تفسير سفر المزامير – مزمور ١٢١
الإله الذي يحفظ ويعين
هذا هو المزمور الثاني من سلسلة المزامير المعنونة ’مزامير المصاعد.‘ وبصفته ترنيمة يرنمها مسافرون، فإن لها صلة بثقتنا الموضوعة في الرب أثناء رحلتنا.
“قرأ ديفيد لفنجستون (David Livingstone) المرسل والمستكشف المشهور للقارة السوداء المزمورين ١٢١ و ١٣٥ اللذين يسبّحان الله على حكمه السيادي على كل شيء بينما كان يعبد مع أبيه وأخته قبل انطلاقه إلى إفريقيا في عام ١٨٤٠. وكتبت إليه السيدة موفيت (Moffat)، حماته، في لينياردي (Linyardi) أن المزمور ١٢١ كان في ذهنها كلما كانت تفكر فيه وتصلي من أجله.” بويس (Boice)
أولًا. عون من الرب، خلق الكون ومعين إسرائيل
أ ) الآيات (١-٢): عون من الرب (يهوه).
١أَرْفَعُ عَيْنَيَّ إِلَى الْجِبَالِ، مِنْ حَيْثُ يَأْتِي عَوْنِي! ٢مَعُونَتِي مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ، صَانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ.
١. أَرْفَعُ عَيْنَيَّ إِلَى ٱلْجِبَالِ: نظر صاحب المزمور إلى الجبال، ولعلها كانت جبال أورشليم البعيدة، بينما كان مرتحلًا نحو المدينة ليقوم بالحج.
· “ما زال المرنم بعيدًا عن المكان المعيّن للعبادة، رافعًا نظره إلى الجبال البعيدة. غير أنه ليس بعيدًا عن الرب (يهوه). ففي حفظ يهوه له، رغم بُعده عن مركز العبادة الخارجية، يحقق الحج له سلامته.” مورجان (Morgan)
· هذه نقطة رائعة. فهِم صاحب المزمور أن الجماعة لم تكن تحتاج إلى الوصول إلى أورشليم لتصبح تحت رعاية الله وحمايته. إذ سيرعاهم ويسهر عليها أثناء الرحلة. فالله موجود أثناء الرحلة كما في الوجهة.
· هنالك اقتراحان آخران حول المقصود بالنظر إلى التلال رغم أنهما أقل احتمالًا.
ü يرى بعضهم أن صاحب المزمور كان يفكر في المرتفعات التي كان ينصب عليها الوثنيون مذابحهم (سفر العدد ٢٢: ٤١؛ سفر التثنية ٣٣: ٢٩؛ سفر ملوك الأول ١٢: ٣١).
ü يرى آخرون أن هذه كانت نظرة قلقة إلى الجبال باحثة عن الأخطار والتهديدات المحتملة من اللصوص والعصابات الموجودة في الغالب.
٢. مِنْ حَيْثُ يَأْتِي عَوْنِي. مَعُونَتِي مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ: نظر المسافر إلى أورشليم كهدف له، غير أن ثقته لم تكن موضوعة في المدينة نفسها. إذ سيأتي العون من الله صَانِعِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلْأَرْضِ. فسيكون الخالق هو المعين.
· يأتي المصدر الوحيد للعون من الرب الذي يتمتع، بصفته الخالق، بقدرة غير محدودة.” فانجيميرين (VanGemeren)
· “إن ما يقوله لنا هنا هو أن تحديقه لم يتوقف عندما نظر إلى الجبال، لكنه نظر إلى ما بعدها، إلى الله الذي خلق الجبال.” بويس (Boice)
· “ينبغي أن تُشتهى مدينة الله وهيكله، وأن يُلتذّ بهما. وينبغي تذَكُّر الجبال التي يقومان عليها. لكن العون لا يأتي إلى النفوس المتضايقة منها. بل يأتي من عند الرب.” مورجان (Morgan)
ب) الآيات (٣-٤): العون الذي يجلبه الرب.
٣لاَ يَدَعُ رِجْلَكَ تَزِلُّ. لاَ يَنْعَسُ حَافِظُكَ. ٤إِنَّهُ لاَ يَنْعَسُ وَلاَ يَنَامُ حَافِظُ إِسْرَائِيلَ.
١. لَا يَدَعُ رِجْلَكَ تَزِلُّ (تتزعزع): سيساعد الله شعبه بترسيخهم في مكان راسخ، سامحًا لهم بأن يقفوا بثبات فلا يدع قدمهم تتزعزع (تَزِلُّ).
· “لا يمكن أن يتزعزع الأساس – وهو قوة الله وصلاحه غير المحدودين – الذي نقف عليه. وعندما نقف على هذا الأساس، لا يمكن أن تتزعزع قدمنا.” كلارك (Clarke)
· “ستتحرك أقدامنا عندما نتقدم، لكنها لن تتزعزع لتسقط.” سبيرجن (Spurgeon)
· بالنسبة للمؤمنين بالمسيح، يذكّرنا هذا بالمبادئ الموجودة في أفسس ٦: ١١، ١٣ والتي تخبرنا أن على المؤمن أن يجد مكانًا ليقف عليه. ولا يمكن أن يحدث هذا إلا بالنظر إلى الرب والثقة بذاك الذي لن يسمح بأن تتزعزع أقدامنا.
· مكانة المؤمن في يسوع مثيرة للإعجاب.
ü نحن نقيم (نقف) في النعمة (رومية ٥: ٢)
ü نحن نقف في الإنجيل (١ كورنثوس ١٥: ١)
ü نحن نقف في شجاعة وقوة (١ كورنثوس ١٦: ١٣)
ü نحن نقف بإيمان (٢ كورنثوس ١: ٢٤)
ü نحن نقف في الحرية المسيحية (غلاطية ٥: ١)
ü نحن نقف في وحدة مسيحية (فيلبي ١: ٢٧)
ü نحن نقف في وحدة الرب (فيلبي ٤: ١)
ü الهدف: سنقف كاملين تامّين في إرادة الله (كولوسي ٤: ١٢)
٢. حافِظُكَ: هذه هي المرة الأولى من ست مرات في هذا المزمور القصير الذي تُستخدم فيه كلمة (shamar) التي تترجَم إلى “يحفظ.” والفكرة هنا هي أن الله يحرس شعبه كما يحرس الحارس المدينة أو جماعة من المسافرين.
· “يبدو أن صاحب المزمور كان مستغرقًا في أفكاره حول حافظه حتى إنه بالكاد يذكر أخطاره. فمع ضمان سعيد بالحماية، فإنه يكرر مرات كثيرة العبارة التي يخاف منها الأعداء. فهو يكرر ست مرات في هذه الآيات القليلة أن يهوه هو حافظ إسرائيل أو حافظ نفسه.” ماكلارين (Maclaren)
· “يمثّل الكائن الإلهي نفسه كحارس يهتم بالمدينة وسكانها أثناء نوبته في ساعات الليل، ولا يغلبه النوم أو النعاس.” كلارك (Clarke)
٣. لَا يَنْعَسُ حَافِظُكَ: عندما ننظر إلى الرب، فإن لدينا الثقة بحقيقة أنه لا ينام. وتتكرر هذه الفكرة في الآية للتوكيد. فعين الله الحارسة مفتوحة دائمًا، حيث تنظر بمحبة واهتمام إلى شعبه.
· في مواجهة إيليا مع أنبياء البعل على جبل الكرمل، استهزأ بأنبياء الوثن عندما لم يستجب قائلًا إنه ربما كان نائمًا ينبغي إيقاظه (١ ملوك ١٨: ٢٧). ولدينا تعزية عظيمة في معرفة أن إلهنا الذي حفظ إسرائيل لاَ يَنْعَسُ وَلاَ يَنَامُ.
· كان هذا الوعد هادفًا على نحو خاص للحجاج في رحلتهم إلى أورشليم. “إذ ستوضع مسيرتهم النهارية وتخييمهم الليلي تحت رعاية الرب الذي سيسند أقدامهم من دون أن يتعب، وسيسهر على راحتهم من دون أن ينعس.” ماكلارين (Maclaren)
· “تقول قصة شرقية قديمة إن امرأة فقيرة جاءت إلى السلطان ذات يوم طالبة تعويضًا عن خسارة بعض مقتنياتها. فسألها السلطان: ’كيف فقدتها؟‘ فأجابت: ’نمتُ، ودخل سارق إلى مسكني.‘ فسألها: ’لماذا نمت؟‘ فردّت: ’نمت لأني ظننتك يقظًا.‘ فسُرَّ السلطان بجواب المرأة حتى إنه أمر بتعويض خسارتها.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن ماكمايكل (McMichael)
ثانيًا. اهتمام الرب بشعبه
أ ) الآيات (٥-٦): الرب يأتي بالعون من الشمس.
٥الرَّبُّ حَافِظُكَ. الرَّبُّ ظِلٌّ لَكَ عَنْ يَدِكَ الْيُمْنَى. ٦لاَ تَضْرِبُكَ الشَّمْسُ فِي النَّهَارِ، وَلاَ الْقَمَرُ فِي اللَّيْلِ.
١. ٱلرَّبُّ ظِلٌّ لَكَ عَنْ يَدِكَ ٱلْيُمْنَى: يمكن لأشعة الشمس الوحشية في عالم الشرق الأوسط أن تهاجم المسافر أو الحاج في طريقه إلى أحد الأعياد الدينية في أورشليم. وقد وعد الله برعاية المسافر، مع الإشارة إلى السحاب الذي كان يتبع بني إسرائيل في البرية بعد خروجهم من مصر ويحميهم من الشمس.
· نجد وعودًا مماثلة في إشعياء ٤: ٦ و ٢٥: ٤. والآية مزمور ٩١: ١ ثمينة جدًّا، حيث تتحدث عن ’ظل‘ القدير: اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ ٱلْعَلِيِّ، فِي ظِلِّ ٱلْقَدِيرِ يَبِيتُ.
· ظِلٌّ لَكَ: “… لينعشك ويحفظك من حرارة الشمس الحارقة أيضًا، كما تعبّر الآية التالية، وليحميك من قوة أعدائك. ولهذا السبب، غالبًا ما يُدعى الرب ظلاًّ في الكتاب المقدس.” بول (Poole)
٢. وَلَا ٱلْقَمَرُ فِي ٱللَّيْلِ: لم تكن المخاوف الخرافية من ضوء القمر لغير الأشخاص المهتمين لحماية الله لهم مصدر قلق للمؤمنين. فبالنسبة لشعب الله، فإن الله يحفظهم ليل نهار.
· “إن ما يعنيه صاحب المزمور بلغته المجازية هو أنه لا شيء من النهار أو الليل يمكن أن يضر بنا ما دام الله يحرسنا. فالله هو غطاؤنا من كل كارثة. وهو ظل لنا من أخطار النهار المرئية، إضافة إلى المخاطر الليلية الخفية.” بويس (Boice)
· “لم يخلق الله شمسًا جديدة أو قمرًا جديدًا لمختاريه. فهم يعيشون تحت نفس الظروف الخارجية التي يعيش تحتها الآخرون، لكنه ينزع منها القدرة على الضرر بهم من الوسائط الزمنية. فالقديسون يثرون ولا يتأذّون بالقوى التي تحكم حالة الأرض.” سبيرجن (Spurgeon)
· “لكن ليكن البابا الشمس والإمبراطور القمر (كما يُدْعيان من خبراء الكنيسة الكثوليكية)، غير أن الشمس لن تضرب الكنيسة نهارًا، ولن يضربها القمر ليلًا. فقد حُرم لوثر من البابا كنسيًّا، وحُرِم من حماية القانون من الإمبراطور، غير أنه مات في فراشه.” تراب (Trapp)
ب) الآيات (٧-٨): الله يحفظ شعبه.
٧الرَّبُّ يَحْفَظُكَ مِنْ كُلِّ شَرّ. يَحْفَظُ نَفْسَكَ. ٨الرَّبُّ يَحْفَظُ خُرُوجَكَ وَدُخُولَكَ مِنَ الآنَ وَإِلَى الدَّهْرِ.
١. ٱلرَّبُّ يَحْفَظُكَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ: كان لدى صاحب المزمور ثقة عظيمة بقوة الله الحامية. فلا يستطيع الأشرار أن يأتوا إليه ليبتلوه كابن لله، لكن الرب سيحفظ نفسه (يَحْفَظُ نَفْسَكَ).
· مِنْ كُلِّ شَرٍّ: “سيجنّبه الرب كل شر، لأنه حافظه. ولهذا إذا جاء شر مزعوم، فإنه يمكنه أن يتأكد أنه أمر صالح وراء قناع.” ماكلارين (Maclaren)
· “في ضوء نصوص أخرى من الكتاب المقدس، لا يعني الحفظ من كل شر حياة ناعمة مفروشة بالورود، لكنها حياة جيدة التسليح.” كيدنر (Kidner)
· يَحْفَظُ نَفْسَكَ: “نحن محفوظون من هيمنة الخطية، وعدوى الضلالات، وسحق اليأس، وانتفاخ الكبرياء. نحن محفوظون من العالم والجسد وإبليس. نحن محفوظون لأشياء أقْدَس وأعظم. نحن محفوظون في محبة الله، ومحفوظون للملكوت الأبدي والمجد.” سبيرجن (Spurgeon)
· ٱلرَّبُّ يَحْفَظُ… ٱلرَّبُّ يَحْفَظُ… ٱلرَّبُّ يَحْفَظُ: “تتكرر العبارة ثلاث مرات كما لو أن الثالوث الأقدس ختَمَ الكلمة ليؤكدها: ألا ينبغي أن تُقتَل مخاوفنا بهذه السهام الثلاثية المنطلقة؟ وأي قلق أو اضطراب يمكن أن يبقى بعد هذا الوعد الثلاثي؟” سبيرجن (Spurgeon)
٢. ٱلرَّبُّ يَحْفَظُ خُرُوجَكَ وَدُخُولَكَ مِنَ ٱلْآنَ وَإِلَى ٱلدَّهْرِ: هذا وعد شامل. ولهذا يمكن لشعب الله أن يثقوا بقوته الحافظة في كل نشاط في حياتهم (خُرُوجكَ وَدُخُولكَ)، وفي كل وقت (مِنَ ٱلْآنَ وَإِلَى ٱلدَّهْرِ).
· “عندما ننطلق في بداية شبابنا، وعندما نأتي إلى النهاية لنموت، سنختبر نفس الحفظ. فمخارجنا ومداخلنا كلها تحت نفس الحماية الواحدة.” سبيرجن (Spurgeon)
· “ليس تعبير ’خُرُوجكَ وَدُخُولكَ‘ مجرد طريقة للقول: ’كل شيء‘ فحسب. فعندما ننظر عن قرب أكثر إلى التفاصيل، فإن هذا النص يلفت نظرنا إلى مغامرات المرء ومشروعاته (انظر مزمور ١٢٦: ٦)، وإلى البيت الذي يبقى قاعدة المرء، ومرة أخرى، إلى الحج والعودة.” كيدنر (Kidner)
· “لم يقدني الله حتى الآن بمثل هذا الحنان العظيم ليتركني عند بوابة السماء.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن أدونيرام جدسون (Adoniram Judson)