تفسير سفر المزامير – مزمور ١٠٦
رحمة الله لشعب عهده
“هذا المزمور هو النظير المظلم لسابقه، وهو ظلّ تلقيه الإرادة الذاتية للإنسان في جهادها ضد النور.” ديريك كيدنر (Derek Kidner)
لاحظ ألكزاندر ماكلارين (Alexander Maclaren) أن “النغمة الأساسية في المزمور ١٠٥ هي ’اذكروا أعماله العظيمة‘ بينما هي في المزمور ١٠٦ هي ’نسوا أعماله العظيمة.‘
“يُكتب تاريخ إسرائيل هنا من منظور إظهار الخطية البشرية، بينما كُتب المزمور السابق من منظور إظهار الصلاح الإلهي. وهذا المزمور في واقع الأمر اعتراف وطني.” تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon)
أولًا. تسبيح وصلاة
أ ) الآية (١): تسبيح الله على رحمته الدائمة.
١هَلِّلُويَا. اِحْمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ.
١. هَلِّلُويَا: يبدأ هذا المزمور بالطريقة التي اختتم بها المزمور السابق، هَلِّلُويَا! قدّم المزمور ١٠٥ تسبيحًا لله على هباته وبركاته الكثيرة على إسرائيل، بينما يقدّم هذا المزمور التسبيح بسبب رحمة الله العظيمة التي تقدَّم في الغالب لإسرائيل المتمردة الجاحدة.
٢. اِحْمَدُوا الرَّبَّ: هنالك إحساس بالتوسل في هذه العبارة، كما لو أن صاحب المزمور مستميت في استخلاص أعظم عرفان بالجميل من نفسه ومن شعب الله، ولا سيما في ضوء صلاحه.
· لأَنَّهُ صَالِحٌ: “من المؤكد أن فكرة صلاح الله الذي لا يوصف تسبق بشكل ملائم اعتراف المزمور. فلا شيء يذيب القلب في التوبة مثل تذكُّر محبة الله، ولا يوجد شيء يرفع شر الخطية مثل النظر إلى الصلاح الصبور الذي طالما استُهزِئ به.” ماكلارين (Maclaren)
٣. إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ: ستصف بقية هذا المزمور الطويل رحمة (حِسِدْ) الله العظيمة (محبة العهد، محبة الولاء) لشعب إسرائيل العاصي.
· “بما أن الإنسان لا يتوقف عن أن يكون آثمًا، فإنها بركة عظيمة أن الرب لا يتوقف عن أن يكون رحيمًا.” سبيرجن (Spurgeon)
· “رغم أن هذا المزمور يفضح جحود الإنسان، إلا أنه مزمور تسبيح لأن طول أناة الرب هي التي تبرز على أنها الموضوع الحقيقي.” كيدنر (Kidner)
ب) الآيات (٢-٣): تسبيح الله على أعماله العظيمة.
٢مَنْ يَتَكَلَّمُ بِجَبَرُوتِ الرَّبِّ؟ مَنْ يُخْبِرُ بِكُلِّ تَسَابِيحِهِ؟ ٣طُوبَى لِلْحَافِظِينَ الْحَقَّ وَلِلصَّانِعِ الْبِرَّ فِي كُلِّ حِينٍ.
١. مَنْ يَتَكَلَّمُ بِجَبَرُوتِ الرَّبِّ؟ أدرك صاحب المزمور أثناء تسبيحه للرب أن تسبيحه هذا غير كافٍ. فأعمال الله الكثيرة (جَبَرُوتِ الرَّبِّ) تفوق الوصف. ولهذا لا نستطيع أن نخبر بِكُلِّ تَسَابِيحِهِ.
· “من هو الكفؤ لعملٍ يتطلب ألسنة الملائكة وقياثيرها؟” هورن (Horne)
٢. طُوبَى لِلْحَافِظِينَ الْحَقَّ: يقوم الذين يسلكون في طاعة الله (لِلْحَافِظِينَ الْحَقَّ وَلِلصَّانِعِ الْبِرَّ) بدورهم في إعلان تسبيح الله.· طُوبَى: “طوبى لهم لأنهم أشخاص ذوو مبادئ سليمة وممارسات مستقيمة. هذا هو التسبيح الحقيقي والجوهري لله. والفعل الدالّ على الشكر برهان على تقديم الشكر. والحياة الصالحة للشخص الشكور هي حياة الشكر.” تراب (Trapp)
ج) الآيات (٤-٥): الصلاة من أجل افتقاد خلاص الله.
٤اذْكُرْنِي يَا رَبُّ بِرِضَا شَعْبِكَ. تَعَهَّدْنِي بِخَلاَصِكَ، ٥لأَرَى خَيْرَ مُخْتَارِيكَ. لأَفْرَحَ بِفَرَحِ أُمَّتِكَ. لأَفْتَخِرَ مَعَ مِيرَاثِكَ.
١. اذْكُرْنِي يَا رَبُّ: مع تمهيد وتأسيس للتسبيح، أحس صاحب المزمور بأن الباب مفتوح لكي يطلب من الله عونًا. وقد عرف أن تذكُّر الله يعني أن يحرك رأفته. ويعني افتقاد الله أن يأتي بخلاصه، جالبًا الخلاص من الضيقة الحالية.
· دعا هورن (Horne) الصلاة في الآيتين ٤-٥ “أكثر التماس روحانية وروعة يمكن لأتقى مؤمن بالمسيح أن يرفعه إلى عرش النعمة.”
٢. تَعَهَّدْنِي (افتقِدْني) بِخَلاَصِكَ: يقدَّم هذا الالتماس كما لو أن صاحب المزمور مريض جدًا فيتعذر عليه أن يذهب لرؤية الطبيب من أجل الرعاية الضرورية، ولهذا يتوجب أن يأتي الطبيب إليه.
· “لا يوجد خلاص بعيدًا عن الرب، ويتوجب على الله أن يفتقدنا به وإلا فلن نحصل عليه. إننا مريضون جدًّا بحيث لا نستطيع أن نزور طبيبنا العظيم. ولهذا يتوجب عليه أن يزورنا.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. لأَرَى خَيْرَ مُخْتَارِيكَ: يقدم صاحب المزمور ثلاثة أسباب للطِّلبة التي قدّمها. وكا واحد منها مرتبط بكرامة الله وصِيْته.
· لأَرَى الخَيْرَ: “يا رب، أريد أن أرى شعبك مباركين بأعمالك العظيمة تجاههم.”
· لأفرح: “يا رب، أريد أن أشارك في فرح شعبك المبارك المفدي.”
· لأفتخر: “يا رب، أريد أن أكون جزءًا من انتصارك وانتصار شعبك.”
ثانيًا. الاعتراف بخطية إسرائيل والحاجة إلى رحمة الله
أ ) الآيات (٦-٧): ذنب إسرائيل ماضيًا وحاضرًا
٦أَخْطَأْنَا مَعَ آبَائِنَا. أَسَأْنَا وَأَذْنَبْنَا. ٧آبَاؤُنَا فِي مِصْرَ لَمْ يَفْهَمُوا عَجَائِبَكَ. لَمْ يَذْكُرُوا كَثْرَةَ مَرَاحِمِكَ، فَتَمَرَّدُوا عِنْدَ الْبَحْرِ، عِنْدَ بَحْرِ سُوفٍ.
١. أخْطَأْنَا مَعَ آبَائِنَا: يركز صاحب المزمور بشكل رئيسي على فشل إسرائيل المتكرر عبر تاريخها. غير أنه لم يرَ هذا الفشل على أنه أمر في الماضي فحسب. فقد ربط جيله الحالي بإسرائيل قديمًا في خطيتهم وإثمهم وأعمالهم الشريرة.
· هذا اعتراف مذهل ومتواضع ومباشر بالخطية. وهذه الصلاة قريبة جدًّا من موضوع هذا المزمور الذي يسترجع سجل الخطية الوطنية الأسود لتؤدي إلى توبة وطنية… لأن رجاء الاسترداد قوي، والتخطيط للخطية قاسٍ لا يرحم.” ماكلارين (Maclaren)
· أخْطَأْنَا مَعَ آبَائِنَا: “غالبًا ما تنعكس خطايا الآباء على أبنائهم. ويكون كل انعكاس جديد أقوى من سابقه، لا أضعف.” هورن (Horne)
· “يمكن أن يقال إن الأبناء يخطئون مع آبائهم عندما يقلّدونهم، وعندما يتبعون نفس أهدافهم، ويجعلون حياتهم استمرارًا لحماقات أسلافهم.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. آبَاؤُنَا فِي مِصْرَ لَمْ يَفْهَمُوا عَجَائِبَكَ: بناءً على السطور من الآية ٦ نفهم أن هذه العبارة تقول: “أخطأ آبَاؤُنَا وتَمَرَّدُوا، ونحن فعلنا الأمر نفسه أيضًا.” سرد صاحب المزمور خطية إسرائيل في ’مارّة‘ بعد وقت قليل من مجيئهم إلى البحر الأحمر (سفر الخروج ١٥: ٢٢-٢٧).
· لَمْ يَذْكُرُوا كَثْرَةَ مَرَاحِمِكَ: تبيّن المقابلة بين أعمال الله المُحبة (مَرَاحِمِكَ – أو ألطافك، وهي في صيغة الجمع) والغياب الدرامي لتجاوب إسرائيل مع عظمة الله وخلاصه. فقد خلَّص الله شعبًا لم يتجاوب مع محبته!” فانجيميرين (VanGemeren)
ب) الآيات (٨-١٢): رحمة خلاص الله لإسرائيل المتمردة.
٨فَخَلَّصَهُمْ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ، لِيُعَرِّفَ بِجَبَرُوتِهِ. ٩وَانْتَهَرَ بَحْرَ سُوفٍ فَيَبِسَ، وَسَيَّرَهُمْ فِي اللُّجَجِ كَالْبَرِّيَّةِ. ١٠وَخَلَّصَهُمْ مِنْ يَدِ الْمُبْغِضِ، وَفَدَاهُمْ مِنْ يَدِ الْعَدُوِّ. ١١وَغَطَّتِ الْمِيَاهُ مُضَايِقِيهِمْ. وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَبْقَ. ١٢ فَآمَنُوا بِكَلاَمِهِ. غَنَّوْا بِتَسْبِيحِهِ.
١. فَخَلَّصَهُمْ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ: استجاب بنو إسرائيل لخلاص الله العظيم بالجحود والتمرد. ورغم ذلك، استجاب الرب بالإنقاذ، لا من أجل إسرائيل فحسب، بل خلّصهم لِيُعَرِّفَ بِجَبَرُوتِهِ بين الأمم أيضًا.
· “وهكذا، فإن تاريخ إسرائيل هو قصة رحمة الله وأمانته وطول أناته بقدر ما كان قصة خيانتها لله وعدم إيمانها به. وفي واقع الأمر، فإن خطيتهم هي الخلفية التي يسطع عليها بشكل كامل صبر الله.” بويس (Boice)
· مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ: “يحرس الرب اسمه وكرامته بشكل غيور جدًّا. ولن يقال أبدًا إنه لن يخلّص شعبه أو إنه لن يخفف من غطرسة أعدائه المُتَحَدِّين له. ويؤدّي هذا الجانب من كرامته أو مجده إلى أعمال رحمة. ومن هنا نبتهج بحقيقة أنه إله غيور.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. وَانْتَهَرَ بَحْرَ سُوفٍ: يتذكر صاحب المزمور أعمال الله العظيمة من تقسيم البحر الأحمر إلى هلاك الجيش المصري (وَغَطَّتِ الْمِيَاهُ مُضَايِقِيهِمْ).
٣. فَآمَنُوا بِكَلاَمِهِ. غَنَّوْا بِتَسْبِيحِهِ: لم تكن كل ردود فعل إسرائيل لأعمال الله المخلِّصة تمرُّدًا وعصيانًا. إذ كانت هنالك أوقات وثِقوا فيها بكلامه وسبّحوه في ترنيم (مثلًا، سفر الخروج ١٥).
اكتشف سبيرجن (Spurgeon) خطأ في هذا الإيمان والتسبيح: “أي أنهم صدّقوا الوعد بعد أن تحقق، لكن ليس قبل ذلك.”
ج) الآيات (١٣-١٥): أعطاهم الله هُزَالًا في نفوسهم بسبب خطيتهم.
١٣أَسْرَعُوا فَنَسُوا أَعْمَالَهُ. لَمْ يَنْتَظِرُوا مَشُورَتَهُ. ١٤بَلِ اشْتَهَوْا شَهْوَةً فِي الْبَرِّيَّةِ، وَجَرَّبُوا اللهَ فِي الْقَفْرِ. ١٥فَأَعْطَاهُمْ سُؤْلَهُمْ، وَأَرْسَلَ هُزَالًا فِي أَنْفُسِهِمْ.
١. أسْرَعُوا فَنَسُوا أَعْمَالَهُ: انتقلت إسرائيل بسرعة من الإيمان والاحتفال بأعمال الله (الآية ١٢) إلى الجحود والعصيان. كانت شهوتهم وراء الأمور الجسدية والمادية (اشْتَهَوْا شَهْوَةً) عاملًا مهمًا في هذا (سفر العدد ١١).
· أسْرَعُوا فَنَسُوا أَعْمَالَهُ: “في ساعة الخلاص الذي أعانه العيان، كان الإيمان قويًّا. فكان سهلًا أن يرنموا. لكن يعود الإجهاد والتوتر مباشرة، فتُنسى أعمال الله القوية ولا تُطلب مشورته.” مورجان (Morgan)
· “هل ينطبق هذا عليك؟ هل ترى معجزات الله، لكن عند أول علامة جديدة للمقاومة، تنسى ما فعله الله، وسرعان ما تتمرد على ما تفترض أنه حياة صعبة مؤلمة؟ وعندما يخلصك الله مرة أخرى، هل ترنم تسابيحه، لكنك تنسى ذلك الخلاص؟ هكذا أنت وأنا متشابهان!” بويس (Boice)
· اشْتَهَوْا شَهْوَةً: هذا تكرار للكلمة في العبرية، كما هو في الترجمة العربية. ويدل استخدام الفعل المطلق على تشديد المعنى.
٢. وَجَرَّبُوا اللهَ فِي الْقَفْرِ: كرر صاحب المزمور الفكرة الموجودة في مزمور ٧٨: ١٨ التي تحدثت عن تجربة بني إسرائيل لله بعدم إيمانهم حول قدرته على تلبية احتياجاتهم في القفر.
٣. فَأَعْطَاهُمْ سُؤْلَهُمْ، وَأَرْسَلَ هُزَالًا فِي أَنْفُسِهِمْ: أعطى الله بني إسرائيل اللحم الذي تاقوا إليه (سفر العدد ١١)، لكن هذا اللحم أُرسِل مع لعنة مرافقة. فما أرادوه صار شيئًا سيئًا. والابن الضال ولوط مثلان آخران لأشخاص حصلوا على سؤلهم، لكنه كان سبب دمارهم.
· عندما نسمح للرغبات الشريرة بأن تسود على حياتنا قد يرسل الله لنا ما نتوق إليه وهُزَالًا فِي أَنْفُسِنا أيضًا. وإنه لأفضل لنا أن ننكر رغباتنا الجامحة هذه ونتمتع بنفس ’سمينة‘ صحية. “فَأَعْطَاهُمْ سُؤْلَهُمْ، لكن نفوسهم تضوّرت جوعًا.” ميير (Meyer)
· “كل من يركز رغباته الساخنة بعناد على مصلحته المادية، وينجح في تأمين إشباعها، فإنه يكسب… ويؤدي إلى فقدان الطبيعة الروحية الذابلة أصلًا. الشهوة المشبعة تصنع أرواحًا جائعة.” ماكلارين (Maclaren)
· فَأَعْطَاهُمْ سُؤْلَهُمْ: “لا تحاول أن تفرض إرادتك على الله. ولا تصر على أي شيء بشدة. دع الله يخترْ عنك. فعندما تقدم طلبة لأشياء غير موعودة لك، اطلب من الله ألا يعطيك سؤلك ما لم يكن هو الأفضل.” ميير (Meyer)
· كانت الدينونة المذكورة هنا (وفي سفر العدد ١١) صارمة، لكنها كانت مفيدة لبني إسرائيل لأنها علّمتهم ألا يسمحوا لرغباتهم الجامحة وشهواتهم بأن تحكمهم. فدعوا ذلك المكان “قبرؤت هتّأوَة”، أي “قبور الشهوة” (سفر العدد ١١: ٣٤). ومنذ ذلك الحين سمح كثيرون لشهواتهم بأن تكون قبورهم.
د ) الآيات (١٦-١٨): بسبب خطيتهم، أرسل الله عليهم نارًا ودينونة.
١٦وَحَسَدُوا مُوسَى فِي الْمَحَلَّةِ، وَهارُونَ قُدُّوسَ الرَّبِّ. ١٧فَتَحَتِ الأَرْضُ وَابْتَلَعَتْ دَاثَانَ، وَطَبَقَتْ عَلَى جَمَاعَةِ أَبِيرَامَ، ١٨وَاشْتَعَلَتْ نَارٌ فِي جَمَاعَتِهِمْ. اللَّهِيبُ أَحْرَقَ الأَشْرَارَ.
١. وَحَسَدُوا مُوسَى فِي الْمَحَلَّةِ: يشير هذا إلى التمرد الذي قاده قورح، والمدوّن في سفر العدد ١٦. ظن قورح أن موسى وهارون متغطرسان ومتكبّران متهمًا إياهم: “كَفَاكُمَا! إِنَّ كُلَّ الْجَمَاعَةِ بِأَسْرِهَا مُقَدَّسَةٌ وَفِي وَسَطِهَا الرَّبُّ. فَمَا بَالُكُمَا تَرْتَفِعَانِ عَلَى جَمَاعَةِ الرَّبِّ؟” (سفر العدد ١٦: ٣).
· “يُنزَع القناع عن الهجوم المتسم بالبر الذاتي على قيادة موسى الروحية والزمنية في سفر العدد ١٦: ٣ و ١٦: ١٣ في كلمة ’حَسَدُوا.‘ وهذه الوقاحة الصريحة كما يصوّرها الكتاب المقدس سمة للأبرار ذاتيًّا.” كيدنر (Kidner)
· “من يستطيع أن ينجو من الحسد إذا كان أكثر الناس حِلمًا ووداعة كان موضوعًا له؟ هذا الحسد غير عقلاني على الإطلاق، حيث كان موسى هو أكثر من يتعب في المحلة وأكثر من يحتمل الأعباء. كان يُفترض أن يتعاطفوا معه. ومن السخف أن يحسدوه.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. وَهارُونَ قُدُّوسَ (قدّيس) الرَّبِّ: كان هذا اللقب كرمًا من صاحب المزمور تجاه خادم أخطأ كثيرًا (كما في سفر الخروج ٣٢، في حادثة العجل الذهبي). ومهما كانت أخطاء هارون، فإنه الكاهن المُعيّن من الله. وقد وجّه قورح تمرّده ضد كل من موسى وهارون.
٣. فَتَحَتِ الأَرْضُ وَابْتَلَعَتْ دَاثَانَ: كان لدى قورح متآمران رئيسيان هما دَاثَانَ وأَبِيرَامَ. وبشكل درامي، فَتَحَتِ الأَرْضُ وَابْتَلَعَتْهما في الصَّدْع العظيم (سفر العدد ١٦: ٣١-٣٣).
٤. اللَّهِيبُ أَحْرَقَ الأَشْرَارَ: تصف الآية في سفر العدد ١٦: ٣٥ النار التي التهمت ٢٥٠ رجلًا تآمروا مع قورح.
هـ) الآيات (١٩-٢٣): بسبب خطيتهم، جعل الله نفسه ضد إسرائيل.
١٩صَنَعُوا عِجْلاً فِي حُورِيبَ، وَسَجَدُوا لِتِمْثَال مَسْبُوكٍ، ٢٠وَأَبْدَلُوا مَجْدَهُمْ بِمِثَالِ ثَوْرٍ آكِلِ عُشْبٍ. ٢١نَسُوا اللهَ مُخَلِّصَهُمُ، الصَّانِعَ عَظَائِمَ فِي مِصْرَ، ٢٢وَعَجَائِبَ فِي أَرْضِ حَامٍ، وَمَخَاوِفَ عَلَى بَحْرِ سُوفٍ، ٢٣فَقَالَ بِإِهْلاَكِهِمْ. لَوْلاَ مُوسَى مُخْتَارُهُ وَقَفَ فِي الثَّغْرِ قُدَّامَهُ لِيَصْرِفَ غَضَبَهُ عَنْ إِتْلاَفِهِمْ.
١. صَنَعُوا عِجْلاً فِي حُورِيبَ: لم يقدّم صاحب المزمور رواية الخروج حسب الترتيب الزمني. إذ يذكر هنا خطية إسرائيل مع العجل الذهبي، والتي حصلت قبل فترة طويلة من تمرد قورح.
٢. وَسَجَدُوا لِتِمْثَال مَسْبُوكٍ: هذه الخطية، وهي خطية جحود، وعدم إيمان، وعبادة أوثان، وانحلال أخلاقي، مدونة في سفر الخروج ٣٢. ويستمر لطف صاحب المزمور تجاه هارون في عدم التطرق إلى دوره في هذه الخطية هنا.
٣. وَأَبْدَلُوا مَجْدَهُمْ بِمِثَالِ ثَوْرٍ آكِلِ عُشْبٍ: لم تحط عبادة الأوثان في رواية العجل الذهبي من قيمة الله، بل حطّت من قيمتهم هم. فقد انحطوا بأنفسهم ليكونوا مخلوقات وعبيدًا لحيوان صنعه بشر.
· يظهر الانحراف الغريب الذي حوّلهم عن بهاء المجد الإلهي (مجدهم) ليسجدوا أمام وثن بشكل بارز في حقيقة أنهم قايضوا إلههم بتمثال ثَوْرٍ آكِلِ عُشْبٍ.” ماكلارين (Maclaren)
· اقتبس بولس من الترجمة السبعينية هذه العبارة من مزمور ١٠٦: ٢٠ في رومية ١: ٢٣، مستخدمًا اتهامًا قويًّا ضد عابدي الأوثان من كل نوع. وكما يوضح تطبيق بولس، “ليست إسرائيل وحدها هي التي ارتكبت خطية عبادة الأوثان. فهذه خطية البشرية بشكل عام. فنحن أيضًا عابدو أوثان عندما نضع أي شيء غير الله في مكان الله.” بويس (Boice)
٤. نَسُوا اللهَ مُخَلِّصَهُمُ: لم تكن خطيتهم عبادة أوثان وانحلالًا أخلاقيًّا فحسب، بل جحودًا واضحًا أيضًا. إذ تجاهلوا الإله الصَّانِعَ عَظَائِمَ وعَجَائِبَ وأشياء مهيبة في إخراجهم من مصر، وراحوا يسبّحون العجل الذهبي.
٥. فَقَالَ بِإِهْلاَكِهِمْ: تدوّن الآيات في سفر الخروج ٣٢: ٩-١٠ كلمات الله المذهلة إلى موسى، شارحًا أنه سيقضي على شعب إسرائيل المتمرد ويبني أمّة أخرى من خلال موسى.
· قال الله لموسى: “فَالآنَ اتْرُكْنِي لِيَحْمَى غَضَبِي عَلَيْهِمْ وَأُفْنِيَهُمْ، فَأُصَيِّرَكَ شَعْبًا عَظِيمًا” (سفر الخروج ٣٢: ١٠). لم يطلب الله رأي موسى في مشاركته في هذا الأمر. فقد قال ببساطة: “اتركني وحدي لكي أفعل هذا.” والانطباع الواضح هو أنه إذا لم يفعل موسى شيئًا، فستمضي الخطة قُدُمًا.
٦. وَقَفَ (موسى) فِي الثَّغْرِ: فعل موسى شيئًا. لم يقف مكتوف اليدين. لم يقل بروح جبرية: “سيفعل الله ما سيريده.” بل تضرّع إلى الرب طالبًا أن يصرف غضبه، لأنه بمعنى أوسع آمن بأن هذا هو قلب الله (سفر الخروج ٣٢: ١١-١٣). فاستجاب الله لصلاة موسى وعفا عن إسرائيل.
· فِي الثَّغْرِ: “تعبير ’الوقوف في الثغر‘ مستمد من اللغة العسكرية. وهو يدل على بسالة جندي يقف في ثغر سور مستعدًّا أن يقدّم حياته وهو يدرأ الأعداء (انظر حزقيال ٢٢: ٣٠). وهكذا وقف موسى بشجاعة في حضرة الله العلي نيابة عن إسرائيل.” فانجيميرين (VanGemeren)
· “أوقف موسى طريق الانتقام للعدالة بصلواته. فوقف كمحارب باسل يدافع عن السور عندما تكون هنالك فتحة يمكن أن يدخل العدو من خلالها ويدمر المدينة.” سبيرجن (Spurgeon)
· “وضع الله سياجًا أو سورًا حولهم، لكنهم صنعوا بخطاياهم ثغرًا أو خرْقًا، فكان يمكن للرب الذي صار بحق عدوهم أن يدخل ويفترسهم. ومن المؤكد أنه كان سيفعل ذلك لولا شفاعة موسى المنتصرة.” بوله (Poole)
- لِيَصْرِفَ غَضَبَهُ عَنْ إِتْلاَفِهِمْ: كانت خطية إسرائيل عظيمة، فاستفزت انتقام الله. وكانت الصلاة أقوى في صرف هذا الانتقام. وينبغي لنا أن نتوسل لدى الرب من أجل العالم المذنب، ولا سيما المرتدين من شعبنا.” سبيرجن (Spurgeon)
و ) الآيات (٢٤-٢٧): بسبب خطيتهم، طرحهم الله في البرية.
٢٤وَرَذَلُوا الأَرْضَ الشَّهِيَّةَ. لَمْ يُؤْمِنُوا بِكَلِمَتِهِ. ٢٥بَلْ تَمَرْمَرُوا فِي خِيَامِهِمْ. لَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ الرَّبِّ، ٢٦فَرَفَعَ يَدَهُ عَلَيْهِمْ لِيُسْقِطَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ، ٢٧وَلِيُسْقِطَ نَسْلَهُمْ بَيْنَ الأُمَمِ، وَلِيُبَدِّدَهُمْ فِي الأَرَاضِي.
١. وَرَذَلُوا الأَرْضَ الشَّهِيَّةَ. لَمْ يُؤْمِنُوا بِكَلِمَتِهِ: يشير هذا إلى خطية بني إسرائيل في عدم الإيمان في قادش برنيع (سفر العدد ١٤: ١-٤). لم يصدّقوا وعد الله ولا تقرير كالب ويشوع، الجاسوسين الأمينين (سفر العدد ١٣: ٣٠).
· تَمَرْمَرُوا فِي خِيَامِهِمْ: “التمرمر أو التذمر خطية عظيمة وليس مجرد ضعف. فهي تتضمن في ذاتها عدم الإيمان، والكبرياء، والتمرد، ومجموعة كاملة من الخطايا. وهي خطية شخصية، فهي غالبًا تمارَس من قبل المتذمرين فِي ’خِيَامِهِمْ،‘ لكنها شريرة بنفس المقدار الخطايا التي ترتكب في العلن أو في الشوارع، وهي محزنة جدًّا للرب.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. لَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ الرَّبِّ: وعدهم الرب بأرض كنعان مهما كانت المقاومة. فكان احتجاجهم عدم إيمان، مُقَنَّعًا باهتمام مفترض بزوجاتهم وأبنائهم (سفر العدد ١٤: ٣).
٣. فَرَفَعَ يَدَهُ عَلَيْهِمْ (مُقْسِمًا) لِيُسْقِطَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ: قرر الله أن جيل عدم الإيمان لن يرث أرض كنعان (سفر العدد ١٤: ٢٢-٢٥)، وسيموت هذا الجيل في البرية. وستكون للجيل الجديد فرصة جديدة للاستيلاء على الأرض بالإيمان.
· فَرَفَعَ يَدَهُ: “أقسم الله، كما يدل هذا التعبير عادة في مواضع أخرى مثل سفر التكوين ١٤: ٢٢، وسفر التثنية ٣٢: ٤٠، وسفر نحميا ٩: ١٥، و رؤيا يوحنا ١٠: ٥-٦. وهذا حكم مخيف بقسم من الله لا رجعة عنه.” بوله (Poole)
ز ) الآيات (٢٨-٣١): بسبب خطيتهم، أرسل عليهم وبأ.
٢٨وَتَعَلَّقُوا بِبَعْلِ فَغُورَ، وَأَكَلُوا ذَبَائِحَ الْمَوْتَى. ٢٩وَأَغَاظُوهُ بِأَعْمَالِهِمْ فَاقْتَحَمَهُمُ الْوَبَأُ. ٣٠فَوَقَفَ فِينَحَاسُ وَدَانَ، فَامْتَنَعَ الْوَبَأُ. ٣١فَحُسِبَ لَهُ ذلِكَ بِرًّا إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ، إِلَى الأَبَدِ.
١. وَتَعَلَّقُوا (ربطوا أنفسهم) بِبَعْلِ فَغُورَ: يخبرنا سفر العدد الإصحاح ٢٥ كيف أن امرأتين موآبيتين حرّضتا رجال إسرائيل على عبادة الأوثان والانحلال الأخلاقي في بَعْلِ فَغُورَ، وفي ممارستهم للوثتية أكلوا طعامًا يقدَّم للأموات (وَأَكَلُوا ذَبَائِحَ الْمَوْتَى).
٢. فَاقْتَحَمَهُمُ الْوَبَأُ: أرسل الله الْوَبَأُ كدينونة على بني إسرائيل. ولم يتوقف الوبأ إلا عندما جلب فينحاس البار دينونة الله على رجل إسرائيلي وامرأة موآبية على ما يبدو في وسط الانحلال الأخلاقي أو قرب خيمة الاجتماع نفسها (سفر العدد ٢٥: ٦-٩). أوقف هذا العمل البار ذلك الْوَبَأُ.
· “كان هذا العمل الشجاع الحاسم مقبولًا لدى الله على أنه برهان وجود نفوس مخْلِصة في إسرائيل حتى إن هذا الوبأ توقف تمامًا.” سبيرجن (Spurgeon)
· شدّد جون تراب (John Trapp) على أنه لا ينبغي لأحد أن يستخدم مثال فينحاس كذريعة للانتقام من الخطاة. “بحركة سرية نبيلة استثنائية من الروح القدس، بطريقة لا يمكننا أن نتخذ منها مثالًا يُحتذى. فليس كل ما يُذكَر ويمتَدح في الكتاب المقدس قابلًا للتطبيق.”
٣. فَحُسِبَ لَهُ ذلِكَ بِرًّا: اعترافًا بهذا العمل البار، قطع الله عهدًا حول الكهنوت مع فينحاس ونسله (سفر العدد ٢٥: ١٠-١٣).
ح) الآيات (٣٢-٣٣): بسبب خطيّتهم، أدّب الله موسى.
٣٢وَأَسْخَطُوهُ عَلَى مَاءِ مَرِيبَةَ حَتَّى تَأَذَّى مُوسَى بِسَبَبِهِمْ. ٣٣لأَنَّهُمْ أَمَرُّوا رُوحَهُ حَتَّى فَرَطَ بِشَفَتَيْهِ.
١. وَأَسْخَطُوهُ عَلَى مَاءِ مَرِيبَةَ: تشرح لنا الآيات في سفر العدد ٢٠: ٩-١١ كيف أن بني إسرائيل أغضبوا موسى (أَسْخَطُوهُ) عَلَى مَاءِ مَرِيبَةَ بتذمُّرهم وخصامهم. غير أن الله أمر موسى بأن يكلّم الصخرة (سفر العدد ٢٠: ٧-٨)، ووعد الله أن يوفر الماء بأعجوبة.
٢. حَتَّى تَأَذَّى مُوسَى بِسَبَبِهِمْ: لم يكلم موسى الصخرة كما أمره الله، لكنه ضربها (سفر العدد ٢٠: ٩-١١). وفر الله الماء، لكن موسى لم يمثل الله تمثيلًا حسنًا، ولهذا حُرم من دخول أرض الموعد (سفر العدد ٢٠: ١٢-١٣).
٣. أَمَرُّوا رُوحَهُ: أكد صاحب المزمور كيف أنهم استفزوا موسى حقًّا بتمردهم فأغضبوه. ورغم أنهم هم الذين استفزوه، إلا أن الله عدّه مسؤولًا عن رد فعله لهذا الاستفزاز.
· لاحظ سبيرجن (Spurgeon) أن جماعة المؤمنين أحيانًا تستفز الخدام أو الرعاة كما استفزت إسرائيل موسى. “ينبغي أن نكون حريصين جدًّا كيف نعامل خدام الإنجيل لئلا، باستفزازنا لهم، ندفعهم إلى سلوك غير لائق يجلب عليهم تأديب الرب. فليست لدى هؤلاء المتذمرين والمشاغبين أية فكرة عن المخاطر التي يمكن أن يتورط فيها الرعاة بسبب سلوكهم السيئ.”
· فَرَطَ بِشَفَتَيْهِ: “الكلمتان العبريتان هنا هما (vayebatte bisephathaiv) أي تلعثم بشفتيه، ومن الواضح أن هذا كان مدفوعًا بالغضب الشديد.” كلارك (Clarke)
ط) الآيات (٣٤-٣٩): بسبب خطيّتهم، تلوّثت الأرض.
٣٤لَمْ يَسْتَأْصِلُوا الأُمَمَ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ الرَّبُّ عَنْهُمْ، ٣٥بَلِ اخْتَلَطُوا بِالأُمَمِ وَتَعَلَّمُوا أَعْمَالَهُمْ. ٣٦وَعَبَدُوا أَصْنَامَهُمْ، فَصَارَتْ لَهُمْ شَرَكًا. ٣٧وَذَبَحُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ لِلأَوْثَانِ. ٣٨وَأَهْرَقُوا دَمًا زَكِيًّا، دَمَ بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمِ الَّذِينَ ذَبَحُوهُمْ لأَصْنَامِ كَنْعَانَ، وَتَدَنَّسَتِ الأَرْضُ بِالدِّمَاءِ. ٣٩وَتَنَجَّسُوا بِأَعْمَالِهِمْ وَزَنَوْا بِأَفْعَالِهِمْ.
١. لَمْ يَسْتَأْصِلُوا الأُمَمَ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ الرَّبُّ عَنْهُمْ: عندما جاء بنو إسرائيل إلى أرض الموعد، أمرهم الله بأن يقضوا على الشعوب الكنعانية الساكنة في الأرض.
· كانت تلك حربًا فريدة من الدينونة أمر الله إسرائيل بشنّها على الثقافات المنحرفة الفاسدة والناضجة للدينونة، بل مضى عليها وقت استحقاقها.
٢. اخْتَلَطُوا بِالأُمَمِ وَتَعَلَّمُوا أَعْمَالَهُمْ: أراد الله من بني إسرائيل أن يحاربوا الكنعانيين ليخدموا قصده في دينونة تلك الشعوب. لكن الله أراد أيضًا إبعاد الكنعانيين لئلا يشكلوا تأثيرًا شريرًا في شعبه فيقودوهم إلى عبادة أوثانهم واتِّباع طرقهم الشريرة. وسيعني عدم تخلص بني إسرائيل من الكنعانيين أن تأثيرهم الشرير سيفسدهم.
· “وجدوا صُحبة شريرة، ففرحوا بها. أصبح الأشخاص الذين كان يفترض أن يُقضى عليهم أصحابًا لهم. فبعد أن كانت لديهم عيوب خاصة بما يكفي، كانوا مستعدين أن يتتلمذوا على أيدي الكنعانيين القذرين، وأن يثقّفوا أنفسهم بمزيد من فنون الإثم.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. وَذَبَحُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ لِلأَوْثَانِ: كان أحد أسوأ الأمثلة لهذا التأثير عبادة مولك (Molech)، وهو إله كنعاني يُعبد عادة بتقديم ذبائح من أطفال.
· وَعَبَدُوا أَصْنَامَهُمْ (شياطين): “لم يعبدوا الله كما تظاهروا، أو قصدوا أحيانًا، لكن عبدوا شياطين في أوثانهم. ولم تكن تلك الأرواح التي افترض الوثنيون أنها تسكن في تماثيلهم آلهة أو أرواحًا صالحة كما تخيلوا. لكن كانت أرواحًا شريرة أو شياطين.” بوله (Poole)
· لِلأَوْثَانِ (للشياطين): “تُدعى الشياطين هنا شِديم (Shedim) أي مُهلِكون (بالمقابلة مع شادّاي – العليّ)، وهي تسمية جديرة بها لأن عملها الشاغل هو تبديد الناس وحرمانهم من أبنائهم.” تراب (Trapp)
٤. وَتَدَنَّسَتِ الأَرْضُ بِالدِّمَاءِ: إلى أن يتحقق العدل، ستظل دماء المقتولين الأبرياء تصرخ إلى الله (تكوين ١٠:٤)، وتدنّس الأمّة في عيني الله (سفر العدد ٣٣:٣٥).
· “تنجست الأرض الموعودة، الأرض المقدسة، الأرض التي كانت فخر كل الأراضي لأن الله كان موجودًا فيها… بالدم، على أيدي آباء الأطفال الذين قُتلوا كقرابين إكرامًا للشياطين.” سبيرجن (Spurgeon)
٥. وَتَنَجَّسُوا بِأَعْمَالِهِمْ: في كل من الجو الذي سمحوا به والأعمال التي قاموا بها، نجّس بنو إسرائيل أنفسهم بأعمالهم. ويمكن أن يقال الأمر نفسه حول كثيرين من شعب الله اليوم.
ي) الآيات (٤٠-٤٣): بسبب خطيتهم، دفعهم الله إلى أيدي أعدائهم.
٤٠فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى شَعْبِهِ، وَكَرِهَ مِيرَاثَهُ. ٤١وَأَسْلَمَهُمْ لِيَدِ الأُمَمِ، وَتَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ مُبْغِضُوهُمْ. ٤٢وَضَغَطَهُمْ أَعْدَاؤُهُمْ، فَذَلُّوا تَحْتَ يَدِهِمْ. ٤٣مَرَّاتٍ كَثِيرَةً أَنْقَذَهُمْ، أَمَّا هُمْ فَعَصَوْهُ بِمَشُورَتِهِمْ وَانْحَطُّوا بِإِثْمِهِمْ.
١. فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى شَعْبِهِ: حَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى بني إسرائيل بحق من أجل الخطايا المذكورة في هذا المزمور الطويل. وبمعنى ما، كَرِهَ مِيرَاثَهُ، وأسلم شعبه إلى تقويم قاسٍ.
· “إلى أي مدى يمكن أن يشتعل غضب الله على الذين أحبَّهم في قلبه، وهو أمر يصعب قوله، لكن من المؤكد أن إسرائيل أوصلت الأمور إلى حد التطرف.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. وَأَسْلَمَهُمْ لِيَدِ الأُمَمِ: يبدو أن هذا مزمور سبي (وبشكل خاص في ضوء الآية ٤٦)، حيث كُتب بعد غزو يهوذا والسبي القسري. لم يكن تسليم الله لإسرائيل لِيَدِ الأُمَمِ مجرد هزيمة في عدة معارك، لكنهم تعرضوا لغزو كامل، وهُجِّروا من الأرض – وَتَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ مُبْغِضُوهُمْ.
· “وجدوا في إلههم سيدًا لطيفًا، لكنهم وجدوا في الذين سعوا إلى شركتهم طغاة من أكثر الأنواع بربرية.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. مَرَّاتٍ كَثِيرَةً أَنْقَذَهُمْ: يتطرق المزمور مرة أخرى إلى جحود إسرائيل الأساسي. مَرَّاتٍ كَثِيرَةً أَنْقَذَهُمْ، لكنهم تمردوا. ولا يمكن لمثل هذا الجحود أن يستمر من دون أي رد. ففي الوقت المناسب، وبعد طول أناة كثيرة من جانب الله، ترك إسرائيل تهوي إلى الحضيض في إثمها (وَانْحَطُّوا بِإِثْمِهِمْ).
ثالثًا. عظمة رحمة الله لإسرائيل
أ ) الآيات (٤٤-٤٦): بسبب رحمة الله، سمع الله صرخة محنتهم.
٤٤فَنَظَرَ إِلَى ضِيقِهِمْ إِذْ سَمِعَ صُرَاخَهُمْ. ٤٥وَذَكَرَ لَهُمْ عَهْدَهُ، وَنَدِمَ حَسَبَ كَثْرَةِ رَحْمَتِهِ. ٤٦وَأَعْطَاهُمْ نِعْمَةً قُدَّامَ كُلِّ الَّذِينَ سَبَوْهُمْ.
١. فَنَظَرَ إِلَى ضِيقِهِمْ: (باللغة الإنجليزية ’رغم ذلك‘ نَظَرَ إِلَى ضِيقِهِمْ): بعد وصف لتقويم الله لإسرائيل في السطور السابقة، فإن تعبير ’رغم ذلك‘ أو حرف ’ف‘ في نَظَرَ، يعبّر عن منحة كريمة رائعة. فرغم الدينونة المستحَقَّة، نَظَرَ الله إِلَى ضِيقِهِمْ وَذَكَرَ لَهُمْ عَهْدَهُ.
· “رغم أن الشعب كانوا غير أوفياء، إلا أن الرب كان وفيًّا لهم. ولهذا يمكن لمزمور يتعامل مع خطايا شعب الله أن ينتهي بنغمة إيجابية.” بويس (Boice)
· “ذكر الله العهد الذي نسيه شعبه. وتضمن مراحم الله التي لا عدد لها، وهي أكثر وأعظم من خطايا البشر، غفرانًا بعد تكرار التعديات.” ماكلارين (Maclaren)
٢. وَنَدِمَ (لانَ، رقَّ) حَسَبَ كَثْرَةِ رَحْمَتِهِ: ربما كان يمكن أن تجري الأمور بطريقة مختلفة. إذ كان بمقدور الله أن يتعامل مع إسرائيل على أساس خطاياها ودينونته البارّة فقط. لكن في حين أنه لم يتجاهل خطيتهم، قرر أن يتعامل معهم على أساس كَثْرَةِ رَحْمَتِهِ.
٣. وَأَعْطَاهُمْ نِعْمَةً قُدَّامَ كُلِّ الَّذِينَ سَبَوْهُمْ: كان أحد جوانب رحمة الله هو أنه أعطاهم نعمة قُدَّامَ كُلِّ الَّذِينَ سَبَوْهُمْ. إذ أشفق عليهم الذين سبوهم وعاملوهم برفق.
· “ينطبق هذا على نحو خاص على السبي البابلي، حيث أعطاهم كورش حريتهم. وعطف عليهم داريوس ومنحهم عدة امتيازات. وأعاد أحشويرش نحميا إلى أورشليم والهيكل ليعيد بناءهما.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (٤٧-٤٨): صلاة وتسبيح لإله الرحمة العظيمة.
٤٧خَلِّصْنَا أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا، وَاجْمَعْنَا مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ، لِنَحْمَدَ اسْمَ قُدْسِكَ، وَنَتَفَاخَرَ بِتَسْبِيحِكَ. ٤٨مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ. وَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: «آمِينَ». هَلِّلُويَا.
١. خَلِّصْنَا أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا، وَاجْمَعْنَا مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ: يبدو أن هذا المزمور كُتِب فور ظهور بشائر مراحم الله لبني إسرائيل في السبي. فاتخذ صاحب المزمور هذه المراحم الصغيرة المبكّرة المبشّرة أساسًا ليطلب بجسارة مراحم أعظم – أن ينتهي سبيهم ويعودوا إلى الأرض.
٢. لِنَحْمَدَ اسْمَ قُدْسِكَ: تنبّأ صاحب المزمور أن شعب الله سيستجيب بامتنان، كاسرين النمط السابق الطويل من الجحود. فلن ينسوا، وسيفتخرون بتسبيحه.
· “ليست التوبة غير ملائمة أبدًا في مجال التسبيح. ويمكن أن يكون التسبيح عمل توبة.” كيدنر (Kidner)
٣. مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: لم يشأ صاحب المزمور أن ينتظر حتى تكون مراحم الله ظاهرة تمامًا حتى يبدأ التسبيح. إذ بدأ التسبيح فورًا. فتسبيح الله لائق مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ. وهذا تسبيح ينبغي أن يقدمه كُلُّ الشَّعْبِ قائلين: ’هللويا‘ لله.
· “تمثّل الآية ٤٨ تاجًا ملائمًا لمزمور موضوعه ثبات الله بالمقابلة مع انحراف الإنسان، منهيًا الكتاب الرابع من سفر المزامير ببركة ختامية.” كيدنر (Kidner)