تفسير سفر المزامير – مزمور ٧٠
أسرع إلى عوني، يا رب
هذا المزمور معنون: لِإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ. لِدَاوُدَ لِلتَّذْكِيرِ. ومن المؤكد أن هذا المزمور يتضمن معنى التذكير، لأنه نفس مزمور ١٣:٤٠-١٧ تقريبًا.
“هذه الصلاة ترس ورمح وصاعقة ودفاع ضد كل هجوم من التراجع والتجاسر والفتور، وهي أمور سائدة في يومنا.” بويس (Boice) نقلًا عن لوثر (Martin Luther)
أولًا. التماس للإنقاذ
أ ) الآية (١): أَسرع في الاستجابة لي، يا رب!
١اَللَّهُمَّ، إِلَى تَنْجِيَتِي. يَا رَبُّ، إِلَى مَعُونَتِي أَسْرِعْ.
١. يَا رَبُّ، إِلَى مَعُونَتِي أَسْرِعْ: طلب داود من الله أن يأتي بالعون على عجل، عالمًا أنه إذا تأخر العون كثيرًا، فلن يكون عونًا على الإطلاق. فكانت طِلْبته متسمة بالإلحاح. وستنجح كثيرة من صلواتنا إذا قدمناها بروح الإلحاح والاستعجال.
· “تؤكد الالتماسات على إلحاح المسألة. فلا توجد لحظة يمكن أن تضيع، أو كما يبدو الأمر.” كيدنر (Kidner)
٢. يَا رَبُّ، إِلَى مَعُونَتِي أَسْرِعْ: كرر داود طلبته بغرض التوكيد، لكن مع تغيير طفيف في مخاطبته لإلهه. فقد استخدم في التكرار اسم يهوه (الرب)، إله العهد. وأمِل بإضافة هذا الاسم أن يضمن سرعة إضافية في الاستجابة.
· رأى ج. كامبل مورجان (G. Campbell Morgan) أن صلوات كهذه معيبة في فهمها لله. “فهي تكشف تصورًا غير سليم لله. فالله لا يحتاج إلى من يستعجله. فهو لا يتوانى أو ينتظر بلا فائدة أو بإهمال.”
· غير أن مورجان شرح أن الله ما زال يريد أن يستمع إلى مثل هذه الصلوات المعيبة. “يمكننا أن نستخدم أية تعابير في صلواتنا، إن كانت موجهة إليه، عالمين أنه يفهم، وفي فهمه يفسر صلواتنا المعيبة بمعرفته الكاملة. وهو يعطي أفضل استجابة لأعمق احتياج.” مورجان (Morgan)
· “دعنا نأخذها ونستخدمها، عالمين أنه يفضّل في ترنيمتنا أن نعبّر عن شك صادق بدلًا من تعبير عاطفة أو ثقة غير موجودة. وهو يفضل أن يستمع إلى مثل هذا الترنيمة على الصمت.” مورجان (Morgan)
ب) الآيات (٢-٣): داود يصلي ضد أعدائه.
٢لِيَخْزَ وَيَخْجَلْ طَالِبُو نَفْسِي. لِيَرْتَدَّ إِلَى خَلْفٍ وَيَخْجَلِ الْمُشْتَهُونَ لِي شَرًّا. ٣لِيَرْجعْ مِنْ أَجْلِ خِزْيِهِمُ الْقَائِلُونَ: «هَهْ! هَهْ!».
١. لِيَخْزَ وَيَخْجَلْ طَالِبُو نَفْسِي: هذا هو العون الذي سعى داود إلى الحصول عليه. فقد صلّى أن يرد الله أعداءه على أعقابهم ويربكهم.
· “يصلي صاحب المزمور من أجل سقوط أعدائه وخزيهم حسب مبدأ العدالة الإلهية ووعد الله بأن يلعن كل من يلعن خاصّته.” فانجيميرين (VanGemeren)
٢. لِيَرْتَدَّ إِلَى خَلْفٍ وَيَخْجَلِ ٱلْمُشْتَهُونَ لِي شَرًّا: هذه طِلبة جريئة، لأنه يبدو في أحيان كثيرة أن أعداءنا لا يمتلكون إحساسًا بالخجل وهم يهاجموننا ويقاوموننا.
· “إن ألطف شيء يمكن أن نصلي من أجل الذين يسيئون إلينا أن تفشل خططهم. فربما يرون في إحباطهم حماقة الشر ونهايتها الحقيقية، وربما بعد ذلك يمكن الوصول إليهم من أجل الله.” بويس(Boice)
· “تأكدوا أن أعداء المسيح وشعبه سيحصلون على أتعاب عملهم بالكامل، وسيحصلون عليها بعِمْلتهم الخاصة. لقد أحبوا الاستهزاء، وسيشبعون منه.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. لِيَرْجِعْ مِنْ أَجْلِ خِزْيِهِمُ ٱلْقَائِلُونَ: «هَهْ! هَهْ!»: يدل هذا على التهكم والسخرية. كان أمرًا سيئًا بما يكفي أن أعداء داود أرادوا له الموت، لكنهم صبّوا عليه سخريتهم أيضًا.
· يدل التعبير «هَهْ! هَهْ!» على أعلى مستوى من الازدراء.” كلارك (Clarke)
ثانياً. إضافة التسبيح إلى التوسل
أ ) الاية (٤): يناشد داود شعب الله أن يسبحوه
٤وَلْيَبْتَهِجْ وَيَفْرَحْ بِكَ كُلُّ طَالِبِيكَ، وَلْيَقُلْ دَائِمًا مُحِبُّو خَلَاصِكَ: «لِيَتَعَظَّمِ الرَّبُّ».
١. لْيَبْتَهِجْ وَيَفْرَحْ بِكَ كُلُّ طَالِبِيكَ: دعا داود شعب الله – طالبيه ومحبي خلاصه – أن يفرحوا به. ونلمس بأنه من المستحيل لداود أن يفعل هذا ما لم يكن قد وجد قدْرًا من الفرح والابتهاج في الله رغم مشكلته المُلِحة.
٢. وَلْيَقُلْ دَائِمًا مُحِبُّو خَلَاصِكَ: «لِيَتَعَظَّمِ الرَّبُّ»: رأى داود أن تسبيح الله هو تعظيم له، أي أن يجعله أكبر في إدراك المرء. ولا يجعل التعظيم (التكبير) شيئًا أكبر مما هو عليه في الواقع، ولا نستطيع أن نجعل الله أكبر أو أعظم مما هو عليه. لكن تعظيم (تكبير) شيء أو شخص يعني أن ندركه على أنه أكبر. ويتوجب علينا أن نفعل ذلك في ما يتعلق بالله.
· مُحِبُّو خَلَاصِكَ: “كل البشر محبون وطالبون، لأن كل البشر يحبون. يحب بعضهم المال أكثر من خلاص الله. ويحب آخرون اللذة، حتى لذة الخطية، أكثر من خلاص الله. ويحب آخرون الصخب والأعمال أكثر من خلاص الله.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن فريم (Frame)
· لِيَتَعَظَّمِ ٱلرَّبُّ: “لا يقول: ’لِيَتَعَظَّمْ من قِبَلي‘ إذا شاء أن يجعلني ناجحًا في عملي التجاري، وسعيدًا، وموفور الصحة. لكنه يترك الأمر مفتوحًا. لِيَتَعَظَّمِ ٱلرَّبُّ فحسب، وليفعل كل ما يشاء بنا.” سبيرجن (Spurgeon)
· “ولا توجد أية قيود على الأماكن أو الأشخاص. فقلبي يقول: لِيَتَعَظَّمِ ٱلرَّبُّ بين الويسليين! ولِيَتَعَظَّمِ ٱلرَّبُّ بين المستقلين! ولِيَتَعَظَّمِ ٱلرَّبُّ بين المشيخيين! ولِيَتَعَظَّمِ ٱلرَّبُّ بين المعمدانيين!” سبيرجن (Spurgeon)
· هذه البركة «لِيَتَعَظَّمِ الرَّبُّ» أكثر رجولة ونُبلًا من نباح الكلب «هَهْ! هَهْ!»” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآية (٥): تكرار التوسل: أسرع إلى معونتي.
٥أَمَّا أَنَا فَمِسْكِينٌ وَفَقِيرٌ. اَللَّهُمَّ، أَسْرِعْ إِلَيَّ. مُعِينِي وَمُنْقِذِي أَنْتَ. يَا رَبُّ، لَا تَبْطُؤْ.
١. أَمَّا أَنَا فَمِسْكِينٌ وَفَقِيرٌ (محتاج، في عِوز): استطاع داود أن يجمع بين إحساسه العظيم بالفرح وتقديره الواقعي لاحتياجه الحالي. كان داود آمِنًا في إدراك حقيقة اهتمام الله به والتفكير فيه، فالتمس منه أن يكون عونه ومنقذه. فقد احتاج إلى أن يفعل الله هذا من أجله على وجه السرعة.
· أَنَا مِسْكِينٌ وَفَقِيرٌ: “أنا رجل مسكين ومتسول مُبتلى. ويدفعني إحساسي بفقري الشديد إلى أن أتوسل.” كلارك (Clarke)
· رأى سبيرجن أن الإحساس بالمسكنة والفقر والاحتياج كان ملائمًا لجماعة تطلب بركة الله. “نحن نصلي من أجل أن يُظهر الروح القدس قوّته في الكنيسة. ولكي ننجح في توسُّلنا هذا، من الضروري أن نعترف جماعيًّا من خلال هذا النص: ’أَنَا مِسْكِينٌ وَفَقِيرٌ (محتاج).‘ وينبغي أن نعترف بعجزنا في هذا الأمر.” سبيرجن (Spurgeon)
· أَنَا مِسْكِينٌ وَفَقِيرٌ: “مع مثل هذا الآب ومثل هذا الصديق، يُصبح الفقر غنىً، والضعف نفسه قوةً.” هورن (Horne)
· يكرر داود الطلبة نفسها بغرض التوكيد: ’أَسْرِعْ إِلَيَّ.‘ “لكن الله يُسرع بالفعل. على الجناحين كل ساعة، أسرع من قفزات الضوء من عالم إلى عالم. إنه في طريقه. لا يوجد إنكار للتأخيرات، لكنها ضرورية لتكميل ترتيباته.” ميير (Meyer)