تفسير سفر المزامير – مزمور ١٠٥
بركة الرب على شعب عهده
إنّ من رتّب ونظّم المزمورين ١٠٥ و ١٠٦ معًا فعل هذا عمدًا. “هذا المزمور والذي يليه رفيقان. فهما يكشفان جانبي العلاقة بين الله وشعبه أثناء فترة طويلة. ويتغنى هذا المزمور بأمانة الله وقوّته، بينما يخبرنا المزمور التالي القصة المحزنة للفشل المتكرر والتمرد من قِبل شعبه.” مورجان (Morgan)
والآيات الخمس عشرة الأولى من المزمور ١٠٥ موجودة أيضًا في ١ أخبار ١٦: ٨-٢٢، حيث تقدَّم على أنها من تأليف داود الذي كتبها ورنّمها بمناسبة إحضار تابوت العهد إلى أورشليم. ولهذا يمكننا إلى أن نخْلُص إلى أنه رغم أن هذا المزمور لا يُنسب إلى الملك داود بشكل محدد في نص المزمور نفسه، إلا أنه كاتبه.
أولًا. دعوة إلى شعب الله
أ ) الآيات (١-٣): دعوة إلى عبادة الرب.
١اِحْمَدُوا الرَّبَّ. ادْعُوا بِاسْمِهِ. عَرِّفُوا بَيْنَ الأُمَمِ بِأَعْمَالِهِ. ٢غَنُّوا لَهُ. رَنِّمُوا لَهُ. أَنْشِدُوا بِكُلِّ عَجَائِبِهِ. ٣افْتَخِرُوا بِاسْمِهِ الْقُدُّوسِ. لِتَفْرَحْ قُلُوبُ الَّذِينَ يَلْتَمِسُونَ الرَّبَّ.
١. اِحْمَدُوا الرَّبَّ: ركزت مزامير سابقة على تحفيز النفس على مباركة الرب. وهنا، يشجع داود نفسه وآخرين على أن يحمدوا الرب. وسيقدم المزمور أسبابًا كثيرة لهذا الحمد. وهذه أول عبارة من عدة عبارات تشجع على إكرام الله وعبادته.
· هذه الآيات الست الأولى من هذا المزمور “ممتلئة بالتعظيم، وهي في عباراتها القصيرة المتكررة تشبه صيحات الفرح التي يجلبها رسول يحمل أخبارًا سارة إلى صهيون.” ماكلارين (Maclaren)
٢. ادْعُوا بِاسْمِهِ: يرجح أن هذه العبارة تحمل فكرة الدعوة باسم الرب، لا أوثان الأمم. فهو وحده الذي يستحق أن يُدعى إلى تسبيحه والاعتماد عليه.
٣. عَرِّفُوا بَيْنَ الأُمَمِ بِأَعْمَالِهِ: سيسرد داود أعمال الله المذهلة التي قام بها أمام أنظار الشعوب كلها. وهو يشجع كل من يسمعه على أن يفعل الأمر نفسه. وينبغي لشعب الله أن يتحدثوا عن عجائبه.
٤. رَنِّمُوا لَهُ: كما في مواضع أخرى من مزامير أخرى، يُخبَر شعب الله عن أهمية تسبيحه من خلال الترنيم. وينبغي أن تكون الترنيمة لَهُ، لا إلى جمهور، أو بغرض مجرد تلذُّذ المرء بها.
٥. افْتَخِرُوا بِاسْمِهِ الْقُدُّوسِ: يمكننا أن نفتخر بأشياء كثيرة. فبعضهم يفتخر بالثروة أو المنزلة، بينما يفتخر آخرون بالمُتع أو التسلية. ويجد شعب الله افتخاره الأعظم بحق في اسْمِهِ الْقُدُّوسِ.
· اقترح فانجيميرين (VanGemeren) ثلاثة أهداف تتحقق في التسبيح في سياق هذا المزمور.
ü يعظّم التسبيح الرب، ناسبًا إليه القوة والقداسة والمجد.
ü يكثّف التسبيح تقديرنا لتاريخ الفداء.
ü يشهد التسبيح لمن هم خارج مجتمع العهد.
ب) الآيات (٤-٦): دعوة إلى طلب الرب وتذكُّر أعماله العظيمة.
٤اُطْلُبُوا الرَّبَّ وَقُدْرَتَهُ. الْتَمِسُوا وَجْهَهُ دَائِمًا. ٥اذْكُرُوا عَجَائِبَهُ الَّتِي صَنَعَ، آيَاتِهِ وَأَحْكَامَ فِيهِ، ٦يَا ذُرِّيَّةَ إِبْراهِيمَ عَبْدِهِ، يَا بَنِي يَعْقُوبَ مُخْتَارِيهِ.
١. أطْلُبُوا الرَّبَّ وَقُدْرَتَهُ: شعب الله مدعوون لا إلى طلب الله نفسه فحسب، بل أيضًا قوّته. وهي قوة تعطى لهم عندما يطلبونها، كما سيكتب بولس لاحقًا: “تَقَوُّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ” (أفسس ٦: ١٠).
· “أطْلُبُوا، أطْلُبُوا، أطْلُبُوا، نجد هذه الكلمة ثلاث مرات. فرغم أن الكلمات العبرية مختلفة، إلا أن المعنى هو نفسه. فلا بد أن الطلب أمر مبارَك، وإلا لما حفزنا على القيام به هكذا.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. اذْكُرُوا عَجَائِبَهُ الَّتِي صَنَعَ: هنالك خطر دائم من أن ينسى شعب الله عجائبه. وإنه أمر مهين له أن ننسى أعماله العظيمة، وسننجرف إلى النسيان إذا لم نتذكر بنشاط.
· “إنه أمر مؤسف أيضًا أننا أكثر استعدادًا لتذكُّر أشياء سخيفة وشريرة من أن نحتفظ في عقولنا بأعمال الرب المجيدة. فلو حفظناها في ذاكرتنا، لكان إيماننا أقوى، وامتناننا أكثر دفئًا، وتكريسنا أكثر اتّقادًا، ومحبتنا أشد.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. يَا ذُرِّيَّةَ إِبْراهِيمَ عَبْدِهِ: هذا المزمور موجه على نحو خاص إلى شعب الله، ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وإسحاق ويَعْقُوبَ. كان هؤلاء مختاري الله في خطة العهد الإلهية.
· “يدعى إبراهيم عبده (الآية ٦؛ انظر الآية ٤٢)، وهو تعبير يدل على القرب والاختيار الخاص.” فانجيميرين (VanGemeren)
ثانيًا. رعاية الله لإسرائيل تحت قيادة الآباء
أ ) الآيات (٧-١٢): عهد الله الرائع مع الآباء.
٧هُوَ الرَّبُّ إِلهُنَا فِي كُلِّ الأَرْضِ أَحْكَامُهُ. ٨ذَكَرَ إِلَى الدَّهْرِ عَهْدَهُ، كَلاَمًا أَوْصَى بِهِ إِلَى أَلْفِ دَوْرٍ، ٩الَّذِي عَاهَدَ بِهِ إِبْراهِيمَ، وَقَسَمَهُ لإِسْحاقَ، ١٠فَثَبَّتَهُ لِيَعْقُوبَ فَرِيضَةً، وَلإِسْرَائِيلَ عَهْدًا أَبَدِيًّا، ١١قَائِلاً: «لَكَ أُعْطِي أَرْضَ كَنْعَانَ حَبْلَ مِيرَاثِكُمْ». ١٢إِذْ كَانُوا عَدَدًا يُحْصَى، قَلِيلِينَ وَغُرَبَاءَ فِيهَا.
١. فِي كُلِّ الأَرْضِ أَحْكَامُهُ: قبل أن يركز داود على أعمال الله والوعود التي قطعها لشعب إسرائيل، فإنه يذكّرنا بأن الرب فوق كُلِّ الأَرْضِ. فلا ينتقص تركيزه على إسرائيل من اهتمامه بالأرض كلها وسيادته عليها.
· هُوَ الرَّبُّ إِلهُنَا: “إنه يهوه، ذاتيّ الوجود، الإله السرمدي. إنه إلهنا، نصيبنا. اتّخذ منا شعبًا له. وهو يفرّحنا بمحبته.” كلارك (Clarke)
٢. ذَكَرَ إِلَى الدَّهْرِ عَهْدَهُ: قطع الله عهدًا مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ونقله إلى شعب إسرائيل. وهو عهد أبدي، ويبقى دور إسرائيل كشعب عهد الله حتى نهاية العصر.
· كَلاَمًا أَوْصَى بِهِ: “لاحظ هنا تعبير ’كلامًا‘ (كلمة) أوصى به، أي الأمر الذي أصدره، وهذا تعبير موازٍ لعهده. ويعني هذ أن هذا الرابط مع الناس هو بالنعمة لا بصفقة متبادلة. وهو يخدم مصالح ملكوت الله، لا غايات الناس الأنانية.” كيدنر (Kidner)
· سبق أن وجدنا في المزمور ١٠٥ تكرارًا للضمير هو. “الكلمة الرئيسية في هذا المزمور هي الضمير ’هو.‘ ويبيّن تكراره الفكرة الوحيدة التي تحتل ذهن صاحب المزمور، وهي فكرة نشاط الله الدائم في تلك الخبرات التي مرّ بها شعبه.” مورجان (Morgan)
· يبدو أن زكريا، أبا يوحنا المعمدان، أعاد صياغة الآيات ٨-١١ كما هو مدوّن في لوقا ١: ٧٤-٧٥. “ينقل زكريا، تحت تأثير الروح القدس المباشر وتوجيهه، لغة العهد القديم إلى أحداث العهد الجديد. فهو يحتفل بافتداء العالم، من خلال المسيح، من الخطية والموت بكلمات تصف حرفيًّا فداء إسرائيل من مصر بقيادة موسى.” هورن (Horne)
٣. لَكَ أُعْطِي أَرْضَ كَنْعَانَ حَبْلَ مِيرَاثِكُمْ: إن أحد جوانب العهد الأبدي هو الأرض التي أعطاها الله لإسرائيل. إنها نصيب ميراثهم أعطاها لهم عندما كانوا قلة من حيث العدد. وعدها الله لإبراهيم عندما كانت عائلته مجرد جماعة صغيرة من الناس في أرض كنعان.
ب) الآيات (١٣-١٥): حماية الله للآباء.
١٣ذَهَبُوا مِنْ أُمَّةٍ إِلَى أُمَّةٍ، مِنْ مَمْلَكَةٍ إِلَى شَعْبٍ آخَرَ. ١٤فَلَمْ يَدَعْ إِنْسَانًا يَظْلِمُهُمْ، بَلْ وَبَّخَ مُلُوكًا مِنْ أَجْلِهِمْ، ١٥قَائِلاً: «لاَ تَمَسُّوا مُسَحَائِي، وَلاَ تُسِيئُوا إِلَى أَنْبِيَائِي».
١. ذَهَبُوا مِنْ أُمَّةٍ إِلَى أُمَّةٍ: كان لدى الآباء مواسمهم في التجوال. فقد جاء إبراهيم من أور الكلدانيين (تكوين ١١: ٣١ – ١٢: ٤)، وارتحل إلى مصر (تكوين ١٢: ١٠-٢٠). كما عاش يعقوب سنوات كثيرة مع لابان في أرض شعب المشرق (تكوين ٢٩: ١).
٢. فَلَمْ يَدَعْ إِنْسَانًا يَظْلِمُهُمْ: حماهم الله في تجوالهم بين الأمم، حتى إنه وَبَّخَ مُلُوكًا مِنْ أَجْلِهِمْ (مثلًا، تكوين ١٢: ١٧-٢٠ وتكوين ٢٦).
· “رغم أنهم كانوا محرومين من العون الأرضي، إلا أن أقوى الملوك لم يقدروا أن يؤذوهم.” هورن (Horne)
٣. لاَ تَمَسُّوا مُسَحَائِي: حمى الله إبراهيم وسارة من الملك أبيمالك، فلم يدعه يلمسها (تكوين ٢٠: ٦). وحمى الله إبراهيم وإسحاق ويعقوب بصفتهم أنبياءه.
· لاَ تَمَسُّوا مُسَحَائِي: “ربما لم تُقَل هذه الكلمات المذكورة هنا، لكن انطباع الخشوع الذي وقع على الشعوب موصوف شعريًّا هنا هكذا.” سبيرجن (Spurgeon)
· “لا يتكلم هذا الإله عن ملوك، بل إلى ملوك حول شعبه الذين لهم مسحة من الآب، حيث إنهم تقَدَّسوا وأُفرِزوا لأغراضه الخاصة. فمن يمسهم يمس حدقة عين الله (زكريا ٢:٨)، وهم أشخاص مقدَّسون.” تراب (Trapp)
· “يفترض أن الآباء هم المقصودون هنا، لكن يمكن أن يكون شعب إسرائيل كله مقصودًا. فقد كانوا مملكة من الكهنة وملوكًا لله، وكان الأنبياء والكهنة والملوك يُمسَحون دائمًا.” كلارك (Clarke)
· لاَ تَمَسُّوا مُسَحَائِي: “كان إبراهيم قد خدع أبيمالك بقوله إن سارة أخته لا زوجته. وأوشك أبيمالك أن يأخذها، لكن الله تدخَّل منبّهًا إياه أنها زوجة إبراهيم. ففي ذلك الوقت، أشار الله إلى إبراهيم كنبي (تكوين ٢٠: ٧)، لكنْ نبي كاذب! ومن الواضح أن التوكيد هنا هو على أمانة الله، لا على أمانة البشر.” بويس (Boice)
ج) الآيات (١٦-٢٢): اهتمام الله بالآباء في أيام يوسف.
١٦دَعَا بِالْجُوعِ عَلَى الأَرْضِ. كَسَرَ قِوَامَ الْخُبْزِ كُلَّهُ. ١٧أَرْسَلَ أَمَامَهُمْ رَجُلاً. بِيعَ يُوسُفُ عَبْدًا. ١٨آذَوْا بِالْقَيْدِ رِجْلَيْهِ. فِي الْحَدِيدِ دَخَلَتْ نَفْسُهُ، ١٩إِلَى وَقْتِ مَجِيءِ كَلِمَتِهِ. قَوْلُ الرَّبِّ امْتَحَنَهُ. ٢٠أَرْسَلَ الْمَلِكُ فَحَلَّهُ. أَرْسَلَ سُلْطَانُ الشَّعْبِ فَأَطْلَقَهُ. ٢١أَقَامَهُ سَيِّدًا عَلَى بَيْتِهِ، وَمُسَلَّطًا عَلَى كُلِّ مُلْكِهِ، ٢٢لِيَأْسُرَ رُؤَسَاءَهُ حَسَبَ إِرَادَتِهِ وَيُعَلِّمَ مَشَايِخَهُ حِكْمَةً.
١. دَعَا بِالْجُوعِ عَلَى الأَرْضِ: لم تكن المجاعة التي ضربت أكبر منطقة في أيام يوسف (تكوين ٤١: ٥٣-٥٧) صدفة. فالله هو الذي دعا المجاعة، وكَسَرَ قِوَامَ (تدبير) الْخُبْزِ (الطعام) كُلَّهُ.
٢. أَرْسَلَ أَمَامَهُمْ رَجُلاً: عرف داود أن الظلم والمحن التي أصابت يوسف كانت من قضاء الله، لكي يرسل رجلًا مسبقًا (أَمَامَهُمْ) في خطته إلى مصر لكي ينقذ الآباء (والمنطقة كلها) من المجاعة.
٣. آذَوْا بِالْقَيْدِ رِجْلَيْهِ: كانت آلام يوسف في عبوديته حقيقية، لكنها لم تلغِ خطة الله. فكان وقت محنته وقت امتحان كلمة الله له.
- فِي الْحَدِيدِ دَخَلَتْ نَفْسُهُ: “هذا هو التعبير العبري الحرفي. دَخَلَتْ نَفْسُهُ فِي الْحَدِيدِ، لكن الخطية لم تدخل ضميره. انظر عبارة مشابهة في لوقا ٢: ٣٥.” تراب (Trapp)
· “ألا يمكننا أن نقلب الجملة لتقول إن الحديد دخل نفسه؟ عندما قابلنا يوسف لأول مرة، كان صبيًّا ناعمًا مستسلمًا، وكانت لديه أحلام بالحكم، لكن من دون قوة ظاهرة. لكنه برز من سبيه مؤهّلًا لتولي دفّة مصر.” ميير (Meyer)
· “كانت قيود الحديد تُعده لارتداء سلاسل الذهب، وتُعدّه ليقف على مرتفعات. وينطبق الأمر على كل أحباب الرب المبتلين. فذات يوم، سيخرجون من سجونهم إلى عروشهم.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. أَقَامَهُ سَيِّدًا عَلَى بَيْتِهِ: لقد أُذِل يوسف، لكنه رُفِع في توقيت الله، وأُعطي سلطانًا على كل مقتنيات البيت، وسلطانًا على الحكام والشيوخ.
د ) الآيات (٢٣-٢٥): حِفظ الله لإسرائيل في مصر.
٢٣فَجَاءَ إِسْرَائِيلُ إِلَى مِصْرَ، وَيَعْقُوبُ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ حَامٍ. ٢٤جَعَلَ شَعْبَهُ مُثْمِرًا جِدًّا، وَأَعَزَّهُ عَلَى أَعْدَائِهِ. ٢٥حَوَّلَ قُلُوبَهُمْ لِيُبْغِضُوا شَعْبَهُ، لِيَحْتَالُوا عَلَى عَبِيدِهِ.
١. فَجَاءَ إِسْرَائِيلُ إِلَى مِصْرَ: عندما أرسل الله يوسف أمام شعب إسرائيل، أخذهم إلى أرض مصر من أجل تدبير احتياجاتهم وحمايتهم كشعب.
· إِلَى مِصْرَ: “حيث خاف يعقوب أن يذهب إلى أن وعده الله بحضوره وحمايته (تكوين ٤٦: ٣-٤). ويقول لنا الله نفس الشيء عمليًّا عندما ننزل إلى القبر. لا تخف أن تنزل، لأني سأنزل معك. وهذا أفضل لك من مخاوفك.” تراب (Trapp)
٢. جَعَلَ شَعْبَهُ مُثْمِرًا جِدًّا: تضاعف شعب عهد الله في مصر مع شيء من التزاوج بين المصريين، فكانوا قادرين على أن ينموا بشكل عظيم (مُثْمِرًا جِدًّا) (خروج ١: ٧). وفي نهاية المطاف صاروا أقوى من أعدائهم (وَأَعَزَّهُ عَلَى أَعْدَائِهِ).
٣. حَوَّلَ قُلُوبَهُمْ لِيُبْغِضُوا شَعْبَهُ: كان شعب إسرائيل موضع ترحيب في مصر في أيام يوسف. لكن في أجيال لاحقة، صاروا مبغضين من المصريين الذين استعبدوهم (خروج ١: ٨-١٢).
· “لا يمكن أن يكون الله بأي معنى منشئ الخطية بحيث يكون مسؤولًا أخلاقيًّا عن وجودها، لكن هذا يحدث في الغالب من خلال الشر المتأصل في الطبيعة البشرية، حيث تثير أعمال الرب تلك المشاعر السيئة لدى الأشرار.” سبيرجن (Spurgeon)
ثالثًا. رعاية الله لبني إسرائيل أثناء دخولهم إلى الأرض الموعودة
أ ) الآيات (٢٦-٣٦): التحرر من مصر.
٢٦أَرْسَلَ مُوسَى عَبْدَهُ وَهارُونَ الَّذِي اخْتَارَهُ. ٢٧أَقَامَا بَيْنَهُمْ كَلاَمَ آيَاتِهِ، وَعَجَائِبَ فِي أَرْضِ حَامٍ. ٢٨أَرْسَلَ ظُلْمَةً فَأَظْلَمَتْ، وَلَمْ يَعْصُوا كَلاَمَهُ. ٢٩حَوَّلَ مِيَاهَهُمْ إِلَى دَمٍ وَقَتَلَ أَسْمَاكَهُمْ. ٣٠أَفَاضَتْ أَرْضُهُمْ ضَفَادِعَ حَتَّى فِي مَخَادِعِ مُلُوكِهِمْ. ٣١أَمَرَ فَجَاءَ الذُّبَّانُ وَالْبَعُوضُ فِي كُلِّ تُخُومِهِمْ. ٣٢جَعَلَ أَمْطَارَهُمْ بَرَدًا وَنَارًا مُلْتَهِبَةً فِي أَرْضِهِمْ. ٣٣ضَرَبَ كُرُومَهُمْ وَتِينَهُمْ، وَكَسَّرَ كُلَّ أَشْجَارِ تُخُومِهِمْ. ٣٤أَمَرَ فَجَاءَ الْجَرَادُ وَغَوْغَاءُ بِلاَ عَدَدٍ، ٣٥فَأَكَلَ كُلَّ عُشْبٍفِي بِلاَدِهِمْ، وَأَكَلَ أَثْمَارَ أَرْضِهِمْ. ٣٦قَتَلَ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِهِمْ، أَوَائِلَ كُلِّ قُوَّتِهِمْ.
١. أَرْسَلَ مُوسَى عَبْدَهُ: عندما كانت إسرائيل تحت العبودية في مصر، أقام الله محررين هما مُوسَى (الذي يعطى لقبًا جميلًا ’عَبْدَهُ‘) وَهارُونَ. أعطى الرب هذين الرجلين القدرة على إجراء آيَاتِهِ للمصادقة على عمله.
٢. أَرْسَلَ ظُلْمَةً فَأَظْلَمَتْ: من الواضح أن داود عدَّ سجل سفر التكوين صحيحًا تاريخيًا. وسرد الضربات التي أرسلها الله على مصر، وهذا كله وفق كلمة الله المعطاة لموسى وهارون (وَلَمْ يَعْصُوا كَلاَمَهُ).
· “لكي نفهم هذه الضربات، ينبغي أن نفهم أنها كانت موجهة ضد الآلهة والإلهات المصرية، وأنها هدفت إلى إظهار تفوُّق إله إسرائيل على الآلهة المصرية.” بويس (Boice)
ü عندما أرسل الله ظلمة، بيّن أنه أعظم من “رع” (إله الشمس) و”نت” (إلهة السماء الزرقاء).
ü عندما حَوَّلَ مِيَاهَهُمْ إِلَى دَمٍ، بيّن الله أنه أعظم من “أوزيريس” (إله النيل) و”خنوم” (حارس النيل).
ü عندما أَفَاضَتْ أَرْضُهُمْ ضَفَادِعَ، بين الله أنه أعظم من “هيكت” (آلهة الخصوبة).
ü عندما أرسل الله أسرابًا من الذبّان والبق، بيّن أنه أعظم من “أوتشيت” (إله الذباب).
ü عندما أرسل الله برَدًا بدلًا من المطر، بيّن أنه أعظم من “جب” (إله الأرض) و”نبري” (إلهة الحبوب)، و”أنوبيس” (حارس الحقول).
ü عندما أرسل الله جرادًا بلا عدد، بيّن أنه أعظم من “شو” إله الجو، و”مين” (إله الحصاد).
· أدرج داود ثماني من عشر ضربات مذكورة في سفر الخروج ٧-١٢، لكن ليس بنفس الترتيب حسب رواية الخروج. ويتضمن المزمور ٧٨ قائمة جزئية بالضربات.
· “لا تقدَّم الضربات هنا من أجل تتّبع تقسّي قلب فرعون المتدرج – فهو غير مذكور هنا – بل من أجل تسبيح قوة الله الحاسمة المتنوّعة.” كيدنر (Kidner)
· ضَرَبَ كُرُومَهُمْ وَتِينَهُمْ: “ليس هذا مذكورًا في سفر الخروج، لكنه مذكور في مزمور ٧٨: ٤٧.” كلارك (Clarke)
٣. قَتَلَ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِهِ: كانت الضربة الأخيرة والأقوى ضد مصر هي قتل كل بكر في كل بيت في مصر لم يكن محميًّا بدم حمل الفصح.
ب) الآيات (٣٧-٤١): التحرر من مصر إلى البرية.
٣٧فَأَخْرَجَهُمْ بِفِضَّةٍ وَذَهَبٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي أَسْبَاطِهِمْ عَاثِرٌ. ٣٨فَرِحَتْ مِصْرُ بِخُرُوجِهِمْ، لأَنَّ رُعْبَهُمْ سَقَطَ عَلَيْهِمْ. ٣٩بَسَطَ سَحَابًا سَجْفًا، وَنَارًا لِتُضِيءَ اللَّيْلَ. ٤٠سَأَلُوا فَأَتَاهُمْ بِالسَّلْوَى، وَخُبْزَ السَّمَاءِ أَشْبَعَهُمْ. ٤١شَقَّ الصَّخْرَةَ فَانْفَجَرَتِ الْمِيَاهُ. جَرَتْ فِي الْيَابِسَةِ نَهْرًا.
١. فَأَخْرَجَهُمْ بِفِضَّةٍ وَذَهَبٍ: عندما خرج بنو إسرائيل من مصر، أعطاهم المصريون ثروات عظيمة (خروج ١٢: ٣٥-٣٦). كان المصريون مسحوقين تمامًا بفعل الضربات العظيمة حتى إنهم فرحوا بخروج بني إسرائيل (فَرِحَتْ مِصْرُ بِخُرُوجِهِمْ).
· وَلَمْ يَكُنْ فِي أَسْبَاطِهِمْ عَاثِرٌ: “أي مريض أو غير قادر على السفر. كانوا جماعة كبيرة في حين كانت الوفيات في مصر كثيرة. وبالنسبة لشعب تعرض للقمع مدة طويلة، كان هذا الخلاص رائعًا. لكنهم ارتحلوا مشيًا على الأقدام (خروج ١٢: ٣٧).” بوله (Poole)
· “انظر المقابلة بين مصر وإسرائيل. كان هنالك ميت في كل بيت في مصر، بينما لم يَكُنْ فِي أَسْبَاطِهِمْ عَاثِرٌ.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. بَسَطَ سَحَابًا سَجْفًا: أثناء ارتحالهم عبر البرية، قدّم لهم الله حماية من السحاب نهارًا، وفي الليل نارًا ليستضيئوا بها. فقاد الرمزان المذهلان لحضور الله بني إسرائيل عبر البرية.
٣. سَأَلُوا فَأَتَاهُمْ بِالسَّلْوَى: قدّم الله غذاء لإسرائيل في البرية، موفّرًا السلوى والمنّ (خُبْزَ السَّمَاءِ) وماء انفجر من الصخرة.
· قدّم داود ذكرى إيجابية بشكل واضح لإسرائيل في البرية من دون أن يذكر خطاياهم الكثيرة وتمردهم المستمر، وأمثلة عدم إيمانهم. إذ كان قصده هو أن يتذكر أعمال الله، لا أن يركز على قصور الإنسان.
· يصرّح هنا أنه “لم يورد أية إشارة مزعجة إلى الخطايا ومرّات السقوط الكثيرة التي سوّدت السنوات الأربعين. وستُعرض هذه بشكل مطوَّل من دون تملُّق أو تقليل في المزمور التالي. لكن الموضوع هنا هو عجائب الله.” ماكلارين (Maclaren)
· أبدى آدم كلارك (Adam Clarke) تعليقًا طريفًا حول الآية ٤١ ’شَقَّ الصَّخْرَةَ‘: “يمكنني أن أضيف هنا أن قطعة من هذه الصخرة – وهي قطعة كسرتها يد ابن أخي عام [١٨٢٢] – أمامي الآن. إنها من الجرانيت الناعم، وهي مميزة تمامًا على أنها جرانيت، بحيث تظهر الصخور الفلطية والميكا والكوارتز التي يتألف منها الجرانيت بشكل واضح.”
ج) الآيات (٤٢-٤٥): أدخل الله في كرَمه شعبه أرض كنعان.
٤٢لأَنَّهُ ذَكَرَ كَلِمَةَ قُدْسِهِ مَعَ إِبْراهِيمَ عَبْدِهِ، ٤٣فَأَخْرَجَ شَعْبَهُ بِابْتِهَاجٍ، وَمُخْتَارِيهِ بِتَرَنُّمٍ. ٤٤وَأَعْطَاهُمْ أَرَاضِيَ الأُمَمِ، وَتَعَبَ الشُّعُوبِ وَرِثُوهُ، ٤٥لِكَيْ يَحْفَظُوا فَرَائِضَهُ وَيُطِيعُوا شَرَائِعَهُ. هَلِّلُويَا.
١. لأَنَّهُ ذَكَرَ كَلِمَةَ قُدْسِهِ: ارتكزت أمانة الله لإسرائيل في إخراجهم من مصر عبر البرية إلى كنعان على تحقيق وعده المقدس. فالله يلزم نفسه بوعوده ويَعُدّها مقدسة.
٢. فَأَخْرَجَ شَعْبَهُ بِابْتِهَاجٍ: يمكننا القول إن هذا الابتهاج يخص كُلاًّ من بني إسرائيل ويهوه، إله عهدهم. فقد سُر الشعب والله معًا أن ينقذ بني إسرائيل من العبودية وإحضارهم إلى ميراثهم (أَرَاضِيَ الأُمَمِ).
· وَتَعَبَ الشُّعُوبِ وَرِثُوهُ: “بموجب حق الغزو، ورثوا بلا حد من الكنعانيين مدنًا، وبساتين، وأجرانًا، وكرومًا وكل أنواع المزايا المادية.” فانجيميرين (VanGemeren)
٣. لِكَيْ يَحْفَظُوا فَرَائِضَهُ وَيُطِيعُوا شَرَائِعَهُ: في ختام هذا المزمور، أعاد داود نقطة التزام أخلاقي. فقد أنقذ الله بني إسرائيل وأحضرهم إلى الأرض، محررًا إياهم من أجل القصد النهائي… لينكبّوا شخصيًّا على مراعاة فرائضه وحفظ شرائعه.
· “انصب التركيز على مدى المزمور على صلاح الله، ووعوده، وحمايته، ورعايته، وحضوره. وهو أمين لكلمته. وكفكرة لاحقة، يذكّر صاحب المزمور شعب الله بمسؤوليته. ولهذا فإن حفظ وصاياه وأحكامه تعبير عن امتنان فرِح على المزايا التي وفّرها الرب لشعبه.” فانجيميرين (VanGemeren)
· “تبيّن الآية الأخيرة سبب كثرة النعمة، لا لكي تكثر الخطية أيضًا (حسب تعبير العهد الجديد للآية ٤٥): ’لِكَيْ يَتِمَّ حُكْمُ ٱلنَّامُوسِ فِينَا، نَحْنُ ٱلسَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ ٱلرُّوحِ” (رومية ٨: ٤).” كيدنر (Kidner)