تفسير سفر المزامير – مزمور ٩٤
الرب المحامي عني
“نرى في هذا المزمور كيف أن نفس الأشياء التي تهاجم الإيمان وتهدد بجلب اليأس يمكن أن تكون فرصة للشكر في مكان العبادة وفِعْلها.” ج. كامبل مورجان
(G. Campbell Morgan)
أولًا. المتمردون والأشرار الذين يتوجب عليهم أن يسمعوا الله ويطيعوه
أ ) الآيات (١-٣): الإقرار بأن الرب هو قاضي (ديّان) الأرض.
١يَا إِلهَ النَّقَمَاتِ يَا رَبُّ، يَا إِلهَ النَّقَمَاتِ، أَشْرِقِ. ٢ارْتَفِعْ يَا دَيَّانَ الأَرْضِ. جَازِ صَنِيعَ الْمُسْتَكْبِرِينَ. ٣حَتَّى مَتَى الْخُطَاةُ يَا رَبُّ، حَتَّى مَتَى الْخُطَاةُ يَشْمَتُونَ؟
١. يَا إِلَهَ ٱلنَّقَمَاتِ: يبدأ صاحب المزمور بإقرار بسيط وعميق معًا بأن الانتقام هو من اختصاص الرب (يَا إِلَهَ ٱلنَّقَمَاتِ). فهو يرى ويدين ببرّ بين البشر، وسيجلب العدالة بشكل ملائم.
· يعني هذا أن الانتقام ليس من اختصاص الإنسان.
· يعني هذا أن الانتقام هو للذي يرى أكثر مما نرى ويعرف أكثر مما نعرف.
· يعني هذا أنه أمر ملائم أن نطلب من الله أن ينتقم، وأن نثق بمعرفته وحكمته المتفوقتين، وبتوقيته الدقيق في تنفيذ ذلك.
ü في سِفر إرميا ٥٦:٥١، يعطى الله لقب ’إِلَهُ مُجَازَاةٍ‘ وأنه بالفعل ’يُكَافِئُ مُكَافَأَةً.‘
ü “الله هو منشئ العدالة الجزائية، ومنشئ الرحمة أيضًا. غالبًا ما نسمّي العدالة الجزائية انتقامًا، لكن ربما بشكل غير صحيح. فالانتقام بالنسبة لنا يدل على إثارة انفعالات قوية من الغضب من أجل إرضاء روح انتقامية تفترض أنها تلقّت بعض الأذى الحقيقي. لكن ما يشار إليه هنا هو عملية بسيطة من العدالة التي تعطي كل واحد حقه.” كلارك (Clarke)
ü “فرّق د. صامويل جونسون (Dr. Samuel Johnson)، مؤلف أول قاموس إنجليزي بين الانتقام والمجازاة بشكل جيد عندما قال: الانتقام عمل رغبة جامحة، بينما المجازاة عمل عدالة. إذ يُنتقم للإساءات الشخصية، بينما تجازى الجرائم.” بويس (Boice)
٢. يَا إِلَهَ ٱلنَّقَمَاتِ، أَشْرِقْ: يضيف تكرار العبارة أكثر من توكيد وتكثيف. فهو يربط أيضًا انتقام الله بمجده، إشراقه. ففي نهاية الأمر، فإن الانتقام من الخطية والخطاة جزء من مجد الله.
· علّق ماكلاين (Maclaren) على تكرار الطِّلبة: “يظل الرجل الواقع في ضيق يصرخ طالبًا العون إلى أن يأتي، أو إلى أن يراه آتيًا.”
· “إن الصلاة إلى الرب لكي يشرق هي صلاة لظهور إلهي، عندما يَظهر ببهاء ملكي لجلب العدالة في عالم من الفوضى.” فانجيميرين (VanGemeren)
٣. ٱرْتَفِعْ يَا دَيَّانَ ٱلْأَرْضِ: وضع صاحب المزمور عمل الانتقام بين يدي الرب، لكنه ما زال يصلي أن يتولى الله مسؤوليته ويعاقب المتكبرين (جَازِ صَنِيعَ الْمُسْتَكْبِرِينَ).
- وصف مورجان(Morgan) ، كيف أن شعب الله المضطهد عبر الزمن صلّوا هكذا: “في سراديب الموتى، وفي الزنازن، وفي أماكن خراب مطلق، وعندما أحسوا بأن الطريق إلى الله مسدود، وأن حُكمه قد هُزم، وأن الأشرار أحرزوا النصر، ظهرت هذه الترانيم معلنةً إياه ملكًا، ساخرًا من كل أفكار الإنسان الباطلة الحمقاء، ومعلنًا نصره النهائي.”
· “أولئك الذين ليست لديهم كراهية عميقة للخطية، الذين لم يحسّوا قط بثقل الشر المشرَّع، ربما ينكمشون من طموحات كطموحات صاحب المزمور هذه ويصفونها بأنها شرسة. لكن القلوب التوّاقة إلى انتصار البر فلن تقبل هذه الإساءة.” ماكلارين (Maclaren)
· “إن كان تنفيذ العدالة أمرًا صوابًا – ومن يستطيع أن ينكر هذه الحقيقة؟ – فلا بد أن يكون ملائمًا أن نرغب فيه، لا بدافع الانتقام الخاص (وفي هذه الحالة، لا يجرؤ أحد أن يحتكم إلى الله على هذا الأساس)، لكن بدافع من التعاطف مع ما هو صواب، والشفقة على الذين يتألمون ظلمًا.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. حَتَّى مَتَى؟ تضيف هذه العبارة نغمة من الإلحاح إلى صلاة صاحب المزمور. ويطلب صاحب المزمور من الله، بتوليفة من الجسارة والتواضع، أن يفسر الفترة الطويلة قبل أن يتحقق الانتقام البار. وهي الصرخة المماثلة التي تطلقها النفوس تحت المذبح: حَتَّى مَتَى؟ (رؤيا يوحنا ٦: ٩-١٠).
· “وهكذا فإن السؤال الوحيد حول قوة الشر هو حَتَّى مَتَى؟ (مزمور ٣:٩٤)؛ ولا يوجد مجال لشكٍّ يشل المرء في إمكان أن الله ربما يكون أعمى عن هذه الأمور (مزمور ٧:٩٤)، أو ربما عقد صفقة مع الظلمة (مزمور ٢٠:٩٤). لا يوجد شيء غيَّر الشمسَ الإلهية (الله) أو أفسد الديان (القاضي). لكن المسألة ببساطة هي أن الليل طويل (٩٤: ١ب؛ ٢أ).” كيدنر (Kidner)
· حَتَّى مَتَى؟ “سمعت مرات كثيرة هذه الشكوى المُرّة في زنازن محاكم التفتيش، وعند عواميد جلد العبيد، وفي سجون المقموعين. وفي الوقت المناسب، سيقدّم الله جوابه، لكن النهاية الكاملة لم تحن بعد.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٤-٧): إدراك تمرد الأشرار.
٤يُبِقُّونَ، يَتَكَلَّمُونَ بِوَقَاحَةٍ. كُلُّ فَاعِلِي الإِثْمِ يَفْتَخِرُونَ. ٥يَسْحَقُونَ شَعْبَكَ يَارَبُّ، وَيُذِلُّونَ مِيرَاثَكَ. ٦يَقْتُلُونَ الأَرْمَلَةَ وَالْغَرِيبَ، وَيُمِيتُونَ الْيَتِيمَ. ٧وَيَقُولُونَ: «الرَّبُّ لاَ يُبْصِرُ، وَإِلهُ يَعْقُوبَ لاَ يُلاَحِظُ».
١. يُبِقُّونَ، يَتَكَلَّمُونَ بِوَقَاحَةٍ: إن أول ما نلاحظه عن الأشرار هو كلامهم. فكلامهم يتسم بالتحدّي والوقاحة. وهم يفتخرون بأنفسهم. وبالمقابل، فإن علامة من علامات الأبرار هي كلامهم المتسم بالتواضع واللطف.
· “غالبًا ما تجرح الكلمات أكثر من السيف. وهي تكون قاسية على القلب قساوة الحجارة على الجسد؛ وهذه كلمات تُسكب من أفواه الأشرار على نحو متكرر.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. يَسْحَقُونَ (يكسّرون) شَعْبَكَ يَا رَبُّ: إن الشيء الثاني الذي نلاحظه عن الأشرار هو تصرفاتهم ضد شعب الله، ميراث الرب. يسحقونهم ويبتلونهم. وبالمقابل، فإن علامة من علامات الأبرار هي محبتهم لشعب الله.
· “ليس هؤلاء الطغاة بالضرورة أجانب. ربما يكونون مولودين في نفس الوطن على قدم المساواة، مثل الملك المرتد مَنَسَّى، أو الساخرين (إشعياء ١٨:٥ فصاعدًا).” كيدنر(Kidner)
٣. يَقْتُلُونَ ٱلْأَرْمَلَةَ وَٱلْغَرِيبَ، وَيُمِيتُونَ ٱلْيَتِيمَ: والشيء الثالث الذي نلاحظه حول الأشرار هو هجومهم على الضعفاء والمحرومين حتى إلى درجة القتل. وبالمقابل، فإن علامة من علامات الأبرار هي العناية بالضعفاء والمحرومين.
· “ألا يستفز هذا التصرف غير الإنساني الرب؟ ألا تُسكب دموع الأرامل وأنّات الغرباء ودم اليتامى عبثًا؟ كما أن من المؤكد أن هنالك إلهًا في السماء، فإن من المؤكد أيضًا أنه سيعاقب أولئك الذين يرتكبون تلك الجرائم. ورغم أنه يصبر عليهم طويلًا، إلاّ أنه سينتقم بسرعة.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. ٱلرَّبُّ لَا يُبْصِرُ: إن الشيء الرابع الذي نلاحظه عن الأشرار هو جهلهم بالرب وغطرستهم تجاهه. فهم ينكرونه بالطريقة التي أعلن عن نفسه بها في الكتاب المقدس. ويؤدي هذا الجهل بالله إلى غطرسة مخدوعة تجاهه.· “هم أشرار بشكل أعمى لأنهم تخيلوا إلهًا أعمى. فعندما يعتقد الناس أن عيني الله مظلمتان، فلا عجب أنهم يعطون أنفسهم رخصة للرغبات الوحشية.” سبيرجن (Spurgeon)
· “لا يوجد ما يلزم المرء أن ينطق بكلمات معسولة لحكام حُكمهم ظُلم وديانتهم عدم توقير لله. إذ كان لآخاب إيليّا خاص به، وكان لهيرودس يوحنا معمدان خاص به. وقد تكرر هذا على مر العصور.” ماكلارين(Maclaren)
· إِلَهُ يَعْقُوْبَ: “هكذا يسمّونه على محمل السخرية. وهو يتخذ هذا الاسم لنفسه، لكنه لا يحمل اعتبارًا لشعبه. فهو يترك يعقوب غنيمة وفريسة لسخط أعدائه.” بوله (Poole)
ج) الآيات (٨-١١): توبيخ المتمردين غير العقلانيين.
٨اِفْهَمُوا أَيُّهَا الْبُلَدَاءُ فِي الشَّعْبِ، وَيَا جُهَلاَءُ مَتَى تَعْقِلُونَ؟ ٩الْغَارِسُ الأُذُنِ أَلاَ يَسْمَعُ؟ الصَّانِعُ الْعَيْنَ أَلاَ يُبْصِرُ؟ ١٠الْمُؤَدِّبُ الأُمَمَ أَلاَ يُبَكِّتُ؟ الْمُعَلِّمُ الإِنْسَانَ مَعْرِفَةً. ١١الرَّبُّ يَعْرِفُ أَفْكَارَ الإِنْسَانِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ.
١. اِفْهَمُوا أَيُّهَا ٱلْبُلَدَاءُ فِي ٱلشَّعْبِ: حاول صاحب المزمور أن ينجز مهمة يعتقد بعضهم أنه لا فائدة منها، وهي أن يساعد البلداء والحمقى في التعليم والفهم. وقد وجّه كلامه على نحو خاص إلى الأشخاص المذكورين في الآية السابقة، والذين اعتقدوا أن الله لا يرى أو يفهم شرّهم.
· تدل كلمة البليد، كما في مزمور ٦:٩٢ – على شخص بهيمي هو حيوان قدْر ما هو إنسان. “أنتم يا من تعتقدون أنكم أحكم الناس، أنتم في الواقع أكثر الناس بهيمية… لكم هيئة الإنسان، لكن ليس لديكم فهم.” بوله (Poole)
٢. ٱلْغَارِسُ ٱلْأُذُنِ أَلَا يَسْمَعُ: الحجة هنا بسيطة ومتينة. فالله الذي خلق الأذن يستطيع أن يسمع، والذي خلق العين يستطيع أن يرى. وسيحاسب إله كل حكمة ومعرفة البشر على حياتهم.
· “المنطق هنا لا مفر منه، حالما تقبل فريضة أن الله هو الخالق. وما لا يتطرق المزمور إليه هنا هي العبثية المطلقة، وهذا موضوع متروك للإنسان الحديث الذي يرفض حتى هذه الفرضية.” كيدنر (Kidner)
· “لا يقول صاحب المزمور: ” ٱلْغَارِسُ ٱلْأُذُنِ، أليست لديه أُذن؟ ٱلصَّانِعُ ٱلْعَيْنَ، أليست لديه عين؟ لا. بل يقول: أَلَا يَسْمَعُ. أَلَا يُبْصِرُ؟ ولماذا يقول هذا؟ لكي يمنع ضلالة إضافة طبيعة إنسانية إلى الله بأن ينسب أعضاء مادية إلى الروح اللامتناهي.” كلارك (Clarke)
٣. ٱلرَّبُّ يَعْرِفُ أَفْكَارَ ٱلْإِنْسَانِ: حكمة الله عظيمة حتى إنه يعرف أفكار الإنسان، ولهذا يتوجب أن يُهاب ويوقَّر ويطاع بشكل لائق. فكان أمرًا مهمًّا أن يسمع البلداء والجهلاء هذا ويفهموه.
· اقتبس الرسول بولس مزمور ١١:٩٤ في ١ كورنثوس ٢٠:٣ وهو يتحدث عن انتصار الله على الحكمة والمعرفة البشريتين اللتين تمجد نفسها وتتحدى الله. ويتحدث في رومية ٢٠:١ عن عقم ذهن الإنسان المعادي لله.
ثانيًا. شعب الله الذي يتوجب أن يسمع تعليم الله ويطيعه
أ ) الآيات (١٢-١٥): تعزية لشعب الله – لن يترك الله شعبه.
١٢طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي تُؤَدِّبُهُ يَا رَبُّ، وَتُعَلِّمُهُ مِنْ شَرِيعَتِكَ ١٣لِتُرِيحَهُ مِنْ أَيَّامِ الشَّرِّ، حَتَّى تُحْفَرَ لِلشِّرِّيرِ حُفْرَةٌ. ١٤لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يَرْفُضُ شَعْبَهُ، وَلاَ يَتْرُكُ مِيرَاثَهُ. ١٥لأَنَّهُ إِلَى الْعَدْلِ يَرْجعُ الْقَضَاءُ، وَعَلَى أَثَرِهِ كُلُّ مُسْتَقِيمِي الْقُلُوبِ.
١. طُوبَى لِلرَّجُلِ ٱلَّذِي تُؤَدِّبُهُ يَا رَبُّ: ربما يرفض البلداء والجهلاء والحمقى أن يستمعوا إلى الله، لكن يتوجب على شعب الله أن يفعل ذلك. إذ سيرشدهم ويعلّمهم من كلمته (مِنْ شَرِيعَتِكَ).
· “هنا يتكلم التلميذ، لا المعلم. والكلمات هي انتصار الإيمان، وهو رد فعل إيجابي للضيقة الحالية.” كيدنر (Kidner)
· “لن يجعل أي تأديب في العالم، من دون تعليم إلهي، الإنسان مطَوَّبًا (مباركًا). وأما الذي يجد تقويمًا مصحوبًا بالتعليم، وجلدًا مصحوبًا بالإرشاد فإنه رجل مطوَّب.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن بروكس (Brooks)
٢. لِتُرِيحَهُ مِنْ أَيَّامِ ٱلشَّرّ: هذا وعد رائع للذين يتلقون التعليم من كلمة الله. إذ ستكون لديهم راحة عندما تأتي أيام الشدة (ٱلشَّرّ) المحتومة. وستكون الراحة لهم إلى أن تُحفر الحفرة للأشرار، إلى أن يصوِّب الله في دينونته كل الأمور.
· “هنالك راحة من الشر أثناء وجوده إذا فهمنا قصد الشر.” ماكلارين (Maclaren)
· أَيَّامِ ٱلشَّرِّ (الشدّة): “تذكّروا عصر الشهداء، وأيام العهديين (جماعة العهد – منظمة تابعة للكنيسة المشيخية الاسكتلندية – ١٦٩٣) الذين كانوا يُصطاَدون على الجبال كطائر الحجل. فلا يتوجب أن تتساءل إن كانت أماكن الأرض السهلة ليست لك، وإن كانت واجبات الخفر (الحارس) تقع عليك. هكذا هو واقع الحال، ويتوجب أن يكون كذلك، لأن الله قد قضى بذلك.” سبيرجن (Spurgeon)
· حَتَّى تُحْفَرَ لِلشِّرِّيرِ حُفْرَةٌ: “إلى أن يضم القبر البارد جسده، ويمسك الجحيم الحار بنفسه.” تراب (Trapp)
٣. لِأَنَّ ٱلرَّبَّ لَا يَرْفُضُ شَعْبَهُ: هذا توكيد جميل وقوي، أُعطي أولًا لإسرائيل تحت نظام العهد القديم، لكنه يمتد على أبناء الله أيضًا في عهد أفضل. يعلّم بعضهم أن الله رفض إسرائيل، لكن هذا النص ونصوصًا كثيرة أخرى تتعارض مع هذه الفكرة. مع التكرار والتشديد، الله يؤكد أنه: لَا يَتْرُكُ مِيرَاثَهُ.
· “حتى لو جاء إبليس وهمس في أذنك: ’لقد رفضك الله،‘ فلا تصدقه. فلا يمكن أن يكون هذا. رفض إبليس كثيرين، لكن الله لا يرفض أحدًا. وهو يأخذ أحيانًا المنبوذين من إبليس ويجعلهم تذكارات لانتصار نعمته القوية.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. لِأَنَّهُ إِلَى ٱلْعَدْلِ يَرْجِعُ ٱلْقَضَاءُ: يَعِد الله بأن يجلب حُكمه ودينونته البارّين على كل شيء، جالبًا الرضا لكل مُسْتَقِيمِي الْقُلُوبِ.
· “يعد الله بأنه سيصوِّب الأمور، وسيحصل كل واحد على حقه، حسب رومية ٢: ٦-١٠، إن لم يكن عاجلًا، فمن المؤكد أنه سيكون في يوم الدينونة.” تراب (Trapp)
ب) الآيات (١٦-١٩): تعزية لشعب الله – الله سيساعدهم.
١٦مَنْ يَقُومُ لِي عَلَى الْمُسِيئِينَ؟ مَنْ يَقِفُ لِي ضِدَّ فَعَلَةِ الإِثْمِ؟ ١٧لَوْلاَ أَنَّ الرَّبَّ مُعِينِي، لَسَكَنَتْ نَفْسِي سَرِيعًا أَرْضَ السُّكُوتِ. ١٨إِذْ قُلْتُ: «قَدْ زَلَّتْ قَدَمِي» فَرَحْمَتُكَ يَا رَبُّ تَعْضُدُنِي. ١٩عِنْدَ كَثْرَةِ هُمُومِي فِي دَاخِلِي، تَعْزِيَاتُكَ تُلَذِّذُ نَفْسِي.
١. مَنْ يَقُومُ لِي عَلَى ٱلْمُسِيئِينَ؟ تحدثت السطور السابقة من هذا المزمور عن الرضا عن دينونة الله البارة في نهاية المطاف. والآن يضع صاحب المزمور في اعتباره أن هذا اليوم المأمول لم يحن بعد. وهو يفهم ويعبر عن محدودياته في التعامل مع الْمُسِيئِينَ وفَعَلَةِ الإِثْمِ.
٢. لَوْلَا أَنَّ ٱلرَّبَّ مُعِينِي: تمت الإجابة عن سؤاله البلاغي. فالرب كان وسيظل معينًا له ضد الأشرار.
· “لو كان بإمكاننا أن نجد أصدقاء في مكان آخر، ربما ما كان إلهنا عزيزًا علينا بهذا القدر. لكن بعد استنجادنا بالسماء والأرض، فإننا لا نجد نجْدَةً مثل تلك التي تقدمها الذراع الأزلية. ويدفعنا هذا إلى أن نثمّن إلهنا وإلى أن نرتاح فيه بثقة كاملة.” سبيرجن (Spurgeon)
· أَرْضَ ٱلسُّكُوتِ: “يعترف صاحب المزمور بأنه منزعج جدًّا من فاعلي الشر حتى إنه كان على وشك الانزلاق إلى العالم السفلي.” فانجيميرين (VanGemeren)
٣. فَرَحْمَتُكَ يَا رَبُّ تَعْضُدُنِي: ستعضده رحمة الله في اليوم الصعب. وحتى عندما يبدو أن قدمه انزلقت، فإنه لن يسقط.
· تَعْضُدُنِي: “هذه استعارة مأخوذة من شيء آخذ في السقوط. فهو يُدعَم ويُسنَد حتى لا يسقط. كم مرةٍ حالت رحمة الله دون دمار مؤمنين ضعفاء وأشخاص لم يكونوا أمناء!” كلارك(Clarke)
٤. تَعْزِيَاتُكَ تُلَذِّذُ نَفْسِي: احتاج صاحب المزمور، مع وجود أعداء كثيرين وصعوبات جمّة، إلى عون وتعزية من الله. فاستجاب الرب بتعزيات كثيرة جلبت المسرة أو اللذة لنفسه. فأنقذه هذا من هموم كثيرة.
· تعزياتك: “ما أحلى تعزيات الروح القدس! من يستطيع أن يتأمل المحبة الأبدية، والمقاصد الثابتة، ووعود العهد، والفداء المكتمل، والمخلّص المُقام، واتحاده مع شعبه، والمجد الآتي، وما شابه من موضوعات، من دون أن يحس بأنّ قلبه يقفز من الفرح؟” سبيرجن (Spurgeon)
· عِنْدَ كَثْرَةِ هُمُومِي فِي دَاخِلِي: “… مع أن قلبي كان ممتلئًا بأفكار متنوعة محيِّرة ومربِكة، كما تدل الكلمة العبرية، وكان معذَّبًا بهموم ومخاوف من حالتي المستقبلة.” بوله (Poole)
ج) الايات (٢٠-٢٣): غطاء لشعب الله – الله هو الحامي.
٢٠هَلْ يُعَاهِدُكَ كُرْسِيُّ الْمَفَاسِدِ، الْمُخْتَلِقُ إِثْمًا عَلَى فَرِيضَةٍ؟ ٢١يَزْدَحِمُونَ عَلَى نَفْسِ الصِّدِّيقِ، وَيَحْكُمُونَ عَلَى دَمٍ زَكِيٍّ. ٢٢فَكَانَ الرَّبُّ لِي صَرْحًا، وَإِلهِي صَخْرَةَ مَلْجَإِي. ٢٣وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ إِثْمَهُمْ، وَبِشَرِّهِمْ يُفْنِيهِمْ. يُفْنِيهِمُ الرَّبُّ إِلهُنَا.
١. هَلْ يُعَاهِدُكَ كُرْسِيُّ ٱلْمَفَاسِدِ، ٱلْمُخْتَلِقُ إِثْمًا عَلَى فَرِيضَةٍ؟ عرف صاحب المزمور أن الشر يوجد أحيانًا في أماكن عالية. فبعض العروش (الكراسي) تتسم بالإثم (هَلْ يُعَاهِدُكَ كُرْسِيُّ ٱلْمَفَاسِدِ)، وبعض القوانين تُبتكر بالشر (ٱلْمُخْتَلِقُ إِثْمًا عَلَى فَرِيضَةٍ). فلن تكون هنالك شركة لله مع تلك العروش.
· يوحي هذا بالفكرة المتضمَّنة في ١يوحنا ٦:١ “إِنْ قُلْنَا: إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي ٱلظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ ٱلْحَقَّ.”
· ٱلْمُخْتَلِقُ إِثْمًا عَلَى فَرِيضَةٍ: “تصل الجريمة إلى ذروتها عندما يستخدم الحكام أشكال العدالة كأقنعة للظلم، ويُضفون قُدسية شرعية على الأذى. كان العالم القديم يئن تحت مثل هذه الصور الزائفة لقدسية القانون. والعالم الحديث غير خالٍ منها.” ماكلاين (Maclaren)
· ٱلْمُخْتَلِقُ إِثْمًا عَلَى فَرِيضَةٍ: “إنهم يشرِّعون السرقة والعنف، ثمّ يدّعون أن هذا هو قانون البلاد. وقد يكون الأمر كذلك بالفعل، لكن هذا كله شر.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. يَزْدَحِمُونَ عَلَى نَفْسِ ٱلصِّدِّيقِ: وُصِف هذا النوع من الشر في الآيات ٤-٦، وهم الآن يَحْكُمُونَ عَلَى دَمٍ زَكِيٍّ. ووصف يوحنا نفس القلب الشرير: “لَا تَتَعَجَّبُوا يَا إِخْوَتِي إِنْ كَانَ ٱلْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ.” (١يوحنا ١٣:٣)
· يَزْدَحِمُونَ: “هم متّحدون في كل ما هو شرير. فإبليس وأجناده وأبناؤه ينضمون معًا ويخططون معًا عندما يستهدفون تدمير أعمال الرب.” كلارك (Clarke)
٣. فَكَانَ ٱلرَّبُّ لِي صَرْحًا (دفاعًا): رغم أن الأشرار الذين كانوا ضد صاحب المزمور في أماكن عالية، إلا أنه كان يمتلك دفاعًا (صرحًا) أقوى. فالله نفسه هو إِلَهُهُ وصَخْرَةُ مَلْجَئِه.
· إِلَهِي صَخْرَةَ مَلْجَإِي: “بعد أن أكد الكاتب الأمور البارة التي سيفعلها الله من أجل الآخرين، فإنه يضيف كلمة شهادة شخصية، كما لو أنه يقول إنه اختبر شخصيًّا تلك الأشياء التي يَعِد بها الله الآخرين.” بويس (Boice)
· “نرى فيه وحده سلامتنا. ليثر العالم كما يشاء. لن نطلب عونًا من بشر، لكننا قانعون باللجوء إلى حضن كلّيّ القدرة.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. يَرُدُّ عَلَيْهِمْ إِثْمَهُمْ: هذا توقُّع للحكم على الأشرار ولمصيرهم المحتوم. إذ ستكون دينونتهم بارة. وسيرتبط الحكم عليهم وهلاكهم بإثمهم (بِشَرِّهِمْ يُفْنِيهِمْ). وسيكون العقاب ملائمًا لجرائمهم. وأولئك الذين قطعوا آخرين سيُقطَعون هم أنفسهم. كانت هذه ثقة صاحب المزمور ودفاعه.
· يَرُدُّ عَلَيْهِمْ إِثْمَهُمْ: هذا هو عقاب الخطية. قد يبدو غريبًا أن الأمر هو هكذا، لكن الخطية عقاب للخطية. فحالما يكون المرء قد أخطأ، يتمثل جزء من عقابه في ميله إلى الخطية ثانية، وهكذا إلى ما لا نهاية.” سبيرجن (Spurgeon)
· يقدّم تكرار كلمة ’يُفْنِيهِمْ‘ توكيدًا شديدًا لهذه الفكرة. ويماثل التكرار هنا تكرار كلمة ’الْنَقْمات‘ في الآية الأولى من هذا المزمور. وهكذا يبدأ المزمور بثقة بأن الرب سيصوب الأمور، وينتهي بنفس الثقة.