تفسير سفر المزامير – مزمور ٣٣
الإله العظيم المهوب
“إن كان أنقى شكل للترانيم هو تسبيح الله وشكره على ما فعله، فإن هذا المزمور مثل رائعٌ لذلك.” ديريك كيدنر (Derek Kidner)
أولًا. تسبيح للإله العظيم
أ ) الآيات (١-٣): دعوة إلى التسبيح بأغانٍ وفرح.
١اِهْتِفُوا أَيُّهَا الصِّدِّيقُونَ بِالرَّبِّ. بِالْمُسْتَقِيمِينَ يَلِيقُ التَّسْبِيحُ. ٢احْمَدُوا الرَّبَّ بِالْعُودِ. بِرَبَابَةٍ ذَاتِ عَشَرَةِ أَوْتَارٍ رَنِّمُوا لَهُ. ٣غَنُّوا لَهُ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً. أَحْسِنُوا الْعَزْفَ بِهُتَافٍ.
١. اِهْتِفُوا (ابتهجوا) أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُونَ بِٱلرَّبِّ: يبدأ هذا المزمور، الذي لا يُنسَب إلى مؤلف، بدعوة أبرار الله (الصِدّيقين) إلى الابتهاج والتسبيح. وهو يشير بهذا إلى أشخاص بين شعب الله يسلكون باستقامة.
· “انتهى المزمور ٣٢ بدعوة الأبرار إلى أن يرنموا تسابيح لله. ويلتقط المزمور ٣٣ هذه النغمة، كما لو أن الآيات الثلاث الأولى من المزمور ٣٣ كانت إسهابًا لمزمور ١١:٣٢.” بويس (Boice)
· اِهْتِفُوا أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُونَ بِٱلرَّبِّ: “يناشد صاحب المزمور القديسين أن يهتفوا للرب ويبتهجوا فيه. وبالفعل فإنه لا يوجد واجب أكثر إلحاحًا أو أقل ممارسة في العهدين القديم والجديد.” تراب (Trapp)
· شعب الله مدعوون إلى أن يبتهجوا بالرب، وليس بأي شيء آخر. “الابتهاج بوسائل الراحة الزمنية أمر خطِر، والابتهاج بالذات حماقة، والابتهاج بالخطية أمر مميت، لكن الابتهاج بالله أمر سماوي (أمر رائع للغاية).” سبيرجن (Spurgeon)
· بموجب العهد الجديد، يمكننا أن نوسّع هذا ليشمل أولئك الذين تمّ إعلانهم أبرارًا بإيمانهم بيسوع (رسالة رومية ٢١:٣-٢٦). ولدى الأبرار بموجب مرسوم الله مسؤولية أعظم للابتهاج والتسبيح.
٢. بِٱلْمُسْتَقِيمِينَ يَلِيقُ ٱلتَّسْبِيحُ (تسبيح المستقيمين جميل): يَعُدّ الله عبادة المستقيمين (هم مستقيمون بمعنى نسبي هنا، وبين الذين أُعلِنوا من الله مستقيمين معًا) بين شعبه جميلة. فهي ترضيه، وهي تخلق إحساسًا بالتقدير للجمال. فالله يقدّر تسبيحنا.
· “إنه مخصص بشكل ملائم للعبادة العامة…. تأخذنا الدعوات الافتتاحية إلى التسبيح بعيدًا عن المصارعات الانعزالية (الانفرادية) ومشاركات الأفكار والمشاعر في مزامير سابقة.” ماكلارين (Maclaren)
· “انزع من المؤمن قوة التسبيح لله، وستجعله دودة أرضية مسكينة، مقيّدًا بالشكوك والمخاوف والهموم. لكن اضرم في نفسه الشعلة التي تحترق في سماء محبة الله السرافيمية، وسيحلّق عاليًا.” سبيرجن (Spurgeon)
· “الشخص المستقيم هو شخص بلا غش (مزمور ٢:٣٢)، وهو ممتلئ بنزاهة القلب، وهو نقيض المنحرف (سفر الأمثال ٨:٨).” فانجيميرين (VanGemeren)
· “التسبيح في فم الخاطئ مثل إعلان إلهي في فم أحمق. إنه أمر غير لائق تمامًا أن يسبح الله بينما كل حياته تهين الله. وليس من اللائق للشرير المستمر في ممارساته الشريرة أن يسبح الله، تمامًا كما أن من غير اللائق للمرابي أن يتكلم عن الحياة بالإيمان أو أن يقتبس إبليس كلمة الله.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن واتسن (Watson)
٣. ٱحْمَدُوا ٱلرَّبَّ بِٱلْعُودِ. بِرَبَابَةٍ ذَاتِ عَشَرَةِ أَوْتَارٍ رَنِّمُوا لَهُ: أعلن الله أيضًا رضاه عن العبادة من خلال الموسيقى والآلات الموسيقية. يُرضي هذا خالقنا، خالق الموسيقى، وهو الموسيقي العظيم.
· “يخبرنا الخبراء أن ٱلْعُودِ (الكينّور) والرَبَابَةٍ (النِبِل) آلتان وتريتان بعشرة أوتار. لكنهما يختلفان في وضعية لوح الصوت، حيث كان لوح الصوت في الأسفل بالنسبة للكينّور وفي الأعلى بالنسبة للنِبِل، كما كانا يختلفان في غطاء الأوتار أيضًا.” ماكلارين (Maclaren)
· من الواضح أن صاحب المزمور يحث شعب الله على أن يسبحوه بمصاحبة آلات موسيقية. ومن الغريب أن بعضهم يعتقدون أن هذه المصاحبة الموسيقية تخص العهد القديم دون الجديد.
· كان سبيرجن يفضل العبادة والترنيم من دون مصاحبة آلات موسيقية، لكنه لم يَنْهَ عن استخدامها. “نحن الذين نعتقد أن هذه الأشياء غير مناسبة للعبادة خوفًا من تشويه بساطتها، لا نؤكد أنها غير مشروعة. فإذا كان جورج هيربرت ومارتن لوثر يستطيعان أن يعبدا الله على نحو أفضل بمصاحبة آلات موسيقية حسنة الضبط، فمن الذين ينكر عليهما هذا الحق؟ نحن لا نحتاج إلى الآلات الموسيقية، إذ يمكن أن تعوق عبادتنا، ولكن إن كان لآخرين رأي آخر، ألا يملكون حرية الإنجيل؟” سبيرجن (Spurgeon)
· غير أن أهم آلة موسيقية هي القلب. “للموسيقى الصوتية المرتبطة بالآلات الموسيقية فائدة كبيرة في تقديم تسابيح لله. لكن لا توجد آلة مثل النفس العقلانية، ولا يوجد لحن مثل العواطف المضبوطة حسنًا.” هورن (Horne)
٤. غَنُّوا لَهُ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً: يحب الله أن يتلقى ابتهاج شعبه وتسبيحه معبرًا عنه في ترنيم (أُغْنِيَة)، وبشكل خاص إن كانت أُغْنِيَةً جَدِيدَةً.
· “تعني ’الأغنية الجديدة‘ ببساطة أن تنبثق كل ترنيمة تسبيح من وعي متجدد بنعمة الله.” بويس (Boice)
· “بما أن الله يعطيك فرص ومواسم جديدة باستمرار، فلا تَقْنع بأغانيك وترانيمك ومزاميرك القديمة التي ألّفها قديسو الله، بل اصنع ترانيم جديدة ملائمة لكل موسم أو فرصة جديدة.” بوله (Poole)
· “اخلعوا كل ما هو قديم يا من عرفتم الأغنية الجديدة. إنسان جديد، عهد جديد، ترنيمة جديدة. فليست الترنيمة الجديدة للأشخاص القدامى، ولا يستخدمها إلا الأشخاص الجدد، أشخاص تجددوا بنعمة الله وتركوا قِدَمهم، وهم الآن ينتمون إلى العهد الجديد الذي هو ملكوت السموات.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن أوغسطين (Augustine)
٥. أَحْسِنُوا ٱلْعَزْفَ بِهُتَافٍ (بفرح): المهارة الموسيقية والحماسة الملائمة لفرح شعب الله طريقتان أخريان يُكرَم بهما الله بالتسبيح.
· “بِهُتَافٍ (بصيحة فرح) – ينبغي أن تكون الحماسة واضحة في العبادة للإله الحي. وأما الهمسات المؤدَّبة فلها سمعة سيئة هنا. ليس الأمر أن الرب لا يستطيع أن يسمعنا، لكنه أمر طبيعي أن يُعبّر التهلل عن نفسه بأعلى أسلوب. فالناس يهتفون لمرأى ملِكهم. أفلا نصرخ ’أوصنا‘ لابن داود بصوت عالٍ؟” سبيرجن (Spurgeon)
· “لاحظ الدعوة في هذه الآية إلى تقديم ما هو جديد إضافة إلى المهارة والحماسة. فنادرًا ما تجتمع هذه الصفات الثلاث معًا في الموسيقى الدينية.” كيدنر (Kidner)
ب) الآيات (٤-٥): عظمة الله المعبر عنها في معدنه الأدبي – هويته وطبيعته.
٤لأَنَّ كَلِمَةَ الرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ، وَكُلَّ صُنْعِهِ بِالأَمَانَةِ. ٥يُحِبُّ الْبِرَّ وَالْعَدْلَ. امْتَلأَتِ الأَرْضُ مِنْ رَحْمَةِ الرَّبِّ.
١. لِأَنَّ كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ، وَكُلَّ صُنْعِهِ بِٱلْأَمَانَةِ: أمانة كلمة الله (الحق الكتابي) سبب آخر يدعو إلى التسبيح. وفضلًا عن ذلك، فإن كل ما يصنعه الله إنما يصنعه بالحق والأمانة لا بالخداع أو التلاعب.
· “كلمة الله وعمله لا ينفصلان، لأن كلماته لا ترجع فارغة أبدًا.” كيدنر (Kidner)
· “نجد في هذا كله السر الحقيقي لثقتنا، وبالتالي سر فرحنا. فكلمة الله وعمله واحد دائمًا. ولا ترجع كلمته فارغة أبدًا – بل تعمل ما تسره.” مورجان (Morgan)
٢. يُحِبُّ ٱلْبِرَّ وَٱلْعَدْلَ: ظل صاحب المزمور يفكر في عظمة معدن الله الأدبي. إذ تملأ محبته للبر والعدل والصلاح كل الأَرْض. وهو يبتهج بحق في أن الرب ليس بلا أخلاق أو صلاح. ونحن نفهمه، نحن الذين خُلقنا على صورته، على أنه ’صالح.‘
· “يعني صاحب المزمور أنه لا توجد بقعة في الأَرْض حيث لا يمكن تمييز آثار قدمي محبته وبصماتها، لو كنا مستعدين أن نفتح عيوننا وقلوبنا.” ميير (Meyer)
· “محبة الرب (’حِسِدْ‘ بالعبرية) واضحة في أعماله في الأرض. وفي ما يتعلق ببقية الخليقة، فإنه يُظهر نفس الولاء والثبات والمحبة التي وجدت تعبيرًا خاصًّا في علاقة العهد بشعبه.” فانجيميرين (VanGemeren)
· “كان يمكنه لو أراد أن يخلق كل شيء مُرًّا، وكل ما نراه مقرف، وكل ما نلمسه يلسع، وكل رائحة نتنة، وكل صوت نشازًا.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن بالي (Paley)
· “كان ممكنًا أن تمتلئ الأرض بالرعب بدلًا من النعمة. لكنها تنغل وتتدفق بالكرم واللطف. فإن كانت الأرض ممتلئة رحمة، فكيف يمكن أن تكون السماء حيث يركِّز الصلاح أشعته؟” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (٦-٧): عظمة الله ظاهرة في خليقته.
٦بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ، وَبِنَسَمَةِ فِيهِ كُلُّ جُنُودِهَا. ٧يَجْمَعُ كَنَدٍّ أَمْوَاهَ الْيَمِّ. يَجْعَلُ اللُّجَجَ فِي أَهْرَاءٍ.
١. بكَلِمَةِ ٱلرَّبِّ صُنِعَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ: تتجاوز عظمة الله حقيقة صلاحه الأدبي. فهو أيضًا إله كل قوة وسلطان. بكَلِمَةِ منه خُلق الكون.
· “إنه جدير بالملاحظة أن الترنم بأغنية جديدة يعبر عن أفعال صارت في الماضي البعيد تمتد إلى أول عملية خلق واستمرت عبر العصور.” ماكلارين (Maclaren)
· “خُلق العالم بكلمة الله أو بأمر أو مرسوم منه. وهذا هو المقصود هنا، كما حدث مع البشر إذ خلق الإنسان ’بِنَسَمَةِ فِيهِ.‘” (هورن)
٢. يَجْمَعُ كَنَدٍّ (كحصاد) أَمْوَاهَ ٱلْيَمِّ (جَمَعَ مِيَاهَ البَحْرِ مَعًا، وَوَضَعَ المُحِيطَ فِي مَكَانِهِ) يَجْعَلُ اللُّجَجَ فِي أَهْرَاءٍ: نظر صاحب المزمور إلى الأمواج القديمة وفهمَ أنها تعكس قوة الله وحكمته في الخليقة.
· “في أهراء؛ إما في الغيوم أو في أحشاء الأرض، حيث يمكن أن يسحبها كلما رأى ذلك لائقًا.” بوله (Poole)
· “غير أن المقصود هنا هو الفصل بين اليابسة والماء في البداية، وربما استمرار نفس القوة التي تبقيهما منفصلتين، حيث إن الأفعال المستخدمة في الآية ٧ تأتي في صيغة المضارع المستمر، ما يوحي بعمل مستمر.” ماكلارين (Maclaren)
· “يذكّرنا الحديث عن مجد طاعة الطبيعة بتحدي الإنسان الصارخ لله.” كيدنر (Kidner)
د ) الآيات (٨-٩): دعوة إلى كل الأرض إلى أن تخاف الرب.
٨لِتَخْشَ الرَّبَّ كُلُّ الأَرْضِ، وَمِنْهُ لِيَخَفْ كُلُّ سُكَّانِ الْمَسْكُونَةِ. ٩لأَنَّهُ قَالَ فَكَانَ. هُوَ أَمَرَ فَصَارَ.
١. لِتَخْشَ ٱلرَّبَّ كُلُّ ٱلْأَرْضِ: هذه الاستجابة المنطقية للإدراك أن الله كامل في معدنه الأدبي والقوة معًا. ويفترض أن يضع الناس أنفسهم في حالة من الخشوع المتضع أمامه.
· “إن الذي صنع كل شيء ويحفظ كل شيء ويستطيع أن يدمر كل شيء في لحظة، هو الموضوع الملائم لخوفنا. وإنّ خوفنا القليل جدًّا منه برهان مقنع على فساد قلوبنا وعماها.” هورن (Horne)
٢. لِأَنَّهُ قَالَ فَكَانَ: يتحدث صاحب المزمور عن كلمة الله وقوة تأثيرها. فالله لا يتكلم أبدًا كلمات فارغة. بل هي ممتلئة بالقوة النشطة لضمان تحقيقها.
· تخبرنا الآيات في إنجيل لوقا ١:٧-٩ قصة قائد مئة روماني وثق بيسوع وآمن: “قَالَ فَكَانَ، هُوَ أَمَرَ فَصَارَ.” فامتدح يسوع إيمان قائد المئة هذا.
ثانيًا. عظمة الله بين الشعوب
أ ) الآيات (١٠-١٢): عظمة الله بين الشعوب وبين شعبه.
١٠الرَّبُّ أَبْطَلَ مُؤَامَرَةَ الأُمَمِ. لاَشَى أَفْكَارَ الشُّعُوبِ. ١١أَمَّا مُؤَامَرَةُ الرَّبِّ فَإِلَى الأَبَدِ تَثْبُتُ. أَفْكَارُ قَلْبِهِ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. ١٢طُوبَى لِلأُمَّةِ الَّتِي الرَّبُّ إِلهُهَا، الشَّعْبِ الَّذِي اخْتَارَهُ مِيرَاثًا لِنَفْسِهِ.
١. ٱلرَّبُّ أَبْطَلَ مُؤَامَرَةَ ٱلْأُمَمِ: سبق أن سبّح صاحب المزمور الله على معدنه الأخلاقي وقوّته الخلاقة. وهو الآن يسبّحه على يده العاملة في التاريخ البشري. فالله يتحرك بين ٱلْأُمَمِ كما يشاء لكي يحقق أَفْكَارُ قَلْبِهِ.
· “اضطهاداتهم وافتراءاتهم وأكاذيبهم مثل كرات منفوخة معلقة على جدار جرانيتي. وهي لا تثمر عن شيء، لأن الرب ينقض الشر ويُخرج الخير منه. وليست قضية الله في خطر أبدًا. فحكمته غير المحدودة تغلب الصناعة الجهنمية، وقوته التي لا تُحد تحجز الخبث الشيطاني.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. طُوبَى لِلْأُمَّةِ ٱلَّتِي ٱلرَّبُّ إِلَهُهَا: لدى التمعن في كمال الله، يبيّن صاحب المزمور البركة التي ستتمتع بها الْأُمَّة التي تنحاز بوعي إلى الله ومقاصده.
· “كانت الأمم تخشى آلهة كثيرة، وكان كل واحد منها يتحكم في أجسام سماوية معينة في السماء القريبة واليابسة والبحر…. وبما أن الرب صنع كل شيء ويحكم الكون كله، ينبغي أن تدرك الأمم أنه وحده الخالق الحاكم.” فانجيميرين (VanGemeren)
· “طُوبَى لِلْأُمَّةِ ٱلَّتِي ٱلرَّبُّ (يهوه) إِلَهُهَا (إيلوهيم)، لتتخذ الرب السرمدي إله عهد معها. ينبغي للمرء أن يربط نفسه بهذا العهد بأقوى الصلات والروابط وأعزّها.” كلارك (Clarke)
٣. ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي ٱخْتَارَهُ مِيرَاثًا لِنَفْسِهِ: يشير هذا بمعنى قومي إلى شعب إسرائيل، الأمة المختارة لتحتل مكانة فريدة في خطة الله. وبمعنى أوسع، فإنه يتكلم عن البركة التي تخص كل المختارين من الرب والذين يُعَدّون مِيرَاثًا لِنَفْسِهِ.
· “وهكذا يطوَّب شعب إسرائيل ثلاث مرات، مع أنهم محتقرون من الأمم. فهم مختارون من الله العلي ليكونوا نصيبه وأصدقاءه وخدّامه.” بوله (Poole)
ب) الآيات (١٣-١٥): عظمة الله على كل فرد.
١٣مِنَ السَّمَاوَاتِ نَظَرَ الرَّبُّ. رَأَى جَمِيعَ بَنِي الْبَشَرِ. ١٤مِنْ مَكَانِ سُكْنَاهُ تَطَلَّعَ إِلَى جَمِيعِ سُكَّانِ الأَرْضِ. ١٥الْمُصَوِّرُ قُلُوبَهُمْ جَمِيعًا، الْمُنْتَبِهُ إِلَى كُلِّ أَعْمَالِهِمْ.
١. رَأَى جَمِيعَ بَنِي ٱلْبَشَرِ: يضع الله في كماله وخططه للبشر والعصور عينه على البشر كأفراد. فعظمته لا تستثني اهتمامه الفردي بسُكَّانِ ٱلْأَرْضِ.
٢. ٱلْمُصَوِّرُ قُلُوبَهُمْ جَمِيعًا: لقد خلقَنا الله واحدًا واحدًا، ولكل واحد فينا تكوينه الجسمي والذهني والعاطفي الخاص به، بما في ذلك نصيبنا من نقاط الضعف والميول الآثمة. وله الحق، بصفته خالقنا، في إجراء عملية فحص أو تفتيش، ولهذا فإنه يَنْتَبِهُ إِلَى كُلِّ أَعْمَالِهِمْ.
ج) الآيات (١٦-١٧): الضعف حتى بين الجبابرة.
١٦لَنْ يَخْلُصَ الْمَلِكُ بِكِثْرَةِ الْجَيْشِ. الْجَبَّارُ لاَ يُنْقَذُ بِعِظَمِ الْقُوَّةِ. ١٧بَاطِلٌ هُوَ الْفَرَسُ لأَجْلِ الْخَلاَصِ، وَبِشِدَّةِ قُوَّتِهِ لاَ يُنَجِّي.
١. لَنْ يَخْلُصَ ٱلْمَلِكُ بِكِثْرَةِ ٱلْجَيْشِ: عندما تأمَّل صاحب المزمور عظمة الله ومدى امتداد سيطرته، أدرك أن الجهد البشري وحده لا يقرر الأحداث. فالله يعمل فيها وخارجها، ويحقق مقاصده أحيانًا بعيدًا عن ذلك الجهد البشري.
· “تم التحقق من صحة هذه الآية على مدى التاريخ. إذ ذابت أقوى الكتائب البشرية كما يذوب الثلج عندما كان الله ضدها.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. بَاطِلٌ هُوَ ٱلْفَرَسُ لِأَجْلِ ٱلْخَلَاصِ: كانت الخيول بعضًا من الأدوات العسكرية الأكثر تطورًا في ذلك الزمن. ولأنه يوجد إله في السماء يتحكم في شؤون البشر ومصيرهم، فحتى استخدام أكثر الموارد والتقنيات فعالية لا يستطيع في حد ذاته تقرير حصيلة الجهود البشرية.
د ) الآيات (١٨-١٩): اهتمام الله بالفرد.
١٨هُوَذَا عَيْنُ الرَّبِّ عَلَى خَائِفِيهِ الرَّاجِينَ رَحْمَتَهُ، ١٩لِيُنَجِّيَ مِنَ الْمَوْتِ أَنْفُسَهُمْ، وَلِيَسْتَحْيِيَهُمْ فِي الْجُوعِ.
١. هُوَذَا عَيْنُ ٱلرَّبِّ عَلَى خَائِفِيهِ: يواصل صاحب المزمور التفكير في كل من يد الله في أحداث تهز العالم (مثل حروب الملوك) ورعايته الفائقة بالفرد.
· أخبرنا يسوع أن الله يهتم بأصغر الطيور (إنجيل متى ٢٩:١٠)؛ ومن المؤكد أنه سيهتم بالذين يكرمونه، الذين خُلِقوا على صورته.
· “من يخاف الله غير مضطر إلى أن يخاف أي شيء آخر. دعهم يثبّتوا عين إيمانهم عليه، وسيثبّت عين محبته عليهم دائمًا.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. ٱلرَّاجِينَ رَحْمَتَهُ: يجد الذين يخافون الله (خَائِفِيهِ) حقًا رجاء في رحمته (ٱلرَّاجِينَ رَحْمَتَهُ)، لا في صلاحهم أو برّهم الخاص.
· لِيُنَجِّيَ مِنَ ٱلْمَوْتِ أَنْفُسَهُمْ: “لا يَعِدهم هنا بحرية من المتاعب. لكنه يؤكد لهم أن الخلاص سيأتي في وقته.” تراب (Trapp)
هـ) الآيات (٢٠-٢٢): قرار في ضوء عظمة الله.
٢٠أَنْفُسُنَا انْتَظَرَتِ الرَّبَّ. مَعُونَتُنَا وَتُرْسُنَا هُوَ. ٢١لأَنَّهُ بِهِ تَفْرَحُ قُلُوبُنَا، لأَنَّنَا عَلَى اسْمِهِ الْقُدُّوسِ اتَّكَلْنَا. ٢٢لِتَكُنْ يَا رَبُّ رَحْمَتُكَ عَلَيْنَا حَسْبَمَا انْتَظَرْنَاكَ.
١. أَنْفُسُنَا ٱنْتَظَرَتِ ٱلرَّبَّ: بعد أن سبّح صاحب المزمور الله وتأمّل عظمته من زوايا كثيرة، صار أمرًا ملائمًا أن ينتظر الرب من أجل إرشاده وكلمته وخلاصه ناظرًا إليه بصفته مَعُونَتَنَا وَتُرْسَنَا.
٢. تَفْرَحُ قُلُوبُنَا، لِأَنَّنَا عَلَى ٱسْمِهِ ٱلْقُدُّوسِ ٱتَّكَلْنَا: سبق أن دعا صاحب المزمور شعب الله إلى الابتهاج به بسبب معدنه الأدبي وقوته. وهو الآن يدعونا إلى تسبيح الله بسبب خبرتنا المباركة بالثقة بٱسْمِهِ ٱلْقُدُّوسِ.
· بِهِ تَفْرَحُ قُلُوبُنَا: “نجد هنا ثمر الثقة. فنفوسنا سعيدة دائمًا لأننا اتخذنا من الرب نصيبًا لنا.” كلارك (Clarke)
· لِتَكُنْ يَا رَبُّ رَحْمَتُكَ عَلَيْنَا: “تُختم الترنيمة بصلاة تطلب من الله أن ينعش شعبه بمحبته (حِسِد بالعبرية).” فانجيميرين (VanGemeren)