تفسير سفر المزامير – مزمور ١٤٥
تسبيح الله على طبيعته وأعماله
هذا المزمور معنون تسبيحة لداود. ورغم أن المزمورين ١٧ و ٨٦ يُدعيان صلة لداود، إلا أن هذا المزمور هو الوحيد الذي يُدعى تسبيحة داود، وهو نقطة عالية من التسبيح. “المزمور ١٤٥ مزمور تسبيح بارز، وملخّص ملائم لكل ما تَعلّمه داود عن الله أثناء حياته الطويلة في اتِّباعه الجاد للعلي.” بويس (Boice)
المزمور ١٤٥ هو المزمور الأخير المنسوب إلى داود في مجموعة المزامير، وهو آخر المزامير التسعة التي تستخدم النمط الأكروستي (استخدام حروف متتالية من الأبجدية العبرية مع كل سطر جديد (٩، ١٠، ٢٥، ٣٤، ٣٧، ١١١، ١١٢، ١١٩، ١٤٥).
“في الممارسة اليهودية، كان هذا المزمور يُتلى مرتين في الصباح ومرة في خدمة المساء. ويشيد التلمود بكل الذين يتلونه ثلاث مرات يوميًّا بصفتهم يمتلكون نصيبًا في العالم الآتي.” فانجيميرين (VanGemeren)
أولًا. تعلُّم تسبيح الله
أ ) الآيات (١-٣): التعلم من مثال داود الذي كرّس قلبه كله للتسبيح.
١أَرْفَعُكَ يَا إِلَهِي ٱلْمَلِكَ، وَأُبَارِكُ ٱسْمَكَ إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلْأَبَدِ. ٢فِي كُلِّ يَوْمٍ أُبَارِكُكَ، وَأُسَبِّحُ ٱسْمَكَ إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلْأَبَدِ. ٣عَظِيمٌ هُوَ ٱلرَّبُّ وَحَمِيدٌ جِدًّا، وَلَيْسَ لِعَظَمَتِهِ ٱسْتِقْصَاءٌ.
١. أَرْفَعُكَ يَا إِلَهِي ٱلْمَلِكَ: الرفع هو التسبيح، والترفيع إلى أعلى هو التعظيم. لقد أكرم داود اسم الله وعزّزه بأكثر الطرق شخصية.
· فعل ذلك بمخاطبته بشكل مباشر (باستخدام الضمير المتصل، ك).
· فعل ذلك بإشارة شخصية (إِلَهِي).
· فعل ذلك بقلب مستسلم (يَا إِلَهِي ٱلْمَلِكَ).
· فعل ذلك بلا نهاية (إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلْأَبَدِ، فِي كُلِّ يَوْمٍ).
ü “يخاطب داود الله في الجمل الافتتاحية بصفته ’إلهي – إيلوهيم الملك،‘ وبعد ذلك يخاطبه بشكل دائم على أنه الرب ’يهوه‘ (تسع مرات).” مورجان (Morgan)
ü يَا … ٱلْمَلِكَ: “هذا تعبير ذو دلالة. فرغم أن داود هو ملك الأمة المنتخبة، إسرائيل، إلا أنه يعترف بأن الله هو ملك الملوك، ولهذا فإنه ملك داود أيضًا.” بويس (Boice)
ü فِي كُلِّ يَوْمٍ أُبَارِكُكَ: “أن تبارك الله يعني أن تحمده وتسبّحه بعاطفة شخصية، أو أن تتمنى الخير لأموره. وهذا تدريب سهل بشكل متزايد عندما نتقدم في الخبرة، وننمو في النعمة.” سبيرجن (Spurgeon)
ü “لاحظ أن داود مصمم على حمد الله وتسبيحه. إذ يستخدم النص الإنجليزي صيغة المستقبل (I will) أربع مرات للدلالة على عزمه على التسبيح. وغالبًا ما يكون من الحمق كبشر فانين أن نستخدم هذه الصيغة للدلالة على خططنا للمستقبل، لأن إرادتنا ضعيفة ومتقلبة. لكن عندما نقرر تسبيح الله، يمكننا أن نقول: سأرفعك، سأباركك، سأباركك، سأسبّحك.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. عَظِيمٌ هُوَ ٱلرَّبُّ وَحَمِيدٌ جِدًّا: قام داود بتكويم تسبيح فوق تسبيح وحمد فوق حمد، معلنًا عظمة الرب وعظمة استحقاقه للتسبيح والحمد. ونحس بأن داود شعر بأنه أمر مهين له أن يمتنع عن تسبيحه أو حمده، أو أن يعطيه تسبيحًا غير قلبي.
ب) الآيات (٤-٧): نقْل التسبيح من جيل إلى آخر.
٤دَوْرٌ إِلَى دَوْرٍ يُسَبِّحُ أَعْمَالَكَ، وَبِجَبَرُوتِكَ يُخْبِرُونَ. ٥بِجَلَالِ مَجْدِ حَمْدِكَ وَأُمُورِ عَجَائِبِكَ أَلْهَجُ. ٦بِقُوَّةِ مَخَاوِفِكَ يَنْطِقُونَ، وَبِعَظَمَتِكَ أُحَدِّثُ. ٧ذِكْرَ كَثْرَةِ صَلَاحِكَ يُبْدُونَ، وَبِعَدْلِكَ يُرَنِّمُونَ.
١. دَوْرٌ إِلَى دَوْرٍ يُسَبِّحُ أَعْمَالَكَ: أراد داود أن يشجع شعب الله على التسبيح. ويستطيع الجيل الأكبر أن يلهم الجيل الأصغر لتسبيح متذكّرين أعماله في الماضي. ويمكن للجيل الأصغر أن يحرّك التسبيح في الجيل الأكبر معلنين الأشياء الجديدة التي يفعلها الرب.
· “تسابيح الله كثيرة، وحياة الإنسان قصيرة، وجيل يخلف جيلًا. دعهم يربطوا أعمال الله بعضها ببعض، وبهذا يديمون تسبيحاته إلى كل الأجيال القادمة.” تراب (Trapp)
· “ستتحد الأجيال المذكورة هنا، وسيشكلون معًا تاريخًا استثنائيًّا. إذ سيسهم كل جيل بفصله الخاص، وستؤلف الأجيال كلها مجلّدًا لا يضاهى.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. سأتأمّل بهاء مجد جلالك (جَلَال مَجْدِ حَمْدِكَ)، وعجائبك: لا يأتي التسبيح من العاطفة، بل من التفكير المروّى فيه، ومن التأمل العميق. فلم يتأمل داود الأشياء العظيمة التي فعلها الله فحسب، بل انتبه أيضًا إلى بهاء مجده أيضًا. وتدل فكرة بهاء مجد الله على طبيعته.
· “يبدو، أيها الأصدقاء، أن داود درس طبيعة الله وأعماله، وهكذا سبّحه. إذ يفترض أن المعرفة تقود ترنيمنا. فكلما عرفنا الله سنباركه بيسوع المسيح بشكل أكثر قبولًا.” سبيرجن (Spurgeon)
· عندما نفكر بجوانب بهاء مجد الله (جَلَال مَجْدِ حَمْدِكَ) – جلاله، وحكمته، وحضوره الدائم، ومعرفته التامة، وقوّته غير المحدودة، وخطته المُحِبة الحكيمة، وقصده، ينبغي أن يحركنا هذا إلى تسبيحه من الداخل.
· عندما نفكر بعجائب الله – أعمال التخطيط، وأعمال الخلق، وأعمال الرعاية، وأعمال الإنقاذ، وأعمال الخلاص الآن وفي الدهر الآتي، ينبغي أن يحركنا هذا إلى تسبيحه من الداخل.
· “نجد هنا كلمات متنوعة متراكمة معًا للإشارة إلى أنه لا توجد كلمات تكفي للتعبير عن هذا الأمر.” بوله (Poole)
· العظمة المجيدة لجلالتك: “كانوا يسطعون، عندما يجتمعون، وكأنهم كتلة مشعة، يلمعون، مثل كرة كبيرة من النار.” ماكلارين (Maclaren)
٣. بِقُوَّةِ مَخَاوِفِكَ يَنْطِقُونَ، وَبِعَظَمَتِكَ أُحَدِّثُ: كرر داود فكرة تسبيح الله من أجل طبيعته وأعماله لأغراض التوكيد. ومع التكرار الثالث، نتذكر إظهار صلاح الله العظيم في ما يفعله، ونعلن أنه ممتلئ برًّا في طبيعته.
· “يطلب صاحب المزمور من كل شعب الله أن يشاركوا في توسيع ملكوت الله عن طريق التأمل الخاص، والمناقشة، والحديث العام حول أعمال الله العظيمة.” فانجيميرين (VanGemeren)
· وَبِعَظَمَتِكَ أُحَدِّثُ: “كل البشر مفتونون بالعظمة. ويستطيعون أن يطلبوها ويحصلوا عليها في الله وحده، كما فعل داود. يبيّن كل التاريخ طموح البشر إلى هذا المجد: أحشويرش، وأستياجيس، وكورش، وقمبيز، ونبوخذنصّر… كانوا يدعون كلهم ’العظيم‘ (الكبير). وعندما وصل الإسكندر الكبير إلى نهر الغانج، أمر بأن يُصنع له تمثال أكبر حجمًا من حجمه الحقيقي لكي تعتقد الأجيال التالية أنه أكبر قامة (ومكانة). وفي المسيح وحده، يحصل الإنسان على العظمة التي يشتاق إليها قلبه، مجد الصلاح الكامل.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن لابلانك (Le Blanc)
· ذِكْرَ كَثْرَةِ صَلَاحِكَ يُبْدُونَ: “الكلمة العبرية المترجمة إلى ’يبدون‘ هنا لها علاقة بالبقبقة واندفاع الماء من نبع. سيتفقون بالذكريات حول عظمة صلاحك.” سبيرجن (Spurgeon)
ثانيًا. إعلان عظمة الله وتسبيحه
أ ) الآيات (٨-٩): ذكرى صلاح الله واختباره حاليًّا.
٨اَلرَّبُّ حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ، طَوِيلُ ٱلرُّوحِ وَكَثِيرُ ٱلرَّحْمَةِ. ٩ٱلرَّبُّ صَالِحٌ لِلْكُلِّ، وَمَرَاحِمُهُ عَلَى كُلِّ أَعْمَالِهِ.
١. اَلرَّبُّ حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ: ردد داود وصف الرب الذاتي لموسى: ’ٱلرَّبُّ إِلَهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ ٱلْغَضَبِ وَكَثِيرُ ٱلْإِحْسَانِ وَٱلْوَفَاءِ.‘ (خروج ٣٤: ٦)
· “لكن العظمة والجلال والبهاء ليست أروع صفات الطبيعة الإلهية، كما تعلَّم صاحب المزمور. فليست هذه إلا أطراف المجد المركزي. ولهذا ترتفع الترنيمة من العظمة إلى الاحتفال بأشياء أفضل، وهي صفات الله الأدبية.” ماكلارين (Maclaren)
٢. ٱلرَّبُّ صَالِحٌ لِلْكُلِّ: عبّر داود عن فكرة تُدعى أحيانًا النعمة المشتركة، حيث ينشر الله صلاحه إلى البشرية كلها. وقد قال يسوع: ’فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى ٱلْأَشْرَارِ وَٱلصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى ٱلْأَبْرَارِ وَٱلظَّالِمِينَ‘ (متى ٥: ٤٥).
· صَالِحٌ لِلْكُلِّ: “ليس لإسرائيل فحسب، بل لكل البشر الذين يملأ قلوبهم بالطعام والمسرة، كم يقال في أعمال الرسل ١٤: ٧).” بوله (Poole)
٣. وَمَرَاحِمُهُ عَلَى كُلِّ أَعْمَالِهِ: رأى داود أن رعاية الله تظهر على كل ما فعله. فكل الخليقة وكل خططه الحكيمة إظهارات على عظمته وصلاحه.
· “كلمة ’مراحم‘ مرتبطة بالرحم. ولهذا فإن مراحم الله تجاه البشر تقدَّم على أنها تمثل مشاعر الأم تجاه ابن رحمها.” هورن (Horne)
ب) الآيات (١٠-١٣): كل الخليقة تعلن تسبيح الله.
١٠يَحْمَدُكَ يَا رَبُّ كُلُّ أَعْمَالِكَ، وَيُبَارِكُكَ أَتْقِيَاؤُكَ. ١١بِمَجْدِ مُلْكِكَ يَنْطِقُونَ، وَبِجَبَرُوتِكَ يَتَكَلَّمُونَ، ١٢لِيُعَرِّفُوا بَنِي آدَمَ قُدْرَتَكَ وَمَجْدَ جَلَالِ مُلْكِكَ. ١٣مُلْكُكَ مُلْكُ كُلِّ ٱلدُّهُورِ، وَسُلْطَانُكَ فِي كُلِّ دَوْرٍ فَدَوْرٍ.
١. يَحْمَدُكَ يَا رَبُّ كُلُّ أَعْمَالِكَ: تسبّح الخليقة نفسها الله، وهي تفعل هذا بدافع من الواجب والامتنان. وينبغي أن يسبح شعب الرب (أَتْقِيَاؤُكَ) بامتنان إياه حتى أكثر من الأنهار والجبال التي تسبّح الله (مزمور ٩٨: ٨).
٢. بِمَجْدِ مُلْكِكَ (ملكوتك) يَنْطِقُونَ: هذا موضوع رائع للحديث بين شعب الله. إذ هنالك أشياء كثيرة للتحدث عنها، لكننا لا نتحدث إلا القليل عن مجد ملكوت الله وجبروته.
· وَبِجَبَرُوتِكَ يَتَكَلَّمُونَ: “ينبغي أن يكون متلقّو نعمته رُسُل نعمته.” ماكلارين (Maclaren)
٣. لِيُعَرِّفُوا بَنِي آدَمَ قُدْرَتَكَ وَمَجْدَ جَلَالِ مُلْكِكَ: أحس داود مرة أخرى بمسؤولية شعب الرب في إخبار العالم الأوسع عما فعلته عظمة الرب من أعمال قوية، وعن هوية ملكنا ذي الجلال والمجد.
· “بما أن الدولة لا تستطيع أن تعلّم هذه التواريخ المقدسة، يتوجب على شعب الله أن يحرصوا على فعل ذلك بأنفسهم. ويتوجب أن يتم هذا في كل عصر، لأن ذاكرة البشر قصيرة في ما يتعلق بالله وأعمال قوّته.” سبيرجن (Spurgeon)
· “أعتقد أن واحدًا من أوجه القصور المهمة في هذه الأيام، ليس في مجال الوعظ المسيحي كحديث مسيحي، ولا في الصلاة المسيحية في اجتماع الصلاة كمحادثة مسيحية في القاعة. لكن ما أقل ما نسمعه عن يسوع المسيح!” سبيرجن (Spurgeon)
٤. مُلْكُكَ مُلْكُ كُلِّ ٱلدُّهُورِ: إن أحد الأسباب التي تدفعنا إلى الاستمرار في التسبيح إلى الأبد (كما في الآية ٢) هو أن ملكوت الله سيدوم إلى الأبد. فسلطانه لا ينتهي، بل يدوم على مدى كل الأجيال.
· “يأتي الرجال ويمضون كظلال على حائط، لكن الله يملك إلى الأبد. ونحن نميّز الملوك المتعاقبين بوصفهم ’الملك الأول‘ و’الملك الثاني.‘ لكن ملكنا هذا هو الرب (يهوه)، وهو الأول والآخر.” سبيرجن (Spurgeon)
· مُلْكُكَ مُلْكُ كُلِّ ٱلدُّهُورِ: “هذه الكلمات محفورة على باب مسجد في دمشق كان كنيسة ذات يوم. وقد غُطيت الكلمات بالجبص، لكن الجبص سقط، وتبرز الكلمات بوضوح. ربما تناقض قرون المسلمين تناقضها، لكنها صحيحة في أساسها.” ميير (Meyer)
· لاحظ كيدنر (Kidner) في الترتيب الأكروستي لهذا المزمور: “أن حرفًا واحدًا (النون) كان ناقصًا في النص الأصلي القياسي. لكن معظم الترجمات القديمة، إضافة إلى نص من مخطوطات قمران (١١Q Ps) تقدم لنا الآية الناقصة، والتي تشملها ’النسخة القياسية المنقحة‘ والترجمات اللاحقة في نهاية الآية ١٣.”
ج) الآيات (١٤-١٦): لطف (كرم) الله تجاه المحتاجين.
١٤اَلرَّبُّ عَاضِدٌ كُلَّ ٱلسَّاقِطِينَ، وَمُقَوِّمٌ كُلَّ ٱلْمُنْحَنِينَ. ١٥أَعْيُنُ ٱلْكُلِّ إِيَّاكَ تَتَرَجَّى، وَأَنْتَ تُعْطِيهِمْ طَعَامَهُمْ فِي حِينِهِ. ١٦تَفْتَحُ يَدَكَ فَتُشْبِعُ كُلَّ حَيٍّ رِضًى.
١. اَلرَّبُّ عَاضِدٌ كُلَّ ٱلسَّاقِطِينَ: رأفة الله واضحة جدًّا تجاه الذين يسقطون ويفشلون. وهو لا يحتقرهم ولا يرفضهم. وهنالك معنى بموجبه يقترب الرب إليهم ليعضدهم. فإذا سمحوا لسقوطهم بأن يدفعهم إلى التواضع بحق، فإن الله سيقترب إليهم ويعضدهم.
· اَلرَّبُّ عَاضِدٌ كُلَّ ٱلسَّاقِطِينَ: “هذه العبارة معبّرة بشكل غير عادي. ويقترن هذا العون المقدم في الوقت المناسب في مرحلة مبكرة مع قوة الله في إحياء الرجاء الضائع والقدرات الخائرة، حيث يقوّم الرب (ظهور) كل المنحنين.” كيدنر (Kidner)
· “كثيرون قانطون، ولا يستطيعون أن يرفعوا عيونهم في شجاعة، أو قلوبهم في تعزية، لكن الله يرفع معنويات هؤلاء. كثيرون منحنون بأعبائهم اليومية، وهو يقوّيهم.” سبيرجن (Spurgeon)
· “يتميز الجزء الأخير من المزمور بتكرار كلمة ’كل،‘ وهي ترد سبع مرات في هذه الآيات. ويبدو أن المرنم طرِب على صوت هذه الكلمة التي توحي له برؤى لا حدود لها من رحمة الله الواسعة الشمولية، والأعداد التي لا تُحصى من المُعالين منه، والذين ينتظرون أن يشبعهم ويرضيهم.” ماكلارين (Maclaren)
٢. أَعْيُنُ ٱلْكُلِّ إِيَّاكَ تَتَرَجَّى، وَأَنْتَ تُعْطِيهِمْ طَعَامَهُمْ فِي حِينِهِ: يضع المتواضعون توقعاتهم في الرب، متطلعين إليه من أجل تدبير احتياجاتهم. وهم يصلّون ’أعطنا خبزنا كفاف يومنا‘ (متى ٦: ١١)، ويستجيب الله لصلواتهم فِي حِينِهِ.
· يربط معظم المفسرين هذا بالكلمات التالية، ويرون أن الخليقة كلها هي المقصودة. “يا لها من صورة رائعة! تتطلع صغار الحيوانات إلى والديها من أجل الطعام. ويمثَّل الله هنا بصفته الأب الشمولي، مقدمًا الطعام لكل مخلوق.” كلارك (Clarke)
· “إنه يتعطف ويتنازل بالاهتمام باحتياجات المخلوقات. ويبيّن هذا جمال تنازل الرب باهتمامه باحتياجات شعبه.” فانجيميرين (VanGemeren)
٣. تَفْتَحُ يَدَكَ فَتُشْبِعُ كُلَّ حَيٍّ رِضًى: تمتد رعاية الله للخليقة إلى ما وراء احتياجات البشر. فكما سيقول يسوع لاحقًا، فإن الله يهتم بالعصافير وعشب الحقول (متى ٦: ٢٦-٣٠). ويعطي الله هذا بيد وقلب مفتوحتين بشكل رائع لكل خليقته.
· بينما نأخذ وصف داود المذهل لله، نرى مدى اختلاف الرب (الإله الحي الحقيقي) بالمقارنة مع أوثان الأمم. فكانت هذه الأوثان غاضبة وسيئة الطبع، غير مهتمة كثيرًا بالبشر أو بالخليقة. ونحن مندهشون وممتنون للمحبة والاهتمام الموجودين فعلًا واللذين يقدمهما الله لنا.
د ) الآيات (١٧-٢١): محبة الرب وبرّه.
١٧ٱلرَّبُّ بَارٌّ فِي كُلِّ طُرُقِهِ، وَرَحِيمٌ فِي كُلِّ أَعْمَالِهِ. ١٨ٱلرَّبُّ قَرِيبٌ لِكُلِّ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَهُ، ٱلَّذِينَ يَدْعُونَهُ بِٱلْحَقِّ. ١٩يَعْمَلُ رِضَى خَائِفِيهِ، وَيَسْمَعُ تَضَرُّعَهُمْ، فَيُخَلِّصُهُمْ. ٢٠يَحْفَظُ ٱلرَّبُّ كُلَّ مُحِبِّيهِ، وَيُهْلِكُ جَمِيعَ ٱلْأَشْرَارِ. ٢١بِتَسْبِيحِ ٱلرَّبِّ يَنْطِقُ فَمِي، وَلْيُبَارِكْ كُلُّ بَشَرٍ ٱسْمَهُ ٱلْقُدُّوسَ إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلْأَبَدِ.
١. ٱلرَّبُّ بَارٌّ فِي كُلِّ طُرُقِهِ، وَرَحِيمٌ فِي كُلِّ أَعْمَالِهِ: تكلم داود كثيرًا عبر هذا المزمور كيف ينبغي لنا أن نسبّح الرب على هويّته (طبيعته) وأعماله. وهنا يعطينا سببًا لتسبيح الرب، مدركًا هذا المزيج الذي لا يضاهى من البر والرحمة (النعمة).
· سيتكلم الرسول بولس لاحقًا عن هذه الفكرة كيف أنه في شخص المسيح وعمله أظهر الله ’برّه فِي ٱلزَّمَانِ ٱلْحَاضِرِ، لِيَكُونَ بَارًّا وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ ٱلْإِيمَانِ بِيَسُوعَ‘ (رومية ٣: ٢٦). والجمع بين العادل والمبرِّر هو نفسه تقريبًا الجمع بين البار والرحيم.
٢. ٱلرَّبُّ قَرِيبٌ لِكُلِّ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَهُ: يُظهر تجاوب الله مع شعبه المصلّين الرحمة (أو النعمة أو الكرم) المذكورة في السطور السابقة. وسيسمع الله صراخ كل الذين يصرخون إليه ويحقق رغبتهم.
· “بما أن الرب صالح إلى هذه الدرجة تجاه خليقته، فكم بالأحرى، سيكون اهتمامه بشعب عهده! هذا هو ما علّمه يسوع بشكل أساسي في العظة على الجبل (متى ٦: ٢٥-٣٤).” فانجيميرين (VanGemeren)
· لِكُلِّ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَهُ: “… لأن هنالك نوعًا من العبادة المزيفة الباطلة، وأتباعها محرومون من الاستفادة من هذا الوعد المقطوع لِكُلِّ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَهُ.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن ديكسون (Dickson)
· يَعْمَلُ رِضَى خَائِفِيهِ: لاحظ جون تراب (John Trapp) في تفسيره لهذا السطر من المزمور أن لوثر صلّى قائلًا: “يا رب، لتكن مشيئتي!” وأضاف تراب أنه كان بمقدور لوثر أن يصلي هكذا لأنه قال لله أيضًا: “لأن مشيئتي هي أن تتم مشيئتك، ولا شيء آخر.”
· “سيتلقّى الذين يتوقون إلى الله قدْر ما يتوقون، وقدْر ما هم قادرون على تلقّيه.” ماكلارين (Maclaren)
٣. يَحْفَظُ ٱلرَّبُّ كُلَّ مُحِبِّيهِ، وَيُهْلِكُ جَمِيعَ ٱلْأَشْرَارِ: قدّم داود مثلًا آخر لنعمة الله وفضله بشكل عملي (يَحْفَظُ ٱلرَّبُّ كُلَّ مُحِبِّيهِ)، إضافة إلى بره بشكل عملي (يُهْلِكُ جَمِيعَ ٱلْأَشْرَارِ).
· “قد تكون كلمة ’يحفظ‘ هنا مضللة نوعًا ما، كما لو أنها تَعِد الأتقياء بحياة محمية من السحر. والترجمة الأفضل هي ’يسهر الرب على كلِّ محبيه.‘ (انظر أيضًا لوقا ٢١: ١٦-١٨).” كيدنر (Kidner)
٤. بِتَسْبِيحِ ٱلرَّبِّ يَنْطِقُ فَمِي، وَلْيُبَارِكْ كُلُّ بَشَرٍ ٱسْمَهُ ٱلْقُدُّوسَ إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلْأَبَدِ: نحس بأن داود عنى هذا كإعلان. فبعد أن كتب داود بفصاحة كبيرة عن طبيعة الله وعن أعماله من أجل شعبه، اتخذ قرارًا بأن يوظف فمه في تسبيح الله ومباركته مرارًا وتكرارًا.
· “مهما فعل الآخرون، لن أسكت عن تسبيح الرب. وأيًّا كانت الموضوعات التي يتحدث فيها الآخرون، فإن موضوعي ثابت للجميع. سأتحدث عن تسبيح الرب. وأنا أفعل ذلك، وسأفعل ذلك ما دام فيَّ نفَس.” سبيرجن (Spurgeon)
· “هكذا ينتهي إسهام داود في سفر المزامير بملاحظة تسبيحه الخاص بشكل كلي (الآية ٢١أ)، مع أن التسبيح متسع كالجنس البشري، وغير متلاشٍ كالأبدية.” كيدنر (Kidner)
· “الآية الأخيرة من المزمور ١٤٥ هي الكلمة النهائية التي نسمعها من داود في الكتاب المقدس. إنها آخر وصية وعهد. فإن لم يقل شيئًا آخر في حياته الطويلة، ستكون هذه إرثًا رائعًا للأجيال القادمة. ففيها يسبّح الله ويدعو الآخرين إلى تسبيحه.” بويس (Boice)