تفسير سفر المزامير – مزمور ٣٧
حكمة بدل القلق
هذا المزمور معنون ببساطة مَزْمُوْرٌ لِدَاوُدَ. وتخبرنا الآية ٢٥ أن داود في سنواته المتقدمة يقدّم حكمة على شكل قصيدة. وهذا المزمور أكروستي في بُنيته وفي ترتيبه بشكل عام، حيث يبدأ كل سطر بحرف متسلسل من الحروف الأبجدية العبرية. وهذا المزمور، وهو مزمور حكمة، موجه إلى الإنسان، لا إلى الله. وهو يعلِّم الحكمة على غرار سفر الأمثال.
أولًا. مشورة لشعب الله المُبتَلى
أ ) الآيات (١-٢): لا تقلقوا من الأشرار.
١لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ، وَلاَ تَحْسِدْ عُمَّالَ الإِثْمِ، ٢فَإِنَّهُمْ مِثْلَ الْحَشِيشِ سَرِيعًا يُقْطَعُونَ، وَمِثْلَ الْعُشْبِ الأَخْضَرِ يَذْبُلُونَ.
١. لَا تَغَرْ مِنَ ٱلْأَشْرَارِ: إنه أمر شائع أن ينزعج الأبرار من الأشرار أو أن يحسدوهم. فقد أزعجت هذه المشكلة آساف في المزمور ٧٣، متسائلًا عن سبب نجاح الأشرار وازدهارهم.
· “العبارة المترجمة إلى ’لا تغرْ‘ تعني حرفيًّا ’لا تحرق أعصابك.‘ وهذه هي الكيفية التي يمكن بها أن نعبّر عن هذه الفكرة. فيمكننا القول: ’لا تنزعج من الأمر‘ أو ’تعامل معه بهدوء أعصاب.‘” بويس (Boice)
· “الإنزعاج أو القلق هو أن تأكل نفسك، أو أن تحرق أعصابك، أو أن تُدَخِّن سخطًا، أو أن تغتاظ. والطبيعة ميالة جدًّا إلى إضرام نار الغيرة عندما ترى كاسري القانون يركبون خيولًا، بينما يمشي المطيعون في الوحل.” سبيرجن (Spurgeon)
· كتب مورجان (Morgan) حول تعبير ’لَا تَغَرْ‘: “إنه خطأ. إنه مؤذٍ. وهو بلا داعٍ. لندع الثقة تنتظر، وستبرِّر الأحداث العمل.”
· “من الحُمق والشر معًا أن نتذمر أو نحسد الآخرين على نجاحهم. وسواء أكانوا أتقياء أم أشرارًا، فإن الله هو الذي يوزع المكافآت التي يتمتعون بها. ومن المؤكد أن لديه الحق في أن يفعل ما يشاء بما يخصّه. ويعني الحسد في مثل هذه الحالة أنك تطعن في العناية الإلهية.” كلارك (Clarke)
٢. مِثْلَ ٱلْحَشِيشِ سَرِيعًا يُقْطَعُونَ: يقدّم داود نفس الجواب الذي أعطاه آساف في مزمور ٧٣، فاهمًا أن أيّ نجاح يمكن أن يختبره ٱلْأَشْرَار إنما هو مؤقت. يَخْضَرّ الحشيش لفترة، وهم مِثْلَ ٱلْعُشْبِ ٱلْأَخْضَرِ يَذْبُلُونَ بسرعة.
· “في الشرق الأوسط، قد تفقد نباتات الربيع المورقة جمالها في غضون عدة أيام بعد أن تحرق ريح الخماسين الحارة الأرض.” فانجيميرين (VanGemeren)
· نتخيل رجلًا شريرًا يتناول عشاء فاخرًا، بينما يجوع رجل تقي. يأكل الرجل الشرير أيّ شيء وكل شيء يريده، ومائدته متخمة بينما يتمتع بوجبته. ثم نرى الصورة الأكبر: يأكل وجبته الأخيرة عند طابور الموت. وفي لحظة، يواجه دينونة رهيبة. والآن، وبهذا المنظور الأوسع، لا يحسد التقي الرجل الشرير أو يقلق حول أمره. “بدلًا من أن نحسد الأشرار، ينبغي أن ننظر إليهم برهبة وخوف ونفور. ومع ذلك، فإن موائدهم المحمّلة وزخارفها المذهبة تميل إلى إبهار عيوننا الفقيرة شبه المغلقة.” سبيرجن (Spurgeon)
· “الامتحان هو موجود في الزمن. هذا الازدهار البادي للأشرار سريع الزوال. يمرُّ ويهلك، شأنه شأن الأشرار أنفسهم.” مورجان (Morgan)
ب) الآيات (٣-٤): ضع ثقتك وبهجتك في الرب.
٣اتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ وَافْعَلِ الْخَيْرَ. اسْكُنِ الأَرْضَ وَارْعَ الأَمَانَةَ. ٤وَتَلَذَّذْ بِالرَّبِّ فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ.
١. ٱتَّكِلْ عَلَى ٱلرَّبِّ وَٱفْعَلِ ٱلْخَيْرَ: بدلًا من أن ينزعج رجل (امرأة) الله ويحسد، نصحه داود بأن يتكل على الرب وأن يفعل الخير لإظهار مجد الرب. إنه لأمر لافت للنظر كيف أننا نلتهي بسرعة عن واجبنا بالثقة البسيطة بالله وفعل الخير. فالنظر إلى نجاح الأشرار البادي هي إحدى الطرق التي غالبًا ما نلتهي بها عن واجبنا.
· “يشفي الإيمان الإنزعاج. وأما العَيان فهو أحول العينين، وهو ينظر إلى الأشياء كما تبدو له، ولهذا يحسد. لكنّ للإيمان بصرًا أوضح، حيث يرى الأشياء كما هي، ولهذا يتمتع بالسلام.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. ٱسْكُنِ ٱلْأَرْضَ وَٱرْعَ ٱلْأَمَانَة (تَغَذَّ على أمانة الرب): نصح داود الإنسان التقي أيضًا بأن يكفّ عن القلق والحسد عن طريق التمتع بالبركات التي يقدمها الرب. فقد أعطى إسرائيل أرضًا لتتمتع بها، وكانت أمانته مثل طعام يومي لهم.
٣. وَتَلَذَّذْ بِٱلرَّبِّ: نصح داود الإنسان التقي أيضًا بأن يستبدل الإنزعاج والحسد بالتلذّذ بالرب. ويعني هذا أن يشجع قلبه وفكره عن طريق التأمل في بركات الله المتعددة والحصول عليها بالإيمان.
· تّلَذّذْ: شرح عدة كُتّاب هذه الفكرة وطبّقوها.
ü “توقّع كل سعادتك منه، واسعَ إليها فيه.” كلارك (Clarke)
ü “يشمل هذا إعادة توجيه متعمدة لعواطف المرء، كما فعل بولس وسيلا في السجن وهما يرنمان ويصلّيان في الوقت نفسه.” كيدنر (Kidner)
ü “لا نستطيع أن نفعل هذا من دون جهد. إذ يتوجب علينا أن نسحب رغباتنا القوية من الأمور الأرضية، ونثبّتها على الرب.” ميير (Meyer)
ü “وبمعنى ما، ينبغي أن تقلّد الأشرار. فهم يبتهجون بنصيبهم. فاحرص على أن تبتهج بنصيبك. وبدلًا من أن تحسدهم، ينبغي أن تشفق عليهم.” سبيرجن (Spurgeon)
ü “يكمن السبب وراء عدم تلذذ المؤمنين بالله في أنهم لا يعرفونه حقًّا. ويكمن السبب وراء عدم معرفتهم له في أنهم لا يقضون وقتًا معه.” سبيرجن (Spurgeon)
· “لا تفكر أولًا في رغبات قلبك، بل فكّر أولًا في أن تلذذ نفسك بالرب. فإذا قبلتَه ربًّا، فإنه لك. فتلذَّذ به، وعندئذٍ سيعطيك سؤل قلبك.” سبيرجن (Spurgeon)
· نلاحظ أن داود كتب “وتَلَذَّذْ بِٱلرَّبِّ.” حرف ’و‘ مهم هنا، إذ يذكرنا بأن هنالك أفراحًا وملذاتٍ مشروعة في الحياة خارج نطاق الروح. ولدى المؤمن الذي يثق بالله حقًّا القدرة على أن يجد لذة حقيقية في الرب أيضًا.
· “ومرة أخرى، هو يتلذذ بك. وأنا أتكلم عمن يقصده هذا الكلام. فقد قال بشكل غير محدد أو مقيّد: ’لذاتي مع بني آدم‘ (سفر الأمثال ٣١:٨). فكِّرْ في هويته (من هو)، وفي هويتك (من أنت)، وعندئذٍ تجد حالًا كُلًّا من العجب والاستسلام.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن هاو (Howe)
٤. فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ: هذا وعد رائع بل آمِن. فمن يتلذذ بالرب يجد أن قلبه ورغباته قد تغيَّرت، وأنها قد صارت منسجمة مع رغبات الله الصالحة لحياته. وهكذا نرى أن إيجاد اللذة والمسرة في الله مفتاح للحياة السعيدة المُشْبَعة.
· يبيّن هذا أن الرب ينوي أن يحقق رغبات قلب الإنسان المفدي من الله. مع أنه من المؤكد أن مثل هذه الرغبات مضببة بالخطية أو الأنانية. لكن حتى عندما تكون مضببة، فإن هنالك جذرًا تقيًّا في الرغبة التي في إرادة الله كليًّا. ويفترض في رجل الله أن يجد راحته في هذا، ويترك الغيرة والإنزعاج والحسد جانبًا.
- “عندما كان مارتن لوثر يسير في الشوارع، قالوا عنه: ’هوذا رجل يمكن أن يطلب ما يشاء من الله.‘ وأنت تسأل عن السبب وراء ذلك. والجواب هو لأن لوثر كان نفسه يلتذ بالله.” سبيرجن (Spurgeon)
· إن مبدأ مزمور ٤:٣٧ أساس مبدأ ما يُدعى أحيانًا مذهب المتعة المسيحي. وقد استُخدم تعبير مذهب المتعة المسيحي للإشارة إلى السعي البار للإشباع واللذة المتجذرين في تركيز مُلِذ على الله.
· وأهم من ذلك كله، يبيّن هذا أنه عندما نلتذ بالرب، فإنه يعطينا لذّتنا. وإن كان هو لذتنا، فإنه يعطينا المزيد من نفسه. “الأشواق المثبّتة على الله تحقق ذاتها.” ماكلارين (Maclaren)
ج) الآيات (٥-٦): اتكل على الله في حمايتك وتعزيزك.
٥سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ وَهُوَ يُجْرِي، ٦وَيُخْرِجُ مِثْلَ النُّورِ بِرَّكَ، وَحَقَّكَ مِثْلَ الظَّهِيرَةِ.
١. سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَٱتَّكِلْ عَلَيْهِ: يشرح هنا ما يعنيه المرء أن يلتذّ بالرب كما ذكر في الآية السابقة. فهو يعني أن يسلّم طريقه للرب ويتكل عليه حقًّا، وأن يجد سلامًا وحماية وإشباعًا في تركيز عليه ياستسلام.
· سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ: “الكلمة العبرية المترجمة إلى ’سَلِّمْ‘ هي حرفيًّا ’دحرج‘ أو ’ادفع‘ أو ’ارمِ،‘ كما لو أن المرء يتخلص من عبء (انظر سفر يشوع ٩:٥). ولكنها تُستخدم ببساطة كمرادف لكلمة ’يُوْدِع‘ أو ’يَعْهد بـ‘ أو ’يأتمن‘ (سفر الأمثال ٣:١٦) أو ’يثق‘ أو ’يتكل‘؛ انظر مزمور ٨:٢٢).” كيدنر (Kidner)
٢. وَهُوَ يُجْرِي (يحقق): سيرى ذاك الذي يركز على التلذذ بالرب أن وعود الله له تتحقق. وهو لا يعد بالصيت أو بالجاه، لكنه يعد بأن رغبات القلب العميقة الحقيقية ستجد تحقيقها.
· “كلما قلِقْنا في هذه الحالة، ساء الأمر بالنسبة لنا. ما زالت قوّتنا جالسة لم تتحرك. وسيبرئ الرب الشخص المفترى عليه. وإذا اهتممنا بكرامته، فسيهتم بكرامتنا.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. وَيُخْرِجُ مِثْلَ ٱلنُّورِ بِرَّكَ: عندما يحقق الرب رغبات القلب، يَظهر بِرَّ رجل (امرأة) الله ساطعًا مثل شمس الظهيرة.
· وَيُخْرِجُ بِرَّكَ: “لكي يراه العالم من ذلك المكان الذي بدا فيه مختبئًا، أو الذي غطته التوبيخات والانتقادات الظالمة، وكوارث أليمة.” بوله (Poole)
· مِثْلَ ٱلنُّورِ: “سيكون منظورًا للبشر مثل ضوء الشمس عند الظهيرة.” بوله (Poole)
· “كما قال في البدء، ’ليكن نور، فكان نور،‘ كذلك سيقول، ’ليَظهرْ برك،‘ وسيظهر فجأة وبوضوح، كما كان النور في البدء.” كلارك (Clarke)
د ) الآيات (٧-٨): جِدْ راحة في الله الذي يتعامل مع الأشرار.
٧انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ، وَلاَ تَغَرْ مِنَ الَّذِي يَنْجَحُ فِي طَرِيقِهِ، مِنَ الرَّجُلِ الْمُجْرِي مَكَايِدَ. ٨كُفَّ عَنِ الْغَضَبِ، وَاتْرُكِ السَّخَطَ، وَلاَ تَغَرْ لِفِعْلِ الشَّرِّ.
١. ٱنْتَظِرِ ٱلرَّبَّ وَٱصْبِرْ لَهُ: وعد الله في أمانته بأن يهتم بالذين يتكلون عليه، ولهذا يمكننا أن نرتاح فيه. يمكننا أن ننتظره بصبر بدلًا من أن نقلق ونتخوف من أنه نسينا وأنه ينوي لنا شرًّا.
· ٱنْتَظِرِ ٱلرَّبَّ (ارْتَحْ في الربّ): تتحدث هذه العبارة عن نوع معين من الكلام الذي نستخدمه في الدفاع عن النفس. والفكرة هنا هي أننا لا ينبغي أن نتكلم لتبرئة أنفسنا، بل ينبغي أن نثق بالله الذي يحمينا.
- “لا تتذمر أو تتبرم من تعاملات الله، لكن اخضع لإرادته بصمت وهدوء، واعشق أحكامه، وانتظر عونه الذي يأتي.” بوله (Poole)
· “إن كان حمَل الله الخالي من كل عيب صامتًا أمام الذين كانوا يجردونه من كرامته ويسلبون حياته، فإن الاستسلام الصامت ملائم تمامًا للذين يتألمون من أجل خطاياهم.” هورن (Horne)
٢. كُفَّ عَنِ ٱلْغَضَبِ وَٱتْرُكِ ٱلسَّخَطَ وَلاَ تَغَرْ لِفِعْلِ الشَّرِّ: نصح داود في حكمته رجل الله بأن يتخلى عن الغضب والسخط والقلق. فهذه لا تثمر إلا عن الأذى، وهي نقيض التلذذ بالرب وانتظاره بصبر.
· كُفَّ عَنِ ٱلْغَضَبِ: ’ولاسيما ذلك الذي ضد ترتيبات الرعاية الإلهية، والحسد بسبب الملذات الزمنية التي يتمتع بها الذين سيُنسون عما قريب من كل راحة. والغضب في أي مكان جنون، وهو هنا جنون متفاقم.” سبيرجن (Spurgeon)
هـ) الآيات (٩-١١): ثق بالله الذي يعاقب الأشرار ويكافئ الودعاء.
٩لأَنَّ عَامِلِي الشَّرِّ يُقْطَعُونَ، وَالَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ الرَّبَّ هُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ. ١٠بَعْدَ قَلِيلٍلاَ يَكُونُ الشِّرِّيرُ. تَطَّلِعُ فِي مَكَانِهِ فَلاَ يَكُونُ. ١١أَمَّا الْوُدَعَاءُ فَيَرِثُونَ الأَرْضَ، وَيَتَلَذَّذُونَ فِي كَثْرَةِ السَّلاَمَةِ.
١. وَٱلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ ٱلرَّبَّ هُمْ يَرِثُونَ ٱلْأَرْضَ: هنالك سبب آخر للتلذذ بالرب والارتياح فيه. إذ يمكننا أن نثق بوعوده بأنه سيهتم بخاصته، لا في هذا العالم فحسب، بل أيضًا في العالم الآتي. وبالمقابلة، فإن عَامِلِي ٱلشَّرِّ يُقْطَعُونَ.
· “سبق أن قلت لكم أنه رغم أن الذئب قوي وشرس وأن الخروف ضعيف جدًّا وخوّاف، إلا أن عدد الخراف يفوق عدد الذئاب في العالم. وسيأتي ذلك اليوم الذي فيه سيموت آخر ذئب، وعندئذٍ ستغطي الخراف كل السهول وترعى على التلال. ورغم أننا ضعفاء جدًّا، إلا أننا سنرث الأرض عندما يُقطع الأشرار من الأرض.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. بَعْدَ قَلِيلٍ لَا يَكُونُ ٱلشِّرِّيرُ: لفاعلي الشر يومهم في النجاح والازدهار، لكنه قصير الأمد. فعمّا قريب، الأشرار المشهورين والممتدحين من هذا العالم لن يُرَوا ولن يكونوا موجودين أصلًا (تَطَّلِعُ فِي مَكَانِهِ فَلَا يَكُونُ).
· “يجعلنا قِصر الحياة نرى أن لمعان الأشرار ليس ذهبًا حقيقيًّا.” سبيرجن (Spurgeon)
· “ديمومة العالم كله مجرد فترة قصيرة جدًّا (قَلِيلٍ) في نظر الذين رجاؤهم هو ملء الخلود.” هورن (Horne)
٣. أَمَّا ٱلْوُدَعَاءُ فَيَرِثُونَ ٱلْأَرْضَ: كرر داود بغرض التوكيد فكرة إعادة رعاية الله ومكافآت للْوُدَعَاءِ. وهم الذين، لا فاعلو الشر، يَتَلَذَّذُونَ فِي كَثْرَةِ ٱلسَّلَامَةِ.
· “’ٱلْوُدَعَاءُ‘ هم الذين يتحمّلون شدائدهم وازدهار الأشرار من دون حسد أو غضب أو تذمر.” هورن (Horne)
· “السياق هو الذي يعطينا أفضل تعريف ممكن للودعاء. إنهم الذين يختارون الإيمان الصبور بدلًا من توكيد الذات.” كيدنر (Kidner)
· أَمَّا ٱلْوُدَعَاءُ فَيَرِثُونَ ٱلْأَرْضَ: اقتبس يسوع هذا الشطر في الطوباوية الثالثة من العظة على الجبل (متى ٥:٥). “ومن الصواب أن نقول إن المزمور ٣٦ تفسير للطوباوية الثالثة مع أنها كُتبت بعد ألف سنة من بداية خدمة يسوع الجهارية. وهو يكشف المعدن الأخلاقي للشخص الوديع أو المتكل على الرب في وجه النجاح البادي للأشرار.” بويس (Boice)
ثانيًا. انتصار الأتقياء وزوال الأشرار
أ ) الآيات (١٢-١٥): يهزم الله الأشرار ضاحكًا.
١٢الشِّرِّيرُ يَتَفَكَّرُ ضِدَّ الصِّدِّيقِ وَيُحَرِّقُ عَلَيْهِ أَسْنَانَهُ. ١٣الرَّبُّ يَضْحَكُ بِهِ لأَنَّهُ رَأَى أَنَّ يَوْمَهُ آتٍ! ١٤الأَشْرَارُ قَدْ سَلُّوا السَّيْفَ وَمَدُّوا قَوْسَهُمْ لِرَمْيِ الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ، لِقَتْلِ الْمُسْتَقِيمِ طَرِيقُهُمْ. ١٥سَيْفُهُمْ يَدْخُلُ فِي قَلْبِهِمْ، وَقِسِيُّهُمْ تَنْكَسِرُ.
١. ٱلشِّرِّيرُ يَتَفَكَّرُ (يتآمر) ضِدَّ ٱلصِّدِّيقِ وَيُحَرِّقُ عَلَيْهِ أَسْنَانَهُ: في مرحلة سابقة من المزمور، قابل داود بين مصير الأبرار ومصير الأشرار. وهو الآن يتأمل في الصراع الحتمي بين الأبرار والأشرار، وكيف أن الأشرار يتآمرون على الأبرار من دون سبب، ويبيّن كيف أنهم يحرّقون أسنانهم عليهم، ما يعكس عمق غضبهم وبغضهم لهم.
· “يبيّن الأشرار بإيماءاتهم ما يمكن أن يفعلوه لو كان ذلك بيدهم. وإذا لم يستطيعوا ذلك، فسيحرّقون أسنانهم. وإذا لم يستطيعوا أن يعضّوا، فإنهم على الأقل سينبحون.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. ٱلرَّبُّ يَضْحَكُ بِهِ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ يَوْمَهُ آتٍ: مع كل مؤمرات الأشرار على الأتقياء وتحريق أسنانهم عليهم، إلا أنهم لا يحققون شيئًا ضد الرب وشعبه. ويضحك الرب عليهم عارفًا نهايتهم.
· “إن كان الرب يضحك على الأشرار، أفلا ينبغي لنا على الأقل أن نمنع أنفسنا من الاهتياج بسببهم؟” بويس (Boice)
· رَأَى أَنَّ يَوْمَهُ آتٍ: “لا يرى الشرير مدى قرب هلاكه. وهو يتباهى بسحق الآخرين بينما تُرفع قدم العدالة لتدوسه كوحل الشوارع.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. ٱلْأَشْرَارُ قَدْ سَلُّوا ٱلسَّيْفَ وَمَدُّوا قَوْسَهُمْ: يتآمر الأشرار ويحرّقون أسنانهم. لكنهم لا يكتفون بذلك، فهم يعملون على تنفيذ مؤامراتهم معبّرين عن مدى غضبهم على شعب الله. ومع ذلك، فإن الله يحمي خاصته. وسَيْفُهُمْ يَدْخُلُ فِي قَلْبِهِمْ، وَقِسِيُّهُمْ تَنْكَسِرُ.
· “سيُشنقون على المشنقة التي نصبوها للأتقياء، كما شُنق هامان على المشنقة التي نصبها لمردخاي. وقد رأينا هذا الأمر مئات المرات. فقد سعى شاول إلى قتل داود، لكنه وقع على سيفه.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (١٦-١٧): بركة الله على الأبرار المتواضعين.
١٦اَلْقَلِيلُ الَّذِي لِلصِّدِّيقِ خَيْرٌ مِنْ ثَرْوَةِ أَشْرَارٍ كَثِيرِينَ. ١٧لأَنَّ سَوَاعِدَ الأَشْرَارِ تَنْكَسِرُ، وَعَاضِدُ الصِّدِّيقِينَ الرَّبُّ.
١. اَلْقَلِيلُ ٱلَّذِي لِلصِّدِّيقِ خَيْرٌ مِنْ ثَرْوَةِ أَشْرَارٍ كَثِيرِينَ: بما أن مقتنيات الشرير لا يمكن أن تدوم، فإن اَلْقَلِيلُ ٱلَّذِي لِلصِّدِّيقِ خَيْرٌ مما يمتلكه الشرير. والشخص التقي المتكل على الله هو أفضل إستراتيجية لاستثمار طويل الأمد.
· “يمكن لبركته أن تضاعف فلسًا ليصبح ثروة، لكن لعنته يمكن أن تقلل ثروة إلى فلس.” هورن (Horne)
· “القليل المبارَك خيرٌ من الكثير الملعون. فالقليل المبارك أفضل بما يتمتع به العالم. فالجنيه المبارك خيرٌ من ألفٍ ملعون. وكسرة خبز سوداء مباركة خيرٌ من وليمة ملعونة. والحُزمة الملتقطة المباركة خير من حصاد كامل ملعون. ونقطة رحمة مباركة خير من بحر رحمة ملعونة.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن بروكس (Brooks)
٤. لِأَنَّ سَوَاعِدَ ٱلْأَشْرَارِ تَنْكَسِرُ، وَعَاضِدُ ٱلصِّدِّيقِينَ ٱلرَّبُّ: مكافأة الشرير هي أن تَنْكَسِرَ ساعداه، ومكافأة الصدّيق هي أن تعضده ساعدا الله.
ج) الآيات (١٨-٢٠): خير المستقيمين الدائم.
١٨الرَّبُّ عَارِفٌ أَيَّامَ الْكَمَلَةِ، وَمِيرَاثُهُمْ إِلَى الأَبَدِ يَكُونُ. ١٩لاَ يُخْزَوْنَ فِي زَمَنِ السُّوءِ، وَفِي أَيَّامِ الْجُوعِ يَشْبَعُونَ. ٢٠لأَنَّ الأَشْرَارَ يَهْلِكُونَ، وَأَعْدَاءُ الرَّبِّ كَبَهَاءِ الْمَرَاعِي. فَنُوا. كَالدُّخَانِ فَنُوا.
١. ٱلرَّبُّ عَارِفٌ أَيَّامَ ٱلْكَمَلَةِ، وَمِيرَاثُهُمْ إِلَى ٱلْأَبَدِ يَكُونُ: مكافأة الشرير البادية مؤقتة وعابرة. وأما ميراث الأبرار أبدي. ويمثل هذا سببًا إضافيًّا لتجنُّب القلق والإنزعاج من الأشرار وحسدهم في ازدهارهم البادي المؤقت.
· ٱلرَّبُّ عَارِفٌ أَيَّامَ ٱلْكَمَلَةِ: “الله مطّلع على ظروفهم ومعاناتهم وقدرتهم على الاحتمال؛ وإما أن يقصِّر معاناتهم أو يزيد قوّتهم.” كلارك (Clarke)
٢. فِي أَيَّامِ ٱلْجُوعِ يَشْبَعُونَ: يستطيع الله أن يجد طريقة لتدبير احتياجات خاصّته عندما لا يملك الآخرون شيئًا.
٣. كَٱلدُّخَانِ فَنُوا: إن نجاح الأشرار وصيْتهم وازدهارهم مؤقت كَٱلدُّخَانِ، وليس له مادة أو مضمون حقيقي، وسرعان ما يتلاشى كليًّا.
· كَٱلدُّخَانِ فَنُوا: لاحظ آدم كلارك (Adam Clarke) أن بعض المخطوطات القديمة تترجم هذه العبارة بشكل مختلف. “إذا تبعنا النص العبري، فإنه يشير إلى أن الأشرار سيُلتهَمون كمل يُلتهَم دهن الحملان بنار المذبح. وسيُلتهَمون بنار غضب الله.”
د ) الآيات (٢١-٢٢): بركة ولعنة.
٢١الشِّرِّيرُ يَسْتَقْرِضُ وَلاَ يَفِي، أَمَّا الصِّدِّيقُ فَيَتَرَأَّفُ وَيُعْطِي. ٢٢لأَنَّ الْمُبَارَكِينَ مِنْهُ يَرِثُونَ الأَرْضَ، وَالْمَلْعُونِينَ مِنْهُ يُقْطَعُونَ.
١. ٱلشِّرِّيرُ يَسْتَقْرِضُ وَلَا يَفِي، أَمَّا ٱلصِّدِّيقُ فَيَتَرَأَّفُ وَيُعْطِي: عرف داود أن الفرق بين الأشرار والأبرار لا يكمن في ما يؤمنون به أو على من يتكلون فحسب، بل يكمن في الغالب في سلوكهم أيضًا. فالأشرار مولعون بالأخذ، فيستقرضون ولا يفون. وأما الأبرار فمعطاءون (وَيُعْطِي) وممتلئون رحمة (فَيَتَرَأَّفُ).
· وَلَا يَفِي: “ربما يرفض الشرير أن يفي لأنه شرير، أو لأنه غير قادر على فعل ذلك، لأن حالته صارت كحالة المتسولين.” كلارك (Clarke)
٢. لِأَنَّ ٱلْمُبَارَكِينَ مِنْهُ يَرِثُونَ ٱلْأَرْضَ: وعد ميراث الأرض مكرر لمرة ثالثة هنا. وهذه بركة للأبرار بينما يجد الأشرار أنهم مَلْعُونُونَ مِنْهُ، وسَيُقْطَعُونَ.
هـ) الآيات (٢٣-٢٤): إرشاد الله ودعمه للرجل الصالح.
٢٣مِنْ قِبَلِ الرَّبِّتَثَبَّتُ خَطَوَاتُ الإِنْسَانِ وَفِي طَرِيقِهِ يُسَرُّ. ٢٤إِذَا سَقَطَ لاَ يَنْطَرِحُ، لأَنَّ الرَّبَّ مُسْنِدٌ يَدَهُ.
١. مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ تَتَثَبَّتُ خَطَوَاتُ ٱلْإِنْسَانِ وَفِي طَرِيقِهِ يُسَرُّ: ليست مكافأة الأبرار مقصورة على الدهر التالي. فالله يهدي خطوات الإنسان الصالح ويثبّتها في الحاضر أيضًا. فعندما يطلب الرب ويتلذذ به، يجد أن حياته تثْبت إرادة الله الصالحة المقبولة الكاملة له. (رسالة رومية ١:١٢-٢).
· مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ تَتَثَبَّتُ خَطَوَاتُ ٱلْإِنْسَانِ: “لا يوجد في النص ما يشير إلى الإنسان الصالح. فالكلمة العبرية المستخدمة والمترجمة إلى ’الإنسان‘ هي (Geber) وهي تدل على رجل قوي أو غازٍ أو بطل. ويبدو أنها تُستخدم هنا لتبيّن أن أقوى الأقوياء محتاجون إلى دعم من الرب، وإلا فستكون قوتهم وشجاعتهم بلا جدوى.” كلارك (Clarke)
· “كان هذا صحيحًا بشكل قاطع بالنسبة للمسيح الإنسان الذي ثبّت الرب خطواته وسُرَّ بطريقه.” هورن (Horne)
٢. وَفِي طَرِيقِهِ يُسَرّ: هنالك ميزة عظيمة حالية للإنسان الصالح، ألا وهي معرفته بأن الله يُسَرّ به. وهذا أمر واضح بشكل خاص للمؤمن تحت نظام العهد الجديد بعد أن تَبرَّر بالإيمان (رسالة رومية ١:٥-٢).
٣. إِذَا سَقَطَ لَا يَنْطَرِحُ، لِأَنَّ ٱلرَّبَّ مُسْنِدٌ يَدَهُ: وصف داود ميزة ثالثة للإنسان الصالح المتكل على الرب. فرغم أنه يسقط (بمعنى أنه يَتعثر)، إلا أنه لا ينطرح غير قادر على القيام مرة أخرى. وهو لا يسقط بعيدًا عن الله. وليس هذا بفضل قوته الداخلية أو صلاحه، بل لِأَنَّ ٱلرَّبَّ مُسْنِدٌ يَدَهُ.
ثانيًا. حكمة من رجل بحسب قلب الله
أ ) الآيات (٢٥-٢٦): شهادة عن بركة الله ورعايته للأبرار.
٢٥أَيْضًا كُنْتُ فَتىً وَقَدْ شِخْتُ، وَلَمْ أَرَ صِدِّيقًا تُخُلِّيَ عَنْهُ، وَلاَ ذُرِّيَّةً لَهُ تَلْتَمِسُ خُبْزًا. ٢٦الْيَوْمَ كُلَّهُ يَتَرَأَّفُ وَيُقْرِضُ، وَنَسْلُهُ لِلْبَرَكَةِ.
١. وَلَمْ أَرَ صِدِّيقًا تُخُلِّيَ عَنْهُ، وَلَا ذُرِّيَّةً لَهُ تَلْتَمِسُ خُبْزًا: قدّم داود شهادته من خبرته الخاصة، فلاحظ أن الله يهتم بمن يتكل عليه ويسلك في البر. ولن يُتَخُلَّى عَنْهُ، وستُبارَك ذُرِّيَّتُهُ أيضًا.
· كانت تلك شهادة داود بعد سنوات كثيرة (أَيْضًا كُنْتُ فَتىً وَقَدْ شِخْتُ). فبعد أن رأى أمانة الله لشعبه، أراد أيضًا من الجيل الأصغر أن يتكل على الرب، متعلِّمًا من حكمته.
· عرف داود أن بعض أسلافه تركوا إسرائيل خوفًا من المجاعة (سفر راعوث ١). وعندما عادوا بعد عدة سنوات، وجدوا أن الرب قد دبّر احتياجات أهل بيت لحم. فقد عرف الله كيف يهتم بالذين يتكلون عليه في أوقات المجاعة. وما زال يفعل ذلك حتى الآن.
· من الطرق التي يدبر بها احتياجات الأبرار وذريّتهم هي من خلال أخلاقيات العمل الجاد الذي يقوم به المفديون الذين يعرفون أنه يتوجب عليهم أن يقوموا بأي عمل مطلوب منهم بإخلاص قلبي، كما لو أنه للرب نفسه، بما في ذلك العمل من أجل لقمة العيش.
٢. وَلَمْ أَرَ صِدِّيقًا تُخُلِّيَ عَنْهُ، وَلَا ذُرِّيَّةً لَهُ تَلْتَمِسُ خُبْزًا: هذا التصريح مزعج لبعضهم لأنهم رأوا أو اختبروا حالات حيث كان بعضهم أو ذريتهم قد عانوا من مجاعة، أو من فقر شديد، أو اضطروا إلى التسول.
· نلاحظ أولًا أن هذا مزمور حكمة مثل سفر الأمثال. وفي أدب الحكمة الكتابي، تُقدَّم بعض المبادئ العامة على أنها مطلقة، بينما يُقصد منها أن تُفهم أنها عامة أو أنها تنطبق على الأغلبية الساحقة من الحالات – مع إمكان وجود استثناءات.
· نلاحظ أيضًا أن داود كتب ببساطة من خبرته الشخصية، فلم يكتب هذا كمبدأ مطلق، بل من ملاحظاته الخاصة.
· مر بعضهم، مثل آدم كلارك (Adam Clarke)، بهذه الخبرة وقدموا نفس الملاحظات: “أعتقد أن هذا صحيح حرفيًّا في كل الحالات. فأنا الآن أشيب الشعر، وقد سافرت إلى بلاد كثيرة، وسنحت لي فرص كثيرة لرؤية أشخاص كثيرين في كل أوضاع الحياة والتحدث إليهم. ولم أجد على حد علمي حالة تخالف ذلك. لم أجد شخصًا بارًّا قد تُخُلّي عنه أو ذرية له تلتمس خبزًا. فالله يضع هذه الكرامة على كل من يخافه، ولهذا يحرص عليهم وعلى ازدهارهم.”
· لم يكن لآخرين، مثل تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon)، نفس الخبرة والملاحظة: “ليست ملاحظاتي مطابقة لهذه. فقد قدمت غوثًا لأبناء أشخاص من المؤكد أنهم كانوا أتقياء، توسّلوا إليّ كمتسوّلين. لكن هذا لا يلقي شكًّا على ملاحظة داود.”
· “كان نصيبي غير السعيد، داخل هذه الجدران، أن أقدم عونًا لأبناء أشرار غير مستحقين لخدّام مسيحيين لا يرقى الشك إلى تقواهم، وقد انتقل بعضهم إلى السماء. سلك أبناؤهم هؤلاء على نقيض طريق الله، فسلك الله على نقيض طريقهم. وقد كنت آمل وما زلت أن يرجعهم الفقر الذي عانوه إلى إيمان آبائهم.” سبيرجن (Spurgeon)
· “مع تزايد تعقُّد الحضارة التي نعيش فيها، ربما اضطر الأبرار أحيانًا إلى التسول. ولكن من المؤكد أن هذه الحالات نادرة. وبعد بعض الخبرات المتنوعة، أود أن أُخضع ذاك الذي يتوسل إلى تحقيق صارم قبل أن أقبل شهادته ضد صاحب المزمور.” مورجان (Morgan)
٣. يَتَرَأَّفُ وَيُقْرِضُ: في أوقات الندرة، لا يكتفي البار بالحصول على تدبير الله لاحتياجاته، بل يُقْرِض آخرين محتاجين من قلب رؤوف كريم (يَتَرَأَّفُ).
· “إنه لأمر عجيب حقًّا أن يأمل الأساتذة الجامعيون في الخلاص وهم يقرؤون مثل هذه الآيات في الكتاب المقدس.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٢٧-٢٩): المكافأة الموعودة للطاعة.
٢٧حِدْ عَنِ الشَّرِّ وَافْعَلِ الْخَيْرَ، وَاسْكُنْ إِلَى الأَبَدِ. ٢٨لأَنَّ الرَّبَّ يُحِبُّ الْحَقَّ، وَلاَ يَتَخَلَّى عَنْ أَتْقِيَائِهِ. إِلَى الأَبَدِ يُحْفَظُونَ. أَمَّا نَسْلُ الأَشْرَارِ فَيَنْقَطِعُ. ٢٩الصِّدِّيقُونَ يَرِثُونَ الأَرْضَ وَيَسْكُنُونَهَا إِلَى الأَبَدِ.
١. حِدْ عَنِ ٱلشَّرِّ وَٱفْعَلِ ٱلْخَيْرَ: يتكل البار على الله، ويتلقّى تعليمًا أخلاقيًّا ويثمّنه. فلا تجعله رعاية الله له مهمِلًا، بل حريصًا على إرضائه.
· يتحدث هذا الشطر عن الإنسان البار في حُمُو الشدة. “غالبًا ما يجرَّب المرء في صراعه مع الشر بأن يحارب العدو بنفس أسلحته.” كيدنر (Kidner)
· “وبالتالي، في ضوء هذه الوعود والامتيازات المجيدة، لا ينبغي لأحد أن يفعل أي شر أو ظلم لكي يثرى أو لكي يؤَمِّن نفسه، ولا ينبغي أن يمتنع عن أعمال التقوى والبر خوفًا من أن يتضرر بفعلها.” بوله (Poole)
٢. لِأَنَّ ٱلرَّبَّ يُحِبُّ ٱلْحَقَّ (العدل)، وَلَا يَتَخَلَّى عَنْ أَتْقِيَائِهِ: بما أن الله يحب الحق والعدل، كذلك ينبغي لشعبه أن يحبهما أيضًا. وهو أمين لهم ولا يتخلى عنهم، أَمَّا نَسْلُ ٱلْأَشْرَارِ فَيَنْقَطِعُ.
· أَمَّا نَسْلُ ٱلْأَشْرَارِ فَيَنْقَطِعُ: “سيُقطع نسل الأشرار الذين يتبعون خُطاهم الشريرة كما يقطع الأشرار أنفسهم. ستنزل دينونة الله، وكذلك رحمته.” كلارك (Clarke)
٣. ٱلصِّدِّيقُونَ يَرِثُونَ ٱلْأَرْضَ وَيَسْكُنُونَهَا إِلَى ٱلْأَبَدِ: مرة أخرى، يصف داود في هذا المزمور البركة المعيّنة للأبرار في الدهر الآتي. سيجدون مكانًا آمنًا وميراثًا في الحياة الأخرى.
· “ذات يوم سيكون للقديسين سلطان على كل شيء. وفي هذه الأثناء، فإن الرب يطمئنهم على أنهم سيحصلون على كفايتهم، إن لم يكن وفرة.” تراب (Trapp)
ج ) الآيات (٣٠-٣١): المعدن الأخلاقي للأتقياء.
٣٠فَمُ الصِّدِّيقِ يَلْهَجُ بِالْحِكْمَةِ، وَلِسَانُهُ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ. ٣١شَرِيعَةُ إِلهِهِ فِي قَلْبِهِ. لاَ تَتَقَلْقَلُ خَطَوَاتُهُ.
١. فَمُ ٱلصِّدِّيقِ يَلْهَجُ بِٱلْحِكْمَةِ: ومرة أخرى، يتحول داود إلى موضوع سلوك البار ملاحظًا حكمتهم وكلامهم المستقيم.
٢. شَرِيعَةُ إِلَهِهِ فِي قَلْبِهِ: الإنسان البار معروف بامتلاكه كلمة الله ومحبته لها. وبطريقة ما، سيتحقق هذا بالعهد الجديد، حيث ستكون كلمة الله في قلبه (سفر إرميا ٣٣:٣١). وبفضل معرفته بكلمة الله واعتماده عليها، لن تنزلق أيٌّ من خطواته (لَا تَتَقَلْقَلُ خَطَوَاتُهُ).
· “لديه كتاب مقدس في رأسه، وآخر في قلبه.” تراب (Trapp)
د ) الآيات (٣٢-٣٣): معدن الشرير الأخلاقي واستجابته.
٣٢الشِّرِّيرُ يُرَاقِبُ الصِّدِّيقَ مُحَاوِلاً أَنْ يُمِيتَهُ. ٣٣الرَّبُّ لاَ يَتْرُكُهُ فِي يَدِهِ، وَلاَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَاكَمَتِهِ.
١. ٱلشِّرِّيرُ يُرَاقِبُ ٱلصِّدِّيقَ مُحَاوِلًا أَنْ يُمِيتَهُ: لدى تأمُّل داود في البركات الرائعة التي خصصها الله للبار، لم يكن يعتقد أن الحياة ستكون سهلة. إذ يتمثل أحد الأخطار التي يواجهها البار في خطر الأشرار الذين يبغضون البار بلا سبب.
· “هنالك كثيرون يحملون الهراوة التي سفكت دم هابيل ويتجوّلون بها، وهم يُبغضون الصلاح الموجود في الآخرين والذي يهملونه في أنفسهم.” تراب (Trapp)
٢. ٱلرَّبُّ لَا يَتْرُكُهُ فِي يَدِهِ: شكرًا لله على أن مصير الإنسان البار ليس تحت رحمة الأشرار. فالله يحميه، وبشكل خاص في يوم الدينونة الأخيرة (وَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَاكَمَتِهِ).
· “سيأتي ذلك اليوم عندما يتوَّج البار، ذاك الذي احتمل ظلم الأشرار وعانى من أجل الحق والبر، على عرش بين القديسين والشهداء لكي يساعد في محاكمة القضاة الذين أهانوه يومًا.” هورن (Horne)
هـ) الآيات (٣٤-٣٦): حث على الثقة بناء على الشهادة.
٣٤انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاحْفَظْ طَرِيقَهُ، فَيَرْفَعَكَ لِتَرِثَ الأَرْضَ. إِلَى انْقِرَاضِ الأَشْرَارِ تَنْظُرُ. ٣٥قَدْ رَأَيْتُ الشِّرِّيرَ عَاتِيًا، وَارِفًا مِثْلَ شَجَرَةٍ شَارِقَةٍ نَاضِرَةٍ. ٣٦عَبَرَ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَالْتَمَسْتُهُ فَلَمْ يُوجَدْ.
١. ٱنْتَظِرِ ٱلرَّبَّ وَٱحْفَظْ طَرِيقَهُ، فَيَرْفَعَكَ لِتَرِثَ ٱلْأَرْضَ: وعد داود شعب الله للمرة الخامسة في هذا المزمور بأنهم سيرثون الأرض. وكان بصفته ملكًا على إسرائيل، مهتمًّا بحدودها، لكن كان بمقدوره أن يوسّع هذه الفكرة إلى الدهر الآتي. فلشعب الله مكانه، بل أرض من نوع ما في الدهر التالي.
· ٱنْتَظِرِ ٱلرَّبَّ: “انتظر في طاعة كخادم، برجاء كوريث، وبتوقُّع كمؤمن.” سبيرجن (Spurgeon)
· ٱنْتَظِرِ ٱلرَّبَّ وَٱحْفَظْ طَرِيقَهُ: “لنحرصْ أثناء انتظارنا على أن لا نتزعزع.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن واتسن (Watson)
٢. إِلَى ٱنْقِرَاضِ ٱلْأَشْرَارِ تَنْظُرُ: وعد داود للمرة الخامسة بأن الأشرار سيُقطعون أو يهلكون بمعنى ما. ودينونتهم وعذابهم أمر مؤكد نفس تأكيد بركة الأبرار وأمانهم.
· استخدم داود صورة شجرة خضراء في وصف الأشرار في ازدهارهم. ويستخدم المزمور الأول صورة شجرة وارفة مورقة في وصفه للأبرار. “ونحن نرى هنا صورة معاكسة، حيث يُشبَّه الشرير بشجرة وارفة لفترة لكنها تزول سريعًا فتتلاشى.” بويس (Boice)
٣. قَدْ رَأَيْتُ ٱلشِّرِّيرَ عَاتِيًا (في قوة عظيمة): ومرة أخرى اعتمد داود على خبرته وشهادته الخاصة، حيث سبق أن رأى الأشرار يرتفعون إلى أمان ونجاح عظيمين ليزولوا فجأة فلا يُروا ثانية.
· وَٱلْتَمَسْتُهُ فَلَمْ يُوجَدْ: “ينظف الموت أشياء كثيرة! يستغرب كل الناس أن الرجل العظيم اختفى، وأن أملاكه بيعت، وأن أعماله التجارية أفْلسَتْ، وأنه خسر بيته، ونُسِي ذِكْره في غضون عدة أشهر!” سبيرجن (Spurgeon)
و) الآيات (٣٧-٣٨): دعوة إلى الحصول على نفس الشهادة.
٣٧لاَحِظِ الْكَامِلَ وَانْظُرِ الْمُسْتَقِيمَ، فَإِنَّ الْعَقِبَ لإِنْسَانِ السَّلاَمَةِ. ٣٨أَمَّا الأَشْرَارُ فَيُبَادُونَ جَمِيعًا. عَقِبُ الأَشْرَارِ يَنْقَطِعُ.
١. لَاحِظِ ٱلْكَامِلَ وَٱنْظُرِ ٱلْمُسْتَقِيمَ: لا يحصل الأبرار رجالًا ونساءً في هذا العالم على اهتمام كبير. فالثقافة السائدة مهتمة بالأشرار وغير الأتقياء. لكن داود يشير علينا بأن نلاحظ ٱلْكَامِلَ وٱلْمُسْتَقِيمَ في هذا العالم، لأن مستقبله هو السلام لأن ٱلْعَقِبَ لِإِنْسَانِ ٱلسَّلَامَةِ.
٢. عَقِبُ (مستقبل) ٱلْأَشْرَارِ يَنْقَطِعُ: يذكّرنا داود للمرة السادسة في هذا المزمور بأن مستقبل الأشرار ليس واعدًا.· “سيكون هنالك أسباب كثيرة للامتنان الشديد عندما تكسر دينونة الله أسنان أسد ملتهِم.” ماكلارين (Maclaren)
ز ) الآيات (٣٩-٤٠): عون الرب المعتمد عليه وخلاصه.
٣٩أَمَّا خَلاَصُ الصِّدِّيقِينَ فَمِنْ قِبَلِ الرَّبِّ، حِصْنِهمْ فِي زَمَانِ الضِّيقِ. ٤٠وَيُعِينُهُمُ الرَّبُّ وَيُنَجِّيهِمْ. يُنْقِذُهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ وَيُخَلِّصُهُمْ، لأَنَّهُمُ احْتَمَوْا بِهِ.
١. أَمَّا خَلَاصُ ٱلصِّدِّيقِينَ فَمِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ: هذه فكرة مفيدة في نهاية هذا المزمور. ففي تسبيح داود لله وتشجيعه للأبرار، ربما يعتقد بعضهم أن هؤلاء يخلصون ببرهم الخاص. ولهذا يذكّرنا داود قائلًا: أَمَّا خَلَاصُ ٱلصِّدِّيقِينَ فَمِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ.
· حِصْنِهمْ (قوّتهم) فِي زَمَانِ ٱلضِّيقِ: “مع أن الضيق سيطرح الأشرار، إلا أنه سيدفع الأبرار نحو المُعين القوي الذي يُسر بدعمهم.” سبيرجن (Spurgeon)