تفسير سفر المزامير – مزمور ٩٠
صلاة موسى في البرية
هذا المزمور معنون صَلَاةٌ لِمُوسَى، رَجُلِ ٱللهِ. ويعتقد بعض المفسرين أن هذا ليس موسى الشهير المألوف. لكن الأدلة الاقوى على أن مؤلف هذا المزمور هو قائد إسرائيل العظيم. وهذا هو النشيد الوحيد لموسى في المزامير، لكن يوجد نشيدان آخران في اسفار موسى الخمسة (خروج ١٥وتثنية ٣٢)، إضافة إلى مباركة أسباط إسرائيل في تثنية ٣٣.
إذا ربطنا هذا المزمور بأي وقت محدد في حياة موسى، فإن أفضل اقتراح هو ذاك الوقت المذكور في سفر العدد ٢٠. “يرجّح أن الإطار التاريخي يُفهم بالأحداث المذكورة في سفر العدد٢٠: (١) موت مريم، أخت موسى (٢) خطية موسى بضربه للصخرة في البرية، والتي حرمته من دخول أرض الموعود (٣) موت هارون، أخي موسى.” بويس (Boice)
علّق تشارلز سبيرجن(Charles Spurgeon) على تعبير “رجل الله” قائلًا: “كان موسى على نحو خاص من رجال الله، وكان رجل الله، مختاراً من الله، وموحى إليه من الله، ومكرَّمًا من الله، وأمينًا لله في كل بيته. ولهذا استحق هذا اللقب المعطى له.”
أولًا. إيجاد ملجأ في الإله الأبدي
أ ) الآية (١): الرب ملجأ وحماية لشعبه.
١يَا رَبُّ، مَلْجَأً كُنْتَ لَنَا فِي دَوْرٍ فَدَوْرٍ.
١. يَا رَبُّ، مَلْجَأً (مسكِنًا) كُنْتَ لَنَا: كُتبت هذه الصلاة على وجه اليقين تقريبًا أثناء سنوات البرية في الطريق إلى كنعان. وفي تلك السنوات عاشت إسرائيل في احتياج إلى ملجأ ومأوى وحماية. واكثر من خيامها وجيوشها كان لدي اسرائيل الله كمسكن وملجأ وحماية.
· يا رب : المزمور”يبدأ بتأكيد عظيم حول علاقة الله بالإنسان. ويخاطب الله، لا بصفته إيلوهيم العليّ، أو بصفته يهوه المعين، بل بصفته أدوناي، الرب المتسيد. ويعلن المرنم أنه كان المسكِن والمستوطنة والبيت للإنسان في كل الأجيال.” مورجان (Morgan)
· مَلْجَأً : “تترجم الكلمة العبرية ’ملجأ‘ إلى ’مسكن‘ في ترجمات أخرى كما ترِد أيضًا في سفر التثنية ٢٧:٣٣، حيث نجد نشيدًا آخر لموسى.” بويس (Boice)
٢. مَلْجَأً كُنْتَ لَنَا فِي دَوْرٍ فَدَوْرٍ: فهم موسى أن معونة الله لشعبه لم تبدأ بخروجهم من مصر. إذ كان الله معهم من بداية حجهم تحت قيادة إبراهيم إلى أيام موسى، كان الله مسكنهم وملجأهم وحمايتهم.
· ليس أمرًا لطيفًا أن يشار إلى شخص على أنه مشرد. ومن ناحية روحية، لا ينبغي أن يكون هذا حال المؤمن. فبيتنا هو فيه. وينبغي أن يكون بيتنا المكان حيث نرتاح، وحيث نستطيع أن نكون على طبيعتنا، وحيث يسود الحب والسعادة. كل هذه الامور ينبغي أن تسم علاقتنا بالله.
· “في هذا الكائن السرمدي هناك ملجأ آمن لكل الاجيال الاحقة من البشر، فلو كان إله الأمس فقط فلن يكون ملجأً مناسبًا للبشر الفانين؛ وإذا كان يمكن أن يتغير ويتوقف عن أن يكون الله، فلن يكون الا ملجأً غير مؤكد لشعبه.” سبيرجن (Spurgeon)
· “من ملجأه الله لا يمكن أن يكون مشرد، لأن الله أعظم من الكل؛ ولا يستطيع أحد أن يخطفه من يده (يوحنا٢٩:١٠). ولهذا إنه أفضل لنا أن نسعى إلى تسديد احتياجاتنا في كل ما نريده من الله وحده.” تراب (Trapp)
ب) الآية (٢): الأصل السرمدي للرب.
٢مِنْ قَبْلِ أَنْ تُولَدَ ٱلْجِبَالُ، أَوْ أَبْدَأْتَ ٱلْأَرْضَ وَٱلْمَسْكُونَةَ، مُنْذُ ٱلْأَزَلِ إِلَى ٱلْأَبَدِ أَنْتَ ٱللهُ.
١. مِنْ قَبْلِ أَنْ تُولَدَ ٱلْجِبَالُ: في البرية، في رحلة السير البطيء لكنعان، رأى موسى الجبال في الأفق، وتأمّل في حقيقة أن الله كان موجودًا قبل تلك الجبال. فالله هو الذي شكّل الأرض والعالم.
٢. مُنْذُ ٱلْأَزَلِ إِلَى ٱلْأَبَدِ أَنْتَ ٱللهُ: قبل أن يوجد أي شي، كان الله. من الأزل (الماضي الذي لا بداية له) إلى الأبد (المستقبل الذي لا ينتهي) هو كائن، مستقلًّا عن كل خليقة من خلائقه.
· “هذا أسمى وصف لسرمدية الله يمكن أن تصل إليه اللغة البشرية.” كلارك (Clarke)
· “صاحب المزمور، كان على وشك ان يصف حالة الانسان الزائلة والوقتية، ولكنه أولًا وجه أنظارنا لنتأمل في طبيعة الله وصفاته الثابتة.” هورن (Horne)
ج) الآية (٣): دينونة الله السرمدي.
٣تُرْجعُ الإِنْسَانَ إِلَى الْغُبَارِ وَتَقُولُ: «ارْجِعُوا يَا بَنِي آدَمَ».
١. تُرْجِعُ ٱلْإِنْسَانَ إِلَى ٱلْغُبَارِ: رأى موسى دينونة الله وهي تحوّل الإنسان إلى دمار. فقد رآها في مصر الشريرة وفي إسرائيل العاصية. الإله الأزلي خالق كل الأشياء كان ولا يزال إله ينبغي أن يُهاب ويوقَّر من الإنسان. والله مهتم بشؤون البشر ويمارس دينونته المقدسة.
٢. ٱرْجِعُوا يَا بَنِي آدَمَ: لم تكن هذه دعوة إلى التوبة، بل أمرًا للإنسان للعودة إلى التراب الذي خُلق منه. ويردد هذا صدى سفر التكوين ١٩:٣: «لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ».
· “رغم أن الكلمة المستخدمة هنا (الغبار) تختلف عن الكلمة المستخدمة في سفر التكوين١٩:٣ «لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ»، فكرة العودة (ارجعوا) تشير بشكل مؤكد تقريبًا إلى لعنة آدم، وهي تستخدم نفس الفعل.” كيدنر (Kidner)
· “حتى لو لم تكن لدينا كلمة الله لنبرهن هذا، فإن الخبرة اليومية أمام عيوننا توضح كيف أن البشر جميعًأ بما فيهم الأحكم والأقوى والأعظم وحتى الملوك والأمراء الجبابرة في العالم، ليسوا إلا بشرًا تعيسين مصنوعين من التراب الاحمر، وهم يعودون سريعًا إلى التراب.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن سميث (Smith)
ثانيًا. الإنسان أمام الله الديان
أ ) الآيات (٤-٦): إدراك الله للوقت وإدركنا نحن للوقت.
٤لِأَنَّ أَلْفَ سَنَةٍ فِي عَيْنَيْكَ مِثْلُ يَوْمِ أَمْسِ بَعْدَ مَا عَبَرَ، وَكَهَزِيعٍ مِنَ ٱللَّيْلِ. ٥جَرَفْتَهُمْ. كَسِنَةٍ يَكُونُونَ. بِٱلْغَدَاةِ كَعُشْبٍ يَزُولُ. ٦بِٱلْغَدَاةِ يُزْهِرُ فَيَزُولُ. عِنْدَ ٱلْمَسَاءِ يُجَزُّ فَيَيْبَسُ.
١. لِأَنَّ أَلْفَ سَنَةٍ فِي عَيْنَيْكَ مِثْلُ يَوْمِ أَمْسِ بَعْدَ مَا عَبَرَ: بعد أن قدّم موسى فكرة كينونة سرمدية الله الموجود خارج الزمن بلا بداية أو نهاية، فإنه يكرر الفكرة بصورة شعرية. فبالنسبة لهذا الإله السرمدي، تبدو أَلْفَ سَنَةٍ مثل يوم واحد، ويوم واحد مِثْلُ يَوْمِ أَمْسِ لا في الحاضر.
· “هو مرتفع فوق الزمن، والتعابير التي يستخدمها البشر في وصف مدة زمنية لا تعني له شيئًا. فألف سنة تبدو وقتًا طويلًا جدًا للإنسان، لكنها تتضاءل إلى لا شيء بالمقارنة مع سرمدية كينونته. وكما قال بطرس، فإن العكس صحيح أيضًا: ’أَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا عِنْدَ الرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ.‘” ماكلارين (Maclaren)
٢. جَرَفْتَهُمْ: من منظور الله السرمدي، تمر الأيام والسنوات والألفِيّات بسرعة. وبالنسبة لموسى وشعب اسرائيل في البرية، بدا أن الوقت يمر ببطء، لكنه عرف أن هذا ليس من منظور الله. فمن منظوره، تمر ألف سنة بسرعة كالنوم (كَسِنَةٍ).
٣. بِٱلْغَدَاةِ كَعُشْبٍ يَزُولُ: استخدم موسى صورًا شعرية كثيرة في وصف الله والوقت. ففي نظر الله، فإن ألف سنة مثل يومٍ عبر (كأمس)، وَكَهَزِيعٍ مِنَ ٱللَّيْلِ، وكطوفان، وكليلة نوم (كَسِنَةٍ). ثم أضاف هذه الصورة: الألف سنة مثل العشب الذي ينمو في الصباح وفي المساء يقطع ويذبل. وهكذا فإن منظور الله للوقت مختلف عن منظورنا.
ب) الآيات (٧-٨): دينونة الله على الخطايا الصريحة والسرية.
٧لِأَنَّنَا قَدْ فَنِينَا بِسَخَطِكَ وَبِغَضَبِكَ ٱرْتَعَبْنَا. ٨قَدْ جَعَلْتَ آثَامَنَا أَمَامَكَ، خَفِيَّاتِنَا فِي ضَوْءِ وَجْهِكَ.
١. لِأَنَّنَا قَدْ فَنِينَا بِسَخَطِكَ: في القسم الأول من هذا المزمور، ربط موسى فكرة طبيعة الله السرمدية بدينونته للإنسان. وفي هذا القسم تتكرر هاتان الفكرتان. الله الذي يقف فوق الزمن، ويرى ألف سنة كأمس، يملك بالتأكيد الحق والسلطة ليدين البشر، وبشكل خاص شعبه.
· في البرية أحس موسى وبنو إسرائيل بأن غضب الله استهلكهم وبأن غضبه أرعبهم. ولا بد أن هذا كان أمرًا ساحقًا لموسى وهو يرى جيلًا كاملًا وهو يذبل في البرية ويهلك تحت دينونة الله.
· “انطبق هذا على حالة الشعب في البرية، الذين بسبب انحرافهم وتمردهم قصّر عدلُ الله حياتهم. لقد فشلوا، لا بسبب تدهور طبيعي، لكن من خلال انفجار دينونات الله المستحق عليهم.” سبيرجن (Spurgeon)
· “فَنِيْنا؛ إما بشكل طبيعي، بسبب تكوين أجسادنا، أو بشكل عنيف بفعل دينونات الله الاستثنائية. وكأنه يقول: أنت لا تسمح لنا بـأن نعيش حساب مسار حياتنا الطبيعية.” بول (Poole)
٢. قَدْ جَعَلْتَ آثَامَنَا أَمَامَكَ: جاءت دينونة الله على شعبه بسبب آثامهم. فعندما رآها الله السرمدي القدوس وأمعن النظر فيها، كانت استجابته غضبًا وسخطًا. ففهِم موسى أن دينونة الله على شعبه لم تكن غير عقلانية أو غير مستحَقة.
· “لن نفهم البركة الكاملة لإيماننا بأن الله ملجؤنا حتى نفهم أنه ملجؤنا من كل ما هو مدمّر، ولن نعرف أهمية الخبرة العالمية للتحلل والفساد حتى نتعلم أنهما ليسا نتيجة لكينونتنا الفانية، بل بسبب الخطية.” ماكلارين (Maclaren)
٣. خَفِيَّاتِنَا فِي ضَوْءِ وَجْهِكَ: لم يرَ الله آثامهم الواضحة فحسب، بل رأى آثامهم السرية أيضًا. فلم تكن هذه الخطايا سرية أمام الله وأمام دينونته.
ج) الآيات (٩-١١): ضعف الإنسان مقابل سرمدية الله.
٩لِأَنَّ كُلَّ أَيَّامِنَا قَدِ ٱنْقَضَتْ بِرِجْزِكَ. أَفْنَيْنَا سِنِينَا كَقِصَّةٍ. ١٠أَيَّامُ سِنِينَا هِيَ سَبْعُونَ سَنَةً، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ ٱلْقُوَّةِ فَثَمَانُونَ سَنَةً، وَأَفْخَرُهَا تَعَبٌ وَبَلِيَّةٌ، لِأَنَّهَا تُقْرَضُ سَرِيعًا فَنَطِيرُ. ١١مَنْ يَعْرِفُ قُوَّةَ غَضَبَكَ؟ وَكَخَوْفِكَ سَخَطُكَ.
١. لِأَنَّ كُلَّ أَيَّامِنَا قَدِ ٱنْقَضَتْ بِرِجْزِكَ: قارن موسى بلغة شعرية قوية طبيعة الله القدوس السرمدية مع طبيعة الإنسان الخاطئ الهشّة المؤقتة. فالله ثابت إلى الأبد، لكنّ أيامًا طويلة قَدِ ٱنْقَضَتْ بِرِجْزِكَ، ونحن ننهي سنينا كتنهيدة (أَفْنَيْنَا سِنِينَا كَقِصَّةٍ).
· كتب موسى هذا المزمور الرائع تقريبًا عند اقتراب نهاية التجوال في البرية. والصور الشعرية المستخدمة هي من البرية: سهر المراقبة حول نار المعسكر بالليل، واندفاع المياه كالطوفان من الجبال، ونموّ العشب بسرعة بعد المطر، واحتراقه بسرعة أيضًا، وتنهيدة المسافر المنهك.” ميير (Meyer)
٢. أَيَّامُ سِنِينَا هِيَ سَبْعُونَ سَنَةً: عاش موسى١٢٠سنة، حسب سفر التثنية ٢:٣١ و ٧:٣٤. هو لم يقل سَبْعُونَ سَنَةً كوعد أو كحد، بل كتقدير شعري لمدى الحياة. فالتأكيد هنا ينصبّ على عُقم الحياة؛ حتى لو تخطّى المرء السبعين وعاش لثمانين سنة. فنهاية ذلك كله تَعَبٌ وَبَلِيَّة.
· سَبْعُونَ سَنَةً: “كان الكُتّاب الوثنيون القدماء يثبّتون عمر الإنسان العادي على أنه سَبْعُونَ سَنَةً.” بوله (Poole)
٣. لِأَنَّهَا تُقْرَضُ سَرِيعًا فَنَطِيرُ: وصف موسى قِصر هذه الحياة والإحساس بعقمها. ويبدو أن صرخة موسى العميقة ولدت أفكارًا مهمة يعالجها سفر الجامعة.
٤. مَنْ يَعْرِفُ قُوَّةَ غَضَبَكَ: ربط موسى فكرتي قِصر الحياة نسبيًّا وعقمها بدينونة الله البارة. وقد رأى هذا وعاشه على نحو خاص في البرية.
· “رأى موسى الناس يموتون حوله، فكان يعيش وسط جنازات. وقد سحقته النتائج الرهيبة للسخط الإلهي. وأحس بأنه لا أحد يستطيع أن يقيس قوة غضب الله.” سبيرجن (Spurgeon)
ثالثًا. صلاة في ضوء من هو الله وكيف يتعامل مع الإنسان
أ ) الآية (١٢): صلاة من أجل الحكمة.
١٢إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا هَكَذَا عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ.
١. إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا هَكَذَا عَلِّمْنَا: عندما تأمّل موسى في الطبيعة الهشّة للبشرية ودينونة الله البارّة، دفعه ذلك إلى طلب حكمة من الله ليفهم قِصر العمر.
· إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا: “نضع في اعتبارنا قِصر وتعاسة الحياة، ويقينية وسرعة الموت، وأسباب ذلك وعواقبه.” بوله (Poole)
· “من بين كل قواعد علم الحساب، فإن هذا هو الأصعب؛ إحصاء أيامنا. إذ يستطيع البشر أن يحصوا مواشيهم وقطعان بقرهم وخرافهم. ويستطيعون أن يقدّروا إيرادات مزارعهم وحقولهم. ويستطيعون بشيء من الصعوبة أن يُحْصوا عملاتهم المعدنية. غير أنهم مقتنعون بأن أيامهم بلا حد وأنها غير قابلة للإحصاء، ولهذا لا يبدؤون بإحصائها على الإطلاق.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن تايم (Tymme)
· “العيش مع أفكار الموت هو الطريقة لتموت بتعزيات حية.” تراب (Trapp)
· “عَلِّمْنَا” تعني أن هذه الحكمة يجب أن تُعلم. فهي لا تأتي بشكل آلي. معظم الناس يعيشون بوعي قليل أن الحياة قصيرة، وأنه ينبغي لأيامهم أن تحصى. الشباب على نحو خاص يعتقدون أن أيامهم بلا عدد، ولا يفكرون كثيرًا في ما يكمن وراء هذه الحياة.
٢. فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ: تعلمنا أن نحصي أيامنا سوف يعطينا قلب حكمة. هذه حكمة ليست فقط للعقل بل أيضًا للقلب كذلك.
· “دعنا نضع باعتبارنا بعمق هشاشة وقِصر وعدم يقينية الحياة، لكي نحيا من أجل الأبدية ونُعَرِّف أنفسنا بك، ونكون في سلام معك، لكي نموت في رضاك، ونحيا ونملك معك الى الأبد.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (١٣-١٧): الصلاة من أجل الرحمة والبركة.
١٣اِرْجِعْ يَا رَبُّ، حَتَّى مَتَى؟ وَتَرَأَّفْ عَلَى عَبِيدِكَ. ١٤أَشْبِعْنَا بِٱلْغَدَاةِ مِنْ رَحْمَتِكَ، فَنَبْتَهِجَ وَنَفْرَحَ كُلَّ أَيَّامِنَا. ١٥فَرِّحْنَا كَٱلْأَيَّامِ ٱلَّتِي فِيهَا أَذْلَلْتَنَا، كَٱلسِّنِينِ ٱلَّتِي رَأَيْنَا فِيهَا شَرًّا. ١٦لِيَظْهَرْ فِعْلُكَ لِعَبِيدِكَ، وَجَلَالُكَ لِبَنِيهِمْ. ١٧وَلْتَكُنْ نِعْمَةُ ٱلرَّبِّ إِلَهِنَا عَلَيْنَا، وَعَمَلَ أَيْدِينَا ثَبِّتْ عَلَيْنَا، وَعَمَلَ أَيْدِينَا ثَبِّتْهُ.
١. اِرْجِعْ يَا رَبُّ: هذا المزمور لموسى يأخد بعين الاعتبار دينونة الله، ومع ذلك استجابته المصلية لهذا الاعتبار كانت توسل لله لحضوره ورأفته ورحمته (حِسِدْ الرب) محبته المخلصة للعهد.
· في الآية ٣ تحدَّث الله إلى الإنسان في دينونة طالبًا منه أن يرجع إلى الدمار (التراب أو الغبار). والآن، في الصلاة، يطلب موسى من الله أن يرجع. فكأن موسى قال لشعب الله: إذا استمريتم بالخطية، سترجعون إلى التراب، رجاءكم الوحيد هو أن يرجع الرب نفسه إليكم.
٢. حَتَّى مَتَى؟ هذا سؤال ذو مغزى. إذ طلب موسى من الله ألا يتأخر في جلب حضوره ورأفته ورحمته إلى شعبه. كان طلبًا جسورًا كما لو أنه كان يوجه اتهامًا لله بأنه تأَخّر عن عونه.
· “عندما يكون الناس تحت التأديب، يُسمح لهم بأن يسألوا: ’حَتَّى مَتَى؟‘ فمشكلتنا في هذه الأيام ليست جسارتنا الزائدة مع الله، بل تخلُّفنا في التوسل إليه.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. أَشْبِعْنَا بِٱلْغَدَاةِ مِنْ رَحْمَتِكَ: فهِم موسى أن الإشباع الحقيقي لا يكمن في المال أو الشهرة أو الحب الرومانسي أو اللذة أو النجاح. فهو يُشبَع برحمة الله وصلاحه وأمانته لعهده وشعبه.
· “قال ألكزاندر ماكلارين(Alexander Maclaren) : ’إن الشيء الوحيد الذي يضمن سرورًا مدى الحياة هو قلب مشبَع باختبارات محبة الله.‘ ويعني هذا أنه ما من شيء يشبع قلب الإنسان في نهاية الأمر إلا الله.” بويس (Boice)
· ينبغي أن تُطلب الرحمة في الصباح الباكر (بالغداة). “لا توجد ساعة مثل الصباح المبكر للشركة مع الله. فإذا جرُؤنا على الانتظار أمامه للشبع، فإن ملء تلك الساعة سيفيض على كل بقية الساعات.” ميير (Meyer)
· “تجديد محبته مرتبط بالغداة، أي الصباح الباكر (انظر مزمور٥:٣٠؛ ١٤:٤٩؛ ٨:١٤٣؛ مراثي ٢٣:٣) حيث يقابل ضوء النهار ظلمة الليل. وهكذا يصلّي صاحب المزمور من أجل بداية جديدة يستطيع فيها الرب وحده أن يفتحها لشعبه.” فانجيميرين (VanGemern)
٤. فَرِّحْنَا كَٱلْأَيَّامِ ٱلَّتِي فِيهَا أَذْلَلْتَنَا: كانت أيام إذلالهم ومحنتهم كثيرة، فطلب موسى أن تكون أيام فرحهم كثيرة أيضًا. كان يأمل أن تكون أيام سعادتهم طويلة بحيث يظهر مجد الله حتى لأبنائهم.
· “العهد الجديد، بالمناسبة، سيتخطى هذه الطلبة المتواضعة في الآية ١٥من أجل موازنة الأفراح بالأحزان، بهذا الوعد أن نعطى ’ثِقَلَ مَجْدٍ أبَدِيًّا‘ (٢ كورنثوس ١٧:٤).” كيدنر (Kidner)
· “وقت غربتنا على الأرض هو وقت حزن. فنحن نتحسر على أصحابنا الراحلين، وأصحابنا الناجين بالتاكيد قريبًأ سوف يتحسروا علينا. هذه هي الأيام التي يذلّنا (يبتلينا) فيها الله.” هورن (Horne)
· “يا رب، إن كان لا بد أن نموت في هذه الصحراء، وإن كان يتوجب على هذا الجيل كله (باستثناء كالب ويشوع) أن يموت في البرية، فأعطنا على أية حال ملء فضلك ورضاك الآن لكي نمضي باقي أيامنا، سواء كانت قليلة أم كثيرة، في سرور وبهجة.” سبيرجن (Spurgeon)
· كَٱلْأَيَّامِ: “يقيس الرب الصالح الظلمة والنور في نِسب متناسبة. والنتيجة هي أن حياة حزينة بما تكفي لتكون آمنة، وسعيدة بما تكفي لتكون مرغوبة.” سبيرجن (Spurgeon)
٥. لِيَظْهَرْ … جَلَالُكَ (جمالك) لِبَنِيهِمْ: تحدَّث موسى في وقت سابق من المزمور كيف أن شعب الله قد استُهلكوا وارتعبوا. وهنا يصلي أن يغيّر الإله المنعم تعاستهم هذه بجماله.
· جمال الرب إلهنا جمال عظيم. فلا يمكن أن تفكر في مستوى أعلى من الجمال والصلاح.
· جمال الرب: “وجهه الراضي عنّا، وتأثيره المنعم، وحضوره المجيد.” بوله (Poole)
· “يتضرع الأمناء إلى الله أن يجعل جماله (جلاله)، ونور وجهه، ونعمته، وفضله (رضاه) عليهم.” هورن (Horne)
٦. وَعَمَلَ أَيْدِينَا ثَبِّتْ عَلَيْنَا، وَعَمَلَ أَيْدِينَا ثَبِّتْهُ: كان الجانب الأخير من البركة الذي صلى موسى من أجلها هو دوام عمل شعب الله. من دون هذه البركة في حياتنا، سينقضي عملنا وفعاليته سريعًا، وسيكون تأثيره قليلًا جدًّا.
· طلب موسى من الله بشكل أساسي أن يعمل مع الإنسان. “مع أن أيامنا عابرة، إلا أنها تصبح ذات قيمة عندما يُسمح لها بأن تكون أدوات لله.” ماكلارين (Maclaren)
· “الرجال الصالحون حريصون على أن لا يعملوا عبثًا. وهم يعرفون أنهم، من دون الرب، لا يستطيعون أن ينجزوا شيئًا. ولهذ فإنهم يصرخون إليه ليساعدهم في عملهم، ولكي يقبل جهودهم، ولكي يثبّت خططهم.” سبيرجن (Spurgeon)
· “لا بد أن ينبع الرضا والسرور والنجاح في العمل من خلال علاقة سليمة بين الإنسان في هشاشته بالله السرمدي.” مورجان (Morgan)