تفسير سفر المزامير – مزمور ١٨
تسبيح عظيم من مكان انتصار عظيم
هذا مزمور طويل. ولا يوجد أطول منه إلا ثلاثة مزامير في المجموعة كلها (٧٨، ٨٩، ١١٩). وطوله ملائم لموضوعه، كما يبيّنه العنوان. والعنوان نفسه طويل، ولا يوجد عنوان أطول إلا عنوان المزمور ٦٠: “لِإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ. لِعَبْدِ ٱلرَّبِّ دَاوُدَ ٱلَّذِي كَلَّمَ ٱلرَّبَّ بِكَلَامِ هَذَا ٱلنَّشِيدِ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي أَنْقَذَهُ فِيهِ ٱلرَّبُّ مِنْ أَيْدِي كُلِّ أَعْدَائِهِ وَمِنْ يَدِ شَاوُلَ. فَقَالَ:
يخبرنا داود لمن كُتب هذا المزمور. فقد كُتب لله نفسه، لِإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ، أي رئيس الموسيقيين. وهو يخبرنا المزيد عن نفسه لكي ننظر إليه كعَبْدِ ٱلرَّبِّ. ويخبرنا أيضًا عن مناسبة كتابة هذا المزمور – ربما ليس بعد موت شاول مباشرة فقط (وهو موصوف في سفر صموئيل الأول ٣١ وسفر صموئيل الثاني ١)، لكن أيضًا بعد الفترة المؤدية إلى تتويج داود (سفر صموئيل الثاني ٢-٥). وهو يخبرنا أيضًا شيئًا عن شاول الذي لا يحسبه صراحة – بدافع من الكرم العظيم غير المستحق من جهة داود – من بين أعدائه (مِنْ أَيْدِي كُلِّ أَعْدَائِهِ وَمِنْ يَدِ شَاوُلَ).
هذا المزمور هو عمليًا نفس المزمور الذي رنمه داود عند نهاية حياته كما نجده في سفر صموئيل الثاني الإصحاح ٢٢. ومن المحتمل أن داود ألّف هذه الترنيمة عندما كان شابًّا، غير أنه رجع بنظره إلى الوراء بعرفان بالجميل لله ورنم هذه الترنيمة مرة أخرى، ناظرًا إلى حياته كلها.
أولًا. إنقاذ الله لداود في الماضي
١. الآيات (١-٣): داود يسبّح الله على إنقاذه.
١أُحِبُّكَ يَا رَبُّ، يَا قُوَّتِي. ٢الرَّبُّ صَخْرَتِي وَحِصْنِي وَمُنْقِذِي. إِلهِي صَخْرَتِي بِهِ أَحْتَمِي. تُرْسِي وَقَرْنُ خَلاَصِي وَمَلْجَإِي. ٣أَدْعُو الرَّبَّ الْحَمِيدَ، فَأَتَخَلَّصُ مِنْ أَعْدَائِي.
١. أُحِبُّكَ يَا رَبُّ: كانت هذه صيحة انتصار أُطلقت في وقت انتصار عظيم. صحيح أن داود صمم أن يحب الرب، لكن ما هو أكثر صحةً هو أنه أحس بأنه مدفوع بقوة إلى أن يحب الرب الذي أنقذه بطريقة عجيبة جدًّا.
· منذ أن أُخذ داود من حظائر الغنم ومُسح ملكًا مستقبلًا على إسرائيل، عاش حوالي عشرين سنة طريدًا كشحص فقدَ كل شيء. فقدَ سلامته، فقد شبابه، فقدَ عائلته، فقدَ عملَه، فقدَ حقوقه، فقدَ اتصاله بشعب عهد الله، فقدَ وسائل راحته. وفي أحيان، ربما فقدَ شركته الحميمة مع إلهه. ورغم ذلك كله، كان وفيًّا بثبات للرب. وقام الرب – في توقيته – في تخليصه وأوفى بوعده الذي قطعه منذ وقت طويل بمسحه إيّاه.
· عندما قال داود ’أُحِبُّكَ،‘ استخدم كلمة غير معتادة نوعًا ما. “هذه الكلمة الدالة على المحبة غير شائعة، وغريزية، وعاطفية. وهي لا توجد إلا في أشكالها المكثفة، وهي تعبّر عن المحبة الشديدة ممن هو أقوى نحو من هو أضعف.” بويس (Boice)
· “بالعبرية، سأحبك بعمق وبشكل كلّيّ… من جذور قلبي.” تراب (Trapp)
· “يلمس التضرع المانع في الآيات ١-٣ نغمة عالية من التكريس في العهد القديم، وهي جلية في أنبل الأقوال. لا يُستخدم هذا الشكل من الفعل في أي موضع آخر من كلمة الله التي تشير هنا إلى الحب. إذ لها عمق ورقّة خاصّان.” ماكلارين (Maclaren)
· قال داود: “أُحِبُّكَ” للإله الذي أنقذه، لا من أجل إنقاذه من محنته فحسب، بل أيضًا من أجل كل ما فعله لأجله في المحن ومن خلالها ليجعله كما كان. لم يحس داود بالمرارة تجاه الله، كما لو قال، “آن لك أن تنقذني.” بل كان ممتنًّا على أن سنوات الضيق أنجزت شيئًا صالحًا وضروريًّا في حياته.
٢. ٱلرَّبُّ صَخْرَتِي وَحِصْنِي وَمُنْقِذِي: عرف داود أن هذا صحيح من قبل، لكنه عرف ذلك بالإيمان. والآن، رنم داود من منظور أنه عرف ذلك بالخبرة بطريقة أعظم من أيّ وقت مضى.
· عندما قال داود: “ٱلرَّبُّ صَخْرَتِي،” يحتمل أنه قال ذلك بأكثر من معنى. كانت الصخرة عونًا لذلك اليهودي بعدة طرق:
ü تقدم الصخرة فيئًا ضروريًّا دائمًا في حرارة الشمس التي لا ترحم وحرارة الصحراء (كما في سفر إشعياء ٢:٣٢).
ü تقدم الصخرة ملجأ وحماية في شقوقها وفجواتها (كما في سفر الخروج ٢٢:٣٣ وسفر الأمثال ٢٦:٣٠).
ü تقدم الصخرة مكانًا متينًا ليقف عليه ويقاتل، على نقيض الرمال المتحركة (كما في مزمور ٢:٤٠).
٣. إِلَهِي صَخْرَتِي (قوّتي) بِهِ أَحْتَمِي (عليك أتكل): عرف داود انتصار قوة الله على المحنة الطويلة. يسقط كثيرون تحت وطأة فترة طويلة مؤلمة من المحنة، وكان داود على وشك أن يسقط تحتها (سفر صموئيل الأول ٢٧؛ ٢٩-٣٠).
· تذكّرنا حقيقة أن داود نظر إلى الله كالصخرة (القوة) بالوعد الذي وعد به الله من خلال بولس: “تَقَوَّوْا فِي ٱلرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ” (أفسس ١٠:٦).
٤. تُرْسِي وَقَرْنُ خَلَاصِي وَمَلْجَإِي: بينما يدرج داود أسماء تكريمية لله اسمًا تلو الآخر (يمكننا أن نعد تسعة أسماء في هذه الآيات القليلة الأولى)، نحس بفيضٍ من التسبيح والعاطفة الجياشة من داود. فهو لا يستطيع أن يقول ما يكفي حول طبيعة الله والأشياء العظيمة التي فعلها.
· إنه لأمر كاشف أن داود يستطيع أن يتحدث بفصاحة كبيرة حول إلهه وما فعله من أجله. وكما قال ماكلارين (Maclaren): “إنه تراكمٌ طويل مُحب لأسماء عزيزة عليه.” ويعني هذا أن داود عرف الله واختبره في الوقت نفسه.
· نرى في هذه الألقاب التسعة ما كان الله يعنيه لداود:
ü قوّته: التي مكّنته من البقاء أمام أعدائه وهزيمتهم؟
ü صخرته: وهي تشير إلى مكان مأوى وسلامة وأمان.
ü حصنه: وهو مكان قوة وسلامة.
ü منقذه: ذاك الذي يشق له طريقًا للنجاة.
ü إلهه: إنه “إلهي الذي ليس موضوع عبادتي فحسب، بل الذي يضع قوة في نفسي.” كلارك (Clarke)
ü قوته: لكنه يستخدم هنا كلمة عبرية مختلفة عن تلك المستخدمة في مزمور ١:١٨. ويقول كلارك (Clarke) إن الفكرة هنا هي النبع والمصدر والأصل.
ü ترسه: يدافع به عن رأسه وقلبه معًا.
ü قرنه: يعني قوته ودفاعه.
ü ملجأه (قلعته): إنه برجه العالي الذي يستطيع من فوقه أن يرى أعداءه من مسافة عظيمة ويُحمى من خصومه.
· “عندما أدرك داود أن موضوع عبادته كان تمامًا كما أوضح في التفاصيل التسعة، لا عجب أنه صمّم أن يدعوه. ولا عجب أيضًا أنه توقع بالتالي أن يُنقذ من أعدائه. فمن الذي يمكن أن يُقضى عليه والله تعهد بأن يخلّصه؟” كلارك (Clarke)
٥. أَدْعُو ٱلرَّبَّ ٱلْحَمِيدَ، فَأَتَخَلَّصُ مِنْ أَعْدَائِي: صرخ داود في مزامير سابقة إلى الله في أوقات أزمات شديدة. وهو الآن يصرخ إليه بنفس القوة ليسبحه ويمدحه على إنقاذه له. وإنه لأمر مؤسف أن كثيرين أكثر حماسة بكثير لطلب العون من تقديم الشكر له.
· لم تأتِ فكرة “فَأَتَخَلَّصُ مِنْ أَعْدَائِي” بسهولة إلى داود. إذ قال داود لنفسه قبل وقت ليس ببعيد من انتصاره العظيم: “إِنِّي سَأَهْلِكُ يَوْمًا بِيَدِ شَاوُلَ، فَلَا شَيْءَ خَيْرٌ لِي مِنْ أَنْ أُفْلِتَ إِلَى أَرْضِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ” (صموئيل الأول ١:٢٧). ويبيّن هذا أنه كانت هنالك أوقات كان فيها داود يشك بعمق في تحقيق الانتصار الذي يتمتع به الآن. لكنه في نهاية الأمر يبيّن أيضًا أن إيمانه وقوة الله – وهو أكثر أهمية – كان أكبر من ضعفه.
· ولهذا، في تلك النقطة، كان كل ما لدى داود ترنيمة تسبيح. “عندما تُخلَّص وأنت ترنم، فإن هذا يعني أنك خلصت حقًّا. إذ هنالك كثيرون يخْلصون وهم ينوحون ويشكّون. لكن كان لدى داود إيمان أمكنه من أن يقاتل وهو يرنم ويربح المعركة وما زالت الترنيمة على شفتيه.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٤-٦): الخطر الذي دفع داود إلى الصراخ إلى الرب.
٤اِكْتَنَفَتْنِي حِبَالُ الْمَوْتِ، وَسُيُولُ الْهَلاَكِ أَفْزَعَتْنِي. ٥حِبَالُ الْهَاوِيَةِ حَاقَتْ بِي. أَشْرَاكُ الْمَوْتِ انْتَشَبَتْ بِي. ٦فِي ضِيقِي دَعَوْتُ الرَّبَّ، وَإِلَى إِلهِي صَرَخْتُ، فَسَمِعَ مِنْ هَيْكَلِهِ صَوْتِي، وَصُرَاخِي قُدَّامَهُ دَخَلَ أُذُنَيْهِ.
١. اِكْتَنَفَتْنِي حِبَالُ (آلام) ٱلْمَوْتِ، وَسُيُولُ ٱلْهَلَاكِ (الإثم) أَفْزَعَتْنِي: وصفَ داود تهديدين هنا: أولًا، تهديد ٱلْمَوْت، وثانيًا، وَسُيُولُ ٱلْهَلَاكِ (طوفانات الإثم). كان الوجود الطاغي للإثم محنة أو تجربة كبيرة بالنسبة لداود.
· يذكّرنا هذا بحقيقة أنه رغم أن داود كان محاربًا حقيقيًّا، إلا أنه كان أيضًا نفسًا حساسة تنزعج من أعمال الأشرار وكلامهم.
٢. حِبَالُ (أحزان) ٱلْهَاوِيَةِ حَاقَتْ بِي: هذه طريقة أخرى يقول بها داود إنه كان مهددًا بالموت. وٱلْهَاوِيَةِ كلمة أخرى للقبر أو الموت.
٣. فَسَمِعَ مِنْ هَيْكَلِهِ صَوْتِي: كان هذا قبل وقت طويل من بناء الهيكل في أيام ابنه سليمان. بل إن مدينة أورشليم لم تكن تحت سيطرة إسرائيل في زمن داود (ليس قبل سفر صموئيل الثاني ٦:٥-١٠). غير أن داود عرف أن لله هيكلًا، هيكلًا سماويًّا كان نموذجًا لخيمة الاجتماع وللهيكل لاحقًا (سفر الخروج ٩:٢٥؛ ٤٠:٢٥)، وأن الله سمع الصلاة من السماء.
· فما الذي سمعه الله مِنْ هَيْكَلِهِ؟ سمع صرخة داود (وَإِلَى إِلَهِي صَرَخْتُ). “صرخ هذا المسكين، فحرّكت صرخته الرب. يبدو أن تخليص نفس واحدة أمر صغير، لكن النفس الواحدة التي صلّت لم تعد صغيرة، لأن اسم الرب متضمن في الموضوع.” ماكلارين (Maclaren)
ب) الآيات (٧-١٥): الإنقاذ الجليل الذي جلبه الله لداود.
٧فَارْتَجَّتِ الأَرْضُ وَارْتَعَشَتْ، أُسُسُ الْجِبَالِ ارْتَعَدَتْ وَارْتَجَّتْ لأَنَّهُ غَضِبَ. ٨صَعِدَ دُخَانٌ مِنْ أَنْفِهِ، وَنَارٌ مِنْ فَمِهِ أَكَلَتْ. جَمْرٌ اشْتَعَلَتْ مِنْهُ. ٩طَأْطَأَ السَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ، وَضَبَابٌ تَحْتَ رِجْلَيْهِ. ١٠رَكِبَ عَلَى كَرُوبٍ وَطَارَ، وَهَفَّ عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيَاحِ. ١١جَعَلَ الظُّلْمَةَ سِتْرَهُ. حَوْلَهُ مِظَلَّتَهُ ضَبَابَ الْمِيَاهِ وَظَلاَمَ الْغَمَامِ. ١٢مِنَ الشُّعَاعِ قُدَّامَهُ عَبَرَتْ سُحُبُهُ. بَرَدٌ وَجَمْرُ نَارٍ. ١٣أَرْعَدَ الرَّبُّ مِنَ السَّمَاوَاتِ، وَالْعَلِيُّ أَعْطَى صَوْتَهُ، بَرَدًا وَجَمْرَ نَارٍ. ١٤أَرْسَلَ سِهَامَهُ فَشَتَّتَهُمْ، وَبُرُوقًا كَثِيرَةً فَأَزْعَجَهُمْ، ١٥فَظَهَرَتْ أَعْمَاقُ الْمِيَاهِ، وَانْكَشَفَتْ أُسُسُ الْمَسْكُونَةِ مِنْ زَجْرِكَ يَا رَبُّ، مِنْ نَسْمَةِ رِيحِ أَنْفِكَ.
١. ٱرْتَجَّتِ ٱلْأَرْضُ وَٱرْتَعَشَتْ: يصف داود الإنقاذ المثير الذي جلبه الله له. إذ كان متّسمًا بالزلازل، وسخط الله (لِأَنَّهُ غَضِبَ)، دُخَانٌ مِنْ أَنْفِهِ، وَنَارٌ، وتدخّل الله شخصيًّا (رَكِبَ عَلَى كَرُوبٍ وَطَارَ).
· “عندما يغضب ملك ويستعد للحرب، تكون مملكته في حالة هياج فوري. وتمثَّل الطبيعة الشمولية هنا بالشعور بآثار استياء سيدها، وكل العناصر المنظورة في حالة اضطراب.” هورن (Horne)
· صَعِدَ دُخَانٌ مِنْ أَنْفِهِ: “هذه طريقة شرقية عنيفة للتعبير عن الغضب الشديد. بما أن النفَس الخارج من المنخرين يسْخُن عند الانفعال الشديد، تصوّر هذه الصورة المجازية العليّ المنقذ وكأنه ينفث دخانًا في حُمُوّ غضبه واندفاع حماسته.” سبيرجن (Spurgeon)
· رَكِبَ عَلَى كَرُوبٍ وَطَارَ: يصور هنا سرعة الإنقاذ. “هو سريع كالريح. جاء لإنقاذي بكل سرعته.” بوله (Poole). وربما نتساءل إلى حد ما إن كان هذا بدا سريعًا لداود في ذلك الوقت.
· تؤكد مصطلحات داود دينونة الله. فبما أن هذه الدينونة موجهة إلى أعداء داود، فإن هذا يعني إنقاذًا له. لقد أحرز هذا النصر على عدو داود القوي، ضد الذين أبغضوا داود. (مزمور ١٦:١٨-١٧).
· هنالك مبدأ أوسع هنا: يمكن لفهمنا أن هذا الخلاص جاء من أجل شخص بار أو أشخاص أبرار أن يعني في الغالب دينونة على كل الذين يضطهدونهم.
٢. أَرْعَدَ ٱلرَّبُّ مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ: يقدم داود عبارة تلو العبارة في وصفه لعمل الله العظيم من أجله. فحسب وصف داود، حرّك الله سماواته، والسماء القريبة، والأرض، والبحر لكي ينقذه.
· عندما وصف داود عون الله آتيًا إليه من خلال زلازل ورعود وعواصف وبروق، فإن من الواضح أنه استخدم صورًا شعرية من الطريقة التي أنقذ بها الله إسرائيل من مصر، وعند جبل سيناء، وأثناء غزو يشوع لكنعان. ومع ذلك، فإنه محتمل تمامًا – إن لم يكن مرجّحًا – أنه رأى حرفيًّا مثل هذه الظواهر تُرسل إليه لحمايته وللمحاربة عنه. ورغم أن أحداثًا كهذه لم تسجل في ١ أو ٢ صموئيل، فإننا نتذكر أنه كانت فترات طويلة من حياة داود (مثل فترة مطاردة شاول له وهو طريد) لا نجد فيها إلا أوصافًا قليلة للأحداث. ولا بد أنه اختبر إنقاذ الله مرة تلو الأخرى بطرق متنوعة.
· تترك الطريقة التي يصف بها داود هذا كله انطباعين: أولًا، لقد آمن حقًّا أن هذه الأشياء حدثت فعلًا كما هي مدونة في الكتاب المقدس. ثانيًا، رأى نفس الإله يعمل أشياء مشابهة من أجله في زمنه.
· وإنه لأمر ذو دلالة أنه يمكننا القول إن داود لم يكن يقدر أن يرى هذا إلا بعد أن يكون قد تمّ الإنقاذ. وفي وسط ذلك الضيق، كانت لديه أسباب كثيرة وأوقات كثيرة تساءل فيها أين يد الله. ويُرى خلاص الله بشكل واضح جدًّا عندما ننظر إلى الوراء. وأما عندما ننظر إلى الأمام، فغالبًا ما نرى بعين الإيمان.
د ) الآيات (١٦-١٩): داود في أمان.
١٦أَرْسَلَ مِنَ الْعُلَى فَأَخَذَنِي. نَشَلَنِي مِنْ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. ١٧أَنْقَذَنِي مِنْ عَدُوِّي الْقَوِيِّ، وَمِنْ مُبْغِضِيَّ لأَنَّهُمْ أَقْوَى مِنِّي. ١٨أَصَابُونِي فِي يَوْمِ بَلِيَّتِي، وَكَانَ الرَّبُّ سَنَدِي. ١٩أَخْرَجَنِي إِلَى الرُّحْبِ. خَلَّصَنِي لأَنَّهُ سُرَّ بِي.
١. نَشَلَنِي مِنْ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. أَنْقَذَنِي مِنْ عَدُوِّي ٱلْقَوِيِّ: أحس داود بأنه كان يغرق عندما نشلته يد الله مِنْ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. وعرف، مثل إنسان علِقَ بطوفان، أن أعداءه أقوى منه كثيرًا (عَدُوِّي ٱلْقَوِيِّ)، لكن الله سينقذه.
· “لن يرى كثيرون يد الله، لكني أؤكد لكم، أيها الإخوة، أن الذين انتُشلوا من مياه عميقة سيرونها. إذ ستعلّمهم خبرتهم أن الله ما زال بيننا.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. أَخْرَجَنِي إِلَى ٱلرُّحْبِ: لم تلتقط يد الله داود من الطوفان فحسب، لكنها وضعته في مكان آمن.
٣. خَلَّصَنِي لِأَنَّهُ سُرَّ بِي: يمكننا أن نقول إن داود عنى هذا بطريقتين. أولًا، سُرَّ الله بداود بمعنى أنه اختاره، ومسحه، وأراه مراحمه العجيبة (مزمور ٧:١٧). ثانيًا، سُرَّ به لأنه عاش حياة بارة، كما سنرى في الآيات التالية.
· الخلاص من الخطية، والخلاص من الميول الشريرة، والخلاص من الأعداء الروحيين، كلها تشهد على محبة الله لنا… ليس ممكنًا أن نحدد مدى مسرّته بك. لكن الآب مسرور بك، وينظر إليك بمحبة كلها شغف. وكما يُسر أب بابنه، كذلك يبتهج بك الله.” سبيرجن (Spurgeon)
هـ) الآيات (٢٠-٢٤): أنقذ الله داود بسبب بره.
٢٠يُكَافِئُنِي الرَّبُّ حَسَبَ بِرِّي. حَسَبَ طَهَارَةِ يَدَيَّ يَرُدُّ لِي. ٢١لأَنِّي حَفِظْتُ طُرُقَ الرَّبِّ، وَلَمْ أَعْصِ إِلهِي. ٢٢لأَنَّ جَمِيعَ أَحْكَامِهِ أَمَامِي، وَفَرَائِضَهُ لَمْ أُبْعِدْهَا عَنْ نَفْسِي. ٢٣ وَأَكُونُ كَامِلاً مَعَهُ وَأَتَحَفَّظُ مِنْ إِثْمِي. ٢٤فَيَرُدُّ الرَّبُّ لِي كَبِرِّي، وَكَطَهَارَةِ يَدَيَّ أَمَامَ عَيْنَيْهِ.
١. يُكَافِئُنِي ٱلرَّبُّ حَسَبَ بِرِّي: أثناء فترة المحنة الطويلة التي قضاها داود بسبب شاول، كان يجرَّب بأن يستجيب بطرق غير تقية. وقد سنحت له فرص كثيرة لقتل شاول كمسألة دفاع عن النفس. غير أنه تصرف على الدوام بشكل بار، عارفًا أن الرب سيكافئه على ذلك.
٢. حَفِظْتُ طُرُقَ ٱلرَّبِّ، وَلَمْ أَعْصِ إِلَهِي… وَأَكُونُ كَامِلًا مَعَهُ وَأَتَحَفَّظُ مِنْ إِثْمِي: ليس هذا ادعاء من داود بأنه كامل خالٍ من الخطية. وفي واقع الأمر، قبل نحو سنة من موت شاول، قام ببعض التنازلات الروحية والأخلاقية (سفر صموئيل الأول ٢٧؛ ٢٩-٣٠). غير أنه حافظ على جوهر النزاهة مع الله بشكل عام، وكان قابلًا للتصحيح والتقويم رغم إخفاقاته. وأهم من ذلك، لم يفشل في أهم امتحان، ألا وهو الاستسلام لإغراء الاستيلاء على العرش من خلال قتل شاول أو تدميره.
· نحن نعتقد أن هذا المزمور – المدون مرتين في كلمة الله مع تنويعات طفيفة، هنا وفي سفر صموئيل الثاني الإصحاح ٢٢ – يتكلم عن سياقين مختلفين. وقد رُنِّم هنا أولًا، حسب ما يقوله العنوان، بمناسبة انتصار داود على شاول واعتلائه عرش إسرائيل. وفي سفر صموئيل الثاني ٢٢، رنّمه في استذكار ممتلئ بالعرفان لله على حياته كلها. فاستطاع أن يقول: “حَفِظْتُ طُرُقَ ٱلرَّبِّ، وَلَمْ أَعْصِ إِلَهِي” (لم أبتعد بشكل شرير عن إلهي) في كلا السياقين، لكن بمعنى مختلف نوعًا ما. فقد عنى شيئًا قبل خطيته مع بثشيع، وعنى شيئًا آخر بعد ذلك.
· شرح سبيرجن (Spurgeon) كيف يمكن أن تكون العبارة صحيحة قبل الفضيحة مع بثشبع وبعدها: ” كان هذا الرجل الذي كان حسب قلب الله خاطئًا متواضعًا أمام الله، لكنه في مواجهة المفترين استطاع أن يتكلم بوجه غير محْمَرٍّ بالخجل عن ’طهارة يديه‘ وبر حياته.”
· ومع هذا، يمكننا أن نتفق بشكل عام مع آدم كلارك (Adam Clarke) على قوله: “كانت الأوقات التي شهدت أعظم ابتلاء لداود تلك التي أظهر فيها أعظم استقامة. فكانت الشدائد بالنسبة له وقتًا من الازدهار الروحي.”
٣. أَتَحَفَّظُ مِنْ إِثْمِي (وَأحْفَظُ نَفْسِي نَقِيًّا بِلَا إثْمٍ أمَامَهُ): يعتقد بعضهم أن هذا يدل على غطرسة أو كبرياء من جانب داود. يقتبس سبيرجن (Spurgeon) كلامًا لمفسر يعترض على قول داود: “حفظت نفسك؟ من الذي جعلك حارسًا شخصيًا لنفسك؟” غير أننا نعرف أن من المؤكد أنه هنالك معنى بموجبه يتوجب علينا أن نحفظ أنفسنا من الخطية، كما قال بولس كرجل يطهّر نفسه من أجل مجد الله ومن أجل خدمة أعظم (رسالة تيموثاوس الثانية ٢١:٢).
· يمكننا أن نرى خطرًا شخصيًّا في تعبير ’ إِثْمِي.‘ إذ يبيّن أن الإثم موجود في كل إنسان. ولهذا يتوجب أن نحترس احتراسًا خاصًّا من ميولنا إلى الإثم فلا نخطئ ونمارس الإثم. صحيحٌ أننا جميعًا كغنم ضللنا، لكن في الوقت نفسه مال كل واحد إلى طريقه. يمكن أن يكون الإثم فينا منذ الولادة، وربما تعَلَّمناه من عائلة سيئة أو من صحبة شريرة فصار فينا. ويمكن أن يأتي الإثم إلينا من خلال التجارب، أو الشدائد، أو النجاح، أو حتى من البركات التي نحصل عليها.
· تخبرنا كلمات داود أيضًا عن تَحَفُّظ خاص. فقد كان داود مصممًا على أن يحفظ نفسه نقيًا بلا إثم. “كن مصممًا بقوة الروح القدس على أن تغلب هذه الخطية. وأفضل طريقة للتغلب عليها هي أن تشنقها من رقبتها – أعني تلك الخطية. لا تطلق النار على الخطايا من دون تمييز. لكن إن كانت لديك خطية أكبر من أخرى، فقم بجرّها من بين الجموع (من بين الخطايا الأخرى) وقل لها: ’يتوجب عليك أن تموتي حتى لو لم تمت أية خطية أخرى.‘ قم بشنقها في وضح النهار.” سبيرجن (Spurgeon)
· قد يعترض أحدهم قائلًا: “لكن داود لم يحفظ نفسه من الإثم. إذ بعد عدة سنوات أخطأ مع بثشبع، وأخطأ بشكل بشع ضد أوريا.” هذا صحيح، وقد أُدِّب داود تأديبًا شديدًا على ذلك. غير أننا لا نسمع أبدًا أنه أخطأ بطريقة مماثلة بعد توبته عن ذلك التعدي الفظيع. ونرى بالفعل أن داود حفظ نفسه من الإثم بعد توبته. وكما قال بنيامين فرانكلن (Benjamin Franklin): “يُخطئ رؤساء كثيرون كما فعل داود، لكن قليلين يتوبون مثله.”
٤. فَيَرُدُّ ٱلرَّبُّ لِي كَبِرِّي: قاوم داود إغراء قويًّا للغاية بإطاحة شاول والاستلاء عن العرش الذي وُعِد به، إما عن طريق العنف أو المؤامرة. كان هذا هو التعبير الثابت لبره الذي كافأه الرب عليه بمنحه عرشًا لا يمكن أن يُنزع منه.
· شهِد داود هنا ببساطة عن ضميره الطاهر، وهو أمر جيد ورائع. “يمتلك الرجل التقي ضميرًا طاهرًا. وهو يعرف أنه مستقيم. فهل يُفترض فيه أن ينكر وعيه، ويحتقر عمل الروح القدس فيه بأن يجعل نفسه بشكل منافق أسوأ مما هو عليه؟” سبيرجن (Spurgeon)
و ) الآيات (٢٥-٢٧): مبدأ ثابت لتعامل الله مع الإنسان.
٢٥مَعَ الرَّحِيمِ تَكُونُ رَحِيمًا. مَعَ الرَّجُلِ الْكَامِلِ تَكُونُ كَامِلاً. ٢٦مَعَ الطَّاهِرِ تَكُونُ طَاهِرًا، وَمَعَ الأَعْوَجِ تَكُونُ مُلْتَوِيًا. ٢٧لأَنَّكَ أَنْتَ تُخَلِّصُ الشَّعْبَ الْبَائِسَ، وَالأَعْيُنُ الْمُرْتَفِعَةُ تَضَعُهَا.
١. مَعَ ٱلرَّحِيمِ تَكُونُ رَحِيمًا: فهِم داود مبدًأ أساسيًّا يتعامل الله بموجبه مع البشر، فهو غالبًا ما يعامل الشخص بنفس الطريقة التي يعامل بها الآخرين.
· شرح يسوع هذا المبدأ في العظة على الجبل. “لِأَنَّكُمْ بِٱلدَّيْنُونَةِ ٱلَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ ٱلَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ.” (إنجيل متى ٢:٧). فتريد الطبيعة البشرية أن تستخدم قدرًا صغيرًا من الرحمة مع الآخرين، لكنها تريد قدرًا كبيرًا من الرحمة من الله. فأخبرنا يسوع أنه ينبغي أن نتوقع نفس القدر من الله الذي نعطيه للآخرين.
· “لاحظ هنا أنه حتى الرحماء يحتاجون إلى الرحمة. فلا يمكن لأي كرم نقدمه للفقراء، أو غفران للأعداء، أن يضعنا في مكان نتجاوز فيه حاجتنا إلى رحمة الله.” سبيرجن (Spurgeon)
· “تتشكل نظرة الله إلى الإنسان من نظرته إليه.” مورجان (Morgan). ويعمل هذا المبدأ بطريقة إيجابية: فالذين يُظهرون الرحمة، يُعطون رحمة عظيمة. وهو يعمل بطريقة سلبية أيضًا: وَمَعَ ٱلْأَعْوَجِ تَكُونُ مُلْتَوِيًا. ومن الأمثلة على ذلك كيف أن الله استخدم لابان الداهية في تثقيف يعقوب (سفر التكوين ٢٧-٢٨).
· إنه لأمر ذو دلالة أن هذا يظهر في مزمور يحتفل بانتصار داود على شاول. لقد ظهر جانبا هذا المبدأ (تعامل الله مع الرحيم والمعوج) في حياة كل من داود وشاول من خلال صراعهما المستمر.
· وجد المترجمون صعوبة في ترجمة النصف الثاني من الآية ٢٦:١٨، لأنه يتضمن مفهومًا صعبًا. إنه لأمر سهل أن نقول إنه إذا كان شخص ما طاهرًا تجاه الله، فإن الله سيكون طاهرًا تجاهه بالمقابل. لكن لا يمكنك أن تقول إنه إذا كان شخص ما شريرًا تجاه الله، فإن الله سيكون شريرًا تجاهه بالمقابل، لأن الله لا يستطيع أن يفعل الشر. ولهذا “يعبّر داود عن القسم التالي الموازي بكلمة غامضة تدل على الالتواء، كما هي في الترجمة العربية. تقول الآية فعلًا: ’ومع الملتوي (الأعوج) تُظهرُ نفسك ملتويًا (أعوج)‘…. والفكرة هنا، كما يبدو، أنه إذا أصر شخص على طرقه المعوجة أو الملتوية مع الله، فإن الله سيفوقه دهاءً، حيث إنه يستحق ذلك.” بويس (Boice)
· تَعدنا الآيات في سفر اللاويين ٢٣:٢٦-٢٤ بشيء مشابه: وَإِنْ لَمْ تَتَأَدَّبُوا مِنِّي بِذَلِكَ، بَلْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِٱلْخِلَافِ، فَإِنِّي أَنَا أَسْلُكُ مَعَكُمْ بِٱلْخِلَافِ، وَأَضْرِبُكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ.”
٢. لِأَنَّكَ أَنْتَ تُخَلِّصُ ٱلشَّعْبَ ٱلْبَائِسَ (المتواضع)، وَٱلْأَعْيُنُ ٱلْمُرْتَفِعَةُ تَضَعُهَا: يحب الله أن يعطي نعمة للمتواضعين، وهو بنفس الطريقة يقاوم المتكبرين (رسالة يعقوب ٦:٤؛ رسالة بطرس الأولى ٥:٥).
· ٱلشَّعْبَ ٱلْبَائِسَ: تشير الكلمة العبرية (ani) إلى المساكين والمبتلين والمحتاجين. ونحن نجد اهتمام الله بالمتواضعين والمساكين في عدة مزامير (مزمور ٢:١٠، ٢٤:٢٢، ١٠:٣٥، ١٠:٦٨)، غير أن الكلمة العبرية هذه يمكن أن تترجم بشكل مختلف في مواضع مختلفة.
ثانيًا. قوة الله الحالية والمستقبلة لداود
أ ) الآيات (٢٨-٣٠): يعطي الله نورًا وكلمةً ليقوّي داود.
٢٨لأَنَّكَ أَنْتَ تُضِيءُ سِرَاجِي. الرَّبُّ إِلهِي يُنِيرُ ظُلْمَتِي. ٢٩لأَنِّي بِكَ اقْتَحَمْتُ جَيْشًا، وَبِإِلهِي تَسَوَّرْتُ أَسْوَارًا. ٣٠اَللهُ طَرِيقُهُ كَامِلٌ. قَوْلُ الرَّبِّ نَقِيٌّ. تُرْسٌ هُوَ لِجَمِيعِ الْمُحْتَمِينَ بِهِ.
١. لِأَنَّكَ أَنْتَ تُضِيءُ سِرَاجِي: ينتقل داود من تقديم الشكر الفرِح إلى الثقة بالمستقبل. فنفس الإله الذي أوصله إلى العرش سيعطيه حكمة (تُضِيءُ) لكي يحكم ويُنِيرُ ظُلْمَتِه.
٢. لِأَنِّي بِكَ ٱقْتَحَمْتُ جَيْشًا، وَبِإِلَهِي تَسَوَّرْتُ أَسْوَارًا: يقدم داود شكرًا على الانتصارات القديمة، ويشكر على القوة الحالية. وقد يعتقد أحدهم أن داود، بعد حوالي عشرين عامًا من حياته كطريد من شاول، سيكون منهكًا. لكن هذا لم يكن واقع الحال. فبعد أن قوّاه الله، أحس بأنه قوي بما يكفي لتحقيق أعمال بطولية خارقة.
· “لِأَنِّي بِكَ ٱقْتَحَمْتُ جَيْشًا. لقد تسلقت أقوى أسوار المدن والقلاع، ولهذا استوليتُ عليها.” بوله (Poole)
· “ما أسهل تحقيق المآثر البطولية بوجود الإيمان! لكن عندما لا يكون لدينا إيمان، فإن القتال مع الأعداء والتغلب على الصعوبات أمر صعب فعلًا. ولكن، مع الإيمان، تصبح الانتصارات سهلة جدًّا! فماذا يفعل المؤمن؟ فهنالك قوّات… جيش، فينطلق بالإيمان ويقتحم، ويحارب أعداءه. والتغلب على الصعوبات جدار أيضًا. فماذا يفعل المؤمن؟ إنه يقفز فوقه. إنه لأمر مدهش تمامًا كيف أن الحياة تصبح سهلة عندما يكون للمرء إيمان. فهل الإيمان يلغي الصعوبات؟ لا، بل يزيدها، لكن الصعوبات تزيد قوّته على التغلب عليها. فإن كان لديك إيمان، فلا بد أن لديك تجارب ومحنًا. لكنك ستقوم بمآثر بطولية، وستحتمل الحرمان والعِوَز الشديد، وستسجل انتصارات عظيمة.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. اللهُ طَرِيقُهُ كَامِلٌ. قَوْلُ ٱلرَّبِّ نَقِيٌّ (مُزكَّى): تحدّث داود عن الأشياء العظيمة التي يمكنه أن يقوم بها بعد أن قوّاه الله. لكنه عاد إلى فكرة عظمة الله. وهو يتأمل طرق الله َ(طَرِيقُهُ) وطبيعة كلمته النقية (المزكّاة).
· قَوْلُ ٱلرَّبِّ نَقِيٌّ: “النص الحرفي هو: قَوْلُ ٱلرَّبِّ ممتحَن بالنار. فقد صمدَ أمام كل الامتحانات، ولم يخذل كل الذين طلبوه أمام مؤلفه (الله).” كلارك (Clarke)
· كان بمقدور داود أن يقول: ’قَوْلُ ٱلرَّبِّ نَقِيٌّ‘ من خبرته الشخصية. إذ تبرهنت صحة الكلمة المعطاة لداود أنه سيكون الملك التالي على إسرائيل، إضافة إلى مئات الوعود الأصغر.
· هنالك كثيرون لا يعرفون ذلك من خبرتهم الشخصية لأنهم لم يضعوا أنفسهم في وضع حيث يتوجب على الله أن يبرهن صحة كلمته. وقد عرف داود حقيقة هذا الأمر من الظروف المتطرفة التي مر بها.
ب) الآيات (٣١-٣٦): الله يعطي داود قوة ومهارة.
٣١لأَنَّهُ مَنْ هُوَ إِلهٌ غَيْرُ الرَّبِّ؟ وَمَنْ هُوَ صَخْرَةٌ سِوَى إِلهِنَا؟ ٣٢الإِلهُ الَّذِي يُمَنْطِقُنِي بِالْقُوَّةِ وَيُصَيِّرُ طَرِيقِي كَامِلاً. ٣٣الَّذِي يَجْعَلُ رِجْلَيَّ كَالإِيَّلِ، وَعَلَى مُرْتَفِعَاتِي يُقِيمُنِي. ٣٤الَّذِي يُعَلِّمُ يَدَيَّ الْقِتَالَ، فَتُحْنَى بِذِرَاعَيَّ قَوْسٌ مِنْ نُحَاسٍ. ٣٥وَتَجْعَلُ لِي تُرْسَ خَلاَصِكَ وَيَمِينُكَ تَعْضُدُنِي، وَلُطْفُكَ يُعَظِّمُنِي. ٣٦تُوَسِّعُ خُطُوَاتِي تَحْتِي، فَلَمْ تَتَقَلْقَلْ عَقِبَايَ.
١. لِأَنَّهُ مَنْ هُوَ إِلَهٌ غَيْرُ ٱلرَّبِّ؟ احتفل داود بكون إله إسرائيل الإله الحقيقي بينما آلهة الشعوب وهم. كان للموآبيين والأدوميين وغيره آلهتهم، لكن يهوه (ٱلرَّبِّ) هو الله.
· “كانت معبودات العالم القديمة مثل البعل وجوبيتر (المشتري) باطلة، كما أن معبوداتنا الحديثة – اللذة والمنزلة والمنفعة باطلة. وهي لا تمنحنا القناعة أو تجعل المولعين بها سعداء. بل أقل من ذلك، لا تستطيع أن تخلصنا من الموت، أو أن تفتح الأبواب الخالدة فوق.” هورن (Horne)
٢. ٱلْإِلَهُ ٱلَّذِي يُمَنْطِقُنِي بِٱلْقُوَّةِ… ٱلَّذِي يَجْعَلُ رِجْلَيَّ كَٱلْإِيَّلِ: عرف داود بالخبرة القوة التي منحه الله إياها، والمهارة التي استخدم بها تلك القوة. كانت تلك المهارة شبيهة بمهارة الإيّل التي تجعله يركض بلا جهد فوق المرتفعات.
· تَرنَّم داود بالطريقة التي ساعده بها الله في محاربة أعدائه (كما في سفر صموئيل الثاني الإصحاح ٨). فأعطاه قوة، وساعده في أن يعدو برشاقة مثل الأيائل في سبيل آمن (يُصَيِّرُ طَرِيقِي كَامِلًا…يَجْعَلُ رِجْلَيَّ كَٱلْإِيَّلِ)، جعله قويًّا بما يكفي لكي تُحْنَى بِذِرَاعَيَّ قَوْسٌ مِنْ نُحَاسٍ، وأعطاه تُرْسَ الخَلَاصِ. عرف داود كمحارب أن الله هو الذي ساعده في الانتصار في الحروب. وكما أعطى الله داود كل ما احتاج إليه (من قوة بدنية ومهارة)، فكذلك سيعطينا ما نحتاج إليه.
· يرى كيدنر (Kidner) أن ’قَوْسٌ مِنْ نُحَاسٍ‘ هو في الواقع قوس خشبي معزَّز بالمعدن.
٣. وَيَمِينُكَ تَعْضُدُنِي،وَلُطْفُكَ يُعَظِّمُنِي: عضدت يمين الله وقوتها ومهارتها داود، وصار عظيمًا بفضل لطف الله.
· لا يخطر ببالنا في الغالب أن لطف الله يجعل أحدًا عظيمًا. وإنه لأمر سهل أن نقلل من قيمة قوة لطف الله. وغالبًا ما نريد عملًا إلهيًا أكثر إثارة وإبهارًا بشكل واضح. غير أن هذا المحارب العظيم، داود، تلقّى لطف الله وتجاوب معه.
· يمكننا القول إن هذا كان لطف الله من ناحيتين على الأقل. إنه اللطف الذي أراه الله لداود، واللطف الذي تعلَّمه داود من الله فأظهره لآخرين. “بينما كان اللطف الذي مارسه الله هو الذي سمح لداود بالنجاح، إلا أن اللطف الذي علّمه الله لداود كان عظمته الحقيقية.” كيدنر (Kidner)
· أظهر الله لطفه العظيم لداود بطرق كثيرة، بل إنه أظهره بطرق أكثر بعد انتصار داود على شاول واعتلائه العرش.
ü كان لطف الله عظيمًا مع داود عندما كان عضوًا في عائلته محتقرًا ومُهمَلًا ومنسيًّا وهو يرعى الأغنام في عزلة.
ü كان لطف الله عظيمًا مع داود عندما عزّى نفسه عندما بدأ شاول يحسده ويبغضه.
ü كان لطف الله عظيمًا مع داود عندما أعطاه صديقًا كيوناثان.
ü كان لطف الله عظيمًا مع داود عندما سمح له بأن يأكل الخبز المقدس في خيمة الاجتماع أثناء هروبه من شاول.
ü كان لطف الله عظيمًا مع داود عندما أخبر أبيجايل عن نابال، فمنع بهذا داود من قتل رجل أحمق وعائلته.
ü كان لطف الله عظيمًا مع داود عندما منحه مرتين ضبط النفس ليعفو عن حياة شاول.
ü كان لطف الله عظيمًا مع داود عندما حماه حتى عندما كان أحمق، وعلى سبيل المثال عندما تظاهر بأنه مجنون في قصر حاكم فلسطيني.
ü كان لطف الله عظيمًا مع داود عندما منعه من الانضمام إلى الفلسطينيين في محاربتهم لشاول وإسرائيل.
ü كان لطف الله عظيمًا مع داود عندما عزّاه بعد أن خسر كل شيء في صقلع، حيث تَشَدَّدَ في الرب واسترد كل شيء لاحقًا.
· نلاحظ ما فعله لطف الله أيضًا: فقد جعل داود عظيمًا. ويمكننا القول إن لطف الله يجعل كل مؤمن عظيمًا فوق ما يظن في الغالب.
ü في هذا العالم، يُعتقد أن بعض الأشخاص عظماء بسبب انتمائهم إلى سلالة ملكية. فمن الذي لديه الحق في المطالبة بالحقوق الملكية أكثر من ابن ملك الملوك أو ابنته؟
ü في هذا العالم، يُعتقد أن بعض الأشخاص عظماء بسبب اختيارهم. فأي اختيار أعظم من أن تكون مختارًا من الله نفسه؟
ü في هذا العالم، يُعتقد أن بعض الأشخاص عظماء بسبب غناهم. فمن الذين يمتلكون غنى أعظم من الأبناء الوارثين لله الذي يملك كل شيء؟
ü في هذا العالم، يُعتقد أن بعض الأشخاص عظماء بسبب انتصاراتهم. فمن الذي أحرز انتصارًا أعظم من ذاك الذي هو في اتحاد مع يسوع المسيح، الذي هو بطل الأبطال؟
ü في هذا العالم، يُعتقد أن بعض الأشخاص عظماء بسبب تأثيرهم. فمن الذي يمتلك تأثيرًا أعظم من أبناء الله الذين يستطيعون أن يحركوا يد الله من خلال صلواتهم الأمينة البارة؟
ü في هذا العالم، يُعتقد أن بعض الأشخاص عظماء بسبب اكتشافاتهم. فمن الذي اكتشف شيئًا أعظم من طبيعة الله السرمدية وغير المحدودة؟
ü في هذا العالم، يُعتقد أن بعض الأشخاص عظماء بسبب تاريخهم. فمن الذي يمتلك ميراثًا أعظم من جسد المسيح والذي يمتد عبر العصور والأجيال؟
ü في هذا العالم، يُعتقد أن بعض الأشخاص عظماء بسبب مصيرهم. فمن الذي يمتلك مصيرًا أَمْجد وأكثر روعة من وارثي المجد، الذين هم أنفسهم ميراث الرب؟
ج ) الآيات (٣٧-٤٢): الله يَنصُر داود على أعدائه.
٣٧أَتْبَعُ أَعْدَائِي فَأُدْرِكُهُمْ، وَلاَ أَرْجعُ حَتَّى أُفْنِيَهُمْ. ٣٨أَسْحَقُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ الْقِيَامَ. يَسْقُطُونَ تَحْتَ رِجْلَيَّ. ٣٩تُمَنْطِقُنِي بِقُوَّةٍ لِلْقِتَالِ. تَصْرَعُ تَحْتِي الْقَائِمِينَ عَلَيَّ. ٤٠وَتُعْطِينِي أَقْفِيَةَ أَعْدَائِي، وَمُبْغِضِيَّ أُفْنِيهِمْ. ٤١يَصْرُخُونَ وَلاَ مُخَلِّصَ. إِلَى الرَّبِّ فَلاَ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ. ٤٢فَأَسْحَقُهُمْ كَالْغُبَارِ قُدَّامَ الرِّيحِ. مِثْلَ طِينِ الأَسْوَاقِ أَطْرَحُهُمْ.
١. أَتْبَعُ أَعْدَائِي فَأُدْرِكُهُمْ: هنا كان في ذهن داود أشخاص غير شاول. وعرف أنه سيواجه، بصفته ملك إسرائيل، أعداء من شعوب محيطة به. وهو هنا يحتفل بالانتصارات الماضية التي أعطاها إياه الرب على أعدائه.
٢. وَلَا أَرْجِعُ حَتَّى أُفْنِيَهُمْ… وَتُعْطِينِي أَقْفِيَةَ (رقاب) أَعْدَائِي: قاتل داود كمحارب حقيقي، فسعى إلى إلحاق هزيمة ساحقة بأعداء إسرائيل في ميدان المعركة. وآمن بحق أن الله هو الذي نصَرَه على هؤلاء الأعداء.
· “جعلتني محاربًا تامًّا. كان دوس أعناق الأعداء علامة انتصار القائد المُظَفَّر، وكان أقصى خزي للمهزومين.” كلارك (Clarke)
· “يمكننا أن نقول عن داود ما قاله أحدهم عن يوليوس قيصر: يمكنك أن تدرك أنه كان جنديًا ممتازًا من نفس لغته. فقد كتب بنفس الروح التي حارب بها.” تراب (Trapp)
د ) الآيات (٤٣-٤٩): الله يثبّت عرش داود.
٤٣تُنْقِذُنِي مِنْ مُخَاصَمَاتِ الشَّعْبِ. تَجْعَلُنِي رَأْسًا لِلأُمَمِ. شَعْبٌ لَمْ أَعْرِفْهُ يَتَعَبَّدُ لِي. ٤٤مِنْ سَمَاعِ الأُذُنِ يَسْمَعُونَ لِي. بَنُو الْغُرَبَاءِ يَتَذَلَّلُونَ لِي. ٤٥بَنُو الْغُرَبَاءِ يَبْلَوْنَ وَيَزْحَفُونَ مِنْ حُصُونِهِمْ. ٤٦حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، وَمُبَارَكٌ صَخْرَتِي، وَمُرْتَفِعٌ إِلهُ خَلاَصِي، ٤٧الإِلهُ الْمُنْتَقِمُ لِي، وَالَّذِي يُخْضِعُ الشُّعُوبَ تَحْتِي. ٤٨مُنَجِّيَّ مِنْ أَعْدَائِي. رَافِعِي أَيْضًا فَوْقَ الْقَائِمِينَ عَلَيَّ. مِنَ الرَّجُلِ الظَّالِمِ تُنْقِذُنِي. ٤٩لِذلِكَ أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ فِي الأُمَمِ، وَأُرَنِّمُ لاسْمِكَ.
١. تُنْقِذُنِي مِنْ مُخَاصَمَاتِ ٱلشَّعْبِ: عرف داود أن استيلاءه على عرش إسرائيل أكثر من مجرد التخلص من شاول. إذ كانت هنالك أيَضا مُخَاصَمَاتُ ٱلشَّعْبِ، أي الذين لم يدعموا داود مباشرة كملك على مملكة موحَّدة (سفر صموئيل الثاني الإصحاحات ٢-٥).
٢. تَجْعَلُنِي رَأْسًا لِلْأُمَمِ. شَعْبٌ لَمْ أَعْرِفْهُ يَتَعَبَّدُ لِي (يخدمني): عرف داود أن الله لن يرفعه ليكون ملكًا على إسرائيل فحسب، بل كقوة إقليمية ذات سلطة فوق الشعوب المجاورة الذين كانوا يدفعون له الجزية.
· يخبرنا سفر إشعياء ٣:٥٥-٥ (ونصوص أخرى) أنه سيكون لهذا الوعد تحقيق أعظم في المُلك الألفي ليسوع المسيح، عندما يصبح المسيح ملكًا على إسرائيل الألفية التي ستمجَّد فوق الشعوب الأخرى في الأرض.
· مِنْ سَمَاعِ ٱلْأُذُنِ يَسْمَعُونَ لِي: يمكننا أن نقول إن الآية في مزمور ٤٤:١٨ تعلمنا كيف ينبغي أن نطيع يسوع. لا تخبرنا الآية عن التزام المؤمن فحسب، بل أيَضًا أن المرء يستطيع أن يأتي فورًا إلى يسوع المسيح، وأن يتجدد، وأن يحيا حياة الطاعة لله. إذ لا توجد فترة اختبار ضرورية.
· “إذا اعتقد أحدكم أن الثقة بالمسيح لا تتضمن طاعته، فإنه على خطأ كبير. فهم يخطئون نفس خطأ أولئك الذين يصرخون بأنهم يؤمنون بالمسيح لكنهم يقللون أهمية الطاعة له. فالطاعة هي الإيمان في شكل آخر، وهي تنبع من الإيمان.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ، وَمُبَارَكٌ صَخْرَتِي: جعل هذا كله داود يحب الله ويكرمه أكثر من أي وقت مضى. إذ سبّحه على كل الأشياء العظيمة التي قام بها. لقد أنقذه حقًّا من الرجل المعتنف (العنيف)، وعلى رأس هؤلاء المعتنفين كان شاول الذي كان يطارده ليغتاله.
· “إذا بدأنا بحقيقة ’الرب صخرتي،‘ فلا بد أن نصل في النهاية إلى ’مُبَارَكٌ صَخْرَتِي.‘” ماكلارين (Maclaren)
٤. لِذَلِكَ أَحْمَدُكَ يَارَبُّ فِي ٱلْأُمَمِ، وَأُرَنِّمُ لِٱسْمِكَ: على أحد الأصعدة، كان داود يسبح الله على إنقاذه وسلامته بين الممالك المجاورة. وعلى صعيد آخر، يقتبس بولس هذا في رسالته إلى أهل رومية ٨:١٥-١٢ كواحدة من أربع نبوّات تبيّن أن عمل يسوع لم يكن من أجل الشعب اليهودي فقط. إذ كان للأمم أيضًا.
· “وبالتالي، ينقل داود نفسه متجاوزًا إياها، حتى إلى ذرّيته إلى الأبد، كما يعبر عن هذا في مزمور ٥٠:١٨، حيث يشير إلى صلة خاصة بالمسيح.” بوله (Poole)
- “مع أن داود ربما لم يفكر إلا في اسم يهوه (الرب) وانتشاره خارج إسرائيل، إلا أن كلماته في كل قيمتها تصور مسيح الرب، والذي سيكون في النهاية المسيّا، مسبّحًا إياه بين – في شركة مع – حشد من العابدين الأممميين.” كيدنر (Kidner)
· “نتشجع عند هذه النقطة إلى إلقاء نظرة شاملة على مزمور ١٨ بأكمله بحثًا عن معانٍ مسيّانية.” بويس (Boice). ويمكننا بالتالي أن نجد صورًا كثيرة ليسوع وعمله هنا:
ü الآيات ١-٦: توحي بموته (اِكْتَنَفَتْنِي حِبَالُ ٱلْمَوْتِ… حِبَالُ ٱلْهَاوِيَةِ حَاقَتْ بِي، أَشْرَاكُ ٱلْمَوْتِ ٱنْتَشَبَتْ بِي)
ü الآيات ٧-١٨: توحي بقيامته (فَٱرْتَجَّتِ ٱلْأَرْضُ وَٱرْتَعَشَتْ، أُسُسُ ٱلْجِبَالِ ٱرْتَعَدَتْ وَٱرْتَجَّتْ… أَرْسَلَ مِنَ ٱلْعُلَى فَأَخَذَنِي. نَشَلَنِي مِنْ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. أَنْقَذَنِي مِنْ عَدُوِّي ٱلْقَوِيِّ.)
ü الآيات ١٩-٢٧: توحي بترفيعه (حَفِظْتُ طُرُقَ ٱلرَّبِّ… أَكُونُ كَامِلًا مَعَهُ وَأَتَحَفَّظُ مِنْ إِثْمِي، فَيَرُدُّ ٱلرَّبُّ لِي كَبِرِّي).
ü الآيات ٢٨-٤٢: توحي بانتصار المسيح (لِأَنِّي بِكَ ٱقْتَحَمْتُ جَيْشًا… أَتْبَعُ أَعْدَائِي فَأُدْرِكُهُمْ). كان يسوع قويًّا بما يكفي ليقتحم جيشًا وينتصر. كان أعداء يسوع أقوياء ومنضبطين. غير أنه واجههم وهزمهم. كان يسوع قويًا بما يكفي ليتسوّر سورًا. كانت شريعة الله المقدسة تفصلنا عنه. لم يحطم يسوع هذا السور، بل قام بحياته المقدسة بالقفز فوقه وتمّم الشريعة بدلًا منّا.
ü الآيات ٤٣-٥٠: توحي بملكوته (تَجْعَلُنِي رَأْسًا لِلْأُمَمِ… ٱلَّذِي يُخْضِعُ ٱلشُّعُوبَ تَحْتِي… رَافِعِي أَيْضًا فَوْقَ ٱلْقَائِمِينَ عَلَيَّ… ذَلِكَ أَحْمَدُكَ يَارَبُّ فِي ٱلْأُمَمِ).
· في حين أن الآية في مزمور ٤٩:١٨ ورسالة رومية ٩:١٥ تبيّنان أن الروح القدس تحدّث عن يسوع وعمله هنا، إلا أنه يتضمن أيضًا تطبيقًا فريدًا يخص داود وحده. “هنالك معنى بموجبه ينطبق هذا النص على داود بشكل خاص، كما لاحظ ثيودوريت (Theodoret): ’يقول إننا نرى هنا بوضوح تحقيق النبوة. فداود حتى يومنا هذا ما زال نفسه يسبِّح الله بين الأمم على أفواه المؤمنين الحقيقيين. فنحن نرى أنه ما من مدينة أو بلدة أو قرية أو بلد، أو حتى صحراء حيث يسكن فيها مؤمنون بالمسيح لا يسبَّح فيها الله من خلال ترنيم مزامير داود.‘” كلارك (Clarke)
هـ) الآية (٥٠): الله يبارك مَلِكه الممسوح.
٥٠بُرْجُ خَلَاصٍ لِمَلِكِهِ، وَٱلصَّانِعُ رَحْمَةً لِمَسِيحِهِ، لِدَاوُدَ وَنَسْلِهِ إِلَى ٱلْأَبَدِ.