تفسير سفر المزامير – مزمور ١١٧
دعوة الشعوب إلى تسبيح الرب
“هذه أقصر ترنيمة في المجموعة كلها، لكن لا توجد ترنيمة أعظم أو أفخم منها في تعبيرها عن التسبيح.” ج. كامبل مورجان (G. Campbell Morgan)
“أفْرَدَ مارتن لوثر ٣٦ صفحة لتفسير هذا المزمور في أربع فئات رئيسية: ١. النبوّة: (ستشارك الأمم في بركات الإنجيل)، ٢. الإعلان: (ليس ملكوت المسيح أرضيًّا وزمنيًّا، بل سماوي وأبدي)، ٣. التعليم: (نحن مخلَّصون بالإيمان لا بالإعمال، أو بالحكمة، أو بالقداسة)، ٤. النُّصح: (ينبغي أن نسبح الله العظيم على هذا الخلاص العظيم).” بويس (Boice)
أولًا. الدعوة إلى التسبيح
أ ) الآية (١): الأمم مدعوة إلى تسبيح الرب.
١سَبِّحُوا ٱلرَّبَّ يَا كُلَّ ٱلْأُمَمِ. حَمِّدُوهُ يَا كُلَّ ٱلشُّعُوبِ.
١. سَبِّحُوا ٱلرَّبَّ: دعت مزامير سابقة إسرائيل إلى حمد الرب (يهوه) وتسبيحه، لكننا نجد هنا دعوة لكل الأمم إلى تسبيحه. ويبيّن هذا اتساع القلب الذي قصد لإسرائيل أن تمتلكه منذ البداية، مشيرًا إلى حقيقة أن في إبراهيم تتبارك كل شعوب الأرض (تكوين ١٢: ٣).
· “بشكل عام، لم تنظر إسرائيل إلى جيرانهم الأمميين بتعاطف كبير، ولم تكن لديها رغبة في أن تحمد الأمم الرب وتسبّحه، باستثناء الذين تَهَوَّدوا. لكن حينما تكون محبة الله قوية في القلب، فإنها تتخطّى العادات وحدود التحيّز العِرقي، وتتوق إلى أن يعرف العالم كله المخلّص ويحبّوه.” ميير (Meyer)
· “كان المزمور إيحاء لإسرائيل بأن نعمة إلهها ورحمته لم تُقصد لتكون مقصورة على أمّة واحدة، بل قُصدت لتمتد، في أيام أفضل، إلى الجنس البشري كله.” سبيرجن (Spurgeon)
· بما أن هذا واحد من مزامير “هَلّل المصرية” (١١٣-١١٨) التي ترنَّم كجزء من خدمة عيد الفصح، يرجّح أن يسوع رنّم هذا المزمور مع تلاميذه (متى ٢٦: ٣٠؛ مرقس ١٤: ٢٦). ولهذا نعرف أن يسوع عشية الصلب كان يفكّر في كل الشعوب، أي الأمم. ومن خلال عمله على الصليب وانتصاره على الموت والقبر الفارغ، سيدعو الله شعبًا لنفسه من كل قبيلة ولسان.
· “كانت المحدوديات التاريخية لإعلان الله لشعب معيّن وسيلة لانتشاره الشمولي. فقد جُمعت النار في موقد لكي تدفِّئ البيت كله. فلكل البشر نصيب في ما يفعله الرب في إسرائيل.” ماكلارين (Maclaren)
٢. حَمِّدُوهُ يَا كُلَّ ٱلشُّعُوبِ: أن تُحَمِّد شخصًا يعني أن تذكر أشياء عنه جديرة بالمديح. وقد ناشد صاحب المزمور كل الشعوب أن يُحَمِّدوا الرب بشكل ذكي، مقدِّمًا أسبابًا تجعله جديرًا بالعبادة.
· “يثبّت التكرار يقينية المسألة. ولهذا يتوجب على الشعوب (الأمم) أن تعظّم الرب يهوه، وستفعل هذا.” سبيرجن (Spurgeon)
· يرى بعضهم أن ’كُلَّ ٱلشُّعُوبِ‘ هنا تشير إلى الشعب اليهودي، لكن اقتباس بولس لمزمور ١١٧: ١ في رومية ٥: ١١ يقودنا إلى الاعتقاد إلى أن هذه دعوة إلى كل الأمم.
· توحي الكلمة المترجمة إلى ’ٱلشُّعُوبِ‘ بأنها قبائل الأرض. ويأتي تنوُّع رعايا الله في تعبيري “كُلَّ ٱلْأُمَمِ”، و”كُلَّ ٱلشُّعُوبِ”، أي كل القبائل.” كيدنر (Kidner)
· “وهكذا نرى شمولية مسيحية، لا بمعنى أن جميع البشر سيخْلصون بغضّ النظر عن الإله الذي سيؤمن به، بل بمعنى أن كل البشر يمكن أن يخلصوا من خلال يسوع المسيح.” بويس (Boice)
· تجعل الدعوة إلى ’كُلَّ ٱلشُّعُوبِ‘ هذا المزمورًا مزمورًا إرساليًا قويًّا. “فهل نفعل كل ما بوسعنا لنضرم تسبيح الأمم للرب؟ لا يستطيعون أن يمدحوا من لا يعرفونه. وإنه لنفاق محض أن نطلب منهم أن يمدحوه إذا لم نسعَ قط إلى نشر رحمته وأمانته (حقّه) المعلنين في ربنا يسوع بشفاهنا وهباتنا.” ميير (Meyer)
ثانيًا. أسباب للتسبيح
أ ) الآية (٢): تسبيح الله على رحمته وحقه (أمانته).
٢لِأَنَّ رَحْمَتَهُ قَدْ قَوِيَتْ عَلَيْنَا، وَأَمَانَةُ ٱلرَّبِّ إِلَى ٱلدَّهْرِ. هَلِّلُويَا.
١. لِأَنَّ رَحْمَتَهُ قَدْ قَوِيَتْ عَلَيْنَا: لدى تفكير صاحب المزمور في أسباب لحمد الله وتسبيحه، ذكر أولًا رحمته القوية (حِسِد – اللطف أو الكرم المتسم بالمحبة والرحمة). بل إن النص العبري يقول ’حِسِد حِسِد،‘ حيث تحمل الكلمة المكررة فكرة محبة الله العهدية. ويأتي هذا التكرار هنا للتوكيد.
· قَوِيَتْ عَلَيْنَا: لا تحمل الكلمة العبرية فكرة شيء ضخم للغاية، بل فكرة شيء قوي ومنتصر. “لا تعني كلمة ’قَوِيَتْ‘ العبرية فكرة العظمة من حيث الضخامة أو العدد، لكنها قوية ومنتصرة. فهي تنتصر على إبليس والموت والجحيم.” كلارك (Clarke)
· “… ’لِأَنَّ رَحْمَتَهُ قَدْ قَوِيَتْ عَلَيْنَا‘ – تحمل عبارة ’قَوِيَتْ عَلَيْنَا‘ إحساسًا بالانتصار. وهكذا، ’حَيْثُ كَثُرَتِ ٱلْخَطِيَّةُ ٱزْدَادَتِ ٱلنِّعْمَةُ جِدًّا.‘” ماكلارين (Maclaren)
٢. قَوِيَتْ عَلَيْنَا: هذا سبب آخر للتسبيح. فليست رحمة الله (كرمُه أو لطفه المتسم بالرحمة) عظيمة فحسب، لكنها موجّهة لنا أيضًا. وعندما يقول صاحب المزمور ’عَلَيْنَا‘ فإنه يضع في اعتباره إسرائيل وكل الشعوب المذكورة في الآية السابقة.
· “عَلَيْنَا: أي كل أبناء إبراهيم، سواء أكانوا جسديين أم روحيين، الذين سيُدمجون معًا ليصبحوا جسدًا واحدًا، ورعية واحدة تحت المسيّا (يوحنا ١٠: ١٦؛ أفسس ٢: ١٤، وهو السر الذي يبدو أن صاحب المزمور يلمّح إليه بهذه الطريقة من التعبير.” بوله (Poole)
· “ربما يكون أيضًا أن الضمير المتصل في ’علينا‘ في الآية ٢ قد وجد مكانًا بين المخاطبين في الآية الأولى في ’سبِّحوا (أنتم)‘ من رؤيته لبني إسرائيل والأمميين شعبًا واحدًا تحت سلطان الله.” كيدنر (Kidner)
٣. وَأَمَانَةُ (حق) ٱلرَّبِّ إِلَى ٱلدَّهْرِ: لا يسبَّح الرب على محبته المخْلصة فحسب، بل أيضًا على أمانته وحقّه. ويعني أن حقه هو إلى الدهر أنه لن يتغير في محبته وصلاحه لنا.
· عندما تُمتدح الرحمة والحق معًا هكذا، فإن هذا يذكّرنا بأن الشريعة أُعطيت من خلال موسى، لكن النعمة والحق صارت بيسوع المسيح (يوحنا ١: ١٧).
· لو كان الله يمثّل الحق وحده، لما كان لدينا أي رجاء. ومن ناحية أخرى، لو أن النعمة عملت بمعزل عن الحق، لما كان لدينا أي رجاء أيضًا.” مورجان (Morgan)
· “ومرة أخرى، يمكننا أن نتخيل كيف أن الرب رنّم هذه الترنيمة بفرح كامل بينما كان ينتقل إلى أقصى بُعد في أحزانه. إذ رنّم باستيعاب كامل وافٍ للوحدة بين الرحمة والحق في الله.” مورجان (Morgan)
· إِلَى ٱلدَّهْرِ: “ليست محبة الله عظيمة في عمقها وارتفاعها فحسب (انظر رومية ٥: ٢٠؛ ١ تيموثاوس ١: ١٤)، بل هي دائمة (إِلَى ٱلدَّهْرِ) أيضًا.” فانجيميرين (VanGemeren)
٤. هَلِّلُويَا: ومرة أخرى، يناشد صاحب المزمور كل الشعوب أن يقولوا: هَلِّلُويَا.
· “بالاتحاد بين النعمة والحق في يسوع ومن خلاله، انطلقت دعوة كل الشعوب والأمم إلى التسبيح.” مورجان (Morgan)
· “اجعلوا هتافات المفديين ’هللويا‘ ملائمة لتلك ’الرحمة.‘ فهذه الرحمة نظيرة للحق في أبديتها.” هورن (Horne)
· “في عبادتنا لله، ليس ضروريًّا دائمًا أن تكون طويلة. فقد تكفي عدة كلمات تقولها، كما يوضح لنا هذا المزمور.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن ديكسون (Dickson)