تفسير سفر المزامير – مزمور ٤١
صلاة من أجل العون وضد همسات الخونة
هذا المزمور معنون لإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ. مَزْمُورٌ لِدَاوُدَ. وقد قدّم ألكزاندر ماكلارين (Alexander Maclaren) وصفًا جيدًا له: “تصف الكتلة المركزية لهذا المزمور المرنم وهو يعاني من شرّين: المرض والأصدقاء الخونة.”
أولًا. المبارَك وعدوُّه
أ ) الآيات (١-٣): بركات لمن يراعي المسكين.
١طُوبَى لِلَّذِي يَنْظُرُ إِلَى الْمِسْكِينِ. فِي يَوْمِ الشَّرِّ يُنَجِّيهِ الرَّبُّ. ٢الرَّبُّ يَحْفَظُهُ وَيُحْيِيهِ. يَغْتَبِطُ فِي الأَرْضِ، وَلاَ يُسَلِّمُهُ إِلَى مَرَامِ أَعْدَائِهِ. ٣الرَّبُّ يَعْضُدُهُ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِ الضُّعْفِ. مَهَّدْتَ مَضْجَعَهُ كُلَّهُ فِي مَرَضِهِ.
١. طُوبَى لِلَّذِي يَنْظُرُ إِلَى ٱلْمِسْكِينِ: ربما تشمل الفكرة وراء كلمة ’ٱلْمِسْكِينِ‘ الفقر الاقتصادي، لكنها أوسع من ذلك. فهي تحمل فكرة الضعفاء أو العاجزين. وقد وصف داود البركات التي تأتي إلى الإنسان الصالح أو البار. وهو يلخص حياة هذا الشخص البار بكرمه تجاه المساكين. ولم يعتقد داود أن هذا هو الأمر الوحيد الذي يميّز الشخص التقي، لكنه شيء مهم.
· “المساكين المقصودون هنا هم الفقراء ماديًّا، والضعفاء جسديًّا، والمحتقرون من حيث السمعة، والقانطون في الروح.” سبيرجن (Spurgeon)
· “هنالك كثيرون حولك، إن لم يكونوا مساكين في أشياء العالم، فإنهم مساكين في المحبة والرجاء ومعرفة الله.” ميير (Meyer)
· لدى التأمل، فإن من يَنْظُرُ (يراعي أو يهتم) إِلَى ٱلْمِسْكِينِ والضعيف والعاجز والفقير، فإنه إنسان بار بمقياس واسع أو بدرجة كبيرة.
ü من يَنْظُرُ إِلَى ٱلْمِسْكِينِ هو إنسان يثق بالله، ومستعد لأن يعطي من موارده الخاصة.
ü من يَنْظُرُ إِلَى ٱلْمِسْكِينِ هو إنسان كريم تجاه المعوزين.
ü من يَنْظُرُ إِلَى ٱلْمِسْكِينِ يساعد الذين يرجح أنهم لن يساعدوه بالمقابل.
ü من يَنْظُرُ إِلَى ٱلْمِسْكِينِ يملك قلبًا نبيلًا كريمًا.
ü من يَنْظُرُ إِلَى ٱلْمِسْكِينِ يعطي من أجل خيرهم، لا لكي يشعر بالارتياح.
· يَنْظُرُ: “توحي هذه الكلمة بالتفكير المتأنّي حول وضع هذا المسكين، لا بمساعدة آليّة بلا مبالاة.” كيدنر (Kidner)
· لدى التأمل، فإن قدرًا كبيرًا من أعمال البر والإحسان يسقط حسب هذا المقياس: يَنْظُرُ إِلَى ٱلْمِسْكِينِ. يقدَّم مال وعون، لكن بطريقة تُسهم في اعتماد مزمن ومشكلات اجتماعية متأصّلة بعمق.
٢. فِي يَوْمِ ٱلشَّرِّ يُنَجِّيهِ ٱلرَّبُّ: هذه بداية لقائمة من بركات ينالها الشخص الكريم. وقد صحَّ هذا على نحو خاص تحت نظام العهد القديم (الذي يُدْعى عادة العهد الموسوي). وكان من بين الجوانب الجوهرية من ذلك العهد بركات للطاعة ولعنات للعصيان والتمرد (كما نرى في سفر التثنية ٢٨).
· “ولهذا، فإن من المرجح أن الوعود العامة في مزمور ١:٤١-٣ مطبقة بصمت على صاحب المزمور نفسه. وهو يعزّي حزنه الخاص بهذا التوكيد… فقد كان رحيمًا، وقد آمن أنه سيحصل على رحمة، رغم أن الأمور قد تبدو قاتمة.” ماكلارين (Maclaren)
٣. يَغْتَبِطُ (يبارَك) فِي ٱلْأَرْضِ: هذه إشارة أخرى إلى أن وعد البركة مكافأةً على الطاعة كان مرتبطًا بنظام العهد القديم. وهي بركات أرضية مادية أكثر منها سماوية أبدية.
٤. ٱلرَّبُّ يَعْضُدُهُ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِ ٱلضُّعْفِ: يعتقد معظم االمفسرين أن تعاسة داود وروحه المتدنية في هذا المزمور كانا بسبب مرضه (مزمور ٨:٤١). وربما كان في خطر الموت (مزمور ٥:٤١)، لكنه كان واثقًا بأن الرب سيباركه على خيره السابق الذي قدّمه للضعفاء والمعوزين.
ب) الآيات (٤-٦): توسُّل إنسان خاطئ من أجل الرحمة في وجه أعداء يتكلمون بالشر.
٤أَنَا قُلْتُ: «يَا رَبُّ ارْحَمْنِي. اشْفِ نَفْسِي لأَنِّي قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَيْكَ». ٥أَعْدَائِي يَتَقَاوَلُونَ عَلَيَّ بِشَرّ: «مَتَى يَمُوتُ وَيَبِيدُ اسْمُهُ؟ » ٦وَإِنْ دَخَلَ لِيَرَانِي يَتَكَلَّمُ بِالْكَذِبِ. قَلْبُهُ يَجْمَعُ لِنَفْسِهِ إِثْمًا. يَخْرُجُ. فِي الْخَارِجِ يَتَكَلَّمُ.
١. يَا رَبُّ ٱرْحَمْنِي: من دون أن يقول هذا الأمر بشكل مباشر، فإنه بدا وكأنه يحتكم إلى الله على أساس أعماله الصالحة، وبشكل خاص في ما يتعلق بمراعاته للفقراء (مزمور ١:٤١). وفي ضوء برّه النسبي تحت نظام العهد القديم، كان بمقدوره أن يطلب من الله رحمة وبركة.
· “لا يوجد هنا احتكام إلى العدل. إذ لم يلمّح المتضرّع إلّا إلى المكافأة الموعودة. غير أنه وضع طلبته عند قدمي الرحمة.” سبيرجن (Spurgeon)
· “إنه توسُّل للرحمة في ضوء المعاملة التي تخلو من الرحمة التي تلقّاها صاحب المزمور على أيدي خصومه وأصدقائه على حد سواء.” بويس (Boice)
٢. ٱشْفِ نَفْسِي لِأَنِّي قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَيْكَ: عرف داود أنه فعل خيرًا كثيرًا، لكن هذا لم يمحُ خطاياه. أدرك أن خطاياه كانت موجهة إلى الله وأنها جعلته مريضًا، لكن مرض نفسه كان أكثر خطورة.
· يمكننا أن نحدد ثلاث طرق احتاج بها داود إلى شفاء لنفسه:
ü شفى نفسي من محنتها العظيمة.
ü شفى نفسي من آثار الخطية.
ü شفى نفسي من الميل إلى الخطية.
· قدّم داود اعترافًا واضحًا وبسيطًا وصادقًا بخطاياه عندما قال: قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَيْكَ.
ü قدّم داود اعترافًا من دون أعذار.
ü قدّم داود اعترافًا من دون قيود.
ü قدّم داود اعترافًا من دون سطحية.
· “قال كل من شاول ويهوذا ’أخطأت،‘ لكن داود قال ’أَخْطَأْتُ إِلَيْكَ.‘” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن بلينر (Plainer)
· “مع تطبيق هذا التوسل على داود والمؤمنين الآثمين، ما أغرب هذه الحجة في مدى انسجامها مع رسالة الإنجيل: اشفِني يا ربّ، لا لأني بار، بل لأني أخطأت! إذ يتعارض هذا كثيرًا مع التوسل النابع من البر الذاتي.” سبيرجن (Spurgeon)
· “لا توجد نغمة يأس في هذه الصلاة. إذ لم يكن صاحب المزمور مكتئبًا بثقل خطاياه. ويرجح أنه يقدم اعترافًا عامّا بخطايا غير متعمدة ارتكبها.” فانجيميرين (VanGemeren)
٣. أَعْدَائِي يَتَقَاوَلُونَ عَلَيَّ بِشَرٍ: عرف داود أذى الشر وصعوبته والأكاذيب التي كانت تحاك حوله. فكان عليه، مثل المؤمنين الآخرين عبر العصور، أن يحتمل الافتراء الفاحش أحيانًا وتشويه معدنه الأخلاقي.
· لا تنسوا أن داود كان ملكًا صالحًا. “فما الذي يجعل لداود أعداء كثيرين إن كان ملكًا صالحًا بالفعل وشخصًا على خُلُق؟ يكمن السبب في الحسد والغيرة، إضافة إلى الرغبة في السلطة في نفوس حاسديه.” بويس (Boice)
· “غالبًا ما يكون نصيب الإنسان الصالح أن يتكلم عنه آخرون بالشر، وأن تشوَّه دوافعه، وحتى أكثر أعماله الخيرية اتِّصافًا بمحبة الآخرين.” كلارك (Clarke)
· يخبرنا تاريخ البشرية عن سبب تعرُّض المسيحيين الأوائل للاضطهاد، أو على الأقل سبب اعتقاد الناس في الإمبراطورية الرومانية بأن المسيحيين يستحقون الاضطهاد.
ü اتهموا المسيحيين بالعداوة ضد الأباطرة والتآمر على الدولة.
ü اتهموا المسيحيين بسفاح القُربى.
ü اتهموا المسيحيين بأنهم آكلو بشر.
ü اتهموا المسيحيين بأنهم ملحدون.
ü اتهموا المسيحيين بأنهم مبغضون للبشر.
ü اتهموا المسيحيين بأنهم السبب وراء المشكلات التي ابتُليت بها الإمبراطورية الرومانية.
· تحدّث أعداء المسيحية الأوائل بالشر عن أتباع المسيح وأشاعوا أكاذيب حولهم.
ü كان المسيحيون مواطنين صالحين ويصلّون من أجل الإمبراطور.
ü عاش المسيحيون حياة أخلاقية طاهرة.
ü لم يمارس المسيحيون أكل لحوم البشر.
ü من المؤكد أنهم لم يكونوا ملحدين.
ü كان المسيحيون يحبون الآخرين وأظهروا هذا على الدوام.
ü جعلوا الإمبراطورية أفضل لا أسوأ.
· ورغم هذا، صُدِّقت هذه الأكاذيب، واضطُهِد المسيحيون بسببها. وقد بذل المدافعون في الكنيسة الأولى ما بوسعهم لقول الحق، لكنها كانت معركة علاقات عامة خاسرة. إذ صُدِّقت الأكاذيب على نطاق واسع.
٤. مَتَى يَمُوتُ وَيَبِيدُ ٱسْمُهُ؟: هذا هو ما كان يقوله أعداء داود بين أنفسهم. كانوا ينتظرون موته بفارغ الصبر، وقد فعلوا ما بوسعهم لتحقيق رغبتهم هذه.
· وَإِنْ دَخَلَ لِيَرَانِي يَتَكَلَّمُ بِٱلْكَذِبِ: “تستخدم كلمة ’يرى‘ هنا بمعنى زيارة مريض كما في سفر الملوك الثاني ٢٩:٨، ويتضمن هنا المواساة الكاذبة من الزائر بينما يجمع بجشع علامات مشجعة على أنه لا أمل في الشفاء من هذا المرض.” ماكلارين (Maclaren)
· “عندما زارت حاشية الملك داود إياه في مرضه، قالوا: ’لقد أحزننا أن نسمع أنك مريض. لقد صلّينا وسنظل نصلي من أجلك. ونحن نأمل أن تتعافى سريعًا. لقد اهتممنا بكل شيء… فهل هنالك شيء يمكننا أن نفعله من أجلك؟‘ كانت كلماتهم محض نفاق. لم يكن هؤلاء يتمنون شفاءه على الإطلاق. وبعد أن تركوه، قالوا شيئًا قريبًا مما يلي: ’ألم تبدُ حالته فظيعة؟ لا أعتقد أنه سيُشفى. أليس كذلك؟‘” بويس (Boice)
٥. قَلْبُهُ يَجْمَعُ لِنَفْسِهِ إِثْمًا: نظر داود إلى القلب الشرير على أنه يشبه المغناطيس، فهو يجتذب دائمًا خطايا إضافية إلى نفسه.
ج) الآيات (٧-٩): همسات وخيانة.
٧كُلُّ مُبْغِضِيَّ يَتَنَاجَوْنَ مَعًا عَلَيَّ. عَلَيَّ تَفَكَّرُوا بِأَذِيَّتِي. ٨يَقُولُونَ: «أَمْرٌ رَدِيءٌ قَدِ انْسَكَبَ عَلَيْهِ. حَيْثُ اضْطَجَعَ لاَ يَعُودُ يَقُومُ». ٩أَيْضًا رَجُلُ سَلاَمَتِي، الَّذِي وَثِقْتُ بِهِ، آكِلُ خُبْزِي، رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ!
١. كُلُّ مُبْغِضِيَّ يَتَنَاجَوْنَ (يتهامسون) مَعًا عَلَيَّ: عرف داود – أو على الأقل أحس – أن مبغضيه كانوا يتهامسون بمؤامرات عليه تهدف إلى إيذائه.
- “يقابل الجاسوس رفاقه في اجتماع سري فيتهامسون جميعًا. لماذا لم يستطيعوا التحدث بشكل عالٍ؟ هل كانوا خائفين من المحارب المريض؟ أم أن خططهم كانت من الخيانة بمكان حتى إنه تحتاج إلى أن تفقس في سرية كاملة؟” سبيرجن (Spurgeon)
· “كثيرًا ما تُستخدم نفس هذه الأسلحة ضد أتباع المسيح. لكن لا ينبغي لهم أن يسمحوا لهذا الأمر بأن يُثنيهم عن اتِّباع سيدهم.” هورن (Horne)
٢. أَمْرٌ (مرض) رَدِيءٌ قَدِ ٱنْسَكَبَ عَلَيْهِ: ربما كان هذا صحيحًا. فقد وصف داود في مزمور ٣:٣٨، ٦-٨ وقتًا مرِض فيه. فكان أعداؤه سعداء لفكرة احتمال موته فلَا يَعُودُ يَقُومُ.
· يمكننا أن نتخيل أعداءه – أو ربما أشخاص تظاهروا بأنهم أصدقاؤه – قالوا هذا عن داود وهو يعاني على فراش مرضه.
· كان ما قالوه قويًّا ومُدينًا لداود. “كلمة ’رديء‘ [شرير] ترجمة لكلمة بليعال، ويمكن أن تترجم هذه العبارة إلى ’أُصيب بمرض من إبليس‘ أو ’مرض لعين.‘” فانجيميرين (VanGemeren)
٣. أَيْضًا رَجُلُ سَلَامَتِي، ٱلَّذِي وَثِقْتُ بِهِ، آكِلُ خُبْزِي، رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ: ساءت محنة داود لأنه كان بين أعدائه صديق حميم (رَجُلُ سَلَامَتِي). فعرف داود كيف يمكن أن يكون شعور المرء عندما يقوم أصدقاء موثوقون – أشخاص لهم علاقة حميمة به (آكِلُ خُبْزِي) – بخيانته.
· تعرَّض داود لخيانة من ابنه أبشالوم (سفر صموئيل الثاني ١٥) ومن مستشاره أخيتوفل (سفر صموئيل الثاني ١٢:١٥، ٣١:١٥). “أيّ جرح يمكن أن يكون أكبر من ذاك الذي يُحْدثه صديق غادر؟” تراب (Trapp)
· بالمعنى الأكثر تطرُّفًا وشرًّا، تَحَقَّق هذا عندما خان يهوذا يسوع. وقد طبّق يسوع هذه الكلمات على نحو خاص على يهوذا وخيانته. ففي إنجيل يوحنا ١٨:١٣، اقتبس من هذه العبارة “الَّذِي يَأْكُلُ مَعِي الْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ” فقط، وأغفل عبارة “ٱلَّذِي وَثِقْتُ بِهِ،” لأنه لم يكن يثق بيهوذا، مع أنه جعله أمينًا للصندوق بين التلاميذ (إنجيل يوحنا ٦:١٢و ٢٩:١٣).
· “لقد جرحت قبلة يهوذا قلب يسوع تمامًا كما جرحت المسامير يديه.” سبيرجن (Spurgeon)
· “وهكذا تحققت هذه الكلمات في حياة داود. غير أن الروح القدس الذي أوحى بهذه الكلمات نظر إلى أبعد من ذلك، إلى يسوع ويهوذا، حيث تحققت بشكل أوفى فيهما.” بوله (Poole)
· “يدل مصطلح ’رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ‘ على عمل غادر (انظر سفر التكوين ١٥:٣؛ مزمور ١٢:٥٥-١٤).” فانجيميرين (VanGemeren)
· “لم يُدِرْ ظهره لي فحسب، بل تركني بركلة قوية كرفسة من حصان شرس.” سبيرجن (Spurgeon)
ثانيًا. توسُّل وتسبيح
أ ) الآيات (١٠-١٢): يصلي داود طالبًا من الله رحمة وانتصارًا على أعدائه.
١٠أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَارْحَمْنِي وَأَقِمْنِي، فَأُجَازِيَهُمْ. ١١بِهذَا عَلِمْتُ أَنَّكَ سُرِرْتَ بِي، أَنَّهُ لَمْ يَهْتِفْ عَلَيَّ عَدُوِّي. ١٢أَمَّا أَنَا فَبِكَمَالِي دَعَمْتَنِي، وَأَقَمْتَنِي قُدَّامَكَ إِلَى الأَبَدِ.
١. أَمَّا أَنْتَ يَارَبُّ فَٱرْحَمْنِي وَأَقِمْنِي، فَأُجَازِيَهُم: صلى داود لا من أجل الغفران والإنقاذ فحسب، بل أيضًا من أجل الانتصار على أعدائه. وأحس بصفته مسيح الرب بأنه مبرر في ذلك، ونظر إلى خلاص الله كدليل على أن الله سُرَّ به.
· “التوسل إلى الله ’فَأُجَازِيَهُم‘ شيء غير عادي، حيث إن معظم الصلوات في المزامير هي أن يجازي الرب نفسه الأعداء والأشرار.” كيدنر (Kidner)
٢. فَبِكَمَالِي دَعَمْتَنِي: أحس داود بأنه، على خلاف أعدائه، رجل نزيه. غير أنه ما زال محتاجًا إلى دعم الله له في نزاهته، مدركًا أن ذلك هو عمل الله فيه.
٣. وَأَقَمْتَنِي (أَقِمْني) قُدَّامَكَ إِلَى ٱلْأَبَدِ: كان هذا أهم شيء بالنسبة لداود، وهو أهم من الانتصار على أعدائه. عنى وقوفه قدّام وجه الرب إلى الأبد أن يتمتع بشركته ورضاه.
· “يُعَد المثول قدام ملك أرضي شرفًا متميّزًا، لكن هل يمكن أن يقارن بكون المرء من الحاشية الدائمة في قصر الملك الأزليّ الأبدي غير المنظور؟” سبيرجن (Spurgeon)
· نلاحظ أن كل المزايا المذكورة في الآيتين ١١ و ١٢ تأتي في صيغة الفعل المضارع في النص العبري. لم يعتقد داود أن الله سيسلم أعداءه بين يديه، بل اعتقد أن الله فعل ذلك بالفعل.
ب) الآية (١٣): الاختتام بالتسبيح.
١٣مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ، مِنَ ٱلْأَزَلِ وَإِلَى ٱلْأَبَدِ. آمِينَ فَآمِينَ.
١. مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: يعتقد مفسرون كثيرون أن هذه ليست نهاية لهذا المزمور فقط، بل للجزء الأول من سفر المزامير. وهنا يكَرَّم الرب بصفته إله عهد إسرائيل. فكان ملائمًا أن ينهي قصيدته بتثبيت عينيه على الرب، لا على نفسه أو على أعدائه.
· الكتب (الأجزاء) الخمسة للمزامير هي كما يلي:
ü الكتاب الأول: المزامير ١-٤١ (٤١ مزمورًا)
ü الكتاب الثاني: المزامير ٤٢-٧٢ (٣١ مزمورًا)
ü الكتاب الثالث: ٧٣-٨٩ (١٧ مزمورًا)
ü الكتاب الرابع: ٩٠-١٠٥ (١٦ مزمورًا)
ü الكتاب الخامس: ١٠٦-١٥٠ (٤٥ مزمورًا)
· “كل كتاب من الكتب الخمسة ينتهي بهتاف وتسبيح، وبالكلمتين: ’آمِينَ فَآمِينَ‘ (في هذا المزمور وفي مزمور ١٩:٧٢، ٥٢:٨٩)، وبكلمتي: آمِينَ وهَلِّلُويَا ( مزمور ٤٨:١٠٦) أو بكلمة: هَلِّلُويَا، وهو بالفعل مزمور البركة الختامية.” كيدنر (Kidner)
· رأى مورجان (Morgan) أن توكيد ٱلرَّبّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ في هذه البركة الختامية ملائم للجزء (الكتاب) الأول من سفر المزامير. “إن اسم الله السائد في هذه المجموعة هو الرب، يهوه، وقد وُضعت هذه الترانيم بطرق متنوعة تبيّن معنى هذا الاسم لرجال الإيمان. وهكذا، فإن البركة الختامية تتضمن تسبيح الرب، إله إسرائيل.” مورجان (Morgan)
٢. مِنَ ٱلْأَزَلِ وَإِلَى ٱلْأَبَدِ: ينبغي أن يسبَّح الرب بصفته الإله السرمدي، من الأزل (الماضي) إلى الأبد (المستقبل).
· “تعني جملة ’مِنَ ٱلْأَزَلِ وَإِلَى ٱلْأَبَدِ‘ ’نقطة التلاشي.‘ والفكرة هنا هي أن الرب إله إسرائيل موجود من الماضي الذي يتجاوز إدراك البشر إلى المستقبل الذي يتجاوز إدراك البشر بنفس القدر. وبالنسبة لنا، أصبحت هذه الحقيقة العظيمة أكثر وضوحًا في كلمات يسوع: ’أنا هو الألف والياء.‘” مورجان (Morgan)