تفسير سفر المزامير – مزمور ١٣٥
تسبيح للخالق الفادي
المزمور ١٣٥ مشهور باستخدامه لنصوص أخرى في العهد القديم. إذ تقتبس كل آية تقريبًا كلمات أو أفكارًا من نص آخر من النص المقدس العبري، شاملًا أربعة مزامير، ونصين من سفر التثنية، وأخريين من سفر إرميا، وأخريين من سفر الخروج. كتب كيدنر (Kidner) عن المزمور ١٣٥: “كل آية في هذا المزمور إما أنها تردد صدى جزء آخر من كلمة الله أو تقتبسه.”
“يُذهل القارئ بالتلميحات الكثيرة والاقتباسات أيضًا من النصوص الأخرى من كلمة الله. والنتيجة النهائية للبراعة الفنية لصاحب المزمور هي أن هذا العمل الأدبي الملهَم يقف وحدها، رغم أنه يعتمد على نصوص أخرى من كلمة الله في تعابيره الشعرية والاصطلاحية والطقسية.” فانجيميرين (VanGemeren)
أولًا. الله الصالح، خالق وفادي
أ ) الآيات (١-٢): دعوة إلى تسبيح الرب.
١هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا ٱسْمَ ٱلرَّبِّ. سَبِّحُوا يَا عَبِيدَ ٱلرَّبِّ، ٢ٱلْوَاقِفِينَ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ، فِي دِيَارِ بَيْتِ إِلَهِنَا.
١. هَلِّلُوْيَا. سَبِّحُوا ٱسْمَ ٱلرَّبِّ: يبدأ المزمور ١٣٥ وينتهي بهذا التسبيح. وهذه دعوة إلى تسبيح مؤثّر حماسي قوي، لكنه لا يعتمد على وقود العاطفة وحدها. إذ يعطي هذا المزمور أسبابًا منطقية معقولة كثيرة تدفعنا إلى تسبيح الرب.
· وصف ميير (Meyer) سمات التسبيح: “نعبّر في هذا التسبيح عن افتتاننا بالله على كل ما في جوهره وذاته، وننسى مصالحنا وهمومنا التافهة، وأمورنا الشخصية، ونقف مع الملائكة وكل جنود السماء في الهتاف: أنت مستحق. قدوس، قدوس، قدوس، يا رب! الأرض والسماء مملوءتان بمجدك العظيم. لك المجد، أنت الإله العلي!”
· “العبادة هي أن نحيي الضمير بقداسة الله، وأن نغذي الفكر بالحق الإلهي، وأن نطهّر الخيال بجمال الله، وأن نفتح القلب على محبة الله، وأن نكرس الإرادة لقصد الله.” بويس (Boice) نقلًا عن رئيس أساقفة كانتيربري، ويليام تمبل (William Temple)
٢. سَبِّحُوا ٱسْمَ ٱلرَّبِّ: يعني تسبيح اسم الرب أن نكرمه في كل معدنه الأدبي وصفاته. إذ كان يُفهم أن الاسم يمثّل عن طبيعة الشخص.
٣. سَبِّحُوا يَا عَبِيدَ ٱلرَّبِّ: كما في المزمور السابق (١٣٤: ١)، يشير هذا إلى الكهنة واللاويين الذين يقفون في بيت الرب للقيام بواجبات الكهنوت في الهيكل.
٤. فِي دِيَارِ (ساحات) بَيْتِ إِلَهِنَا: ربما يتحدث هذا عن شعب الله بشكل عام، أولئك الذين يعبدون الرب، لكن ليس لديهم إمكان للوصول إلى بيت الرب. فقد كان للكهنة واللاويين وحدهم امتياز الوصول إلى المَقْدِس. ويستطيع الشخص العادي أن يقف في ساحات بيت إلهنا. فكانت هذه دعوه إلى شعب الرب إلى تسبيحه.
· “في الساحات، حيث كان للشعب مكان (٢ أخبار ٤: ٩). وكان مطلوبًا منهم أن يشتركوا في هذه الهللويا السماوية.” تراب (Trapp)
· “في حين أن المزمور السابق حيّى بشكل رئيسي اللاويين والحراس المناوبين في الليل، يخاطب هذا المزمور حشدًا أعظم متنوّعًا بين الكهنة والعلمانيين.” كيدنر (Kidner)
· “تدل كلمة ’إلهنا‘ على الامتلاك، الشركة في الامتلاك، وتوكيد الامتلاك، والابتهاج في الامتلاك. يا للفرحة التي لا توصف في قولنا إن الله هو إلهنا!” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٣-٤): أسباب لتسبيح الرب.
٣سَبِّحُوا ٱلرَّبَّ لِأَنَّ ٱلرَّبَّ صَالِحٌ. رَنِّمُوا لِٱسْمِهِ لِأَنَّ ذَاكَ حُلْوٌ. ٤لِأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدِ ٱخْتَارَ يَعْقُوبَ لِذَاتِهِ، وَإِسْرَائِيلَ لِخَاصَّتِهِ.
١. لِأَنَّ ٱلرَّبَّ صَالِحٌ: في قائمة الأسباب التي أدرجها الكاتب لتسبيح الرب، بدأ صاحب المزمور بالإعلان البسيط عن صلاح الله. وتقدَّم هذه الفكرة مرات كثيرة في الكتاب المقدس، (كما في مزمور ٧٣: ١ و ١٤٣: ١٠، و مرقس ١٠: ١٨).
· “لا تعظّم الله لأنه الله فحسب، بل ادرس معدنه الأدبي وأفعاله، ثم قدِّم تسبيحًا عاقلًا يدل على تقديرك له.” سبيرجن (Spurgeon)
· “من المستحيل إبقاء أسباب التسبيح بمعزل عن الدعوات لرفع التسبيح.” ماكلارين (Maclaren)
· لدينا كبشر أفكار للخير (الصلاح) والشر، لأننا مخلوقون على صورة الله. وعلى كل شخص أن يشكك في صلاح الله أن يجيب على السؤال التالي: من أين تحصل على تصور الصلاح (الخير)؟
· “ما الذي يمكن أن يكون أكثر بساطة من هذا… أن الله صالح؟ لا شيء على الإطلاق، لأن هذه هي طبيعته الجوهرية.” بويس (Boice)
٢. رَنِّمُوا (غنّوا تسابيح) لِٱسْمِهِ: من طرق تسبيح الرب الغناء. إذ ينبغي أن يكون شعب الله شعبًا مغنّيًا.
٣. لِأَنَّ ذَاكَ حُلْوٌ: هذا هو السبب الثاني لتسبيح الرب. فهو مفيد لمن يسبّحه. لكن لا ينبغي أن يكون هذا هو السبب الرئيسي، لأنه سيكون التركيز في مثل هذه الحالة هو على إشباع الذات. ومع هذا، فإن العبادة تفيدنا، ولا يوجد خطأ أو عيب في الاستمتاع بما هو حُلْوٌ.
· التسبيح الحقيقي حُلْوٌ. “إنه ممارسة ملاكية. وهو للإنسان ذي الفكر الروحي لذيذ جدًّا. وأما للآخرين الذين ليست لديهم أية فكرة عن الله إلا كعدو، فإنه موسيقى جنازة، أو بوق قبل مجيء قاض ديّان. فلا تعزية للزوجة الندّابة، أو السجين المذنب.” تراب (Trapp)
٤. لِأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدِ ٱخْتَارَ يَعْقُوبَ لِذَاتِهِ، وَإِسْرَائِيلَ لِخَاصَّتِهِ: يذكر صاحب المزمور هنا سببًا آخر لتسبيح الرب، وهو اختيار الله لإسرائيل لخاصته (ككنز له). لم يختر إسرائي لأنها عظيمة، بل لأنه عظيم في محبته.
· أخبر الله إسرائيل هذا في تثنية ٧: ٧-٨ “لَيْسَ مِنْ كَوْنِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ ٱلشُّعُوبِ، ٱلْتَصَقَ ٱلرَّبُّ بِكُمْ وَٱخْتَارَكُمْ، لِأَنَّكُمْ أَقَلُّ مِنْ سَائِرِ ٱلشُّعُوبِ. بَلْ مِنْ مَحَبَّةِ ٱلرَّبِّ إِيَّاكُمْ، وَحِفْظِهِ ٱلْقَسَمَ ٱلَّذِي أَقْسَمَ لِآبَائِكُمْ، أَخْرَجَكُمُ ٱلرَّبُّ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَفَدَاكُمْ مِنْ بَيْتِ ٱلْعُبُودِيَّةِ مِنْ يَدِ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ.”
· “من شأن اختيار الله أن يرفع شأن المختار. فقد تغيّر الاسم من يعقوب إلى، المتغقّب، إلى إسرائيل، الأمير أو الرئيس. إذ تعطينا محبة الله اسمًا جديدًا وتمنحنا قيمة جديدة، لأن التشبيه بكنز ملكي مشرِّف جدًّا.” سبيرجن (Spurgeon)
· دُعيتْ إسرائيل إلى تسبيح الرب لأنه اختارها. وهذا سبب آخر للمؤمن في العهد الجديد. “ألا نسبّح نحن المؤمنين بالمسيح نفس الرب الكريم الذي اختارنا من العالم، والذي أعطانا إنجيله، والذي يسكننا بروحه، والذي يجعلنا بهذا الروح أعظم من منتصرين على أعدائنا الروحيين؟” هورن (Horne)
· ٱخْتَارَ يَعْقُوبَ لِذَاتِهِ: “لا يقول ’للسماء‘ أو ’لامتيازات معيّنة‘ أو ’لنِعَمٍ معيّن.‘ وهذا كله صحيح، لكن هذا غير مذكور هنا. فالرب ’ٱخْتَارَ يَعْقُوبَ لِذَاتِهِ.‘ فيا لهذا الاختيار المبارَك – أن نكون مختارين من الله!” سبيرجن (Spurgeon)
٥. لِذَاتِهِ… لِخَاصَّتِهِ: يحقق هذا إعلان الله في تثنية ٧: ٦ “لِأَنَّكَ أَنْتَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ. إِيَّاكَ قَدِ ٱخْتَارَ ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ لِتَكُونَ لَهُ شَعْبًا أَخَصَّ مِنْ جَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ ٱلَّذِينَ عَلَى وَجْهِ ٱلْأَرْضِ.”
· لِذَاتِهِ… لِخَاصَّتِهِ: “تدل الكلمة العبرية Segullah على جواهر الله الخاصة، أحجاره الثمينة السرية التي يحتفظ بها لنفسه، ولخدمته الخاصة، واستعماله الخاص. يضع الأمراء بأيديهم في صناديق مقفولة أغلى جواهرهم. وكذلك يفعل الله.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن بروكس (Brooks)
ج) الآيات (٥-٧): تسبيح لله خالق كل الأشياء.
٥لِأَنِّي أَنَا قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ ٱلرَّبَّ عَظِيمٌ، وَرَبَّنَا فَوْقَ جَمِيعِ ٱلْآلِهَةِ.٦ كُلَّ مَا شَاءَ ٱلرَّبُّ صَنَعَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَفِي ٱلْأَرْضِ، فِي ٱلْبِحَارِ وَفِي كُلِّ ٱللُّجَجِ. ٧ٱلْمُصْعِدُ ٱلسَّحَابَ مِنْ أَقَاصِي ٱلْأَرْضِ. ٱلصَّانِعُ بُرُوقًا لِلْمَطَرِ. ٱلْمُخْرِجُ ٱلرِّيحِ مِنْ خَزَائِنِهِ.
١. لِأَنِّي أَنَا قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ ٱلرَّبَّ عَظِيمٌ، وَرَبَّنَا فَوْقَ جَمِيعِ ٱلْآلِهَةِ: استخدم صاحب المزمور في إعلانه لعظمة الله لقبين (في النص العبري الأصلي) أو اسمين له (يهوه وأدوناي). فيهوه هو الرب العظيم، إله عهد إسرائيل. وأدوناي هو سيد كل شيء، وهو فوق كل الآلهة، وهو مرتفع فوق كل الآلهة الوثنية المزعومة.
· قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ ٱلرَّبَّ عَظِيمٌ: “يزرع صاحب المزمور قدمًا راسخة هنا. إذ يقول: قَدْ عَرَفْتُ! ويحب المرء أن يسمع من رجال الله وهم يتكلمون بهذه الثقة الأكيدة التي لا يشوبها شك، سواء أكان ذلك حول عظمة الرب أم صلاحه.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن بوشييه (Bouchier)
· جَمِيعِ ٱلْآلِهَةِ: “… أو عُبِدتْ بصفتها آلهة من قِبَل الوثنيين. ولهذا عندما يمتدحون أوثانهم، فليس ملائمًا لك أن تصمت عن تسبيح إلهك.” بوله (Poole)
٢. كُلَّ مَا شَاءَ ٱلرَّبُّ صَنَعَ: يمجّد صاحب المزمور الرب بصفته صاحب القوة المطلقة، حيث يتمتع بالقدرة على فعل ما يشاء. وتمتد قوته إلى كل مكان – فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ، فِي الْبِحَارِ ومِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ.
· فِي ٱلْبِحَارِ وَفِي كُلِّ ٱللُّجَجِ: “في البحار المنظورة، وفي الأعماق غير المنظورة، في كل من الأرض وفي المياه التي تحتويها أحشاء الأرض.” بوله (Poole)
٣. ٱلصَّانِعُ بُرُوقًا لِلْمَطَرِ: نجد هنا تمجيدًا للرب فوق المعبود الكنعاني، البعل الذي كان يُعتقد أنه إله الطقس. وغالبًا ما كان يصوَّر ممسكًا بصاعقة من البرق، حيث كان يُظن أنه يرسل المطر. ويشجب صاحب المزمور هذه الفكرة، ويترنم بالرب بصفته رب البرق والرعد والريح.
· “قسّم الوثنيّون المجال العظيم. لكن جوبتر لا يمكل في السماء، ولا نبتون على البحار، ولا بلوتو على المنخفضات. فالرب يملك على الكل.” سبيرجن (Spurgeon)
· “يعلّمنا صاحب المزمور أن نرد المدفعية السماوية إلى مالكها الشرعي، يهوه، إله إسرائيل، وخالق الكون.” هورن (Horne)
د ) الآيات (٨-١٢): تسبيح الرب الذي يفدي شعبه.
٨ٱلَّذِي ضَرَبَ أَبْكَارَ مِصْرَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِلَى ٱلْبَهَائِمِ. ٩أَرْسَلَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ فِي وَسَطِكِ يَا مِصْرُ، عَلَى فِرْعَوْنَ وَعَلَى كُلِّ عَبِيدِهِ. ١٠ٱلَّذِي ضَرَبَ أُمَمًا كَثِيرَةً، وَقَتَلَ مُلُوكًا أَعِزَّاءَ: ١١سِيحُونَ مَلِكَ ٱلْأَمُورِيِّينَ، وَعُوجَ مَلِكَ بَاشَانَ، وَكُلَّ مَمَالِكِ كَنْعَانَ. ١٢وَأَعْطَى أَرْضَهُمْ مِيرَاثًا، مِيرَاثًا لِإِسْرَائِيلَ شَعْبِهِ.
١. ٱلَّذِي ضَرَبَ أَبْكَارَ مِصْرَ: مجَّدَ يهوه نفسه فوق آلهة المصريين المزعومة. ويشير هذا إلى الضربات الكثيرة التي ألحقها الله بمصر (أَرْسَلَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ فِي وَسَطِكِ)، كان أعظمها ضَرَبَ أَبْكَارَ مِصْرَ.
· “كانت مصر مسرحًا للمسابقة الكبرى بين إله إسرائيل وآلهة الوثنيين.” هورن (Horne)
· عَلَى فِرْعَوْنَ وَعَلَى كُلِّ عَبِيدِهِ: “عبيد (خدام) الرب أفضل بكثير من عبيد فرعون. فأولئك الذين يقفون في ساحات الرب يُنقّذون، لكن رجال فرعون يُضربون جميعًا لأنهم جميعًا شركاء في أعماله الشريرة.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. ٱلَّذِي ضَرَبَ أُمَمًا كَثِيرَةً: حالما تحررت إسرائيل من مصر، أظهر الرب مرة أخرى عظمته على كل الآلهة المزعومة بهزيمته للشعوب الأخرى والملوك الأقوياء الذين هاجموا شعبه.
· “لا يمل صاحب المزمور من استمداد الثقة والشجاعة للحاضر من الأعمال المجيدة في الخروج وغزو كنعان.” ماكلارين (Maclaren)
· الانتصارات على سيحون وعوج مدوّنة في عدد ٢١: ٢١ فصاعدًا، و ٢١: ٣٣ فصاعدًا، و تثنية ٣: ١١.” كيدنر (Kidner)
· “كان هذان الملكان أول المقاومين، وهما يُذكران بين أبرز الأعداء. ولهذا فإنّ ضرْبهما موضوع خاص للترنم لبني إسرائيل المخْلِصين.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. وَأَعْطَى أَرْضَهُمْ مِيرَاثًا، مِيرَاثًا لِإِسْرَائِيلَ شَعْبِهِ: أظهر الله عظمته على كل آلهة الكنعانيين بهزيمة ممالك كنعان وإعطاء أرضها لإسرائيل ميراثًا لها – وهو أمر انتقل من جيل إلى آخر.
· “كانت كنعان ميراثهم لأنهم كانوا ميراث الرب. وقد أعطاهم الرب إياها بالفعل لأنه سبق أن أعطاها لهم بالوعد.” سبيرجن (Spurgeon)
ثانيًا. تمجيد الله في عظمته
أ ) الآيات (١٣-١٤): عظمة اسم الله.
١٣يَا رَبُّ، ٱسْمُكَ إِلَى ٱلدَّهْرِ. يَا رَبُّ، ذِكْرُكَ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. ١٤لِأَنَّ ٱلرَّبَّ يَدِينُ شَعْبَهُ، وَعَلَى عَبِيدِهِ يُشْفِقُ.
١. يَا رَبُّ، ٱسْمُكَ إِلَى ٱلدَّهْرِ: في ضوء عظمة الرب التي لا تضاهى (والتي أُعلن عنها في الآيات السابقة)، سبّح صاحب المزمور اسم الرب العظيم وصيته الذي لا ينتهي.
· “لا يتغير الله أبدًا، لأنه غير قابل للتغيير، حسب التعبير اللاهوتي. وليس الله صالحًا فحسب، بل سيبقى صالحًا دائمًا أيضًا. وهو نفسه في صفاته الأبدية. ولن نجده أقل صلاحًا معنا مما كان في الماضي.” بويس (Boice)
· ٱسْمُكَ (صيتُك): كان على الاسم أن يزداد أهمية مع زيادة أنشطة الله في تاريخ الفداء وإعلان المزيد عن نفسه في تاريخ الإعلان.” فانجيميرين (VanGemeren)
٢. لِأَنَّ ٱلرَّبَّ يَدِينُ شَعْبَهُ: لا بد أن يجلب الله الصالح العظيم عدالة وبرًّا ورأفة لشعبه. وصلاحه وعظمته هما لهم، لا ضدّهم.
· “سينصفهم من أعدائهم.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (١٥-١٨): عظمة الله بالمقابلة مع حماقة الأوثان.
١٥أَصْنَامُ ٱلْأُمَمِ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ، عَمَلُ أَيْدِي ٱلنَّاسِ. ١٦لَهَا أَفْوَاهٌ وَلَا تَتَكَلَّمُ. لَهَا أَعْيُنٌ وَلَا تُبْصِرُ. ١٧لَهَا آذَانٌ وَلَا تَسْمَعُ. كَذَلِكَ لَيْسَ فِي أَفْوَاهِهَا نَفَسٌ! ١٨مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا، وَكُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا.
١. أَصْنَامُ ٱلْأُمَمِ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ: هذا تناقض صارخ مع الله كليّ القدرة الذي يملك في السماء. ويجغل صلاح الرب وعظمته الأوثان التافهة، التي هي عَمَلُ أَيْدِي ٱلنَّاسِ، أكثر فراغًا وحماقة.
· “يعود صاحب المزمور إلى فكرة بطلان الوثنية باقتباس مطوَّل من مزمور ١١٥: ٤-٨.” فانجيميرين (VanGemeren)
٢. أَفْوَاهٌ وَلَا تَتَكَلَّمُ: كما في عدة نصوص أخرى من الكتاب المقدس العبري، تسخر كلمة الله من من الذين يصنعون الأوثان أو يعبدونها. فالشخص الذي يصنع التمثال يمتلك فمًا وعينين وأذنين متفوقة على الوثن نفسه.
· لَهَا أَعْيُنٌ وَلَا تُبْصِرُ: “غالبًا ما كانت عيون الأوثان مكلفة جدًّا. فقد استُخدم الماس لصنع العيون. لكن ما الفائدة من هذا، حيث إنها لا ترى شيئًا؟” سبيرجن (Spurgeon)
· “فإن كانت حتى لا تقدر أن ترانا، فكيف يمكن أن تعرف رغباتنا، وتقدّر ذبائحنا له، أو تفتش عن وسائل لمساعدتنا؟ يا له من إنسان تعس ذاك الذي ينحني أمام تمثال أعمى.” سبيرجن (Spurgeon)
· “أثناء تجوال القس المُرسل جون توماس (John Thomas) في الهند، رأى عددًا كبيرًا من الناس ينتظرون قرب معبد للأوثان. فذهب إليهم، وعندما فُتحت الأبواب، دخل المعبد. وعندما رأى وثنًا يُرفع فوق الشعب، سار إليه بجسارة، وطلب الصمت. ثم وضع أصابعه في عيني الوثن، وقال: ’له عينان، لكن لا يقدر أن يرى! له يدان، لكن لا يقدر أن يمسك. له فم، ولكن لا يقدر أن يتكلم! ولا يوجد أي نفَس فيه!‘ وبدلًا من أن يؤذيه المواطنون الأصليون لأنه أهانهم وأهان إلههم، أخذتهم المفاجأة. واقتنع بَرْهَمِي عجوز بحماقته الخاصة بناء على ما قاله القس توماس، وصرخ قائلًا: ’له قدمان، لكنه لا يستطيع أن يهرب!‘ فصرخ الناس، وبسبب شعورهم بالخجل من غباوتهم، تركوا المعبد وذهبوا إلى بيوتهم.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن كتاب ’كنز داود.‘
٣. مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا: رغم أن الإنسان أعظم من الوثت الذي يصنعه، إلا أن خلق أوثان وإكرامها أمر يحط من الإنسان. فالوثنية لا ترفع الإنسان، بل تجعله أدنى.
· “إنها حقيقة أبدية أن الإنسان يصبح مثل إلهه. فهو يقترب إلى شبه ذاك الذي يقدّم له الولاء من حيث الطبيعة الأخلاقية والسلوك.” مورجان (Morgan)
· “إن كنا نعبد أشياء ينتجها الناس، فسنصبح عاجزين وفارغين مثل هذه الأشياء. لكن إذا عبدنا الله، فسنصبح بنعمته مثله.” بويس (Boice)
· “عابدو الأوثان، شأنهم شأن الأشياء التي يخدمونها (يعبدونها)، أموات روحيًّا. فهم مجرد صور لبشر ذهبَ أفضل ما فيهم. وهم ليسوا كما يبدون. فأفواهم لا تصلّي حقًّا، وعيونهم لا ترى الحق، ولا تسمع آذانهم صوت الرب، وليست حياة الله فيهم.” سبيرجن (Spurgeon)
· “إذا وضعْنا أي شيء صنعناه، سواء أكان ثروة أم صيتًا، أم سُلطة، مكان الله، فإن هذه بداية عملية انحطاط وتدهور، ونهايتها مدمّرة لكل الاحتمالات العالية في الحياة.” مورجان (Morgan)
ج) الآيات (١٩-٢١): دعوة شعب الله إلى مباركة الرب وتسبيحه.
١٩يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، بَارِكُوا ٱلرَّبَّ. يَا بَيْتَ هَارُونَ، بَارِكُوا ٱلرَّبَّ. ٢٠يَا بَيْتَ لَاوِي، بَارِكُوا ٱلرَّبَّ. يَا خَائِفِي ٱلرَّبِّ، بَارِكُوا ٱلرَّبَّ. ٢١مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ مِنْ صِهْيَوْنَ، ٱلسَّاكِنُ فِي أُورُشَلِيمَ. هَلِّلُويَا.
١. يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، بَارِكُوا ٱلرَّبَّ: في سلسلة من ثلاث عبارات، يختم صاحب المزمور بدعوة إلى نسل إسرائيل وهارون ولاوي إلى إكرام الرب وإعطائه الاعتراف الذي يستحقه.
٢. يَا خَائِفِي ٱلرَّبِّ، بَارِكُوا ٱلرَّبَّ: ربما تكون هذه دعوة إلى الأمميين أيضًا إلى الانضمام إلى إسرائيل والكهنة واللاويين في تسبيح يهوه وإكرامه.
· “ربما يُقصد بهذه الآية إلى جنب خائفي الله غير المشمولين في إسرائيل وهارون ولاوي. كانوا أمميين متهوّدين. وتفتح هذه الآية الباب لهم ليدخلوا.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ مِنْ صِهْيَوْنَ: كانت لدى أورشليم وما زالت مكانة خاصة لدى الرب، لكن تسبيحه وصلاحه وعظمته تمتد خارج صهيون. فهو ليس إلهًا محليًّا. إذ لا تقتصر قوته وعظمته على صهيون.
· ٱلسَّاكِنُ فِي أُورُشَلِيمَ: “يمكن إضافة هذا السطر إما للتفريق بين الإله الحقيقي والآلهة التي كانت (وما زالت) تُعبد في أماكن أخرى، أو كسبب لمباركة الرب لأنه بارك وأكرم هذا المكان بحضوره الكريم المجيد.” بوله (Poole)