تفسير سفر المزامير – مزمور ٨٩
الإله الذي لا نظير له وعهده مع داود
هذا المزمور معنون قَصِيدَةٌ (تأمُّل) لِأَيْثَانَ ٱلْأَزْرَاحِيِّ. يوجد عدة أشخاص في الكتاب المقدس باسم أيثان، لكن هذا الرجل ذُكر على نحو خاص في ١ملوك ٣١:٤ كشخص معروف بحكمته، لكن سليمان فاقه حكمة. ويعني هذا على الأرجح أنه عاصَرَ سليمان وأنه كان حيًّا أثناء حُكم داود.
“يرجّح أن أيثان هو نفسه يدوثون الذي أسّس ثلاث جوقات للترنيم (انظر ١أخبار٩:١٥؛ ٢ أخبار١٢:٥). وقد اشترك مع هيمان في شهرته بالحكمة.” كيدنر (Kidner)
أولًا. الإله الذي لا نظير له وعهده مع داود
أ ) الآيات (١-٢): رحمة وأمانة إلى الأبد.
١بِمَرَاحِمِ ٱلرَّبِّ أُغَنِّي إِلَى ٱلدَّهْرِ. لِدَوْرٍ فَدَوْرٍ أُخْبِرُ عَنْ حَقِّكَ (أمانتك) بِفَمِي. ٢لِأَنِّي قُلْتُ: «إِنَّ ٱلرَّحْمَةَ إِلَى ٱلدَّهْرِ تُبْنَى. ٱلسَّمَاوَاتُ تُثْبِتُ فِيهَا حَقَّكَ.
١. بِمَرَاحِمِ ٱلرَّبِّ أُغَنِّي: بدأ أيثان مزموره بإعلان للتسبيح في ترنيمة، مُرَكّزًا على مراحم يهوه (وهي بالعبرية ’حِسِدْ‘ وهي تشير أحيانًا إلى محبة العهد أو محبة الولاء). ومحبة الله هذه (أو كرمه المتسم بالمحبة) دائمة إلى الأبد، ولهذا ينبغي أن يدوم التسبيح إلى الأبد.
· هذا مزمور ممتلئ بالضيق، لكن وجود الضيق لم يُخرس تسبيح صاحب المزمور. إذ تغنى بمراحم الله. “نحن لدينا ليس فقط واحدة بل عدة مراحم نستطيع أن نترنم بها، لهذا ينبغي أن نضاعف تعابير شكرنا.” سبيرجن (Spurgeon)
· “نحن نعتقد عندما نكون في ضيق أنه يمكن أن نحس بالراحة من خلال إطلاق التذمرات. لكننا نحصل على مزيد من الضيق. ونحن نحصل على ما هو أكثر من الراحة… فرح من خلال التسبيح. فلنحوِّلْ تذمراتنا إلى تقديم الشكر.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن ماثيو هنري (Matthew Henry)
٢. لِدَوْرٍ فَدَوْرٍ أُخْبِرُ عَنْ حَقِّكَ (أمانتك) بِفَمِي: اختبر أيثان مراحم الله وحقه (أمانته)، لكنه أراد للآخرين أن يعرفوا عنها، وهذا لخيرهم حتى يختبروا هم ايضًا مراحم الله وامانته. وأهم من ذلك، أراد أن ينشر مجد الله وصيته على أوسع مدى ممكن.
· عرف أيثان شيئًا عن صلاح الله، فكان أمرًا ملائمًا أن يعرف عنه آخرون أيضًا، وكان عازمًا على إخبارهم.
٣. إِنَّ ٱلرَّحْمَةَ إِلَى ٱلدَّهْرِ تُبْنَى. ٱلسَّمَاوَاتُ تُثْبِتُ فِيهَا حَقَّكَ: قال أيثان هذا ليعلن صلاح الله. فقد لاحظ معدن الله الأدبي الثابت الدائم كما يتجلى في رحمته وحقه (أمانته)، وكيف أنه ثبّت هذه الأمور.
· إِنَّ ٱلرَّحْمَةَ إِلَى ٱلدَّهْرِ تُبْنَى: كلمة رحمة هي “من الكلمات المفتاحية في ٢ صموئيل ٧ التي تعزف على وتر البيت الذي سيبنيه داود لله، والبيت الذي سيبنيه الله بدلًا من داود.” كيدنر (Kidner)
· “البناء شيء منظم إضافة إلى أنه ثابت. وهو يتضمن تصميمًا وخطة. وقد باركنا الله بتصاميم لا يمكن أن تكملها إلا كمالاته اللانهائية.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٣-٤): عهد الله مع داود.
٣«قَطَعْتُ عَهْدًا مَعَ مُخْتَارِي، حَلَفْتُ لِدَاوُدَ عَبْدِي: ٤إِلَى الدَّهْرِ أُثَبِّتُ نَسْلَكَ، وَأَبْنِي إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ كُرْسِيَّكَ». سِلاَهْ.
١. قَطَعْتُ عَهْدًا: كتعبير عن مراحم الله وأمانته (وحقّه) المذكورة في الآيات السابقة، لاحظ أيثان العهد الذي قطعه الله مع داود في ٢ صموئيل٧، حيث وعد الله بأن يبني ويثبّت بيت داود.
· يبيّن ذِكر أيثان للعهد مع داود أنه كان معروفًا للجميع في أيام داود وسليمان. فقد عرف الناس ما وعد به الله داود، وفهموا أن سليمان لم يحققه إلا بشكل جزئي.
٢. إِلَى ٱلدَّهْرِ أُثَبِّتُ نَسْلَكَ: وعد الله داود في ٢ صموئيل ٧: ١٢ “متى كمُلتْ أيّامك واضطجعتَ مع آبائك، أقيْم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك، وأثبّت مملكته.” تحقَّق هذا الوعد جزئيًّا في سليمان، ابن داود المباشر ووريث عرشه المباشر. وسيتحقق بشكل كامل في ذلك المعروف باسم ابن داود، المسيا يسوع المسيح (متى٢٣:١٢).
· “لدينا برهان لا يمكن دحضه أن موضوع العهد مع داود هو المسيّا، وأنّ سليمان كان صورة رمزية له، وأن كلمة الله تنطوي أحيانًا على معنيين.” هورن (Horne)
٣. وَأَبْنِي إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ كُرْسِيَّكَ: وعد الله داود في ٢ صموئيل ٧: ١٣ “أنا أثبّت كرسيّ مملكته إلى الأبد.” ومرة أخرى، تحقق هذا بطريقة مباشرة وجزئية في سليمان، لكن بطريقة كاملة وافية في يسوع المسيا.
· “يمتد التعهد لداود إلى نسله (الآية ٤)، وبالتالي إلى الجيل التالي من الرعايا. وسيؤمِّن الرب نفسه حُكم السلالة الداودية.” فانجيميرين (VanGemeren)
٤. سِلاَهْ: رأى أيثان أن كرم الله الرائع وأمانته في وعد كهذا أمر يستحق التوكيد والتأمل، ولهذا أوعز بفترة صمت موسيقية… سِلاَهْ.
ج) الآيات (٥-١٠): تسبيح لله على أمانته وقدرته.
٥وَٱلسَّمَاوَاتُ تَحْمَدُ عَجَائِبَكَ يَا رَبُّ، وَحَقَّكَ أَيْضًا فِي جَمَاعَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ. ٦لِأَنَّهُ مَنْ فِي ٱلسَّمَاءِ يُعَادِلُ ٱلرَّبَّ. مَنْ يُشْبِهُ ٱلرَّبَّ بَيْنَ أَبْنَاءِ ٱللهِ؟٧ إِلَهٌ مَهُوبٌ جِدًّا فِي مُؤَامَرَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ، وَمَخُوفٌ عِنْدَ جَمِيعِ ٱلَّذِينَ حَوْلَهُ. ٨يَا رَبُّ إِلَهَ ٱلْجُنُودِ، مَنْ مِثْلُكَ؟ قَوِيٌّ، رَبٌّ، وَحَقُّكَ مِنْ حَوْلِكَ. ٩أَنْتَ مُتَسَلِّطٌ عَلَى كِبْرِيَاءِ ٱلْبَحْرِ. عِنْدَ ٱرْتِفَاعِ لُجَجِهِ أَنْتَ تُسَكِّنُهَا. ١٠أَنْتَ سَحَقْتَ رَهَبَ مِثْلَ ٱلْقَتِيلِ. بِذِرَاعِ قُوَّتِكَ بَدَّدْتَ أَعْدَاءَكَ.
١. وَٱلسَّمَاوَاتُ تَحْمَدُ عَجَائِبَكَ يَا رَبُّ: يرجح أن أيثان كان على عِلم بكلمات داود في المزمور ١٩: السماوات تحدِّث بمجد الإله. فلا يسبَّح (يُحمد) الله على حقه وأمانته فِي جَمَاعَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ فحسب، بل أيضًا من أجل عمله المذهل في الخلق.
· يرى بعض المفسّرين أن ذِكر القديسين، وأَبْنَاءِ ٱللهِ، وجماعة القديسين هنا إشارة إلى الملائكة. فإن كان الأمر كذلك، فإن أيثان جمع الخليقة كلها معًا لتقر بعظمة الله وجلاله.
· “الأرض والسماء متحدتان في إبداء الإعجاب بإله العهد وعبادته. يرى القديسون من فوق (الملائكة) بوضوح شديد ارتفاعات المحبة الإلهية وأعماقها، ولهذا فإنهم يسبّحون عجائبها، بينما يعي القديسون هنا خطاياهم الكثيرة وتعدياتهم الكثيرة تجاه الرب، ويُعجبون بأمانته.” سبيرجن (Spurgeon)
· “ألم تحمد السماوات عجائب الرب عندما نزلت جوقة من الملائكة من السماء لترنّم نشيدًا عند ميلاد يسوع المسيح؟ ولا بد أن جنبات السماء رددت صدى هتافات ’هللويا‘ (المجد لله) التي أطلقتها الأرواح المباركة عندما استقبلت مليكها العائد من انتصاره على أعدائه.” هورن (Horne)
· عَجَائِبَكَ.. وَحَقَّكَ: “تَحْمَدُ عَجَائِبَكَ (وهي لا تعني هنا المعجزات التي قام بها قدر ما تعني روعة كينونته، إضافة إلى عظمته وقدرته اللتين لا نظير لهما)، واللتين تشكلان ضمانًا لتحقيق وعوده.” ماكلارين (Maclaren)
٢. لِأَنَّهُ مَنْ فِي ٱلسَّمَاءِ يُعَادِلُ ٱلرَّبَّ: تعني عظمة الله أنه لا نظير له. وهو لا يقاس بالميزان الذي يقيس عظمة البشر أو الملائكة (إن كانت ’أبناء العلي‘ تشير إلى الملائكة).· كون الله بلا نظير جانب من جوانب قداسته. فالقداسة تعني الانفصال والتميُّز والتفرُّد. والله أعظم من كل الأشياء المخلوقة بشكل لا يحد.
٣. إِلَهٌ مَهُوبٌ جِدًّا فِي مُؤَامَرَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ: ينبغي أن ينبع فهم قداسة الله (فرادته وعدم وجود نظير له) من خشوع شعبه وتسبيحهم له، ولا سيما عندما يجتمعون معًا. وينبغي أن يُنظر إليه بتوقير من الجميع حوله.
· “عدم التوقير تمردٌ. وتميل أفكار عهد النعمة إلى خلق خشوع أعمق تجاه الله.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. مَنْ مِثْلُكَ قَوِيٌّ يا ربّ؟ واصل أيثان تأمّله في في قداسة الله (عدم وجود نظير له) بلفت النظر إلى جبروته المعبّر عنه في قدرته على التحكم بالخليقة الجامحة. وتوصف الخليقة الجامحة بأنها مثل ٱرْتِفَاعِ لُجَجِ البحر ورهب المهزوم.
· “يمثل امتداد المحيط، وكثرة الأمواج، وغضبها عندما تثار بعاصفة، في هذه الحالة، أكثر موضوع رهبة في الطبيعة.” هورن (Horne)
· “يستخدم صاحب المزمور التحكم في غضب البحر، وتهدئة الأمواج العاصفة، وكسر جبروت مصر وتشتيتها كمثل توضيحي لكلية قدرة الله الذي لا يملك أي ملك أية قوة أمامه كما لو أنه جثة.” سبيرجن (Spurgeon)
٥. أَنْتَ سَحَقْتَ رَهَبَ مِثْلَ ٱلْقَتِيلِ: غالبًا ما يُنظر إلى رهب كتشخيص لمصر المتغطرسة القوية. ربما يكون هذا صحيحًا في هذا السياق، غير أنه توجد صلة مبهرة أيضًا بالأساطير الكنعانية في ذلك الوقت، حيث يحوّل صاحب المزمور هذه الصلة ويستخدمها لتمجيد الإله الذي لا نظير له.
· يعني الاسم ’رَهَبَ‘ المتكبر، وفي الأساطير الكنعانية تمّ إخضاع إله البحر ’يم‘ وقُتل الثعبان البحري ’رهب‘ عند الخليقة. هنا، وكما في أيوب ٢٦: ٢-١٣ (التي ربما خطرت ببال أيثان)، تحوَّلت هذه الأسطورة الكنعانية واستخدمت للتعليم.
· وسيستخدم النبي إشعياء لاحقًا نفس الصورة ونفس النغمة في الحديث عن انتصار الرب العظيم على رهب: “ألستِ أنتِ (ذراع الرب) القاطعة رهب، الطاعنة التنين؟” (إشعياء ٩:٥١)
· كانت هنالك في الشرق الأوسط القديم أساطير كثيرة حول الآلهة التي كانت تتحارب فيما بينها في خلق الأرض. وربما عرف أيثان وآساف وأيوب تلك القصص واستخدموها لجلب الانتباه إلى الإله الحقيقي، يهوه. فيهوه هو الذي يتحكم في غضب البحر، رغم أن الأساطير القديمة قالت إن تيامات (الغمر) كانت الإلَهة الفوضوية التي هزمها الإله البطل مردوك (بيل)، أو ’يم‘ (إله البحر) الذي هزمه البعل. ويهوه هو الذي يقطع رهب إلى قطع، لا مردوك ولا البعل.
· هنالك بذرة صغيرة من الحقيقة التاريخية مرتبطة بهذه الأساطير القديمة. إذ تقول أساطير رابانية قديمة إن ثعبانًا شريرًا كان في البحر القديم البدائي يقاوم الخليقة، وإن الله قتل ذلك الثعبان وجلب النظام في سفر التكوين ١: ١–٢.
· غالبًا ما يصوَّر إبليس كتنّين أو أفعى (سفر التكوين ٣؛ رؤيا يوحنا ١٢و١٣). ويُعتقد أن البحر مكان خطر ومهدِّد في الفكر اليهودي (إشعياء ٢٠:٥٧؛ مرقس ٣٩:٤؛ رؤيا يوحنا ١:٢١). ومن الممكن أن رهب إظهار آخر لإبليس على شكل ثعبان، والذي كان المتكبر الأصلي (رهب). ومن الممكن أيضًا أن لوياثان يشير إلى نفس المخلوق (كما في أيوب٨:٣؛ ١:٤١؛ مزمور١٤:٧٤؛ إشعياء١:٢٧).
· من المهم أن نلاحظ أن الأسفار العبرية المقدسة لا تؤمن بالأساطير الكنعانية ولا تتبنّاها. لكنها تأخذها وتستخدمها لتمجيد الرب بطريقة لم تفعلها الأساطير الكنعانية قط. ويلاحظ إلمر ب. سميك(Elmer B. Smick) هذا في تفسيره لسفر أيوب: “ليس البحر الذي يُخضعه الرب هنا هو ’يم‘ إله البحر. إذ نزع أيوب الصفات الشخصية من ’يم‘ واستخدم أل التعريف في إشارته إلى البحر، معبِّرًا بهذا عن لاهوت توحيدي متأصّل. وفضلًا عن ذلك، فإن الرب بحكمته ومهارته وقوته قطّع رهب مِزَقًا، وطعن الثعبان المتلوي، على خلاف مردوك الذي استعان بآباء الآلهة.”
· “تبيّن دراسة للأسماء في العهد القديم للوحوش البحرية (مثل رهب) في الأساطير الكنعانية كيف أن كُتّاب العهد القديم تعمّدوا استخدام هذه اللغة لإثراء تصوراتهم الشعرية في التعبير عن تفوُّق الإله الحقيقي الواحد.” سميك (Smick)
د ) الآيات (١١-١٤): مجد الله وقوّته في السماء وعلى الأرض.
١١لَكَ ٱلسَّمَاوَاتُ. لَكَ أَيْضًا ٱلْأَرْضُ. ٱلْمَسْكُونَةُ وَمِلْؤُهَا أَنْتَ أَسَّسْتَهُمَا. ١٢ٱلشِّمَالُ وَٱلْجَنُوبُ أَنْتَ خَلَقْتَهُمَا. تَابُورُ وَحَرْمُونُ بِٱسْمِكَ يَهْتِفَانِ. ١٣لَكَ ذِرَاعُ ٱلْقُدْرَةِ. قَوِيَّةٌ يَدُكَ. مُرْتَفِعَةٌ يَمِينُكَ. ١٤ٱلْعَدْلُ وَٱلْحَقُّ قَاعِدَةُ كُرْسِيِّكَ. ٱلرَّحْمَةُ وَٱلْأَمَانَةُ تَتَقَدَّمَانِ أَمَامَ وَجْهِكَ.
١. لَكَ ٱلسَّمَاوَاتُ. لَكَ أَيْضًا ٱلْأَرْضُ. ٱلْمَسْكُونَةُ وَمِلْؤُهَا: في الآيات السابقة، حوّل صاحب المزمور أسطورة كنعانية لتبيّن أن يهوه، إله عهد إسرائيل، هو الذي يفعل تلك الأشياء، وأنه ما مِن إله آخر لديه هذه القوة. وفي هذه الآيات، يطرح نفس المبدأ بكلمات مختلفة، معلنًا أنه ما من إله آخر خلق السماء والأرض. فملء العالم كله (ٱلْمَسْكُونَةُ وَمِلْؤُهَا)، ٱلشِّمَالُ وَٱلْجَنُوبُ، يخص الله.
· “التفت إلى جهات البوصلة كلها، وسترى أن الرب هناك. فمناطق الثلوج وبساتين الشمس هي مجال هيمنته. وأرض الشروق وبيت الغروب يبتهجان بحكمه.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. لَكَ ذِرَاعُ ٱلْقُدْرَةِ. قَوِيَّةٌ يَدُكَ: غالبًا ما يعبَّر عن مهارة الرجال وقوّتهم بالذراع واليد، وبشكل خاص اليد اليمنى. وقد طبّق أيثان هذا المبدأ في استعارة على الله، معبّرًا عن مهارته وقوّته.
· لَكَ ذِرَاعُ ٱلْقُدْرَةِ: عرف صاحب المزمور ذلك، ولدينا سبب أعظم للتأكد منه. فقد عرف صاحب المزمور ذلك بسبب قوة الله في الخليقة وإنقاذ إسرائيل من مصر. ونحن نعرف نفس تلك الأشياء. لكن يمكننا أن نرى أيضًا ذراع الله القوية في عمل أعظم بكثير في يسوع المسيّا، وفي ما فعله في حياته، وتعليمه، وموته الكفاري، وقيامته الانتصارية.
٣. ٱلْعَدْلُ وَٱلْحَقُّ قَاعِدَةُ كُرْسِيِّكَ: امتدح صاحب المزمور يمين الله التي لا نظير لها، لكنه لم يهمل عظمته الأخلاقية. إذ لدى الرب الحق في الحكم بفضل قدرته الكلية، ولكن طبيعته تتطلب أن يتسم حكمه بالرحمة والحق. فأساس كرسيه (عرشه) ٱلْعَدْلُ وَٱلْحَقُّ. وٱلرَّحْمَةُ وَٱلْأَمَانَةُ تَتَقَدَّمَانِ أَمَامَ وَجْهِكَ.
· ٱلرَّحْمَةُ وَٱلْأَمَانَةُ تَتَقَدَّمَانِ أَمَامَ وَجْهِكَ: “ستكون هاتان الصفتان رسولين يعلنان مجيء القاضي (الديان). فحقّه يلزمه بتحقيق كل تصريحاته ووعوده. وستظهر رحمته لكل الذين هربوا لاجئين إلى الرجاء الموضوع أمامهم في رسالة الإنجيل.” كلارك (Clarke)
ه ) الآيات (١٥-١٨): بركة أولئك الذين يعرفون الإله الذي لا نظير له.
١٥طُوبَى لِلشَّعْبِ ٱلْعَارِفِينَ ٱلْهُتَافَ. يَا رَبُّ، بِنُورِ وَجْهِكَ يَسْلُكُونَ. ١٦بِٱسْمِكَ يَبْتَهِجُونَ ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ، وَبِعَدْلِكَ يَرْتَفِعُونَ. ١٧لِأَنَّكَ أَنْتَ فَخْرُ قُوَّتِهِمْ، وَبِرِضَاكَ يَنْتَصِبُ قَرْنُنَا. ١٨لِأَنَّ ٱلرَّبَّ مِجَنُّنَا، وَقُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ مَلِكُنَا.
١. طُوبَى لِلشَّعْبِ ٱلْعَارِفِينَ ٱلْهُتَافَ (الصوت الفرِح): إن الذين يعرفون الصوت المُفرح لهذه الحقيقة – حقيقة أن قدرته وبره وعدله ورحمته وحقه بلا نظير – أشخاص مباركون بطرق كثيرة.
· يستمتعون برضا الله وشركة وجهه. فهم بِنُورِ وَجْهِكَ يَسْلُكُونَ.
· يَبْتَهِجُونَ ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ باسم الإله الذي لا نظير له، أي بمعدنه الأدبي وطبيعته.
· يجدون قوة فيه، وبشكل خاص في رضاه (أَنْتَ فَخْرُ قُوَّتِهِمْ).
· يتمتعون بحمايته (لِأَنَّ ٱلرَّبَّ مِجَنُّنَا).
ü أَنْتَ فَخْرُ قُوَّتِهِمْ: “إن واجب المؤمن بالمسيح، كما كان واجب كل واحد من بني إسرائيل، هو أن ينسب قوّته ونجاحه ومجده، سواء أكان ذلك في أمور زمنية أم روحية، إلى الرب وحده.” هورن (Horne)
٢. وَقُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ مَلِكُنَا: تتمثل بركة إضافية في أن الله مهتم بملكهم اهتمامًا خاصًّا. وتوحي السطور التالية من المزمور بأن داود هو الملك المقصود.
ثانيًا. رؤيا لقدوس الله في ما يتعلق بالعهد مع داود
أ ) الآيات (١٩-٢٤): عون الله للملك.
١٩حِينَئِذٍ كَلَّمْتَ بِرُؤْيَا تَقِيَّكَ وَقُلْتَ: «جَعَلْتُ عَوْنًا عَلَى قَوِيٍّ. رَفَعْتُ مُخْتَارًا مِنْ بَيْنِ ٱلشَّعْبِ. ٢٠وَجَدْتُ دَاوُدَ عَبْدِي. بِدُهْنِ قُدْسِي مَسَحْتُهُ. ٢١ٱلَّذِي تَثْبُتُ يَدِي مَعَهُ. أَيْضًا ذِرَاعِي تُشَدِّدُهُ. ٢٢لَا يُرْغِمُهُ عَدُوٌّ، وَٱبْنُ ٱلْإِثْمِ لَا يُذَلِّلُهُ. ٢٣وَأَسْحَقُ أَعْدَاءَهُ أَمَامَ وَجْهِهِ، وَأَضْرِبُ مُبْغِضِيهِ. ٢٤أَمَّا أَمَانَتِي وَرَحْمَتِي فَمَعَهُ، وَبِٱسْمِي يَنْتَصِبُ قَرْنُهُ.
١. جَعَلْتُ عَوْنًا عَلَى قَوِيٍّ: تحدثت السطور السابقة (الآية ١٨) عن اهتمام الله الخاص بحاكم شعبه. ونجد هنا بعض التفاصيل ذات الاهتمام. إذ يتكلم الله إلى الملك في رؤيا. ويَعِد بأن يقوّي الحاكم ويعينه.
· اعتقد سبيرجن أن القدوس المقصود في هذا السياق هو ناثان لا داود: “يمكن أن يكون القدوس هنا داود أو يوناثان، وهو على وجه اليقين تقريبًا أنه يوناثان لأن الله كلّمه في رؤيا ليلًا” (٢ صموئيل٧: ٤-٥).” سبيرجن (Spurgeon)
٢. رَفَعْتُ مُخْتَارًا مِنْ بَيْنِ ٱلشَّعْبِ: لم يكن ابن يسى – داود – من عائلة تنتمي إلى طبقة النبلاء أو المتنفّذين، لكنه كان مِنْ بَيْنِ ٱلشَّعْبِ. غير أن الله وجده وعدَّه خادمًا له.
· “لم يكن هذا ملكًا وبانِيَ إمبراطورية عصاميًّا ناقشًا اسمه وعمله بنفسه.” كيدنر (Kidner)
· أوضح سبيرجن ثلاثة أوجه من الشبه بين هذا الملك ويسوع المسيح من عبارة رَفَعْتُ مُخْتَارًا مِنْ بَيْنِ ٱلشَّعْبِ:
ü أُخِذ مِنْ بَيْنِ ٱلشَّعْبِ.
ü اختيرَ مِنْ بَيْنِ ٱلشَّعْبِ.
ü رُفعَ يسوع فوق كل الشعب.
٣. وَجَدْتُ دَاوُدَ عَبْدِي: في هذا القسم من المزمور، ذكر الله بركات كثيرة وضعها على داود، الرجل الذي بحسب قلب الرب:
· بركة العون (جَعَلْتُ عَوْنًا عَلَى قَوِيٍّ)
· بركة الرفع (رَفَعْتُ مُخْتَارًا مِنْ بَيْنِ ٱلشَّعْبِ)
· بركة الاختيار (رَفَعْتُ مُخْتَارًا مِنْ بَيْنِ ٱلشَّعْبِ)
· بركة المسحة (مَسَحْتُهُ)
· بركة الأمن (ٱلَّذِي تَثْبُتُ يَدِي مَعَهُ)
· بركة قوة الله (ذِرَاعِي تُشَدِّدُهُ)
· بركة الحماية (لَا يُرْغِمُهُ عَدُوٌّ، وَٱبْنُ ٱلْإِثْمِ لَا يُذَلِّلُهُ)
· بركة التبرئة (وَأَسْحَقُ أَعْدَاءَهُ أَمَامَ وَجْهِهِ وَأَضْرِبُ مُبْغِضِيهِ)
· بركة الأمانة والرحمة (أَمَّا أَمَانَتِي وَرَحْمَتِي فَمَعَهُ)
· بركة القوة المرتفعة (وَبِٱسْمِي يَنْتَصِبُ قَرْنُهُ)
ü مسحتُهُ: “كانت المسحة أهم من أي تاج لأنها تفرز الشخص لمنصب مقدس. وهذا هو ما رفع لقب المسيّا أو المسيح في الوقت المناسب.” كيدنر (Kidner)
ü وَأَسْحَقُ أَعْدَاءَهُ أَمَامَ وَجْهِهِ وَأَضْرِبُ مُبْغِضِيهِ: “تكمل هذه الآيات المزمور ٢، حيث يتلقى مسيح الرب سلطة كاملة لإخضاع كل معارضة من أعداء الله على الأرض. ويكمن المصدر الحقيقي لقوة داود وسلطته في حضور الرب وقصده.” فانجيميرين (VanGemeren)
ü “لن يسود عليه أحد من أعدائه أبدًا. وإنه لجدير بالذكر أن أحدًا لم يُسقطه. إذ تغلّب في نهاية الأمر على كل عدو قام ضده. ولم يؤدِّ اضطهاد شاول وتمرد أبشالوم، ومؤامرة شيبا، والصراع الذي قام به أنصار بيت شاول بعد موته إلاّ إلى مزيد من مهارة داود وشجاعته ومروءته، وإلى تثبيته على العرش بقوة أكبر.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (٢٥-٢٩): مزيد من البركات للملك.
٢٥وَأَجْعَلُ عَلَى ٱلْبَحْرِ يَدَهُ، وَعَلَى ٱلْأَنْهَارِ يَمِينَهُ. ٢٦هُوَ يَدْعُونِي: أَبِي أَنْتَ، إِلَهِي وَصَخْرَةُ خَلَاصِي. ٢٧أَنَا أَيْضًا أَجْعَلُهُ بِكْرًا، أَعْلَى مِنْ مُلُوكِ ٱلْأَرْضِ. ٢٨إِلَى ٱلدَّهْرِ أَحْفَظُ لَهُ رَحْمَتِي. وَعَهْدِي يُثَبَّتُ لَهُ. ٢٩وَأَجْعَلُ إِلَى ٱلْأَبَدِ نَسْلَهُ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلسَّمَاوَاتِ.
١. وَأَجْعَلُ عَلَى ٱلْبَحْرِ يَدَهُ، وَعَلَى ٱلْأَنْهَارِ يَمِينَهُ: يبدو أن الوعد بهذا النوع من الهيمنة لم يتحقق قط. فكلما تحدَّث القسم السابق عن بركات الله الموعودة لداود، أصبحت طبيعة الوعود تدريجيًا شيئًا لا يمكن أن تتحقق بشكل كامل إلا في ابن داود الأعظم، نسل داود (الآيات ٤، ٢٩، ٣٦).
٢. أَبِي أَنْتَ: كان هذا صحيحًا بالنسبة لداود، لكنه سيكون صحيحًا بشكل أكبر مع يسوع المسيّا الذي فعل كل شيء متطلّعًا إلى الله أبيه ومعتمدًا عليه (يوحنا ١٩:٥؛ ٢٨:٨).
٣. أَجْعَلُهُ بِكْرًا (بكري): كان هذا صحيحاً بالنسبة لداود بمعنى أنه بالرغم من أنه كان أصغر إخوته (١ صموئيل ١١:١٦)، إلا أن الله أعطاه الأولوية والحظوة المرتبطتين بالبكر. وقد جعلت الأولية والحظوة يسوع، ابن داود، أعلى ملوك الأرض (١ تيموثاوس١٥:٦؛ رؤيا١٦:١٩).
· “لا يُقصد بأن تُفهم كلمة ’البكر‘ في كلمة الله دائمًا بشكل حرفي. فهي تدلُّ غالبًا على شخص محبوب جدًّا، أو أكثر الأبناء قربًا إلى قلب الأب، أو الابن المفضل، والمميّز بامتيازات بارزة. وهكذا يدعو الله إسرائيل ’ابني بكري‘ في ٢٢:٤.” كلارك (Clarke)
٤. إِلَى ٱلدَّهْرِ أَحْفَظُ لَهُ رَحْمَتِي: وعد الله بهذه الرحمة لبيت داود في العهد الذي قطعه معه (٢ صموئيل١٥:٧).
· وَعَهْدِي يُثَبَّتُ لَهُ: “العهد مع يسوع مصادق عليه بدم الذبيحة وقسَم الله معًا. فلا يمكن أن يُلغى أو يغيَّر. فهو حقيقة أبدية يرتكز على صدق ذاك الذي لا يقدر أن يكذب.” سبيرجن (Spurgeon)
· “لا تنسَ أبدًا أنه حالما يدخل الله في عهد مع نفس، فإنه يثبّت عهده معها إلى أن تزول السماوات.” ميير (Meyer)
٥. وَأَجْعَلُ إِلَى ٱلْأَبَدِ نَسْلَهُ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلسَّمَاوَاتِ: لا يتحقق هذا الوعد من العهد الداودي (٢ صموئيل١٦:٧) إلا في الحكم الأبدي ليسوع المسيّا.
ج) الآيات (٣٠-٣٧): تكرار وعود العهد الداودي.
٣٠إِنْ تَرَكَ بَنُوهُ شَرِيعَتِي وَلَمْ يَسْلُكُوا بِأَحْكَامِي، ٣١إِنْ نَقَضُوا فَرَائِضِي وَلَمْ يَحْفَظُوا وَصَايَايَ، ٣٢أَفْتَقِدُ بِعَصًا مَعْصِيَتَهُمْ، وَبِضَرَبَاتٍ إِثْمَهُمْ. ٣٣أَمَّا رَحْمَتِي فَلَا أَنْزِعُهَا عَنْهُ، وَلَا أَكْذِبُ مِنْ جِهَةِ أَمَانَتِي. ٣٤لَا أَنْقُضُ عَهْدِي، وَلَا أُغَيِّرُ مَا خَرَجَ مِنْ شَفَتَيَّ. ٣٥مَرَّةً حَلَفْتُ بِقُدْسِي، أَنِّي لَا أَكْذِبُ لِدَاوُدَ: ٣٦نَسْلُهُ إِلَى ٱلدَّهْرِ يَكُونُ، وَكُرْسِيُّهُ كَٱلشَّمْسِ أَمَامِي. ٣٧مِثْلَ ٱلْقَمَرِ يُثَبَّتُ إِلَى ٱلدَّهْرِ. وَٱلشَّاهِدُ فِي ٱلسَّمَاءِ أَمِينٌ. سِلَاهْ.
١. إِنْ تَرَكَ بَنُوهُ شَرِيعَتِي: كان لكل نسل داود الملكي نصيب في هذا العهد. كان بعضهم ملوكًا عُصاة، فجلب الله تقويمًا شديدًا على كل من الملوك والمملكة معًا.
· أَفْتَقِدُ بِعَصًا مَعْصِيَتَهُمْ: لا بالسيف أو الموت أو الهلاك، لكن بعصًا لاذعة لاسعة مؤلمة.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. أَمَّا رَحْمَتِي فَلَا أَنْزِعُهَا عَنْهُ: كما ينص العهد الداودي، لن ينزع الرب رحمته (حِسِد)، المحبة العهدية، المحبة المخْلصة، من بيت داود بشكل كامل (٢ صموئيل٧: ١٤–١٦). إذ سيبقى الله أمينًا لعهده ولكلمته.
· مَرَّةً حَلَفْتُ بِقُدْسِي: “يرهن هنا الله تاج مُلْكه، وجمال شخصه الفائق، وجوهر طبيعته. وكأنه يقول: إذا توقّفتُ عن أمانتي لعهده، فسأتخلى عن طبيعتي المقدسة. فماذا يمكننا أن نقول؟ هل توجد لغة أقوى من هذه يمكن لها أن يعبّر بها الله عن تمسُّكه غير القابل للتغيير بالعهد مع داود؟” سبيرجن (Spurgeon)
٣. وَكُرْسِيُّهُ كَٱلشَّمْسِ أَمَامِي. مِثْلَ ٱلْقَمَرِ يُثَبَّتُ إِلَى ٱلدَّهْرِ: كانت وعود الله لداود في ما يتعلق ببيته الملكي وحُكم المسيّا الآتي من بيته ثابتة ثبات الشمس والقمر، واللذين يمثّلان شاهدين على ذلك العهد في السماء.
· وَكُرْسِيُّهُ كَٱلشَّمْسِ أَمَامِي. مِثْلَ ٱلْقَمَرِ يُثَبَّتُ إِلَى ٱلدَّهْرِ: “بديع ومجيد، موزِّعً النور والحرارة والحياة والخلاص لكل بشر.” كلارك (Clarke)
ثالثًا. العهد والأزمة
أ ) الآيات (٣٨-٤٥): الإحساس بأن الله هجر عهده مع داود.
٣٨لَكِنَّكَ رَفَضْتَ وَرَذَلْتَ، غَضِبْتَ عَلَى مَسِيحِكَ. ٣٩نَقَضْتَ عَهْدَ عَبْدِكَ، نَجَّسْتَ تَاجَهُ فِي ٱلتُّرَابِ. ٤٠هَدَمْتَ كُلَّ جُدْرَانِهِ جَعَلْتَ حُصُونَهُ خَرَابًا. ٤١أَفْسَدَهُ كُلُّ عَابِرِي ٱلطَّرِيقِ صَارَ عَارًا عِنْدَ جِيرَانِهِ. ٤٢رَفَعْتَ يَمِينَ مُضَايِقِيهِ، فَرَّحْتَ جَمِيعَ أَعْدَائِهِ. ٤٣أَيْضًا رَدَدْتَ حَدَّ سَيْفِهِ، وَلَمْ تَنْصُرْهُ فِي ٱلْقِتَالِ. ٤٤أَبْطَلْتَ بَهَاءَهُ، وَأَلْقَيْتَ كُرْسِيَّهُ إِلَى ٱلْأَرْضِ. ٤٥قَصَّرْتَ أَيَّامَ شَبَابِهِ غَطَّيْتَهُ بِٱلْخِزْيِ. سِلَاهْ.
١. لَكِنَّكَ رَفَضْتَ وَرَذَلْتَ: امتلأت الآيات السبع والثلاثون السابقة من هذا المزمور بالثقة بعظمة الله الذي لا نظير له ولعهده مع داود. وهنا تتغير النغمة بينما يضع أيثان في اعتباره بعض الأزمات الحالية التي بدا أنها تتناقض مع فهمه لعظمة الله وأمانته لعهده مع داود.
· لأننا لا نعرف الوقت الدقيق الذي كتب في أيثان هذا المزمور، فإننا بالتالي لا نعرف الأزمة التي دفعته إلى إطلاق هذه الصرخة المستميتة.
ü ربما كانت أزمة تمرد أبشالوم (٢ صموئيل١٥-١٨).
ü ربما كانت أزمة تدهور سليمان روحيًّا (١ملوك١١).
ü ربما كانت أزمة الانحدار الجذري للمملكة بعد موت سليمان (١ملوك١٢).
ü ربما كانت أزمة لم تسجَّل في كلمة الله.
· “يصف هذا المزمور بصدق وثبات صفتين تتسم بهما المزامير الأخرى – وهما صفتان غائبتان في حياتنا غالبًا – وضعًا لم يبدُ فيه أن الله أمين. وهو يسأل: أين أمانتك؟” بويس (Boice)
· “لكن هذه الوعودة المجيدة توضع في مقابلة صارخة مع واقع كئيب يبدو أنه يتناقض معها.” ماكلارين (Maclaren)
· إذا أخذنا هذه الترنيمة ككل، فإنها واحدة من أروع الترانيم في هذه المجموعة كإعلان كيف أن رجل الإيمان مضطر إلى المصائب الكبيرة.” مورجان (Morgan)
٢. نَقَضْتَ عَهْدَ عَبْدِكَ، نَجَّسْتَ تَاجَهُ فِي ٱلتُّرَابِ: ربما كانت كلمات أيثان تناقضًا صادمًا لما سبق أن كتبه في المزمور حينما أظهر ثقةَ إيمانٍ كاملة، معبّرًا عن شعوره هذا. عرف أيثان أن الله لم ينقض عهده، لكنه أحس بذلك في أزمته الحالية.
· “تحمل كلمة ’نَقَضْتَ‘ (مزمور ٨٩: ٣٩ب) دلالة حسم زائد، وهي فعل نادر الاستخدام. ويمكن أن يُحزَر معناه في استخدامه في سياقات مشابهة مثل “رذَلَ (مراثي ٢: ٧أ). وربما كانت كلمة ’استرخصتَ‘ أو ’ازدريتَ‘ ترجمة أكثر دقة. وعلى أية حال، فإنها كلمة تدل على خبرة شخصية، لا على اتهام دال على إيمان سيئ.” كيدنر (Kidner)
· نَقَضْتَ: “غير أن هذا كله يقال إنه من عمل الرب، كما يدل الضمير المتصل، تاء المخاطَب في الفعل نَقَضْتَ.” مورجان (Morgan)
· إن التفكير في أن الله سمح بمثل هذه المصيبة أمر مؤلم. لكنه أمر أكثر إيلامًا أنه لا علاقة لله بهذا الأمر. فعندئذٍ، نكون تحت رحمة الأحداث العشوائية والقدر والحظ.
٣. قَصَّرْتَ أَيَّامَ شَبَابِهِ غَطَّيْتَهُ بِٱلْخِزْيِ: تأثر الملك نفسه – داود أو سليمان أو ملك لاحق – بشكل شخصي، حيث أضعفته الأزمة. فبدت وعود الله من خلال العهد الداودي فارغة في ذلك الوقت.
· سِلاهْ: “يلتقط صاحب المزمور نفَسًا في وسط هذه المرثاة، ثم يتحوّل من وصف أحزان المملكة إلى التوسل إلى الله.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٤٦–٤٨): توسُّل من أجل إنقاذ سريع.
٤٦حَتَّى مَتَى يَا رَبُّ تَخْتَبِئُ كُلَّ ٱلِٱخْتِبَاءِ؟ حَتَّى مَتَى يَتَّقِدُ كَٱلنَّارِ غَضَبُكَ؟ ٤٧ٱذْكُرْ كَيْفَ أَنَا زَائِلٌ، إِلَى أَيِّ بَاطِلٍ خَلَقْتَ جَمِيعَ بَنِي آدَمَ! ٤٨أَيُّ إِنْسَانٍ يَحْيَا وَلَا يَرَى ٱلْمَوْتَ؟ أَيٌّ يُنَجِّي نَفْسَهُ مِنْ يَدِ ٱلْهَاوِيَةِ؟ سِلَاهْ.
١. حَتَّى مَتَى يَا رَبُّ: لم يحتمل أيثان فكرة أن تطول الأزمة أكثر من ذلك، فسكب تضرّعه أمام الله الذي بدا مختبئًا وغاضبًا من إسرائيل وملكها.
٢. ٱذْكُرْ كَيْفَ أَنَا زَائِلٌ (أن أيامي قصيرة): ربما صلى أيثان هنا نيابة عن الملك المنهك، أو ربما اشتاق أن يرى الملك والمملكة مبرّأتين في حياته أو ربما في شيخوخته. ويضيف ذِكر قِصر العمر هنا وعقم الحياة إحساسًا بالإلحاح وحتى الاستماتة في الطلب.
٣. أَيُّ إِنْسَانٍ يَحْيَا وَلَا يَرَى ٱلْمَوْتَ؟ أَيٌّ يُنَجِّي نَفْسَهُ مِنْ يَدِ ٱلْهَاوِيَةِ؟ الجواب على هذا السؤال البلاغي، بطبيعة الحال، هو لا. فلا يستطيع أن يفعل هذا أحد. وغالبًا ما يتمنّى الناس أن ينسوا الاعتماد على الله في ما يتعلق بالحياة الآتية، لكن صاحب المزمور حثَّهم على تذكُّر هذه الحقيقة مؤكدًا إياها باستخدام كلمة سِلاهْ.
· لم يكن هناك الأ شخص واحد كانت له القوة على إنقاذ نفسه من قوة القبر، وهو يسوع المسيح. فقد وعد بأن يقيم جسده بعد ثلاثة أيام من الموت (يوحنا ١٩:٢).
· “كل البشر في أفضل أحوالهم فانون وتعيسون. فلا بد أن يموت الملك والناس بشكل محتوم بسبب طبيعتهم. ولهذا، لا تُزد محنتنا، يا رب. فالذي فينا يكفينا!” بوله (Poole)
· “تصرخ المشكلات المتضمنة في الآيات ٤٧ فصاعدًا من أجل جواب في رسالة الإنجيل.” كيدنر (Kidner)
ج) الآيات (٤٩–٥١): صلاة من أجل الاسترداد.
٤٩أَيْنَ مَرَاحِمُكَ ٱلْأُوَلُ يَا رَبُّ، ٱلَّتِي حَلَفْتَ بِهَا لِدَاوُدَ بِأَمَانَتِكَ؟ ٥٠ٱذْكُرْ يَا رَبُّ عَارَ عَبِيدِكَ ٱلَّذِي أَحْتَمِلُهُ فِي حِضْنِي مِنْ كَثْرَةِ ٱلْأُمَمِ كُلِّهَا، ٥١ٱلَّذِي بِهِ عَيَّرَ أَعْدَاؤُكَ يَارَبُّ، ٱلَّذِينَ عَيَّرُوا آثَارَ مَسِيحِكَ.
١. أَيْنَ مَرَاحِمُكَ ٱلْأُوَلُ يَا رَبُّ؟ يقدم أيثان مرة أخرى استفسارًا قلبيًّا من وقت الأزمة. وتبيّن طلبته أنه لن يسمح لنفسه بأن يظل معتقدًا أن الله رذلهم أو أنه نقض عهده لداود. فهو لا يزال بامكانه الوقوف أمام الله على أساس الوعد الذي وعده الله لداود، وما حلف به لدواد في أمانته.
٢. ٱذْكُرْ يَا رَبُّ عَارَ عَبِيدِكَ: طلب أيثان من الله أن يلاحظ مدى حالتهم المتدنية المزرية، وأن يتصرف في رحمته في ضوء الانتصار البادي لأعداء الله، والذين هم أيضًا أعداء الملك الممسوح (مَسِيحِكَ).
· عَيَّرُوا آثَارَ (عتبات) مَسِيحِكَ: “وأخيرًا، تبدأ الصلاة بتعويدنا على توليفة الخادم أو العبد (مزمور ٥٠:٨٩) والمسيّا (مسيحك) (مزمور ٥١:٨٩)، متلقّي وعود الله وإهانات الإنسان.” كيدنر (Kidner)
د ) الآية (٥٢): ختام التسبيح.
٥٢مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ إِلَى ٱلدَّهْرِ. آمِينَ فَآمِينَ.
١. مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ إِلَى ٱلدَّهْرِ: يختم صاحب المزمور هذه الترنيمة بإعلان صارع بقوة من أجله. فقد جاء من رجل عرف وعود الله ووثق بها. وفي الوقت نفسه، كان يسكب نفسه أمام الله في محنته الحالية.
· “يُنهي من حيث بدأ. فقد أبحر حول العالم ووصل إلى كل مرفأ. دعنا نبارك الله قبل أن نبدأ الصلاة، وأثناءها، وبعدها، لأن الله مستحق لذلك منّا. إن لم نكن نستطيع أن نفهمه، فإن من المؤكد أننا نستطيع أن نثق به.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. آمِينَ فَآمِينَ: دعا أيثان الأزراحي شعب الله إلى الانضمام إليه في إعلان التسبيح الواثق الذي صارع من أجله.
· دفعت هذه النهاية بعضهم إلى الاعتقاد أن مزمور ٥٢:٨٩ أضيفت كبركة ختامية في نهاية الكتاب الثالث من المزامير. “هذه هي البركة الختامية للكتاب الثالث من المزامير.” مورجان (Morgan)
· “تنتمي هذه البركة الختامية إلى كل المزامير في الكتاب الثالث من المزامير. ولا ينبغي أن تعامَل كما لو أنها مجرد الآية الأخيرة في المزمور الذي أُلحقت به.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن بني (Binnie)