تفسير سفر المزامير – مزمور ٣٨
الرجاء الوحيد للخاطئ المريض
هذا المزمور معنون مَزْمُورٌ لِدَاوُدَ لِلتَّذْكِيرِ. “بما أن التذكر بالنسبة لله هو التصرف والعمل، فإن هذه الكلمة ’لِلتَّذْكِيرِ‘ تدل على طرح وضع أمام الله في صرخة من أجل عونه.” ديريك كيدنر (Derek Kidner)
هذا المزمور ممتلئ بالألم والظلمة بسبب الذنب، حيث شعر داود بآثار خطيته (جسديًّا وروحيًّا معًا على ما يبدو). ويتكهن المفسرون حول مناسبة كتابة هذا المزمور وحول أية فترة زمنية كتبه فيها، لكن لا يوجد ربط أكيد بمناسبة معيتة أو مرحلة زمنية في حياة داود.
“يحمل المزمور ٧٠ نفس عنوان هذا المزمور، حيث يسكب أمام الله شكواه بنفس الأسلوب.” تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon)
هذا أحد مزامير التوبة التي تشمل أيضًا المزامير ٦، ٣٢، ٥١، ١٠٢، ١٣٠، ١٤٣.
أولًا. عمق ضيقة داود
أ ) الآيات (١-٢): اخترق استياء الله قلبه.
١يَا رَبُّ، لاَ تُوَبِّخْنِي بِسَخَطِكَ، وَلاَ تُؤَدِّبْنِي بِغَيْظِكَ، ٢لأَنَّ سِهَامَكَ قَدِ انْتَشَبَتْ فِيَّ، وَنَزَلَتْ عَلَيَّ يَدُكَ.
١. لَا تُوَبِّخْنِي بِسَخَطِكَ: صرخ داود إلى الله لأنه شعر بسخط الرب. فاتّبع داود طريقًا حكيمًا، حيث اقترب إلى الله رغم شعوره بسخط الله وغيظه معًا.
· “أستطيع أن أحتمل غضب الآخرين، وأما غضبك أنت فلا. فكما أن محبتك حلوة جدًّا لقلبي، فإن غضبك مؤلم جدًّا لضميري.” سبيرجن (Spurgeon)
· “الالتماس هنا، كما في المزمور ٦، أن يؤدبه الرب كأب، لا أن يدينه كقاضٍ، من أجل تحسين المسيء والحفاظ عليه.” هورن (Horne)
٢. لِأَنَّ سِهَامَكَ قَدِ ٱنْتَشَبَتْ فِيَّ، وَنَزَلَتْ عَلَيَّ يَدُكَ: استخدم داود صورًا شعرية في وصف كيفية شعوره باستياء الرب.
· لِأَنَّ سِهَامَكَ قَدِ ٱنْتَشَبَتْ فِيَّ: “من المؤكد أنه يشير إلى آلام حادة احتملها، فكان كل واحد منها كسهم انتشب في جسده.” كلارك (Clarke)
٣. وَنَزَلَتْ عَلَيَّ يَدُكَ: نقرأ في هذا المزمور عن ضيقة داود وعذابه، وندرك أن سبب هذا كله هو خطيته (كما سيبيّن لاحقًا). ثم نفهم أن يسوع على الصليب كان هدف نفس العذاب، لكن من أجل خطايانا، لا من أجل خطاياه (فهو القدوس). وقد نَزَلَتْ هذه اليد الثقيلة على يسوع بشكل أشدّ بكثير مما نزلت على داود.
· “تلقّى يسوع القدوس في وقت آلامه هذه السهام، واحتمل ثِقَلها من أجل خطايا العالم.” هورن (Horne)
· من شأن فهمنا لعذاب داود أن نفهم شيئًا من عظمة المحبة التي أرسلت يسوع إلى الصليب من أجلنا.
ب) الآيات (٣-٥): مسحوق بإثمه.
٣لَيْسَتْ فِي جَسَدِي صِحَّةٌ مِنْ جِهَةِ غَضَبِكَ. لَيْسَتْ فِي عِظَامِي سَلاَمَةٌ مِنْ جِهَةِ خَطِيَّتِي. ٤لأَنَّ آثامِي قَدْ طَمَتْ فَوْقَ رَأْسِي. كَحِمْل ثَقِيل أَثْقَلَ مِمَّا أَحْتَمِلُ. ٥قَدْ أَنْتَنَتْ، قَاحَتْ حُبُرُ ضَرْبِي مِنْ جِهَةِ حَمَاقَتِي.
١. لَيْسَتْ فِي جَسَدِي صِحَّةٌ مِنْ جِهَةِ غَضَبِكَ: لم يحس داود باستياء الله روحيًّا فحسب، بل جسديًّا أيضًا. ربما كان سبب هذا أن يد الله المؤدِّبة كانت واضحة في نوع ما من المرض أو الأذى الجسدي، أو بسبب الضغط النفسي الكلي الذي يؤثر في الجسم في وقت اكتئاب روحي عميق.
· “لا يمكن الشك في أن داود يصف هنا مرضًا طبيعيًّا. لكن من يجرؤ أن يخبرنا عن طبيعة هذا المرض؟ غير أن من الواضح، مهما كان هذا المرض، أن داود استنكر السبب وراءه. فكما قال في مرثاته، وجد رحمة من يد الله.” كلارك (Clarke)
٢. لَيْسَتْ فِي عِظَامِي سَلَامَةٌ مِنْ جِهَةِ خَطِيَّتِي: أدرك داود يد الله في تعاسته، لكنه عرف أن هذا ليس بلا سبب. فقد عرف أنه بسبب خطيته وإثمه وحماقته (خَطِيَّتِي.. آثَامِي.. حَمَاقَتِي). كان داود تعيسًا، لكنه لم يكن ضحية بالمعنى المفهوم الشائع، لأن خطاياه كانت سبب أزمته.
· “’غضبك… خطيتي.‘ يا للأسف! أنا سنديان تحت مطرقتين – إحداهما غضبك، والأخرى هي خطيتي. وكلاهما يدقّانني بعنف من دون توقف.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن بيكر (Baker)
· مِنْ جِهَةِ خَطِيَّتِي: “رغم أن داود يعترف بأنه يُدان على خطيته، إلا أنه يمجد الله بالطريقة التي يتعامل بها مع خطيته – وقد أوضح الله هذا له. وهو لا ينتقد الله هنا أو يحمله المسؤولية.” بويس (Boice)
٣. كَحِمْلٍ ثَقِيلٍ أَثْقَلَ مِمَّا أَحْتَمِلُ: أحس داود بأنه مقموع تحت ثِقَل خطيته. وأعرب عن أمله في أن حديثه الصادق القلبي عن تعاسته أن يحرك رأفة الله.
· قَدْ أَنْتَنَتْ، قَاحَتْ حُبُرُ ضَرْبِي (قَاحَتْ قُرُوحِي وَأنتَنَتْ): “الخطية هي جرح النفس، ويتوجب أن تُغسل بدموع التوبة، وتطهَّر بدم المسيح، وتُشفى بروح ذاك القدوس.” هورن (Horne)
· “هل أخاطب أيًّا من الذين لم يخلَّصوا لأنهم لم يعرفوا تلك الأهوال التي اختبرها آخرون؟ دعني أُذكّركم، أصدقائي الأعزاء، بأن هنالك أبناء حقيقيين لله لم يروا هذه الأهوال… ليست هذه الأهوال والفظائع أمرًا ضروريًّا للخلاص، وإلاّ لأَمَرَ الله بها.” سبيرجن (Spurgeon)
ج ) الآيات (٦-٨): ضيقة داود واضطرابه.
٦لَوِيتُ. انْحَنَيْتُ إِلَى الْغَايَةِ. الْيَوْمَ كُلَّهُ ذَهَبْتُ حَزِينًا. ٧لأَنَّ خَاصِرَتَيَّ قَدِ امْتَلأَتَا احْتِرَاقًا، وَلَيْسَتْ فِي جَسَدِي صِحَّةٌ. ٨خَدِرْتُ وَانْسَحَقْتُ إِلَى الْغَايَةِ. كُنْتُ أَئِنُّ مِنْ زَفِيرِ قَلْبِي.
١. لَوِيتُ (أنَا مَحنِيٌّ). ٱنْحَنَيْتُ إِلَى ٱلْغَايَةِ: أثّر ألم خطية داود فيه بكل طريقة ممكنة تقريبًا. إذ وصف اكتئابًا شديدًا وانقباضًا، إلى جانب آلام جسدية (قَدِ ٱمْتَلَأَتَا ٱحْتِرَاقًا، وَلَيْسَتْ فِي جَسَدِي صِحَّةٌ). فكان ضعيفًا ومكسورًا بشدة.
· “لا توجد أية حساسية لدى صاحب المزمور تمنعه من وصف تفاصيل مهينة له.” ماكلارين (Maclaren)
· خَاصِرَتَيَّ قَدِ ٱمْتَلَأَتَا ٱحْتِرَاقًا: يقول بارنز (Barnes) إن هذا يشير إلى مشكلة في الكُلى، مثل وجود حصى. “تشير الكلمة المستخدمة، حسب جيسينيوس، بشكل ملائم إلى العضلات الداخلية للخاصرة قرب الكلى.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن بارنز (Barnes)
· ٱنْحَنَيْتُ إِلَى ٱلْغَايَةِ: “تتشوه النفس بالذنب – من استقامتها الأصلية – كما يتشوه الجسد بالمرض من الألم. فهي تنحني إلى الأرض خزيًا وخوفًا.” هورن (Horne)
٢. كُنْتُ أَئِنُّ مِنْ زَفِيرِ قَلْبِي: عُرِف داود بصفته مرنم إسرائيل الحلو (سفر صموئيل الثاني ١:٢٣). لكن كان بمقدوره أن يئن أمام الله والناس في تواضع كبير، مؤلّفًا مزمورًا مُرًّا يصف فيه تعاسته بأقوى التعابير.
· كُنْتُ أَئِنُّ: ربما تتبع ترجمة نسخة الملك جيمس النص العبري بشكل أكثر دقة عندما تقول ’كنت أُزمجر.‘ “عندما تظهر صلاتنا حيوانيةً أكثر منها روحيةً، فإنها رغم كل شيء تنتصر… فلدى أبي الرحمة.” سبيرجن (Spurgeon)
هـ) الآيات (٩-١٠): لا يُخفي شيئًا في تعاسته.
٩يَا رَبُّ، أَمَامَكَ كُلُّ تَأَوُّهِي، وَتَنَهُّدِي لَيْسَ بِمَسْتُورٍ عَنْكَ. ١٠قَلْبِي خَافِقٌ. قُوَّتِي فَارَقَتْنِي، وَنُورُ عَيْنِي أَيْضًا لَيْسَ مَعِي.
١. يَا رَبُّ، أَمَامَكَ كُلُّ تَأَوُّهِي: يخاطب داود ربه وسيده (يهوه، أدوناي)، محتكمًا إلى شفافيته الكاملة. لم تخفَ تعاسته عن الله أو عن الذين يسمعون هذا المزمور (تَنَهُّدِي لَيْسَ بِمَسْتُورٍ).
· تتبع غريزتنا نمط آدم وحواء فنخبّئ خطيتنا عن الله. لكن داود مثال لنوع التواصل المفتوح، وهو أمر مهم لكل من يطلب الله.
· كُلُّ تَأَوُّهِي: “تأوهاتي تجاه الله هي في حد ذاتها أعمال نعمة.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. وَنُورُ عَيْنِي أَيْضًا لَيْسَ مَعِي: أحس داود أنه انحدر إلى مستوى منخفض حتى إن الحياة والنور كانا يفارقانه.
· قَلْبِي خَافِقٌ: “الكلمة التي تشير إلى حركة القلب هنا نادرة الاستخدام، وهي تعني في جذرها ’يدور ويدور،‘ وهذا شكل مكثف من التعبير من الحركة العنيفة.” ماكلارين (Maclaren)
و ) الآيات (١١-١٤): مهجور من الأصدقاء ومطارد من الأعداء.
١١أَحِبَّائِي وَأَصْحَابِي يَقِفُونَ تُجَاهَ ضَرْبَتِي، وَأَقَارِبِي وَقَفُوا بَعِيدًا. ١٢وَطَالِبُو نَفْسِي نَصَبُوا شَرَكًا، وَالْمُلْتَمِسُونَ لِيَ الشَّرَّ تَكَلَّمُوا بِالْمَفَاسِدِ، وَالْيَوْمَ كُلَّهُ يَلْهَجُونَ بِالْغِشِّ. ١٣وَأَمَّا أَنَا فَكَأَصَمَّ لاَ أَسْمَعُ. وَكَأَبْكَمَ لاَ يَفْتَحُ فَاهُ. ١٤وَأَكُونُ مِثْلَ إِنْسَانٍلاَ يَسْمَعُ، وَلَيْسَ فِي فَمِهِ حُجَّةٌ.
١. أَحِبَّائِي وَأَصْحَابِي يَقِفُونَ تُجَاهَ ضَرْبَتِي، وَأَقَارِبِي وَقَفُوا بَعِيدًا: لم يخفف َأَصْحَابُ داود وَأَقَارِبُه من تعاسته. وأما أَحِبَّاؤُهُ فلم يهتموا له أو لم يساعدوه.
· “ربما تأتي الراحة من مسرات الحياة الصغيرة وفي الاختبارات التي نتشاركها مع الأصحاب، لكن داود لم يملك أي شيء من هذه الأمور.” فانجيميرين (VanGemeren)
· “ربما استخدم داود كلمة ’ضَرْبَتِي‘ بسبب ارتباطاتها بالبرص (مثلًا، استخدمت الكلمة أربع مرات في سفر اللاويين ٣:١٣ في النص العبري). إذ هكذا كان يعامله أصحابه (كأبرص).” كيدنر (Kidner)
٢. وَطَالِبُو نَفْسِي نَصَبُوا شَرَكًا: احتمل داود ما هو أسوأ من غياب الدعم من أقربائه وأصحابه. إذ واجه أعداء يَلْتَمِسُونَ لِهُ ٱلشَّرَّ ويتآمرون عليه.
٣. أَمَّا أَنَا فَكَأَصَمَّ لَا أَسْمَعُ: كان داود مكتئبًا جدًّا ومبتلى جدًّا حتى إنه أحس بأنه عاجز تمامًا عن الاستجابة لهذه الهجمات. وقد عنى عجزه عن الدفاع عن نفسه أنه محتاج إلى الله أكثر من أي وقت مضى.
· وَلَيْسَ فِي فَمِهِ حُجَّةٌ (استجابة): “مثل داود الذي سمح لشمعي بأن يطلق عليه لعنات عبر جانب التل من دون أن يرد عليه، فإن صاحب المزمور أصم وأبكم أمام هذه الألسنة الخبيثة. فهو مستعد لأن يخاطب الله، لكنه يلزم الصمت أمام الناس، في خضوع إراديّ كامل.” ماكلارين (Maclaren)
· “كان داود صامتًا بشجاعة. وهو بهذا يقدم صورة واضحة للرب يسوع المسيح الذي كان صمته أمام بيلاطس أكثر بلاغة من الكلمات.” سبيرجن (Spurgeon)
ثانيًا. بصيص من الأمل في الرب
أ ) الآيات (١٥-١٦): رجاء في الله الذي يسمع.
١٥لأَنِّي لَكَ يَا رَبُّ صَبَرْتُ، أَنْتَ تَسْتَجِيبُ يَا رَبُّ إِلهِي. ١٦لأَنِّي قُلْتُ: «لِئَلاَّ يَشْمَتُوا بِي». عِنْدَمَا زَلَّتْ قَدَمِي تَعَظَّمُوا عَلَيَّ.
١. لِأَنِّي لَكَ يَا رَبُّ صَبَرْتُ (رجائي هو فيك): رغم كآبة داود الروحية، تمسك بالرجاء في الرب. ورغم أنه لم يشعر بهذا الرجاء، إلا أنه قال: أَنْتَ تَسْتَجِيبُ. اختار داود أن يسمح لمحنته بأن تدفعه نحو الله، بدلًا من أن تدفعه بعيدًا عن إلهه الذي هو رجاؤه الوحيد.
٢. رَبُّ… (رَبُّ) إِلَهِي (حسب اللغة الأصلية): هذه الآية – مزمور ٥:٣٨ – مثلٌ لاستخدام ثلاث كلمات عبرية أكثر شيوعًا للإشارة إلى الله في آية واحدة.
· رَبُّ، وهي مترجمة لكلمة يهوه، إله عهد إسرائيل.
· رَبُّ، مترجمة عن أدوناي، أي السيد، الإله الجدير بالتوقير.
· إِلَهِي، وهي مترجمة لكلمة إيلوهيم، وهي صيغة الجمع لكلمة الله وتُستخدم بشكل عام للإشارة إلى الله.
٣. تَسْتَجِيبُ… لِئَلَّا يَشْمَتُوا بِي: ناشد داود لا لأنه تعيس فحسب، بل لأنه لم يُردْ لأعدائه أن يشمتوا به أيضًا.
ب) الآيات (١٧-٢٠): على وشك السقوط أمام أعدائه.
١٧لأَنِّي مُوشِكٌ أَنْ أَظْلَعَ، وَوَجَعِي مُقَابِلِي دَائِمًا. ١٨لأَنَّنِي أُخْبِرُ بِإِثْمِي، وَأَغْتَمُّ مِنْ خَطِيَّتِي. ١٩وَأَمَّا أَعْدَائِي فَأَحْيَاءٌ. عَظُمُوا. وَالَّذِينَ يُبْغِضُونَنِي ظُلْمًا كَثُرُوا. ٢٠وَالْمُجَازُونَ عَنِ الْخَيْرِ بِشَرّ، يُقَاوِمُونَنِي لأَجْلِ اتِّبَاعِي الصَّلاَحَ.
١. لِأَنَّنِي أُخْبِرُ (سأعلن) بِإِثْمِي: فكّر داود مرة أخرى بخطيته التي تسببت في تعاسته. وقد أعلن في مزامير أخرى براءته، وبشكل خاص بالمقارنة مع أعدائه، لكن ليس في هذا المزمور. فقد خرج هذا المزمور من عذابه بسبب خطيته.
· “ليس الندم على خطية تكفيرًا لها، لكنه يعبّر عن الروح الصحيحة التي ينبغي بها أن نأتي إلى يسوع الذي هو سلامنا وخلاصنا.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. وَأَمَّا أَعْدَائِي فَأَحْيَاءٌ (ممتلئون حيوية). عَظُمُوا: ناشد داود الله العون في ضوء قوة أعدائه وطاقتهم الهائلة، وفي ضوء غياب أي سبب وجيه لعداوتهم له (لِأَجْلِ ٱتِّبَاعِي ٱلصَّلَاحَ).
· أَعْدَائِي: “الكلمة العبرية المترجمة إلى أعداء هنا هي جذر كلمة إبليس (الشيطان). هم يبغضونني بشكل شيطاني، كما لو أنهم تحوّلوا إلى شياطين كثيرة تتنفس.” تراب (Trapp)
ج ) الآيات (٢١-٢٢): نداء عاجل إلى الله.
٢١لاَ تَتْرُكْنِي يَا رَبُّ. يَا إِلهِي، لاَ تَبْعُدْ عَنِّي. ٢٢أَسْرِعْ إِلَى مَعُونَتِي يَا رَبُّ يَا خَلاَصِي.
١. لَا تَتْرُكْنِي يَا رَبُّ: يختتم المزمور من دون بلاغة، لكن بصرخة قلبية. فقد أراد داود أكثر من أي شيء آخر الإحساس بحضور الله (لَا تَبْعُدْ عَنِّي). ومن المحتمل أن غياب مثل هذا الإحساس كان أعظم محنة لداود في موسمه المظلم.
· “سيرى كل من يقرأ هذا المزمور أن الخطية ضد الله أمر خطير ومُرّ، وبشكل خاص الخطية بعد أن عرف المرء رحمته وبعد أن نجا من فساد هذا العالم. فليحترس القارئ: يمكن أن تُفقد حياة البر بالاستسلام إلى لحظة تجربة، وأن يُلطَّخ شخص ذو معدن أخلاقي جيد إلى الأبد.” كلارك (Clarke)
٢. أَسْرِعْ إِلَى مَعُونَتِي يَا رَبُّ يَا خَلَاصِي: أكد داود بقوة احتياجه أمام الله بإلحاح، ونظر إليه على أنه خلاصه الوحيد. وينتهي المزمور من دون أي تغيير في الظروف، لكن بإيمان مستمر بالله.
· “استخدم داود في هاتين الآيتين الأخيرتين الكلمات العبرية الثلاث الأكثر في الإشارة شيوعًا إلى الله. “الإله الذي عرفه داود بالاسم (يهوه – الرب ٢١أ)، وبالعهد (إلهي)، وكسيد ومخلّص (٢٢ب).” كيدنر (Kidner)