تفسير سفر المزامير – مزمور ٦٢
صخرتي الوحيدة وخلاصي الوحيد
هذا المزمور معنون لِإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ. لِيَدُوثُونَ. مَزْمُورٌ لِدَاوُدَ.
ويشير هذا العنوان إلى أنه موجه لِإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ الذي يفترض بعضهم أنه الرب نفسه، بينما يفترض آخرون أنه قائد للجوقات أو قائد الموسيقيين في زمن داود، مثل المرنم (المغني) هيمان أو آساف (سفر أخبار الأيام الأول ٣٣:٦، ٥:١٦-٧، ٦:٢٥).
كان يَدُوثُون (وهو مذكور أيضًا في عنوان كل من المزمورين ٦٢ و ٧٧) أحد الموسيقيين الذين عيّنهم داود لقيادة العبادة العامة في إسرائيل (سفر أخبار الأيام الأول ٤١:١٦، ١:٢٥-٣). كتب تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon) عن يَدُوثُونَ: “كان أبناء يَدُوثُون حمالين أو بوّابين، حسب سفر أخبار الأيام الأول ٤٢:١٦. فالذين يخدمون جيدًا كانوا أفضل المرنمين. ولا ينبغي للذين يشغلون أعلى المراكز في الجوقة أن يخجلوا من الانتظار عند أبواب بيت الرب.”
أولًا. انتظار الرب الذي هو صخرتي وحمايتي
أ ) الآيات (١-٢): نفس داود تنتظر الرب بصمت.
١إِنَّمَا للهِ انْتَظَرَتْ نَفْسِي. مِنْ قِبَلِهِ خَلاَصِي. ٢إِنَّمَا هُوَ صَخْرَتِي وَخَلاَصِي، مَلْجَإِي، لاَ أَتَزَعْزَعُ كَثِيرًا.
١. إِنَّمَا لِلهِ ٱنْتَظَرَتْ نَفْسِي: التوكيد في هذه العبارة هنا هو على الصمت المستسلم أمام الله، والله وحده. وغالبًا ما تترجم كلمة ’إنّمَا‘ إلى ’وحده‘ أو ’فقط.‘ ويبدو أنها تحمل هذا المعنى هنا.
· “لقد قيلَ كل ما يحتاج إلى قوله – أو ربما لن يكون مزيد من الكلمات – والقضية كلها في يد الله وحدها.” كيدنر (Kidner)
· “يميل العقل البشري إلى التفكير والتحليل، بينما ينبغي لنا أن نصدّق فحسب؛ ونميل إلى بدء العمل، بينما ينبغي أن نهدأ؛ ونميل إلى أن نسلك في طريقنا الخاص، بينما ينبغي لنا أن نسلك في طرق الله.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن موللر (Müller)
· “هذا هو السبب الذي يدعو إلى إبقائك في حالة انتظار. ينبغي أن يصمت فيك كل ما هو من الذات والطبيعة. ينبغي أن يتوقف صوتُ تفاخرٍ بعد صوت. وينبغي أن يُطفأ كل مصباح بعد مصباح إلى أن تُحبَس النفس مع الرب وحده.” ميير (Meyer)
٢. مِنْ قِبَلِهِ خَلَاصِي: بدأ داود في مزامير كثيرة بالحديث عن حاجته العظيمة أو وصف أزمته الحالية. وهنا يبدأ داود بإعلان ثقته بالله بشكل كلي.
· يبدو أن مزمور ٦٢ كُتب في وقت ضيق. لكن داود لا يطالب الله بشيء. فهو ممتلئ بالإيمان والثقة، وليست لديه مخاوف أو يأس أو التماس.
· “لا توجد في هذا المزمور كلمة واحدة (وهذا أمر نادر الحدوث) يعبّر فيها النبي عن خوف أو اكتئاب. كما أنه لا توجد أية صلاة فيه، مع أنه عندما كان في خطر مرات كثيرة، لم يكن يغفل الصلاة قط.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن إيميروت (Amyraut)
٣. إِنَّمَا هُوَ صَخْرَتِي وَخَلَاصِي: اتكل داود على الله وحده من أجل القوة والثبات. والوصف هنا لرجل يركز على الله بشكل كلي من أجل العون، مقررًا بعزم ألّا يبحث في مكان آخر.
- “لأن الله هو وحده صخرتنا، دعنا لا نصمت أبدًا إلا من أجله.” مورجان (Morgan)
· إنه ملجئي: “لا يسكن المؤمن المجرَّب في الله كما في كهف صخري فحسب، بل يسكن في أيضًا كمحارب في برج متَحَدٍّ أو قلعة مهيبة بشجاعة.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٣-٤): داود يشكو لأعدائه ومنهم.
٣إِلَى مَتَى تَهْجِمُونَ عَلَى الإِنْسَانِ؟ تَهْدِمُونَهُ كُلُّكُمْ كَحَائِطٍ مُنْقَضٍّ، كَجِدَارٍ وَاقِعٍ! ٤إِنَّمَا يَتَآمَرُونَ لِيَدْفَعُوهُ عَنْ شَرَفِهِ. يَرْضَوْنَ بِالْكَذِبِ. بِأَفْوَاهِهِمْ يُبَارِكُونَ وَبِقُلُوبِهِمْ يَلْعَنُونَ. سِلاَهْ.
١. إِلَى مَتَى تَهْجِمُونَ عَلَى ٱلْإِنْسَانِ؟: كان إيمان داود في الله وحده، لكن كان لديه كلام يوجهه لأعدائه، حيث وبخهم على مثابرتهم الجنونية على مهاجمته، وحذّرهم من دينونة الله عليهم. تَهْدِمُونَهُ (ستُهدَمون) كُلُّكُمْ.
٢. كَحَائِطٍ مُنْقَضٍّ، كَجِدَارٍ وَاقِعٍ: هذه صورة واضحة بما يكفي. غير أن هنالك اختلافًا بين المترجمين والمفسرين حول من تنطبق عليه هذه الصورة. فهنالك ترجمة تصور خصوم داود كَحَائِطٍ مُنْقَضٍّ، كَجِدَارٍ وَاقِعٍ، بينما يرى آخرون أن داود نفسه هو الحائط المنقض والجدار الواقع في ضعفه في عيون أعدائه.
· يقدم سبيرجن معنى الخيار الأول: “ينتفخ المضطهِدون المتفاخرون ويضخمون أنفسهم بالكبرياء، لكنهم مجرد حائط منتفخ على وشك السقوط ككومة. ينحنون إلى الأمام متأهّبين للإمساك بفريستهم. لكنهم مجرد سياج متهالك مائل إلى الأرض، وسرعان ما سيسقط على الأرض بشكل كامل.” سبيرجن (Spurgeon)
· تشرح ترجمة أخرى معنى الخيار الثاني: “حتى متى تهاجمون رجلًا وتُوْسِعوه ضربًا كَحَائِطٍ مُنْقَضٍّ، كَجِدَارٍ وَاقِعٍ؟”
٣. إِنَّمَا يَتَآمَرُونَ لِيَدْفَعُوهُ: وصف داود أعداءه هؤلاء بأنهم لا يفكرون في مسألة إلاّ إذا كانت تتضمن إسقاط رجل تقي. وهم كاذبون بمعنى أنهم ذوو وجهين (بِأَفْوَاهِهِمْ يُبَارِكُونَ وَبِقُلُوبِهِمْ يَلْعَنُونَ).
ج) الآيات (٥-٧): ثقة داود الهادئة بالله وحده.
٥إِنَّمَا للهِ انْتَظِرِي يَا نَفْسِي، لأَنَّ مِنْ قِبَلِهِ رَجَائِي. ٦إِنَّمَا هُوَ صَخْرَتِي وَخَلاَصِي، مَلْجَإِي فَلاَ أَتَزَعْزَعُ. ٧عَلَى اللهِ خَلاَصِي وَمَجْدِي، صَخْرَةُ قُوَّتِي مُحْتَمَايَ فِي اللهِ.
١. إِنَّمَا لِلهِ ٱنْتَظِرِي يَا نَفْسِي: قال داود في السطور الافتتاحية لهذا المزمور إن هذه هي حالة نفسه. وهنا يكلم نفسه طالبًا منها أن تبقى في مكان الثقة هذا وأن تستسلم لله. فكان توقُّع داود الكامل هو من الله.
· “يحث داود نفسه على الصمت الذي سبق أن ذكره في الآية الأولى.” كيدنر (Kidner)
· إِنَّمَا لِلهِ (وحده): “إن من لا يثقون بالله وحده فإنهم لا يثقون به على الإطلاق. ومن يضع قدمًا على صخرة وأخرى في رمال متحركة سيغرق لا محالة، شأنه شأن شخص يضع كلتا قدميه على رمال متحركة. وقد عرف داود هذا، ولهذا فإنه يدعو نفسه (لأن عمله هو في الداخل) إلى الثقة بالله وحده.” تراب (Trapp)
٢. إِنَّمَا هُوَ صَخْرَتِي وَخَلَاصِي: يطمئن داود نفسه بتكرار كلمات الآية ٢. كان هذا صحيحًا بالنسبة لداود، وأراد أن يبقى كذلك.
· مَلْجَإِي: “ليس الله مدافعي فحسب، بل هو حمايتي أيضًا.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. فَلَا أَتَزَعْزَعُ: كرر داود هذه الفكرة من الآية ٢، لكن مع تنويع بسيط. ففي الآية ٢، قال: “لَا أَتَزَعْزَعُ كَثِيرًا.” وفي هذه الآية وصل إلى مكان آخر: “لَا أَتَزَعْزَعُ.”· “ربما يكون هنالك معنى عميق في حذف كلمة ’كثيرًا‘ في اللازمة الثانية. فقد ازدادت ثقته.” ماكلارين (Maclaren)
٤. إِنَّمَا هُوَ… مَلْجَإِي: ومرة أخرى، يعكس التوكيد قرار داود بالثقة بالله وحده، ولا شيء غيره. فالله هو وحده خلاصه ومجده وصخرته وقوّته وملجؤه. ونحن نحس بأن داود كان مجرَّبًا بالثقة بأمور أخرى، لكنه رفض كل تجربة كهذه وأبقى توقُّعه في الله وحده.
· “لاحظْ أن داود يضع حروفه الأولى على كل اسم يعطيه لإلهه بفرح. فهو انتظاري (توقعي)، وصخرتي، وخلاصي، ومجدي، وقوّتي، وملجئي. وهو لا يكتفي بمعرفة أن الله هو كل هذه الأشياء فحسب، بل هو يتصرف أيضًا بإيمان تجاهه، ويثبت حقه فيها تحت كل حرف.” سبيرجن (Spurgeon)
ثانيًا. داود يعلّم نفسه وآخرين
أ ) الآية (٨): تعليم الشعب الثقة بالله.
٨تَوَكَّلُوا عَلَيْهِ فِي كُلِّ حِينٍ يَا قَوْمُ. اسْكُبُوا قُدَّامَهُ قُلُوبَكُمْ. اَللهُ مَلْجَأٌ لَنَا. سِلاَهْ.
١. تَوَكَّلُوا عَلَيْهِ فِي كُلِّ حِينٍ يَا قَوْمُ: أحس داود بأن ما هو صالح له صالح للآخرين أيضًا. وبصفته قائدًا للشعب، تكلم لهم بحكمة مذكّرًا إياهم بأن الله مستحق للثقة فِي كُلِّ حِينٍ.
· “حثّ داود الآخرين على أن يطلبوا التعزيات التي يمتلكها بإيمان وصلاة.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. ٱسْكُبُوا قُدَّامَهُ قُلُوبَكُمْ: جعلت قوة الله وثباته داود ينظر إليه بحق كصخرة. غير أن الله ليس فاقد الحساسية والشعور مثل الصخور، ولهذا يدعو الله شعبه إلى أن يسكبوا قلوبهم – أحزانهم، وأفراحهم، وثقتهم، وشكوكهم كلها – قُدَّامَهُ.
· “ٱسْكُبُوا قُدَّامَهُ قُلُوبَكُمْ كالماء، لا كالحليب الذي يحتفظ بلونه، ولا بالنبيذ الذي يحتفظ بطعمه، لكن كالماء الذي عندما يُسكَب لا يبقى منه شيء.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن ليبلانك (Le Blanc)
٣. ٱللهُ مَلْجَأٌ لَنَا: يرحب الله بالقلب المنسكب كما كانت مدن الملجأ ترحب بالرجل المطارَد للثأر في إسرائيل القديمة.
ب) الآيات (٩-١٠): تعليم الناس ما لا ينبغي الاتكال عليه.
٩إِنَّمَا بَاطِلٌ بَنُو آدَمَ. كَذِبٌ بَنُو الْبَشَرِ. فِي الْمَوَازِينِ هُمْ إِلَى فَوْقُ. هُمْ مِنْ بَاطِل أَجْمَعُونَ. ١٠لاَ تَتَّكِلُوا عَلَى الظُّلْمِ وَلاَ تَصِيرُوا بَاطِلاً فِي الْخَطْفِ. إِنْ زَادَ الْغِنَى فَلاَ تَضَعُوا عَلَيْهِ قَلْبًا.
١. إِنَّمَا بَاطِلٌ بَنُو آدَمَ (لَكِنَّ البَشَرَ بُخَارٌ لَا أكْثَرَ): يقول هذا المزمور الكثير عن الثقة بالله وحده. والآن يشرح لنا داود لماذا من المهم أن لا نتكل على الإنسان. فقد فهِم داود أن الإنسان، مهما علا أو تَدَنَّى شأنه، فإنه أخف من البخار. فلا يوجد معدن يستحق الثقة.
· “لا يقدر عامة الناس على تقديم العون. إنه لأمر باطل وأحمق أن تتكل عليهم، رغم أنهم قد يكونون راغبين في تقديم العون لك، لكنهم لا يملكون القدرة على مساعدتك. والأغنياء كذبة. يَعِدون بالكثير، لكنهم لا يقدمون لك شيئًا. يعطونك سببًا للأمل، لكنهم يسخرون من توقعاتك.” كلارك (Clarke)
· ربما لم يقصد داود هنا أن يفهم القارئ التمييز بين أشخاص من درجة وضيعة وأخرى عالية. ربما كان هذا تعبيرًا للتكرار والموازاة في الشعر العبري. “يرتكز التمييز بين ’الوضيع‘ و’العالي‘ (في الإنجليزية) على استخدام كلمتين مختلفتين في النص المازوري: (مزمور ٦٢؛ و ٢:٤٩). لكن يُحتمل بنفس الدرجة أن نعامل شطري الآية ٩:٦٢ كإشارة عامة إلى الجنس البشري (الإنسان): ’ليس الإنسان سوى نفخة، وليس الإنسان سوى كذبة.‘” فانجيميرين (VanGemeren)
· فليست الفكرة هنا هي أنه لا يوجد ما نخافه من الإنسان (كما في مزمور ١:٢٧ فصاعدًا) بقدر أنه لا يوجد ما نأمله منه.” كيدنر (Kidner)
٢. لَا تَتَّكِلُوا عَلَى ٱلظُّلْمِ وَلَا تَصِيرُوا بَاطِلًا فِي ٱلْخَطْفِ: سبق أن رأى داود رجالًا يزدهرون من خلال طرقهم القاسية وغير الشريفة، فحذّر الناس من هذا، فاهمًا أن النتائج لا تبرر الشر المستخدم للحصول عليها.
٣. إِنْ زَادَ ٱلْغِنَى فَلَا تَضَعُوا عَلَيْهِ قَلْبًا: عندما صار داود ملكًا، صار ثريًّا جدًّا، مع أنه عاش معظم حياته السابقة في فقر شديد. عرف داود معنى أن يزداد ٱلْغِنَى، وعرف أنه من الحمق أن يضع المرء عَلَيْهِ قَلْبًا. ومن الممكن أن يكون لديك ثروة هائلة من دون أن تتكل عليها، لكن هذا ليس سهلًا.
· “إذا ازدهر بطريقة شريفة بالتوفيق من الله، نتيجة للجِدّ في العمل أو النجاح التجاري، فلا تضع الظروف في الاعتبار كثيرًا. ولا تبتهج بلا داع، ولا تثبّت قلبك على أموالك.” سبيرجن (Spurgeon)
· توجد ثلاث طرق على الأقل يضع بها المرء قلبه على ٱلْغِنَى:
ü أن يجد لذة مفرطة في ٱلْغِنَى، جاعلًا إياه مصدر فرحه الوحيد في الحياة.
ü أن يضع رجاءه وأمانه على ٱلْغِنَى.
ü أن يتكبر ويتغطرس بسبب ٱلْغِنَى.
· “سواء أحَصَلَ المرء على ٱلْغِنَى بطريقة سليمة أو غير سليمة، فإنه سيُستخدم بطريقة غير سليمة إذا جعله موضوع اتكاله.” ماكلارين (Maclaren)
· “ٱلْغِنَى هو نفسه زائل ومؤقت، ولهذا لا ينبغي أن نعطيه أكثر من تفكير موقت.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن كاريل (Caryl)
· “كما لا ينبغي أن نستريح في البشر (نتكل عليهم)، كذلك لا ينبغي أن نسترح في المال. فليس الربح والشهرة سوى زبد البحر.” سبيرجن (Spurgeon)
· “ربما تلمّح الآية في رسالة تيموثاوس الأولى ١٧:٦ فصاعدًا إلى هذه الآية في تعاملها الدقيق مع هذا الموضوع.” كيدنر (Kidner)
ج) الآيات (١١-١٢): داود يعلّم نفسه عن قوة الله ورحمته.
١١مَرَّةً وَاحِدَةً تَكَلَّمَ الرَّبُّ، وَهَاتَيْنِ الاثْنَتَيْنِ سَمِعْتُ: أَنَّ الْعِزَّةَ للهِ، ١٢وَلَكَ يَا رَبُّ الرَّحْمَةُ، لأَنَّكَ أَنْتَ تُجَازِي الإِنْسَانَ كَعَمَلِهِ.
١. مَرَّةً وَاحِدَةً تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ، وَهَاتَيْنِ ٱلِٱثْنَتَيْنِ سَمِعْتُ: أَنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلهِ (أنَّ القُوَّةَ للهِ): تجذّرت هذه الحقيقة بعمق في نفس داود من خلال التكرار. ففهم أَنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلهِ (القُوَّةَ) وليس سواه، ولهذا كان عازمًا على الثقة بالله وحده وليس سواه.
· بما أَنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلهِ، رفض داود أن يبحث عن القوة في مكان آخر. وبما أَنَّ ٱلْعِزَّةَ (القُوَّةَ) لِلهِ، لم يَشْتَقْ إلى القوة لنفسه. وبما أَنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلهِ، لم يتغطرس داود كحاكم، عارفًا أن أية قوة وسلطة لديه هي تمثيلية لله.
٢. وَلَكَ يَا رَبُّ ٱلرَّحْمَةُ: نشكر الله على أن داود فهِم أن طبيعة الرب أكثر بكثير من القُوَّةَ (ٱلْعِزَّةَ). فهو غني في الرحمة أيضًا. فكما يمكن للبشر أن يتطلعوا إلى الله من أجل ٱلْعِزَّةَ، يمكنهم أن يتطلعوا إليه من أجل ٱلرَّحْمَة أيضًا.
· تمثل كلمة ٱلرَّحْمَة ترجمة لواحدة من أعظم الكلمات العبرية في العهد القديم، وهي ’حِسِدْ.‘ ولعله يُستحسن أن تترجم إلى المحبة، أو اللطف أو الكرم المتسم بالمحبة، أو المحبة المتسمة بالولاء. عرف داود أَنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلهِ، لكنه أيضًا إله محبة وفيٌّ وصالح لشعبه.
- “كانت الصفة الثانية تترجم إلى رحمة، لكن الآية ١٢ توضح أن لكلمة ’حِسِدْ‘ أصولها في ما هو وفيٌّ وموثوق. وهي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحفظ العهد، ومن هنا تترجمها الترجمات الحديثة إلى ’المحبة الثابتة‘ أو ’المحبة الوفية.‘” كيدنر (Kidner)
· “يقول داود إنه تعلّم درسين – أن الله قوي وأنه مُحب.” بويس (Boice)
· يعني هذا أنه لم تكن لديه توقع للرحمة من البشر. فإن جاءت، فسيسره ذلك، لكنه عرف أن المحبة الوفية (ٱلرَّحْمَة) في نهاية المطاف هي لله.
· “تُحَلّي هذه الصفة الرقيقة فكرة القوة الفخمة. فلن تسحقنا قوة الله، بل ستُستخدم لخيرنا. والله ممتلئ بالرحمة حتى إنها تخصه، كما لو أن الرحمة الموجودة في الكون جاءت منه، وهو يؤكد أنها مقتناه.” سبيرجن (Spurgeon)
· “هذا هو التمثيل الجدير الوحيد لله. فالقوة بلا محبة وحشية، والمحبة بلا قوة ضعف. فالقوة هي الأساس القوي للمحبة. والمحبة هي جمال القوة وتاجها.” بويس (Boice) نقلًا عن بيراون (Perowne)
· “قوة الله أعظم من قوة أعدائه، وتعادل رحمته التعامل مع احتياج النفس في فشلها.” مورجان (Morgan)
٣. أَنْتَ تُجَازِي ٱلْإِنْسَانَ كَعَمَلِهِ: عادة ما لا نعتقد أن هذا تعبير عن رحمة الله. إذ تبدو من نواحٍ وكأنها دينونة الله. غير أن داود وضع في اعتباره الإنسان الصالح الذي يحتقر العالم صلاحه. وسيكافئ إله ٱلرَّحْمَة صلاح الإنسان (حتى بشكل نسبي) كما تجاهله العالم ورفضه.
· “لا يستطيع الإنسان أن يساعدنا أو أن يكافئنا. وسيفعل الله كلا الأمرين.” سبيرجن (Spurgeon)
· “ينصح النبي كل بشر التأمل في هذا الموضوع المثير للاهتمام للغاية – قوة الله لمعاقبة الخطية، ورحمة الله للعفو عنها. وسيولّد الخوف من الأول (قوة الله) الرغبة في الثاني (رحمة الله).” هورن (Horne)