تفسير سفر المزامير – مزمور ٨٠
استرداد إسرائيل، غنم الرب وكرمته
هذا المزمور معنون لِإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ عَلَى «ٱلسُّوسَنِّ». شَهَادَةٌ. لِآسَافَ. مَزْمُورٌ. وكما هو الحال في المزامير ٤٥ و٦٠ و٦٩، فإنه يُعزف عَلَى ٱلسُّوسَنِّ. ربما تشير ’ٱلسُّوسَنِّ‘ إلى الجمال العام للمؤلَّف، أو نوع اللحن، أو حتى الآلة الموسيقية التي يُعزَف المزمور عليها، وهي آلة وترية بستة أوتار معروفة بالعبرانية شوشانيم.
وغالبًا ما يُنسب هذا المزمور، شأنه شأن مزامير لآساف، إلى مرنم لاحق بنفس الاسم، آساف. “هنا ليست المملكة الجنوبية فحسب، بل المملكة الشمالية أيضًا هي التي تدعو الله ’راعي إسرائيل،‘ ويُذكَر هنا أفرايم ومنسى أكبر سبطين في المملكة الشمالية. وبما أنها تطلب خلاص إسرائيل، فإنه أفضل لنا أن ننظر إلى المزمور على أنه توسُّل لإنقاذ المملكة الشمالية في وقت ما قبل سقوطها أمام الجيوش الأشورية في عام ٧٢١ ق. م.” بويس (Boice)
“ينبغي أن نفترض أن الكاتب هو آساف لاحق عاش في تعاسة على نمط ’الشاعر المغني الأخير‘ في أوقات شريرة. لكن لو كُتب هذا المزمور من قِبَل آساف الذي عاش في عهد داود، فقد كتبه بروح النبوّة. فهو يتحدث عن أوقات لم يعرفها داود.” سبيرجن (Spurgeon)
أولًا. راعي إسرائيل والحزن
أ ) الآيات (١-٣): صلاة إلى راعي إسرائيل من أجل الإنقاذ.
١يَا رَاعِيَ إِسْرَائِيلَ، ٱصْغَ، يَا قَائِدَ يُوسُفَ كَٱلضَّأْنِ، يَا جَالِسًا عَلَى ٱلْكَرُوبِيمِ أَشْرِقْ. ٢قُدَّامَ أَفْرَايِمَ وَبِنْيَامِينَ وَمَنَسَّى أَيْقِظْ جَبَرُوتَكَ، وَهَلُمَّ لِخَلَاصِنَا. ٣يَا ٱللهُ أَرْجِعْنَا، وَأَنِرْ بِوَجْهِكَ فَنَخْلُصَ.
١. يَا رَاعِيَ إِسْرَائِيلَ، ٱصْغَ: كانت صورة الملك أو الحاكم على الشعب كراعٍ شائعة في العالم القديم. وقد فهِم آساف بحق هذا الأمر بطريقة مميزة ورائعة. فالرب (يهوه) هو راعي إسرائيل، فهو الذي قاد وسيقود يوسف كقطيع.
· “رغم أن فكرة كون الله راعيًا تتكرر في أسفار أخرى، إلا أنها لا ترِد إلا مرتين في سفر المزامير، هنا وفي مزمور ٢٣.” بويس (Boice)
· “هذا الاسم (اللقب) ممتلئ بالحنوّ، ولهذا يختاره صاحب المزمور المضطرب. فالقلوب الكسيرة تتلذذ في أسماء النعمة.” سبيرجن (Spurgeon)
· رَاعِيَ إِسْرَائِيلَ: “أنت الذي تطعم شعبك، وتسهر على رعايتهم، وتحرسهم، وتدافع عنهم، وتفديهم، وتَجْبُرهم. أنت تعالجهم، وتشفيهم، وتغسلهم، وتقودهم إلى حيث يقدرون أن يمضوا، وتحملهم في حضنك. هذه هي وظائف الراعي الصالح من أجلهم.” تراب (Trapp)
· “يذكّرنا تعبير ’رَاعِي إِسْرَائِيلَ‘ ببركة يعقوب على أفرايم ومنسّى، والتي ناشد الله فيها ’الله الذي رعى وجودي إلى هذا اليوم‘ أن ’يبارك الغلامين‘ (سفر التكوين ٢٤:٤٩) بركة من الراعي، صخرة إسرائيل.” ماكلارين (Maclaren)
· بسبب بروز يوسف بين إخوته، وبسبب حجم سبطي ابنَي يوسف (أفرايم ومنسى)، غالبًا ما تشير كلمة الله إلى إسرائيل كلها بصفتها ’يوسف‘ (حزقيال ١٦:٣٧، ١٩؛ عاموس ٦:٥؛ ١٥:٥؛ ٦:٦؛ زكريا ٦:١٠؛ مزمور ٥:٨١؛ عوبديا ١٨:١).
٢. يَا جَالِسًا عَلَى (ساكنًا بين) ٱلْكَرُوبِيمِ: يشير هذا إلى جانبين. الجانب الأدنى هو وجود الله في ارتباطه بتابوت العهد ومؤسسة الهيكل/خيمة الاجتماع. والجانب الأعظم هو الإدراك أنه في السماء وواقعها، يسكن الله بالفعل بين الكروبيم.
٣. يَا جَالِسًا عَلَى(ساكنًا بين) ٱلْكَرُوبِيمِ، أَشْرِقْ: طلب آساف أن يُشرق إله الجلال والمجد لأجل شعبه. وعندما يشرق، ستنقشع الظلمة وسيتمجد.
٤. قُدَّامَ أَفْرَايِمَ وَبِنْيَامِينَ وَمَنَسَّى أَيْقِظْ جَبَرُوتَكَ: في ترتيب الأسباط الثلاثة حول خيمة الاجتماع، وحسب ترتيبهم في المسير عندما يُحمل تابوت العهد، كانت تجتمع معًا في الجانب الشرقي من خيمة الاجتماع (سفر العدد ٢ و١٠).
· “كانت هذه الأسباط الثلاثة تتحرك معًا وراء التابوت بعد حملِه (سفر العدد ١٨:٢-٢٤؛ ٢:١٠-٢٤).” تراب (Trapp)
٥. أَيْقِظْ (حرِّكْ) جَبَرُوتَكَ، وَهَلُمَّ لِخَلَاصِنَا: كان الإله القوي بما يكفي لرعاية إسرائيل وإخراج شعبه من مصر إلى كنعان قويًّا بما يكفي لتخليصهم من أزمتهم الحالية – إذ أُيقِظ جبروته وتحرّكت قوته. كانت تلك صلاة إيمان وفهم واعتماد.
٦. يَا ٱللهُ أَرْجِعْنَا: يبدأ هذا لازمة تتكرر ثلاث مرات في هذا المزمور (الآيات ٣ و٧ و١٩). وهي تعبّر عن الاتكال والاعتماد على الله والثقة بأن رضاه (عندما يشرق بوجهه) هو ما تحتاج إليه إسرائيل للاسترداد والبركة.
· “لا يقول هنا ’رُدَّ (أَرْجِعْ) سبينا‘ بل أَرْجِعْنَا (نحن). إذ ستصوَّب كل الأمور إذا صوّبنا علاقتنا بك. وأفضل رجوع أو استرداد هو استرداد المعدن الأخلاقي لا استرداد الظروف. وعندما يرد الله شعبه، فسرعان ما يرد حالتهم.” سبيرجن (Spurgeon)
· رأى سبيرجن في هذا السطر وفي الوصف التالي عوامل للانتعاش. أولًا، هناك استرداد، ولجوء من الشعب إلى الله. ثم هنالك وجه الله الساطع وهو يشرق بكل صلاح حضوره. ونحن نرى في هذين العاملين عمل الانتعاش وهو يحدث.
· “أريد أن أرى هذه الأوقات ثانية عندما تنزل أولًا زخّات منعشة من السماء. ألم تسمع أنه تحت تأثير عظات وايتفيلد خلص ألفا شخص؟ كان رجلًا عظيمًا. لكن الله يستطيع أن يستخدم القليل إضافة إلى الكثير لينتج التأثير نفسه. فلماذا لا تخلص نفوس هنا بما يتجاوز أحلامنا؟” سبيرجن (Spurgeon)
٧. وَأَنِرْ بِوَجْهِكَ فَنَخْلُصَ: يُرجعنا هذا إلى البركة التي أمر بها الله الكهنة بأن يطلقوها على شعب إسرائيل (سفر العدد ٢٤:٦-٢٦)، وهي تتضمن فكرة حضور الله وسروره ورضاه.
· “لا بد أن صاحب المزمور سمع هذه البركة ألف مرة، ولهذا يصلي قائلًا: أَنِرْ بِوَجْهِكَ فَنَخْلُصَ.” بويس (Boice)
· “إن أكثر ما نخافه ونرتعد منه هو انسحاب حضور الرب، وأكثر أملٍ سطوعًا هو احتمال رجوعه. وفي أكثر أوقات إسرائيل ظلمةً، كان نور وجه الراعي كل ما كانت تحتاج إليه.” سبيرجن (Spurgeon)
· فَنَخْلُصَ: “يعني الخلاص هنا الإنقاذ من هجوم الأمم المعادية. كان الشاعر متأكدًا من أن دفاع إسرائيل الوحيد هو الله، وأن شعاعًا واحدًا من وجهه كفيل بأن يجعل الأعداء ينكمشون.” ماكلارين (Maclaren)
ب) الآيات (٤-٧): غضب الله يقود الشعب إلى الحزن.
٤يَا رَبُّ إِلَهَ ٱلْجُنُودِ، إِلَى مَتَى تُدَخِّنُ عَلَى صَلَاةِ شَعْبِكَ؟ ٥قَدْ أَطْعَمْتَهُمْ خُبْزَ ٱلدُّمُوعِ، وَسَقَيْتَهُمُ ٱلدُّمُوعَ بِٱلْكَيْلِ. ٦جَعَلْتَنَا نِزَاعًا عِنْدَ جِيرَانِنَا، وَأَعْدَاؤُنَا يَسْتَهْزِئُونَ بَيْنَ أَنْفُسِهِمْ. ٧يَا إِلَهَ ٱلْجُنُودِ أَرْجِعْنَا، وَأَنِرْ بِوَجْهِكَ فَنَخْلُصَ.
١. يَا رَبُّ إِلَهَ ٱلْجُنُودِ، إِلَى مَتَى تُدَخِّنُ عَلَى صَلَاةِ شَعْبِكَ؟ سكب آساف قلبه في حزن قدام الله. إنه لأمر رهيب أن تحس بأن الله غاضب وأنه ضد صلاة شعبه. ويتعمق الحزن أكثر عندما ندرك أن الله، رب الجيوش السماوية، رب الجنود، وضع نفسه بطريقة ما ضد شعبه.
· “هنالك ترجمات تقول ’لماذا تغضب؟‘ وهذه ترجمة ضعيفة للنص العبري الأصلي الذي يقول ’ماذا تُدَخِّنُ،‘ كما هو الحال في الترجمة العربية. وتتحدث مزامير أخرى (مثلًا مزمور ١:٤٧) عن غضب الله كدخان، لكن الصورة هنا تنطبق على الله نفسه.” ماكلارين (Maclaren)
· على (ضد) صلاة شعبك: “يبدو أمرًا طبيعيًّا وعاديًّا أن يغضب الله علينا عندما نخطىء. لكن عندما يغضب الله على صلواتنا، فإن هذا حزن مرير.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. وَسَقَيْتَهُمُ ٱلدُّمُوعَ بِٱلْكَيْلِ: استخدم آساف استعارة شرب الدموع للتعبير عن الحزن العظيم لشعب الله. وتستخدم مزمور ٣:٤٢ صورة مشابهة: “صَارَتْ لِي دُمُوعِي خُبْزًا نَهَارًا وَلَيْلًا.”
· لا يمكن أن تكون هنالك صورة أكثر إذهالًا لإسرائيل في السبي. إذ خبزها مغمس في الدموع، وكأسها ممتلئة حتى الحافة. ولا يوجد وقت للتحرر من الحزن والندب.” هورن (Horne)
٣. وَأَعْدَاؤُنَا يَسْتَهْزِئُونَ بَيْنَ أَنْفُسِهِمْ: كان الاستهزاء والتهكم الاستفزازي من قِبل أعداء إسرائيل مؤلمًا لآساف ولشعب الله في حالتهم المتدنية. جعلهم الله نِزَاعًا عِنْدَ جِيرَانِهم وهم يستمعون إلى ضحكات أعدائهم المستهزئة.
· نِزَاعًا عِنْدَ جِيرَانِنَا: “هم دائمًا غيورون منا وخبيثون. فرحت أدوم وموآب بضيقات إسرائيل، ثم راحتا تتنازعان حول حصّتهما من الغنائم.” سبيرجن (Spurgeon)
· “يشير صاحب المزمور إلى إله غاضب، وأمّة نائحة، وأعداء مستهزئين. هذا ويلٌ ثلاثي.” ماكلارين (Maclaren)
٤. يَا إِلَهَ ٱلْجُنُودِ أَرْجِعْنَا: يكرر آساف اللازمة التي بدأها في الآية ٣، لكنه استخدم تعبير “إله الجنود” بدلًا من “الله” مؤكدًا بذلك قوة الله وسلطته. وقد أدى التعبير الجديد عن تعاسة الشعب إلى صلاة جديدة من أجل الاسترداد والإنقاذ من خلال إشراق نور الله ورضاه (وَأَنِرْ بِوَجْهِكَ فَنَخْلُصَ).
ثانيًا. إسرائيل ككرمة
أ ) الآيات (٨-١١): كرمة إسرائيل تُزرع في الأرض الموعودة.
٨كَرْمَةً مِنْ مِصْرَ نَقَلْتَ. طَرَدْتَ أُمَمًا وَغَرَسْتَهَا. ٩هَيَّأْتَ قُدَّامَهَا فَأَصَّلَتْ أُصُولَهَا فَمَلَأَتِ ٱلْأَرْضَ. ١٠غَطَّى ٱلْجِبَالَ ظِلُّهَا، وَأَغْصَانُهَا أَرْزَ ٱللهِ. ١١مَدَّتْ قُضْبَانَهَا إِلَى ٱلْبَحْرِ، وَإِلَى ٱلنَّهْرِ فُرُوعَهَا.
١. كَرْمَةً مِنْ مِصْرَ نَقَلْتَ: الكرمة صورة مألوفة لإسرائيل في العهد القديم. وهي كرمة نُقِلت من مصر لتُزرع في الأرض الموعودة. زرعها الله في كنعان فاسحًا المجال لها بطرد الأمم الكنعانية.
· تتحدث نصوص كثيرة في العهد القديم عن إسرائيل ككرمة (سفر التثنية ٣٢:٣٢-٣٣؛ إشعياء ١:٥؛ إرميا ٢١:٢؛ حزقيال ٥:١٧-٦؛ هوشع ١:١٠؛ يوئيل ٧:١). ويطبق العهد الجديد هذه الصورة المجازية على إسرائيل (متى ١:٢٠؛ متى ٣٣:٢١؛ مرقس ١:١٢)، ثم يطبقها بشكل واسع على شعب الله عمومًا.
· “الكرمة نبتة ضعيفة ومتواضعة ومحتاجة إلى دعم. وعندما تُدعم، تصبح برية مترفة ما لم تكبحها سكين التقليم. وهي قادرة على أن تنتج أوفر الثمر. لكن إن كانت عقيمة، فإنها أقل الأشجار فائدة على الإطلاق، ولا تصلح إلا للنيران.” هورن (Horne)
٢. هَيَّأْتَ قُدَّامَهَا فَأَصَّلَتْ أُصُولَهَا فَمَلَأَتِ ٱلْأَرْضَ: بوركت كرمة إسرائيل في الأرض الموعودة. وتحت بركة الله، نمت بقوة وأمان في الأرض حتى إنها فعلت ما كان مستحيلًا أن تفعله أية كرمة من ناحية نباتية بشكل حرفي. نمت مثل أشجار الأرز القوية التي طرحت ظلها على الجبال.
· “يتم التوسع في الصورة المجازية بشكل جميل في تفاصيلها. كان الخروج عملية نقل للكرمة. وكان تدمير الكنعانيين بمثابة نبش واستئصال للزوان (الأعشاب الضارة) وتمهيد الأرض للكرمة. وكانت الزيادة العددية بمثابة تعميق الأصول وانتشارها.” ماكلارين (Maclaren)
٣. مَدَّتْ قُضْبَانَهَا إِلَى ٱلْبَحْرِ، وَإِلَى ٱلنَّهْرِ فُرُوعَهَا: امتدت هيمنة إسرائيل في ذروتها تحت حُكمي الملكين داود وسليمان من البحر الأبيض المتوسط (ٱلْبَحْرِ) إلى نهر الفرات (ٱلنَّهْرِ).
· كانت السيطرة الواسعة لإسرائيل وعدًا في سفر الخروج ٣١:٢٣ وسفر التثنية ٢٤:١١. ويبيّن سفر ملوك الأول ٢١:٤، أن هذا الوعد تَحَقق في عهد سليمان الذي ورث سيطرة داود.
ج ) الآيات (١٢-١٣): الكرْم غير المحمي.
١٢فَلِمَاذَا هَدَمْتَ جُدْرَانَهَا فَيَقْطِفَهَا كُلُّ عَابِرِي ٱلطَّرِيقِ؟ ١٣يُفْسِدُهَا ٱلْخِنْزِيرُ مِنَ ٱلْوَعْرِ، وَيَرْعَاهَا وَحْشُ ٱلْبَرِّيَّةِ.
١. فَلِمَاذَا هَدَمْتَ جُدْرَانَهَا؟: في إسرائيل القديمة، غالبًا ما كان الكرْم يحاط بسياج كثيف يحول دون دخول اللصوص والحيوانات البرية إليه. فنظر آساف إلى حالة إسرائيل المضطربة، ورأى أن يد الله هي التي حطمت هذا السياج الرمزي.
٢. فَيَقْطِفَهَا كُلُّ عَابِرِي ٱلطَّرِيقِ: كانت أرض إسرائيل، من دون حماية من سياج الله، عرضة للنهب والالتهام من أعدائها.
٣. يُفْسِدُهَا ٱلْخِنْزِيرُ مِنَ ٱلْوَعْرِ، وَيَرْعَاهَا وَحْشُ ٱلْبَرِّيَّةِ: الخنازير البرية مشهورة بقدرتها على التدمير، وهي تستطيع أن تحوّل كرمًا إلى أرض قاحلة. وهنا يصوّر آساف أعداء الله على أنهم وحوش برية مدمّرة.
· “لا يمكن أن توجد أية صورة لعدو مدمّر أكثر ملاءمة من تلك المستخدمة هنا. لقد قرأنا عن الثعالب الصغيرة التي تفسد الكروم، لكن الخنزير البري عدو أكثر تدميرًا، حيث يقتحم السياج ويحطمه في دخوله ويستأصل الأرض ويهدم الكروم نفسها بأقدامه. ويمكن لزمرة صغيرة من هذه الحيوانات أن تقضي أحيانًا على كرم بأكمله في ليلة واحدة.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن وود (Wood)
· في عام ١٥٢٠، عندما برز مارتن لوثر كمصلح، أصدر البابا ليو العاشر إدانة علنية للوثر بعنوان (Exsurge Domini)’استيقظ، يا رب،‘ واستخدم في الفقرة الأولى هذه الصورة في المزمور ٨٠: “عند صعودك إلى السماء، أمرتَ برعاية هذا الكرْم وحُكمه وإدارته لبطرس كرئيس له، ولممثليه، ولخلفائه لصفته الكنيسة المنتصرة. وقد تَعَهَّد خنزير بري من الأحراش بالقضاء على هذا الكرْم، وحش بري يريد أن يلتهمه.”
ج ) الآيات (١٤-١٦): صلاة إلى الله ليشفق على الكرمة المقفرة.
١٤يَا إِلَهَ ٱلْجُنُودِ، ٱرْجِعَنَّ. ٱطَّلِعْ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَٱنْظُرْ وَتَعَهَّدْ هَذِهِ ٱلْكَرْمَةَ، ١٥وَٱلْغَرْسَ ٱلَّذِي غَرَسَتْهُ يَمِينُكَ، وَٱلِٱبْنَ ٱلَّذِي ٱخْتَرْتَهُ لِنَفْسِكَ. ١٦هِيَ مَحْرُوقَةٌ بِنَارٍ، مَقْطُوعَةٌ. مِنِ ٱنْتِهَارِ وَجْهِكَ يَبِيدُونَ.
١. يَا إِلَهَ ٱلْجُنُودِ، (نتوسل إليك) ٱرْجِعَنَّ: توسّل آساف بالنيابة عن الأمة راجيًا من الله أن يرجع إليهم (ٱرْجِعَنَّ)، وأن ينظر إلى عِظم احتياجهم إلى أن يفتقد كرمته التي زرعها بنفسه.
· “تعود معاناة الشعب إلى خطيتهم في الابتعاد عن الله بصفته الراعي والزوج والملك. ولا يمكن أن يـأتي الاسترداد إلا عندما يقوم الله بإعادته إليه.” مورجان (Morgan)
· وَٱنْظُرْ وَتَعَهَّدْ هَذِهِ ٱلْكَرْمَةَ، وَٱلْغَرْسَ ٱلَّذِي غَرَسَتْهُ يَمِينُكَ (والغصن الذي مكّنته): “هذه صلاة للقائد الذي أقامه الرب، أو للمسيّا الذي كانوا يتوقعونه.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. هِيَ مَحْرُوقَةٌ بِنَارٍ، مَقْطُوعَةٌ: جاء الخراب العظيم لهذه الكرمة من انتهار الله نفسه، مِنِ ٱنْتِهَارِ وَجْهِكَ.
د ) الآيات (١٧-١٩): الاسترداد في الرجل الذي عن يمين الله.
١٧لِتَكُنْ يَدُكَ عَلَى رَجُلِ يَمِينِكَ، وَعَلَى ٱبْنِ آدَمَ ٱلَّذِي ٱخْتَرْتَهُ لِنَفْسِكَ، ١٨فَلَا نَرْتَدَّ عَنْكَ. أَحْيِنَا فَنَدْعُوَ بِٱسْمِكَ. ١٩يَا رَبُّ إِلَهَ ٱلْجُنُودِ، أَرْجِعْنَا. أَنِرْ بِوَجْهِكَ فَنَخْلُصَ.
١. لِتَكُنْ يَدُكَ عَلَى رَجُلِ يَمِينِكَ: كانت إسرائيل في حالة متدنية، وعرف آساف أنها محتاجة إلى قائد. فطلب من الله أن يسند رجله المختار للقيادة، رَجُل يَمِينِكَ، ويباركه. إنه رجل معيّن، رجل يمين الله. ربما خطر ببال آساف في البداية الملك الحالي في اسرائيل، لكن في نهاية المطاف، فإن رجل يمين الله هو يسوع المسيح (أفسس ٢٠:١؛ عبرانيين ١:٨).
· “ترتفع أو تسقط الأمم من خلال فاعلية الأفراد. فأشخاص مثل نابليون، فيهم تُجلد الممالك. ومن خلال أشخاص مثل ولنغتون، تُنقذ من الطاغية. ومن خلال الإنسان على يمين الله، سترتفع إسرائيل التي سقطت. ومن خلال ذاك الذي سمّى نفسه ابن الإنسان، يخْلص العالم من هيمنة إبليس ولعنة الخطية.” سبيرجن (Spurgeon)
· رَجُلِ يَمِينِكَ: “إن الشخص الوحيد الذي يمكن أن يقال عنه إنه عن يمين الله كشفيع هو يسوع المسيّا. فلنجعلْه منقذنا، ونعيّنه لهذا القصد، ولندع قوّته تظهر في ضعفنا! وهو الذي سيرد اليهود. فإذا كان ممكنًا أن يُرَدوا، فسيُردون بالمسيح. وهو به وحده نجد رحمة. ومن خلاله وحده يمكن التصالح مع الله.” كلارك (Clarke)
٢. وَعَلَى ٱبْنِ آدَمَ ٱلَّذِي ٱخْتَرْتَهُ (مكّنتَه) لِنَفْسِكَ: مرة أخرى، يرجّح أن هذه صلاة مرتبطة بالملك الحالي لإسرائيل. غير أن ابن الإنسان النهائي والأسمى هو يسوع المسيّا الذي نال قوة الله كابن خاضع لأبيه في السماء.
٣. فَلَا نَرْتَدَّ عَنْكَ: في قوة ابن الإنسان الذي قوّاه الله، رجل يمين الله، سيُسترد شعب الله إلى الأمانة. وسينتعشون عندما يعون باسمه (أَحْيِنَا فَنَدْعُوَ بِٱسْمِكَ).
· أَحْيِنا (أنعشنا): “لا يستطيع إلا الرب وحده أن يحيي ويُنعش (مزمور١٨:٨٠) الشعب بمغفرة خطاياهم، وتجديد العهد، وطرد الأعداء. فليست هذه مجرد صلاة للإنقاذ، بل هي التماس مُلِح لبركات الله.” فانجيميرين (VanGemeren)
٤. يَا رَبُّ إِلَهَ ٱلْجُنُودِ: تتكرر اللازمة لمرة ثالثة وأخيرة، غير أنها تضيف هنا كلمة يهوه (الرب)، اسم إله العهد، رب الجنود. وتحت قيادة مسيح الله العظيم، سيُرد شعب الله ثانية وسيعرفون نور وجه الله، وسيُنقذون (أَنِرْ بِوَجْهِكَ فَنَخْلُصَ).
· أَنِرْ بِوَجْهِكَ: “بالنسبة لكل من إسرائيل والكنيسة، استُجيبت هذه الصلاة في المسيح. ففيه يمكن أن نُرَد إلى الله. وفيه يسطع نور الله علينا في نعمة.” مورجان (Morgan)