من البَرَد، أو بروقًا أو عواصف رعدية (مزمور ١٤:١٨؛ مزمور ٦:١٤٤).” بوله (Poole)
٣. ٱرْتَعَدَتْ وَرَجَفَتِ ٱلْأَرْضُ: وصف آساف حضور الله بأنه واضح جدًّا في شق البحر الأحمر حتى إن الأرض نفسها رجفت. ومرة أخرى، بما أن هذا لم يكن معروفًا في رواية سفر الخروج ١٤، فإما أن تكون معلومات إضافية أو وصفًا شعريًّا.
٤. فِي ٱلْبَحْرِ طَرِيقُكَ، وَسُبُلُكَ فِي ٱلْمِيَاهِ ٱلْكَثِيرَةِ: عندما شق الله البحر الأحمر بمعجزة، كان الأمر وكأنه شق طريقًا لنفسه أعطاها لشعبه ليستخدمها.
· وَسُبُلُكَ فِي ٱلْمِيَاهِ ٱلْكَثِيرَةِ: “هذه صورة حقيقية لتأثير الله في الطبيعة. فحتى عندما كان متجسدًا، كانت الرياح والأمواج تطيعه. وكان البحر يقدم سبيلًا له.” كيدنر (Kidner)
· وَآثَارُكَ لَمْ تُعْرَفْ: “يوصف الله كما لو أنه يخَوِّض في المحيطات القوية كما يخوض رجل جدولًا بسيطًا. فالمحيط الأطلسي بأعماقه التي لا تُستقصى مجرد جدول بالنسبة له.” ميير (Meyer)
٥. هَدَيْتَ شَعْبَكَ كَٱلْغَنَمِ: كوصف نهائي لعمل الله العظيم في البحر الأحمر، لاحظَ آساف أن الله قاد شعبه في الطريق عبر البحر مثل خدامه موسى وهارون.
· نرى أن الله يصنع عجائب (كما في البحر الأحمر)، وفي قيادة عادية لشعبه من خلال أدوات بشرية (مُوسَى وَهارُون). ولا تستثني إحدى الطريقتين الأخرى.
· “كان ضارب مصر هو نفسه راعي إسرائيل. طرد أعداءه أمامه، وقاد شعبه أمامهم.” سبيرجن (Spurgeon)
· لم تتوقف مراحم الله ولطفه المتسم بالمحبة تجاه إسرائيل عند البحر الأحمر. لكنه قاد قطيعه المختار من خلال إرشاد رعاة أمناء عبر مخاطر البرية إلى الأرض الموعودة.” هورن (Horne)
· “يمتلك هذا الإله الجبار قلبًا حنونًا كقلب الراعي. وهو يقود شعبه كقطيع، لا بتسلّط، بل يحمل الحملان في حضنه، ويقود الصغار بلطف. إنه أقوى من أقوى الأقوياء، وأكثر وداعة من أكثر الودعاء وداعةً.” ميير (Meyer)