تفسير سفر المزامير – مزمور ٧٤
التماس إلى الله أن يتذكر مَقْدِسه المهدّم
عنوان هذا المزمور هو قَصِيدَةٌ (تأمُّل) لِآسَافَ. وهو توسُّل وصلاة وحزن شديد بسبب دمار المقْدس (مزمور ٣:٧٤، ٧). وتعتقد أغلبية المفسرين أن هذا المزمور جاء بعد تدمير البابليين للهيكل. بل إن بعضهم يُرجعونه إلى تاريخ لاحق بعد تدمير الهيكل في أيام آنتيخوس أبيفانوس. فإن كان هذان التاريخان صحيحين، عندئذٍ لا يكون آسَاف هذا هو نفس المرنم والموسيقي العظيم الذي عاش في عهدي داود وسليمان، إلاّ إذا كتب مزموره هذا نبويًّا، وهذا أمر ممكن حسب سفر أخبار الأيام الأول ١:٢٥-٢، و أخبار الأيام الثاني ٣٠:٢٩.
يشرح جيمس مونتجمري بويس (James Montgomery Boice) فكرة وجود كاتب آخر لاحق باسم آساف: “إمّا أن يكون هذا آساف لاحقًا، وهو أمر غير مرجح، لأن هذا الاسم تَرسَّخ بين موسيقيي الهيكل، أو أكثر ترجيحًا، أن هذا الاسم كان يُربط بمزامير كثيرة من المؤسسة الموسيقية ككل. فنحن نعرف أن بني (نسل) آساف كانوا يخدمون في تاريخ لاحق، في عهد الملك يوشيا (أخبار الأيام الثاني ١٥:٣٥).”
هنالك خيار آخر، وهو أن آساف الذي عاش في عهدي داود وسليمان كتب هذا المزمور بمناسبة ذكرى تدمير خيمة الاجتماع في شيلوه (سفر صموئيل الأول ٤). فكلمة ’المَقْدِس‘ المستخدمة في مزمور ٣:٧٤، ٧ تشير إلى خيمة الاجتماع أيضًا (سفر الخروج ٨:٢٥؛ سفر اللاويين ٤:١٢؛ ١٢:٢١، ١:١٨).
أولًا. توسُّل من أجل العون عند دمار المقدس
أ ) الآيات (١-٢): الطلب إلى الله أن يتذكر شعبه.
١لِمَاذَا رَفَضْتَنَا يَا ٱللهُ إِلَى ٱلْأَبَدِ؟ لِمَاذَا يُدَخِّنُ غَضَبُكَ عَلَى غَنَمِ مَرْعَاكَ؟ ٢ٱذْكُرْ جَمَاعَتَكَ ٱلَّتِي ٱقْتَنَيْتَهَا مُنْذُ ٱلْقِدَمِ، وَفَدَيْتَهَا سِبْطَ مِيرَاثِكَ، جَبَلَ صِهْيَوْنَ هَذَا ٱلَّذِي سَكَنْتَ فِيهِ.
١. لِمَاذَا رَفَضْتَنَا يَا ٱللهُ إِلَى ٱلْأَبَدِ؟ عاش وخدم آساف في عهدي داود وسليمان، وهما وقتان اتسما بالأمان والبركة بالنسبة لإسرائيل. لكن حتى في تلك الأيام الطيبة بشكل عام، كانت هنالك أوقات صعبة بسبب مضايقات أعداء إسرائيل لها. كتب آساف في مثل هذا الوقت، أو ربما ومثل هذا الوقت الصعب في ذهنه عن الإحساس الرهيب بأن الله رفض إسرائيل وأنه ليس إلى جانبهم.
· هذا مزمور يائس، “لكنه ليس أغنية ملحد، بل عويل مؤمن.” مورجان (Morgan)
· “الإيمان، أكثر من الشك، هو الذي يَرْشح بزخات من الأسئلة التي تبدأ وتنهي نصف هذا المزمور.” كيدنر (Kidner)
· يسأل السائل كيف يمكن لله أن يغضب من شعبه إلى الأبد. وهو لا يشكك في صواب دينونة الله، لكنه يستخدم السؤال وأسلوب المرثاة كأساس للاحتكام إلى قلب الله الأبوي.” فانجيميرين (VanGemeren)
· “عندما يكون القلب حارًّا ومضطربًا، ويبدو كما أن الله قد تخلّى عن خاصّته، فإن الرجل الحكيم هو الذي يلجأ إلى الله في أغنية (ترنيمة) حتى لو كانت أغنية شكوى.” مورجان (Morgan)
٢. لِمَاذَا يُدَخِّنُ غَضَبُكَ عَلَى غَنَمِ مَرْعَاكَ؟: لم يكن الأمر هو أن آساف أحس بأن الله توقّف عن الاهتمام بشعب الله (رَفَضْتَنَا). بل أضاف إلى ذلك أن الله كان غاضبًا عليهم، وبمعنى ما، كان ضدّهم.
- “هذه شكوى شرسة تقترب إلى حدود عدم اللياقة في مخاطبة الله. فعندما نتذمر، غالبًا ما يكون الحال هكذا حينما نوجه شكوانا إلى أنفسنا أو الآخرين. وإنه أفضل لنا أن نشكو لله.” بويس (Boice)
٣. ٱذْكُرْ جَمَاعَتَكَ: من هذا اليأس، يطلب آساف من الله أن يغيّر موقفه الواضح من إسرائيل. إذ يبدو أن آساف فهم أن غضب الله كان أمرًا ظاهريًا وليس حقيقيًّا، وإلّا فإن الالتماسات التي سيقدمها في ما يلي ستكون بلا فائدة.
· طلب آساف من الله أن يتذكر أن إسرائيل تخصه وأنها جماعته.
· طلب آساف من الله أن يتذكر أن إسرائيل جماعته المفدية التي اشتراها من بين الشعوب.
· طلب آساف من الله أن يتذكر أن إسرائيل ميراثه ومقتناه الثمين.
· طلب آساف من الله أن يتذكر أنه فدى واشترى إسرائيل مُنْذُ ٱلْقِدَمِ.
· طلب آساف من الله أن يتذكر أنه سكن بين شعبه في أورشليم (جَبَلِ صِهْيَوْنَ) بطريقة مميزة.
ü نحس بأن آساف فكّر هكذا: “ليت الله يتذكر عنايته الخاصة وصلته بإسرائيل. فعندئذِ سيتقذنا.” ولهذا طرح أسبابًا والتماسات كثيرة في الصلاة.
ü “التوسل مصارعة. فالحجج هي قبضات المصارع وحِيَله وأوجاعه، وهي الصراعات التي نمسك فيها بملاك العهد ونهزمه. ليست العبارات البسيطة التي نعبّر فيها عن رغباتنا بلا قيمة، لكن عندما نكون قادرين على تقديم أسباب وحجج تدفع الله إلى سماعنا، فإننا نقدّم صلاة قوية غالبة.” سبيرجن (Spurgeon)
ü وَفَدَيْتَهَا: “يا له من من توسُّل قوي محتكم إلى الفداء! يا الله، هل يمكنك أن ترى علامة الدم على غنمك، ومع ذلك تسمح للذئاب الخاطفة بأن تلتهمها؟” سبيرجن (Spurgeon)
ü يرى بوله (Poole) “أن تعبير ’سِبْطِ مِيرَاثِكَ‘ يشير إلى سبط يهوذا الذي اختاره كميراث خاص له، ومن أجل عرش الملكوت، ومن أجل ميلاد المسيّا. نرى هنا تدرُّجًا أنيقًا مما هو عام إلى خاص. إذ بدأ بالجماعة التي تتألف من كل الأسباط، ثم سبط يهوذا.”
ب ) الآيات (٣-٧): تدمير المَقْدِس.
٣ٱرْفَعْ خَطَوَاتِكَ إِلَى ٱلْخِرَبِ ٱلْأَبَدِيَّةِ. ٱلْكُلَّ قَدْ حَطَّمَ ٱلْعَدُوُّ فِي ٱلْمَقْدِسِ. ٤قَدْ زَمْجَرَ مُقَاوِمُوكَ فِي وَسَطِ مَعْهَدِكَ، جَعَلُوا آيَاتِهِمْ آيَاتٍ. ٥يَبَانُ كَأَنَّهُ رَافِعُ فُؤُوسٍ عَلَى ٱلْأَشْجَارِ ٱلْمُشْتَبِكَةِ. ٦وَٱلْآنَ مَنْقُوشَاتِهِ مَعًا بِٱلْفُؤُوسِ وَٱلْمَعَاوِلِ يَكْسِرُونَ. ٧أَطْلَقُوا ٱلنَّارَ فِي مَقْدِسِكَ. دنَّسُوا لِلْأَرْضِ مَسْكَنَ ٱسْمِكَ.
١. ٱرْفَعْ خَطَوَاتِكَ (أسرعْ): طلب آساف من الله أن يهب إلى نجدتهم لأن المَقْدِس (أو خيمة الاجتماع) تعرّض للغزو والنهب. وأمِل آساف أن يكون هذا سببًا يدفع الله إلى التحرك بسرعة لمصلحة إسرائيل.
· “يصوَّر الله هنا على أنه انسحب وابتعد كثيرًا. ولهذا يتوسل آساف إليه أن يرجع من دون تأخير، وأن ينظر إلى الخرب الأبدية التي كانت مدينته المفضّلة لديه ذات يوم.” هورن (Horne)
· ليست لدينا أية إشارة إلى تعرُّض خيمة الاجتماع أو الهيكل إلى مثل هذا التخريب من قِبل أعداء إسرائيل في أيام داود أو سليمان. وقبل وقت طويل من زمن داود، تعرّضت خيمة الاجتماع للاجتياح والنهب في شيلوه عندما كان عالي رئيس الكهنة (سفر صموئيل الأول ٤). وتوجد أربع طرق مختلفة لشرح وصف آساف لهذه الخِرَب الأبدية.
ü كتب آساف عن الكارثة التي حدثت في شيلوه في ١ صموئيل ٤ بينما كان حيًّا في ذلك الوقت، أو أنه كان يكتب من الذاكرة.
ü كتب آساف نبويًّا عن كارثة ستحدث في المستقبل.
ü ليس آساف الذي كتب هذا المزمور هو نفسه آساف المرتبط بعهدي داود وسليمان أو أن هذا المزمور جاء من ’مدرسته،‘ وكُتب بعد سنوات كثيرة لاحقة.
· من بين الاحتمالات الأقل ترجيحًا أنه خطر ببال آساف مَقْدِس رمزي، أو أنه كان هنالك هجوم مدمر على خيمة الاجتماع أو الهيكل في زمن داود أو سليمان لم يدوَّن.
٢. قَدْ زَمْجَرَ مُقَاوِمُوكَ فِي وَسَطِ مَعْهَدِكَ: طلب آساف من الله أن يدافع عن مقْدسه (مَعْهَدِكَ). فقد جاء الذين يقاومون الله بِٱلْفُؤُوسِ وَٱلْمَعَاوِلِ للتدمير، وأحرقوه (أَطْلَقُوا ٱلنَّارَ فِي مَقْدِسِكَ). قاموا بالتدمير بغضب شديد.
· قَدْ زَمْجَرَ مُقَاوِمُوكَ: “بدلًا من الاستماع إلى البركة الكهنوتية (سفر العدد ٢٤:٦-٢٦)، فقد استمعوا إلى زمجرة الأعداء.” فانجيميرين (VanGemeren)
· جَعَلُوا آيَاتِهِمْ آيَاتٍ: الآيات هنا علامات أو رموزًا عسكرية (انظر نفس الكلمة في سفر العدد ٢:٢).” كيدنر (Kidner)
· “كما أحس اليهودي برعب مقدَّس عندما رأى رمزًا وثنيًّا يرتفع في مقْدس الله، هكذا نحس عندما نسمع فلسفة وخداعًا باطلًا على المنابر التي سبق أن اعتلاها رجال الله.” سبيرجن (Spurgeon)
· بِٱلْفُؤُوسِ وَٱلْمَعَاوِلِ يَكْسِرُونَ. أَطْلَقُوا ٱلنَّارَ فِي مَقْدِسِكَ: فكّر سبيرجن (Spurgeon) في كيفية قيام النقاد الحديثين بتدمير الكنيسة. قال إن استخدامهم للتظاهر بالموضوعية ومحبة الحق، وللتهكم وحِيَل الجدل كانت كالفؤوس والمعاول التي دمرت بناء جميلًا صُنع لمجد الله.
ج ) الآيات (٨-٩): دمار الأماكن والأنبياء.
٨قَالُوا فِي قُلُوبِهِمْ: «لِنُفْنِينَّهُمْ مَعًا!». أَحْرَقُوا كُلَّ مَعَاهِدِ ٱللهِ فِي ٱلْأَرْضِ. ٩آيَاتِنَا لَا نَرَى. لَا نَبِيَّ بَعْدُ، وَلَا بَيْنَنَا مَنْ يَعْرِفُ حَتَّى مَتَى.
١. لِنُفْنِينَّهُمْ مَعًا: بعد أن هاجم أعداء الله مقدس الرب بنجاح، أرادوا أن يقضوا على شعب الله كله. وقد أمِلوا أن يحققوا ذلك عندما يحرقون كُلَّ مَعَاهِدِ ٱللهِ فِي ٱلْأَرْضِ.
· لم يَظهر المجمع اليهودي كمؤسسة راسخة إلا في زمن السبي البابلي. لكن يبدو أن من المحتمل أنه كانت أماكن اجتماعات عبر أرض إسرائيل. وعندما كانت إسرائيل مطيعة، لم تكن هنالك أماكن لتقديم الذبائح، بل للصلاة والاستماع إلى كلمة الله. وقد أُمِر اللاويون بتعليم بني إسرائيل (سفر التثنية ٩:١٧-١٢؛ ١٠:٣٣، سفر اللاويين ٨:١٠-١١). وهو أمر منطقي أن نتحدث عن احتمال وجود أماكن للقاء لعبادة الله في تجمعات يهودية كثيرة حتى قبل أن تصبح المجامع مؤسسة راسخة.
· “يفترض أنه لم تكن هنالك مجامع في الأرض حتى زمن السبي البابلي. فكيف يمكن للكلدانيين أن يحرقوا أيًّا منها في اليهودية؟ يمكن أن تؤخذ الكلمة العبرية Moade المترجمة إلى “معاهد” بمعنى عام على أنها تشير إلى أية أماكن تُعقد فيها اجتماعات دينية. ووجود أماكن واجتماعات كهذه قبل وقت طويل من السبي البابلي أمر واضح من أجزاء مختلفة من كلمة الله.” كلارك(Clarke)
· “رغم أنه لم يكن هنالك إلا مكان واحد معيّن لعبادة إسرائيل، حيث إنه الوحيد الذي يضم المذبح للذبائح والمحرقات، ورغم أنه يبدو أن تشكيل المجامع الرسمية يعود إلى زمن لاحق، إلا أنه، كما يقول بيرون (Perowne): ’من المؤكد أنه كانت هنالك عبادة عامة خارج نطاق العائلة. وإن كان هذا هو واقع الحال، لا بد أن هنالك منازل أو أماكن تضم الاحتفالات.‘” بويس (Boice)
٢. آيَاتِنَا لَا نَرَى. لَا نَبِيَّ بَعْدُ: نجح أعداء الله وشعبه في إحداث أضرار جسيمة في حياة إسرائيل الروحية.
· يرى بوله (Poole) أن هنالك مبالغة شعرية في القول إنه لَا نَبِيَّ بَعْدُ. “ليس أمرًا غير معتاد في كلمة الله أن يقال إنه لا يوجد أي أشخاص أو أشياء من نوع ما عندما تتحدث عن ندرتهم الشديدة.”
- “لا تكمن مشكلتنا في غياب كلمة الله أو معلّمين لها. لكنها تكمن في غياب تثمين كلمته. فنحن لا نعزّها ولا ندرسها. ولا نستظهر نصوصها المهمة. وبدلًا من ذلك، نسمح لأشياء أدنى لا حصر لها (مثل التلفاز) بأن تحل محل الكتاب المقدس.” بويس (Boice)
د ) الآيات (١٠-١١): حتى متى؟
١٠حَتَّى مَتَى يَا ٱللهُ يُعَيِّرُ ٱلْمُقَاوِمُ؟ وَيُهِينُ ٱلْعَدُوُّ ٱسْمَكَ إِلَى ٱلْغَايَةِ؟ ١١لِمَاذَا تَرُدُّ يَدَكَ وَيَمِينَكَ؟ أَخْرِجْهَا مِنْ وَسَطِ حِضْنِكَ. أَفْنِ.
١. حَتَّى مَتَى يَا ٱللهُ يُعَيِّرُ ٱلْمُقَاوِمُ؟: رأى آساف دمار المؤسسات الدينية والحياة الروحية في إسرائيل، فسأل بقلب ومنطق حتى متى ستدوم هذه الحالة المتدنية.
٢. لِمَاذَا تَرُدُّ يَدَكَ وَيَمِينَكَ: لم يفقد آساف ثقته بقوة الله أو قدرته. فقد عرف أنه إذا مدّ يده ضد هؤلاء الأعداء، فسيقضي عليهم.
ثانيًا: إظهار قوة الله العظيمة
أ ) الآيات (١٢-١٧): تذَكُّر عظمة الله.
١٢وَٱللهُ مَلِكِي مُنْذُ ٱلْقِدَمِ، فَاعِلُ ٱلْخَلَاصِ فِي وَسَطِ ٱلْأَرْضِ. ١٣أَنْتَ شَقَقْتَ ٱلْبَحْرَ بِقُوَّتِكَ. كَسَرْتَ رُؤُوسَ ٱلتَّنَانِينِ عَلَى ٱلْمِيَاهِ. ١٤أَنْتَ رَضَضْتَ رُؤُوسَ لِوِيَاثَانَ. جَعَلْتَهُ طَعَامًا لِلشَّعْبِ، لِأَهْلِ ٱلْبَرِّيَّةِ. ١٥أَنْتَ فَجَّرْتَ عَيْنًا وَسَيْلًا. أَنْتَ يَبَّسْتَ أَنْهَارًا دَائِمَةَ ٱلْجَرَيَانِ. ١٦لَكَ ٱلنَّهَارُ، وَلَكَ أَيْضًا ٱللَّيْلُ. أَنْتَ هَيَّأْتَ ٱلنُّورَ وَٱلشَّمْسَ. ١٧أَنْتَ نَصَبْتَ كُلَّ تُخُومِ ٱلْأَرْضِ. ٱلصَّيْفَ وَٱلشِّتَاءَ أَنْتَ خَلَقْتَهُمَا.
١. وَٱللهُ مَلِكِي مُنْذُ ٱلْقِدَمِ: تأمّل آساف أولًا سلطة الله الملكية ثم قوّته العظيمة. فنفس الإله الذي شقّ البحر بقوّته سينقذ شعبه في أزمته الحالية.
· لا يمكن أن تكون الأمور أسوأ لمن ينظر بعينيه. ثم جاء الإعلان لما رأته عيون الإيمان. فرغم كل التناقضات البادية، كان يُنظر إلى الله بصفته الملك والعامل من أجل الخلاص.” مورجان (Morgan)
· “لا يَعْمى رجل الإيمان عن الخراب أبدًا. فهو يرى بوضوح المعطيات الرهيبة، لكنه يرى ما هو أكثر. فهو يرى الله. ولهذا فإن آخر كلمة من كلماته كانت ’الخلاص‘ لا ’الخراب.‘” مورجان (Morgan)
٢. كَسَرْتَ رُؤُوسَ ٱلتَّنَانِينِ عَلَى ٱلْمِيَاهِ: يذكر الكتاب المقدس في عدة مواضع ٱلتَّنَانِينِ ولِوِيَاثَان، وغالبًا ما يأتي هذا في سياق الخليقة. ويُعَد لِوِيَاثَان عادة وحشًا بحريًّا أو تنّينًا رهَّب البحارة والصيادين. ويرى بعضهم أن ٱلتَّنَانِينِ (أو الحيات البحرية) ولِوِيَاثَان حقيقة في التاريخ، بينما يعُدّها آخرون أساطير.
· يرى معظم المفسرين هنا أن آساف كان يتذكر إنقاذ الرب في مصر (أَنْتَ شَقَقْتَ ٱلْبَحْرَ بِقُوَّتِكَ)، وأن الحديث عن ٱلتَّنَانِينِ ولِوِيَاثَان إشارات شعرية إلى مصر. غير أن تسبيحته تشير أكثر إلى الخليقة (وَلَكَ أَيْضًا ٱللَّيْلُ. أَنْتَ هَيَّأْتَ ٱلنُّورَ وَٱلشَّمْسَ. أَنْتَ نَصَبْتَ كُلَّ تُخُومِ ٱلْأَرْضِ. ٱلصَّيْفَ وَٱلشِّتَاءَ أَنْتَ خَلَقْتَهُمَا). ويستطيع المرء أن يجد هذه الصلة بالخليقة أكثر من قصة خروج الشعب من مصر.
· شاعت في الشرق الأوسط القديم أساطير شعبية حول آلهةٍ تحارب آلهة معادية مختلفة لكي تخلق الأرض. وقد أظهر الكُتّاب العبرانيون أن يهوه (الرب) هو البطل. فهو الذي شقّ البحر، بينما قالت الأساطير القديمة إن تيامات (إِلَهَة الغمر) كانت الإِلَهَة الفوضوية التي هزمها الإله مردوك (بيل) أو يم (إله البحر) الذي هزمه البعل. فالرب هو الذي كَسَر رُؤُوسَ ٱلتَّنَانِينِ إلى قطع، لا مردوك (مردوخ) أو البعل.
· “الفكرة هنا هي أن ما زعمه بعل في مجال الأساطير فعله الرب في مجال التاريخ – وفعله من أجل خلاص شعبه (فَاعِلُ ٱلْخَلَاصِ).” كيدنر (Kidner)
· “اختار صاحب المزمور لغة الأساطير الكنعانية ليحتفل بانتصار يهوه على الشعوب.” فانجيميرين (VanGemeren)
· تعني كلمة لِوِيَاثَان ’ذاك المتلوّي،‘ وهي تُستخدم في أماكن مثيرة للاهتمام في كلمة الله.
ü يشير مزمور ١٢:٧٤-١٤ إلى لوياثان كحية بحرية، ويسرد كيف أن الله كسر رأس لوياثان منذ القديم، ربما في الخليقة.
ü يشير مزمور ٢٦:١٠٤ أيضًا إلى لوياثان كمخلوق بحري.
ü يتحدث سفر إشعياء ١:٢٧ عن هزيمة لوياثان مستقبلًا، ويربطه أيضًا بحية متلوية تعيش في البحر.
ü يتحدث مزمور ٩:٥١ و ٨:٨٩-١٠عن ثعبان مرتبط بالبحر هزمه الله في إظهار لقوّته العظيمة، ويُربط هذا الثعبان بالاسم ’رهب،‘ والذي يعني المتكبر.
ü يشير سفر أيوب ١٢:٢٦-١٣ أيضًا إلى هزيمة الله لحية هاربة مرتبطة بالبحر.
· غالبًا ما يمثَّل إبليس كتنين أو حية (ثعبان) (سفر التكوين ٣؛ رؤيا يوحنا ١٢-١٣)، ويُنظر إلى البحر في الفكر اليهودي كمكان خطر ينطوي على تهديد (سفر إشعياء ٢٠:٥٧؛ إنجيل مرقس ٣٩:٤؛ رؤيا يوحنا ١:٢١). وإنه لأمر ممكن أن لوياثان إظهار آخر شبيه بالحية (الثعبان) لإبليس الذي تم التغلب على مقاومته للخليقة.
· من المهم أن نلاحظ أن الكتاب المقدس العبري لا يصدّق ولا يتبنّى الأساطير الكنعانية. فهو يأخذها ويحوِّلها مستخدمًا إياها لتمجيد الرب بطريقة لم تفعلها الأساطير الكنعانية قط. ويلاحظ إلمر ب. سميك (Elmer B. Smick) في تفسيره لسفر أيوب: “نجد هنا أن البحر الذي يُخضعه إله ليس هو الإله يم. وقد نزع أيوب الصفة الشخصية عن البحر عندما أضاف أل التعريف إليه، معبّرًا بهذا عن لاهوت توحيدي. وفضلًا عن ذلك، قام الله بحكمته الخاصة ومهارته الخاصة وقوّته الخاصة بتقطيع ’رهب‘ إلى أجزاء واخترق الحية المنزلقة، على خلاف مردوك الذي اعتمد على آلهة أخرى.”
٣. أَنْتَ فَجَّرْتَ عَيْنًا وَسَيْلًا: يسرد آساف هنا أمثلة لقوة الله وسلطته على الطبيعة. فللرب سلطة على المياه واليوم والليل وكل المواسم.
· أنتَ: “يؤكد التكرار السُّباعي لكلمة ’أنت‘ الصفة الشخصية لله والأعمال السابقة والتي يتعهد بالقيام بها الآن.” ماكلارين (Maclaren)
ب) الآيات (١٨-٢١): الطلب من الله أن يتذكر ويراعي عهده.
١٨اُذْكُرْ هَذَا: أَنَّ ٱلْعَدُوَّ قَدْ عَيَّرَ ٱلرَّبَّ، وَشَعْبًا جَاهِلًا قَدْ أَهَانَ ٱسْمَكَ. ١٩لَا تُسَلِّمْ لِلْوَحْشِ نَفْسَ يَمَامَتِكَ. قَطِيعَ بَائِسِيكَ لَا تَنْسَ إِلَى ٱلْأَبَدِ. ٢٠ٱنْظُرْ إِلَى ٱلْعَهْدِ، لِأَنَّ مُظْلِمَاتِ ٱلْأَرْضِ ٱمْتَلَأَتْ مِنْ مَسَاكِنِ ٱلظُّلْمِ. ٢١لَا يَرْجِعَنَّ ٱلْمُنْسَحِقُ خَازِيًا. ٱلْفَقِيرُ وَٱلْبَائِسُ لِيُسَبِّحَا ٱسْمَكَ.
١. اُذْكُرْ هَذَا: أَنَّ ٱلْعَدُوَّ قَدْ عَيَّرَ ٱلرَّبَّ: بعد أن أعلن آساف قوة الله التي لا تضاهى، ناشد الله الانتقام من أعدائه وحماية شعبه (لَا تُسَلِّمْ لِلْوَحْشِ نَفْسَ يَمَامَتِكَ).
· يَمَامَتِكَ: “هذا التشبيه باليمامة ملائم بسبب وجه الشبه الكبير من حيث الميول والظروف، حيث إن اليمامة بسيطة، ومسالمة، ووديعة، وأمينة، ونوّاحة. وهي تتعرض لأذى متعدد، وهي غير قابلة على الدفاع عن نفسها.” بوله (Poole)
٢. ٱنْظُرْ إِلَى ٱلْعَهْدِ (راعِ عهدك): ناشد آساف الله بحكمة وبشكل مقنع أن يتصرّف في ضوء عهده مع شعبه. ففي عالم خطِر ممتلئ بالقسوة، يستطيع شعب الله أن يعتمد على وعود عهده.
· “إن ما يحث (آساف) الله على مراعاته هو العهد، وهو خلية النحل السماوي الملآنة بالعسل، إذا صح التعبير.” تراب (Trapp)
· “عند كل محنة، عندما ترغب في أية بركة، وعندما تُسمع طرقات مطارق العدو الساحقة، الجأ إلى الله وقلْ له: ٱنْظُرْ إِلَى ٱلْعَهْدِ الذي يسوع وسيطه، ودمه ختمه.” ميير (Meyer)
ج) الآيات (٢٢-٢٣): طلب من الله أن يعمل وفق قضيّته الخاصة.
٢٢قُمْ يَا اَللهُ. أَقِمْ دَعْوَاكَ. اذْكُرْ تَعْيِيرَ الْجَاهِلِ إِيَّاكَ الْيَوْمَ كُلَّهُ. ٢٣لاَ تَنْسَ صَوْتَ أَضْدَادِكَ، ضَجِيجَ مُقَاوِمِيكَ الصَّاعِدَ دَائِمًا.
١. قُمْ يَا ٱللهُ. أَقِمْ دَعْوَاكَ: قدّم آساف طلبة يطلب فيها أن يعزز قضيته. فلم يطلب من الله أن يتصرف بدافع من الرأفة تجاه شعبه فحسب، بل أيضًا من أجل مجده بالرد على تَعْيِيرَ ٱلْجَاهِلِ الذي يعيّر الله يوميًا (إِيَّاكَ ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ).
· “يتوسل آساف أن يتذكر الله أنه نفسه موضوع تعيير، وأن من يفعل هذا مجرد إنسان جاهل. ويذكّره بأن هذه التعييرات تتكرر مع مجيء كل يوم. وقد فعل آساف هذا بشجاعة. فالإيمان ينتزع توسلات بناءً على ما يخرج من تعايير من فم التنين وتجاديف من أفواه الحمقى، جاعلًا منها حججًا يقدّمها لله.” سبيرجن (Spurgeon)