تفسير سفر المزامير – مزمور ١١٨
رأس الزاوية
لا يسمّي عنوان المزمور كاتبًا له. لكنّ هنالك سببًا للاعتقاد بأن الملك داود، مرنم إسرائيل الحلو، هو كاتبه. وتوحي الآية في سفر عزرا ٣: ١٠-١١ بأنّ هذا المزمور رُنّم في تأسيس الهيكل الثاني، وعندما رُنِّم، نُسِب إلى داود (عزرا ٣: ١٠ ’عَلَى تَرْتِيبِ دَاوُدَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ‘).
“يرجّح كثيرًا أن داود هو صاحب هذا المزمور. فهو يشترك في روح داود، وهو يبيّن يد أستاذ متمكن في كل موضع فيه. والأسلوب فخم ونبيل. والموضوع جليل.” آدم كلارك (Adam Clarke)
رغم أن هذا المزمور هو على الأرجح مزمور داود، إلّا أنه مزمور يسوع أيضًا. “هذه أغنية انتصار للمسيح بشكل بارز، الخادم المثالي، والكاهن الكامل، وقائد الشعب. لقد عنت الكلمات كثيرًا ليسوع وهو يرنّمها في العلّية.” ج. كامبل مورجان (G. Campbell Morgan)
رغم أن هذا المزمور هو على الأرجح مزمور داود، إلّا أنه مزمور لوثر أيضًا. “هذا هو مزموري الحبيب. فرغم أن كل المزامير، وكل الكتاب المقدس، عزيزة عليّ بصفتها تعزيتي الوحيدة ومصدر حياتي، إلا أني وقعت في حب هذا المزمور على نحوٍ خاص. ولهذا أسمّيه مزموري. فعندما لم يستطع الأباطرة والملوك والحكماء والمتعلمون، وحتى القديسون أن يساعدوني، فقد أثبت هذا المزمور أنه صديق، وقد أخرجني من ضيقات عظيمة. ولهذا، فإنه أعز عليّ من ثروة البابا، والأتراك، والامبراطور ومجدهم وقوّتهم. وأنا غير مستعد لمبادلة هذا المزمور بكل هذا.” بويس (Boice) نقلًا عن مارتن لوثر (Martin Luther)
أولًا. تسبيح لله على رحمته العظيمة وخلاصه
أ ) الآيات (١-٤): دعوة الجماعة إلى إعلان رحمة الرب التي لا نهاية لها.
١اِحْمَدُوا ٱلرَّبَّ لِأَنَّهُ صَالِحٌ، لِأَنَّ إِلَى ٱلْأَبَدِ رَحْمَتَهُ. ٢لِيَقُلْ إِسْرَائِيلُ: ’إِنَّ إِلَى ٱلْأَبَدِ رَحْمَتَهُ‘. ٣لِيَقُلْ بَيْتُ هَارُونَ: ’إِنَّ إِلَى ٱلْأَبَدِ رَحْمَتَهُ‘. ٤لِيَقُلْ مُتَّقُو ٱلرَّبِّ: ’إِنَّ إِلَى ٱلْأَبَدِ رَحْمَتَهُ.‘
١. اِحْمَدُوا ٱلرَّبَّ لِأَنَّهُ صَالِحٌ: تدعو مزامير كثيرة شعب الله إلى حمده وشكره. ويفتتح المزمور ١١٨ بدعوة تشديدية باستخدام كلمة ’يا‘ للنداء (في النص الإنجليزي). وصلاح الله عظيم وواضح حتى إنه يستحق حمدًا توكيديًّا.
· لِأَنَّهُ صَالِحٌ: “هذا سبب كافٍ لحمده. والصلاح جوهره وطبيعته، ولهذا يستحق الحمد والتسبيح، سواء أكنا نتلقى منه بركات أم لا. ولهذا، ينبغي للذين يحمدونه لأنه يفعل خيرًا لهم فقط أن يرتفعوا إلى مستوى أعلى ليعطوه الحمد لأنه صالح.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. لِأَنَّ إِلَى ٱلْأَبَدِ رَحْمَتَهُ: يبدأ وينتهي هذا المزمور بهذا الإعلان. وهو بيان حقيقة واعتراف بالجميل، ملاحظًا أن رحمة الرب (بالعبرية – حِسِد) ومحبته العهدية المُخْلِصة، أو لطفه أو كرمه المتّسم بالمحبة – لن تُنزَع من شعبه أبدًا.
· لِأَنَّ إِلَى ٱلْأَبَدِ رَحْمَتَهُ: تحمل هذه العبارة في المزامير صفة طقسية تقريبًا في العبادة الجماعية. وهي تُستخدم ٣٤ مرة، وهي إعلان تقدير من شعب الله الذي يمتدح كرمه أو لطفه العظيم المتسم بالمحبة.
· “تثَبِّت مزامير أخرى أُلفة هذه الدعوة إلى العبادة (١٠٦: ١؛ ١٣٦: ١)، وتبيّن الفرصة التي أعطتها للجوقة والجماعة لتسميع أعمال الله العظيمة معًا بشكل متكرر (١٣٦: ١-٢٦).” كيدنر (Kidner)
- “تقول الترجمة الإنجليزية ’لِأَنَّ إِلَى ٱلْأَبَدِ تَدُوْمُ رَحْمَتَهُ،‘ حيث أضاف المترجمون بشكل ملائم كلمة ’تدوم.‘ غير أنها تقيّد المعنى إلى حد ما. ولعلّه أفضل أن تُحذَف. فرحمته بلا بداية، ولن تعرف لها نهاية.” سبيرجن (Spurgeon)
· هذا المزمور هو آخر مزامير ’هلّل المصرية‘ الخمسة التي رنمها يسوع مع تلاميذه كجزء من طقس عيد الفصح. وعندما تخبرنا الآية في إنجيلي متى ٢٦: ٣٠ ومرقس ١٤: ٢٦ أن يسوع رنم ترنيمة مع تلاميذه في العشاء الأخير، فإن الإشارة هنا هي إلى مزامير ’هلّل المصرية‘ هذه. وعندما رنّم يسوع ’لِأَنَّ إِلَى ٱلْأَبَدِ رَحْمَتَهُ‘ فقد فعل هذا عالمًا تمامًا أن ديمومة رحمة الله ستُمتحَن إلى أقصى حد في العمل الآتي في اليوم التالي على الصليب.
٣. لِيَقُلْ إِسْرَائِيلُ: دعا صاحب المزمور شعب إِسْرَائِيل، وكهنة بَيْتِ هَارُونَ، وحتى الأمم الذين يكرمون الرب (مُتَّقُي ٱلرَّبّ) إلى الانضمام إلى الجوقة التي تردد اللازمة ’إِنَّ إِلَى ٱلْأَبَدِ رَحْمَتَهُ.‘
· “يناشد صاحب المزمور ثلاث فئات: كل بيت إسرائيل، والكهنة، ومتّقي الرب، أي الذين لجؤوا إلى ستر جناحي إله إسرائيل.” ماكلارين (Maclaren) ويوحي هذا بأن الترنيمة كُتبت في أجزاء متميّزة مقصودة لمجموعات مختلفة في الجماعة.
· بَيْتُ هَارُونَ: “إن كان هذا المزمور يشير إلى داود، فإنه كان لدى الكهنة سبب خاص للشكر في مجيئه إلى العرش، لأن شاول سبق أن قام بمجازر عظيمة بينهم وتدخّل في أوقات مختلفة في هذا المنصب المقدس.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٥-٩): شهادة لرحمته المقدّسة.
٥مِنَ ٱلضِّيقِ دَعَوْتُ ٱلرَّبَّ فَأَجَابَنِي مِنَ ٱلرُّحْبِ. ٦ٱلرَّبُّ لِي فَلَا أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُ بِي ٱلْإِنْسَانُ؟ ٧ٱلرَّبُّ لِي بَيْنَ مُعِينِيَّ، وَأَنَا سَأَرَى بِأَعْدَائِي. ٨ٱلِٱحْتِمَاءُ بِٱلرَّبِّ خَيْرٌ مِنَ ٱلتَّوَكُّلِ عَلَى إِنْسَانٍ. ٩ٱلِٱحْتِمَاءُ بِٱلرَّبِّ خَيْرٌ مِنَ ٱلتَّوَكُّلِ عَلَى ٱلرُّؤَسَاءِ.
١. مِنَ ٱلضِّيقِ دَعَوْتُ ٱلرَّبَّ: ظهرت رحمة الله التي لا نهاية لها عندما استجاب الرب لصرخة المرنم في ضيقه، حيث وضعه الرب في مكان آمنٍ رحب ليقف عليه بثقة.
· دَعَوْتُ ٱلرَّبَّ: “يتوجب عليك أن تتعلم أن تدعوه، لا أن تجلس هناك بمفردك، حيث تستلقي على مقعدك، وتهز رأسك، معذِبًا نفسك بأفكار تلتهمك. لكن تعال، أيها المتبطّل البليد، واركع على ركبتيك، وارفع يديك وعينيك إلى السماء. خذ مزمورًا أو صلاة، واطرح ضيقتك أمام الرب.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن لوثر (Luther)
· “تُقَدّر القيمة الحقيقية لكل إنقاذ بطبيعة الضيقة التي تحتاج إلى إنقاذ.” هورن (Horne)
· إنه لأمر رائع أن نفكر في أن يسوع كان يرنم بثقة هذه الكلمات مع تلاميذه في الليلة التي تعرّض فيها للخيانة والقبض عليه، وقبل آلامه وصلبه. وسيدعو يسوع الله – بطريقة لم يفعلها أحد قبله ولن يفعلها أحد بعده – في ضيقه، وسيرى استجابة الله الأمينة له.
٢. ٱلرَّبُّ لِي: أُظهِرت رحمة الله التي لا نهاية لها من خلال فضل الله وعونه المستمرين لصاحب المزمور الذي دعاه. ولأنه عرف أن الله إلى جانبه (ٱلرَّبُّ لِي)، كان بمقدوره أن يحيا خاليًا من خوف البشر (مَاذَا يَصْنَعُ بِي ٱلْإِنْسَانُ؟)
· ٱلرَّبُّ لِي: “نحن نعلم جيدًا القلق العظيم الذي يظهره البشر في صراعاتهم الدنيوية لتأمين عون من حليف قوي، وفي دعواهم القضائية للاحتفاظ بخدمات محام قوي، أو في محاولاتهم للتقدم الدنيوي من خلال كسب صداقة أولئك الذين يستطيعون تعزيز أهدافهم… فإن كان أشخاص كهؤلاء إلى جانبهم، فإنهم يعتقدون أن الأمور ستسير على ما يرام. فمن هو ذاك الذي في وضع رائع وحالة ممتازة بحيث يقول: ’ٱلرَّبُّ لِي؟‘” سبيرجن Spurgeon)) نقلًا عن باور (Power)
· فَلَا أَخَافُ: “لا يقول إنه لن يعاني أو يتألم. لكنه يقول إنه لن يخاف. ففضل الله يفوق كراهية البشر بلا حدود. ولهذا، عندما قارن بين الصورتين، أحس بأنه ليس هنالك داع إلى الخوف.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. ٱلرَّبُّ لِي: قبل مئات من السنين من كتابة الرسالة إلى رومية، فهِم صاحب المزمور مبدأ رومية ٨: ٣١ ’إِنْ كَانَ ٱللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟‘ فلم يكن لصاحب المزمور شيء يخافه، حتى مِن قِبل الذين كانوا يبغضونه.
٤. ٱلِٱحْتِمَاءُ بِٱلرَّبِّ خَيْرٌ مِنَ ٱلتَّوَكُّلِ عَلَى إِنْسَانٍ: عرف صاحب المزمور أن هذا أمر صحيح. ولا شك أنه عرفه من خلال خبرات مريرة من خيبة الأمل. إذ لم يستطع أن يعينه البشر العاديون أو الرؤساء بالطريقة التي يعيننا بها الله. وإنه لأفضل لنا أن نثق به!
· ٱلِٱحْتِمَاءُ بِٱلرَّبِّ خَيْرٌ مِنَ ٱلتَّوَكُّلِ عَلَى إِنْسَانٍ: يقترح سبيرجن (Spurgeon) عدة أسباب تجعل هذه العبارة صحيحة:
ü إنه أفضل لأنه أكثر حكمة.
ü إنه أفضل أخلاقيًّا محقِّقًا واجب المخلوق تجاه الخالق.
ü إنه أفضل لأنه أكثر أمانًا.
ü إنه أفضل في اتجاهه، رافعًا إيّانا إلى أعلى بدلًا من أن يُحنينا.
ü إنه أفضل في الحصيلة النهائية.
· عرف يسوع هذا من خبرته الخاصة عندما تخلى عنه تلاميذه عند الصليب. وحتى القادة الذين تعاطفوا معه (مثل يوسف الرامي ونيقوديموس) لم يقدّموا له عونًا أثناء آلامه وصلبه.
· ٱلِٱحْتِمَاءُ بِٱلرَّبِّ خَيْرٌ مِنَ ٱلتَّوَكُّلِ عَلَى ٱلرُّؤَسَاءِ: “الرجال ذوو المناصب العالية عادة متكبرون، ومغرورون، ومُعتدّون بأنفسهم، وطائشون. وإنه لأفضل أن تثق بالله بدلًا من الثقة بهم. غالبًا ما لا يوفون بوعودهم. وغالبًا ما يرفضون أن يفعلوا ذلك عندما يكون ذلك بوسعهم. لكن في مسائل تتعلق بخلاصنا، وفي أمور تخص الرعاية الإلهية، فإنهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئًا.” كلارك (Clarke)
· لاحظ سبيرجن (Spurgeon) عن الرؤساء: “إنهم نبلاء في الرتبة، وهم الأقوى في السلطة. لكن كقاعدة، فإن الرؤساء ليسوا أكثر موثوقية من بقية الجنس البشري بمثقال ذرة.” ولاحظ أن دوّارة دليل اتجاه الريح المغطاة بالذهب، تتحرك بنفس سهولة الدوّارة الأخرى المصنوعة من الصفيح.
· علّق بويس (Boice) على الآيتين مزمور ١١٨: ٨-٩ قائلًا “يقول أشخاص يحصون مثل هذه الأمور إنه توجد ٣١١٧٤ آية في الكتاب المقدس. فإن كان هذا صحيحًا فإن الآيتين ١٥٥٨٧ و ١٥٥٨٨ تشكلان منتصف الكتاب المقدس. ويفترض أن يكون هذا سببًا كافيًا لإعطائهما مكانة بارزة.”
ج) الآيات (١٠-١٤): محاط بأعداء لكنه مسنود من الله.
١٠كُلُّ ٱلْأُمَمِ أَحَاطُوا بِي. بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ أُبِيدُهُمْ. ١١أَحَاطُوا بِي وَٱكْتَنَفُونِي. بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ أُبِيدُهُمْ. ١٢أَحَاطُوا بِي مِثْلَ ٱلنَّحْلِ. ٱنْطَفَأُوا كَنَارِ ٱلشَّوْكِ. بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ أُبِيدُهُمْ. ١٣دَحَرْتَنِي دُحُورًا لِأَسْقُطَ، أَمَّا ٱلرَّبُّ فَعَضَدَنِي. ١٤قُوَّتِي وَتَرَنُّمِي ٱلرَّبُّ، وَقَدْ صَارَ لِي خَلَاصًا.
١. كُلُّ ٱلْأُمَمِ أَحَاطُوا بِي: في نمط الشعر العبري، تتكرر الفكرة لغرض التوكيد. لقد عرف المرنم معنى أن يكون محاطًا بأعداء محتشدين مِثْلَ ٱلنَّحْلِ.
· أُبِيدُهُمْ: “هنالك لمسة فخمة من الأنا في هذه العبارة، لكن يظلّلها اسم الرب الفريد.” سبيرجن (Spurgeon)
· نحن نتصور يسوع وهو يرنم هذه الكلمات عالمًا أنه بعد ساعات فقط سيكون محاطًا بأشخاص سيهزؤون به ويعذّبونه ويقتلونه. ولا شك أن أممًا كثيرة أحاطت به.
· أَحَاطُوا بِي مِثْلَ ٱلنَّحْلِ: “أعداء المسيح حاقدون حتى إنهم في محاربتهم له لا يضعون في اعتبارهم ما أصبحوا عليه أنفسهم. ربما يؤذون شعبه، لكن النحلة تنهي نفسها عندما تلدغ. إذ تفقد حياتها أو قوّتها عند اللدغ. وهذا هو ما يحصل مع أعداء المسيح.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن ديكسون (Dickson)
· ٱنْطَفَأُوا كَنَارِ ٱلشَّوْكِ: “لكن النص العبري يتطلع إلى ما وراء شعلة نار الشوك إلى انطفائها… فهذا الحريق ينطفئ فجأة كما اشتعل فجأة. وستكون قوة الشر قصيرة الأجل مع أنها كانت شرسة.” كيدنر (Kidner)
٢. بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ أُبِيدُهُمْ: فهِم صاحب المزمور أن قوة الانتصار لم تكن فيه، بل في اسم الرب. وسيُنقذ عندما يعينه الرب.
٣. قُوَّتِي وَتَرَنُّمِي ٱلرَّبُّ: يقتبس صاحب المزمور نشيد مريم (خروج ١٥: ٢)، عالمًا أن الله هو الذي لا يستطيع أن يجلب القوة والترنم فحسب، بل هو نفسه قوة وترنيمة للذين يتكلون عليه. بل إنه ذهب إلى أبعد من هذا، حيث فهِم أن الرب نفسه صار خلاصه. والرب هو كل هذه الأشياء لشعبه.
· عندما يكون الرب قوّتنا، فإن هذا يعني أنه موردنا وملجؤنا. ونحن نتطلع إليه، فلا نحتاج أبدًا.
· عندما يكون الرب ترنيمتنا، فإن هذا يعني أنه فرحنا وسعادتنا. ونحن نجد قصدنا وحياتنا فيه. وهو لا يخيّب ظنّنا.
· عندما يكون الرب خلاصنا، فإن هذا يعني أننا نضع قوّتنا فيه، لا في أحد آخر، من أجل العون والخلاص. فهو راحتنا وإنقاذنا.
· يؤكد هذا كله أهمية طلبنا لله نفسه عندما نحتاج إلى قوة وترنيمة وخلاص. فغالبًا ما نطلب الأشياء نفسها، وأحيانًا بانفصال عن الله نفسه. ويعني طلبك لله وقبولك له قبول كل الهبات العميقة.
· “ترانيم جديدة، ووعود جديدة، وأمثال جديدة، وعقائد جديدة… هذه تحافظ على جودتها مع الزمن. فما رُنِّم بعد عبور البحر الأحمر يرنَّم هنا من النبي، وسيرنَّم من قِبل قديسي العلي في نهاية العالم.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن بلامر (Plumer)
· “وهكذا، عندما أُنقِذ صاحب المزمور، انطلق يرنم لحنًا قديمًا ارتفع فوق شواطئ البحر المتجهّم الذي اجتاح جيش فرعون، وما زال صحيحًا بعد مرور القرون: ’ٱلرَّبُّ قُوَّتِي وَتَرَنُّمِي، وَقَدْ صَارَ لِي خَلَاصًا.‘ رنّمت مريم هذه الكلمات، ورنّمها العائدون من السبي. وسيرنمها أشخاص مجرَّبون ممتلئون بالثقة في كل عصر، وسيرنمونها إلى أن لا يعود أعداء. وعندئذٍ، سيرفع المنتصرون الهادئون على شواطئ البحر الزجاجي الممزوج بالنار الترنيمة التي لا تموت، ترنيمة موسى والحمَل.” ماكلارين (Maclaren)
د ) الآيات (١٥-١٨): الابتهاج بالإنقاذ من الموت.
١٥صَوْتُ تَرَنُّمٍ وَخَلَاصٍ فِي خِيَامِ ٱلصِّدِّيقِينَ: «يَمِينُ ٱلرَّبِّ صَانِعَةٌ بِبَأْسٍ. ١٦يَمِينُ ٱلرَّبِّ مُرْتَفِعَةٌ. يَمِينُ ٱلرَّبِّ صَانِعَةٌ بِبَأْسٍ». ١٧لَا أَمُوتُ بَلْ أَحْيَا وَأُحَدِّثُ بِأَعْمَالِ ٱلرَّبِّ. ١٨تَأْدِيبًا أَدَّبَنِي ٱلرَّبُّ، وَإِلَى ٱلْمَوْتِ لَمْ يُسْلِمْنِي.
١. صَوْتُ تَرَنُّمٍ وَخَلَاصٍ فِي خِيَامِ ٱلصِّدِّيقِينَ: بعد أن حصل شعب الله على خلاص الله الرائع، أطلقوا أصوات الفرح. فمن الخطأ أن يصمت الذين يحصلون على قدر كبير كهذا من الله.
· “ربما تشير ’خِيام ٱلصِّدِّيقِينَ‘ إلى المظلّات التي كانوا يبنونها في العيد حيث يرنمون تلك الترنيمة.” ماكلارين (Maclaren)
· “وعلاوة على ترنيم مزمور ١١٨ عند وجبة الفصح في المساء، كان يرنَّم في عيد المظال، حسب التلمود (Sukkoth ٤٥a-b).” فانجيميرين (VanGemeren)
٢. يَمِينُ ٱلرَّبِّ صَانِعَةٌ بِبَأْسٍ: يتغنى صاحب المزمور بيَمِينُ ٱلرَّبِّ على نحو متكرر (لغرض التوكيد)، لأنها يد المهارة والقوة. فلم يستخدم الرب إجراءات أقل من هذا لإنقاذ شعبه.
٣. لَا أَمُوتُ بَلْ أَحْيَا: كان صاحب المزمور واثقًا بأن الله سيحميه من الموت في أزمته الحالية. وعندما رنم يسوع هذه الترنيمة في العشاء الأخير مع تلاميذه، كان بمقدوره أن يعلن بثقة أن الموت لن يمسك به، بل سيحيا ويُحَدِّثُ بِأَعْمَالِ ٱلرَّبِّ.· لَا أَمُوتُ بَلْ أَحْيَا: كانت الآية ١٧ ثمينة بالنسبة لجون ويكليف (John Wycliffe): “مرِض جون ويكليف، المصلح البروتستانتي، في مرحلة ما نتيجة لجهوده المستمرة من أجل الإنجيل. فسمع رهبان الفرير بأن عدوهم يحتضر، فسارعوا إلى جانب فراشه متوقعين أنه كان مسحوقًا بالندم على هرطقاته البروتستانتية، ومتوقعين أيضًا أن يعلن ارتداده عن أفكاره ويطلب غفران الله وبركة رهبان الفرير. احتشد حوله رهبان ينتمون إلى أربعة أنظمة من رهبان الفرير. بدأوا بالتمني له بالصحة، ثم غيّروا لهجتهم، فحثّوه على تقديم اعتراف كامل، حيث إنه سيقدّم حسابًا لله عن نفسه. فانتظر ويكليف بصبر إلى أن انتهوا، ثم طلب من خادمه أن يرفعه قليلًا لكي يتمكن من الكلام بصوت أفضل. ثبّت ويكليف عينيه عليهم وقال بصوت واثق مؤثر: ’لَا أَمُوتُ بَلْ أَحْيَا وَأُحَدِّثُ بِأَعْمَالِ الرهبان الشريرة.‘” بويس (Boice)
· لَا أَمُوتُ بَلْ أَحْيَا: كانت الآية ١٧ ثمينة لمارتن لوثر (Martin Luther) أيضًا الذي واجه تهديدات بالموت بسبب جهوده الإصلاحية: “يقول ماثينيوس (Matthesius) إن لوثر كتب هذه الآية على جدار مكتبه الدراسي.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. تَأْدِيبًا أَدَّبَنِي ٱلرَّبُّ: فهِم صاحب المزمور أنه كان لدى الله قصد تدريبي وتقويمي في السماح بهذه الأزمة الحالية. لكن الله لن يسمح لهذا بأن يقضي عليه، بل سيكون لمنفعته.
· كان لهذه الكلمات معنى عظيم ليسوع قبل الصليب، حيث سيتجرع كأس الآلام الهادفة من يد الآب، لكنه لن يُسلم إلى الموت.
ثانيًا: ترنيمة المحرر العظيم
أ ) الآيات (١٩-٢٠): أبواب البر المفتوحة.
١٩اِفْتَحُوا لِي أَبْوَابَ ٱلْبِرِّ. أَدْخُلْ فِيهَا وَأَحْمَدِ ٱلرَّبَّ. ٢٠هَذَا ٱلْبَابُ لِلرَّبِّ. ٱلصِّدِّيقُونَ يَدْخُلُونَ فِيهِ.
١. اِفْتَحُوا لِي أَبْوَابَ ٱلْبِرِّ: يُرجّح أنه خطر ببال صاحب المزمور دخول انتصاري إلى المدينة المقدسة. ولدى فتح هذه الأبواب، سيمر بها ممتلئًا بالتسبيح للرب.
· أعلن يسوع في الترنيمة التي رنمها دخوله إلى السماء الحقيقية التي كانت أورشليم مجرد تمثيل لها. فبعد أن يكمل عمله على الصليب، وبعد خلاصه من الموت بالقيامة، سيُستقبَل بمجد لدى صعوده.
· كان يسوع رائدًا لشعبه في قوله ’اِفْتَحُوا لِي أَبْوَابَ ٱلْبِرِّ‘ حيث يمكن لشعبه أن يقولوا هذا. “يمكننا أن نوسع أفكارنا إلى أبعد من هذا، ونضع في اعتبارنا كل جماعة المفديين وهم ينظرون الملائكة وهي تستعد لفتح أبواب السماء وفتْح أبواب المقدس الأبدي لتلاميذ يسوع المُقام والممجد ليدخلوا. يمكن للمؤمنين أن يهتفوا بانتصار ’افتحوا‘ مخاطبين الأرواح السماوية التي تَسعد بخدمة ورثة الخلاص.” هورن (Horne)
· “من المؤسف أن كثيرين لا يهتمون إن كانت بوابات بيت الله مفتوحة أم لا. ورغم أنهم يعرفون أنها مفتوحة على مصراعيها، إلا أنهم لا يهتمون بالدخول. كما أن فكرة حمد الله وتسبيحه لا تخطر ببالهم أيضًا. وسيأتي وقت لهم يجدون فيه أبواب السماء موصدة في وجوههم، لأن هذه هي أبواب البر التي سيدخل من خلالها ٱلصِّدِّيقُونَ. ولا يمكن أن يدخلها أي شيء نجس على الإطلاق.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. هَذَا ٱلْبَابُ لِلرَّبِّ: والآن نتصور أن المرنم يدخل فعلًا عبر البوابة المفتوحة، معلنًا أعمال الله العظيمة للصدّيقين.
ب) الآيات (٢١-٢٤): الحجر الذي صار رأس الزاوية.
٢١أَحْمَدُكَ لِأَنَّكَ ٱسْتَجَبْتَ لِي وَصِرْتَ لِي خَلَاصًا. ٢٢ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي رَفَضَهُ ٱلْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ ٱلزَّاوِيَةِ. ٢٣مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ كَانَ هَذَا، وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا. ٢٤هذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي صَنَعُهُ الرَّبُّ، نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ فِيهِ.
١. أَحْمَدُكَ لِأَنَّكَ ٱسْتَجَبْتَ لِي وَصِرْتَ لِي خَلَاصًا: بعد أن دخل صاحب المزمور المدينة المقدسة، حَمَد الله على استجابته والخلاص اللذين ذكرهما في المزمور.
٢. ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي رَفَضَهُ ٱلْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ ٱلزَّاوِيَةِ: لا نعرف أية خبرة مرَّ بها صاحب المزمور قادته إلى قول هذه الكلمات. ولعلها كانت إعلانًا نبويًّا محضًا، لأنها تحققت في يسوع على نحو مؤكد.
· “رفض هؤلاء البناؤون داود بحجّة أنه شخص مغمور وغادر ومتمرد. وهو لا يصلح لأن يُنّحَّى جانبًا أو يُلقى به بعيدًا فحسب، بل أن يُسحق إلى قِطع أيضًا. ورفض خلفاؤهم المسيح كعدو لموسى، وكصديق للخطاة، وكمجدّف على الله، ولهذا استحق العقاب.” بوله (Poole)
· هذه عبارة قوية ومهمة في العهد الجديد لفهْم شخص المسيح وعمله. وأشار يسوع أن هذه العبارة تنطبق عليه (متى ٢١: ٤٢؛ مرقس ٢: ١٠-١١؛ لوقا ٢٠: ١٧). واقتبسها بطرس في أعمال الرسل ٤: ١١ كإشارة إلى يسوع. ولمّح بولس إلى هذه الآية في أفسس ٢: ٢٠. كما أشار بطرس إليها في ١ بطرس ٢: ٧-٨. وهي أكثر آية في العهد القديم اقتباسًا في العهد الجديد.
· لاحظ بويس (Boice) شيئًا مثيرًا للاهتمام حول اقتباس بطرس لمزمور ١١٨ في أعمال الرسل ٤: ١١ “عندما اقتبس لوقا من الترجمة السبعينية، قام بتعديل خفيف على النص مضيفًا كلمة ’أنتم.‘ إذ تقول الترجمة السبعونية ’ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي ٱحْتَقَرْه (رفضه) ٱلْبَنَّاؤُونَ، ٱلَّذِي صَارَ رَأْسَ ٱلزَّاوِيَةِ.‘ وقد غيّر لوقا هذا ليكون ’ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي ٱحْتَقَرْتُمُوهُ أَيُّهَا ٱلْبَنَّاؤُونَ، ٱلَّذِي صَارَ رَأْسَ ٱلزَّاوِيَةِ.‘ ومن المؤكد أنه فعل هذا لأن بطرس فعل هذا. فقد استخدم بطرس هذا النص ليعزز ما كان يعلّمه حول ذنب قادة إسرائيل.
٣. ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي رَفَضَهُ ٱلْبَنَّاؤُونَ: انطبق هذا على يعقوب ويوسف وداود. إذ رُفضوا جميعًا، ثم رُفعوا عاليًا. ولا شك أن هذا انطبق على يسوع.
· لم يصادقوا على أصله (يوحنا ٧: ٥٢).
· لم يصادقوا على افتقاره إلى التعليم الرسمي (يوحنا ٧: ١٥).
· لم يصادقوا على استخفافه بالتقاليد الدينية (لوقا ٦: ٢).
· لم يصادقوا على اختياره لأصحابه (متى ٩: ١١).
ü “وما زال البنّاؤون يرفضونه حتى يومنا هذا. فإن معلّمي الإنجيل المحترفين ميالون بشكل زائد إلى أن ’يطيروا‘ إلى أية فلسفة جديدة بدلًا من التمسك ببساطة الإنجيل الذي هو جوهر الإيمان بالمسيح. غير أنه يحتفظ بمكانته بين شعبه. وسيرى البنّاؤون الحمقى في ارتباكهم أن حقّه سيُرفَع فوق الكل.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. قَدْ صَارَ رَأْسَ ٱلزَّاوِيَةِ: من المؤكد أن هذا صحيح أيضًا بعد أن تحقق هذا في يسوع. نرى أنه رغم أن القادة الدينيين (البنّائين) في عصره رفضوه، إلا أن الله جعل يسوع حجر الزاوية في خطته العظيمة عبر العصور، حيث يؤسَّس ويتحقق كل شيء فيه.
· رَأْسَ ٱلزَّاوِيَةِ: “كان حجر الزاوية حجرًا مهمًّا يدعم صفين من الحجارة معًا في زاوية (حجر الزاوية)، أو يثبّت الحجارة في الأساس، أو في أي مكان آخر في البناء (انظر إشعياء ٢٨: ١٦).” فانجيميرين (VanGemeren)
· “والآن هو رباط البناء، حيث يجمع اليهود والأمم في وحدة راسخة. ويربط حجر الزاوية الثمين هذا الله بالإنسان في وئام بديع، لأنه كلاهما في واحد. وهو يربط السماء بالأرض، لأنه يشارك في كليهما. وهو يربط الزمن بالأبدية، لأنه كان رجلًا ذا سنوات قليلة مع أنه قديم الأيام. إنه حجر زاوية عجيب.” سبيرجن (Spurgeon)
· كان مرتفعًا وسيُرفع أيضًا. “سيكون أفضل كثيرًا أن يُرفع يسوع من خلال مدح نعمته ورحمته العظيمتين في خلاصك من أن يُرفَع في قوته كديّان عندما يدينك على خطيّتك.” بويس (Boice)
· إنه لأمر صعب أن نتخيل يسوع وهو يرنم في تلك الليلة قبل الرفض الكبير له، والذي سيؤدي إلى معاناته وصلبه من دون أن تملأ الدموع عينيه. سيُرفض، وسيصير حجر الزاوية.
· “تخصّ هذه الكلمات، بمعناها الكامل والصحيح، المسيّا. وقد اعترف معلّمو اليهود بهذا، وأقرّ به الجميع.” هورن (Horne)
٥. مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ كَانَ هَذَا، وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا: تحدّث صاحب المزمور هنا نيابة عن مفديي الرب الذين بنوا حياتهم على حجر الزاوية. وهم يبتهجون بعمل الرب العجيب، رغم رفض البنّائين.
· مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ كَانَ هَذَا: إن رفع يسوع وتمجيده من الصليب إلى القيامة إلى يمين الآب هو عمل الله وحده. فمن الذي مجّد يسوع عاليًا مرة أخرى، رافعًا إياه فوق الكل؟
ü ليس القادة الدينيون – فقد رفضوه.
ü ليس القادة الرومان – فقد صلبوه.
ü ليست الجموع اليهودية – فقد اختارت آخر.
ü ليس التلاميذ، فقد جبنوا في خوف.
ü ليس الأتباع المؤثرون – فقد دفنوه.
ü ليست النساء التقيّات – فقد غلبهنّ الأسى.
ü الله الآب وحده هو الذي كان قادرًا على رفع يسوع وتمجيده.
· “ماذا يمكن أن يكون أكثر روعة من أنّ شخصًا قُتِل كفاعل شر، ووضع في القبر، وقام ثانية ليكون خالدًا، ويصبح رأس مجتمع خالد، ويصعد إلى السماء، وأن تُعطى له القوة، ويتوَّج بالمجد، ويُعِد طريقًا لبني آدم ليتبعوه إلى تلك المنازل من النعيم الأبدي؟” هورن (Horne)
· “كم سيُدهش الذين رفضوا تصريحاته البارّة! وعندئذٍ، سيعرف أنه ’مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ كَانَ هَذَا‘ رغم أن هذا سيكون رهيبًا في عيونهم. وستُجبَر الكائنات العاقلة، حتى إلى أَظْلم روح شريرة في جهنم، عند مجيء الرب ثانية على الاعتراف بأن ٱلْحَجَرَ ٱلَّذِي رَفَضَهُ ٱلْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ ٱلزَّاوِيَةِ.” سبيرجن (Spurgeon)
٦. هَذَا هُوَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي صَنَعُهُ ٱلرَّبُّ، نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ فِيهِ: عندما اقتبس يسوع الآية ٢٢ (في متى ٢١: ٤٢؛ مرقس ١٢: ١٠-١١؛ لوقا ٢٠-١٧)، فقد فعل هذا استجابة لتسبيحات وترديدات ’أوصنّا‘ عند دخوله الانتصاري إلى أورشليم. وبما أن هذا مرتبط نبويًّا بهذا الحدث، فإن ’اليوم‘ المذكور هنا يمكن أن يُفهم على أنه اليوم الذي دخل يسوع أورشليم رسميًّا بصفته المسيّا الملك.
· إنه أمر صحيح أن الرب يصنع كل يوم، سبب خاص للابتهاج والفرح. لكن، على وجه التحديد، فإن اليوم الذي صنعه الرب لنبتهج ونفرح فيه كان يوم دخول يسوع إلى أورشليم بهتافات أوصنّا ترحيبًا به كمخلص إسرائيل. فإذا لم تبتهج الأصوات البشرية وتفرح في هذه المناسبة، فإن الحجارة نفسها ستصرخ بالتسابيح وهتافات أوصنّا، كما قال يسوع ( لوقا ١٩: ٤٠).
· هنالك أيضًا الاعتقاد، استنادًا إلى الترتيب الزمني الذي وضعه السير روبرت آندرسون (Robert Anderson)، أن اليوم المحدد للدخول الانتصاري كان متنبَّأ به في نبوة دانيال حول السبعين أسبوعًا (دانيال ٩: ٢٤-٢٦). إن الترتيب الزمني الذي وضعه السير روبرت آندرسون مثير للجدل، وقد رفضه بعضهم. لكن، كما قال جون والفورد (John Walvoord) “لا يستطيع أحد أن يصرح بشكل جازم أن حسابات آندرسون مستحيلة.”
ج) الآيات (٢٥-٢٩): الذبيحة المربوطة بالمذبح.
٢٥آهِ يَا رَبُّ خَلِّصْ! آهِ يَا رَبُّ أَنْقِذْ! ٢٦مُبَارَكٌ ٱلْآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ. بَارَكْنَاكُمْ مِنْ بَيْتِ ٱلرَّبِّ. ٢٧ٱلرَّبُّ هُوَ ٱللهُ وَقَدْ أَنَارَ لَنَا. أَوْثِقُوا ٱلذَّبِيحَةَ بِرُبُطٍ إِلَى قُرُونِ ٱلْمَذْبَحِ. ٢٨إِلَهِي أَنْتَ فَأَحْمَدُكَ، إِلَهِي فَأَرْفَعُكَ. ٢٩ٱحْمَدُوا ٱلرَّبَّ لِأَنَّهُ صَالِحٌ، لِأَنَّ إِلَى ٱلْأَبَدِ رَحْمَتَهُ.
١. آهِ يَا رَبُّ خَلِّصْ (الآن)! آهِ يَا رَبُّ أَنْقِذْ: يعطي سياق البوّابات المفتوحة (الآية ١٩)، ودخول المدينة، إضافة إلى ترتيب المزمور إحساسًا بأن هذه الكلمات كانت تصدر عن متكلمين مختلفين في الجوقة.
· خَلِّصْ: “الخلاص لدى العبرانيين كلمة واسعة، وتتألف من كل أفضال الله التي يمكن أن تؤدي إلى الحفظ.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن هول (Hall)
٢. مُبَارَكٌ ٱلْآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ: الفكرة الرئيسية وراء هذه الترنيمة الاحتفالية هي الترحيب المحرر المعيّن من الله في دخوله عبر الأبواب المفتوحة للمدينة المقدسة. وقد تلقّى هذا المحرر بركة من المرنمين وهو يقترب إلى بَيْتِ ٱلرَّبِّ.
· يقتبس إنجيل متى ٢١: ٩ (إضافة إلى مرقس ١١: ٩ ويوحنا ١٢: ١٣) هذه العبارة المنطوقة من الذين رحّبوا بيسوع في دخوله الانتصاري إلى أورشليم عندما قدّم نفسه رسميًّا بصفته مسيّاهم وملكهم. وجملة ’آهِ يَا رَبُّ خَلِّصْ!‘ موجودة في كلمة ’أوصنا‘ العبرية. وهذا هو بالضبط ما كانت الجموع تصرخ به عند دخول يسوع الانتصاري.
· لدينا تنبُّؤ غريب تحقق بشكل دقيق. فقد تم الترحيب بالمحرر بأبواب مفتوحة (الآية ١٩)، وبهتافات أوصنّا (الآية ٢٥)، وببركات (الآية ٢٦). لكنه كان وما زال حجر الزاوية الذي سيتم رفضه (الآية ٢٢). وطبقًا لكلمات المزمور وروحه، رُحِّب بيسوع بصفته المخلِّص والمسيّا في أحد الشعانين، ورُفِض وصُلِب بعد عدة أيام فقط.
· بَارَكْنَاكُمْ مِنْ بَيتِ ٱلرَّبِّ: “يمكنك أن تلمح مجموعتين عند هذه النقطة – مجموعة موجودة في ساحة الهيكل وهي تحيّي الأخرى التي ترافق الملك في وصوله. إن عبارة ’طوبى لمن يدخل‘ تعبير عن ترحيب فردي، لكن كلمة ’باركناكم‘ تخاطب الكثيرين الذين معه.” كيدنر (Kidner)
· بَارَكْنَاكُمْ مِنْ بَيْتِ ٱلرَّبِّ: “هكذا يقول الكهنة للشعب. ويتوجب على الخدّام أن يباركوا الذين يباركون المسيح قائلين: ’اَلنِّعْمَةُ مَعَ جَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ رَبَّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ فِي عَدَمِ فَسَادٍ‘ (أفسس ٦: ٢٤).” تراب (Trapp)
٣. ٱلرَّبُّ هُوَ ٱللهُ: هذا تعبير مقتضب ومهم يركز على الرب (يهوه) بصفته الإله الحقيقي فوق كل الأوثان.
٤. أَوْثِقُوا ٱلذَّبِيحَةَ بِرُبُطٍ إِلَى قُرُونِ ٱلْمَذْبَحِ: في ضوء عظمة الله والنور الذي يعطيه، تقدَّم الذبيحة طوعًا. وقد تحقق هذا بطريقة لم يتوقعها صاحب المزمور قط، حيث سيكون المحرر المذكور في الآيات السابقة هو نفسه الذبيحة الموثقة بِرُبُطٍ إِلَى قُرُونِ ٱلْمَذْبَحِ.
· إنه لأمر مذهل أن نتأمل كيف أن يسوع رنم هذه الكلمات مع تلاميذه قبل ساعات فقط من صلبه. وقد دعا الله إلى أن يوثقه بالصليب لتقديم ذبيحة مقدسة عن الخطايا، عند المذبح الذي عيَّنه الله. “يا لَأهمية هذا قبل إطلاق النغمة النهائية للتسبيح!” مورغان (Morgan)
· تشير الآية في رسالة العبرانيين ١٣: ١٠ إلى ذبيحة يسوع على مذبح، ويرجّح أن المقصود بالمذبح هو الصليب.
· عندما نتبع يسوع بصفته رائدنا، فإننا نوثق أنفسنا أيضًا بذبيحة يسوع الحي (رومية ١٢: ١-٢) “إنه لأمر جيد أن نُوْثَق. فهَلّا تُوْثِقنا أيها الروح المبارَك، وافتِنّا بالصليب فلا نتركه أبدًا؟ اربطنا بحبل الفداء القرمزي، ورُبُط المحبة الذهبية، ورُبُط رجاء المجيء الثاني.” ميير (Meyer)
· “ما أثمن الكلمات التي خطّها ديفيد لفنجستون (David Livingstone) في مذكراته قبل أن يجده أبناؤه ميّتًا إلى جانب سريره، رغم أنه في روح الصلاة كانت الشمعة تتقد داخله: ’يا يسوعي! يا مَلِكي! يا حياتي! يا كُلِّي! أكرّس نفسي إليك ثانية.‘ ولهذا أوثقنا بربط المحبة، ورُبُط الإنسان.” ميير (Meyer)
٥. إِلَهِي أَنْتَ فَأَحْمَدُكَ: نحن نأخذ هذه الكلمات على أنها كلمات جرت على فم المحرر الذي وصل إلى أبواب المدينة المفتوحة. لقد سلّم نفسه لله بحق ممتلئًا بالتسبيح في ضوء الانتصار النهائي. لقد تردد صدى صوت يسوع عبر العلّية وهو يرنم هذا التسبيح والتمجيد لله في جميع أنحاء العلّية كدليل على خضوعه وطاعته.
د ) الآية (٢٩) الختام بالتسبيح.
٢٩احْمَدُوا ٱلرَّبَّ لِأَنَّهُ صَالِحٌ، لِأَنَّ إِلَى ٱلْأَبَدِ رَحْمَتَهُ.
١. احْمَدُوا ٱلرَّبَّ: بدأ هذا المزمور بحمد مفعم بالحيوية، وهو ينهيه بنفس ما بدأ به، مدركًا مرة أخرى صلاح الله رغم كل شيء. فإذا بدأنا بالحمد، نكون في وضع أفضل لننتهي بالحمد رغم كل ما نمر به.
٢. لِأَنَّهُ صَالِحٌ، لِأَنَّ إِلَى ٱلْأَبَدِ رَحْمَتَهُ: آمن يسوع نفسه برحمة الله التي لا نهاية لها، وأعلن ذلك لتلاميذه في العلّية في الترنيم. وتُعطى هذه الرحمة (المحبة الوفية، محبة العهد، الكرم المتسم بالمحبة) لشعبه أيضًا.
· “أية خاتمة أفضل هناك لهذه الترنيمة الملكية؟ كان من الممكن أن يرتفع صاحب المزمور إلى شيء أعلى، لكن لم يكن هنالك ما هو أسمى. فقد وصل إلى ذروة أفخم حجة، فتوقّف.” سبيرجن (Spurgeon)