تفسير سفر المزامير – المزمور ١١٩
عظمة كلمة الله ومجدها
يحتاج هذا المزمور الطويل إلى مقدمة طويلة. ومؤلف المزمور هذا غير مسمّى. وقد اتفق المفسرون القدماء تقريبًا على أنه مزمور لداود ألّفه على مدى حياته، بينما يَخْلُص مفسرون أكثر حداثة إلى أنه يعود إلى ما بعد السبي في أيام نحميا أو عزرا. ربما يكون داود هو الكاتب، لكن لا يمكننا أن نجزم في هذه المسألة، وليس ضروريًّا أن نعرف. فلو كان الأمر مهمًّا، لاحتفظ الله باسم داود كمؤلف لهذا المزمور. وبغضّ النظر عن هوية الكاتب، فقد كتبه على فترة طويلة من الزمن، ثم قام بتجميعه لاحقًا، لأنه لا يوجد تدفُّق محدد للأفكار من بداية المزمور إلى نهايته. فليست الآيات والأقسام كسلسلة، بل كعقد من اللآلئ حيث لكل لؤلؤة قيمتها مساوية، لكن مستقلة.
المزمور ١١٩ مرتب في نمط أكروستي، أي متسلسل حسب الحروف الأبجدية العبرية. إذ يوجد ٢٢ حرفًا في الأبجدية العبرية، ويتضمن هذا المزمور ٢٢ وحدة من ثماني آيات في كل واحدة منها. ويُعطى كل قسم من الاثنين والعشرين قسمًا حرفًا من الأبجدية العبرية. ويبدأ كل سطر في ذلك القسم بنفس هذا الحرف. ونحن نجد أقرب توازٍ لهذا النمط في كلمة الله في مراثي ٣، حيث يقَسَّم أيضًا إلى ٢٢ قسمًا. ولا تستخدم إلا نصوص قليلة من الكتابات المقدسة العبرية نمطًا أكروستيًّا كهذا.
وبما أن هذا مزمور يمجد الله وكلمته، فإنه يشير إلى كلمة الله مرارًا وتكرارًا. والمزمور هذا لافت للنظر من حيث إشارته إلى إعلان الله المكتوب. وهو يشير إليه في كل آية تقريبًا. وقد قال المازوريون (The Masoretes) (مجموعة من الباحثين اليهود بين القرن السادس والعاشر الميلادي) إن كلمة الله تذكر في كل آية من هذا المزمور باستثناء مزمور ١١٩: ١٢٢. ويحلل آخرون هذا على نحو مختلف (مع خلاف حول الآيات ٨٤ و ٩٠ و ١٢١ و ١٣٢). لكن كلمة الله بمسَمّياتها المختلفة مذكورة ١٧١ مرة في آيات المزمور التي تبلغ ١٧٦ آية.
يوجد في هذا المزمور ثماني كلمات أساسية للإشارة إلى كلمة الله، أي إعلان الله لنا.
· الشريعة أو الناموس (توراة) (Torah، وهي تُستخدم ٢٥ مرة في مزمور ١١٩): “ويعني الفعل المشتق منها ’يعلّم‘ أو ’يرشد‘، ولهذا تعني ’شريعة‘ أو ’إعلانًا‘ عندما تأتي من الله. ويمكن أن تُستخدم كأمر واحد، أو كمجموعة كاملة من الشريعة.” ديريك كيدنر (Derek Kidner)
· كلام أو كلمة – بالعبرية (دابار Dabar وهي تُستخدم ٢٤ مرة): وهي تدل هنا على الكلمة المنطوقة، كلمة الله المعلنة للإنسان، “الخارجة من فمه والمعلنة منه لنا.” ماثيو بول (Matthew Poole)
· أحكام (Mispatim، وهي تُستخدم ٢٣ مرة): وهي مأخوذة من شافاط Shaphat، وتعني يحكم، ويقرر، وينظم، ويرتب، ويميّز، لأنها تحكم على كلامنا وأعمالنا، وتبيّن القوانين التي ينبغي أن تُنظَّم بها، وهي تجعلنا تميّز الصواب من الخطأ، وتقرر وفق ذلك.” آدم كلارك (Adam Clarke)
· شهادات (بالعبرية Edut / edot وتُستخدم ٢٣ مرة): وهي مرتبطة بكلمة ’يشهد‘ أو ’شاهد.‘ وتدل طاعة شهاداته “على الولاء لشروط العهد المقطوع بين الرب وإسرائيل.” ويليم فانجيميرين (Willem VanGemeren)
· الوصايا (بالعبرية Miswot / miswah، وهي تستخدم ٢٢ مرة): وهي “تؤكد هذه الكلمة السلطة المباشرة لما يقال … والحق في إعطاء الأوامر.” ديريك كدنر (Derek Kidner)
· فرائض (بالعبرية Huqqim، وهي تستخدم ٢١ مرة): والاسم مشتق من الفعل ’ينقش‘ أو ’يحفر.‘ والفكرة هي كلمة الله المكتوبة وسلطتها “التي تعلن سلطته وقدرته على إعطائنا شرائعه.” ماثيو بول (Matthew Poole)
· مبادئ (وهذه لا تظهر في النص العربي كتعبير متميز، فتترجم أحيانًا إلى وصايا أو تعليم). وهي بالعبرية Piqqudim، وتستخدم ٢١ مرة. “هذه كلمة مأخوذة من مجال شخص مسؤول أو مشرف، رجل مسؤول عن مراقبة موقف عن قرب واتخاذ إجراء حوله. وهكذا فإن هذه الكلمة تشير إلى تعليمات الرب المعيّنة كشخص يهتم بالتفاصيل.” ديريك كيدنر (Derek Kidner)
· كلام/ كلمة، وهي بالعبرية Imrah وهي تستخدم ١٩ مرة: وهي مشابهة في المعنى لكلمة دابار، لكنها متميزة عنها. “ربما تشير هذه الكلمة إلى أي شيء قاله الله، أو أمر به، أو وعد به.” ويليم فانجيميرين (Willem VanGemeren)
يستكشف هذا المزمور موضوع مجد كلمة الله بجِد، لكن دائمًا في صلة بالله نفسه. يقول ديريك كيدنر (Derek Kidner): “لقد دفع هذا التوكيد النشط بعضهم إلى اتّهام صاحب المزمور بعبادة الكلمة بدلًا من الرب. لكن أحدهم أَحْسَن التعليق عندما قال إن أية إشارة إلى كلمة الله في هذا المزمور، من دون استثناء، ترتبط بصراحة بمؤلّفها. وبالفعل، فإن كل آية، بدءًا بالآية الرابعة إلى النهاية، صلاة للتوكيد موجهة إليه. هذه هي التقوى الحقيقية.. محبة لله لا تجف بسبب دراسة الكلمة، بل محبة تنتعش وتتثقّف وتتغذى بها.”
“يساعدنا هذا المزمور الرائع، من طوله الكبير، في التعجب من عظمة كلمة الله وضخامتها. فمن خلال حفاظه على التركيز على موضوع واحد، يساعدك على الافتتان بوحدة، كلمة الله، لأنها كلٌّ واحد. غير أن هذا يساعدك، بسبب المنعطفات الكثيرة التي تعطيها للفكرة نفسها، على رؤية تنوُّع كلمة الله. قال بعضهم إن هنالك غيابًا في التنوع في هذا المزمور، لكن هذه ملاحظة الذين لم يدرسوه. لقد وزَنتُ كل كلمة، وتفحّصتُ كل مقطع بتأمل مطوَّل، وأشهد أن هذه الترنيمة المقدسة لا تحتوي على حشو، لكنها متتوعة بشكل ساحر من البداية إلى النهاية، وأن تنوُّعها يشبه تنوُّع المِشكال، حيث يُنتج تنويعًا لا حد له من موضوعات قليلة. وتنظر إلى المشكال مرة أخرى، فتجد شكلًا جميلًا على نحو غريب. ثم تقوم بتحريك الزجاج قليلًا لتجد شكلًا آخر بنفس الدقة والجمال أمام عينيك. وهكذا هو الحال هنا.” تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon)
ولأن هذا مزمور طويل – بل هو أطول إصحاح في الكتاب المقدس – كان موضع اهتمام عظيم على مدى التاريخ. إذ صدرت مؤلفات مطوّلة حوله من بينها ثلاثة مجلّدات كتبها توماس مانتون (Thomas Manton)، وهو واعظ وكاتب بيوريتاني، ويتراوح حجم كل مجلد بين ٥٠٠-٦٠٠ صفحة بإجمالي ١٦٧٧ صفحة. ويتضمن هذا المؤّلف ١٩٠ فصلًا، أي أكثر من فصل لكل آية.
“واعترف لوثر (Luther) بتقديره العالي لهذا المزمور حتى إنه لم يكن مستعدًّا لمقايضة صفحة منه بالعالم كله.” تشارلز بريدجز (Charles Bridges) وقد استظهر بعض العظماء هذا المزمور، فوجدوا في ذلك بركة كبيرة: جون رسكن (John Ruskin) (كاتب بريطاني في القرن التاسع عشر)، وويليام ويلبرفورس (William Wilberforce) (سياسي بريطاني في القرن التاسع عشر قاد حركة إلغاء تجارة العبيد في الإمبراطورية البريطانية)، وهنري مارتن (Henry Martyn) (أحد رواد الإرساليات في الهند في القرن التاسع عشر)، وديفيد لفنجستون (David Livingstone) (أحد رواد الإرساليات في إفريقيا في القرن التاسع عشر).
تَعَرَّف ماثيو هنري (Matthew Henry)، المفسر العظيم للكتاب المقدس في القرن الثامن عشر بهذا المزمور في طفولته. طلب أبوه فيليب هنري (Philip Henry) من أبنائه أن يأخذوا آية واحدة منه وأن يتأملوا فيها كل صباح، وبهذا كانوا ينهون المزمور مرتين كل سنة. قال فيليب لأبنائه: “من شأن هذا أن يجعلكم تقعون في حب بقية الكتاب المقدس.” ولعل هذه الممارسة كانت وراء سبب محبة ماثيو هنري الكبيرة للكتاب المقدس حتى إنه كتب تفسيرًا له ما زال مفيدًا حتى اليوم.
كان جورج ويشارت (George Wishart) أسقف إدنبرة في القرن السابع عشر (ولا ينبغي الخلط بينه وبين سكوت (Scot)، وهو رجل حمل نفس الاسم واستشهد قبله بقرن). حُكم على ويشارت بالموت بسبب إيمانه. لكن عندما كان على المقصلة، استفاد من عادة سمحت للشخص المدان بأن يختار مزمورًا ليُرنَّم قبل إعدامه، فاختار المزمور ١١٩. وقبل الوصول إلى ثلثي الترنيمة، وصل عفوٌ عنه، فنجا!
أولًا. ألِف (א Aleph): طوباوية أولئك الذين يسلكون في كلمة الله ويتوقون إلى ذلك.
أ ) الآيات ١-٢: إعلان البركة.
١طُوبَى لِلْكَامِلِينَ طَرِيقًا، ٱلسَّالِكِينَ فِي شَرِيعَةِ ٱلرَّبِّ. ٢طُوبَى لِحَافِظِي شَهَادَاتِهِ. مِنْ كُلِّ قُلُوبِهِمْ يَطْلُبُونَهُ.
١. طُوبَى لِلْكَامِلِين (غير النجسين) طَرِيقًا: في بداية وصف صاحب المزمور للرجل المبارك، يبدأ بفكرة أن كون المرء غير نجس أو غير ملوث هو بركة.
· يعتقد كثيرون – قديمًا وحديثًا – أن الحياة بلا نجاسة أو دناسة مملة في أحسن الأحوال. والفكرة هنا هي أن غياب النجاسة يعني غياب الاستمتاع. غير أن الذي يسلك في كلمة الله يعرف البركة الحقيقية في حياة بلا نجاسة أو دنس والتمتع بها.
· يمكننا أن نقول ببساطة إن الله مبارَك، ويريدنا أن يشاركنا في بركاته (كونه مبارَكًا). وتبيّن كلمته الطريق إلى الكيفية التي يمكننا بها أن نشارك في هذه البركة. وهذا أمر موجود في كون المرء غير نجس في طريقه.
· تُظهر الدراسات المَسْحية وبيانات الاستطلاع دائمًا أن الذين يحيون حياة تتوافق بشكل عام مع مقاييس الله أنهم أكثر سعادة من غيرهم، وأكثر استمتاعًا بالحياة، وأكثر رضًا. غير أن الوهم يبقى لدى كثيرين أن الحياة النجسة أكثر متعةً.
· نحتاج إلى الله لكي يرينا الطريق إلى حياة سعيدة، ويتمحور هذا حول كون المرء غير منجس أو ملوث في أسلوب حياته. “إن سبب تعاستنا هو أننا نخطئ. والسبب الرئيسي الذي يجعلنا نخطئ بقدر ما نفعل هو أننا لا نعرف كلمة الله جيدًا بما يكفي. وبعيدًا عن تعليمات الله، فإن البشر لا يعرفون كيف يحققون السعادة.” بويس (Boice)
٢. ٱلسَّالِكِينَ فِي شَرِيعَةِ ٱلرَّبِّ: يوجد في ذهن صاحب المزمور صلة أكيدة قوية بين كون المرء غير نجس في طريقه وسلوكه في شريعة الرب. فالسلوك في شريعة الرب يعني حقًّا أن يكون المرء غير نجس في طريقه.
· ما كان لنا أن نعرف ماهية الحياة النقية من دون أن يخبرنا الله عنها. ومن المؤكد أن بعض جوانب الحياة النقية معلنة في ضمير الإنسان ومعروفة على نطاق واسع بين البشر. غير أن هنالك جوانب أخرى للحياة النقية التي نتعلمها من كلمة الله.
· شَرِيعَةِ ٱلرَّبِّ: يستخدم صاحب المزمور أول إشارة إلى كلمة الله في هذا المزمور، وهي “شَرِيعَة ٱلرَّبِّ”، وهي تشير إلى إعلان الله المكتوب. وتبيّن الطرق المتنوعة الكثيرة للتعبير عن مقدار معرفته بها ومحبته وتوقيره لها.
· شَرِيعَةِ ٱلرَّبِّ: الكلمة المستخدمة هنا هي التوراة. “تستخدم هنا كلمة التوراة العظيمة، وهي تمثل الشريعة أو الناموس للعبراني. وهي تُستخدم إلى الإشارة إلى القسم الأول من الكتاب المقدس، والذي نطلق عليه أسفار موسى الخمسة.” مورجان (Morgan)
· “لكي تتمتع بهذا التطويب، يتوجب أن يكون سلوكك المقدس اعتياديًّا. وهذه الممارسة المقدسة مختلفة جدًّا عن التقوى البليدة. “طُوبَى لِلْكَامِلِينَ طَرِيقًا، ٱلسَّالِكِينَ فِي شَرِيعَةِ ٱلرَّبِّ.” يمكن لرجل أن يجلس في الطريق من دون أن يعفِّر جلده بالتراب أو يُفسد ملابسه. لكن هذا غير كافٍ. إذ ينبغي أن يكون هنالك تقدم – عمل عملي – في الحياة المسيحية. ولكي نختبر الطوباوية، يتوجب أن ننشغل بشكل دائم من أجل السيد.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. طُوبَى لِحَافِظِي شَهَادَاتِهِ: إن حفظ شهاداته هو عمليًّا السلوك في شريعة الرب. إذ نجد هنا مثلًا للتوازي الشائع في الشعر العبري المستخدم لغرضَي الشرح والتوكيد.
· معنى حفظ الشريعة هو العمل بالشريعة، لا مجرد الاستماع. “لا يكفي أن نستمع أو نتأمل تعاليم الله، بل ينبغي أن نمارسها إذا أردنا أن نكون سعداء.” تراب (Trapp)
· “تُعْزَى البركة إلى أولئك الذين يقدِّرون شهادات الرب. ويتضمن هذا أن يفتّشوا في كلمة الله، وأن يسعوا إلى فهمها، وأن يحبّوها، وأن يستمروا في ممارستها. ينبغي أن نحصل على شيء قبل أن نحفظه. ولكي نحفظه جيدًا، يتوجب أن نمسك به بقبضة قوية. فلا نستطيع أن نحفظ في قلبنا إلا ما قبِلناه بإخلاص وتَعّلَّقنا به.” سبيرجن (Spurgeon)
· “لكن لن أتراجع عن السؤال: ’هل أحفظ شهاداته بدافع من الاضطرار أم من المحبة؟‘ من المؤكد أنه عندما أفكر في نفوري الطبيعي من شريعة الله وعداوتي لها، وخطر الخداع الذاتي في خدمة الرب الخارجية، فإن هنالك الكثير مما أحتاج إلى صلاة لأجله.” بريدجز (Bridges)
٤. مِنْ كُلِّ قُلُوبِهِمْ يَطْلُبُونَهُ: إذا طلب المرء الله من كل القلب، لا بد أن يشمل هذا دراسة جادة لإعلان الله المكتوب. وهنالك طرق جيدة ومهمة لطلب الله، إضافة إلى طلبه من خلال كلمته (مثل الصلاة، والعبادة، والصوم، والخدمة، وما إلى ذلك). ومع ذلك، إذا لم تشمل هذه طلب الله، كما في طلبه من خلال كلمته، فإن هذه الممارسات يمكن أن توجَّه بشكل خطأ.
· مِنْ كُلِّ قُلُوبِهِمْ: ومع ذلك، لا يمكننا تفويت التركيز على القلب. “لا يُطلَب الله حقًّا بالبحث الذهني البارد. إذ يتوجب أن يُطلَب بالقلب. إذ تكشف المحبة نفسها للمحبة. ويكشف الله قلبه في قلب شعبه. وإنه لعبث أن نطلبه بالعقل. إذ ينبغي أن نَعْقِله بالمحبة.” سبيرجن (Spurgeon)
· من كُلِّ قُلُوبِهِمْ أمر مهم. الله واحد، ولن نعرفه عن قرب ما لم نطلبه من كل القلب. وهذا أمر صعب على القلب المنقسم، لا على القلب المنكسر. “من الغريب القول، باستخدام تعابير كتابية، إنه يمكن أن يكون القلب منكسرًا، لكن غير منقسم. غير أنه يمكن القول أيضًا إن القلب قد يكون منكسرًا وسليمًا بشكل كلّي.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآية (٣): بركة موصوفة.
٣أيْضًا لَا يَرْتَكِبُونَ إِثْمًا. فِي طُرُقِهِ يَسْلُكُونَ.
١. أيْضًا لَا يَرْتَكِبُونَ إِثْمًا: تتكرر هنا الفكرة المتضمنة في الآيتين ١و٢، فهؤلاء يحفظون شهادته، وهم غير نجسين في طرقهم، ولا يرتكبون إثمًا. فالنقاء والصلاح سمتان من سمات حياتهم.
٢. فِي طُرُقِهِ يَسْلُكُونَ: لقد تعلّموا طرقه من الإعلان المكتوب. لكنه يعطيهم، إلى جانب كلمته، نعمة وقوة للسلوك في طرقه.
ج) الآيات (٤-٨): بركة مرغوبة.
٤أَنْتَ أَوْصَيْتَ بِوَصَايَاكَ أَنْ تُحْفَظَ تَمَامًا. ٥لَيْتَ طُرُقِي تُثَبَّتُ فِي حِفْظِ فَرَائِضِكَ. ٦حِينَئِذٍ لَا أَخْزَى إِذَا نَظَرْتُ إِلَى كُلِّ وَصَايَاكَ. ٧أَحْمَدُكَ بِٱسْتِقَامَةِ قَلْبٍ عِنْدَ تَعَلُّمِي أَحْكَامَ عَدْلِكَ. ٨وَصَايَاكَ أَحْفَظُ. لَا تَتْرُكْنِي إِلَى ٱلْغَايَةِ.
١. أَنْتَ أَوْصَيْتَ بِوَصَايَاكَ أَنْ تُحْفَظَ تَمَامًا (بجِد): يربط صاحب المزمور الطاعة المأمور بها ببركات الطاعة. وهو يبيّن السبب الذي من أجله أمرنا الله بحفظ وصاياه بجِد. فهو يريدنا أن نحفظها لا لأنها تكرمه فحسب، بل لأنها هي الطريق إلى البركة أيضًا.
· مع الكلمات ’أَنْتَ أَوْصَيْتَ بِوَصَايَاكَ‘ نرى أن صاحب المزمور بدأ يخاطب الله في الصلاة. وهو موقف سيتخذه عبر معظم المزمور. ويبيّن هذا أنه ليس تلميذًا دارسًا لكلمة الله فحسب، بل رجل صلاة أيضًا.
· “ولأنه كان أمرًا صعبًا أن يفهم هذه الكلمة في كل أجزائها، وكان أكثر صعوبة عليه أن يمارسها، رفع صلوات كثيرة من أجل أن يساعده الله في ذلك، موجّهًا الآخرين ومشجّعًا إياهم على اتخاذ نفس المسار.” بوله (Poole)
· وَصَايَاكَ أَنْ تُحْفَظَك: “لم يأمرنا الله بأن نجِد في صنع وصايا وتعاليم، بل بأن نحفظ الوصايا. يربط بعضهم أعناقهم أنيارًا ويضعون قيودًا وقوانين لآخرين. لكن المسار الحقيقي الحكيم هو أن نكتفي بقوانين كلمة الله المقدسة.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. لَيْتَ طُرُقِي تُثَبَّتُ فِي حِفْظِ فَرَائِضِكَ: ليست هذه أمنية تقية فحسب، بل هي صلاة أيضًا من أجل الحصول على القدرة على طاعة الله. فبمعزل عن عمله فينا، فإننا عاجزون عن حفظ تلك الوصايا.
· هنا يصبح صاحب المزمور شخصيًّا في كلامه. فليس كلامه أطروحة لاهوتية حول الإعلان الإلهي المكتوب. بل هو تفاعل مع الإله الحي حول الطريقة الرئيسية في إظهار نفسه لنا. “ربما يُعَد هذا مفكّرة يومية لشخص تعمّق في تعلُّم أمور الله ومارسها في حياة الإيمان وسلوكه.” بريدجز (Bridges)
· “نحن لا نقطع شوطًا طويلًا في قراءة هذا المزمور قبل أن نكتشف أن صاحب المزمور هو مثلنا، على الأقل من ناحية أنه لم يصبح مثل الأشخاص السعيدين المبارَكين الذين يصفهم. هو يريد أن يكون مثلهم، لكنه لم يصبح بعد مثلهم.” بويس (Boice)
· “من دونك لا أستطيع أن أفعل شيئًا. روحي متقلبة وغير مستقرة، وستظل ضعيفة قلقة إلى أن تقوّيها وتثبّتها.” كلارك (Clarke)
٣. حِينَئِذٍ لَا أَخْزَى إِذَا نَظَرْتُ إِلَى كُلِّ وَصَايَاكَ: أحس صاحب المزمور بالخزي الذي يأتي عندما تقارَن مقاييس الله مع حياتنا. فصلّى طالبًا القوة على أن يحيا حياة بلا خزي.
· “الخزي ثمر الخطية. وأما الثقة فهي تأثير البر.” هورن (Horne)
· “هنالك خزي مزدوج: خزي الضمير المذنب، وخزي الضمير الرقيق. والخزي الأول استحقاق للخطية وثمرها، بينما الثاني عمل النعمة.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن توماس مانتون (Thomas Manton)
· “أريد أن أعمل بوصاياك كلها، لئلا أكون جزئيًّا في طاعتي لك، فلا أسمح لنفسي بممارسة أية خطية معروفة أو بإهمال واجب معروف.” بوله (Poole)
· “ولهذا ينبغي أن يكون الإخلاص ختم الاعتراف المسيحي. ورغم أني عاجز كليًّا عن تقديم طاعة كاملة لأصغر الوصايا، غير أن رغبتي المخلصة هي أن أحترمها كلها.” بريدجز (Bridges)
٤. أَحْمَدُكَ بِٱسْتِقَامَةِ قَلْبٍ: وجد صاحب المزمور أنه ليس مهمًّا أن يحمد الله فحسب، بل أن يفعل ذلك بِٱسْتِقَامَةِ قَلْبٍ أيضًا. لم يُرِد أن يقدّم لله صورة حمد، أو لحظة حمد وتسبيح عندما لم تكن حياته مستقيمة.
· “تأكد أن الذي يصلّي من أجل القداسة سيحمد الله على السعادة. فبعد اختفاء الخزي، يُكسَر الصمت، ويعلن الإنسان الذي صمت في الماضي ’سأحمدك.‘” سبيرجن (Spurgeon)
٥. وَصَايَاكَ (فرائضك) أَحْفَظُ: كان هذا وعدًا بحفظ (حراسة) فرائض (Huqqim) الله المحفورة والمنقوشة والمدوّنة.
· نحن لا ننسى أبدًا أن يسوع وحده كان القادر على أن يقول ’وَصَايَاكَ (فرائضك) أَحْفَظُ.‘ “غالبًا ما ستجبرنا التعبيرات القوية المتعددة عن المحبة تجاه الشريعة والقرارات والنذور المتكررة بالوفاء بها إلى تحويل أفكارنا إلى ’داود الحقيقي‘ (أي يسوع) الذي كان طعامه وشرابه أن يفعل إرادة ذاك الذي أرسله.” هورن (Horne)
٦. لَا تَتْرُكْنِي إِلَى ٱلْغَايَةِ: نحس هنا نغمة اليأس لدى صاحب المزمور. فهو يعرف كلمة الله ويحبها، غير أنه واعٍ أيضًا لعجزه – بمعزل عن عمل الله في حياته – عن أن يحياها. فإن تركه الله وحده فسيضيع.
· “ربما نكون متروكين – لكن ليس كليًّا (إِلَى ٱلْغَايَةِ). كان داود متروكًا، لكن ليس مثل شاول. وكان بطرس متروكًا، لكن ليس مثل يهوذا الذي تُرك كلّيًّا وإلى الأبد. حدِّد معاملات الله معك، واستفسر عن أسبابها، واخضع لتدبيره. فإن تركك، فتوسل إليه أن يعود إليك. لكن ضع ثقتك في إلهك الذي تركك.” بريدجز (Bridges)
· إن القلب الذي يرنّم ’لَا تَتْرُكْنِي إِلَى ٱلْغَايَةِ‘ قلب يتوق إلى الاقتراب إلى الله. “على ما يبدو، تكشف الترنيمة هذه، من دون وعي، ومن دون قصد، حقيقة أن الإنسان الذي يطيع إرادة الله، كما هي معلنة، يصل إلى شركة شخصية مع الله. فمنذ بداية الترنيمة إلى نهايتها، رنّم المرنم كشخص كانت لديه معرفة شخصية بالله، ومعاملات مباشرة معه.” مورجان (Morgan)
ثانيًا. باء (ב Beth): نقاوة الحياة والتأمل في كلمة الله
يبدأ كل سطر في هذا القسم الثاني من المزمور ١١٩ بحرف الباء Beth العبري، وهو يعني ’بيتًا.‘ وقد رأى بعضهم أن هذا المقطع يخبرنا كيف نجعل من قلبنا بيتًا لكلمة الله.
أ ) الآية (٩): يجد الشاب حياة مطهّرة من خلال كلمة الله.
٩بِمَ يُزَكِّي ٱلشَّابُّ طَرِيقَهُ؟ بِحِفْظِهِ إِيَّاهُ حَسَبَ كَلَامِكَ.
١. بِمَ يُزَكِّي (يطهّر) ٱلشَّابُّ طَرِيقَهُ؟ لم يكن هذا السؤال أقل صعوبة في الأزمنة القديمة مما هو عليه في زمننا هذا. لدى ٱلشَّابُّ تحدياته الخاصة للعيش بنقاء.
· هذا سؤال يبدو أن بعضهم – حتى من بين الذين يُعَدون من بين شعب الله – لا يوجهونه إلى أنفسهم. ومن المؤسف أن بعضهم لا يهتمون على الإطلاق بالطهارة. وهم يرددون صلاة أوغسطين قبل تجديده: “يا رب، اجعلني عفيفًا، لكن ليس بعد.”
· يقول لنا العالَم: ’استمتع بوقتك في شبابك، وبكل كيانك. وعندما تكبر، يمكنك أن تكون متدينًا وصالحًا.‘ ويعلق بويس (Boice) على هذا التفكير قائلًا: “إن جواب الله مختلف تمامًا. فهو يقول: إذا أردت أن تحيا من أجلي، يتوجب أن تبدأ في أبكر مرحلة ممكنة، من دون أي تأخير، ويفضَّل هذا عندما تكون صغيرًا جدًّا.”
· حتى عندما تكون لدى المرء رغبة في الطهارة الأخلاقية، هنالك أشياء كثيرة تصعِّب على الشاب أن يطهّر طريقه.
ü طاقة الشباب والإحساس باللامبالاة.
ü الافتقار إلى حكمة الحياة.
ü الرغبة في الاستقلال واكتسابه.
ü قد يسبق النضج الجسمي والجنسي النضج الروحي والأخلاقي.
ü المال والحرية التي تجلبها.
ü الشابات اللواتي يمكن، من دون وعي ومن دون قصد، أن يشجعن الانحلال الأخلاقي.
ü روح العصر الذي يتوقع ويعزز النجاسة الأخلاقية للشباب.
ü الرغبة في أن نكون مقبولين من نظراء يواجهون نفس التحدي.
· “لماذا يُدعى الشاب على نحو خاص إلى أن يطهر طريقه؟ لأن لدى الله الحق في أن يطالب بالأول والأفضل.” بريدجز ((Bridges
· يريد الله أن يجنّب الشباب (وكبار السن) عبودية الخطية. وتمتلك الخبرة القوة على تشكيل عادات في حياتنا. فعندما نستسلم لأية تجربة، فننقلها من مجال التأمل الذهني إلى خبرة حياتية، تصبح مقاومتها أكثر صعوبة في المستقبل. فمع كل استسلام للتجربة، تتقوى عاداتنا السيئة، وتتعزز لا روحيًّا فحسب، بل من خلال كيمياء الدماغ أيضًا. ويصير كسرها أكثر صعوبة كلما مارسناها. ومن المستحيل تقريبًا أن نكسر مثل هذه العادات من دون استبدالها بعادات أخرى.
· إنه لأمر ذو دلالة أن كلمة ’طريقه‘ بالعبرية هي Orach “تدل هذه الكلمة العبرية على “سبيل” و”آثار في السبيل” مثل تلك التي تتركها العربات أو المركبات.” كلارك (Clarke) فالشاب يترك آثارًا طوال حياته.
· وبطبيعة الحال، ليس الشاب وحده هو الذي يواجه هذه التحديات. إذ كان لكبار السن من الرجال والنساء في كل عصر تحدياتهم الخاصة في ما يتعلق بحياة النقاء والطهارة. ومع هذا فإن هذه التحديات تُحَس بقوة في حياة الشباب.
· “يبدو من الصلوات القلبية للآيات المحيطة أن هذا الشاب هو صاحب المزمور نفسه في المقام الأول. فهو يصلّي أكثر منه يعظ.” كيدنر (Kidner)
٢. بِحِفْظِهِ (بالانتباه إليه ومراعاته): لا تَحْدث حياة النقاء الأخلاقي عن طريق الصدفة. فإن لم ينتبه المرء، فإن الطريق الطبيعي يتجه إلى النجاسة والانحطاط. إذ يتوجب على المرء أن ينتبه ليكون نقيًّا.
٣. حَسَبَ كَلَامِكَ: هكذا ينتبه ويراعي المرء. فأساس الحياة النقية الأخلاقية موجود في كلمة الله.
· تبيّن كلمة الله مقياس النقاء، ولهذا نعرف ما هو صواب وخطأ.
· تبيّن كلمة الله أسباب النقاء، وهكذا نفهم حكمة وصايا الله وصلاحه.
· تبيّن كلمة الله صعوبة النقاء، وتذكّرنا بضرورة الحذر.
· تبيّن كلمة الله بركات النقاء، وهو يعطينا حافزًا على تقديم التضحيات الضرورية.
· تبيّن كلمة الله كيف نولد ثانية، كيف نتجدد، ولهذا يمكن أن يتحول إنساننا الداخلي حسب النقاء المطْلق المتجسد في يسوع المسيح.
· تبيّن كلمة الله الطريق إلى الحصول على القوة من الروح القدس، لكي نمتلك الموارد اللازمة لنحيا بطهارة.
· كلمة الله ملجأ عند التجربة، حيث تعطينا منفذًا في وقت الإغراء بالخطية.
· كلمة الله نور يزيل الضباب الخداع للإغواء والتجربة.
· كلمة الله مرآة تساعدناعلى رؤية حالتنا الروحية والأخلاقية، وبالتالي تساعدنا على أن نسلك في طهارة ونقاء.
· تعطينا كلمة الله أوامر حكيمة وبسيطة مثل “أَمَّا ٱلشَّهَوَاتُ ٱلشَّبَابِيَّةُ فَٱهْرُبْ مِنْهَا” (٢ تيموثاوس ٢: ٢٢).
· تغسلنا كلمة الله من الإثم، وهي تطهر حياتنا بمعنى روحي (أفسس ٥: ٢٦؛ يوحنا ١٥: ٣).
· كلمة الله مفتاح تجديد أفكارنا، وهذا بدوره مفتاح التحول الأخلاقي والروحي (رومية ١٢: ١-٢).
· تعطي كلمة الله ملجأ ضد الدينونة عندما نكون غير أنقياء. وتبيّن لنا كيف يمكن أن نتوب ونعود إلى حياة النقاء.
· تبيّن لنا كلمة الله كيف نعيش حياتنا بحيث نكون تشجيعًا للآخرين في النقاء.
ü تحدَّث يسوع على نحو خاص حول قوة كلامه على تطهيرنا وحفظنا أنقياء؟ “أَنْتُمُ ٱلْآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ ٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ.” (يوحنا ١٥: ٣). “قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلَامُكَ هُوَ حَقٌّ” (يوحنا ١٧: ١٧).
ü التأثير واضح: إذا أردتَ أن تطهّر طريقك، يتوجب عليك أن تنتبه حسب كلمة الله.
ü “أيها الشاب، يتوجب أن يكون الكتاب المقدس مخططك، ويتوجب عليك أن تمارس الحذر الشديد لكي تتأكد من أن طريقك هو حسب توجيهاته. ويتوجب أيضًا أن تنتبه لحياتك اليومية، إضافة إلى دراستك للكتاب المقدس. فمع أكبر قدر من العناية والحرص، يمكن أن يضل شخص إن كانت خارطته تُضِله. لكن مع أكثر خطة دقة، سيضيع طريقه إذا لم ينتبه لها.” سبيرجن (Spurgeon)
ü هذه الفكرة موجودة في أمثال ٢: ١٠-١٢: “إِذَا دَخَلَتِ ٱلْحِكْمَةُ قَلْبَكَ، وَلَذَّتِ ٱلْمَعْرِفَةُ لِنَفْسِكَ، فَٱلْعَقْلُ يَحْفَظُكَ، وَٱلْفَهْمُ يَنْصُرُكَ، لِإِنْقَاذِكَ مِنْ طَرِيقِ ٱلشِّرِّيرِ، وَمِنَ ٱلْإِنْسَانِ ٱلْمُتَكَلِّمِ بِٱلْأَكَاذِيبِ.”
ü نذكّر أنفسنا بأن يسوع تصدّى للتجربة بكلمة الله (متى ٤: ١-١٠). “مرَّ ذاك الذي تجسد من أجل خلاصنا بمرحلة الشباب لكي يستعيده – إذا صحّ التعبير – ويكرسه لله.” هورن (Horne)
ب) الآيات (١٠-١١): كيف يمكن للمرء أن ينتبه إلى كلمة الله.
١٠بِكُلِّ قَلْبِي طَلَبْتُكَ. لَا تُضِلَّنِي عَنْ وَصَايَاكَ. ١١خَبَأْتُ كَلَامَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلَا أُخْطِئَ إِلَيْكَ.
١. بِكُلِّ قَلْبِي طَلَبْتُكَ: هنا أعلن صاحب المزمور تكريسه لله، وفي الوقت نفسه، يدرك ضعفه في قدرته على المحافظة على هذا التكريس. (لَا تُضِلَّنِي عَنْ وَصَايَاكَ)
· تذكّرنا عبارة ’بِكُلِّ قَلْبِي طَلَبْتُكَ‘ بأن الكتاب المقدس ليس مجرد كتاب مدرسي لصاحب المزمور. إذ كان همه هو كيف يطلب الله ويلتقيه. “لقد سعى قلبه وراء الله نفسه. فلم يرغب في إطاعة شرائع الله فحسب، بل في أن تكون له شركة مع شخصه أيضًا.” سبيرجن (Spurgeon)
· لَا تُضِلَّنِي. تساعدنا هذه العبارة في فهم التصريحات الكثيرة حول النقاء والتكريس في منظورها الصحيح في هذا المزمور (وغيره). إذ تُفهم في ضوء الاعتماد على الله، لا بمعنى كبرياء البِرّ الذاتي.
· “سبيل النقاء هو الحذر المقيَّد بكلمة الله. ويتجلّى هذا الحذر بشكل أكبر في عدم الثقة بالذات والسعي الجادّ إلى أن يُحفَظ في طريق وصايا الله.” مورجان (Morgan)
· “عندما تعي النفس ’اتِّباع الرب بشكل كامل،‘ فإن هنالك خوفًا غريبًا من الضلال أو الابتعاد. وفي حالة عدم الاكتراث أو الفتور، لا يراقَب التيه طالما أنه لا يؤدي إلى انحطاط مفتوح.” بريدجز (Bridges)
٢. خَبَأْتُ كَلَامَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلَا أُخْطِئَ إِلَيْكَ: عرف صاحب المزمور قيمة أخذِ كلمة الله وإخفائها في قلبه. وهي مخبّأة بمعنى أنها في الداخل، حيث لا يستطيع أحد أن يراها، وهي آمنة بحيث لا يستطيع أحد أن ينزعها.
· يمكننا أن نتأكد أن هذه الكلمة خُبِّئتْ في قلبه وقُبِلت في ذهنه. لقد سمع صاحب المزمور كلمة الله وقرأها وفكّر فيها باستمرار إلى أن غُرست في كل من قلبه وذهنه.
· “الاستظهار هو بالضبط ما هو مطلوب، حيث تكون الكلمة متاحة بسهولة في أذهاننا، فنستطيع أن نستدعيها إلى الذاكرة لفائدتنا كلما دعت الحاجة.” بويس (Boice)
· “إذا كانت كلمة الله في الكتاب المقدس فقط، وليس في قلبه أيضًا، ربما يفاجأ سريعًا وبسهولة أنه وقع في خطيته المحيطة به.” كلارك (Clarke)
٣. لِكَيْلَا أُخْطِئَ إِلَيْكَ: هنا يذكر صاحب المزمور فائدة واحدة من إخفاء كلمة الله في القلب. إنها دفاع ضد الخطية من أجل كل الأسباب التي ناقشناها أدناه وأكثر.
· “إن الطريقة الشخصية التي فعل بها هذا رجل الله جديرة بالملاحظة: “بِكُلِّ قَلْبِي طَلَبْتُكَ.” وبِغضِّ النظر عما اختار الآخرون أن يفعلوه، فقد اتخذ قراره، ووضع الكلمة في أعماق نفسه كأعز بهجة لديه. وبِغضِّ النظر عن الكيفية التي اختار الآخرون أن يتعدّوا بها، فقد كان السعي إلى القداسة هدفه، لِكَيْلَا أُخْطِئَ إِلَيْكَ.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآية (١٢): صلاة من أجل التعليم.
١٢مُبَارَكٌ أَنْتَ يَا رَبُّ. عَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ.
١. مُبَارَكٌ أَنْتَ يَا رَبُّ: يبدو أن صاحب المزمور يقاطع أفكاره حول الصلة بين كلمة الله وحياة النقاء بتعبير التسبيح. فعظمة هذه الأفكار وواقعها في حياته جعلا من التسبيح أمرًا لا مفر منه.
٢. عَلِّمْنِي: يبيّن هذا تواضع صاحب المزمور. فرغم أنه امتلأ بكلمة الله وبرغبة في حياة النقاء، إلا أنه أحسّ بحاجة دائمة إلى تعليم من الله. لم يكن محتاجًا إلى أن يقرأ فرائض الله فحسب، بل توسّل إليه أن يعلّمه.
· هذا القول مكتوب في مقدمة بعض نسخ الكتاب المقدس: “سيمنعك هذا الكتاب من الخطية، وستمنعك الخطية من هذا الكتاب.” وقد فهم صاحب المزمور هذا المبدأ، وتاق إلى أن يكون الله معلّمه، وأن يبقيه في سفر الله العظيم.
· “يتوجب أن نكون تلاميذ أو متعلّمين قائلين ’عَلّمْنِي.‘ لكن يا له من شرف عظيم أن يكون الله نفسه معلِّمًا. فما أجسر صاحب المزمور في طلبه من الله أن يعلّمه!” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (١٣-١٦): إعلان تكريس.
١٣بِشَفَتَيَّ حَسَبْتُ كُلَّ أَحْكَامِ فَمِكَ. ١٤بِطَرِيقِ شَهَادَاتِكَ فَرِحْتُ كَمَا عَلَى كُلِّ ٱلْغِنَى. ١٥بِوَصَايَاكَ أَلْهَجُ، وَأُلَاحِظُ سُبُلَكَ. ١٦بِفَرَائِضِكَ أَتَلَذَّذُ. لَا أَنْسَى كَلَامَكَ.
١. بِشَفَتَيَّ حَسَبْتُ كُلَّ أَحْكَامِ فَمِكَ: فهِم صاحب المزمور أهمية عدم الاكتفاء بقراءة كلمة الله بصمت أو سماعها، فأكد ضرورة قولها أيضًا. فكان إعلان كلمة الله على شفتيه جزءًا من علاقته بالله ومحبته له.
· يمكننا أن نَخْلُص بثقة إلى أنه لا يوجد ما يكفي من هذا بين شعب الله على الإطلاق. لكن ينبغي أن تكون كلمة الله لا في أذهانهم وقلوبهم فحسب، بل على شفاههم أيضًا. فالنطق بكلمة الله أمر قوي ولا ينبغي أن يُهمل.
· “عندما نجعل كلمة الله موضوع محادثاتنا، فإننا نمجد الله، ونبني أقراءنا، ونحسّن أنفسنا.” هورن (Horne)
٢. بِطَرِيقِ شَهَادَاتِكَ فَرِحْتُ: فهِم صاحب المزمور القيمة الحقيقية لكلمة الله. إذ أعطته فرحًا يفوق فرح امتلاك كل الثروات (فَرِحْتُ كَمَا عَلَى كُلِّ ٱلْغِنَى).
· يمكن أن يُطرح هذا السؤال بإنصاف على كل مؤمن بالمسيح: “مقابل أي مبلغ أنت مستعد أن تحرم نفسك من سماع قراءة كلمة الله أو سماعها ثانية؟” يُخشى أن كثيرين، مثل عيسو، مستعدون أن يبيعوا كنز هذ البكورية مقابل طبق عدس.
· “يمكننا أن نلاحظ هنا دليلًا على التبنّي. فالطاعة ليست عبئًا، بل فرح وبهجة. قد يؤدّي الخادم فرائض الله، لكن الابن وحده هو الذي يتلذذ بها.” بريدجز (Bridges)
٣. ألهج (أتأمل) … ألاحظ (أتفكر) … أتلذذ. لَا أَنْسَى كَلَامَكَ. دفعت عظمة كلمة الله صاحب المزمور إلى هذا القرار العظيم في حياته. إذ سيمتلئ بكلمة الله في ذهنه (ألاحظ – أتفكر وأتأمل)، وفي قلبه (أتلذذ)، وفي عاداته (لا أنسى).
· “التأمل هو استذكار لما حفظناه في الذاكرة، ثم قلّبناه مرارًا وتكرارًا في أذهاننا لكي نرى أكْمل تضمينات الحق وتطبيقاته.” بويس (Boice)
· أتلذذ: (سأتلذذ): “يدل التعبير العبري (Evetva eshtaasha) على التشديد والتوكيد. سأقفز وأطفر فرحًا.” كلارك (Clarke)
· هذا العطاء لملء الحياة من كلمة الله – في الذهن والقلب والعادات – وصف جيد لما قصده صاحب المزمور بالانتباه (بحفظه) في الآية التاسعة. سيطهر الشاب طريقه، وسيتلذذ بملء هذه الحياة التي تكرم الله.
· نحن نوشك أن نسمع تحدّيًا من صاحب المزمور: “أنت تحيا حياة غير تقية، حياة مساومة تعتقد أنها تجلب لك اللذة والإشباع. سأطهّر طريقي وأعطي ملء حياتي لله ولكلمته، وسنرى من الذي سيكون أكثر طوباوية وسعادة وامتلاء بالحياة.”
ثالثًا. تاء (Gimel ג): كلمة الله وتجارب الحياة
أ ) الآية (١٧): صلاه من أجل البركة، حتى تحفط كلمة الله.
١٧أَحْسِنْ إِلَى عَبْدِكَ، فَأَحْيَا وَأَحْفَظَ أَمْرَكَ.
١. أَحْسِنْ إِلَى عَبْدِكَ: يقدّم صاحب المزمور طلبة رائعة هنا، حيث يطلب فيها بركة سخية (أَحْسِنْ)، وهو في الوقت نفسه يأتي إلى الله باتضاع (عَبْدِكَ). فإنه أمر سليم أن يعتمد العبد على إحسان سيّده.
· كان صاحب المزمور في قوله ’أَحْسِنْ إِلَى عَبْدِكَ‘ يطلب الكثير، لا مجرد شيء قليل. “المؤمن شأنه شأن صاحب المزمور، رجل توقعات كبيرة. قد نكون جسورين بشكل زائد في أسلوب اقترابنا إلى الله، لكن لا نستطيع أن نكون جسورين بشكل زائد في توقعاتنا منه.” بريدجز (Bridges)
· “إنه يتوسل سخاء النعمة على غرار شخص صلّى قائلًا: ’يا رب، يتوجب أن تعطيني رحمة كثيرة أو لا تُعطِني أية رحمة على الإطلاق، لأن الرحمة القليلة لن تخدم احتياجي.‘” سبيرجن (Spurgeon)
٢. فَأَحْيَا وَأَحْفَظَ أَمْرَكَ: هذا هو السبب الذي دفع صاحب المزمور إلى طلب بركة الله. فلم يكن الدافع أن يحصل على الإشباع الشخصي أو حتى الراحة، بل أن يعيش كلمة الله ويحفظها. هذه صلاة رائعة تكرم الله وتسمعها السماء.
· كما تبيّن بقية القسم، صلّى صاحب المزمور هذه الصلاة بسبب المشكلات والضغوطات العظيمة التي أحاطت به. يبيّن هذا القسم من المزمور أن الكاتب كان رجلًا عانى بعمق. فقد عرف الاضطهاد (الآيتان ٢٢-٢٣)، والحرمان والخوف على حياته (الآية ٧)، وأوقاتًا بدا فيها أنه لم يحصل على أي شيء من كلمة الله (الآية ١٨)، والإحساس بالوحدة والرفض والإحساس بالهجر (الآيتان ١٩-٢٠).
· وفي وسط هذه المِحن، أراد أن يحيا، لا من أجل البقاء فحسب، بل من أجل حياة نوعية أفضل، وبشكل خاص في ما يتعلق بالله.
· فَأَحْيَا: “هذه هي الصلاة الأولى من صلوات كثيرة. وفي حين أن بعضها يشير إلى النجاة من مرض أو من هجوم، يشير بعضها الآخر إلى حياة نوعية، حياة جديرة باسم الرب، أو حسب مصطلحاتنا، بحياة الشركة معه.” كيدنر (Kidner)
ب) الآية (١٨): صلاة من أجل البصيرة لكي تُفهم كلمة الله.
١٨ٱكْشِفْ عَنْ عَيْنَيَّ فَأَرَى عَجَائِبَ مِنْ شَرِيعَتِكَ.
١. ٱكْشِفْ عَنْ عَيْنَيَّ فَأَرَى: أدرك صاحب المزمور أنه من دون تنوير الله له، لن يستطيع أن يرى ما يمكن أن يُرى وما ينبغي أن يُرى من كلمة الله.
· “الفعل ’افتح‘ في الآية ١٨ مستخدم في قصة بلعام عندما فتح الله عيني بلعام ليرى ملاك الرب واقفًا مسلول السيف. وهذه الكلمة مرتبطة بإزالة حجاب أو غطاء.” بويس (Boice)
· يذكّرنا هذا بأن كلمة الله هي التي لا تحتاج إلى تغيير كما لو أنها غامضة. فالحجاب موضوع علينا نحن، ولا نستطيع أن نفهم كلمة الله بمعزل عن عمل الروح القدس. فلم تكن عينا بولس محجوبتين عندما تجدَّد (أعمال الرسل ٩: ١٨)، إذ كما لو أن قشورًا سقطت من عينيه.
· “لكي نحفظ كلمة الله، ألا يتوجب علينا أن نصلي من أجل فهمها؟ فما هي هذه الصلاة إذًا؟ ليست هذه صلاة: أعطني كتابًا مقدسًا أوضح، بل: افتح عينيّ لأعرف كتابي المقدس. ليست هذه صلاة: أرِني بعض الإعلانات بجانب الشريعة، بل: اجعلني أرَ عجائب الشريعة.” بريدجز (Bridges)
· لم يكن صاحب المزمور محتاجًا إلى إعلان جديد، بل احتاج إلى أن يرى الإعلان المعطى بالفعل. لم يكن محتاجًا إلى عينين جديدتين، بل أراد أن يرى بوضوح بعينيه الأصليتين.
٢. عَجَائِبَ مِنْ شَرِيعَتِكَ: هنالك أشياء عجيبة في كلمة الله، لكن لا يمكن أن تُرى إلا عندما يفتح الله العيون. ويعني هذا أن الصلاة جزء حيوي من دراسة الكتاب المقدس.
· لا يرى الجميع أشياء عجيبة في كلمة الله، لكن عندما يرونها، ينبغي أن يعدّوا ذلك دليلًا على بركة الله وفضله ونعمته.
· ابتهج يسوع عندما أعلن الله حكمته بهذه الطريقة. “فِي ذَلِكَ ٱلْوَقْتِ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: أَحْمَدُكَ أَيُّهَا ٱلْآبُ رَبُّ ٱلسَّمَاءِ وَٱلْأَرْضِ، لِأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هَذِهِ عَنِ ٱلْحُكَمَاءِ وَٱلْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلْأَطْفَالِ.” (متى ١١: ٢٥).
· أعطى الله الإنسان القدرة على الإحساس بالتعجب، ومن المؤكد أن هنالك أشياء معينة تدفع إلى ذلك. إذ يمكن للجديد وغير المتوقع أن يثير فينا التعجب. ويمكن للجميل والعظيم أن يثير فينا التعجب، ويمكن للغامض وغير المعروف أن يثير فينا التعجب. لقد أعطانا الله هذا الإحساس بالتعجب بإعطائنا كلمته. ويستطيع الروح القدس أن يحيي كلمة الله لنا ويساعدنا باستمرار على أن نرى ما هو جديد وغير متوقع، أشياء عظيمة وجميلة، أشياء غامضة، وغير معروفة. ومن المؤسف أن مؤمنين كثيرين يبحثون عن إشباع إحساسهم بالتعجب من دون التظر إلى كلمة الله.
· فكّر في كل ما هو موجود في الكتاب المقدس لا تراه. فكّر في كل العجب، كل الكنوز التي لا تراها. تستطيع أن ترى بعض الأشياء رغم أنك لا تستطيع أن ترى كل شي. وتعتقد أحيانًا أنك ترى أشياء غير موجودة. وليس الذين يرون أكثر أشخاصًا أكثر ذكاء بالضرورة، لكن عيونهم أكثر انفتاحًا.
· “إذا أردنا أن نرى أشياء عجيبة في كلمة الله، فليس كافيًا أن نطلب من الله أن يفتح عيوننا لنراها. إذ يتوجب علينا أن ندرس الكتاب المقدس بعناية أيضًا. إذ لا يُعطى الروح القدس لجعل دراستنا غير ضرورية، بل لجعلها فعالة.” بويس (Boice)
ج) الآيات (١٩-٢٠): صلاة من أجل الإعلان، في توق إلى كلمة الله.
١٩غَرِيبٌ أَنَا فِي ٱلْأَرْضِ. لَا تُخْفِ عَنِّي وَصَايَاكَ. ٢٠ٱنْسَحَقَتْ نَفْسِي شَوْقًا إِلَى أَحْكَامِكَ فِي كُلِّ حِينٍ.
١. غَرِيبٌ أَنَا فِي ٱلْأَرْضِ. لَا تُخْفِ عَنِّي وَصَايَاكَ: هذه هي نفس الطلبة المقدمة في الآية السابقة، لكنها تقدَّم لسبب مختلف. إذ يريد صاحب المزمور أن يعرف كلمة الله ويحفظها، وهو يصلي من أجل ذلك، لكنه يقدم الطلبة هنا لأنه يدرك أن الأرض ليست موطنه، وهو يحتاج إلى التواصل مع موطنه الحقيقي.
· عندما نفكر في الإنسان الذي يقول ’غَرِيبٌ أَنَا فِي ٱلْأَرْضِ،‘ لا ينبغي أن نفكر في رجل يتجول وحده في البرية. بل ينبغي أن نفكر في إنسان يعيش بين آخرين محاطًا بغرور العالم، لكنه يدرك تمامًا “لا أنتمي إلى هذا المكان حقًّا.”
· إن كنت تحاول اتِّباع الله، فسيعاملك العالم على أنك غريب، لأنك ستكون كذلك. ولا يمكنك أن تكون مرتاحًا فيه. لكن إن كنت مرتاحًا فيه، فإن هذه إشارة إلى أنك لا تنتمي إلى المسيح، أو على الأقل أنك تعيش بعيدًا عنه.” بويس (Boice)
٢. ٱنْسَحَقَتْ نَفْسِي شَوْقًا إِلَى أَحْكَامِكَ فِي كُلِّ حِينٍ: تاقت نفسه إلى كلمة الله كثيرًا لأنه كان غريبًا في الأرض. وأمّا الذين يحسّون بالارتياح في هذا العالم، فإن الكلمة التي تأتي إليهم من السماء أقل قيمة.
· ٱنْسَحَقَتْ نَفْسِي: “لدينا تعابير مشابهة مثل ’كسَر هذا قلبي،‘ أو ’هذا شيء يحطم القلب،‘ أو ’ماتت من كسر القلب.‘ يعبّر هذا عن توق مفرط، عن خيبة أمل أليمة، عن حزن متراكم. وبهذا نرى جوع صاحب المزمور وعطشه إلى البر والمختلطين في الغالب بالقنوط.” كلارك (Clarke)
· “الرغبات الروحية ظلال للبركات القادمة. فالذي يقصده الله أن يعطينا إياه يضع فينا شوقًا إليه. ومن هنا تكون فاعلية الصلاة الرائعة، لأن الصلاة تجسيد لشوق يُلهمه الروح، لأنه ينوي أن يمنح البركة. فما هي أشواقك، أيها المستمع؟” سبيرجن (Spurgeon)
· “لا يبقى التوق في جثة بلا حياة. التوق في القلب يعني حياة. ربما يعزّي بعضكم قولي هذا: لم تصلوا بعد إلى القداسة التي ترغبون فيها، إذ يعني هذا أنك نفس حية، وأن حياة الله فيك.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (٢١-٢٤): صلاة من ملجأ في كلمة الله.
٢١انْتَهَرْتَ ٱلْمُتَكَبِّرِينَ ٱلْمَلَاعِينَ ٱلضَّالِّينَ عَنْ وَصَايَاكَ. ٢٢دَحْرِجْ عَنِّي ٱلْعَارَ وَٱلْإِهَانَةَ، لِأَنِّي حَفِظْتُ شَهَادَاتِكَ. ٢٣جَلَسَ أَيْضًا رُؤَسَاءُ، تَقَاوَلُوا عَلَيَّ. أَمَّا عَبْدُكَ فَيُنَاجِي بِفَرَائِضِكَ. ٢٤أَيْضًا شَهَادَاتُكَ هِيَ لَذَّتِي، أَهْلُ مَشُورَتِي.
١. انْتَهَرْتَ ٱلْمُتَكَبِّرِينَ: الذين يضلّون عن وصايا الله هم في الوقت نفسه متكبرون وعصاة (عصيانهم دليل على عنادهم وتمسّكهم بإرادتهم الخاصة) وملاعين (فلا يمكن أن يأتي صلاح من عصيانهم).
· “دع تواريخ قايين وفرعون وهامان ونبوخذنصر وهيرودس تُظهر الغطرسة تحت انتهار الله ولعنته.” بريدجز (Bridges)
٢. دَحْرِجْ عَنِّي ٱلْعَارَ (الانتهار والتوبيخ) وَٱلْإِهَانَةَ (الاحتقار): أدرك صاحب المزمور أنه حتى الرؤساء يمكن أن يتكلموا ضده. غير أنه لن يتراجع عن التأمل في كلمة الله. لكنه صلّى ببساطة طالبًا من الله أن يتعامل مع التوبيخ والاحتقار اللذين وضعهما أشخاص بارزون بسبب محبته لكلمة الله.
· التوبيخ غير مسر. فهو تعبير عن عدم الاستحسان وخيبة الأمل. غير أن الاحتقار أسوأ. إنه الإحساس بأن شخصًا ما تحت مستوى الاعتبار، وأنه تافه ولا فائدة منه.
· إضافة إلى التوبيخ والاحتقار، قام هؤلاء الأعداء بذمّ صاحب المزمور (جَلَسَ أَيْضًا رُؤَسَاءُ، تَقَاوَلُوا عَلَيَّ). ويجاوز هذا الذم وضعنا كغرباء. عندما يعتقد العالم أننا غرباء ويستغرب عدم انتمائنا، فإنه يرانا على نحو صحيح. وعندما يذمّنا، فإنه يلفق أكاذيب حولنا، ويتهمنا زورًا.
· “إن أفضل طريقة للتعامل مع الذم هي الصلاة حوله. فإما أن يزيله الله تمامًا وإما أن يزيل لسعته. ومحاولاتنا الخاصة في تبرئة أنفسنا فاشلة في العادة.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. أَيْضًا شَهَادَاتُكَ هِيَ لَذَّتِي، أَهْلُ مَشُورَتِي: ابتهج صاحب المزمور بكلمة الله والتذّ بها واتكل عليها كمصدر مشورة أكثر من كبار الناس في العالم (مثل الرؤساء).
· “يطمع معظم الناس في كلمة طيبة في حقهم يقولها أحد الرؤساء. وأمّا أن يقول كلمة سيئة في حقهم فسيكون مصدر خيبة أمل عظيمة لهم، لكن صاحب المزمور احتمل هذه المحنة بهدوء مقدس… وفي حين أن أعداءه تشاوروا فيما بينهم، فإن هذا الرجل المقدس تشاور مع شهادات الله.” سبيرجن (Spurgeon)
· أَهْلُ مَشُورَتِي: “لن تحقق لنا القراءة السريعة لذة مقدسة أو مشورة مقدسة. إذ ينبغي أن تنطبق على خبراتنا، وأن نستشيرها حتى في الأمور الصغيرة من حياتنا اليومية، وعندما لا نكون واعين لاحتياجاتنا إلى التوجيه الإلهي، فإننا غالبًا ما نميل إلى الاعتماد على مشورتنا الخاصة.” بريدجز (Bridges)
· في هذا القسم، رأى صاحب المزمور أشياء كثيرة تعوق تَلَقِّيه كلمة الله وشركته معه، فصلّى من أجل حماية منها.
ü رأى خطر نفس ميتة وقلب بارد، ولهذ صلى، “أحْسِنْ إِلَى عَبْدِكَ، فَأَحْيَا وَأَحْفَظَ أَمْرَكَ.”
ü رأى خطر فهم مظلم، ولهذا صلّى: “ٱكْشِفْ عَنْ عَيْنَيَّ فَأَرَى عَجَائِبَ مِنْ شَرِيعَتِكَ.”
ü رأى خطر الحياة كغريب في أرض غريبة، ولهذا صلّى: “لَا تُخْفِ عَنِّي وَصَايَاكَ.”
ü رأى ضعفه وعجزه، ولهذا صلّى: “ٱنْسَحَقَتْ نَفْسِي شَوْقًا إِلَى أَحْكَامِكَ.”
ü رأى خطر الكبرياء التي رآها واضحة في الذين هاجموه، ولهذا أدرك وجود المتكبرين الملاعين “ٱلضَّالِّينَ عَنْ وَصَايَاكَ”.
ü رأى التوبيخ والاحتقار اللذين جاءا عليه، وكيف أن أعداءه يمكن أن يهزوا موقفه، ولهذا صلى: “دَحْرِجْ عَنِّي ٱلْعَارَ وَٱلْإِهَانَةَ.”
ü رأى رؤساء يتآمرون عليه، ولهذا صلى: “شَهَادَاتُكَ هِيَ لَذَّتِي.”
· إنه يرتفع عاليًا فوق تلك الظروف المحزنة بحفظ شهادات الله، متأملًا في الفرائض، وبهذا يجد في هذا لذته.” مورجان (Morgan)
رابعًا. الدال (ד Daleth): مُحْيا من التراب
أ ) الآية (٢٥): صلاة من أجل الانتعاش من نفس تحس بأنها ميّتة.
٢٥لَصِقَتْ بِٱلتُّرَابِ نَفْسِي، فَأَحْيِنِي حَسَبَ كَلِمَتِكَ.
١. لَصِقَتْ بِٱلتُّرَابِ نَفْسِي: استخدم صاحب المزمور صورة قوية ليعبّر بها عن إحساسه بالقرب من الموت في أزمته الحالية. إذ ارتبط التراب بالموت والندب والعويل والإذلال.
· “مهما كان سبب الشكوى، لم يكن شرًّا سطحيًّا، بل كان مسألة متعلقة بروحه الداخلية، إذ التصقت نفسه بالتراب، إذ لم يكن سقوطًا عابرًا أو بالصدفة، بل كان ميلًا مستمرًّا وقويًّا، أو التصاقًا بالأرض.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. فَأَحْيِنِي حَسَبَ كَلِمَتِكَ: جاءت الصلاة من أجل الانتعاش من مكان متدنٍّ. فطلب صاحب المزمور استعادة حياة وحيوية، حسب كلمة الرب.
· يأتي الانتعاش من إحساس بالحاجة الروحية وبالوضاعة. ويتسم الانتعاش الحقيقي – بالمعنى الكتابي والتاريخي – بوعي مخجل بالخطية، والإلحاح بالاعتراف وتصويب الأمور (كما في الآية ٢٦).
· عرف صاحب المزمور ما كان يحتاج إليه.” ربما اعتقد بعضهم أنه سيطلب راحة أو تقديرًا، لكنه عرف أن هذه الأمور ستأتي من حياة متزايدة، ولهذا سعى إلى بركة تمثل جذر الراحة. وعندما يكون شخص مكتئبًا في الروح، وضعيفًا ومنحنيًا نحو الأرض، فإن الأمر المهم أن يزداد جَلَده وقدرته على التحمل، وأن تُضَخ فيه حياة. وعندئذٍ ستنتعش نفسه.” سبيرجن (Spurgeon)
· حَسَبَ كَلِمَتِكَ: يبيّن هذا أن الله يستخدم كلمته في جلب الانتعاش. وأما الأعمال التي تدّعي أنها انتعاش فإنها يمكن أن تقاس حسب كلمته.
ب) الآيات (٢٦-٢٧): علِّمْني وأَفهِمْني.
٢٦قَدْ صَرَّحْتُ بِطُرُقِي فَٱسْتَجَبْتَ لِي. ٢٧عَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ. طَرِيقَ وَصَايَاكَ فَهِّمْنِي، فَأُنَاجِيَ بِعَجَائِبِكَ.
١. قَدْ صَرَّحْتُ بِطُرُقِي فَٱسْتَجَبْتَ لِي. عَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ: الفكرة وراء عبارة ’قَدْ صَرَّحْتُ بِطُرُقِي‘ هي أن صاحب المزمور أخبر الله كل شيء عن نفسه وحياته. إذ اعترف بكل شيء وبلا قيود أمام الله.
· “هل يستطيع كل واحد أن يقول الآن: “قَدْ صَرَّحْتُ بِطُرُقِي” للرب؟ ينبغي أن نفعل هذا، لا في بداية إيماني بالمسيح فحسب، بل باستمرار على مدى حياتنا. ينبغي أن ننظر إلى كل يوم ونلخّص أخطاء اليوم ونقول: ’قَدْ صَرَّحْتُ بِطُرُقِي‘ – طرقي السيئة، طرقي الشريرة، طرق تِيهي، طرق ارتدادي، طرق برودي ولامبالاتي، طرقي المتكبرة.” سبيرجن (Spurgeon)
· كان لدى صاحب المزمور حرية رائعة في التحدث. إذ تكلم مع الله كصديق عزيز. “كم مرةٍ نعامل صديقنا الله العلي كما لو أننا سئمنا من التعامل معه!” بريدجز (Bridges)
٢. طَرِيقَ وَصَايَاكَ فَهِّمْنِي: أدرك صاحب المزمور أنه محتاج إلى ما هو أكثر من المعرفة، إذ احتاج إلى فهم أيضًا. وسيتأمل أعمال الله الرائعة بكليهما.
· فَهِّمْني: “يتحدث هذا عن فهم عميق، فهمٍ يتجاوز استيعاب الكلمات إلى فهم عميق لما تكشفه حول طبيعة الله، فهم للإنجيل وطرق الله.” بويس (Boice)
· عَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ: “أعتقد أن صاحب المزمور يقصد هذا: يا رب، لقد أخبرتك كل شيء، والآن، هلّا تخبرني كل شيء؟ لقد صرّحتُ بطرقي، والآن، هلاّ تعلّمني عن طرقك؟ لقد اعترفت لك أني كسرتُ فرائضك، والآن، هلّا تعطيني فرائضك من جديد؟” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآية (٢٨): التماس القوة من نفس منكمشة.
٢٨قَطَرَتْ نَفْسِي مِنَ ٱلْحُزْنِ. أَقِمْنِي حَسَبَ كَلَامِكَ.
١. قَطَرَتْ (ذابت) نَفْسِي مِنَ ٱلْحُزْنِ: جعلت المشكلات المحيطة بصاحب المزمور (كما رأيناها في الآيات ١٧-٢٤) نفسه ثقيلة من الحزن، وكأنها ستذوب. أحسّ بأنه لم تكن لديه قوة أو استقرار داخله.
٢. أَقِمْنِي (قوِّني) حَسَبَ كَلَامِكَ: صلى من أجل القوة. وستأتي هذه القوة من كلمة الله وحسَبَها.
· “المرنم مُنْحَنٍ من ثِقل الحزن، بل منسحق. وهو بحاجة ماسة إلى نجدة وقوة. “فكيف يسعى إلى ذلك؟ لا بطلب الشفقة، بل بتطبيق حازم لشريعة إلهه.” مورجان (Morgan)
· “لن يقوم هذا الثِّقل من الحزن المُذيب هذا بعمله إلى أن يجعلنا ننحني أمام عرش الله، مع إطلاق صرخة الإيمان: ’أَقِمْنِي (قوِّني).‘” بريدجز (Bridges)
د ) الآيات (٢٩-٣٠): اختيار طريق الحق.
٢٩طَرِيقَ ٱلْكَذِبِ أَبْعِدْ عَنِّي، وَبِشَرِيعَتِكَ ٱرْحَمْنِي. ٣٠ٱخْتَرْتُ طَرِيقَ ٱلْحَقِّ. جَعَلْتُ أَحْكَامَكَ قُدَّامِي.
١. طَرِيقَ ٱلْكَذِبِ أَبْعِدْ عَنِّي… ٱخْتَرْتُ طَرِيقَ ٱلْحَقِّ: استشعر صاحب المزمور الإغراء الشائع بالكذب، غير أنه قرر أن يختار طريق الحق.
· طَرِيقَ ٱلْكَذِبِ أَبْعِدْ عَنِّي: “… هذه خطية وقع داود فيها مرارًا بسبب عدم الثقة بالنفس. انظر ١ صموئيل ٢١: ٢، ٨، حيث يروي ثلاث أو أربع أكاذيب متتابعة. وقد فعل الأمر نفسه في ١ صموئيل ٢٧: ٨، ١٠. رأى داود هذا الشر بنفسه، وصلّى ضده.” تراب (Trapp)
· وَبِشَرِيعَتِكَ ٱرْحَمْنِي: تقول الترجمة الإنجليزية ’امنحني شريعتك بلطف.‘ تحمل كلمة “بلطف” في العبرية معنى “علِّمْني بلطف”، وهي كلمة واحدة. والفكرة الكاملة هنا هي: إذا أردتَ أن تُحفظ من الخطية، لا بد أن يكون هذا بنعمة الله ومن خلال ممارسة تعلُّم كلمته.” بويس (Boice)
٢. جَعَلْتُ أَحْكَامَكَ قُدَّامِي: استطاع صاحب المزمور بهذه الطريقة أن يختار طريق الحق. إذ كان على علاقة وثيقة بكلمة الله.
· “لا يجد الرجال طريق الحق بالصدفة. إذ يتوجب أن يختاروه بأنفسهم، وأن يظلوا يختارونه، وإلا فسيضلّون عنه.” سبيرجن (Spurgeon)
هـ) الآيات (٣١-٣٢): أنقذني ووسّع قلبي.
٣١لَصِقْتُ بِشَهَادَاتِكَ. يَارَبُّ، لَا تُخْزِنِي. ٣٢فِي طَرِيقِ وَصَايَاكَ أَجْرِي، لِأَنَّكَ تُرَحِّبُ قَلْبِي.
١. لَصِقْتُ بِشَهَادَاتِكَ. يَارَبُّ، لَا تُخْزِنِي: فهم صاحب المزمور أنه إذا أراد أن يكرّس نفسه للرب بشكل كلي، عليه أن يلتصق بكلمته – كما يلتصق إنسان تحطمت به السفينة في البحر بلوح عائم – وعندئذٍ يمكنه أن يثق بأن الله لن يسمح له بأن يُخزى. إذ كانت ثقته في محلّها.
· في بداية هذا القسم، التصق صاحب المزمور بالتراب (الآية ٢٥). وقبل نهاية القسم، فإنه يلتصق بكلمة الله. كان في البداية منحنيًا، وهو الآن يَجري بفرح وبقوة في السباق الذي وضعته كلمة الله أمامه.
· يرتبط هذا الالتصاق في هذه الآية بمسألة الاختيار في الآية السابقة. “فبعد أن اخترنا طريقنا، يبقى علينا أن نثابر فيه. لأنه أفضل لنا لو أننا لم نعرف طريق الحق من أن نتركه بعد أن عرفناه.” هورن (Horne)
٢. فِي طَرِيقِ وَصَايَاكَ أَجْرِي: بعد أن بدأ صاحب المزمور بكونه منحنيًا في التراب، صار الآن يجري. لقد تحرّك في تقدُّم جميل من الاعتراف إلى الاختيار، إلى الالتصاق، إلى الجري.
٣. لِأَنَّكَ تُرَحِّبُ قَلْبِي: يرجع صاحب المزمور إلى موضوع مألوف، لا إلى عظمة كلمة الرب فحسب، بل أيضًا إلى الإحساس الحاد بضعفه واعتماده على الله. إذ يحتاج إلى أن يصبح قلبه أوسع وأكبر وأقوى وأفضل وأكثر ثباتًا. ولديه الثقة بأن الله سيفعل هذه كلها من خلال كلمته.
· “فالعلاج إذاً هو ترحيب القلب، وهو يتضمن مساحة أوسع من النور، وثقة أكبر اكتمالًا من المحبة… وهو لا يقول: لن أبذل جهدًا ما لم تعمل من أجلي. لكنه يقول: إذا رحّبتَ قلبي، فسأجري. وفي ضعفه لا يتوسل الخمول، بل نعمة مُحْيِية… إن سر الطاقة والنجاح المسيحيين هو قلب مرحَّب في محبة الله.” بريدجز (Bridges)
خامسًا. الهاء (He ה): توسُّل من أجل التوجيه والحياة
هذا هو الحرف الخامس في الأبجدية العبرية، وهو يُستخدم في بداية كل فعل ليُضفي عليه معنى السببية، أي أن يجعل شيئًا يحدث. ولهذا يصلّي صاحب المزمور في هذا القسم: علِّمني (اجعلني أتعلم)، وفّهِّمْني (اجعلني أفهم)، ودرِّبني (اجعلني أسلك)، وما إلى ذلك.
أ ) الآيات (٣٣-٣٥): صلاة للتعليم من أجل حياة البر.
٣٣عَلِّمْنِي يَا رَبُّ طَرِيقَ فَرَائِضِكَ، فَأَحْفَظَهَا إِلَى ٱلنِّهَايَةِ. ٣٤فَهِّمْنِي فَأُلَاحِظَ شَرِيعَتَكَ، وَأَحْفَظَهَا بِكُلِّ قَلْبِي. ٣٥دَرِّبْنِي فِي سَبِيلِ وَصَايَاكَ، لِأَنِّي بِهِ سُرِرْتُ.
١. عَلِّمْنِي يَا رَبُّ طَرِيقَ فَرَائِضِكَ، فَأَحْفَظَهَا إِلَى ٱلنِّهَايَةِ: يؤكد صاحب المزمور هنا رغبته القوية في أن يحفظ طريق الله وكلمته. فإذا علّمه الله، فسيثابر ويحفظ الطريق إلى النهاية.
· “الرغبة العامّة المعبَّر عنها في هذا القسم متعلقة بالإرشاد. لم يقدم التماسًا للتوجيه في حالة خاصة يجد فيها صعوبة. بل قدّم طلبًا لإظهار أوضح لمعنى إرادة الله.” مورجان (Morgan)
· لا يمكن أن يصلي هذه الصلاة إلا قلب غيّره الله. فإذا تُرك الإنسان لوحده، فسيكون عاجزًا عن حفظ طريق الله وكلمته (ناهيك عن أن يفعل ذلك إلى النهاية). إذ تخبرنا فيلبي ٢: ١٣ أنّ “ٱللهَ هُوَ ٱلْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ ٱلْمَسَرَّةِ.” وهنا يصلّي صاحب المزمور كشخص عرف إرادة الله، وهو الآن يصلّي من أجل القدرة على أن يعمل بها.
· ينبغي أن نتوقع اتِّباع الله وكلمته إلى النهاية. “لن تأتي نهاية حفظنا للشريعة إلا عندما نتوقف عن التنفس. ولن يفكر رجل صالح عن تحديد موعد فيقول: هذا يكفي. يمكنني الآن أن أسترخي وأحيا حسب أسلوب الناس.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. فَهِّمْنِي فَأُلَاحِظَ شَرِيعَتَكَ، وَأَحْفَظَهَا بِكُلِّ قَلْبِي: من دون هذا الفهم لن يستطيع صاحب المزمور أن يتبع رغبة قلبه المتحوّل. إذ تحتاج إلى فهم للمثابرة على الإيمان.
· “يعمل الفهم على الوجدان والعاطفة، ويُقْنع القلب بجمال الشريعة حتى تحبها النفس بكل قوتها. ثم يكشف جلال معطي الشريعة، وتنحني الطبيعة كلها أمام إرادته العليا.” سبيرجن (Spurgeon)
· ليس لدى صاحب المزمور شك في أن الله أعطانا كلمته. وكان خوفه الوحيد هو أن لا يفهمها (أو أن يلتهي عنها)، غير أنه كان واثقًا بشكل كلي بأنها يمكن أن تُفهم بشكل صحيح من قلب وعقل مصلّيين.
· “يعني ’إلى النهاية‘ بلا حد زمني، ويعني ’بكل قلبي‘ من دون تحَفُّظ.” بويس (Boice)
٣. دَرِّبْنِي فِي سَبِيلِ وَصَايَاكَ، لِأَنِّي بِهِ سُرِرْتُ: رغم مسرة صاحب المزمور بكلمة الله ورغبته فيها، إلا أنه يعرف أنه لا يستطيع أن يسلك في سبيل الرب من دون تمكين.
· “نحن لا نحتاج إلى تعليم في طريق الخطية… لكن بالنسبة لأي ابن لله، فإن هذه صلاة لاستخدام ثابت.” بريدجز (Bridges)
· “هذه صرخة ابن يتوق إلى أن يسير، لكنه أضعف من أن يفعل ذلك. وهي صرخة سائح منهك، غير أنه يتوق إلى الاشتراك في المسيرة. وهي صرخة إنسان مُقْعد يشتاق إلى أن يَجري.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٣٦-٣٧): كلمة الله ومشكلة الأمور المالية.
٣٦أَمِلْ قَلْبِي إِلَى شَهَادَاتِكَ، لَا إِلَى ٱلْمَكْسَبِ. ٣٧حَوِّلْ عَيْنَيَّ عَنِ ٱلنَّظَرِ إِلَى ٱلْبَاطِلِ. فِي طَرِيقِكَ أَحْيِنِي.
١. أَمِلْ قَلْبِي إِلَى شَهَادَاتِكَ، لَا إِلَى ٱلْمَكْسَبِ (الطمع): فهم صاحب المزمور أن المكسب الأناني أو الطمع يشكل تهديدًا للسلوك في طريق الرب. وسيساعده القلب الميّال إلى كلمة الرب في أن يَقْنَع بما يوفره الله.
· “إنه يطلب من الله أن يَعْطِف قلبه على الكتاب المقدس بدلًا من السعي إلى المكسب الأناني. وهو يعترف لأول مرة بإمكانية فكْر منقسم.” بويس (Boice)
· يخبرنا الكتاب المقدس أن الطمع دمّر أشخاصًا كثيرين.
ü خان بلعام شعب االله لأنه طمِع (عدد ٢٢؛ ٢ بطرس ٢: ١٤-١٦).
ü قتل آخاب لأنه طمِع (١ ملوك ٢١: ١-١٣).
ü ارتكب داود الزنا والقتل لأنه طمِع (٢ صموئيل ١١: ٢-١٧).
ü سرق آخان وجلب الهزيمة على إسرائيل لأنه طمِع (يشوع ٧: ٢١).
ü سرق يهوذا من زملائه التلاميذ وخان يسوع لأنه طمِع (يوحنا ١٢: ٦؛ متى ٢٦: ١٤-١٦).
ü كذب جِيحْزِي لأنه اشتهى (٢ ملوك ٥: ٢٠-٢٧).
ü كذب حنانيا على الروح القدس لأنه طمِع (أعمال الرسل ٥: ١-٦).
· “الطمع خادم لكل الخطايا، لأنه لا توجد خطية لا يخدمها الطمّاع من أجل مكسبه.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن ويليام كاوبر (William Cowper)
٢. حَوِّلْ عَيْنَيَّ عَنِ ٱلنَّظَرِ إِلَى ٱلْبَاطِلِ: فهِم صاحب المزمور بحق أن بعض الأشياء تافهة نسبيًّا. فهي ليست بذي قيمة للأبدية، وهي ذات قيمة قليلة جدًّا في هذا الدهر. لقد صلّى من أن يمده الرب بالقوة ويمكّنه من تحويل عينيه واهتمامه عن مثل هذه الأمور.
· تبَدَّد حياة كثيرين لأن أشخاصًا يجدون أنفسهم غير راغبين أو عاجزين عن تحويل عيونهم عن الأمور الباطلة. إذ يجلب لنا العالم الحديث بوسائل إعلامه وتقنية تسليته نهرًا لا نهاية له من الأمور الباطلة التي تشغل لا عيوننا ووقتنا فحسب، بل أيضًا عقولنا وقلوبنا.
· من الواضح أن بعض الأشياء باطلة (تافهة). هنالك أشياء يعتقد كثيرون أنها جديرة وذات قيمة في حين أنها في الواقع باطلة.
ü باطلة لأنها لا تفعل شيئًا صالحًا.
ü باطلة لأنها لا تدوم.
ü باطلة لأنها لا تساعد أحدًا.
ü باطلة لأنها لا تبني الإيمان أو الرجاء أو المحبة.
ü باطلة لأنها تلهينا عن أشياء قيّمة جديرة.
ü باطلة لأنها لا علاقة لها بيسوع.
· فهِم صاحب المزمور أنه كان لديه ميل طبيعي إلى الأمور الباطلة، ولهذا صلّى أن يكون لديه قوة معاكسة لهذا الميل الطبيعي. “حِفظ العينين وسيلة فخمة لحفظ القلب (
عدد ١٥: ٣٩؛
أيوب ٣١: ١).” بريدجز (Bridges)
· غير أن العيون قوية حتى إن صاحب المزمور اضطر إلى الصلاة من أجل القوة خارج نفسه لتحويل عينيه عن الأمور الباطلة. أليس لدى صاحب المزمور جفون أو عضلات في رقبته لكي يدير رأسه؟ نحن نتعاطف جميعًا مع هذه الصلاة، العينان صغيرتان، لكن يمكن أن تقودا الشخص نفسه، وغالبًا إلى الدمار، لأن العينين تقودان القلب والعقل، وتستطيعان أن تقودا الشخص بأكمله. ولهذا صلى هكذا: “لئلا يتسبب النظر في الإعجاب والشهوة.” تراب (Trapp)
· لم يقَوِّر عينيه أو أن يطلب من الله أن يفعل هذا. بل أراد طريقة أخرى، طريقة أفضل. إن أفضل طريقة أخرى لتحويل النظر عن الخطية هي النظر إلى شيء آخر. “لا يصلّي أن تُغلق عيناه، بل أن تتحول بعيدًا، لأننا نحتاج إلى أن تكون عيوننا مفتوحة، لكن موجهتين إلى أشياء صحيحة.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. فِي طَرِيقِكَ أَحْيِنِي: هذه طريقة أخرى للصلاة من أجل الانتعاش. وفي هذه المرة، يصلي أن يُحيا في طريق الرب. أراد صاحب المزمور أن يسلك في طريق الرب وأن يفعل هذا بقلب منتعش. صلى من أجل موت في اتجاه – نحو الأشياء الباطلة – ومن أجل حياة في اتجاه آخر – في طريق الرب.
· “بينما أرغب في أن اكون خاملًا وميتًا في عواطفي تجاه غرور العالم، اجعلني، يا رب، حيًّا ونشطًا ومفعمًا بالحياة في عملك وخدمتك.” بوله (Poole)
· “يتوجه صاحب المزمور فورًا إلى ذاك الذي توجد فيه ينابيع منعشة. فمجال الحياة مقصور على الله. فهو رب الحياة ومعطيها. فلم يحصل أحد قط على حياة روحية أو انتعاش من أي مصدر غير الإله الحي. أيها الأحبة، هذا موضوع يستحق التأمل. فنحن نميل، عندما نشعر بانحطاط في أنفسنا، إلى النظر في أي مكان غير الرب. وغالبًا ما ننظر إلى الداخل أيضًا.” سبيرجن (Spurgeon)
· توجد لدى الله طرق كثيرة لإنعاشنا وإحيائنا. ويُدرج سبيرجن (Spurgeon) بعضًا منها:
ü كلمة الله: “هنالك وعود في كلمة الله مثل قوة الاسترداد الفعّالة يمكن التغذّي عليها. وهي قادرة على جعل القزم عملاقًا في غمضة عين.”
ü الابتلاء: “إنه لأمر رائع كيف أن لمسة من المهماز تُحيي طبيعتنا البليدة.”
ü المراحم العظيمة: قد يحرَّك إنسان نحو الاجتهاد بإحساس من العرفان بالجميل نحو الله على مراحمه العظيمة.
ü أمثلة مسيحية: “أعتقد أن قراءة سِيَر رجال الله المقدسين تجلب بركة من الله.”
ü الخدمة القلبية: لا ينبغي أن نختار ما يدغدغ الأذن أكثر، بل ما يحيي القلب أكثر.”
ج) الآيات (٣٨-٤٠): التوق إلى الانتعاش من كلمة الله.
٣٨أَقِمْ لِعَبْدِكَ قَوْلَكَ ٱلَّذِي لِمُتَّقِيكَ. ٣٩أَزِلْ عَارِي ٱلَّذِي حَذِرْتُ مِنْهُ، لِأَنَّ أَحْكَامَكَ طَيِّبَةٌ. ٤٠هَأَنَذَا قَدِ ٱشْتَهَيْتُ وَصَايَاكَ. بِعَدْلِكَ أَحْيِنِي.
١. أَقِمْ لِعَبْدِكَ قَوْلَكَ: ليست هذه صلاة لكي يغير كلمته بطريقة ما. فبالفعل “كَلِمَةُ إِلَهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى ٱلْأَبَدِ” (إشعياء ٤٠: ٨). هذه صلاة من أجل تغيير في قلب الخادم وفكره لكي تثبت كلمة الرب فيه.
· أَقِمْ لِعَبْدِكَ قَوْلَكَ: هذه نفس الفكرة التي عبّرت عنها مريم للملاك جبرائيل الذي جلب لها كلمة الرب: “لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ” (لوقا ١: ٣٨).
٢. أَزِلْ عَارِي ٱلَّذِي حَذِرْتُ مِنْهُ لِأَنَّ أَحْكَامَكَ طَيِّبَةٌ: بينما يعلن صاحب المزمور صلاح أحكام الرب، صلى أيضًا أن يزيل الرب توبيخه أو عاره برحمته.
· هنالك بعض التوبيخ أو العار الذي نواجهه كأتباع أمناء ليسوع. فقد عانى بولس من هذه الأنواع من التوبيخات (١ تيموثاوس ٤: ١٠)، واستمتع بها فعلًا (٢ كورنثوس ١٢: ١٠). فنحن نتوقع أن ينالنا توبيخ بصفتنا أتباعًا ليسوع (عبرانيين١٣: ٣؛ ١ بطرس ٤: ١٤).
· “ستزيل نعمة الرب له عاره، وستعزز مخافة الرب لديه.” فانجيميرين (VanGemeren)
٣. هَأَنَذَا قَدِ ٱشْتَهَيْتُ وَصَايَاكَ. بِعَدْلِكَ أَحْيِنِي: ومرة أخرى يصلي صاحب المزمور من أجل الانتعاش. وتأتي هذه الصلاة من قلب يحب كلمة الله (وصاياك)، طالبًا أن يحييه بر الله وعدله.
سادسًا. واو (Waw ו): حرية تأتي من كلمة الله
“يبدو هذا قسمً جديدًا من المزمور، حيث يبدأ كل سطر بحرف الواو. ولا توجد كلمات تقريبًا بالعبرية تبدأ بحرف الواو، وهو أداة وصل. ومن هنا يبدأ كل سطر من هذا القسم بحرف الواو.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن بارنز (Barnes).
أ ) الآيات (٤١-٤٢): نوال من الله، والدفاع ضد الإنسان.
٤١لِتَأْتِنِي رَحْمَتُكَ يَا رَبُّ، خَلَاصُكَ حَسَبَ قَوْلِكَ، ٤٢فَأُجَاوِبَ مُعَيِّرِي كَلِمَةً، لِأَنِّي ٱتَّكَلْتُ عَلَى كَلَامِكَ.
١. لِتَأْتِنِي رَحْمَتُكَ (مراحمك) يَا رَبُّ، خَلَاصُكَ حَسَبَ قَوْلِكَ: يقر صاحب المزمور هنا بأن الرحمة والخلاص يأتيان من الله إلى الإنسان من خلال كلمة الرب. ولا توجّهنا كلمة الله نحو الرحمة والخلاص فحسب، كما لو أن الكتاب المقدس كتاب للمساعدة الشخصية. بل يجلب الرحمة والخلاص إلينا فعلًا.
· استخدم صاحب المزمور صيغة الجمع ’مراحمك‘ بطريقة صحيحة. إذ لا يمكن أن توصف رحمة الله إلا بصيغة الجمع، حيث تتراكم رحمة فوق رحمة.
· “يرغب صاحب المزمور في الرحمة والتعليم معًا، لأنه مذنب وجاهل معًا.” سبيرجن (Spurgeon)
ü احتاج إلى رحمة، لا إلى تعليم فقط.
ü احتاج إلى مراحم كثيرة، ولهذا قدّم الطلبة بصيغة الجمع.
ü احتاج إلى رحمة من الله أكثر من البشر، ولهذا قدم الطلبة إلى الرب.
· تتَرجَم الكلمة العبرية ’حِسِد‘ Hesed إلى مراحم لا إلى رحمة. وعلى مدى قرون، كانت تترجَم إلى رحمة ولُطف ومحبة. لكن في عام ١٩٢٧، احتج الباحث نيلسون جلويك (Nelson Glueck) (من بين آخرين) بالقول إن الفكرة الحقيقية وراء كلمة “حِسِد” هي ولاء العهد، أكثر منها رحمة أو محبة. واختلف كثيرون معه. ولا يوجد سبب وجيه لتغيير الفهم القديم الراسخ لكلمة حسد وأخْذِها على أنها كلمة تؤكد بشكل رئيسي الولاء للعهد. (انظر مقال ر. ليرد هاريس (Laird Harris) حول ’حِسِد‘ في ’كتاب عمل لاهوت العهد القديم.‘)
· “لا بد أن تأتي المراحم إليّ، وإلاّ لن آتي إليها أبدًا.” بريدجز (Bridges)
٢. فَأُجَاوِبَ مُعَيِّرِي كَلِمَةً، لِأَنِّي ٱتَّكَلْتُ عَلَى كَلَامِكَ: توفر الثقة بكلمة الله جوابًا لأولئك الذين يعيّروننا. إذ يمكن أن يُرَد على الأصوات غير الموافِقة التي غالبًا ما نسمعها بثقة دائمة الموافقة (الاستحسان) التي نجدها نحن المؤمنين في كلمة الله.
· عندما نصدّق أن الله هو الله بطبيعته المعلنة في الكتاب المقدس، ونصدّق ما فعله من أجلنا في يسوع المسيح، يتم الرد على عدم استحسان العالم لنا.
ب) الآيات (٤٣-٤٤): صلاة أن تبقى كلمة الله على فم صاحب المزمور.
٤٣وَلَا تَنْزِعْ مِنْ فَمِي كَلَامَ ٱلْحَقِّ كُلَّ ٱلنَّزْعِ، لِأَنِّي ٱنْتَظَرْتُ أَحْكَامَكَ. ٤٤فَأَحْفَظَ شَرِيعَتَكَ دَائِمًا، إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلْأَبَدِ.
١. وَلَا تَنْزِعْ مِنْ فَمِي كَلَامَ: تتجذّر هذه الطلبة في الفهم أن سُكنى كلمة الله أو ثباتها فينا لا يَحْدث إلا بصلاح الله ونعمته. ولهذا تأتي الصلاة لكي تستمر في صاحب المزمور.
· يصح هذا على البشرية بشكل عام. ومن ناحية نظرية، ربما خلق الله الإنسان، لكنه لم يتواصل معه بكلمته بعد.
· ومع هذا، فإن هذا يصح على الفرد الذي توقظه كلمة الله وينتبه إليها – بفضل عمل الله فيه – ولهذا فإنه أمر حكيم وجدير أن نصلي أن تبقى معنا أيضًا.
· ينطبق هذا بشكل أكبر على أولئك الذين ينادون بكلمة الله. “إذ يمتلئ من كرز برسالة الإنجيل مرة من قلبه برعب من فكرة أنه أُخرج من الخدمة. وسيتوق إلى أن يُسمح له بمشاركة شهادته المقدسة ولو بشكل مختصر، وسيحسب سبوته الصامتة أيام نفي وعقاب.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. لِأَنِّي ٱنْتَظَرْتُ أَحْكَامَكَ (رجوتُ فرائضك): كان رجاؤه في الماضي أساس توقٌّعه المستقبلي. كان رجاؤه في كلمة الله (أحكامك) في الماضي، ولم يخب أمله.
٣. فَأَحْفَظَ شَرِيعَتَكَ دَائِمًا، إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلْأَبَدِ: أراد صاحب المزمور أن تكون كلمة الله على فمه لكي يحفظ شريعة الله. وقد هدف هذا إلى تمجيد الله من خلال طاعة كلمته، لا لغرض خدمة ذاتية.
ج) الآيات (٤٥-٤٨): محبة الكلمة التي تجلب الحرية.
٤٥وَأَتَمَشَّى فِي رَحْبٍ، لِأَنِّي طَلَبْتُ وَصَايَاكَ. ٤٦وَأَتَكَلَّمُ بِشَهَادَاتِكَ قُدَّامَ مُلُوكٍ وَلَا أَخْزَى، ٤٧وَأَتَلَذَّذُ بِوَصَايَاكَ ٱلَّتِي أَحْبَبْتُ. ٤٨وَأَرْفَعُ يَدَيَّ إِلَى وَصَايَاكَ ٱلَّتِي وَدِدْتُ، وَأُنَاجِي بِفَرَائِضِكَ.
١. وَأَتَمَشَّى فِي رَحْبٍ: بعد أن تَحَدّث صاحب المزمور عن طاعة كلمة الله من الداخل، فإنه يشهد على أن هذه الطاعة تجلب حياة رحب وحرية. وتأتي الحرية من خلال الطاعة والخضوع لله.
· “ثَبَت هذا في حياة أشخاص كثيرين في حالات إيجابية وسلبية معًا، حيث تؤدي الطاعة والسعي وراء كلمة الله وحكمته إلى الحرية والرحب، بينما يؤدي العصيان ورفض كلمة الله، والاعتماد على الحكمة الذاتية إلى العبودية.
· لا يجد القديسون عبودية في القداسة. فروح القداسة روح حرة. فهي تطْلق الناس أحرارًا وتمكّنهم من مقاومة كل جهد يهدف إلى إخضاعهم. وليست طريق القداسة سبيلًا للعبيد، بل هي الطريق الملكي الوسيع للأحرار.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. وَأَتَكَلَّمُ بِشَهَادَاتِكَ قُدَّامَ مُلُوكٍ وَلَا أَخْزَى: هذا مثل للحرية (الرحب) التي سبق أن ذكرها صاحب المزمور للتو. ويبيّن التحلّي بالجسارة والقدرة على الكلام بحرية عن الله وعن كلمته أمام الملوك وعظماء الأرض حرية حقيقية.
· “هذا جزء من حريته. فهو حر من خوف أعظم الرجال، وأكثرهم تكبُّرًا، وأشدهم طغيانًا.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. وَأَتَلَذَّذُ (ألذّذ نفسي) بِوَصَايَاكَ ٱلَّتِي أَحْبَبْتُ: تبيّن هذه العبارة أن التلذذ بكلمة الرب مسألة خيار، ومسألة إرادة. لم ينتظر صاحب المزمور أن يغمره شعور بالفرح، بل قال ببساطة: “أَتَلَذَّذُ (ألذّذ نفسي) بِوَصَايَاكَ.”
· أعلن صاحب المزمور في الآية ٤٤: ’أَحْفَظَ شَرِيعَتَكَ دَائِمًا.‘ وفي الآيتين التاليتين يدرج ثلاثة أشياء على الأقل تنبع من حياة الطاعة، وهي الرحب (الحرية)، والثقة (لَا أَخْزَى)، والبهجة (التلذذ). هذه هي بركات حياة الطاعة، وهي ليست بركات نكتسبها بالطاعة، بل بركات يتمتع بها أولئك الذين يحفظون شريعته دائمًا.”
٤. ٱلَّتِي أَحْبَبْتُ… ٱلَّتِي وَدِدْتُ: إن قوة محبة صاحب المزمور لكلمة الله وعمق تلك المحبة مثيران للإعجاب. وتتجلى المحبة لا في البهجة (التلذذ) فحسب، بل أيضًا في فعل مشرف (وَأَرْفَعُ يَدَيَّ إِلَى وَصَايَاكَ)، وفي الوقت والجهد المبذولين في كلمة الله (أُنَاجِي).
· يمكننا القول إن كل حب حقيقي يتضمن هذه المكونات الثلاثة: العاطفة (التعلّق)، وإعطاء الكرامة، والرغبة في قضاء الوقت والجهد في معرفة المحبوب. وهذا معيار لمحبتنا لكلمة الله.
· وَأَرْفَعُ يَدَيَّ إِلَى وَصَايَاكَ: “هذا تعبير جسور عن التوق إلى إعلان في كلمة الله.” كيدنر (Kidner)
· “يا لعار المؤمنين الذين لا يحملون إلا محبة قليلة جدًّا لإنجيل المسيح عندما نرى مثل هذا التعلق الشديد الطاهر بضمير حي من يهودي بشريعة موسى وفرائضها التي لم تقدم جزءًا واحدًا من الألف من الامتيازات المقدمة في إنجيل المسيح!” كلارك (Clarke)
· “فلماذا يُقرأ الكتاب المقدس من دون أن يُتأمل فيه؟ لأنه غير محبوب. فنحن لا نذهب إليه كما يذهب الجائع إلى طعامه، والبخيل إلى كنزه. فالخسارة لا تُحصى.” بريدجز (Bridges)
سابعًا: الزين (Zayin ז): قوة كلمة الله للتعزية والتقوية
أ ) الآيات (٤٩-٥٠): كلمة الله تجلب التعزية.
٤٩اُذْكُرْ لِعَبْدِكَ ٱلْقَوْلَ ٱلَّذِي جَعَلْتَنِي أَنْتَظِرُهُ. ٥٠هَذِهِ هِيَ تَعْزِيَتِي فِي مَذَلَّتِي، لِأَنَّ قَوْلَكَ أَحْيَانِي.
١. اُذْكُرْ لِعَبْدِكَ ٱلْقَوْلَ: فهِم صاحب المزمور أن الله لا يمكن أن ينسى كلمته (ٱلْقَوْلَ). فكان يتكلم بلغة البشر متوسّلًا لله أن يفي بالوعود التي قطعها في كلمته. فالله يريد من شعبه أن يتوسلوا إليه مرتكزين على وعوده في الصلاة.
· “عندما نسمع أي وعد في كلمة الله، دعنا نحوّله إلى صلاة. فوعود الله هي قيوده وتعهداته. قاضوه عليها. فهو يحب أن نتصارع معه وفق وعوده.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن سيبز (Sibbes)
· قال سبيرجن إنه كان في الغالب يحمل في جيبه كتيّبًا بوعود الله (وعود كلارك الثمينة)، وكان يلجأ إلى وعود معيّنة لمساعدته عند الحاجة. “لكن عندما يقطع الله وعدًا – دعنا نتكلم بوقار- فإنه يربط نفسها بحبال من صنعه. فهو يربط نفسه بمسار محدد عندما يقول إن هذا سيكون. ومن هنا، عندما نمسك بالوعود، فإننا نمسك بالله نفسه.” سبيرجن (Spurgeon)
· لِعَبْدِكَ (خادمك): إن كانت كلمة الله ثمينة هكذا كخدام له، فماذا يمكن أن نقول عن كلمته لنا كأبناء؟” سبيرجن (Spurgeon)
٢. ٱلَّذِي جَعَلْتَنِي أَنْتَظِرُهُ (أرجوه): ومرة أخرى، فهِم صاحب المزمور أنه لا ينبغي أن تُنسب ثقته بكلمة الله ورجاؤه فيها إلى عظمته الروحية أو عبقريته. إذ جاءت الثقة والرجاء لأن الله عمل فيه.
· يبيّن هذا أن كلمة الله جديرة بهذا الرجاء. “إنها كلمة لا رجعة عنها. وقد يضطر الإنسان إلى الندم عن كلامه والتراجع عنه أحيانًا. يريد أن يفي بوعوده، لكنه لا يستطيع. ليس أنه غير وفي أو غير أمين، بل هو عاجز عن فعل ذلك. لكن هذا لا ينطبق على الله أبدًا. فلا ترجع كلمته خاوية أبدًا. اذهب وفتش عن رقائق الثلج التي تطير مثل الحمام الأبيض راجعة إلى السماء! اذهب وابحث عن قطرات المطر الصاعدة إلى أعلى كأحجار ماس يلقيها رجل عظيم لتجد مكان إقامة في السحابة التي سقطت منها، وتغيظ الأرض التي وعدت بأن تباركها… إلى أن يحدث هذا، لن تعود كلمة الله خاوية.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. هَذِهِ هِيَ تَعْزِيَتِي فِي مَذَلَّتِي، لِأَنَّ قَوْلَكَ أَحْيَانِي: عندما تذكّر صاحب المزمور كيف أن كلمة الله في أمانتها وقوّتها جلبت له الحياة (قَوْلَكَ أَحْيَانِي)، وجد تعزية في محنته الحالية (فِي مَذَلَّتِي).
· يبدو وكأن هذا القسم يعبّر عن مشاعر شخص في وسط محنته. فهو لا يرنم ترنيمة الخلاص. فالتعبير واضح: هَذِهِ هِيَ تَعْزِيَتِي فِي مَذَلَّتِي. مورجان (Morgan)
· لا توجد في هذا المقطع صلاة معيّنة من أجل العون. بل توجد “… عبارات يعبّر فيها صاحب المزمور عن ثقته بما كتبه الله في شريعته، وسيظل يحبها ويطيع تعاليمها. وهذه طريقة للإقرار بأن المعاناة مشتركة بين البشر.” بويس (Boice)
· يعلن صاحب المزمور في وسط البلاء تعزيته: هَذِهِ هِيَ تَعْزِيَتِي. “يقبض مُحب العالم بحقيبة ماله ويقول: هَذِهِ هِيَ تَعْزِيَتِي. ويشير المبذّر إلى مرحه وخفّته ويصرخ: هَذِهِ هِيَ تَعْزِيَتِي. ويرفع السكّير كأسه ويغنّي: هَذِهِ هِيَ تَعْزِيَتِي.. لكن الرجل الذي يستمد رجاءه من الله يحس بقوة كلمة الله المُحيية، ويشهد: هَذِهِ هِيَ تَعْزِيَتِي.” سبيرجن (Spurgeon)
· تَعْزِيَتِي … مَذَلَّتِي: في وسط المذلة (المحنة) الملائمة للفرد، يمكن للمؤمن أن يتمتع أيَصا بتعزيات ملائمة له على نحو خاص. إنها مذلّتي، وهي أيضًا تَعْزِيَتِي.
٤. لِأَنَّ قَوْلَكَ أَحْيَانِي: ينبغي أن يتذكر الجميع (ولاسيما الوعّاظ) أن كلمة الله تعطي حياة. وأما الواعظ فلا يعطي حياة. فليس الأمر كما لو أن كلمة الله بقيت ميتة بلا حياة إلى أن جاء الواعظ الرائع ونفخ فيها حياة. بل إن كلمة الله تعطي حياة ولاسيما للوعاظ الميتين.
ب) الآيات (٥١-٥٢): تضيف كلمة الله قوة إلى التعزية.
٥١ٱلْمُتَكَبِّرُونَ ٱسْتَهْزَأُوا بِي إِلَى ٱلْغَايَةِ. عَنْ شَرِيعَتِكَ لَمْ أَمِلْ. ٥٢تَذَكَّرْتُ أَحْكَامَكَ مُنْذُ ٱلدَّهْرِ يَا رَبُّ، فَتَعَزَّيْتُ.
١. ٱلْمُتَكَبِّرُونَ ٱسْتَهْزَأُوا بِي إِلَى ٱلْغَايَةِ: إن الفكرة في هذا المقطع، كما كانت في المقطع السابق، هي أن صاحب المزمور يتعرض للتعيير والاستهزاء على محبته لكلمة الله وثقته بها. إذ ينظر المتكبرون المستهزئون بتكريسه لكلمة الله ويسخرون به إِلَى ٱلْغَايَةِ.
· هكذا كان الوضع دائمًا. يتعرض الذين يحبون كلمة الله ويثقون بها – وبشكل خاص بالعمق والشغف اللذين يعبّر عنهما صاحب المزمور في هذا المزمور القوي – إلى الاستهزاء من المتكبرين الذين لا يريدون أن تكون لهم أية علاقة بالله وكلمته.
٢. عَنْ شَرِيعَتِكَ لَمْ أَمِلْ: نكاد نحس هنا بنغمة تحدٍّ في صاحب المزمور. فمهما كان تهكم المتكبرين عظيمًا، سيبقى أمينًا لله ولكلمته.
· تتضرر قضية الله كثيرًا عندما يجد المؤمنون أنفسهم غير قادرين على احتمال التهكم العظيم، فيبدؤون بتخفيف توقيرهم لكلمة الله وطبيعتها المعصومة. وفي سعيهم إلى استرضاء المتكبرين وإثارة إعجابهم، فإنهم يقودون أنفسهم وآخرين إلى التقليل من محبة كلمة الله. وبدلًا من ذلك، ينبغي على هؤلاء أن يجدوا قوة وتعزية في هذه المقاطع بالذات ويعلنوا ’عَنْ شَرِيعَتِكَ لَمْ أَمِلْ.‘
· “أيها المؤمن بالمسيح! كن راضيًا بقبول الله لك. ألم يَتَبَنَّكَ بروحه وختمك من أجل ملكوته؟ ألا تكفي هذه الكرامة التي تأتي من الله كافية – بل أكثر من كافية – لموازنة سخرية المتكبرين؟” بريدجز (Bridges)
٣. تَذَكَّرْتُ أَحْكَامَكَ مُنْذُ ٱلدَّهْرِ يَا رَبُّ، فَتَعَزَّيْتُ: عندما شجّع المتكبّرون المستهزئون صاحب المزمور على التقليل من ثقته بكلمة الله، استجاب بحكمة بزيادة ثقته بها. وبهذا عزّى نفسه!
· يفرح المتكبّرون المستهزئون بالمؤمن البسيط بالتصفيق والإكرام اللذين يحصلون عليهما بعضهم من بعض في هذا العالم، لكنهم لن يعرفوا التعزية التي كتب عنها صاحب المزمور.
· كانت هنالك تعزية محددة في عبارة ’تَذَكَّرْتُ أَحْكَامَكَ مُنْذُ ٱلدَّهْرِ يَا رَبُّ.‘ وبطريقة مماثلة، نتعزّى ونتقوّى في الرجاء عندما نتذكر كيف أن الله تعامَل مع أشخاص وظروف في الماضي. “لن تزعجنا ابتسامة المتكبرين عندما نتذكر كيف أن الرب تعامل مع أسلافهم في فترات ماضية. فقد قضى عليهم في الطوفان، وبلبلهم في بابل، وأغرقهم في البحر الأحمر، وطردهم من كنعان. ففي كل العصور، شمّر الله عن ساعديه ضد المتغطرسين وكسّرهم كأواني الخزافين.” سبيرجن (Spurgeon)
· “عندما لا نرى عرضًا حاليًّا للقوة الإلهية، فإن من الحكمة أن نرجع إلى سجلات العصور السابقة، لأنها متاحة كما لو أنها حدثت بالأمس، وسنرى أن الرب هو دائمًا نفسه لا يتغير.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (٥٣-٥٦): وصف تعزية كلمة الله وقوّتها.
٥٣ٱلْحَمِيَّةُ أَخَذَتْنِي بِسَبَبِ ٱلْأَشْرَارِ تَارِكِي شَرِيعَتِكَ. ٥٤تَرْنِيمَاتٍ صَارَتْ لِي فَرَائِضُكَ فِي بَيْتِ غُرْبَتِي. ٥٥ذَكَرْتُ فِي ٱللَّيْلِ ٱسْمَكَ يَا رَبُّ، وَحَفِظْتُ شَرِيعَتَكَ. ٥٦هَذَا صَارَ لِي، لِأَنِّي حَفِظْتُ وَصَايَاكَ.
١. ٱلْحَمِيَّةُ أَخَذَتْنِي بِسَبَبِ ٱلْأَشْرَارِ تَارِكِي شَرِيعَتِكَ: عندما فكّر صاحب المزمور بالأشرار – ربما بالمتكبرين والذين سخروا بثقته بكلمة الرب – أحس بالسخط (ٱلْحَمِيَّةُ أَخَذَتْنِي). إذ أدرك عِظم خطيتهم. فهم من تَارِكِي شَرِيعَتِكَ.
· إن أولئك الذين ينكرون كلمة الرب أو ينتقصون منها يفعلون ذلك. وأسوأ من ذلك أنهم يقودون آخرين إلى نفس الفعل. وقد وصف يسوع بشكل نابض بالحياة جزاء الذين يُضِلّون آخرين (لوقا ١٧: ١-٢).
٢. تَرْنِيمَاتٍ صَارَتْ لِي فَرَائِضُكَ فِي بَيْتِ غُرْبَتِي: جعلت كلمة الله (فَرَائِضُكَ) صاحب المزمور يرنم بفرح وثقة. ويختبر أولئك الذين يعرفون قوة ترنيم كلمة الله تعزية عظيمة في بيت غربتهم.
· كما تمكن بولس وسيلا من الترنيم في وسط الآلام والمعاناة (أعمال الرسل ١٦: ٢٥)، كذلك فعل صاحب المزمور. فحتى عندما كان مغتربًا ومبتلى، كان بمقدوره أن يرنم للرب.
· “المغترب أو السائح شخص يسافر من بلد إلى بلد آخر. ونحن مسرعون في عبورنا لهذا العالم كعبور في أرض أجنبية. ونحن في هذا العالم، لا كمقيمين بل كزوّار، نتخذ هذا البلد مسارًا للمجد.” سبيرجن (Spurgeon)
· “بما أن أغانينا (ترانيمنا) مختلفة تمامًا عن أغاني المتكبرين، ربما نتوقع أن ننضم إلى جوقة مختلفة في النهاية، ونغني في مكان بعيد عن مساكنهم.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. ذَكَرْتُ فِي ٱللَّيْلِ ٱسْمَكَ يَا رَبُّ: هذا صحيح حرفيًّا ومجازيًّا. ففي ظلمة الليل، عندما تندفع المخاوف ودواعي القلق نحونا، يجد صاحب المزمور تعزية في اسم الرب المعلن له في كلمته. غير أن هذه التعزية حقيقية في الليل المجازي الذي يواجهه المؤمنون.
· تذكّرنا الكلمات ’وَحَفِظْتُ شَرِيعَتَكَ‘ بأن تذكُّر الله في الليل يساعد في حياة مطيعة في النهار. “لا بد أن يظهر التأثير الجيد للساعات المباركة التي نقضيها سرًّا مع الله علنًا في حياتنا ومحادثاتنا.” هورن (Horne)
· “إذا لم تكن لدينا ذاكرة لاسم الرب، فليس من المحتمل أن نتذكر وصاياه. فإذا لم نفكر فيه سرًّا، فلن نطيعه علنًا.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. هَذَا صَارَ لِي: هذه عبارة مجيدة منتصرة من صاحب المزمور. فليست قوة كلمة الله وصلاحها وتعزيتها أفكارًا أو نظريات له. فبالإيمان – الإيمان الذي يأتي من كلمة الله (رومية ١٠: ١٧) – يستطيع أن يقول: هَذَا صَارَ لِي.
· “هذه هي البهجة والتعزية الموصوفة بشكل جلي في مزمور ١١٩: ٥٤ فصاعدًا. ورغم أن الطاعة لا تكسب هذه البركات، إلا أنها تغيّر وجهتنا لكي نحصل عليها.” كيدنر (Kidner)
· “نحن لا نكافأ على أعمالنا، لكن توجد مجازاة فيها.” سبيرجن (Spurgeon)
٥. لِأَنِّي حَفِظْتُ وَصَايَاكَ: يتمتع صاحب المزمور بهذا الانتصار لا لأنه يعرف كلمة الله فحسب، بل لأنه يطيعها أيضًا (حَفِظْتُ وَصَايَاكَ). وليس الأمر أن صاحب المزمور يدّعي طاعة كاملة (كما في الآيتين ٥٧-٥٨)، لكنه عاش بشكل عام حياة أمانة لكلمة الرب.
ثامنًا. الحاء (Heth ח): الإسراع إلى الله بكل القلب
أ ) الآيات (٥٧-٥٨): إعلان الولاء وطلب الرحمة.
٥٧نَصِيبِي ٱلرَّبُّ، قُلْتُ لِحِفْظِ كَلَامِكَ. ٥٨تَرَضَّيْتُ وَجْهَكَ بِكُلِّ قَلْبِي. ٱرْحَمْنِي حَسَبَ قَوْلِكَ.
١. نَصِيبِي ٱلرَّبُّ: هذه كلمات نفس راضية قانعة مُشْبَعة. فصاحب المزمور راض عن النصيب الذي حصل عليه، ونصيبه هو الرب نفسه.
· “لاحظَ سبيرجن (Spurgeon) أن هذه “… جملة مكسورة قام بها المترجمون بإصلاحها عن طريق الإدراج. لكن لعله أفضل لو أنها تركت كما هي. وعندئذٍ تبدو تَعَجُّبًا: “ما أعظم نصيبي، يا ربُّ!”
· “يقول صاحب المزمور، شأنه شأن اللاويين، إنه يريد أن يكون الله نفسه نصيبه من البركة الإلهية، حيث إنه لا يوجد ما هو أفضل. ولن يُرضي قلبه (وقلب أي إنسان آخر) بشكل كامل غير الله نفسه. فامتلاك الله هو امتلاك كل شيء.” بويس (Boice)
· نحن نفهم هذا في السياق الأوسع لهذا المزمور. فالرب نفسه هو إشباع صاحب المزمور، لأن الله يأتي إليه من خلال كلمته. وليس الأمر كما لو أن كلمة موجودة في مكان ويتوجب على صاحب المزمور أن يذهب مكان آخر ليختبر الإشباع في الله. فهو يستطيع أن يقول: “أنت نصيبي، يا رب. وأنا أقبل هذا النصيب عندما تقابلني في كلمتك، وعندما أحياها.”
· اقتبس سبيرجن (Spurgeon) كلام توماس بروكس (Thomas Brooks) الذي قال إنه يمكننا أن نرد على كل تجربة بالقول ’نَصِيبِي ٱلرَّبُّ.‘ فإن كان نصيبنا حقًّا، فلا نحتاج إلى إشباع في مساعٍ جسدية.
· “إن من لا يكفيه الله شخص طماع للغاية. ومن يرى أن العالم يكفيه شخص غبي للغاية. فالله خزينة لا تنضب من الثروات تكفي عددًا لا يحصى من البشر، بينما لا يقدم العالم إلا تفاهات وفِتَنًا، وهو يقود النفس إلى فقر عميق محزن.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن توماس لابلانك (Thomas Le Blanc)
٢. قُلْتُ لِحِفْظِ كَلَامِكَ: سيكون هذا نذرًا فارغًا من دون تمكين الله لنا في حياتنا. فعندما نكون على اتصال وثيق بالله، قابلين إياه ومتمتعين به كنصيب لنا، فإننا نتلقى القوة لحفظ كلامه.
· “لكن إذا أخذنا الرب نصيبًا لنا، يتوجب علينا أن نأخذه ملكًا علينا…. هنا يصبح المؤمن بالمسيح تامًّا، حيث يأخذ الرب نصيبًا له، وكلمته كقاعدة له.” بريدجز (Bridges)
· أعلن صاحب المزمور نيّته: “قلتُ: لم أقصد في قلبي فقط. بل جاهرتُ بهذا معترفًا به أمام الآخرين. ولا أندم على ذلك.” بوله (Poole)
٣. تَرَضَّيْتُ وَجْهَكَ بِكُلِّ قَلْبِي. ٱرْحَمْنِي حَسَبَ قَوْلِكَ: فهِم صاحب المزمور الحاجة المُلحة إلى طلب الله واسترضائه، وعجزه عن القيام بهذا بشكل كامل.
· تَرَضَّيْتُ وَجْهَكَ: يعني التمتع بوجه الله اختبار رضاه وفضله. وهنا يعلن صاحب المزمور أنه طلب وجه الله.
· طلب وجه الله بإحساس من الإلحاح، كما تعبّر عن هذا قوله ’بِكُلِّ قَلْبِي.‘ لقد أدرك صاحب المزمور مدى أهمية طلب رضا الله وفضله وضرورة إرضائه بحياته.
· طلب وجه الله بإحساس من العجز، وهذا أمر واضح من طلبته ’ٱرْحَمْنِي.‘ فمهما كان صاحب المزمور مُجِدًّا في طلب الله والسعي إلى إرضائه، فسيظل على الدوام محتاجًا إلى رحمة منه.
٤. ٱرْحَمْنِي حَسَبَ قَوْلِكَ: هذا تناقض مبارَك ومجيد واضح. فليست الطلبة مبنية على كونه على حق أو على استحقاق منه. إذ يتحدث صاحب المزمور كشخص يتوقع رحمة الله حسب وعد كلمته.
· ومع أنه ليس لدينا حق طبيعي في الرحمة، إلا أن هنالك حقًّا روحيًّا في الرحمة لكل الذين يطلبونها حسب وعده.
ب) الآيات (٥٩-٦٠): حياة موجهة إلى كلمة الله.
٥٩تَفَكَّرْتُ فِي طُرُقِي، وَرَدَدْتُ قَدَمَيَّ إِلَى شَهَادَاتِكَ. ٦٠أَسْرَعْتُ وَلَمْ أَتَوَانَ لِحِفْظِ وَصَايَاكَ.
١. تَفَكَّرْتُ فِي طُرُقِي، وَرَدَدْتُ قَدَمَيَّ إِلَى شَهَادَاتِكَ: صرف صاحب المزمور وقتًا في كلمة الله، فأعطاه هذا الفرصة لمراجعة طرقه، فأعطاه البصيرة اللازمة لكي يحوّل خطواته إلى الاتجاه الصحيح.
· “أثناء دراسته لكلمة الله، اقتيد إلى دراسة حياته الخاصة. فأحدث هذا ثورة عظيمة. جاء إلى الكلمة، ثم جاء إلى نفسه، فجعله هذا يقوم ويذهب إلى أبيه.” سبيرجن (Spurgeon)
· “أحب بليز باسكال (Blaise Pascal)، الفيلسوف الفرنسي والمؤمن التقي، المزمور ١١٩. وهو من بين الذين حفظوه عن ظهر قلب، وقد وصف الآية ٥٩ بأنها ’نقطة التحول في المعدن الأخلاقي للإنسان ومصيره.‘ وقد عنى بهذا أنه أمر حيوي لكل شخص أن يتفكر في طرقه ويفهم أن طرقنا هدامة، وأنها ستقودنا إلى الدمار، وبعد ذلك يغيّر وجهته ويقرر أن يمضي في طريق الله بدلًا من طريقه الخاص.” بويس (Boice)
· تَفَكَّرْتُ فِي طُرُقِي: “من ناحية أخرى، كم شخصٍ مرَّ بهذا العالم إلى الأبدية من دون أن يفكر تفكيرًا جدّيًّا في طرقه! فجماهير كثيرة تحيا من أجل العالم – تنسى الله وتموت! هذا هو تاريخهم.” بريدجز (Bridges)
٢. أَسْرَعْتُ وَلَمْ أَتَوَانَ لِحِفْظِ وَصَايَاكَ: حالما وصل إلى الطريق الصحيح، (بعد أن ردَّ قدميه)، استطاع أن يسرع في مسار الطاعة.
· من الخطر أن تسرع في طريق خطأ. وإنه لأمر مجيد أن تسرع في الطريق الصحيح. ويمكننا القول أيضًا إن الإسراع إلى الله علامة انتعاش. فعندما يتحرك الله بقوة، يسرع الناس إلى تصويب أمورهم معه.
· “السرعة إلى التوبة والسرعة إلى الطاعة أمران ممتازان. وغالبًا ما نسرع إلى الخطية. ليتنا نسرع أكثر إلى الطاعة!” سبيرجن (Spurgeon)
· وَلَمْ أَتَوَانَ: “يحمل التعبير العبري الأصلي المترجم إلى “لَمْ أَتَوَانَ” توكيدًا عظيمًا…. لم أقف لأسأل أسئلة كثيرة لا ضرورة لها بيني وبين نفسي، أو لم أتردد أو أتلكّأ، كما يقولون. بل صمّمتُ وانطلقتُ. تدل الكلمة العبرية على تردد الفكر وتعليق الفعل الإيجابي، لأن العقل غير ثابت أو غير قادر على اتّخاذ قرار.” كلارك (Clarke)
· “استُخدمت كلمة ’توانى‘ في وصف لوط عندما تراخى عن مغادرة سدوم [تكوين ١٩: ١٦].” كيدنر (Kidner)
ج) الآيات (٦١-٦٢): الأمانة لكلمة الله في الشدّة.
٦١حِبَالُ ٱلْأَشْرَارِ ٱلْتَفَّتْ عَلَيَّ. أَمَّا شَرِيعَتُكَ فَلَمْ أَنْسَهَا. ٦٢فِي مُنْتَصَفِ ٱللَّيْلِ أَقُومُ لِأَحْمَدَكَ عَلَى أَحْكَامِ بِرِّكَ.
١. حِبَالُ ٱلْأَشْرَارِ ٱلْتَفَّتْ عَلَيَّ. أَمَّا شَرِيعَتُكَ فَلَمْ أَنْسَهَا: تعرّض صاحب المزمور للهجوم من الأشرار، وأصابوه في محنة. لكنهم لم يستطيعوا أن يجعلوه ينسى شريعة الله أو يتركها.
٢. فِي مُنْتَصَفِ ٱللَّيْلِ أَقُومُ لِأَحْمَدَكَ عَلَى أَحْكَامِ بِرِّكَ: كان قلب صاحب المزمور وعقله ممتلئين بالشكر والتقدير لله حتى إن هذه الأفكار السامية كانت تقطع نومه.
· أَقُومُ: “راعى صاحب المزمور وضْع جسمه وهو يحمد الله. لم يكن مضطجعًا في السرير. ربما لا ينطوي وضع الجسم على الكثير، لكن يوجد شيء. وهذا شيء ينبغي مراعاته عندما يكون مفيدًا في التعبير عن اجتهادنا وتواضعنا في التكريس.” سبيرجن (Spurgeon)
· أدرج سبيرجن (Spurgeon) – نقلًا عن توماس مانتون (Thomas Manton) – عدة دروس بارزة يمكن استخلاصها من تكريس صاحب المزمور في منتصف الليل:
ü كان تكريسه جادًّا ومفعمًا بالعاطفة حتى إن ساعات النهار لم تعطه وقتًا كافيًا لشكر الله.
ü كان إخلاصه لله كان صادقًا. وقد ظهر هذا في سرّيته. فقد كان مستعدًّا لأن يشكر عندما لا يراه أحد ليثير إعجابه بتكريسه.
ü عَدَّ الوقت شيئًا ثمينًا حتى إنه استخدم الساعات المخصصة للنوم عادة لتكريسها لله.
ü عَدَّ التكريس لله أكثر أهمية من الإنعاش الطبيعي. إذ كان مستعدًّا للتضحية بشيء مشروع (النوم) في طلبه لله.
ü أظهر توقيرًا عظيمًا لله في تكريسه السري بالقيام وتقديم الحمد والتسبيح. ويتطلب الحمد والتسبيح شيئًا من كل من النفس والجسد.
د ) الآيات (٦٣-٦٤): الصداقة مع أصدقاء كلمة الله.
٦٣رَفِيقٌ أَنَا لِكُلِّ ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَكَ وَلِحَافِظِي وَصَايَاكَ. ٦٤رَحْمَتُكَ يَا رَبُّ قَدْ مَلَأَتِ ٱلْأَرْضَ. عَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ.
١. رَفِيقٌ أَنَا لِكُلِّ ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَكَ: استمتع صاحب المزمور بالصحبة الخاصة الحالية مع الذين يكرمون الله ويتبعون وصاياه (ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَكَ وَلِحَافِظِي وَصَايَاكَ).
· هذه الصحبة الرائعة شهادة مؤمنين بالمسيح لا حصر لهم، فهم يختبرون هذه الصحبة (الشركة) الدافئة عبر خطوط الأعراق والطبقات والتعليم.
· “هؤلاء شعب الرب. والاتحاد معه هو في الواقع اتحاد معهم. وأما اللقاء مع مؤمن مسيحي بمجاملة عادية، لا في وحدة قلبية، فعلامة على سلوك غير روحي مع الله.” بريدجز (Bridges)
· “إن لم نكن نخجل من اعترافنا بكوننا مؤمنين بالمسيح، دعونا لا نتراجع عن سلوكنا في الشركة مع المؤمنين بالمسيح. وحتى إذا أظهروا بعضًا من السمات القبيحة من المعدن الأخلاقي، فإنهم يحملون صورته، صورة ذاك الذي نجاهر بأننا نحبه.” بريدجز (Bridges)
٢. رَحْمَتُكَ يَا رَبُّ قَدْ مَلَأَتِ ٱلْأَرْضَ. عَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ: بعد أن اختبر صاحب المزمور هذه الصحبة الواسعة، أحس بصلاح الله وهو يملأ الأرض. وقد زادت خبرته برحمة الله هذه رغبته في المعرفة والطاعة (عَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ).
· نرى هنا مرة أخرى مسار دورة لا تنتهي. إذ يؤدي طلب الله في كلمته ومن خلاله إلى الإشباع والبركة. ويؤدي الإشباع والبركة إلى طلب أعمق لله، ما يؤدي إلى مزيد من الإشباع والبركة.
· عندما يعيش المرء هذه الدورة المجيدة، فإنه يحس بأن الأرض ممتلئة برحمة الله. إنها حياة مجيدة مباركة في اختبارها رحمة الله في كل مكان.
تاسعًا. الطاء (Teth ט): كلمة الله تجلب فائدة في وقت المحنة
أ ) الآيات (٦٥-٦٦): صلاة حمد وتسبيح والتماس.
٦٥خَيْرًا صَنَعْتَ مَعَ عَبْدِكَ يَا رَبُّ حَسَبَ كَلَامِكَ. ٦٦ذَوْقًا صَالِحًا وَمَعْرِفَةً عَلِّمْنِي، لِأَنِّي بِوَصَايَاكَ آمَنْتُ.
١. خَيْرًا صَنَعْتَ مَعَ عَبْدِكَ يَا رَبُّ حَسَبَ كَلَامِكَ: يبدأ هذا القسم بنغمة عرفان بالجميل على كل الخير الذي صنعه الرب من أجل صاحب المزمور. وقد فعل هذا حسب كلامه.
· نحن لا نفكر في هذا الأمر كثيرًا بما يكفي. لكنه أمر صحيح بشكل رائع أن الله صنع خيرًا مع عبده. فكِّرْ في كل الطرق التي عاملنا بها الله حسنًا. فقد اختارنا، ودعانا، وجذبنا إلى نفسه، وخلّصنا، وأعلننا أبرارًا، وغفر لنا، ووضع روحه فينا، وتبنّانا في عائلته، وهو يحبنا، وجعلنا ملوكًا وكهنة وعاملين معه، وهو يكافئنا على عملنا من أجله.
· حَسَبَ كَلَامِكَ: يوحي هذا بأن صاحب المزمور لم يكن يعرف وعود الله التي صلى من أجل الحصول عليها (كما في الآية ٤٩) فحسب، بل أيضًا حصل على هذه الوعود بالإيمان واختبرها أيضًا.
· يفترض أن يكون هذا خبرة حياتية لكل ابن من أبناء الله. فنحن نعلم أن الله صنع خيرًا معنا، ونحن نعلم أن هذا حسب كلامه.
· “عندما نحصد التأديب المثمر حسب منهج أبينا السماوي. (عبرانيين ١٢: ١١)، ألا يتوجب علينا أن نضع ختمًا جديدًا لشهادتنا – خَيْرًا صَنَعْتَ مَعَ عَبْدِكَ يَا رَبُّ؟ لكن ما الذي يجعلنا نتأخر عن إقرارنا بهذا إلى أن نخرج من محنتنا؟ ألا ينبغي أن نقدم هذا الإفرار في وسط ضيقتنا؟”. بريدجز (Bridges)
٢. ذَوْقًا صَالِحًا وَمَعْرِفَةً عَلِّمْنِي: تأتي هذه الصلاة لأجل الحكمة من حياة مباركة بعد أن صنع الله خيرًا مع صاحب المزمور، حيث فهم المرنم الحاجة إلى أن يحيا في ذوق صالح ومعرفة. فقد أُعطيت البركات له على حياته الحكيمة المطيعة من أجل مجد الله.
· ذوقًا: “يعني التعبير العبري جودة الذوق، أي حسًّا اختباريًّا للأمور الإلهية والتمتع بها.” بوله (Poole)
· “لا يعني الذوق هنا الحس الفني الذي نحكم به على الأمور، بل التمييز الروحي. “لِأَنَّ ٱلْأُذُنَ تَمْتَحِنُ ٱلْأَقْوَالَ، كَمَا أَنَّ ٱلْحَنَكَ يَذُوقُ طَعَامًا” (أيوب ٣٤: ٣؛ انظر عبرانيين ٥: ١٤.” كيدنر (Kidner)
· نحن ننسى بسهولة كبيرة احتياجنا العظيم إلى تعلُّم التمييز والمعرفة. إذ كثيرًا ما نثق بقلبنا وضميرنا. “تشترك مَلَكَة الضمير، مع كل قوة من قوى الإنسان الأخرى في الإصابة والسقوط. ولهذا، مع كل ذكاء الضمير وصِدقه وقوّته، فإنه عرضة للخطأ وسوء الفهم. ولهذا لا ينبغي الثقة به من دون تنوير كلمة الله، ومن دون الصلاة، وهذا أمر مهم جدًّا. ذَوْقًا صَالِحًا وَمَعْرِفَةً عَلِّمْنِي.” بريدحز (Bridges)
· “لا تستطيع أية مدرسة غير مدرسة المسيح، ولا أي تعليم غير تعليم الروح القدس، أن يعطي هذا الذوق الصالح والمعرفة.” بريجز (Bridges)
٣. لِأَنِّي بِوَصَايَاكَ آمَنْتُ: أراد صاحب المزمور من الله أن يعلّمه لأنه آمن فعلًا بوصاياه. فإن كنا نؤمن بكلمته، عندئذِ ينبغي أن نطلب منه أن يعلمنا أن نحيا بحكمة وطاعة.
ب) الآيات (٦٧-٦٨): صلاح الله منظور حتى في التقويم.
٦٧قَبْلَ أَنْ أُذَلَّلَ أَنَا ضَلَلْتُ، أَمَّا ٱلْآنَ فَحَفِظْتُ قَوْلَكَ. ٦٨صَالِحٌ أَنْتَ وَمُحْسِنٌ. عَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ.
١. قَبْلَ أَنْ أُذَلَّلَ أَنَا ضَلَلْتُ، أَمَّا ٱلْآنَ فَحَفِظْتُ قَوْلَكَ: يتكلم صاحب المزمور عن دروس تعلَّمها بالطريقة الصعبة. إذ كان هنالك وقت أكثر فيه عرضة للابتعاد عن كلمة الله وحياة الحكمة المعلنة فيها. غير أنه، تحت وطأة المحنة، كرّس نفسه الآن لكلمة الله.
· لقد ظهر هذا المبدأ في كل من اتّبع الله تقريبًا. وهذا أحد الأسباب التي تجعل الله يعيّن محنة لشعبه (١ تسالونيكي ٣: ٣).
· “غالبًا ما تعمل مِحَننا كسياج شائك لتحفظنا في المرعى الجيد، لكن ازهارنا ثغرة يمكن أن نضل من خلالها.” سبيرجن (Spurgeon)
· يذكر بريدجز (Bridges) صلاة كنسية قديمة: في وقت غِنانا خلِّصْنا، أيها الرب الإله! “إن وقت الغنى هو بالفعل وقت احتياج خاص. إنه لأمر صعب أن نكبح الجسد عندما تكثر طعوم الإشباع الذاتي.” بريجز (Bridges)
· “كما أن ضرب الثوب بالعصا يُخرج العثّ والغبار منه، كذلك فإن المِحن تُخرج أشكال الفساد من القلب.” تراب (Trapp)
· “خضع كثيرون للإذلال، وتعلموا أن يعرفوا أنفسهم ويتضعوا أمام الله. ويرجح أنه من دون هذا ما كان لهم أن يخْلصوا. وبعد ذلك، صاروا جادين وأمناء. إن المحنة المقدَّسة بركة عظيمة، وأما المحنة غير المقدسة فهي لعنة إضافية.” كلارك (Clarke)
· “نحن نحصل على تعزية هنا بتذكّر ما يقوله الكتاب المقدس عن يسوع نفسه: “مَعَ كَوْنِهِ ٱبْنًا تَعَلَّمَ ٱلطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ” (عبرانيين ٥: ٨).” بويس (Boice)
٢. صَالِحٌ أَنْتَ وَمُحْسِنٌ. عَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ: يتبع هذا السطر المهم والثمين إدراك كل من المحنة التي عاشها صاحب المزمور والخير الذي صنعه في حياته. فلم يحس صاحب المزمور بالمرارة أو الاستياء من الله، لأن المحنة جلبت له طاعة أكبر.
· رغم المحنة – التي نعدّها حقيقية – أعلن صاحب المزمور: ’صَالِحٌ أَنْتَ وَمُحْسِنٌ. عَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ.‘ وفي واقع الأمر، طلب مزيدًا من التعليم من الله قائلًا: ’عَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ.‘ ويقال هذا مع الفهم الضمني أن هذا التعليم قد يتطلب مزيدًا من البلاء. غير أن هذه كانت رغبة صاحب المزمور. ويبيّن هذا ثقته بصلاح الله.
· “ليست كلمة المحنة أو البلاء هي الأكثر تكرارًا هنا. فالكلمة الأكثر ورودًا هنا (حسب النص العبري) هي ’صالح.‘ وهذا مقطع الطاء، وهذا الحرف Tov أول حرف لكلمة ’صالح‘ بالعبرية. ولهذا، فإن من الطبيعي أن يستخدم كاتب المزمور كلمة ’صالح‘ في بداية هذه الآيات.” بويس (Boice)
· هذه الكلمة في معناها الأساسي تسبيح لله على هويته وطبيعته (صَالِحٌ أَنْتَ). وهي حمد لله على ما يفعله (مُحْسِنٌ) (وافعل الخير) سالي. وهذان سببان رائعان للتسبيح والحمد.
ج) الآيات (٦٩-٧٠): التلذذ بكلمة الله رغم هجمات الأعداء.
٦٩الْمُتَكَبِّرُونَ قَدْ لَفَّقُوا عَلَيَّ كَذِبًا، أَمَّا أَنَا فَبِكُلِّ قَلْبِي أَحْفَظُ وَصَايَاكَ. ٧٠سَمِنَ مِثْلَ ٱلشَّحْمِ قَلْبُهُمْ، أَمَّا أَنَا فَبِشَرِيعَتِكَ أَتَلَذَّذُ.
١. الْمُتَكَبِّرُونَ قَدْ لَفَّقُوا عَلَيَّ كَذِبًا: من قراءتنا حول المعدن الأخلاقي التقي لصاحب المزمور، من المثير للصدمة أن له أعداء يهتمون بتلفيق أكاذيب حوله. غير أنه يشرح كيف يمكن أن يكون هذا أمرًا ممكنًا. فهُم الْمُتَكَبِّرُونَ. ولا شك أنهم مدانون في ضميرهم، وحاقدون على هذا الشخص المتواضع المطيع القابل للتعلم أمام الله.
· “إن كان الله يُحْسن إلينا، يتوجب علينا أن نتوقع أن يفعل إبليس الشرّ بنا. وقد وضع بالفعل في قلوب أبنائه أن يلفّقوا أكاذيب ضد أبناء الله.” بريجز (Bridges)
· “إن أفضل رد على مثل هذه الافتراءات وتشويه السمعة هو أن نحيا حياة صالحة. عندما قال صديق لأفلاطون أن أعداءه نشروا أكاذيب حوله، رد الفيلسوف العظيم قائلًا: “سأحيا هكذا حتى لا يصدّقهم أحد.” هورن (Horne)
٢. أَمَّا أَنَا فَبِكُلِّ قَلْبِي أَحْفَظُ وَصَايَاكَ: لم تُلْهِ أكاذيب المتكبرين صاحب المزمور أو تثبّط عزيمته، بل كرّس نفسه لطاعة وإكرام أعظم لله، متعهّدًا أن يطيعه بكل قلبه.
· “إن كان الطين الذي لا يُلقى علينا لا يعمي عيوننا أو يجرح نزاهتنا، فإنه لا يضرّنا كثيرًا. فإذا حفظنا وصاياه، فستحفظنا وصاياه في يوم الافتراء.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. سَمِنَ مِثْلَ ٱلشَّحْمِ قَلْبُهُمْ، أَمَّا أَنَا فَبِشَرِيعَتِكَ أَتَلَذَّذُ: لم يكن القلب السمين جيدًا لصحّتهم الجسمية والروحية. فقد عنى ذلك أن قلوبهم خاملة بلا إحساس وغارقة في الترف والإسراف. وبالمقابلة، وجد صاحب المزمور لذة في شريعة الرب.
· “خدّرت الضربة الهائلة للعدالة الإلهية قلبه… ووسمتْه (بقضيب من حديد ساخن – ١تيموثاوس ٤: ٢)، ولهذا فإنهم بلا حنو وبلا حس (أفسس ٤: ١٩)، ولم تليّنهم الكلمة.” بريجز (Bridges)
· “يوجد، بل ينبغي أن يوجد دائمًا، تناقض نابض بالحياة بين المؤمن والشهواني. ويُرى هذا التناقض في تعلُّق القلب والتصرفات في الحياة: فقلبهم سمين كالشحم، وأما قلبنا فيتلذذ بشريعة الرب.” سبيرجن (Spurgeon)
· “كما لو أنه يقول: قلبي هزيل، إنه قلب جائع. وتحب نفسي كلمتك وتفرح بها. لا يوجد ما يمكن أن يلائمها إلا كلمتك والتعزيات التي تأتي منها. وأما قلوبهم فسمينة، سمينة بالعالم، سمينة بالشهوة. وهم يبغضون كلمتك. فكما تمقت المعدة الملآنة اللحم ولا تستطيع أن تهضمه، كذلك يبغض الأشرار الكلمة. فهي لا تلائمهم ولا تشيع شهواتهم.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن وليم فنر (William Fenner)
د ) الآيات (٧١-٧٢): تقدير لصلاح الله حتى في موسم المحنة.
٧١خَيْرٌ لِي أَنِّي تَذَلَّلْتُ لِكَيْ أَتَعَلَّمَ فَرَائِضَكَ. ٧٢شَرِيعَةُ فَمِكَ خَيْرٌ لِي مِنْ أُلُوفِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ.
١. خَيْرٌ لِي أَنِّي تَذَلَّلْتُ لِكَيْ أَتَعَلَّمَ فَرَائِضَكَ: يكرر صاحب المزمور الفكرة السابقة المذكورة سابقًا في هذا القسم (الآية ٦٧). والتكرار طريقة فعّالة لتوصيل التوكيد. فالمحنة جلبت خيرًا إلى حياته، حيث جاءت في ظل حكمة الله وإرشادها.
· “أما بالنسبة لي، فإني أعتقد أني مدين للسنديان والمطرقة، وللنار والمِبْرَد، أكثر من أي شيء آخر. وأنا أبارك الرب على تصحيحاته الإلهية. فإن كان قد باركني بأشياء حلوة من جهة، فإنه باركني بأشياء مرة من جهة أخرى.” سبيرجن (Spurgeon)
· “قال لوثر (Luther): “لم أعرف قط معنى كلمة الله إلى أن دخلت في بلاء. وقد وجدت أنها واحد من أساتذتي.” بريدجز (Bridges)
· غير أنه يتوجب علينا أن نحذر من سوء الفهم الذي يجعل كل موسم للبلاء بشكل آلي أفضل أو أكثر تقوى. ومن المؤسف أن كثيرين يصبحون أسوأ بعد موسم بلائهم، لأنهم لا يلجؤون إلى كلمة الله من أجل الحكمة والإرشلد في مثل هذه الأوقات. وأسوأ البلاء هو البلاء المبدَّد. وهو مبدَّد لأننا لم نلجأ إلى الله ولم ننتقع أي شيء من البلاء.
· يبيّن هذا أيضًا مدى أهمية تعلُّم كلمة الله بالنسبة لصاحب المزمور. فاحتمال البلاء ذو قيمة إن كان سيتعلم فرائض الله من خلال هذه العملية. فهذه الدروس المستفادة هي التي تجعل وقت البلاء المؤلم مستحقًّا للاحتمال.
· “إن ما نتعلمه من دون بلاء قليل جدًّا. إن أردنا أن نكون علماء ذوي خبرة، لا بد لنا أن نعاني. فوصايا الله تُقرأ على أفضل وجه من عينين مبتلّتين بالدموع.” سبيرجن (Spurgeon)
· “من خلال المحنة، يفصل الله الخطية التي يبغضها من النفس التي يحبها.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن جون ماسون (John Mason)
٢. شَرِيعَةُ فَمِكَ خَيْرٌ لِي مِنْ أُلُوفِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ: هذا امتداد منطقي للفكرة المتضمَّنة في الآية السابقة. فإن كان صاحب المزمور قد فهِم أنه حتى الضيق يمكن أن يكون جيّدًا إذا علّمته كلمة الله – إن كانت أكثر قيمة من راحته – يمكن القول إنها أثمن من كل غنى.
· جاء هذا البلاء من شخص عرف البلاء. فكانت محبته وتقديره خارجين من ميدان المعركة، لا من قصور الرغد والراحة.
· “يروي لوكيير (Lockyer) قصة حول أضخم نسخة للكتاب المقدس في العالم في مكتبة الفاتيكان، حيث يصل وزن العهد القديم ٣٢٠ رطلًا. وقبل فترة من الزمن، طلبت مجموعة من اليهود الإيطاليين أن يروا هذا الكتاب المقدس. وعندما رأوه، أخبروا أصحابهم عنه في البندقية. ونتيجة لذلك، حاولت نقابة من اليهود الروس أن تشتريه، فعرضت على الكنيسة أن تدفع وزنه ذهبًا. لكن البابا يوليوس الثاني رفض ذلك، رغم أن الثمن المعروض كان هائلًا. واليوم نحن ندفع القليل لنحصل على عدة نسخ من كلمة الله، لكن هل نثمّنها؟ وأنا أخشى أننا لا نفعل هذا دائمًا في حالات كثيرة.” بويس (Boice)
· “من يستطيع أن يقول هذا؟ من الذي يفضّل شريعة إلهه – والمسيح الذي اشتراه، والسماء التي يرجو أن يذهب إليها عندما لا يعود يعيش على الأرض – على الذهب والفضة؟ ما أكثر الذين يبيعون مخلّصهم، شأنهم في ذلك شأن يهوذا، بثلاثين قطعة من الفضة؟” كلارك (Clarke)
· “يتوجب أن تكون كلمة الله أقرب إلينا من أصدقائنا، وأعز علينا من حياتنا، وأحلى لنا من حريتنا، وأكثر جاذبية لنا من كل وسائل الراحة الأرضية.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن جون ماسون (John Mason)
عاشرًا. الياء (י Yod): الثقة بالله وكلمته
يمثل مقطع الياء Yod أصغر الحروف الأبجدية العبرية حجمًا. وقد أشار يسوع إليها على أنها ’نقطة‘ في متى ٥: ١٨: “إِلَى أَنْ تَزُولَ ٱلسَّمَاءُ وَٱلْأَرْضُ لَا يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ ٱلنَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ ٱلْكُلُّ.”
أ ) الآية (٧٣): الاستسلام للكلمة والخالق.
٧٣يَدَاكَ صَنَعَتَانِي وَأَنْشَأَتَانِي. فَهِّمْنِي فَأَتَعَلَّمَ وَصَايَاكَ؟
١. يَدَاكَ صَنَعَتَانِي: هنا أعلن صاحب المزمور الله بصفته خالقًا. وفهِم أن لديه التزامات تجاه الله، لأن الله صنعه بيديه.
· وَأَنْشَأَتَانِي (شكّلتاني، أبدعتاني): “إن الإشارة إلى تكوين الله له صدى متعمَّد لسفر التكوين ٢ الذي يقول ’وَجَبَلَ ٱلرَّبُّ ٱلْإِلَهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ ٱلْأَرْضِ.‘ (تكوين ٢: ٧). بويس (Boice)
· لا يحمل العصر الحديث إحساسًا كبيرًا بالالتزام تجاه الله لأن هنالك إنكارًا واسعًا لله كخالق. ورغم هذا الرفض الراسخ لله كخالق، يظل التزام الإنسان تجاه خالقه قائمًا. وقد فَهِم صاحب المزمور ما ينساه أو ينكره كثيرون اليوم.
· يعني القول إن الله هو خالقنا الإقرار:
ü بأننا ملزَمون أمامه بصفته ذاك الذي يعطي الحياة.
ü بأنه ينبغي أن نوقره بصفته أعظم وأذكى منا.
ü بأنه، بصفته مصمِّمًا لنا، يعرف الأفضل لنا.
ü بما أن بدايتنا مرتبطة بالعالم غير المرئي، كذلك ستكون نهايتنا.
· “تُقدَّم فكرة خلق الله لنا كحجة على أنه لن يتركنا ولن يرفضنا، لأن لكل فنان قيمة لعمله الخاص يتناسب مع تفوّقه وتميّزه. وهذا في الوقت نفسه إقرار بالخدمة التي ندين بها له بناءً على الصلة التي تربط المخلوق بخالقه.” هورن Horne))
· “لو أن الله خلقنا بشكل فظّ، ولم يبدعنا بإتقان، لفقدت هذه الحجة قدرًا كبيرًا من قوّتها. لكن الرب أظهر فنًّا دقيقًا ومهارة رائعة في تشكيل الجسم البشري. ولهذا يمكننا أن نَخْلُص إلى أنه مستعد لأن يبذل جهدًا مساويًا مع النفس إلى أن تحمل صورته بشكل كامل.” سبيرجن (Spurgeon)
· يداك: “’آهٍ، انظر إلى جراح يديك، ولا تنسَ عمل يديك،‘ كما صلّت الملكة إليزابيث.” تراب (Trapp)
٢. فَهِّمْنِي: صلى صاحب المزمور في أفكاره في الله كخالق طالبًا الفهم. فقد أدرك أن هذا شيء غالبًا ما يُساء فهمه. ويستطيع المرء أن يطلب ويتوقع فهمًا للكيفية التي خلقنا بها والتزامنا تجاه خالقنا.
· نحن نكتسب فهمًا كبيرًا من خلال إدراكنا لله كخالق، وبشكل خاص كخالق للإنسان. “يحمل كل جزء من الخليقة بصمة الله. لكن الإنسان – والإنسان وحده – يحمل صورة الله وشبهه. ونحن نرى في كل مكان آثار سبيله وخطواته. وهناك نرى وجهه.” بريجز (Bridges)
٣. فَأَتَعَلَّمَ وَصَايَاكَ: يفترض أن يقودنا فهمنا لله والإنسان كخالق ومخلوق إلى علاقة متواضعة، حيث يعترف الإنسان باحتياجه إلى التعلم، تعلُّم كلمة الله (وَصَايَاكَ) وقبولها كأوامر من خالق حكيم محب بارّ.
ب) الآية (٧٤): سرور مشترك بين الذين يتقون الله.
٧٤مُتَّقُوكَ يَرَوْنَنِي فَيَفْرَحُونَ، لِأَنِّي ٱنْتَظَرْتُ كَلَامَكَ.
١. مُتَّقُوكَ يَرَوْنَنِي فَيَفْرَحُونَ: وضع صاحب المزمور في اعتباره أن حياته البارّة ستكون تشجيعًا لآخرين يتقون الله مثله. فكان هذا سببًا إضافيًّا آخر لمخافة الله وطاعته.
· “إنه أمر رائع أن يحصل أي رجل من رجال الله على نعمة لنفسه ليصبح بركة للآخرين… هنالك أشخاص يجاهرون بإيمانهم يُشيع حضورهم الحزن، فينسحب الأتقياء من صُحبتهم. ليت هذا لا يحدث في حالتنا.” سبيرجن (Spurgeon)
· “يفرح متقو الرب بشكل طبيعي عندما يرون شخصًا مثلهم ويتحادثون معه، لكن بشكل خاص عندما يكون قد حمله إيمانه وصبره عبر الضيقات وجعله منتصرًا فوق التجارب، شخصًا وضع رجاءه في كلمة الله، ولم يُخزَ.” هورن (Horne)
٢. لِأَنِّي ٱنْتَظَرْتُ كَلَامَكَ (لأني رجوتُ كلامك): يمكن أن تعطي حياته تشجيعًا وسرورًا لأشخاص أبرار آخرين، لأن رجاءه وتركيزه كانا منصبّين على كلمة الله. ومن دون هذا الرجاء، ستكون حياته مستحيلة.
ج) الآيات (٧٥-٧٧): تعزية من كلمة الله في وقت المحنة.
٧٥قَدْ عَلِمْتُ يَا رَبُّ أَنَّ أَحْكَامَكَ عَدْلٌ، وَبِٱلْحَقِّ أَذْلَلْتَنِي. ٧٦فَلْتَصِرْ رَحْمَتُكَ لِتَعْزِيَتِي، حَسَبَ قَوْلِكَ لِعَبْدِكَ. ٧٧لِتَأْتِنِي مَرَاحِمُكَ فَأَحْيَا، لِأَنَّ شَرِيعَتَكَ هِيَ لَذَّتِي.
١. قَدْ عَلِمْتُ يَا رَبُّ أَنَّ أَحْكَامَكَ عَدْلٌ، وَبِٱلْحَقِّ أَذْلَلْتَنِي: أعطى تركيز صاحب المزامير على كلمة الله إياه منظورًا حكيمًا وتقيًّا حتى في مواسم المعاناة. وهو يستطيع أن ينادي بعدل (صواب) أحكام الرب حتى في خضم محنته.
· أن نقول إن “لله الحق في أن يفعل بي كما يشاء” شيء، وأن نقول إن “أَحْكَامَهُ عَدْلٌ، وَبِٱلْحَقِّ أذلَّنِي” شيء أعظم.
· كانت هذه هي النقطة التي وصل أيوب إليها عبر صراعه الطويل اليائس عبر سفر أيوب. إذ توصّل إلى أن أحكام الرب عدل وصواب. وفهم أيضًا أمانة الله في محنته. وقد عاش عالي وداود والأم الشونمية لحظات مشابهة لهذا الفهم.
ü كان بمقدور أيوب أن يقول في محنته: “ليكن اسم الرب مبارَكًا” (أيوب ١: ٢١).
ü كان بمقدور عالي أن يقول في محنته: هُوَ ٱلرَّبُّ. “مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ يَعْمَلُ” (١ صموئيل ٣: ١٨).
ü كان بمقدور داود أن يقول في محنته: “دَعُوهُ يَسُبَّ لِأَنَّ ٱلرَّبَّ قَالَ لَهُ: سُبَّ دَاوُدَ” (٢ صموئيل ١٦: ١١).
ü كان بمقدور الأم الشونمية أن تقول في محنتها: “سَلَامٌ!” (٢ ملوك ٤: ٢٦)
٢. فَلْتَصِرْ رَحْمَتُكَ لِتَعْزِيَتِي، حَسَبَ قَوْلِكَ لِعَبْدِكَ: صلى صاحب المزمور على أساس متين، وهو وعود الله المقطوعة في كلمته. وبناءً على مثل هذه الوعود، طلب رحمته في محنته.
· حَسَبَ قَوْلِكَ: “تكون صلواتنا حسب فكر الرب عندما تكون حسب كلمة الله (حَسَبَ قَوْلِكَ).” سبيرجن (Spurgeon)
· “يا ربّ، لقد أُعطيتْ هذه الوعود لبعضهم ورأوا تحقيقها. فلماذا لا ينطيق هذا عليّ؟ أن أتجوّع. أنا محتاجة. أنا عطشانة. أنا منتظرة. هذا هو خط يدك في كلمتك. أنا عازمة على أن أكون مُلِحّةً [مثابرة حتى الإزعاج] إلى أن أحصل على وعدك. وسأكون قادرة بنعمتك على أن أقدّم الشكر….وعودك اكتشافات لمقاصدك، وهي [ممنوحة بكرم] كمواد لصلواتنا. وفي تضرعاتي كل يوم، سأقدّمها وأعيدها لك.” صلاة مونيكا (Monica)، أم أوغسطين – اقتبسها بريدجز (Bridges)
٣. قَوْلِكَ لِعَبْدِكَ: تلقّى صاحب المزمور بحق كلمة الله (قَوْلكَ) كشيء شخصي لنفسه. فلم تكن مجرد كلمة للجنس البشري بشكل عام، أو حتى لشعب العهد. بل كانت شخصية لصاحب المزمور نفسه (لِعَبْدِكَ).
٤. لِتَأْتِنِي مَرَاحِمُكَ فَأَحْيَا: صلى صاحب المزمور بفهم أن مراحم الله ستأتي إليه من خلال كلمته (شريعتك). ومن خلال بقائه على مقربة من كلمة الله والسماح لها بملء حياته، تلقى مراحم الله الرقيقة.
· “مراحم الله مراحم رقيقة. إنها مراحم أب نحو أبنائه، بل هي رقيقة مثب حُنُوّ الأم على ابن رحمها. وهي “تأتينا” عندما نعجز أن نذهب إليها.” هورن (Horne)
· من دون هبة المراحم الرقيقة هذه، نجد أنفسنا ضائعين ومحبطين. “لا يمكن لكل الشموع في العالم، في غياب الشمس، أن تجعل يومنا سعيدًا. ولا تستطيع الأرض بكل رؤاها الساطعة بالخيال، من دون محبة الرب، أن تنعش النفس.” بريدجز (Bridges)
· “لن ندرك هذه المراحم الرقيقة الحنون ما لم تأتِ إلينا. ففي وسط هذا التصنيف الواسع، دعني أطالب بها. لتأتِني!” بريدجز (Bridges)
د ) الآيات (٧٨-٨٠): المقابلة بين المتكبر والذين يتّقون الله.
٧٨لِيَخْزَ ٱلْمُتَكَبِّرُونَ لِأَنَّهُمْ زُورًا ٱفْتَرَوْا عَلَيَّ. أَمَّا أَنَا فَأُنَاجِي بِوَصَايَاكَ. ٧٩لِيَرْجِعْ إِلَيَّ مُتَّقُوكَ وَعَارِفُو شَهَادَاتِكَ. ٨٠لِيَكُنْ قَلْبِي كَامِلًا فِي فَرَائِضِكَ لِكَيْلَا أَخْزَى.
١. لِيَخْزَ ٱلْمُتَكَبِّرُونَ: لم يقل صاحب المزمور هذا بإحساس من بر الله فقط، بل أيضًا أنه تعرض للإساءة الشخصية. إذ عامله المتكبرون بالظلم والزور، ولهذا ينبغي أن يُخزَوا.
· “الخزي هو للمتكبرين، لأنه أمر مخزٍ أن يكون المرء متكبّرًا. وليس الخزي للقديس، لأنه لا يوجد في القداسة شيء يمكن الخجل منه.” سبيرجن (Spurgeon)
· لو كان المتكبرون الذين قاوموا صاحب المزمور يعلمون أنه كان يصلي ضدهم، لكان لديهم سبب وجيه للخوف. لقد أفشلت صلوات داود مكايد أخيتوفل وعجّلت نهايته. وعنت صلوات حزقيال فشلًا ودمارًا للجيش الأشوري. وجلب صوم أستير فشلًا وهلاكًا لهامان. فالله يعرف كيف يدافع عن خاصته الذين يصرخون إليه.
· غير أن الصلاة من أجل خزي المتكبرين صلاة من أجل خيرهم. فكانت صلاة آساف هي: ’ٱمْلَأْ وُجُوهَهُمْ خِزْيًا، فَيَطْلُبُوا ٱسْمَكَ يَا رَبُّ‘ (مزمور ٨٣: ١٦).
٢. أَمَّا أَنَا فَأُنَاجِي بِوَصَايَاكَ: بالمقابلة مع المتكبّرين الذين أحبّوا الأكاذيب، أحب صاحب المزمور أن يتأمل كلمة الله (أُنَاجِي بِوَصَايَاكَ).
· “سيدرس شريعة الرب، لا شريعة الانتقام. فلا يستحق المتكبرون لحظة تفكير. وإن أسوأ ما يمكن أن يلحقه هؤلاء بنا هو أن يبعدونا عن تأملاتنا وعبادتنا. فدعنا نحيّرهم باقترابنا المستمر إلى الله عندما يكونون أكثر ضراوة في هجماتهم.” سبيرجن (Spurgeon)
- أُنَاجِي: تختبئ الحقائق في القلب من دون فعالية أو قوة إلى أن تتحسن بالأفكار العميقة الجادة المُلِحّة… لا يعطينا مرورنا الخاطف عبر غرفة حاملين شمعة مسحًا كافيًا للأشياء كما يحدث عندما نتوقف فترة طويلة وأنت تنظر إليها… فالتأمل المستمر ميزة عظيمة.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن توماس مانتون (Thomas Manton)
٣. لِيَرْجِعْ إِلَيَّ مُتَّقُوكَ: أدرك صاحب المزمور حضور الأعداء المتكبرين، لكنه لم يصدّق أن الجميع ضده أو ضد الله. إذ هنالك أشخاص يتقون الله ويستطيع أن يجد رفقة بينهم. إذ كان لديهم قواسم مشتركة معه. فهم عَارِفُو شَهَادَاتِكَ.
· مُتَّقُوكَ وَعَارِفُو شَهَادَاتِكَ: لدى داود وصفان للقديسين. إنهم يتقون الله ويعرفونه. ولديهم تكريس وتعليم معًا. ولديهم روح الدين الحقيقي ومعرفته.” سبيرجن (Spurgeon)
· لِيَرْجِعْ إِلَيَّ: “عندما يجد المؤمن ضيقًا من العالم، فإنه يصلي أن يجد عونًا من شعب الرب… ولهذا، فإن من المؤلم أن نرى مؤمنين يتباعدون بعضهم عن بعض، حيث يعانون من البرود في علاقاتهم، والمسافات، والاختلافات، وعدم الثقة والانقسامات.” بريدجز (Bridges)
· “إما ارجعوا إليّ بعيونكم كمشهد لرحمة الله العظيمة أو بالأحرى، ارجعوا إليّ بقلوبكم وعواطفكم، تلك القلوب والعواطف التي كانت مغتربة عني.” بوله (Poole)
٤. لِيَكُنْ قَلْبِي كَامِلًا فِي فَرَائِضِكَ: عندما قارن صاحب المزمور نفسه بالمتكبرين الذين يشيعون الأكاذيب عنه، أدرك أنه ما زال محتاجًا إلى طاعة أكبر لله. فطلب من الله قلبًا وحياة مطيعين لله.
· نجد في العهد الجديد أمثلة كثيرة لقلوب لم تكن بلا لوم: يهوذا، وحنانيا وسفيرة، والإسكندر، وديماس (متى ٢٦: ١٤-١٦؛ أعمال الرسل ٥: ١-١١؛ ١ تيموثاوس ١: ٢٠؛ ٢ تيموثاوس ٤: ١٠). ويفترض أن تدفعنا هذه الأمثلة إلى أن نصلي حسب مزمور ١٣٩: ٢٣: ’اخْتَبِرْنِي يَا ٱللهُ وَٱعْرِفْ قَلْبِي. ٱمْتَحِنِّي وَٱعْرِفْ أَفْكَارِي.‘
· “امتحن حُكمك المستقر، واختيارك المتعمَّد، وعواطفك المنطلقة، وممارستك المعتادة المسموحة. طبِّقها على دم المسيح لتتحرى أي عدم سلامة كعلاج سيادي لأمراض القلب الخداع والشرير.” بريدجز (Bridges)
· “ليكن هذا كاملًا – لك أعطي لك كل شيء، لتمتلك أنت كل شيء.” كلارك (Clarke)
٥. لِكَيْلَا أَخْزَى: هذه رغبة مشروعة. أراد صاحب المزمور أن يحيا حياة بلا خجل. لم يُرد أن يكون هنالك إحساس داخلي بالخزي، لأن علاقته بالله سليمة ولم يكن هنالك خزي علني في عيون الآخرين. وستقود حياة الطاعة (لِيَكُنْ قَلْبِي كَامِلًا فِي فَرَائِضِكَ لِكَيْلَا أَخْزَى) إلى حياة بلا خزي.
· وفي هذا القسم نتعلم تكرار الالتماس (ليكنْ). وتشكل هذه الالتماسات مجتمعة حياة صحية مع الله.
ü فَلْتَصِرْ رَحْمَتُكَ لِتَعْزِيَتِي.
ü تَأْتِنِي مَرَاحِمُكَ فَأَحْيَا.
ü دعني أُبَرَّأ من الله.
ü لِيَرْجِعْ إِلَيَّ مُتَّقُوكَ.
ü ليَكُنْ قَلْبِي كَامِلًا.
حادي عشر. الكاف (Kaph כ): الغشية من المحنة، والإنعاش من كلمة الله
“أشار بعض الكُتّاب إلى أن بعض القدماء كانوا يرون دلالة في أشكال الحروف العبرية. ويصحّ هذا على هذه الحالة. فهذا مقطع الكاف. وحرف الكاف مُنحنٍ مثل نصف دائرة. وكان يُنظر إليه ككف ممدودة لنوال هبة أو بركة ما…. ويمد صاحب المزمور يده نحو الله كمتضرع.” بويس (Boice)
أ ) الآيات (٨١-٨٢): السعي إلى التعزية في كلمة الله.
٨١تَاقَتْ نَفْسِي إِلَى خَلَاصِكَ. كَلَامَكَ ٱنْتَظَرْتُ. ٨٢كَلَّتْ عَيْنَايَ مِنَ ٱلنَّظَرِ إِلَى قَوْلِكَ، فَأَقُولُ: «مَتَى تُعَزِّينِي؟».
١. تَاقَتْ (غشيت) نَفْسِي إِلَى خَلَاصِكَ: يعبّر صاحب المزمور عن إحساسه باليأس. إذ تتوجع نفسه إلى الله حتى إنه يُغشى عليه في انتظار الخلاص الذي يرجوه. نعم، لديه رجاء في كلمة الله.
· تحمل كلمة ’تاقت‘ (غُشيت) فكرة “الوصول إلى النهاية.” كيدنر (Kidner). وهو نفس الفعل المستخدم في الآية ٨٧ لكن في شكل مختلف قليلًا. فقد أوصله شوقه إلى نهايته تقريبًا. وتدل هذه الكلمة على معنى فقدان القوة، انهيار. هنا أحس صاحب المزمور أن نفسه ضعيفة جدًّا وفارغة من القوة حتى إنها لا تقوى على الوقوف.
· هذه نقطة يأس. لكن عدم اليأس معروف لدى أتباع الله. وقد تكلم بولس عن شيء من هذا في ٢ كورنثوس ٤: ٨-٩: ’مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لَكِنْ غَيْرَ مُتَضَايِقِينَ. مُتَحَيِّرِينَ، لَكِنْ غَيْرَ يَائِسِينَ. مُضْطَهَدِينَ، لَكِنْ غَيْرَ مَتْرُوكِينَ. مَطْرُوحِينَ، لَكِنْ غَيْرَ هَالِكِينَ.‘ وفي كل هذا كان بمقدور بولس أن يقول إنه كان يمتلك روح الإيمان نفسه: ’نَحْنُ أَيْضًا نُؤْمِنُ.‘ ٢ كورنثوس ٤: ١٣.
· خلاصك: كان ما أراده هو خلاص الله. “لم يرغب في أي خلاص يأتي من غير الله. فكان شوقه هو إلى ’خلاصك.‘ لكنه كان تواقًا إلى هذا الخلاص إلى آخر درجة.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. كَلَامَكَ ٱنْتَظَرْتُ (رجوت): بالمقابلة مع الإحساس بالضعف والفشل، وجد صاحب المزمور الأمل والقوة في كلمة الله. تتحدث تسالونيكي الأولى عن صبر الرجاء (١: ٣)، وتشير إلى الخلاص كخوذة حماية (٥: ٨).
· “لجأ شاول، تحت محنة مطوّلة، إلى إبليس للعون (١ صموئيل ٢٨: ٦-٧)… وحتى الرجل الصالح، تحت محنة بضع ساعات، يمكن أن يتذمر على الله، بل قد يدافع عن تذمّره (يونان ٤: ٧-٩). فكيف تصرَّف هذا الإنسان؟ عندما غُشي عليه، حفظه رجاؤه في كلمة الله من الغرق.” بريدجز (Bridges)
· كَلامَكَ انْتَظَرْتُ: “أيها الأحبة، لا يسمح أحدكم لنفسه بأن ييأس. لا شك أن إبليس سيخبرنا أن من التواضع أن نيأس، لكن هذا ليس صحيحًا. فكبرياء الإنسان فظيعة حقًّا. وأعتقد أنه عندما يشك أحدهم تمامًا في قوة الله على تخليصه ويترك نفسه للخطية على أساس أنه لا يمكن أن يُخَلَّص، فإن هذا بعيد تمامًا عن التواضع. بل إنه أكثر عمل تكبُّرًا يقوم به الجسد الفاسد. أيها الإنسان، كيف تجرؤ على أن تقول إنه لا يوجد رجاء لك؟” سبيرجن (Spurgeon)
٣. كَلَّتْ عَيْنَايَ مِنَ ٱلنَّظَرِ إِلَى قَوْلِكَ: يشير هذا إلى مدى اجتهاد صاحب المزمور في قراءة كلمة الله ودراستها. فقد درسها حتى آلمته عيناه. فكان أحد أسباب محبته لكلمة الله هو أنه درسها باهتمام شديد. إذ تسلِّم كلمة الله كنوزها لنا بما يتناسب مع بحثنا فيها.
٤. فَأَقُولُ: «مَتَى تُعَزِّينِي؟»: كان هذا السبب الذي دفع صاحب المزمور إلى البحث باجتهاد. فقد أراد أن يجد تعزية في محنته الحالية. وتظل الحاجة الشخصية دافعًا أعظم للدراسة الجادة لكلمة الله من الفضول اللاهوتي.
· “بينما يتأخر الخلاص الموعود، فإن النفس المنكوبة تفكر كل يوم في السنة، وتتطلع إلى السماء من أجل تحقيق كلمة الله.” هورن (Horne)
· سعى سبيرجن (Spurgeon) في عظته بعنوان ’وقت للتعزية‘ إلى إعطاء بعض الأجوبة العملية للسؤال: «مَتَى تُعَزِّينِي؟»
ü تأتي التعزية عندما نضع عدم الإيمان جانبًا.
ü تأتي التعزية عندما نتوقف عن التذمر.
ü تأتي التعزية عندما نتخلّص من الخطية التي نتسامح معها.
ü تأتي التعزية عندما نقوم بواجباتنا التي أهملناها.
- عندما نتطلع إلى الله بإيمان مطيع. فإن تعزيته متاحة لنا دائمًا. قد يستمر الألم، لكن تعزية الله موجودة.
ب) الآيات (٨٣-٨٤): تقدير الضعف والثقة بالله وكلمته.
٨٣لِأَنِّي قَدْ صِرْتُ كَزِقٍّ فِي ٱلدُّخَانِ، أَمَّا فَرَائِضُكَ فَلَمْ أَنْسَهَا. ٨٤كَمْ هِيَ أَيَّامُ عَبْدِكَ؟ مَتَى تُجْرِي حُكْمًا عَلَى مُضْطَهِدِيَّ.
١. لِأَنِّي قَدْ صِرْتُ كَزِقٍّ فِي ٱلدُّخَان: أحسّ صاحب المزمور بالضعف، كما لو أنه زق نبيذ هش أصبح جافًّا وأسود بالدخان. فأحسّت نفسه وحياته الروحية بالجفاف.
· كان زق النبيذ في الدخان “… عديم الفائدة، ذابلًا، وغير جذاب، لأنه اسودَّ بالسخام.” فانجيميرين (VanGermen) ونحن لا ندري إن كان صاحب المزمور يتحدث عن حالته الداخلية أم الخارجية، أم كليهما.
· “جفت رطوبتي الطبيعية، واحترقت. أنا ذابل ومشوه ومحتقر، وحالتي تسوء كل يوم.” بوله (Poole)
· رغم أن هذا المثل التوضيحي يتحدث عن الطبيعة الصعبة لمحنة صاحب المزمور، إلا أنه يتحدث أيضًا عن طبيعة محنته أيضًا. “تجاربنا دخان، لكنها ليست نارًا. إنها غير مريحة، لكنها لا تستهلكنا.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. أَمَّا فَرَائِضُكَ فَلَمْ أَنْسَهَا: رغم إحساسه بالضعف، صمّم ألا ينسى فرائض الله. فلن يجعله الضعف ينسى كلمة الله.
· اقتبس جون تراب (John Trapp) ما قاله أحد شهداء الإيمان المسيحي: “لا ينبغي لأي ضيق أن يفصلنا من محبة الحق. يمكنك أن تفصل لساني من رأسي، لكنك لن تستطيع أن تفصل إيماني من قلبي.”
٣. كَمْ هِيَ أَيَّامُ عَبْدِكَ؟: هنا أدى الإحساس بالضعف بصاحب المزمور إلى اليأس من أن ينفّذ الله أحكامه في الذين اضطهدوه – مَتَى تُجْرِي حُكْمًا عَلَى مُضْطَهِدِيَّ؟
· الآية ٨٤ واحدة من الآيات القليلة في هذا المزمور التي لا تتحدث بشكل محدد عن كلمة الله. ويقودنا السياق إلى الإحساس بأن الضعف الشخصي والشعور بالظلم دفع صاحب المزمور إلى مثل هذا الالتهاء واليأس حتى إنه فقد التركيز على كلمة الله.
· “لدى هذا المقطع الكثير ما يقوله حول أعداء صاحب المزمور، كما لو أنهم احتكروا أفكاره.” بويس (Boice) لكن في نهاية المقطع، تنصبّ أفكاره على الله وكلمته مرة أخرى.
· “الشكوى من الله هو عدم إيمان مهين له. وأما الشكوى لله فعلامة مُخْتَارِيهِ، ٱلصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلًا، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ (لوقا ١٨: ٧).” بريدجز (Bridges)
ج) الآيات (٨٥-٨٦): صرخة للعون عند التعرض للهجوم والاضطهاد.
٨٥الْمُتَكَبِّرُونَ قَدْ كَرَوْا لِي حَفَائِرَ. ذَلِكَ لَيْسَ حَسَبَ شَرِيعَتِكَ. ٨٦كُلُّ وَصَايَاكَ أَمَانَةٌ. زُورًا يَضْطَهِدُونَنِي. أَعِنِّي.
١. الْمُتَكَبِّرُونَ قَدْ كَرَوْا لِي حَفَائِرَ. ذَلِكَ لَيْسَ حَسَبَ شَرِيعَتِكَ: كانت الفخاخ التي نُصِبت من أجل صاحب المزمور في واقع الأمر ضد شريعة الله. إذ تقدم لنا خروج ٢١: ٣٣-٣٤، المبدأ أن الإنسان مسؤول عن الضرر الحاصل عندما يحفر حفرة.
· الفكرة هنا هي أنهم طاردوه وكأنه حيوان بري. “كان أسلوب اصطياد الحيوان البري يتم عن طريق حفر حفرة وتغطيتها بالعشب. وعندما يدوس الحيوان البري العشب، يسقط محاصرًا فيُؤسر.” هورن (Horne)
· “لم يكن الرجل ولا الحفر حسب الشريعة الإلهية. إذ كانوا رجالًا مخادعين ماكرين قساة. وكانت حفرهم مناقضة للشريعة اللاوية، ومناقضة للوصية بأن نحب قريبنا.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. كُلُّ وَصَايَاكَ أَمَانَةٌ: وجد صاحب المزمور أمانة وملجأ في وصايا الله. فكانت هذه مقابلة قوية مع الاضطهاد الذي وجده من الأعداء. وفي مثل هذه الأوقات، صلّى صلاة منطقية: أَعِنِّي.
· في أحيان كثيرة، تأوَّه قديسون في ضيقاتهم هذه الكلمة. فهنالك حالات لا تُحصى من الحاجة، والألم، والضعف، والخطية. وستكون صلاتهم الملائمة في شبابهم وشيخوختهم، في المخاض والآلام، والحياة والموت: “يا ربُّ، أَعِنِّي!” ولا تكفي أية مساعدة أخرى، لكن عون الله كافٍ كل الكفاية، ونحن نطرح أنفسنا عليه من دون خوف.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (٨٧-٨٨): مُنعش من الله بالطاعة.
٨٧لَوْلَا قَلِيلٌ لَأَفْنَوْنِي مِنَ ٱلْأَرْضِ. أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَتْرُكْ وَصَايَاكَ. ٨٨حَسَبَ رَحْمَتِكَ أَحْيِنِي، فَأَحْفَظَ شَهَادَاتِ فَمِكَ.
١. لَوْلَا قَلِيلٌ لَأَفْنَوْنِي مِنَ ٱلْأَرْضِ. أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَتْرُكْ وَصَايَاكَ: تؤكَّد الفكرة من خلال التكرار. فلا يوجد ما يمكن أن يُبعد صاحب المزمور عن كلمة الله. إذ سيتمسك بها في الأوقات الجيدة وفي الأوقات السيئة.
· هنالك أشياء تجعل المرء يترك كلمة الله بطريقة أو أخرى.
ü المساومة الآثمة
ü الغطرسة الفكرية
ü الاستهزاء والاضطهاد
ü برود القلب
ü المُلهِيات الدنيوية
ü محبة الأمور المادية
ü الانشغال المختار أو المسموح
· كان صاحب المزمور ميّتًا تقريبًا (لَوْلَا قَلِيلٌ لَأَفْنَوْنِي مِنَ ٱلْأَرْضِ)، غير أنه لم يشأ أن يترك كلمة الله.
· هنالك ذهبٌ في هذا التعبير، “لَوْلَا قَلِيلٌ“. ويذكّرنا هذا بأنه رغم أن أعداءنا (ولا سيما أعداءنا الروحيين) قد يضغطون في اتجاه دمارنا الكامل، إلا أن الله سيحفظنا. وهو يسمح بأن نهاجَم، لكنه في الوقت نفسه يضع حدًّا لنجاح مهاجمينا. والتعبير “لَوْلَا قَلِيلٌ” تعبير حماية إلهية كريمة.
٢. حَسَبَ رَحْمَتِكَ أَحْيِنِي: تطلّع صاحب المزمور إلى الله من أجل حياة جديدة، إلى انتعاش. غير أنه عرف أن هذا لم يكن أمرًا مستحَقًّا، حتى بالنسبة لشخص في علاقة محبة مع الرب كما في حالته. وبدلًا من ذلك، صلّى قائلًا: حَسَبَ رَحْمَتِكَ أَحْيِنِي، لا كما أستحق.
· “إن كنا نُنعَش في تقوانا الخاصة، سنكون بعيدًا عن متناول مهاجمينا. وتتمثل أفضل حماية لنا من المجرِّبين والمضظهِدين في مزيد من الحياة.” سبيرجن (Spurgeon)
· تحدَّث صاحب المزمور بحرية عن محبته العظيمة لله ولكلمته. غير أن ثقته كانت موضوعة في صلاح الله ونعمته ومراحمه، لا في محبته لله ولكلمته.
٣. فَأَحْفَظَ شَهَادَاتِ فَمِكَ: هنا فهِم صاحب المزمور القصد من وراء الروح المنتعشة فيه. فلم تُعطَ له لمجرد التمتع بوقت من الإثارة الروحية، بل للسلوك في مزيد من الطاعة والأمانة مع الله.
· يتطلع كثيرون إلى الانتعاش كمجرد إثارة روحية عالية، ولا يتضمن إدراكهم له قصدًا غير إعطاء الناس إحساسًا بالبركة والإثارة. وتعوق هذه الفكرة الخطأ عمل الانتعاش.
· “أُعطيت هذه الحياة المنتعشة أيضًا من أجل ثبات شهادة فم الله. فالحياة الروحية جوهرية في أهميتها في ثبات الحق. وكلما سمعت عن خدام وكنائس تبتعدون عن الإيمان، فإني أعرف أن التقوى منخفضة بينهم. ويقترح بعض الناس أن نجادلهم، لكن عبثًا أن نجادل أمواتًا. ويقترح آخرون إصدار كتاب آخر للأدلة على الإيمان المسيحي، لكن النظارات لا تفيد أشخاصًا لا عيون لهم. وما هو مطلوب هو مزيد من الحياة الروحية. فعندما يُحْيِي الحق الناس، سيحبون الكلمة المُحْيية. لكن الناس الموتى لا يهتمون كثيرًا بما هو بالنسبة لهم حرف ميت.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. شَهَادَات فَمِكَ: فهِمَ صاحب المزمور بحق أن كلمة الله جاءت من فم الله فعلًا. لقد استخدم الله كُتّابًا بشريين عبروا في كتاباتهم الموحى بها عن شخصياتهم. غير أن الله وجّه هؤلاء الكُتّاب البشريين ليكتبوا بدقة ما يُدعى كلمات من فم الله.
· إن كان الكتاب المقدس يعطينا كلمات من فم الله، يمكننا أن نقول بثقة أن الكتاب المقدس معصوم من الخطأ، أي أنه في وثائقه، ومخطوطاته الأصلية (والتي لدينا نسخ موثوقة جدًا عنها) بلا خطأ.
· بما أن الفم يوصل كلامًا، فإننا نصر على أن كلام الكتاب المقدس معصوم. ولا تقتصر العصمة على الأفكار وحدها. “بالنسبة لي، لا يوجد أي تفسير لتلك الكلمات إلا أنها تتضمن وحيًا لفظيًّا معصومًا. لا بدّ أن تُعطى شهادة فم الله في كلمات. ويضم قلب الله أفكارًا، لكن فمه يُخرج كلمات. ولا بد أن تكون الكلمات الصادرة عن الإله الحقيقي كلّيّ العلم معصومة.” سبيرجن (Spurgeon)
ثاني عشر. اللام (Lamed ל): مخلَّص بالكلمة المُثَبَّتة في السماء
أ ) الآيات (٨٩-٩١): إله أمين وكلمة مثبَّتة.
٨٩إِلَى ٱلْأَبَدِ يَا رَبُّ كَلِمَتُكَ مُثَبَّتَةٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. ٩٠إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ أَمَانَتُكَ. أَسَّسْتَ ٱلْأَرْضَ فَثَبَتَتْ. ٩١عَلَى أَحْكَامِكَ ثَبَتَتِ ٱلْيَوْمَ، لِأَنَّ ٱلْكُلَّ عَبِيدُكَ.
١. إِلَى ٱلْأَبَدِ يَا رَبُّ كَلِمَتُكَ مُثَبَّتَةٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ: هنا يتأمّل صاحب المزمور في طبيعة كلمة الله غير المتغيرة. ولأنها مُثَبَّتَةٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، فإنها لن تتغير على الأرض.
· الكلمة مثبّتة في السماء، لا في قلب صاحب المزمور وفكره فحسب. فهي مثبَّتة موضوعيًّا في السماء سواء أَصَدَّق شخص آخر هذا أم لا. فلو قال أحدهم لصاحب المزمور، “هذا رأيك. وهذا جيد بالنسبة لك أنت،” فسيعترض بقوة قائلًا إن كلمة الله مثبَّتة في السماء بصرف النظر عن أي رأي بشري.
· ليست كلمته مثبّتة في توبنجن، أو هارفرد، أو هايدبيرج، أو اكسفورد، أو باريس. هنالك مناظرات في المعاهد اللاهوتية هذه الأيام. فلا نهتم لأي شيء يقال عندما نعرف أنه “إِلَى ٱلْأَبَدِ يَا رَبُّ كَلِمَتُكَ مُثَبَّتَةٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ.”
· “إن كان بإمكاني أن أُثبت كلمة نطق بها الله، فلا ينبغي أن أشك فيما بعد في كينونته. ربما يبدو أنها تفشل على الأرض، لكنها إِلَى ٱلْأَبَدِ مُثَبَّتَةٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ.” بريدجز (Bridges)
· “بعد أن تقاذفت أمواج بحر القلق صاحب المزمور، فإنه يقفز الآن إلى الشاطئ ويقف على صخرة. ليست كلمة الرب متقلّبة أو غير مؤكدة، بل هي مثبّتة وراسخة وأكيدة لا تتزعزع. غالبًا ما تتغير تعاليم الإنسان، ولا يوجد زمن لها لتتثبّت. لكن كلمة الله هي نفسها منذ القديم. وستبقى من دون تغيير إلى الأبد.” سبيرجن (Spurgeon)
· “تتقلب المشاعر باستمرار في هذا القرن التاسع عشر إلى درجة أن أفترض أننا سنحتاج إلى أجهزة باروميتر لتبيّن تفريعات العقيدة إلى جانب احتمالات الطقس. وسيتعيّن علينا أن نستشير المراجعات الفصلية لنرى أي أسلوب من الفكر الديني هو السائد. وعندئذٍ، سنضطر إلى تكييف عظاتنا حسب الرأي الفصل لآخر رجل حكيم اختار أن يجعل نفسه أحمق. وأما بالنسبة لي، فسأبقى غير عصري وأبقى حيثما أنا هنا. يقول أحده: “أنت غارز في الطين”، وأما أنا فأقول: أنا واقف على صخرة.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. مُثَبَّتَةٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ: أعلن صاحب المزمور أيضًا عن اعتقاده أن كلمة الله ليست كلمة إنسان، بل هي بالضبط كما تُدعى كلمة الله. وآمن أيضًا بأن الكتابات المقدسة تأتي من السماء، لا من الأرض، من الرب، لا من إنسان.
· آمن صاحب المزمور ما كتبه الرسول بولس بعد مئات من السنين في ٢ تيموثاوس ٣: ١٦ ’كُلُّ ٱلْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ ٱللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَٱلتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَٱلتَّأْدِيبِ ٱلَّذِي فِي ٱلْبِرِّ.‘
· يعني هذا شيئًا أكثر من القول بأن الله أوحى لأشخاص كتبوا الكتاب المقدس، مع أننا نؤمن بهذا. فنحن نلاحظ أنه لا يقول “كل كُتّاب الكتاب المقدس مُلهَمون من الله،” مع أن هذا صحيح. لكن العبارة تتخطى ذلك كثيرًا. فقد كانت الكلمات التي كتبوها قد تنفّسَها أو نفخها الله. كَلِمَتُكَ مُثَبَّتَةٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ.
· ليس أن الله نفخ (تنفّس) هذه الكلمات في الكُتّاب البشريين، مع أن هذا صحيح، لكنه ليس ما كتبه بولس في ٢ تيموثاوس ٣: ١٦. فقد قال إن الله من السماء نفخ فيهم كلمته المقدسة.
· نحن نتذكر ما قاله يسوع في متى ٥: ١٨: ’إِلَى أَنْ تَزُولَ ٱلسَّمَاءُ وَٱلْأَرْضُ لَا يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ ٱلنَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ ٱلْكُلُّ.‘ ويشير الحرف هنا إلى الياء، (י) أصغر حرف في الأبجدية العبرية. ويبدو أنه نصف دائرة. وأما النقطة المشار إليها فهي علامة ضمن الحرف، أي جزء مكمّل بسيط منه.
ü الفرق بين الباء (ב) والكاف (כ) هو نقطة.
ü والفرق بين الدال (ד) والراء (ר) هو نقطة.
ü والفرق بين الواو (ו) والزين (ז) هو نقطة.
· هذه فروقات صغيرة، بل صغيرة جدًّا غير ذات أهمية تقريبًا. غير أن يسوع قال إن هذه الفروقات الصغيرة لن تزول من كلمة الله. وقال إن زوال السماء والأرض أسرع من زوالها من كلمة الله. وبالفعل، فإن كَلِمَتكَ مُثَبَّتَةٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ.
· ينبغي أن يكون كل واعظ للإنجيل قادرًا على أن يقول: كَلِمَتُكَ مُثَبَّتَةٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. وقد عرف سبيرجن (Spurgeon) وعاظًا لم يقدروا أن يقولوا هذا. “يقولون إنهم يفكرون في تشكيل عقائدهم. وسيكون من المؤسف لي أن أفكر لأحدد طريقي إلى السماء من دون النجمة الهادية لكلمة الله، أو خارطة الكلمة. لا يطمح هؤلاء إلى أن يكونوا واعظين للإنجيل، بل صانعين للإنجيل. ولهذا تخرج رسالتهم، لا كإنجيل نعمة الله، بل كإنجيل خيال البشر، كإنجيل طبخوه في مطبخهم، وليس كإنجيل علّمه الروح القدس. إنه نقيض ما هو مُثَبَّت فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. بل إنه غير مثبَت في عقل مخترعه.”
٣. إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ (جيل بعد جيل) أَمَانَتُكَ: آمن صاحب المزمور بأن ثبات كلمة الله إظهار لأمانته، وأنّ هذه الأمانة تمتد عبر الأجيال (إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ).
· نحن نقر بهذا الحق عندما ننظر إلى الأجيال الماضية. ونحن نتتبّع أمانة الله المذهلة لكل جيل رغم أسوأ اندفاعات الإنسان وأعماله.
· نحن نقر بهذا الحق عندما ننظر إلى الأجيال الحالية والمستقبلة. غالبًا ما يبدو الحاضر والمستقبل كئيبًا. ونحن نتساءل أين هم الرجال والعظام الذين شوهدوا في الأجيال السابقة. لكن لا ينبغي أن نخاف. إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ (جيل بعد جيل) أَمَانَتُكَ.
- نحن نقر بهذا الحق عندما نتأمل كيف أن الله حفظ كلمته عبر الأجيال. لقد ضاعت أعمال أدبية عظيمة قديمة. ويذكر كاتب أو آخر واحدًا منها، لكن ليس لدينا أي نص باق حتى الآن. لكن الكتاب المقدس لم يُحفَظ فحسب، بل إنه يزدهر.
· “وعلى مدى معظم هذا الوقت، كان الكتاب المقدس موضوعًا لكراهية شديدة من أشخاص في السلطة. فحاولوا القضاء عليه، لكن النص بقي. وفي أيام الكنيسة الأولى، حاول سيلسوس (Celsus)، وبروفيري (Prophyry)، ولوسيان (Lucien) القضاء عليه بحججهم. وفيما بعد، حاول الإمبراطوران ديوكليتيان وجوليان القضاء عليه بالقوة. وفي بعض فترات التاريخ، كانت تُعَد حيازة نسخة منه جريمة كبرى تستحق الموت. غير أن النص بقي.” بويس (Boice)
٤. أَسَّسْتَ ٱلْأَرْضَ فَثَبَتَتْ. عَلَى أَحْكَامِكَ ثَبَتَتِ ٱلْيَوْمَ: كلمة الله نفسها َ(أَحْكَامكَ) هي التي أسست الأرض وثبّتتها. إذ بدأت الأرض والخليقة كلها بكلمة من الله (تكوين ١). فليس من المستغرب أن تُثَبَّت الأرض وتدوم حسب كلمة الله.
· يعطينا هذا فهمًا جديدًا لعبارات رائعة في الكتاب المقدس. ’يبِسَ ٱلْعُشْبُ، ذَبُلَ ٱلزَّهْرُ. وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلَهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى ٱلْأَبَدِ‘ إشعياء (٤٠: ٨). ’اَلسَّمَاءُ وَٱلْأَرْضُ تَزُولَانِ وَلَكِنَّ كَلَامِي لَا يَزُولُ‘ (متى ٢٤: ٣٥).
· تضع هذه النصوص كلمة الله خارج العالم المخلوق، وهي تشير إلى أن كلمة الله أكثر ديمومة واستدامة من الخليقة نفسها. وإنه لأمر منطقي تمامًا أن العالم الذي خُلِق بكلمة الله أن يُحفظ بنفس الكلمة.
· “أَسَّسْتَ ٱلْأَرْضَ فَثَبَتَتْ. فلتكن واثقًا إذًا. عندما يقصد الله أن يكسر كلمته ويغيّر أحكامه، يمكننا أن نتوقع أن تتبخر الأرض في الشمس، أو أن تندفع بعيدًا في الفضاء إلى مكان لا يعرفه أحد. لكن عندما تحافظ على مكانها، فما الذي يقلقنا أنا وأنت؟ أليست هذه علامة على أن الرب يحفظنا أيضًا؟” سبيرجن (Spurgeon)
٥. لِأَنَّ ٱلْكُلَّ عَبِيدُكَ: نظر صاحب المزمور إلى النظام المخلوق، وفهِم أن كل الخليقة في نهاية الأمر تخدم الله ومقاصده. فالأرض التي أسّسها وثبّتها كلمته.
· “هنالك ثبات ونظام في كل الخليقة، حيث يعكس هذا أمانة الرب.” فانجيميرين (VanGemeren)
· “من السمات البارزة لهذه الآيات أنها تربط كلمة الله الخلاقة والحافظة للكون بشريعة الله للإنسان. فكلاهما نتاج لنفس العقل المنظّم. فليس البشر وحدهم عبيده، بل كل الأشياء (لِأَنَّ ٱلْكُلَّ عَبِيدُكَ).” كيدنر (Kidner)
ب) الآيات (٩٢-٩٣): قوة كلمة الله الحافظة.
٩٢لَوْ لَمْ تَكُنْ شَرِيعَتُكَ لَذَّتِي، لَهَلَكْتُ حِينَئِذٍ فِي مَذَلَّتِي. ٩٣إِلَى ٱلدَّهْرِ لَا أَنْسَى وَصَايَاكَ، لِأَنَّكَ بِهَا أَحْيَيْتَنِي.
١. لَوْ لَمْ تَكُنْ شَرِيعَتُكَ لَذَّتِي: ابتهج صاحب المزمور بحقيقة كون كلمة الله لذّته. فلم تكن دراسة الكتاب المقدس والتأمل فيه أمرًا مرهفًا. بل كان لذّته.
· يمكننا التكهن أن واحدًا من أسباب ذلك هو أن الله قابله في كلمته. فعندما تكون لنا شركة مع الله في كلمته ومن خلالها، فإن هذا يجعل وقتنا في شريعته أمرًا مُلِذًّا.
٢. لَهَلَكْتُ حِينَئِذٍ فِي مَذَلَّتِي: عرف صاحب المزمور أنه من دون وجود علاقة بالله وكلمته، لن يصمد في موسم محنته.
· ومرة أخرى، ينبغي التوكيد أن هذه اللذة تتجاوز المعرفة بالكتاب المقدس. إنها علاقة بالله في كلمته ومن خلالها من شأنها أن تعطي القوة والتغذية الروحيتين.
· “إن ما أخرجه من محنته هو عادات على مدى حياته من قراءة شريعة الله، وتعلُّمها، والتأمل فيها، وهضمها روحيًّا، وقبل كل شيء طاعتها.” بويس (Boice)
· “شريعتك… لذّتي… في مذلّتي.” صدف أن كنت واقفًا في محل بقالة في بلدة صناعية في غرب إسكتلندا عندما دخلت أرملة فقيرة عجوز لتشتري بعض الأشياء. لم يمرّ على هذه البلدة وقت أكثر صعوبة. إذ توقّف كل نُوْل عن العمل. واضطر حتى التجار المحترمون الذين رأوا أيامًا أفضل إلى الاعتماد على العمل الخيري العام ليعتاشوا. وقد خُصِّص مال كثير كل يوم (لكنه تافه في معظم الأحيان) للفقراء والمحتاجين حقًّا. وقد حصلت هذه المرأة حصّتها الزهيدة لهذا اليوم، ودخلت إلى متجر البقالة لكي تصرفها على أفضل وجه ممكن. كانت تحمل في يديها الذابلتين بضعة قطع نقدية نحاسية. فأنفقت مخزونها الصغير بعناية، قرشًا على هذا وآخر على ذاك على احتياجات أساسية في الحياة. وعندما وصلت إلى آخر قرش لديها، قالت بتعبير فريد من الرضا البطولي والتسليم على وجهها المتجعّد: “والآن يتوجب عليّ أن أشتري زيتًا حتى أقرأ كتابي المقدس أثناء هذه الليالي المظلمة الطويلة، لأنه تعزيتي بعد أن اختفت كل تعزية أخرى.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن ألكزاندر والاس (Alexander Wallace).
٣. إِلَى ٱلدَّهْرِ لَا أَنْسَى وَصَايَاكَ، لِأَنَّكَ بِهَا أَحْيَيْتَنِي: تذكَّر صاحب المزمور قوة كلمة الله وطبيعتها المُحْيِية. فكانت هذه هي الحياة التي شدّدته في موسم محنته.
· تجلب كلمة الله حياة لأنها حية. “الكتاب المقدس حي. فهو يتكلم إليّ. وله قدمان، وهو يجري ورائي. وله يدان، وهو يمسك بي. ليس الكتاب المقدس كتابًا قديمًا أو حديثًا، بل هو كتاب أبدي.” بويس (Boice) نقلًا عن لوثر (Luther)
ج) الآيات (٩٤-٩٥): الأمان في طلب كلمة الله.
٩٤لَكَ أَنَا فَخَلِّصْنِي، لِأَنِّي طَلَبْتُ وَصَايَاكَ. ٩٥إِيَّايَ ٱنْتَظَرَ ٱلْأَشْرَارُ لِيُهْلِكُونِي. بِشَهَادَاتِكَ أَفْطُنُ.
١. لَكَ أَنَا فَخَلِّصْنِي: يتحدث هذا عن علاقة رائعة بين صاحب المزمور وإلهه نابعة من كلمته.
ü أدرك أن الله هو إلهه.
ü أدرك أن الخلاص هو في إلهه.
ü أدرك أن الله يسمع الصلاة ويستجيب لها.
ü أدرك أن الله سيخلّصه بالفعل.
· “نحن للرب بالخلق، والاختيار، والفداء، والاستسلام، والقبول. ومن هنا، فإن رجاءنا الراسخ واعتقادنا الأكيد هو أنه سيخلّصنا. من المؤكد أن إنسانًا سيخلّص ابنه. فتعال، يا رب، وخلّصني.” سبيرجن (Spurgeon)
· “لكن يا لها من مناشدة قوية للرحمة يمكننا أن نستفيد منها بناء على اهتمام الرب بنا. ألن يهتم إنسان بأبنائه، وكنزه، وجواهره؟ هكذا أنا، وقد اشتريتني بمحبتك السيادية، وجعلتني لك. لَكَ أَنَا فَخَلِّصْنِي.” فخلِّصني.” بريدجز (Bridges)
٢. لِأَنِّي طَلَبْتُ وَصَايَاكَ: كان أساس هذه الثقة مبنيًّا على علاقة بكلمة الله (وَصَايَاكَ). فلم تكن علاقة مبنية على الشعور أو الخبرات الذاتية، بل على أساس متين من كلمة الله.
· “لكن لنتذكر أنه ما من أحد يستطيع أن يقول لله بضمير صالح، ’لك أنا‘ ما لم يقل أيضًا ’أنا طَلَبْتُ وَصَايَاكَ.‘ هورن (Horne)
٣. إِيَّايَ ٱنْتَظَرَ ٱلْأَشْرَارُ لِيُهْلِكُونِي. بِشَهَادَاتِكَ أَفْطُنُ: يتحدث صاحب المزمور عن أعدائه بطريقة عابرة تقريبًا. فمع أنهم يفعلون الأسوأ له (إِيَّايَ ٱنْتَظَرَ ٱلْأَشْرَارُ لِيُهْلِكُونِي)، إلا أنه لم يُصب بالفزع، بل وجد ملجأ في كلمة الله.
· “إن كان العدو لا يستطيع أن يجعلنا نتراجع عن أفكارنا حول الدراسة المقدسة، أو يمنع أقدامنا من السلوك المقدس، أو قلبنا من الطموحات المقدسة، فإنه لم يحرز إلا نجاحًا ضعيفًا جدًّا في هجماته.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآية (٩٦): حماية كلمة الله.
٩٦لِكُلِّ كَمَالٍ رَأَيْتُ حَدًّا، أَمَّا وَصِيَّتُكَ فَوَاسِعَةٌ جِدًّا.
١. لِكُلِّ كَمَالٍ رَأَيْتُ حَدًّا (اكتمالًا): فكّر صاحب المزمور في الأشياء الممتازة التي رآها في العالم. ربما فكّر في جمال الطبيعة العظيم، وجمال الأشياء الصغيرة المعقّدة، وجما المحبة والاهتمام البشريين. لكنه أدرك أنه لكل جمال فيها اكتمالًا، أي حدًّا أو حاجزًا. فأفضل الأشياء في العالم لا تتجاوز هذا الحد.
· “فكّرَ في كل كمالات الأشياء باستثناء الرب، أي الأشياء المخلوقة، فاكتشف حدودها.” مورجان (Morgan)
· “من بين كل كمال في هذا العالم، سواء أكان كمال الجمال أو الذكاء أو التعلم، أو اللذة، أو الكرامة، أو الغنى، ستخبرنا الخبرة سريعًا عن نهايتها. لكن أين نهاية (حد) كلمة الله؟” هورن (Horne)
٢. أَمَّا وَصِيَّتُكَ فَوَاسِعَةٌ جِدًّا: رغم كل الأشياء العظيمة والرائعة في هذا العالم، إلا أن هنالك ما هو أعظم، وهو وصية الله، أي كلمته المعلنة لنا. وليست كلمته محدودة مثل الأشياء، حتى الأشياء العظيمة في الأرض.
· كلمته موجودة قبل الخليقة.
· كلمته هي حافظة للخليقة.
· كلمته تدوم بعد الخليقة.
ü “وجد صاحب المزمور أن وصايا الله (كلمته) تمتد وراء كل هذه الأشياء وتحيط بها.” مورجان (Morgan)
ü “يمكن أن تمثل هذه الآية ملخَّصًا لسفر الجامعة، حيث لكل مشروع أرضي يومه، ولا ينتهي إلى شيء. وباستثناء الله ووصاياه، فإن لهذه الأشياء حدودها المحبطة.” كيدنر (Kidner)
ü “إنها واسعة أو ضخمة من حيث المدى والاستمرار. فهي مفيدة لكل الناس، وفي كل الأوقات، وفي كل الظروف، ولكل المقاصد، حيث تثقّف البشر وتوجّهم وتحيهم وتعزّيهم وتقدّسهم وتخلّصهم. إنها من أجل الحق الأبدي، وفاعليّتها أبدية. وهي لن تخدع أو تترك الذين يثقون بها، كما تفعل كل الأشياء الدنيوية، لكنها تُسعد البشر الآن وإلى الأبد.” بوله (Poole)
ü من الغريب أن كثيرين يعتقدون أن الكتاب المقدس ضيِّق. وهم ينظرون إلى أنفسهم كواسعي الفكر والأفق، لكنهم لا يُظهِرون تسامحًا مع الذين لا يختلفون معهم. وكلمة الله واسعة جدًّا بالفعل، وهي تجعلنا واسعي الفكر ومتسامحين بأفضل معنى إذا قرأناها وأطعناها. وتمنعنا كلمة الله من أن نكون طغاة على الآخرين، وستعلّمنا كيف نتسامح مع الآخرين ونحبهم، حتى عندما تكون حياتهم وتفكيرهم ضد الله بشكل واضح.
ü هذا المكان الأوسع أساس راسخ وآمِنٌ لنا. “أعطِني نظرية الوحي الكتابي اللفظي الكامل بكل صعوباتها، بدلًا من الشك. وأنا أقبل الصعوبات، وأنتظر بتواضع حلّها. لكن بينما أنتظر، فإني واقف على صخر.” بويس (Boice) نقلًا عن الأسقف الإنجيلي جي. سي. رايل (J.C. Ryle)
ثالث عشر. الميم (מ Mem): محبة حلاوة كلمة الله
“هذه ترنيمة من التسبيح الخالص. فهي لا تقدم أي التماس، لكنها مجرد تعبير عن انسكاب للقلب.” مورجان (Morgan)
أ ) الآية (٩٧): محبة الله معبّرة عنها من خلال التأمل.
٩٧كَمْ أَحْبَبْتُ شَرِيعَتَكَ! ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ هِيَ لَهَجِي.
١. كَمْ أَحْبَبْتُ شَرِيعَتَكَ!: سبق أن عبَّر صاحب المزمور عن محبّته لكلمة الله (في الآيتين ٤٧-٤٨). غير أن الصياغة هنا أكثر اتّقادًا بالعاطفة. فقد ارتكز تكريسه لله وكلمته على علاقة المحبة التي ربطته بالكلمة.
· لا يقول هنا: ’كنتُ معتادًا أن أحب كلمتك‘ أو ’سأحب كلمتك يومًا ما.‘ فهو يصف مشاعره تجاه كلمة الله الآن. وهو يتكلم عن نفسه. فهو لا يخبر الآخرين كيف ينبغي أن يشعروا، بل يكشف عن طبيعة مشاعره.
· نحن نلاحظ أيضًا أنه يقول: ’كَمْ أَحْبَبْتُ شَرِيعَتَكَ!‘ وتوحي هذه العبارة بمقارنة. فهو يحب الكلمة أكثر من الأشياء الأخرى. “إنها كلمة إعجاب أو ملاحظة للمقارنة. وهي تؤخذ هكذا في عدة مواضع أخرى. ويدل هذا على إفراط أو تفوُّق وتميُّز لا يمكن التعبير عنه. ويبدو أن النبي يتحدث بنوع من التنهُّد كما لو أنه متيّم بمحبة شريعة الله أو مُدْنِف، أي عاشق حتى المرض.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن توماس ستوتون (Thomas Stoughton)
· “إن ترتيب العقل الإلهي المجسَّد في الشريعة الإلهية جميل. هذه لغة إنسان سلب جمال الله الأدبي لُبّه. وإذا لم نتمكن من مشاركة خبرته على الإطلاق، فسنكون الخاسرين.” سي. أس. لويس (C.S. Lewis) من ’تأملات في المزامير‘ نقلها بويس (Boice)
· قد يقرأ المسيحي السطحي كلمة الله ويفهمها، بل يطيعها بمعنى خارجي. لكن المؤمن الروحي يحبها. وهو يحيا كما لو أنه لا يستطيع أن يحيا من دون كلمة الله. وهي بالنسبة للمسيحي السطحي واجب لإرضاء الضمير. وأما بالنسبة للمؤمن طعام ودواء، نور وتعزية. فكلمة الله حياة.
· إن كنت ترغب في ذلك، يمكنك أن تزيد من محبتك لكلمة الله. ولا تستطيع أن تجبر نفسك على أن تحب شيئًا أو شخصًا، لكن يمكنك أن تنمّي محبة تجاهه.
ü امنح كلمة الله وقتك، وضعْها أمام عينيك دائمًا.
ü امنحها انتباهك واهتمامك. اسعَ وراء كلمة الله (ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ هِيَ لَهَجِي).
ü أعطِها أذنًا صاغية حقًّا.
ü أعطِها إكرامك وطاعتك.
ü أعطِها تقديرك. قّدِّرها على كل الخير الذي صنعته من أجلك، وكن شاكرًا على كل هذا الخير.
ü أعطِها اعتمادَك وثقتك. ودعها تهتم بك.
ü أعطِها تسبيحك وحمدك. تحدَّث عنها باحترام شديد أمام الآخرين.
· عندما نحب شخصًا حقًّا، فإننا لا نتمنى أن نغيّره. “لا يمكنك أن تثني الكتاب المقدس حسب فكرك. بل إنه أفضل بكثير أن تثني عقلك حسب الكتاب المقدس وتقول، “كَمْ أَحْبَبْتُ شَرِيعَتَكَ، ومبادئها، ووعودها، والفرائض التي تأمر بها، والتحذيرات التي تضعها أمامي، والنصائح التي تقدّمها لي!” أحببِ الكتاب المقدس كله من بداية سفر التكوين حتى نهاية آخر سفر الرؤيا، وكن مستعدًا حتى للموت بدلًا من التخلّي عن نصف آية منه.” سبيرجن (Spurgeon)
· “أتوسل إليك أن تجعل كتابك المقدس كل شيء بالنسبة لك. واحمل هذا الكنز الذي لا يضاهى معك باستمرار. واقرأه، واقرأه، واقرأه مرة أُخرى وأُخرى. قلِّبْ صفحاته ليل نهار، ودعْ رواياته تختلط مع أحلامك. واسمح لمبادئه بأن تشكل حياتك، واجعل وعوده تبهج ظلمتك، واترك التنوير الإلهي يُسعد عمرك. فكما تحب الله، أحبِب كتابه الذي هو كتاب الله وإله الكتب، كما يُدعى بحق.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ هِيَ لَهَجِي: ولأن صاحب المزمور أحب كلمة الله، فكان أمرًا طبيعيًّا ومتوقّعًا أن يفكر فيه كثيرًا. فالعاشق يستسهل التفكير والتأمل في محبوبه.
· “لَهَجي (تأملاتي): إنه موضوع دراستي الثابتة والأكثر جدية.” بوله (Poole)
· تأمّل صاحب المزمور في كلمة الله لأنه أحبها، ثم أحبها لأنه تأمّل فيها.” سبيرجن (Spurgeon)
· عندما نحب الكتاب المقدس، فإننا نجد الكثير لنتأمل فيه.
ü الكتاب المقدس هو رسالة من أبينا البعيد.
ü الكتاب المقدس صورة لأفضل الأصدقاء وأوفاهم.
ü الكتاب المقدس شهادة تَبَنّينا في عائلة الله.
ü الكتاب المقدس إعلان تحريرنا، حريتنا من العبودية.
ü الكتاب المقدس وصف لميراثنا السماوي.
ü الكتاب المقدس دليل على أننا نبلاء، حيث جعلنا الله ملوكًا وكهنة.
ü الكتاب المقدس دليل تعليم الحياة الحكيمة المبارَكة.
ü الكتاب المقدس بيان لحسابنا، ودفتر شيكات للبركات الموعودة لنا من الله.
ü الكتاب المقدس تليسكوب تشاهد من خلاله المدينة السماوية التي هي وُجهتنا.
ب) الآيات (٩٨-١٠٠): تعطي كلمة الحياة حكمة عظيمة.
٩٨وَصِيَّتُكَ جَعَلَتْنِي أَحْكَمَ مِنْ أَعْدَائِي، لِأَنَّهَا إِلَى ٱلدَّهْرِ هِيَ لِي. ٩٩أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ مُعَلِّمِيَّ تَعَقَّلْتُ، لِأَنَّ شَهَادَاتِكَ هِيَ لَهَجِي. ١٠٠أَكْثَرَ مِنَ ٱلشُّيُوخِ فَطِنْتُ، لِأَنِّي حَفِظْتُ وَصَايَاكَ.
١. وَصِيَّتُكَ جَعَلَتْنِي أَحْكَمَ مِنْ أَعْدَائِي: كان لدى صاحب المزمور أعداء كثيرون بين أشرار ومتكبرين. ربما تباهى المتكبرون بأنهم أحكم وأَعْلَمُ من صاحب المزمور. غير أن الكاتب كان واثقًا بأن كلمة الله أعطته حكمة أكبر.
· صاحب المزمور أحكم وأكثر فهمًا من أعدائه (الآية ٩٨)، ومن معلّميه (الآية ٩٩)، ومن القدماء (الآية ١٠٠). “ليست المقارنة توكيدًا فخورًا بالتفوق، بل شكل من أشكال الابتهاج بالرب نفسه الذي حكمته أكثر مباشرة وتفوُّقًا.” فانجيميرين ((VanGemeren
٢. لِأَنَّهَا إِلَى ٱلدَّهْرِ هِيَ لِي: كان صاحب المزمور واقعيًّا حول وجود أعدائه الدائم. إذ كانوا معه دائمًا. وكان عليه أن يكتسب قوة روحية كافية، وقوة كافية من المعدن الأخلاقي للبقاء، بل وللازدهار معه.
· “لن أضمن نوال النعمة، ولا اكتساب خبرات، ولا انخراطات معتبرة من دون تعليم مستمر منك.” بريدجز (Bridges)
٣. أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ مُعَلِّمِيَّ تَعَقَّلْتُ: هنا يشرح صاحب المزمور ما الذي جعله أحكم من كل أعدائه. كان لديه فهمٌ (تعقُّل) أكثر من كل معلميه (الذين نأمل أنهم لم يكونوا نفس أعدائه المذكورين سابقًا) بسبب دراسته الجدية وتأمله في كلمة الله.
· تعلّمنا هذه الآية أن من المهم للغاية أن يكون لدينا فهم، بل فهم عظيم. ونحن نعرف هذا بسبب القيمة التي يضعها صاحب المزمور على مزيد من الفهم.
· تعلّمنا هذه الآية أنه ليس خطأ أو سيئًا أن يكون لدينا معلّمون، لأنه كان لدى صاحب المزمور (إما في تلك المرحلة أو في السابق) معلمون يعلمونه عن الحياة وكلمة الله. وليست هذه الآية شجبًا علنيًّا لهؤلاء المعلمين.
· تعلمنا هذه الآية أن فهمنا لكلمة الله وطرقه لا يقتصر على ما نحصل عليه من معلّمينا. إذ يمكننا أن نتعلم من دراستنا وتأملنا. وكثيرًا ما يكون المعلمون مفيدين، لكنهم ليسوا ضروريين ضرورة مطلقة. والفهم هو الضروري. وربما يكون أو لا يكون المعلمين ضروريين.
· تعلّمنا هذه الآية أن الفهم لا يأتي بسهولة. ويتضمن التأمل الحقيقي عنصرًا ما من العمل. وهو يتطلب القدرة على الحفاظ على التركيز، والأدوات الضرورية للفهم والتحليل الكتابيين.
· ثبت هذا المبدأ في حياة خدام الله مرارًا وتكرارًا. ويخبرنا الكتاب المقدس عن أشخاص لم يتعلموا حسب مقاييس العالم (مثل التلاميذ، كما في أعمال الرسل ٤: ١٣). ومع ذلك، كان لديهم فهم عظيم، وكانوا فعّالين في خدمة الله.
· وثبت هذا المبدأ أيضًا في حياة خدام منذ أزمنة الكتاب المقدس. ومن بين الأمثلة البارزة للأشخاص الذين لم يحصلوا على مؤهلات تعليمية مقبولة في عصرهم واستخدمهم الله بقوة تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon)، د. ل. مودي (D.L. Moody)، ويليام كاري (William Carey)، مارتن لويد-جونز (D. Martyn Lloyd-Jones)، هدسون تايلور (Hudson Taylor).
· استخدم الله أيضًا كثيرين كانوا متعلمين جدًّا. ومن بين الأمثلة الكتابية لذلك موسى ودانيال وبولس. ومن بين الأمثلة التاريخية أوغسطين ومارتن لوثر وبيلي جراهام. ومن الخطأ أن نعتقد أن التعليم الرسمي ينزع أهلية الشخص من الخدمة الفعّالة، كما أن من الخطأ أن نعتقد أن المؤهل التعليمي العالي للشخص يؤهله للخدمة الفعّالة بشكل آلي.
· “قد نسمع لأحكم المعلمين ونبقى حمقى. لكن إذا ما تأملنا في الكلمة المقدسة فلا بد أن نكون حكماء. إذ هنالك حكمة في شهادات الرب أكثر من كل تعاليم الناس لو جُمعت معًا في مكتبة ضخمة واحدة. فالكتاب الواحد [الكتاب المقدس] يفوق كل البقية.” سبيرجن (Spurgeon)
· “لا ينبغي أن أكون انعكاسًا لمعلميَّ، بل أن أكرمهم. وفي هذا، عليّ أن أتحسن حتى أفوقهم، ولا أعود أحتاج إليهم.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن ماثيو هنري (Matthew Henry).
٤. أَكْثَرَ مِنَ ٱلشُّيُوخِ (القدماء) فَطِنْتُ، لِأَنِّي حَفِظْتُ وَصَايَاكَ: أظهر صاحب المزمور جرأة أكبر من مجرد القول إن كلمة الله أعطته تعليمًا أعظم من معلّميه. فهو الآن يقول أَكْثَرَ مِنَ ٱلشُّيُوخِ فَطِنْتُ.
· “إنه يفهم أكثر من الشيوخ، أي أن الحفظ المباشر لوصايا الله ذو قيمة أكبر من نصائح الآخرين، حتى لو كانت لديهم خبرة أطول.” مورجان (Morgan)
· لهذا معنى خاص عندما ندرك أننا نثمن كلمة الشيوخ (القدماء) في وقتهم وثقافتهم. ومن الشائع في العالم الحديث أن يتم تجاهل حكمة الشيوخ (القدماء)، لكن لم يكن هذا هو الحال في زمن صاحب المزمور.
· ويخبرنا هذا أيضًا أنه مع أنه ينبغي لنا بشكل عام أن نحترم فهم القدماء وحكمتهم (كما فعل صاحب المزمور بشكل عام)، إلا أننا لسنا عبيدًا لحكمتهم وفهمهم. وقاعدة إيماننا وعقيدتنا وحياتنا هي الكتاب المقدس نفسه، وليست عقيدتنا هي فهم عظماء التاريخ وتفسيرهم له.
· “يحظى القدماء بسمعة عالية، لكن ما الذي عرفوه جميعًا بالمقارنة مع ما ندركه من المبادئ الإلهية. يقول بعضهم إن القديم أفضل. لكن الأقدم هو أفضل الكل على الإطلاق. وما هذا إلا كتاب الله “قديم الأيام.” سبيرجن (Spurgeon)
· روى جيمس مونتجمري بويس (James Montgomery Boice) قصة حول حياة هاري آيرونسايد (Harry Ironside) الراعي والمؤلف ومفسّر الكتاب المقدس. ذهب آيرونسايد لزيارة رجل على وشك الموت كان مريضًا بالسل. كان الرجل ميّتًا تقريبًا، ولم يكن يقوى على الكلام. فتكلم آيرونسايد إليه. فسأله الرجل: ’أيها الشاب، أنت تحاول أن تعظ بالمسيح، أليس كذلك؟‘ فأجاب آيرونسايد بالإيجاب. فرد الرجل: ’اجلس قليلًا ودعنا نتحدث قليلًا عن كلمة الله.‘ ثم فتح الرجل كتابه المقدس وتحدث مع آيرونسايد إلى أن تلاشت قوّته. شارك أفكارًا متبصرة لم يكن آيرونسايد يقدّرها أو لم يرها من قبل. فصُعق آيرونسايد وسأل الرجل: ’من أين جئت بهذه الأشياء؟ أخبرْني كيف يمكن أن أجد كتابًا يكشف لي هذه الأمور؟ فهل حصلت عليها من كلية لاهوت أو معهد ديني؟‘ فأجاب الرجل العجوز: “يا عزيزي الشاب، تعلّمتُ هذه الأشياء على ركبتّي في الوحل في كوخي الطيني الصغير في شمال آيرلندا. فبينما كان كتابي مفتوحًا أمامي، كنت أركع لساعات في المرة الواحدة وأطلب من روح الله أن يعلن المسيح لي ويفتح الكلمة لقلبي. لقد علّمني وأنا ساجد على ركبتيّ على الأرضية الطينية لكوخي أكثر مما يمكن أن أتعلمه في كل كليات اللاهوت والمعاهد مجتمعة في العالم.”
ج) الآيات (١٠١-١٠٢): كلمة الله تحفظ المرء من الشر.
١٠١مِنْ كُلِّ طَرِيقِ شَرٍّ مَنَعْتُ رِجْلَيَّ، لِكَيْ أَحْفَظَ كَلَامَكَ. ١٠٢عَنْ أَحْكَامِكَ لَمْ أَمِلْ، لِأَنَّكَ أَنْتَ عَلَّمْتَنِي.
١. مِنْ كُلِّ طَرِيقِ شَرٍّ مَنَعْتُ رِجْلَيَّ، لِكَيْ أَحْفَظَ كَلَامَكَ: فهِم صاحب المزمور أن منع نفسه عن الشر سيساعده في فهم كلمة الله على نحو أفضل. إذ يستطيع أن يحفظ كلمة الله على نحو أفضل بالابتعاد عن كل طريق شرير.
· “لا يوجد تثمين للكلمة المقدسة ما لم يطرح المرء كل نجاسة. فإذا حفظنا كلمة الله الصالحة، يتوجب علينا أن نتخلى عن الشر.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. عَنْ أَحْكَامِكَ لَمْ أَمِلْ، لِأَنَّكَ أَنْتَ عَلَّمْتَنِي: شجعت الصلة الشخصية بين صاحب المزمور والله من خلال كلمته إياه على السلوك الأمين.
· يبيّن هذا أيضًا أن الله يستطيع أن يعلّم المؤمن من خلال كلمته بمعنى مباشر (لِأَنَّكَ أَنْتَ عَلَّمْتَنِي). ولا يعني هذا أن كل شخص يقوم بدراسة شخصية مصيب في استنتاجاته أو أنه من الله. ولا يلغي هذا الحاجة إلى معلمين للكتاب المقدس. لكن هذا يحقق ما قاله يسوع لاحقًا في يوحنا ١٦: ١٣ “وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ ٱلْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ ٱلْحَقِّ.”
· لِأَنَّكَ أَنْتَ عَلَّمْتَنِي: “كلمة ’أنت‘ هنا توكيدية. فالله هنا هو ضامن الحق الكتابي، وهو الذي وحده يفتح عيون التلاميذ ليروه.” كيدنر (Kidner)
د ) الآيات (١٠٣-١٠٤): الفهم الحلو من كلمة الله.
١٠٣مَا أَحْلَى قَوْلَكَ لِحَنَكِي! أَحْلَى مِنَ ٱلْعَسَلِ لِفَمِي. ١٠٤مِنْ وَصَايَاكَ أَتَفَطَّنُ، لِذَلِكَ أَبْغَضْتُ كُلَّ طَرِيقِ كَذِبٍ.
١. مَا أَحْلَى قَوْلَكَ لِحَنَكِي (لذوقي): أحس صاحب المزمور بأن كلمة الله عذبة وحلوة مثل الأشياء الحلوة، بل أَحْلَى مِنَ ٱلْعَسَلِ! فلم يكن الوقت الذي قضاه واجبًا غير مُسِر، بل خبرة حلوة تستحق الشكر عليها.
· ما أحلى: “يعبّر هذا عن حقيقة حلاوة كلامه، لكنه لا يستطيع أن يعبّر عن درجة هذه الحلاوة، ولهذا قال: ’ما أحلى!‘ سبيرجن (Spurgeon)
· “تثمر دراسة كلماتك وطاعتها رضا وسرورًا أكثر مما يجده الرجل الدنيوي في ملذاته الحسية.” بوله (Poole)
· لم يكن لدى صاحب المزمور إلا قدر قليل من كلمة الله الموجودة بيننا. كانت لديه أسفار موسى الخمسة وبضعة أسفار أخرى. فلدينا غنى أكبر وحلاوة أكثر من كلمة الله التي عرفها. غير أنه يبدو أن معظمنا لا يقدّرها حقّ قدرها.
· الكتاب المقدس زاخر بالنصوص المتلاحقة التي يجد فيها أي شخص ذي حساسية روحية حلاوة. ومن بين الأمثلة القليلة لذلك مزمور ٢٣: ١-٣؛ مزمور ٨: ١؛ يوحنا ٣: ١٦؛ رومية ٨: ٢٨؛ رؤيا ٢٠: ٢٢. “فإذا لم تجد ما هو جميل في هذه الآيات، فإن ذوقك متبلّد بشكل رهيب وعينيك مُزَجَّجتان (صارتا كالزجاج) بفعل تأثير الثقافة السائدة.” بويس (Boice)
· “فأية حجة يمكن أن تقنعنا بأن العسل مر في الوقت نذوق فيه حلاوته؟” بريدجز (Bridges)
· “إن كانت كلمة الله ليست حلوة لي، فهل لديّ شهية؟ يقول سليمان في أمثال ٢٧: ٧: ’اَلنَّفْسُ ٱلشَّبْعَانَةُ تَدُوسُ ٱلْعَسَلَ، وَلِلنَّفْسِ ٱلْجَائِعَةِ كُلُّ مُرٍّ حُلْوٌ.‘ وعندما تكون النفس ممتلئة بالغرور، وبالعالم، وبملذات الخطية، فلا أتعجب أنها لا تجد حلاوة في المسيح، لأنه ليست لديها شهية.” سبيرجن (Spurgeon)
· “إنها علامة نعمة مبارَكة في القلب عندما تكون كلمة الله ككل حلوة لنا… عندما نحب الحق، لا أن نضعه في نظام أو شكل، لكن عندما نجده في كلمة الله. وأعتقد أنه ما من إنسان عاش حتى الآن قدّم نظامًا لاهوتيًّا يضم كل الحق الإلهي. ولو كان هذا النظام ممكنًا لكشفه الله نفسه لنا. ومن المؤكد أنه سيكون مرغوبًا ومفيدًا لمنفعتنا وقداستنا. لكن الله لم يشأ أن يعطينا هيكلًا لاهوتيًّا. فلنقبل كلمة الله كما أعطاها لنا، كل حقيقة في جزئيتها وتناسُبها، وكل عقيدة في انسجام مع رفيقتها – وينفَّذ كل مبدأ من خلال الممارسة، وينال كل وعد بالإيمان لاحقًا. ليكن الحق، كل الحق، حلوًا لحنكنا.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. مِنْ وَصَايَاكَ أَتَفَطَّنُ، لِذَلِكَ أَبْغَضْتُ كُلَّ طَرِيقِ كَذِبٍ: لقد أعطى الفهم الذي اكتسبه صاحب المزمور إياه حسن تمييز، وقدرة على المثابرة، وبُغضًا لكل طريق كذِب.
· من الملاحظ أن هذا القسم بدأ بالمحبة، لكنه ينتهي بالبغض. “ليست الحياة المسيحية كلها حلاوة. صحيح أنه يوجد جمال لا يُضاهى في الله. لكننا نعيش في عالم بشع كريه. ومن المهم بنفس الدرجة أن نتعلم بُغض الشر كما نتعلم محبة الصلاح والخير.” بويس (Boice)
رابع عشر. النون (Nun נ): ثقة لا تنتهي أبدًا بكلمة الله
أ ) الآية (١٠٥): الإرشاد المنير من كلمة الله.
١٠٥سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلَامُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي.
١. سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلَامُكَ: سار صاحب المزمور في طريق الحياة، فجعلت كلمة الله خطواته واضحة. وما كان له أن يعرف أين يخطو من دون إرشاد كلمة الله.
· إنه لأمر ممكن أن نسير في سبيل الحياة من دون أن نعرف أين نضع خطواتنا. فلا تعرف إن كانت قدمنا وطأت أرضًا جيدة أم خطرة. فنحن لسنا واعين ذاتيًّا. ويمكن أن تكون كلمة الله سراجًا لأقدامنا.
· يمكننا القول ببساطة إن الكتاب المقدس يساعدنا في أن نسلك كما يريدنا الله. فكّرْ في الكلمات المختلفة التي نستخدمها لتوضيح السلوك: سلكَ، سار، مشى، تمشَّى، جرى، عدا، نهَجَ، هدَجَ، ترجّلَ، تقدَّمَ، حبا، خطا، دبَّ، دجَّ، درجَ، دلف، ذهب، سرى، ماد، تهادى، مدَّ، عرج، مرَّ، مضى، تنزَّه، هرول. وتبيّن الكلمات المختلفة أن طرقًا مختلفة كثيرة للمسير أو السلوك. وتحمل كل واحدة منها دلالات خاصة.
· كيف ينبغي للمؤمنين بالمسيح أن يسلكوا؟
ü كما يحق (أفسس ٤: ١)
ü باستقامة (إشعياء ٥٧: ٢)
ü في النور (١ يوحنا ١: ٧)
ü بتواضع (ميخا ٦: ٨)
وليس أيٌّ من هذه الطرق ممكنة من دون أن تضيء كلمة الله طريقنا.· تقول صورة السراج شيئًا. “وهكذا يضاء مرورنا في طريق مظلم خطر بمصباح الكلمة ونورها. لكن باستثناء السراج المضاء – باستثناء تعليم الروح القدس المصاحب للكلمة، فإن كل شيء ظلمة، ظلمة كثيفة. فلا ينبغي أن نَقْنَع بقراءة الكلمة من دون الحصول على بعض النور منها لفهمنا.” بريجز (Bridges)
٢. وَنُورٌ لِسَبِيلِي: لم تبيّن كلمة الله لصاحب المزمور أين يطأ بقدميه فحسب، بل أيضًا، لكن النور بقي مسلطًا على طريقه أيضًا، حيث بيّنت له الخطوات التالية التي ينبغي أن يخطوها.
· نحتاج إلى الكتاب المقدس ليعلّمنا الصواب من الخطأ. ومن المؤكد أن لدينا إحساسًا داخليًّا ما لهذا في ضميرنا. لكن يمكن أن يكون ضميرنا ضعيفًا أو جاهلًا أو معطَّلًا. فكلمة الله أسمى من ضميرنا.
· “ليس هذا إرشادًا ملائمًا لمهنة المرء، لكنه حق من أجل الخيارات الأخلاقية. انظر، ع
لى سبيل المثال، نوع ’الفخ‘ و’الإضلال‘ المتضمن في مزمور ١١٩: ١١٠.” كيدنر (Kidner)
· “إن واحدة من أكثر المزايا عمليةً للكتاب المقدس هو الإرشاد في التصرفات في الحياة اليومية.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلَامُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي: تبيّن هاتان الصورتان أن كلمة الله نور وأنها تجلب النور. فهي لا تجعل الأمور أكثر سوادًا أو أصعب للفهم. إنه كتاب نور لا كتاب مُظلِم.
· يؤكد هذا المقطع وضوح كلمة الله. وهذه صفة للكتاب المقدس عنت الكثير للإصلاحيين البروتستانت الذين وصفوه بالوضوح. وقد عنوا بهذا أن الكتاب المقدس لشكل أساسي قابل للاستيعاب من قِبل أي شخص يقرؤه بعقل متفتح.” بويس (Boice)
· ليست كل أجزاء الكتاب المقدس سهلة الفهم بشكل متساوٍ. فمن المفيد أن نحصل على حكمة من آخرين حول ما رأوه في الكتاب المقدس. غير أنه قابل للفهم، حيث يفهمه المؤمنون. فكّر في القواسم المشتركة بين المؤمنين بالمسيح، حتى بين الطوائف المختلفة كثيرًا:
ü حقيقة الله مثلث الأقانيم
ü حقيقة اللاهوت الكامل والناسوت الكامل ليسوع
ü حقيقة خطيّتنا
ü حقيقة موت يسوع من أجلنا ليخلّصنا من الخطية والموت
ü عمل الروح القدس في قيادتنا إلى الإيمان
ü تأسيس الكنيسة، مجتمع المؤمنين
ü عودة يسوع المسيح
ü قيامة الأموات
وإذا أُخِذت هذه معًا، فإنها كثير! وبشكل عام، يتفق المؤمنون بالمسيح على فهمهم للكتاب المقدس.· لا يعني هذا أن رأي شخص يحمل ثقل رأي شخص آخر في نص كتابي. بل العكس هو الصحيح. فالكتاب المقدس واضح بما يكفي للفهم، ويعني هذا أن بعض الأفهام المزعومة خطأ.
ب) الآيات (١٠٦-١٠٨): الثقة بقوة كلمة الله المُحْيِية.
١٠٦حَلَفْتُ فَأَبِرُّهُ، أَنْ أَحْفَظَ أَحْكَامَ بِرِّكَ. ١٠٧تَذَلَّلْتُ إِلَى ٱلْغَايَةِ. يَا رَبُّ، أَحْيِنِي حَسَبَ كَلَامِكَ. ١٠٨ٱرْتَضِ بِمَنْدُوبَاتِ فَمِي يَا رَبُّ، وَأَحْكَامَكَ عَلِّمْنِي.
١. حَلَفْتُ فَأَبِرُّهُ، أَنْ أَحْفَظَ أَحْكَامَ بِرِّكَ: أظهر صاحب المزمور إصرارًا كاملًا على إطاعة كلمة الله. فكان قرارًا مزدوجًا، حيث حلف على ذلك، وثبّت هذا الحلفان.
· حَلَفْتُ فَأَبِرُّهُ: يخبرنا بريجز (Bridges) عن رجل اسمه بيرس (Pearce) قرأ كتابًا بعنوان ’ظهور الدين وتقدُّمه،‘ وبناءً على ذلك، قرر أن يحيا حياة أكثر تكريسًا وطاعة، فكتب عهدًا مع الله. ولكي يعبّر عن جديته، وقّع هذا العهد بدمه. ولم يمر وقت طويل حتى بدأ يفشل في التزامه بالعهد، أولًا بطرق بسيطة، ثم بطرق أكثر جدية. فدفعه هذا إلى محنة عميقة وإلى يأس كلي تقريبًا. ثم فكّر في الأمر وأدرك أن العهد الذي قطعه مع الله كان ناموسيًّا وفريسيّا، وبشكل خاص في الطريقة التي اعتمد بها على قوة نذوره وقراراته. فأخذ العهد إلى سطح بيته ومزقه قطعًا، وألقى به في الريح. ولم يحس بأنه قد تحرر من الوعود نفسها، لكنه قرر ألا يعتمد على نفسه أو على نذوره، لكن على دم يسوع المسيح وقوة روحه الساكن فيه. فأدى ذلك إلى نتيجة أفضل بكثير، وصار أقرب إلى مصدر التعزية والاسترداد مما كان عليه في الماضي عندما فشل.
٢. تَذَلَّلْتُ إِلَى ٱلْغَايَةِ. يَا رَبُّ، أَحْيِنِي حَسَبَ كَلَامِكَ: جاء تصميمه على الطاعة من موسم محنة، لا من تعزية وراحة. فرغم مشكلاته وآلامه الكثيرة، تطلّع إلى كلمة الله كانتعاش للحياة. وهو انتعاش يأتي حسب كلام الرب.
· “قد يُبتلى خدام الله الأمناء، وقد يبتلون إِلَى ٱلْغَايَةِ. لكن ليحسبوا أن محِنَهم تطهّر مفاسدهم، وتجرّب إيمانهم، وتكمّل صبرهم، وتبني إخوتهم، وتمجد سيدهم.” هورن (Horne)
٣. ٱرْتَضِ بِمَنْدُوبَاتِ فَمِي: قدّم صاحب المزمور هذه الكلمات للرب كما لو أنها تقدمة على مذبح. كانت تقدمات قدّمها بملء إرادته (مندوبات) لكي تحسّن محبته وتكريسه لله.
· “لا تُستمد عائدات الله من ضرائب مفروضة، لكن من تبرعات طوعية. فلا يوجد أي قبول ورضا حيث لا يوجد استعداد ورغبة. ولا يوجد أي عمل نعمة حرة حيثما لا يوجد ثمر لإرادة حرة.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. وَأَحْكَامَكَ عَلِّمْنِي: من السهل أن يكون لدينا ثقة آثمة في حُكمنا عندما ’نتبع قلبنا،‘ غير أن سبيرجن (Spurgeon) عبّر عن هذا الأمر بطريقة جيدة. “تبيّن هذه الصرخات المتكررة التي تناشد التعليم تواضع رجل الله، وهي تبيّن لنا حاجتنا إلى تعليم مشابه. إذ يحتاج الحُكم وحسن التمييز إلى تثقيف إلى أن نعرف أحكام الرب، ونتفق معها، ونتصرف حسبها.”
ج) الآيات (١٠٩-١١٠): الثقة بكلمة الله رغم الخطر.
١٠٩نَفْسِي دَائِمًا فِي كَفِّي، أَمَّا شَرِيعَتُكَ فَلَمْ أَنْسَهَا. ١١٠ٱلْأَشْرَارُ وَضَعُوا لِي فَخًّا، أَمَّا وَصَايَاكَ فَلَمْ أَضِلَّ عَنْهَا.
١. نَفْسِي دَائِمًا فِي كَفِّي، أَمَّا شَرِيعَتُكَ فَلَمْ أَنْسَهَا: كثيرًا ما كانت حياة صاحب المزمور في خطر، إلا أن صلته بكلمة الله بقيت قوية.
٢. ٱلْأَشْرَارُ وَضَعُوا لِي فَخًّا، أَمَّا وَصَايَاكَ فَلَمْ أَضِلَّ عَنْهَا: جاءت الأخبار من أعداء عاقدين العزم، أشخاص أشرار، غير أنه أبى أن يترك وصايا الرب.
· “دعنا نتعلم من هذه أن نكون على حذر، لأن لدينا أعداء أيضًا، وهم ماكرون وأشرار معًا. ويضع الصيادون فخاخهم في مسارات الحيوانات المعتادة. وأسوأ فخاخنا موضوعة في طرقنا الخاصة. وعندما نتمسك بطرق الرب، سننجو من فخاخ أعدائنا، لأن طرقه آمنة وخالية من الغدر.” سبيرجن (Spurgeon)
· “كلما نجد المزامير تتحدث عن الخطر، فإننا نفكر في الأخطار الجسمية. لكن المزامير تتحدث عن أخطار روحية أيضًا مثل السقوط في الخطية أو نسيان الله.” بويس (Boice)
د ) الآيات (١١١-١١٢): تكريس دائم لله ولكلمته.
١١١وَرِثْتُ شَهَادَاتِكَ إِلَى ٱلدَّهْرِ، لِأَنَّهَا هِيَ بَهْجَةُ قَلْبِي. ١١٢عَطَفْتُ قَلْبِي لِأَصْنَعَ فَرَائِضَكَ إِلَى ٱلدَّهْرِ إِلَى ٱلنِّهَايَةِ.
١. وَرِثْتُ شَهَادَاتِكَ إِلَى ٱلدَّهْرِ، لِأَنَّهَا هِيَ بَهْجَةُ قَلْبِي: ابتهج صاحب المزمور بكلمة الله بفرح قلبيّ، ولهذا صارت الشهادات ميراثه إلى الأبد.
· “ما هو ميراث صاحب المزمور الروحي، أي ما الذي يتطلّع إليه ويعمل من أجله؟ مكافأة سماوية ما؟ كلمة مديح من الله؟ من المثير للدهشة أن ميراثه هو ما كان يتحدث عنه طوال الوقت، كلمة الله نفسها.” بويس (Boice)
- كيف تخصّنا شهادات الله؟ كيف طالب بحقّه فيها؟ لا بالشراء، ولا بالاستحقاق، بل كانت إرثه… ينظر المرء إلى إرثه ويقول: “هذه الأرض، أو هذه العقارات، أو هذه المملكة لي.” وينظر ابنٌ لله إلى الكون – كلا العالمين – إلى الله نفسه بكمالاته اللامتناهية – ويقول: ’هذه كلها لي.‘ يتجاوز سند ملكيتي أي ميراث أرضي.” بريدجز (Bridges)
· “أنا أستحوذ على ميراثي، وأعيش عليه، إنه كنزي ونصيبي. فإذا كان الرجل معروفًا بميراثه، فلأكن معروفًا بميراثي.” بريدجز (Bridges)
· وَرِثْتُ شَهَادَاتِكَ إِلَى ٱلدَّهْرِ: “كان وريثًا لهذه الشهادات. فقد ورثها عن آبائه. وكان مصمّمًا على أن يتركها لعائلته إلى الأبد. فإذا لم يستطع المرء أن يترك لابنه إلا كتابًا مقدسًا، فقد أورثه أعظم كنز في الكون.” كلارك (Clarke)
٢. عَطَفْتُ قَلْبِي لِأَصْنَعَ فَرَائِضَكَ إِلَى ٱلدَّهْرِ إِلَى ٱلنِّهَايَةِ: يؤكد صاحب المزمور الفكرة الرئيسية مرة أخرى. فهو لن يتخلى عن كلمة الله. فلن يتوقف أبدًا عن قراءتها وتعلُّمها، والتأمل فيها، وعلى نحو خاص، طاعتها.
· “لاحظ أين يبدأ عمله – لا بالعين أو بالأذن أو باللسان – بل بالقلب.” بريدجز (Bridges)
· تنتهي الحركة كلها بإعلان تتوجب قراءته في ضوء التوكيد الافتتاحي، والخبرة والحاجة التاليتين. إنه التكريس للتفرغ للعمل بإرادة الله حتى النهاية.” مورجان (Morgan)
· أحس المؤمن بأن كل خطوة تنطوي على خطر. ولهذا صرخ طالبًا سراجًا لرجليه ونورًا لسبيله. ومع كل خطوة محفوفة بالخطر، كيف كان يأمل أن يحتمل إلى الدهر، إلى النهاية؟ يستطيع ذلك لأن نفس الإله الذي ينيره ويحفظه لخطوة واحدة سيفعل هذا مع كل خطوة أخرى، إلى النهاية.
خامس عشر. السين (Samek ס): مسنود ومدعوم من كلمة الله
يشير الحرف الخامس عشر العبري “السين” (Samek) إلى دعامة أو عامود. ويتفق هذا مع مضمون القسم الأول من القصيدة، حيث يتضرع مرتين إلى الله أن يثبّت عبده (١١٩: ١١٦ – ١١٧). سبيرجن (Spurgeon)، نقلًا عن نيل وليتلديل (Neal and Littledale)
أ ) الآيات (١١٣-١١٤): الحماية الموجودة في كلمة الله.
١١٣ٱلْمُتَقَلِّبِينَ أَبْغَضْتُ، وَشَرِيعَتَكَ أَحْبَبْتُ. ١١٤سِتْرِي وَمِجَنِّي أَنْتَ. كَلَامَكَ ٱنْتَظَرْتُ.
١. ٱلْمُتَقَلِّبِينَ أَبْغَضْتُ، وَشَرِيعَتَكَ أَحْبَبْتُ: عرف صاحب المزمور الإحباط الناتج عن التعامل مع المترددين أو غير الثابتين أو ذوي الرأيين (ٱلْمُتَقَلِّبِينَ) في طرقهم. كانوا غير واضحين وغير مكرسين في حياتهم. وبالمقابلة، فإن شريعة الله واضحة وأكيدة ويقينية.
· “المتقلّبون أو ذوو الرأيين تعبير مشابه لتعبير العرج بين الفرقتين الذي استخدمه إيليا (١ ملوك ١٨: ٢١).” كيدنر (Kidner)
· “المتقلبون أو ذوو الرأيين أشخاص يعرفون كلمة الله، لكنهم غير مصممين بشكل كامل على عبادته وخدمته. وهم يريدون كلًّا من الله والعالم. يريدون مزايا الدين الصحيح، لكنهم يريدون خطيتهم أيضًا. ويبغض صاحب المزمور هذا التردد أو التقلب في نفسه أيضًا.” بويس (Boice)
· وَشَرِيعَتَكَ أَحْبَبْتُ: “عندما تحب الشريعة، يصبح هذا شريعة محبة، ونحن نتمسك بها بكل القلب.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. سِتْرِي وَمِجَنِّي أَنْتَ. كَلَامَكَ ٱنْتَظَرْتُ: أصبح الله الذي عرفه صاحب المزمور من خلال كلمته ملجأ (سِتْرِي) في الأوقات العصيبة. فلم يكن منشأ رجائه في كلمة الله مجرد معرفة أكاديمية أو ذهنية. إذ ارتكز على علاقة بالله نفسه والأمان فيه (مِجنّي).
· يتميز الملجأ الجيد بالقوة والارتفاع والقدرة على الإخفاء والموثوقية. ويسوع هو ملجؤنا الآمن، وحصننا عند الفزع.
· “هنالك وقت ربما أُدعى فيه إلى التألم سرًّا. وعندئذٍ تخبّئني. وربما يكون هنالك وقت تدعوني فيه إلى أن أقاتل. وعندئذٍ، تكون مِجَنّي وحاميّ.” كلارك (Clarke)
· “هذه آية اختبارية، وهي تشهد على ما عرفه الكاتب شخصيًّا. لم يكن قادرًا على أن يحارب بأفكاره الخاصة، أو أن يهرب منها، إلى أن هرب إلى إلهه. وهناك وجد الخلاص. لاحظ أنه لا يتحدث عن كلمة الله كدفاع مزدوج، لكنه ينسب هذا إلى الله نفسه.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآية (١١٥): كلمة للأشرار.
١١٥ٱنْصَرِفُوا عَنِّي أَيُّهَا ٱلْأَشْرَارُ، فَأَحْفَظَ وَصَايَا إِلَهِي.
١. ٱنْصَرِفُوا عَنِّي أَيُّهَا ٱلْأَشْرَارُ: في خروج نادر في محادثة صاحب المزمور مع الله حول كلمته، خاطب الأشرار الذين جلبوا له المتاعب الكثيرة. وعرف أن أفضل علاج هو أن يضع مسافة بينه وبينهم، ولهذا طلب منهم بجسارة: ’انصرفوا عني.‘
· كان صاحب المزمور حريصًا على انتقاء أصحابه. فكما يقول المثل: “أرِني أصحابك، وسأريك مستقبلك.”
· “يلتقط المرء صفات جيدة أو سيئة من أصحابهم الذين يعاشرهم. ولهذا ينبغي أن يكون لدينا أصحاب يجعلوننا أكثر حكمة وأفضل، أصحاب لائقين شركة القديسين والملائكة.” هورن (Horne)
· “ليس أننا سننغمس في عزلة كئيبة أو زهدية، بل مطلوب منا بقوة وصراحة أن نتعامل بالكياسة والود واللطف (١ بطرس ٣: ٨)، وأن نسلك بحكمة من جهة الذين هم من خارج (كولوسي ٤: ٥)، بطريقة تزيّن تعليم مخلّصنا الله في كل شيء (تيطس ٢: ١٠). وبالفعل، كانت هذه في بعض الأحيان أقوى من الكلمة نفسها (انظر ١ بطرس ٣: ١-٢)، حيث رُبحت نفوس للمسيح. لكن عندما يجربوننا ليدفعونا إلى خطوة خادعة أو إلى الارتداد – عندما يجذبنا ارتباطنا بهم بعمل من أعمال مشاكلة مقاييسهم بطريقة مناقضة لإيماننا الذي نجاهر به، عندئذٍ يتوجب علينا أن نتخذ موقفًا جسورًا متحدِّيًا.” بريدجز (Bridges)
٢. فَأَحْفَظَ وَصَايَا إِلَهِي: ولهذا أراد مسافة بينه وبين الأشرار. إذ كان مكرسًا للطاعة وحفظ وصايا الله.
· السطر الثاني من هذه الآية مرتبط بقوة بالسطر الأول منها. “بما أنه وجد صعوبة في حفظ وصايا الله في صحبة الأشرار، تخلّى عن معاشرتهم. إذ يتوجب عليه أن يحافظ على الوصايا، لكنه غير مضطر إلى المحافظة على صحبتهم.” سبيرجن (Spurgeon)
· أظهر يسوع نفس الروح عندما قاوم إبليس أثناء تجربته في البرية (متى ٤). إذ أمر إبليس أن ينصرف (متى ٤: ١٠)، مكررًا اعتماده على كلمة الله (متى ٤: ٤، ٧، ١٠).
· “لا تَرِد كلمة ’الله‘ إلا مرة واحدة في هذا المزمور الطويل جدًّا، وهي تأتي مضافة إلى ياء المتكلم، ’إلهي.‘” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (١١٦-١١٧): مدعوم ومسنود من كلمة الله.
١١٦ٱعْضُدْنِي حَسَبَ قَوْلِكَ فَأَحْيَا، وَلَا تُخْزِنِي مِنْ رَجَائِي. ١١٧أَسْنِدْنِي فَأَخْلُصَ، وَأُرَاعِيَ فَرَائِضَكَ دَائِمًا.
١. ٱعْضُدْنِي حَسَبَ قَوْلِكَ فَأَحْيَا: عرف صاحب المزمور أنه لم يكن ليقوى على الصمود أمام أعدائه من دون أن يعضده الله. فمن دون دعم مستمر لله، لن يستطيع أن يحيا، جسديًّا أو روحيًّا.
· كانت الفكرة أن هذا الدعم (ٱعْضُدْنِي) هو حسب كلمة الله. إذ سيكون منسجمًا مع كلمة الله وسيجد مصدره فيها.
· “في العصور الوسطى، في ظل النظام الرهباني البنديكتي، بعد أن تنتهي فترة تحضير المبتدئ ويكون مستعدًّا للارتباط بالدير مدى الحياة، كان يقام احتفال بقبوله بأذرع ممدودة بينما يتلو الراهب المبتدئ مزمور ١١٩: ١١٦ ثلاث مرات…. ويكرر الرهبان الآخرون الكلمات، ثم يرنمون ’المجد للآب والابن والروح القدس…‘ فكانت هذه طريقة للاعتراف بأن التزامات الحياة الرهبانية لا يمكن الحفاظ عليها إلا بعون الله الذي له المجد وحده.” بويس (Boice)
٢. وَلَا تُخْزِنِي مِنْ رَجَائِي: كان بمقدور صاحب المزمور أن يصلي هكذا لأنه وضع رجاءه في المكان الصحيح، حيث وضعه في الله وكلمته (الآيات ٤٣، ٤٩، ٧٤، ٨١، ١١٤). فعندما يوضع رجاؤنا هكذا، يمكننا أن نطلب إلى الله أن يحمينا ويبرّئنا.
٣. أَسْنِدْنِي فَأَخْلُصَ (فأكون سالمًا)، وَأُرَاعِيَ فَرَائِضَكَ دَائِمًا: هذه هي المرة الثانية التي يطلب فيها صاحب المزمور في هذا القسم الموجز من المزمور سندًا من الله، وبشكل خاص من خلال كلمته. وعندما يحصل على هذا الدعم والخلاص (السلامة)، سيستخدمه في مزيد من الطاعة لله.
· من شأن هذا الاعتماد على الله – الصلاة المستمرة ’أَسْنِدْنِي فَأَخْلُصَ‘ – أن يحفظ الإنسان سالمًا.
د ) الآيات (١١٨-١٢٠): دينونة الله البارّة.
١١٨ٱحْتَقَرْتَ كُلَّ ٱلضَّالِّينَ عَنْ فَرَائِضِكَ، لِأَنَّ مَكْرَهُمْ بَاطِلٌ. ١١٩كَزَغَلٍ عَزَلْتَ كُلَّ أَشْرَارِ ٱلْأَرْضِ، لِذَلِكَ أَحْبَبْتُ شَهَادَاتِكَ. ١٢٠قَدِ ٱقْشَعَرَّ لَحْمِي مِنْ رُعْبِكَ، وَمِنْ أَحْكَامِكَ جَزِعْتُ.
١. ٱحْتَقَرْتَ (رفضت) كُلَّ ٱلضَّالِّينَ عَنْ فَرَائِضِكَ: يتحدث صاحب المزمور عن دينونة الله البارّة. وهو يستخدم كلمته (فرائضه) كخط قياس لدينونته، رافضًا كل الذين ينحرفون (ٱلضَّالِّينَ) عَنْ كلمته ومبادئه المعلنة هنا.
٢. كَزَغَلٍ عَزَلْتَ كُلَّ أَشْرَارِ ٱلْأَرْضِ: لله في أحكامه قصد وتأثير تطهيريان. إذ سيطهّر الأرض من الأشرار، حيث سيتعامل معهم كشوائب (زغل) تحتاج إلى إزالة.
· زَغَل: “إنها الحثالة التي تتشكل عند صقل معدن ما، وهي تزال من قِبل الصانع (انظر إشعياء ١: ٢٢؛ إرميا ٦: ٢٨-٣٠؛ حزقيال ٢٢: ١٨-١٩).” فانجيميرين (VanGemeren)
· كَزَغَلٍ: تشبه الخطية الزغل إلى حد كبير:
ü ينتقص الزغل من لمعان المعدن ومجده ويجعله باهتًا.
ü الزغل خداع: ليس فضة، لكنه يبدو كذلك. وليس ذهبًا، لكنه يبدو كذلك.
ü لا يتحسّن الزغل بالنار.
ü الزغل تافه لا قيمة ولا قصد له.
ü وفي واقع الأمر، يضر الزغل بالمعدن، لأنه يمكن أن يؤدي إلى الصدأ، ويجغل المعدن يتآكل.
٣. لِذَلِكَ أَحْبَبْتُ شَهَادَاتِكَ: لأنها تخرج الثمين من الحقير، وتجعل الناس في ظاهرهم كما في باطنهم.” تراب (Trapp)
٤. قَدِ ٱقْشَعَرَّ لَحْمِي مِنْ رُعْبِكَ، وَمِنْ أَحْكَامِكَ جَزِعْتُ: تأمّل صاحب المزمور في أحكام الله البارّة، ونظر إلى حياته، وفهم أنها ليست بارّة بشكل كامل. وسيجعله الارتجاف خوفًا (ٱقْشَعَرَّ لَحْمِي مِنْ رُعْبِكَ) يهرع إلى الله من أجل ذبيحته الكفارية.
· لم يحتفل صاحب المزمور بدينونة الله على الأشرار، بل جعلته يرتجف في خوف مقدس.
· “حضور الله حقيقي بالنسبة لصاحب المزمور حتى إنه يستجيب لله بالجسد والروح. وهو يعيش حياة الطاعة في حضور الله الحي، بينما يتصرف الأشرار كما لو أن الله لا يرى أو يهتم.” فانجيميرين (VanGemeren)
· “ليس أفضل خدّامه معفيين من خوف رهيب في مثل هذه المناسبات. فمشاهد كهذه في رؤى للأنبياء جعلت أجسادهم ترتجف وعظامهم تهتز.” هورن (Horne)
· “لن نرى العالم وقيمه المشوّهة على أنها أشياء فارغة كما هي إلا عندما نرتجف أمام الله المقدس المرتفع. وإذا لم نرتجف أمام الله، فسيبدو نظام العالم رائعًا لنا، وسيستهلكنا بشكل مُسِر.” بويس (Boice)
سادس عشر. العين (ע Ayin): الخادم يطلب الكلمة
أ ) الآيات (١٢١-١٢٢): صلاة من أجل الحماية من المتكبرين.
١٢١أَجْرَيْتُ حُكْمًا وَعَدْلًا. لَا تُسْلِمْنِي إِلَى ظَالِمِيَّ. ١٢٢كُنْ ضَامِنَ عَبْدِكَ لِلْخَيْرِ، لِكَيْلَا يَظْلِمَنِي ٱلْمُسْتَكْبِرُونَ.
١. أَجْرَيْتُ حُكْمًا وَعَدْلًا: كما هو الحال في أقسام أخرى من هذا المزمور، فإن هذا ليس ادعاءً بكمال خالٍ من الخطية. فصاحب المزمور يعبّر بثقة عن حياته البارّة بشكل عام. لقد عرف حياته وحياة مضطهديه، وعرف أن حياته مكرسة لله بينما حياتهم ليست كذلك.
· “ليس هذا النوع من التوسل مستحقًّا للانتقاد على أنه بر ذاتي. فعندما نتعامل مع الله حسب نقائصنا، فإننا نستحق نعمة مختلفة تمامًا عن تلك التي نواجه بها انتقادات الآخرين. وعندما نكون موضوع سؤال، فإننا بلا ذنب تجاههم. ونحن نتبرر بالترافع ببراءتنا.” سبيرجن (Spurgeon)
· هذه الثقة بالحالة الروحية وانفصاله من الذين لم يتبعوا الله أمر جدير بالملاحظة. فقد عرف صاحب المزمور أن حياته مختلفة عن حياة أولئك الذين لم يتبعوا الله. فليس الاختلاف لاهوتيًّا بقدر ما هو اختلاف في الحياة.
· رأى هورن (Horne) في هذه الكلمات شيئًا يمكن ليسوع أن يطالب به. “يستخدم ابن داود الكلمات بمعناها الكامل والمطلق، ويتوسل من أجل قيامة مجيدة على مستوى طاعته المطلقة للشريعة.”
٢. كُنْ ضَامِنَ عَبْدِكَ لِلْخَيْرِ: طلب صاحب المزمور إلى الله أن يدافع عنه وعن موقفه. فلن يستطيع أن يتجنب ظلم المستكبرين إلا من خلال دفاع الله عنه.
· “خذ اهتماماتي وانسجها مع اهتماماتك، ودافع عني. وبما أنك سيدي، تَبَنَّ قضيتي ومَثِّلْني أمام وجوه الرجال المتغطرسين إلى أن يروا أن لديَّ حليفًا جليلًا في الرب إلهي.” سبيرجن (Spurgeon)
· يبيّن هذا دليلًا على أن ادّعاءه السابق بالعدل والبر لم يكن بمعنى مطلق. ولو أنه كان عادلًا وبارًّا بشكل كامل أمام الله، لما طلب أن يكون ضمانًا له، لكنه فعل هذا. “رغم أنه كان مستقيمًا أمام الناس، إلا أنه أحس بأنه خاطئ أمام الله.” بريدجز (Bridges)
· صرخ صاحب المزمور كما فعل أيوب: ’كُنْ ضَامِنِي عِنْدَ نَفْسِكَ‘ (أيوب ١٧: ٣). صلى صاحب المزمور أن يكون الله له ما يمثله يسوع لشعبه، أي ضامنًا للعهد (عبرانيين ٧: ٢٢).
· “… مثل يهوذا مكان بنيامين: ’أَنَا أَضْمَنُهُ. مِنْ يَدِي تَطْلُبُهُ‘ (تكوين ٤٣: ٩).” بريدجز (Bridges)
· “كان ممكنًا أن نُسحَق تحت عدونا المستكبر، إبليس، لولا أن الرب وقف بيننا وبين المشتكي علينا، وصار ضمانًا لنا.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. لِكَيْلَا يَظْلِمَنِي ٱلْمُسْتَكْبِرُونَ: الآية ١٢٢ آية أخرى نادرة لا تذكر كلمة الله بأية طريقة.
· “حسب الباحثين المازوريين اليهود، فإن الآية ١٢٢ هي الوحيدة في هذا المزمور التي لا تذكر كلمة الله. وقد سبق أن رأينا أن الآية ٨٤ أيضًا لا تذكرها على ما يبدو، إضافة إلى الآيات ٩٠ و ١٢١ و ١٣٢.” بويس (Boice)
· ربما تشير حقيقة عدم ذكر الكتاب المقدس في الآية ١٢٢ إلى عمق العذاب الذهني الذي رزح تحته صاحب المزمور نتيجة للقمع الذي احتمله من الرجال الأشرار. ففي لحظة، بدا أن عينيه ارتفعتا عن كلمة الله ووقعتا على مضطهديه الشرسين بدلًا من ذلك.” بويس (Boice)
ب) الآيات (١٢٣-١٢٥): يسعى خادم الله إلى الخلاص في فرائضه.
١٢٣كَلَّتْ عَيْنَايَ ٱشْتِيَاقًا إِلَى خَلَاصِكَ وَإِلَى كَلِمَةِ بِرِّكَ. ١٢٤ٱصْنَعْ مَعَ عَبْدِكَ حَسَبَ رَحْمَتِكَ، وَفَرَائِضَكَ عَلِّمْنِي. ١٢٥عَبْدُكَ أَنَا. فَهِّمْنِي فَأَعْرِفَ شَهَادَاتِكَ.
١. كَلَّتْ عَيْنَايَ ٱشْتِيَاقًا إِلَى خَلَاصِكَ وَإِلَى كَلِمَةِ بِرِّكَ: كانت هذه إشارة أخرى إلى مدى تكريس صاحب المزمور لكلمة الله ومدى تثمينه للخلاص الذي وجده فيها.
· “نظر إلى الله وحده، نظر بشغف، نظر طويلًا، نظر إلى أن أوجعته عيناه. والرحمة هي أنها إذا فشلت عيوننا، فإن الله لا يفشل، ولا تفشل عيناه.” سبيرجن (Spurgeon)
· يبيّن لنا هذا التوقع المنتظر أن الإيمان يأتي قبل الخبرة. فكان صاحب المزمور مستعدًا أن ينتظر بإيمان إلى أن تأتي الخبرة. وسينتظر خلاص الله مهما استغرق وصوله وقتًا.
٢. ٱصْنَعْ مَعَ عَبْدِكَ حَسَبَ رَحْمَتِكَ، وَفَرَائِضَكَ عَلِّمْنِي: فهِم صاحب المزمور أنه عندما يعلّم الله شعبه، فإن هذا دليل على رحمته. فلا يوجد واجب مفروض متأصل ليعلّمنا. لكنه يفعل هذا بدافع من قلبه الرحيم.
٣. عَبْدُكَ أَنَا. فَهِّمْنِي: يدعو صاحب المزمور نفسه للمرة الرابعة في غضون أربع آيات عبدًا لله. وقد فهِم أن هذا يعني أنّ لديه التزامات لله، وأن لدى الله – بصفته سيده – التزامات نحوه. ولهذا كان بمقدوره أن يطلب فهمًا.
· “أجَّرْتُ نفسي لديك طوعًا، واخترت الأشياء التي ترضيك، وتمسكت بالعهد. وهذا هو الأجر الذي أتوق إلى الحصول عليه منك: أن تفهِّمني.” تراب (Trapp)
· “يمكننا أن نتوقع من سيّد أن يعلّم عبده معنى أوامره.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. عَبْدُكَ أَنَا. فَهِّمْنِي فَأَعْرِفَ شَهَادَاتِكَ: أراد صاحب المزمور فهمًا، لا لكي يعرف المستقبل أو بعض الأسرار الخفية في نفسه أو في نفس شخص آخر، بل ليعرف شهادات الله على نحو أفضل.
· آمن صاحب المزمور بأن كلمة الله يمكن أن تُفهم بمساعدة من الله نفسه.
· آمن بأن لكلمة الله أهمية كبيرة لأنها ستؤدي به إلى حكمة وفهم للحياة.
- “من اللافت للنظر أن صاحب المزمور لا يصلّي من أجل الفهم من خلال اكتساب المعرفة، لكنه يتوسل إلى الله أولًا أن يحصل على عطية الفهم، وبعد ذلك يمكنه أن يحصل على التعليم المرغوب فيه.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآية (١٢٦): توسّل إلى الله ليعمل.
١٢٦إِنَّهُ وَقْتُ عَمَلٍ لِلرَّبِّ. قَدْ نَقَضُوا شَرِيعَتَكَ.
١. إِنَّهُ وَقْتُ عَمَلٍ لِلرَّبِّ: نحن نُعجب بجسارة صاحب المزمور. فقد يبدو تقريبًا أن من الوقاحة أن يقول إنسان لله إنه حان الوقت له ليعمل (إِنَّهُ وَقْتُ عَمَلٍ لِلرَّبِّ). غير أن كثيرين ممن يسلكون مع الله يفهمون تمامًا التوسل الذي يقدمه صاحل المزمور باستماتة. فهو محتاج ومعتمد على الله حتى إنه أمرٌ حسن وصائب أن تقدَّم هذه الطلبة بجسارة.
· “لا يتحدث صاحب المزمور وكأنه يحدد وقتًا لله، بل يذكّره بمجده واحتياجات شعبه.” تراب (Trapp)
· صحيح أننا لا نعرف حول طرق توقيت الله. فقد أخطأنا في هذه المسألة كثيرًا. اعتقدنا أنه لا بد لله أن يتصرف الآن، بينما اختار في حكمته ومجده أن يعمل لاحقًا. لكن كل ما يمكننا أن نفعله هو أن نصلي حسب ما نستطيع أن نراه. وعندما نرى الظروف كما رآها صاحب المزمور، فإنه لأمرٌ حسن وصائب أن نقول: إِنَّهُ وَقْتُ عَمَلٍ لِلرَّبِّ.
· “ربما نتوقع من الكاتب أن يقول إن على الله أن يعمل الآن، وإلا فات الأوان، حيث إن مضطهديه سيسحقونه. وبدلًا من أن يتوسل بناء على حالته البائسة، فإنه يناشد الله أن يعمل لأن شريعته تتعرض الآن للكسر.” بويس (Boice)
٢. قَدْ نَقَضُوا شَرِيعَتَكَ (أبطلوا شريعتك كأنها لا شيء): كان الدافع وراء هذا التوسل الجريء ملاحظته أن كثيرين تجاهلوا كلمة الله وشريعته (قَدْ نَقَضُوا شَرِيعَتَكَ). وفي مثل هذه الأوقات، عندما “كُلُّ وَاحِدٍ عَمِلَ مَا حَسُنَ فِي عَيْنَيْهِ” (قضاة ٢١: ٢٥)، فإنه أمر ملائم أن يتوسل شعب الله إليه لكي يعمل.
· “تُنقَض الشريعة أو تُجعل باطلة من قِبل الذين ينكرون سلطتها أو التزاماتهم نحوها، أو الذين يرون أنها بلا فاعلية من خلال تقاليدهم وحياتهم.” هورن (Horne)
· “الإصرار على إبطال (تجاهل) الشريعة بعد إظهار رائع لعمل الله… ألا يتوجب أن يعرّض هذا الأمر المتعدّين على الشريعة لحصد ثمار عنادهم، وأن يستعدوا للقائه كديّان بعد أن رفضوه مخلّصأ؟” بريدجز (Bridges)
د ) الآيات (١٢٧-١٢٨): كلمة الله ثمينة ومستقيمة.
١٢٧لِأَجْلِ ذَلِكَ أَحْبَبْتُ وَصَايَاكَ أَكْثَرَ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْإِبْرِيزِ. ١٢٨لِأَجْلِ ذَلِكَ حَسِبْتُ كُلَّ وَصَايَاكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ مُسْتَقِيمَةً. كُلَّ طَرِيقِ كَذِبٍ أَبْغَضْتُ.
١. لِأَجْلِ ذَلِكَ أَحْبَبْتُ وَصَايَاكَ أَكْثَرَ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْإِبْرِيزِ: رغم أن آخرين عدّوا كلمة الله باطلة، إلا أن صاحب المزمور أحب وصايا الرب أكثر من الذهب، بل أكثر من الذهب المصفّى، الإبريز.
· تذكّر صاحب المزمور أي نوع من الرجال الذين عدّوا كلمة الله باطلة. عندما فكّر في الأشخاص الفظيعين الذين كانوا أعداء لكلمة الله – أشخاص مثل ستالين (Stalin) وهتلر (Hitler) وماو (Mao) – عرف أن كلمة الرب رائعة.
· “أُحبها أكثر لأنهم يستخفون بها. وأنا أثمّنها أكثر كلما اضطهدوني. وأنا أُضرم نفسي ببرودهم.” تراب (Trapp)
· أَكْثَرَ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْإِبْرِيزِ: ’بعد أن يُنقّى الذهب من كل الشوائب ويصير مصقولًا تمامًا.‘ كلارك (Clarke)
· “ألا ينبغي أن أحب وصاياك؟ هل يمكن أن يقدّم لي الذهب أو الإبريز بركات كهذه؟ هل يمكن أن يشفى قلبي المكسور؟ هل يمكن أن يعطيني راحة لروحي المجروحة؟ هل يمكن أن يقدم لي أي شيء من السلام أو التعزية على فراش موتي؟” بريدجز (Bridges)
٢. لِأَجْلِ ذَلِكَ حَسِبْتُ كُلَّ وَصَايَاكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ مُسْتَقِيمَةً: صرّح صاحب المزمور بثقة عظيمة عصمة الكتاب المقدس. إنها مستقيمة وصائبة وصحيحة في كل شيء.
· عندما يعطينا الكتاب المقدس تاريخًا، فإنه صحيح وصائب. فقد حدثت الأحداث كما هي مدونة.
· عندما يعطينا الكتاب المقدس شعرًا، فإنه صحيح وصائب. فالمشاعر والخبرات كانت حقيقية بالنسبة للكاتب، ونحن نحس بصدقها في خبرتنا البشرية.
· عندما يعطينا الكتاب المقدس نُبوّة، فإنه صحيح وصائب. فالأحداث المتنبّأ بها حصلت أو ستحصل كما كُتبت.
· عندما يعطينا الكتاب المقدس إرشادًا، فإنه صحيح وصائب. فهو يخبرنا عن إرادة الله وعن أفضل طريقة للحياة.
· عندما يخبرنا الكتاب المقدس عن الله، فإنه صحيح وصائب. فهو يكشف لنا طبيعة الله وقلبه وفكره قدر ما نستوعب.
٣. كُلَّ طَرِيقِ كَذِبٍ أَبْغَضْتُ: لأن صاحب المزمور أحب كلمة الله ووثق بها إلى هذا الحد، كان من الطبيعي أن يبغض كل طريق كذب. فلم يستطع أن يحب الحق من دون أن يبغض الأكاذيب.
· كما قال يسوع: “لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ ٱلْوَاحِدَ وَيُحِبَّ ٱلْآخَرَ، أَوْ يُلَازِمَ ٱلْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ ٱلْآخَرَ. لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا ٱللهَ وَٱلْمَالَ” (متى ٦: ٢٤).
· “لا يمكننا أن نحب السبيل القويم من دون أن نبغض السبل الخطأ. فهل أنت مستعد أن تبغض ما يبغضه الله؟ فإن لم تفعل ذلك، لن تتعلم أن تحب الله حقًّا. ومن المؤكد أنك تسلك في السبيل الذي يجلب البركة الحقيقية.” بويس (Boice)
· إنه لأمر ذو دلالة أن صاحب المزمور أبغض كل طريق كذب وليس بعضها فقط. “إذا أمسك بك إبليس في خطية واحدة، أليس هذا كافيًا إلى أن يحملك إلى اللعنة؟ عندما يحمل الجزار حيوانًا للذبح، فإنه يربطه بأطرافه الأربعة، وأحيانًا بطرف واحد. وهكذا هو الحال مع إبليس. فرغم أنك لست عبيدًا لكل الخطايا، إلا أن قبضته عليك بتعلُّقك بتلك الخطية كافية لأسرك.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن ويليام كاوبر (William Cowper)
سابع عشر. الفاء (פ Pe): خطوات موجهة من كلمات الله العجيبة
أ ) الآية (١٢٩): إطاعة شهادات الله العجيبة.
١٢٩عَجِيبَةٌ هِيَ شَهَادَاتُكَ، لِذَلِكَ حَفِظَتْهَا نَفْسِي.
١. عَجِيبَةٌ (رائعة) هِيَ شَهَادَاتُكَ: أعلن صاحب المزمور مرة أخرى بكلمة الله ومسرّته بها. فهي مصدر ابتهاج دائم له.
· “كلمة ’عجيبة‘ هنا معادلة لاستخدامنا لكلمة ’معجزية.‘ فهذه الشهادات خارقة، فوق البشر.” مورجان (Morgan)
· هذه الشهادات خارقة في طبيعتها، لأنها بلا خطأ. وهي خارقة في تأثيراتها، حيث تُعلِّم النفس وترفعها وتقوّيها وتعزّيها.
· “يُدعى يسوع، الكلمة الأزلي، عجيبًا. وكل كلمات الله المنطوقة عجيبة في درجتها. والذين يعرفونها يتعجبون منها أكثر من غيرهم. إنه أمر عجيب أن الله أوصل شهادة أصلًا للبشر الخطاة. وأعجب من هذا أن شهادته هذه في طبيعتها واضحة وكاملة ومنعِمة وقوية جدًّا.” سبيرجن (Spurgeon)
· “هنالك ارتفاع وطول وعمق وعرض في كلمتك وشهاداتك مذهلة جدًّا، لِذَلِكَ حَفِظَتْهَا نَفْسِي. وأنا أدرسها بعمق. وكلما درستها حصلت على مزيد من النور والخلاص.” كلارك (Clarke)
· “دعونا لا ندخل في الشهادات كمهمة جافة، أو كدراسة عادية. بل دعنا نركز عقولنا وإيماننا وتواضعنا وصلواتنا في تأمُّل أكثر تفانيًا لها.” بريدجز (Bridges)
٢. لِذَلِكَ حَفِظَتْهَا نَفْسِي: دفعت البهجة الساكنة الدائمة في الكلمة إلى طاعة أكبر. فكانت هذه طاعة أكبر من عمل خارجي. إنها طاعة في النفس.
· “سيضرم الإعجاب المقدس بالشهادات التكريس الروحي لها، لِذَلِكَ حَفِظَتْهَا نَفْسِي.” بريدجز (Bridges)
ب) الآيات (١٣٠-١٣١): قبول الكلمة المُحْيِية.
١٣٠فَتْحُ كَلَامِكَ يُنِيرُ، يُعَقِّلُ ٱلْجُهَّالَ. ١٣١فَغَرْتُ فَمِي وَلَهَثْتُ، لِأَنِّي إِلَى وَصَايَاكَ ٱشْتَقْتُ.
١. فَتْحُ (دخول) كَلَامِكَ يُنِيرُ: يكرر صاحب المزمور أن كلمة الله جلبت له نورًا له. إذ جعل كلام الله الأشياء أكثر لا أقل وضوحًا. فعندما تدخل الكلمة، فإنها تحمل معها النور والوضوح.
· “الكلمة العبرية المترجمة إلى ’دخول‘ (’فتْح‘ بالعربية)، هي Pethac ويتغير المعنى حسب طريقة صوت العلة E فإذا لُفظت قصيرة، فإنها تعني ’باب،‘ وإذا لُفظت طويلة، فإنها تعني ’إعلان.‘ وقد اعتقد مارتن لوثر (Martin Luther) أن لها علاقة بالإعلان، ولهذا جاءت ترجمته: ’عندما تُعلن كلمتك‘” بويس (Boice)
· “إن تفسير هذا المعنى المزدوج هو أنه في الأيام الأولى لتشكُّل اللغة العبرية، كان اليهود بدْوًا يسكنون الخيام. فكانت الفتحة الوحيدة في الخيمة قطعة الجلد الخفّاقة التي كانت بمثابة الباب. وعندما كان يُفتح الباب، كان النور يدخل الخيمة منيرًا كل شيء في الداخل.” بويس (Boice)
· “إنه لأمر مؤلم أن نتذكر مقدار النور الذي يسطع حولنا من كل جانب من دون إيجاد مدخل إلى القلب.” بريدجز (Bridges)
· “لا تجد الكلمة مدخلًا إلى بعض العقول لأنها محجوبة بالغرور الذاتي، أو التحامل، أو اللامبالاة. لكن حيثما يُعطى اهتمام، لا بد أن يتبع التنوير الإلهي بمعرفة فكر الله.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. يُعَقِّلُ ٱلْجُهَّالَ: كلمة الله واضحة جدًّا، وهي تعطي نورًا وفهمًا حتى للبسطاء. ولا يتطلب الأمر ذكاء عظيمًا أو قوة ذهنية للاستفادة من كلمة الله.
· “هذا أحد الأمثلة اللافتة للنظر للتنازل الإلهي، كيف أن هذه الكلمة – العجيبة في أسرارها العالية السماوية – تفتح سبيلًا للبسطاء حتى يستطيع غير المتعلمين أن يجدوها ويسلكوا فيها.” بريدجز ((Bridges
· “إن قوة هذا النور السماوي مذهلة حتى إن طفلًا (الجُهّال – البسطاء) يستطيع من صفحة واحدة أن يحصل على تعليم أكثر مما يمكن أن يحصل عليه أكثر الفلاسفة ذكاء من أي ينبوع من النور.” بريدجز (Bridges)
· “كثيرًا ما يُحتقر بسطاء القلب هؤلاء. إذ لبساطتهم معنى آخر مرتبط لهم، حيث يصبحون موضوع سخرية. لكن ما أهمية ذلك أصلًا؟ فالأشخاص الذين يصفهم العالم بأنهم حمقى بين الحكماء حقًا إذا علّمهم الله.” سبيرجن (Spurgeon)
ü هذه بركة للبسطاء. فالله لا ينساهم. فلم يجعل الخلاص أو النمو في التقوى مسألة مرتبطة بقوة الذهن.
ü هذا وعد للبسطاء. فهم يستطيعون أن يتعاملوا مع كلمة الله بثقة، متوقعين أن يعطيهم فهمًا.
ü هذه مسؤولية للبسطاء. فلا يستطيعون أن يختلقوا أعذارًا بسبب قدرتهم الذهنية المتوسطة أو الضعيفة. فهم مسؤولون عن طلب الله في كلمته.
٣. فَغَرْتُ فَمِي وَلَهَثْتُ، لِأَنِّي إِلَى وَصَايَاكَ ٱشْتَقْتُ: لأن كلمة الله منيرة وواضحة (واضحة حتى للبسطاء)، فقد اشتهاها صاحب المزمور كما يشتهي حيوان ظامئ الماء.
· ربما يلهث لأنه عطشان، أو يلهث محاولاً استنشاق الهواء. لكن اللهاث يدل دائمًا على رغبة.
· “هذه استعارة مأخوذة من حيوان منهك في مطاردة. وهو يركض مفتوح الفم ليأخذ هواء باردًا، ونبْض قلبه عالٍ، وقد استهلك الإنهاك قوته العضلية. سعى صاحب المزمور إلى الخلاص كما لو أنه يهرب من حيوان شرس طلبًا للنجاة. ولا توجد صورة أقوى من هذه تدل على جديته.” كلارك (Clarke)
· إِلَى وَصَايَاكَ ٱشْتَقْتُ: “لا يمكن أن يعني هذا أي شيء غير أنه اشتاق إلى أن يعرفها، وأن يحفظها، وأن يعلّمها، ويجعل الذين حوله يطيعونها. يشتاق متدينون كثيرون إلى الوعود، وهم يفعلون هذا بشكل حسن. لكن لا يتوجب أن ينسوا أنه ينبغي لديهم اشتياق مساوٍ للوصايا.” سبيرجن (Spurgeon)
· لكن الشوق الذي لا يتبعه عمل لتحقيقه هو أقرب إلى التمنّي منه إلى الشوق. وكما لاحظ سبيرجن، (Spurgeon) فإن الشوق يُظهر نفسه في العمل. “لا تَقْنَعْ بمجرد أشواق. فمن يشتاق حقًّا لا يَقْنع بالشوق.”
ج) الآيات (١٣٢-١٣٥): أربع طلبات متجذرة في كلمة الله.
١٣٢ٱلْتَفِتْ إِلَيَّ وَٱرْحَمْنِي، كَحَقِّ (كعادة) مُحِبِّي ٱسْمِكَ. ١٣٣ثَبِّتْ خُطُوَاتِي فِي كَلِمَتِكَ، وَلَا يَتَسَلَّطْ عَلَيَّ إِثْمٌ. ١٣٤ٱفْدِنِي مِنْ ظُلْمِ ٱلْإِنْسَانِ، فَأَحْفَظَ وَصَايَاكَ. ١٣٥أَضِئْ بِوَجْهِكَ عَلَى عَبْدِكَ، وَعَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ.
١. ٱلْتَفِتْ إِلَيَّ وَٱرْحَمْنِي: هذا الطلب في واقع الأمر طلبان: فهو يطلب إلى الله أن يلتفت إليه، ثم أن يرحمه. وكان لدى صاحب المزمور سبب للاعتقاد أن الرب سيستجيب له، عارفًا عادة الله تجاه محبّي اسمه (كَحَقِّ (كعادة) مُحِبِّي ٱسْمِكَ).
· إنه لأمر عادة أن نعتقد أن لله عادة، نمطًا من العمل تجاه محبي اسمه. وهذه العادة هي أن يلتفت إليهم (معطيًا انتباهه لهم) ليرحمهم. وهذا الوعد أساس متين للثقة بالله والصلاة الجسور عند الحاجة.
· التفت… ارحم: غير أن التفات الله – توجيه انتباهه – سيكون لعنة إذا لم يكن مصحوبًا برحمته. فإذا كان لدينا الأول، فسنرغب في الثاني.
· “يا رب، بما أن نظرتنا إليك غالبًا ما تكون سطحية جدًّا، وباردة جدًّا، وبعيدة جدًّا بحيث لا تترك أثرًا في القلب، نرجو أن تتنازل دائمًا بالالتفات إلينا برحمة وقوة.” بريدجز (Bridges)
· “أيها الإخوة، هنالك ميزة عظيمة في الالتفات إلى المسيح. فهو طريق الخلاص. فأية ميزة لا بد أن تكون في نظرة محبة المسيح لنا!” سبيرجن (Spurgeon)
· محبّي اسمك: أن يحبوا اسمك يعني أن…
ü يحبوا شخص الله
ü يحبوا طبيعة الله الأبدية
ü يحبوا إعلان الله
ü يحبوا مجد الله
٢. ثَبِّتْ خُطُوَاتِي فِي كَلِمَتِكَ: تبيّن الطلبة الثانية ما أراد صاحب المزمور أن يفعله برحمة الله التي ينالها. إذ أراد أن يأخذها ويستخدمها للسلوك أمام الله باستفامة. ويتمثل جزء من هذا في أن لا يتسلط عليه أي إثم.
· يريد كثيرون أن توجَّه خطواتهم بشيء غير كلمة الله:
ü “ثَبِّتْ خُطُوَاتِي فِي كَلِمَتِكَ حسب مشاعري.”
ü “ثَبِّتْ خُطُوَاتِي فِي كَلِمَتِكَ حسب شهواتي.”
ü “ثَبِّتْ خُطُوَاتِي فِي كَلِمَتِكَ حسب أصدقائي.”
ü “ثَبِّتْ خُطُوَاتِي فِي كَلِمَتِكَ حسب والديّ.”
ü “ثَبِّتْ خُطُوَاتِي فِي كَلِمَتِكَ حسب ظروفي.”
ü “ثَبِّتْ خُطُوَاتِي فِي كَلِمَتِكَ حسب مصيري.”
ü “ثَبِّتْ خُطُوَاتِي فِي كَلِمَتِكَ حسب راحتي.”
· الفكرة في النص العبري، حسب سبيرجن (Spurgeon)، هي ’ثَبِّتْ خُطُوَاتِي فِي كَلِمَتِكَ‘ (حسب النص العربي). يمكنك المضي في الحياة بثقة عندما نجد اتجاهًا في كلمة الله.
· “سيُحفظ صاحب المزمور من كل تذبذب أو تردد أو انحراف. بل يريد – عندما يكون مستقيمًا – أن يكون مستقيمًا بثبات، وبشكل مميَّز وقاطع. ولهذا فإنه يتوسل: ثَبِّتْ خُطُوَاتِي فِي كَلِمَتِكَ. كم نترنح في طريقنا! نحن نفعل الصواب، لكننا نرتعش ونهتز بينما نفعل هذا.” سبيرجن Spurgeon
· كان صاحب المزمور حكيمًا عندما فهِم أن الخطية يمكن أن تهيمن على الإنسان حتى لو كانت حياته الروحية قوية. وقد أدرك الرسول بولس الخطر نفسه: “كُلُّ ٱلْأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ ٱلْأَشْيَاءِ تُوافِقُ. «كُلُّ ٱلْأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لَكِنْ لَا يَتَسَلَّطُ عَلَيَّ شَيْءٌ” (١ كورنثوس ٦: ١٢).
· ستحاول الخطية، إذا لم نردعها، أن تكسب هيمنة في حياتنا. قد يحدث هذا في ناحية صغيرة تبدو غير مهمة، لكن تلك الهيمنة ستنمو في الحجم والقوة إلى أن تتسم حياتنا الروحية بالتنازل والمساومة بشكل خطير.
· “أفضّل أن أكون سجينًا لإنسان طوال عمري على أن أكون في عبوديتي للخطية يومًا واحدًا. لا يعني هذا: لا أدع هذا الإنسان أو هذا أن يتحكم بي. لكنه يعني “لا يَتَسَلَّطْ عَلَيَّ إِثْمٌ.” لقد أحسن التعبير!” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن مايكل بروس (Michael Bruce)
· لكن عندما تكون خطواتنا موجهة من كلمة الله، سنتجنب هيمنة الخطية، ويمكننا أن نتحرر من أي مستوى من الهيمنة يمكن أن تحرزه الخطية.
· لهذه الصلاة أسس أعظم للثقة في العهد الجديد. “دعنا نلاحظ كيف أن وعد الإنجيل يسوّغ هذه الصلاة: ’فإِنَّ ٱلْخَطِيَّةَ لَنْ تَسُودَكُمْ، لِأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ ٱلنِّعْمَةِ‘ (رومية ٦: ١٤، مع الآية ١٢).” بريدجز (Bridges)
· “أيها الإخوة، يمكننا أن نتغلب على الخطية بقوة الرب… الخطية قوية، لكن النعمة أقوى. إبليس حكيم، لكن الله كلّيّ الحكمة. والرب هو إلى جانبنا.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. ٱفْدِنِي مِنْ ظُلْمِ ٱلْإِنْسَانِ: تقر الطلبة الثالثة بوجود أخطار تتجاوز هيمنة الخطية في حياة صاحب المزمور الروحية. إذ توجد أخطار من ظلم الإنسان، من الذين يقاومون ويقمعون.
· من الملاحظ أن صاحب المزمور طلب هذا لكي يحفظ وصايا الله. لم يطلب حرية من ظلم الإنسان لكي يخدم نفسه، بل ليطيع الله بشكل لائق.
٤. أَضِئْ بِوَجْهِكَ عَلَى عَبْدِكَ: الطلبة الرابعة هي من أجل أن يختبر نعمة الله وصلاحه. فعندما يضيء الله بوجهه عليك يعني أنك في سلام معه وأنه في سلام معك.
د ) الآية (١٣٦): حزن على آخرين لا يحفظون شريعة الله.
١٣٦جَدَاوِلُ مِيَاهٍ جَرَتْ مِنْ عَيْنَيَّ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْفَظُوا شَرِيعَتَكَ.
١. جَدَاوِلُ مِيَاهٍ جَرَتْ مِنْ عَيْنَيَّ: هذا مثال جيد للمبالغة الشعرية في المزامير. فرغم عدم جريان أنهار فعلية على وجه صاحب المزمور، إلا أنه تكلّم حسب الأسلوب الأدبي الشعري. ولا توجد أية مشكلة في فهم معناها.
· “تعبير ’جداول مياه‘ [حرفيًّا ’قنوات ري‘ – انظر مزمور ١: ٣] مبالغة شعرية للدلالة على الحزن العميق وعذاب النفس.” فانجيميرين (VanGemeren)
· “تُظهر الدموع الرأفة، والرأفة تربح الناس بشكل أكثر فاعلية من الحجج العدائية أو على نحو خاص الغضب.” بويس (Boice)
٢. لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْفَظُوا شَرِيعَتَكَ: لم يحزن صاحب المزمور على متاعبه، بل على خطايا آخرين وعلى العواقب التي تأتي بها. فكما حزن يسوع على أورشليم (متى ٢٣: ٣٧-٣٩)، وعلى قلوب القادة الدينيين (مرقس ٣: ٥)، كذلك حزن صاحب المزمور هنا.
· “يحزنني أن أرى شريعتك منتهكة، والمتعدّين عليها لا يكترثون لخيرهم الأبدي.” تراب (Trapp)
· “… دموع كثيرة دائمة، وهي شهادة على حزن عميق على إهانتهم لله وعلى استياء الرب، وعلى التعاسات التي يجلبها الخطاة على أنفسهم.” بوله (Poole)
· “غياب هذا التعاطف سمة من سمات القساوة والتكبر، وهي لطخة في المناداة بالإنجيل… ويشكل نفس التعاطف والتوق حياة الجهد الإرسالي ونبضه وقوّته. وقد ميّز هذا خدام الرب المبجلين الذين كرّسوا وقتهم وصحّتهم ومواهبهم وكل ما فيهم.” بريدجز (Bridges)
· “تشير خبرة هذه الآية إلى تقدم عظيم على أي شيء كان لدينا من قبل. فالمزمور وصاحبه ينموان. فهذا الإنسان مؤمن ناضج يحزن بسبب خطايا الآخرين.” سبيرجن (Spurgeon)
ثامن عشر. الصاد (Tsadde צ): نقاوة كلمة الله وصدقها
“يشبه صوت الحرف الأولي الذي تبدأ به كل آية في هذا القسم الكلمة العبرية الدالّة على البر. فكلمتنا الرئيسية هي البر.” سبيرجن (Spurgeon)
أ ) الآيات (١٣٧-١٣٨): بر الله وكلمته.
١٣٧بَارٌّ أَنْتَ يَا رَبُّ، وَأَحْكَامُكَ مُسْتَقِيمَةٌ. ١٣٨عَدْلًا أَمَرْتَ بِشَهَادَاتِكَ، وَحَقًّا إِلَى ٱلْغَايَةِ.
١. بَارٌّ أَنْتَ يَا رَبُّ، وَأَحْكَامُكَ مُسْتَقِيمَةٌ: فَهِم صاحب المزمور أن معدن الله الأدبي أُظهِر في كلمته (أحكامك). وهنا، فإن كلمة الله إعلان دقيق من الله، لا عن أفكاره فحسب، بل أيضًا عن معدنه الأدبي.
· يمكننا أن نقول إن كلمة الله المكتوبة إظهار غير مكتمل لمعدنه الأدبي وطبيعته، أي أن هنالك في الله أكثر مما نحصل عليه من كلمته المكتوبة. لكن ما نحصل عليه من كلمته المدونة دقيق ويُظهر بشكل صحيح هويته وطبيعته.
· يمكننا القول إن الله الموجود فعلًا ليس مختلفًا عن إعلانه المكتوب لنا. وهو أعظم مما يمكن استيعابه من خلال كلمته المكتوبة، لكنه غير مختلف عما هو معلن لنا من خلال كلمته.
· “يبدأ هذا القسم بتكرار بر الله، وهو ينتهي بتوكيد كلمته. وفي وسط هذا، يندب صاحب المزمور متاعبه.” فانجيميرين (VanGemeren)
٢. عَدْلًا أَمَرْتَ بِشَهَادَاتِكَ: يكرر صاحب المزمور الفكرة الموجودة في الآية السابقة لغرض التوكيد. وتعكس كلمة الله المكتوبة كلًّا من طبيعته الأدبية وحقيقة أمانته.
· “قوة هذا التعبير أضعف بكثير من التعبير الأصلي العبري الذي يمكن أن يُتَرجم هكذا: ’أنت أمرتَ بالبر، شهاداتك وحقك إلى الغاية.‘ هكذا تقول الترجمة السبعونية. كان البر والحق شهاداته. والشهادات واحدة مع بره وحقه.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن ستيفن (Stephen)
· كلمة الله مفيدة على نحو خاص لإثبات أمانته الشديدة. فغالبًا عندما ما نحكم على أمانة شخص ما، فإننا ننظر إن كان كلامه منسجمًا مع أفعاله. كان بمقدور صاحب المزمور، إلى جانب مؤمنين كثيرين عبر القرون أن يقول إن كلام الله منسجم وثابت مع أعماله، وإنها تبيّن أنه أمين جدًّا.
· “تتناسب الثقة بكلمة الله بشكل مباشر مع ثقة المرء بالرب نفسه.” فانجيميرين (VanGemeren)
· “يعكس الكتاب المقدس معدن الله الأدبي. ولهذا، على أي شخص مهتم بمعرفة ما هو بار، ويريد أن يتصرف ببر أن يدرس الكتاب المقدس.” بويس (Boice)
ب) الآيات (١٣٩-١٤٠): حماسة ومحبة لكلمة الله.
١٣٩أَهْلَكَتْنِي غَيْرَتِي، لِأَنَّ أَعْدَائِي نَسُوا كَلَامَكَ. ١٤٠كَلِمَتُكَ مُمَحَّصَةٌ جِدًّا، وَعَبْدُكَ أَحَبَّهَا.
١. أَهْلَكَتْنِي غَيْرَتِي، لِأَنَّ أَعْدَائِي نَسُوا كَلَامَكَ: كلما رفض أعداء صاحب المزمور كلمة الله، ازداد حماسة وتصميمًا على التمسك بها. إذ حرص على إكرام كلمة الله حتى لو لم يفعل الآخرون هكذا.
· توحي كلمة ’غَيْرَتِي‘ بالطاقة والعمل. فلم يكن تقدير صاحب المزمور لكلمة الرب سلبيًّا. إذ أحدثت كلمة الله الحية النشطة استجابة لديه.
· “وهكذا نرى أن كل إنسان يلتهب بحماسة من نوع ما. فالسكير يلتهب حماسة بالسُّكْر، والقوّاد يلتهب حماسة بدعارته، والهرطوق يلتهب حماسة بهرطقاته. فكم ينبغي لنا أن نخجل في افتقارنا إلى الحماسة إلى كلمة الله! يا لها من مزية رائعة أن تستغرقنا المحبة والحماسة لشيء صالح.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن جرينهام (Greenham)
· “كان هذا تقدير صاحب المزمور لشهادات إلهه، حيث استغرق الحزن روحه عندما لاحظ أن كلمة الله تُهمَل. كان ممكنًا أن يحتمل أن ينساه أعداؤه، لكن حماسته لم تحتمل أن تُنسى كلمة الله.” بريدجز (Bridges)
· يذكّرنا هذا بالنص الذي تذكّر فيه التلاميذ الوقت الذي قام فيه يسوع بتطهير ساحات الهيكل من التجار والصيارفة في بداية خدمته (يوحنا ٢: ١٣-١٧). ففي ذلك الوقت تذكروا ما تقوله مزمور ٦٩: ٩ ’غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي.‘ ويعكس نفس الفكرة، ويعكس نفس الحماسة التي كانت لدى يسوع عندما طهّر ساحات الهيكل. فقد نسوا كلام الله.
· “نَسُوا كَلَامَكَ، أي أنهم احتقروها وعصوها. ويدعى هذا نسيانًا. كما أن تذكُّرها يعني أنهم أحبوها ومارسوها.” بوله (Poole)
٢. كَلِمَتُكَ مُمَحَّصَةٌ جِدًّا، وَعَبْدُكَ أَحَبَّهَا: فهِم صاحب المزمور كلمة الله وقدّر نقاوتها. وهي في كتابتها الأصلية نقية تمامًا (مُمَحَّصَةٌ جِدًّا)، حيث أوحى بها الرب. وفضلًا عن ذلك، لدينا نسخ لتلك الكتابات الأصلية، وهي أيضًا ممحّصة، لأنها نسخ موثوقة للغاية.
· مُمَحَّصَةٌ: “تعني في الأصل مجرًّبة ومصفّاة مثل الذهب في الأتون، كاملة بشكل مطلق، من دون زغل من البطلان أو إمكانية الخطأ. – وهذه أمور تمتلئ بها كتابات البشر. وكلما جرّبنا الوعود، وجدناها أكثر يقينًا.” هورن (Horne)
· “لا يوجد في كلمة الله أي خليط من الخطأ أو الخطية. إنها ممحّصة في معناها، ممحّصة في لغتها، ممحصّة في روحها، ممحّصة في تأثيرها… وكل هذا للغاية. ’ممحصة جدًّا.‘” سبيرجن (Spurgeon)
· بالنسبة للكتابات العبرية، تم الحفاظ على جودة النص من خلال ممارسات دؤوب من قِبل كتبة محترفين. ويقول باحثون مثل جوش ماكدويل (Josh McDowell) في كتابه ’برهان يتطلب قرارًا‘ إنهم اتبعوا الممارسات التالية في إعداد المخطوطات ونسخها.
ü كان الرّقّ لا يُصنع إلا من جلد حيوانات طاهرة، ولا بدّ أن يُعَد من قِبل شخص يهودي فقط. وكانت الجلود تُربط معًا بخيوط مأخوذة من حيوانات طاهرة.
ü كان لا بدّ أن يكون لكل عامود ما لا يقل عن ٤٨ سطرًا ولا يتجاوز ٦٠ سطرًا. وكان لا بد من تسطير الرق بأكمله قبل بدء الكتابة.
ü كان لا بد أن يكون الحبر أسود فقط، وكان لا بد إعداده حسب وصفة خاصة.
ü لم يكن مسموحًا أن تُكتب كلمة واحدة أو حرف واحد من الذاكرة. إذ كان يتوجب أن يكون للكاتب نسخة أصلية أمامه. وكان عليه أن يقرأ ويلفظ كل كلمة بصوت عالٍ قبل الكتابة.
ü كان مطلوبًا منه أن يمسح قلمه بوقار قبل أن يكتب كلمة الله (إيلوهيم)، وأن يغسل جسده كله قبل كتابة كلمة الرب (يهوه) لئلا يدنّس الاسم المقدس.
ü وُضعت قواعد صارمة حول أشكال الحروف، والمسافات بين الحروف والكلمات والأقسام، واستخدام القلم، ولون الرق، وما إلى ذلك.
ü كان لابد من مراجعة اللفة كلها في غضون ٣٠ يومًا من اكتمال العمل، وإلا كانت بلا قيمة. وكان وجود خطأ واحد في الصفحة كافيًا لشطبها وإتلافها كاملة. وإذا وُجدت ثلاثة أخطاء في أي قسم أكبر، كانت المخطوطة كلها تُتلف.
ü تم عد كل كلمة وكل حرف ، وإذا تم حذف حرف ، أو تم إدخال حرف إضافي ، أو إذا لامس أي حرف الآخر ، فقد تم شجب المخطوطة وإتلافها
· تمّ إثبات دقة نص المخطوطة العبرية. فحتى عام ١٩٤٧، كانت أقدم المخطوطات العبرية تعود إلى القرن التاسع الميلادي. وفي عام ١٩٤٧، كشف اكتشاف مخطوطات البحر الميت وجود وثائق تعود إلى ١٥٠-٢٠٠ قبل الميلاد. ولدى مقارنة المخطوطات التي فصلت بينها ألف سنة تقريبًا – لم تكن إلا اختلافات قليلة بسيطة. ويبيّن هذا الممارسات الدؤؤب للكتبة المحترفين الذين حفظوا نصوص الأسفار العبرية المقدسة.
· وفي ما يتعلق بالأسفار المقدسة اليونانية (العهد الجديد)، يوجد معدّل مذهل مشابه من الدقة. فبسبب العدد الهائل من المخطوطات اليونانية القديمة ونوعيّتها، ووجود نسخ مبكرة نسبيًّا، يقول الباحثون إن معدّل الخطأ المحتمل هو بين ٠.٥% إلى ٢%.
· “يقول دانيال والاس (Daniel Wallace)، أخصائي العهد الجديد، إنه رغم أنه توجد حوالي تنويعات فردية تصل إلى ٣٠٠,٠٠٠ لنص العهد الجديد، إلا أن هذا الرقم مضلل. فمعظم هذه الاختلافات غير ذات بال على الإطلاق، ما بين أخطاء إملائية وشبه جمل معكوسة، وما إلى ذلك. وتُظهر المقارنة بين عائلتي النصوص الرئيسية للعهد الجديد (أغلبية النص والنص النقدي الحديث) اتفاقًا كاملًا بنسبة ٩٨%.” جريج كوكل (Greg Koukl)
· أمّا الاختلافات الباقية، فقد تعرضت للنقد النصّي النشط. وحسب ما يقوله جيسلر (Geisler) ونيكس (Nix) في كتابهما ’مقدمة عامة للكتاب المقدس‘ إن هذا يعني أن ٩٩.٥% من العهد الجديد نقيّ نصّيًّا. فمن بين ٢٠,٠٠٠ سطر من العهد الجديد، فإن ٤٠ سطرًا موضع شك. وتمثل هذه السطور الأربعون ٤٠٠ كلمة تقريبًا، وليس لأي منها تأثير في أية عقيدة مهمة من الإيمان المسيحي.
· وبالفعل، كَلِمَتُكَ مُمَحَّصَةٌ جِدًّا، وَعَبْدُكَ أَحَبَّهَا. ينطبق هذا على كل من المخطوطات الأصلية والنسخ الموثوقة للغاية التي بين أيدينا من الأسفار العبرية واليونانية. “ولهذا، وبسبب النقاوة والقداسة، فإن الأشرار يحتقرونها أو يبغضونها.” بوله (Poole)
٣. كَلِمَتُكَ مُمَحَّصَةٌ جِدًّا، وَعَبْدُكَ أَحَبَّهَا: يعطينا الكتاب المقدس أسبابًا لا حصر لها تقريبًا تدفعني إلى محبة كلمة الله والله الذي أعطاها:
· إنها كلمة الرب (تكوين ١٥: ١)
· إنها كلمة الله (لوقا ٨: ١١)
· إنها كلمة الملكوت متى ١٣: ١٩)
· إنها كلمة الخلاص (أعمال الرسل ١٣: ٢٦)
· إنها كلمة النعمة (أعمال الرسل ١٤: ٣)
· إنها كلمة الإنجيل (أعمال الرسل ١٥: ٧)
· إنها كلمة الإيمان (رومية ١٠: ٨)
· إنها كلمة الصليب (١ كورنثوس ١: ١٨)
· إنها كلمة المصالحة (٢ كورنثوس ٥: ١٩)
· إنها كلمة الحق ٢ كورنثوس ٦: ٧)
· إنها كلمة الحياة (فيلبي ٢: ١٦)
· إنها كلمة المسيح (كولوسي ٣: ١٦)
· إنها كلمة قوّته (عبرانيين ١: ٣)
ج) الآيات (١٤١-١٤٢): التمسك بقوة بالكلمة الحقيقية.
١٤١صَغِيرٌ أَنَا وَحَقِيرٌ، أَمَّا وَصَايَاكَ فَلَمْ أَنْسَهَا. ١٤٢عَدْلُكَ عَدْلٌ إِلَى ٱلدَّهْرِ، وَشَرِيعَتُكَ حَقٌّ.
١. صَغِيرٌ أَنَا وَحَقِيرٌ، أَمَّا وَصَايَاكَ فَلَمْ أَنْسَهَا: أحس صاحب المزمور بأنه غير ذي بال في تقديره الخاص (صغير)، وفي تقدير الآخرين (محتقر)، غير أنه وجد تعزية وقوة في تذكُّر كلمة الله.
· نفكر في أشخاص كانوا صغارًا ومحتقرين (مثل الشاب داود – ١ صموئيل ١٦: ١٠-١٣، ورجل كبير السن، مثل بولس – ٢ كورنثوس ١١)، غير أنهم وجدوا شجاعة في الله، وفهموه من خلال كلمته.
· يبيّن لنا هذا أيضًا أن صاحب المزمور لم يكن ليهمل كلمة الله حتى عندما يصاب بالاكتئاب والقنوط. ليس الإحساس بالصِّغر والاحتقار أمرً جيدًا، غير أنه تذكّر كلمة الله عندما أحس بهذا. ومن الشائع أن نهرب مما نحتاج إليه بالضبط عندما نحس بأننا صغار ومحتقرون.
٢. عَدْلُكَ عَدْلٌ إِلَى ٱلدَّهْرِ (برّك برّ أبدي)، وَشَرِيعَتُكَ حَقٌّ: ذكر صاحب المزمور بثقة طبيعة الله البارة الأبدية. فهو بارّ ولن يتغير. وفي ما يتصل بذلك، أعلن أن الإله غير المتغير هذا أعطانا كلمته (شريعتك)، وهي حق.
· عَدْلُكَ عَدْلٌ إِلَى ٱلدَّهْرِ (برّك برّ أبدي): “هذا هو فرح القديسين ومجدهم، أن الله سيبقى كما هو، وأن طريقة تعامله مع أبناء البشر ثابتة. فبعد أن حفظ وعوده، وتعامل بالعدل والبر بين شعبه، سيفعل هذا إلى الأبد.” سبيرجن (Spurgeon)
· وَشَرِيعَتُكَ حَقٌّ: نحن نتذكر الحوار بين يسوع وبيلاطس البنطي. قال يسوع: ’لِهَذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهَذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ ٱلْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي.‘ قَالَ لَهُ بِيلَاطُسُ: ’مَا هُوَ ٱلْحَقُّ؟!‘ (يوحنا ١٨: ٣٧-٣٨). كان الحق بالنسبة لبيلاطس هو الجنود والجيوش. كانت روما هي الحق، وكان قيصر هو الحق، والنفوذ السياسي هو الحق. غير أن يسوع عرف ما هو الحق بينما كان بيلاطس يبحث. عرف يسوع أن شريعة الله حق.
· هذا أمر هادف على نحو خاص في وقت امتلكت النسبية قبضة قوية على تفكير الناس. إذ من الشائع الآن أن يعتقد الناس أنه لا يوجد حق (حقيقة) حقيقي أو مطلق. فهم يتحدثون عن حقك وحقهم وحق الآخرين. واعتاد المجتمع الغربي أن يعتقد أن الحق هو ما يتوافق مع الواقع (ما هو موجود حقًّا). ويُعتقد غالبًا الآن هو أن الحق هو ما يبدو منطقيًّا أو مفيدًا لي فرديًّا.
· اعتاد الفيلسوف المسيحي الراحل فرانسيس شيفر (Francis Schaeffer) أن يروّج لفكرة ’الحقيقة الحقيقية.‘ وكان مفهومه هو أن الرسالة الكتابية صحيحة بشكل أساسي بصرف النظر عن كيفية تلَقِّي المرء لها أو كيفية عملها في حياته.
د ) الآيات (١٤٣-١٤٤): كلمة الله تُحْيي في أوقات الضيق.
١٤٣ضِيْقٌ وَشِدَّةٌ أَصَابَانِي، أَمَّا وَصَايَاكَ فَهِيَ لَذَّاتِي. ١٤٤عَادِلَةٌ شَهَادَاتُكَ إِلَى ٱلدَّهْرِ. فَهِّمْنِي فَأَحْيَا.
١. ضِيْقٌ وَشِدَّةٌ أَصَابَانِي، أَمَّا وَصَايَاكَ فَهِيَ لَذَّاتِي: رغم صعوبات حياة صاحب المزمور، وجد لذة في كلمة الله. فلم يكن تقديره لله ولكلمته مقصورًا على الأوقات الجيدة، بل انسحب على أوقات ضيقه ومِحَنه أيضًا.
· “عندما نُبتلى بشدة، ولا نستطيع أن نفهم سبب ما حلّ بنا، يمكننا أن نرجع إلى هذه الحقيقة الأكيدة أن الله بار، وأن معاملاته كلها معنا بارّة. ويفترض أن يكون مجدنا هو أن نرنم هذا الاعتراف الشجاع عندما تكون الأشياء التي حولنا توحي بعكس ذلك. وهذه أغنى عبادة.” سبيرجن (Spurgeon)
· “قبل سنوات، كان هنالك مؤمنون يضعون وعود الله موضع الامتحان. وعندما كانوا يحصلون على ما وُعِدوا به، كانوا يكتبون ’م‘ و ’م‘ إلى جانب هذا الوعد في الكتاب المقدس. ويرمز هذا إلى أن هذا الوعد ’مجرَّب ومُزَكّى.‘ وهذا هو ما وجده صاحب المزمور في خبرته.” بويس (Boice)
٢. عَادِلَةٌ شَهَادَاتُكَ إِلَى ٱلدَّهْرِ. فَهِّمْنِي فَأَحْيَا: ربما نعتقد أن ما احتاج إليه صاحب المزمور ليحيا هو الخلاص من ضيقته وشدّته. لكنه فهِم أن كلمة الله أكثر أهمية.
· يتمثل أحد الأسباب لذلك في أنه فهِم أن بر كلمة الله أبدي. فقد عرف الطبيعة الأبدية لكلمة الله، فجعلته هذه أكثر تعلُّقًا بها.
· “عندما تتحلل جميع الشرائع والأحكام الأخرى، رغم أنها قد تكون منقوشة على نحاس أو رخام، تبقى شريعتك إلى الأبد. وهكذا سيراعونها.” تراب (Trapp)
تاسع عشر. القاف (Qoph ק): صلاة إلى إله الكتاب المقدس
أ ) الآيات (١٤٥-١٤٧): الصراخ إلى الله على رجاء كلمته.
١٤٥صَرَخْتُ مِنْ كُلِّ قَلْبِي. ٱسْتَجِبْ لِي يَا رَبُّ. فَرَائِضَكَ أَحْفَظُ. ١٤٦دَعَوْتُكَ. خَلِّصْنِي، فَأَحْفَظَ شَهَادَاتِكَ. ١٤٧تَقَدَّمْتُ فِي ٱلصُّبْحِ وَصَرَخْتُ. كَلَامَكَ ٱنْتَظَرْتُ.
١. صَرَخْتُ مِنْ كُلِّ قَلْبِي. ٱسْتَجِبْ لِي يَا رَبُّ. فَرَائِضَكَ أَحْفَظُ: يتوسل صاحب المزمور إلى الله صارخًا إليه معبِّرًا عن رغبته في حفظ كلمته. لم تكن صرخة تطلب العون أو الخلاص أو الغفران. بل كانت صرخة من أجل الطاعة.
· لا تتعلق هذه الآيات بأعداء صاحب المزمور، مع أن عداوتهم له أمر سيئ للغاية. فهي تتعلق بحياة الصلاة لدى صاحب المزمور وكيفية تعلُّمه استخدام كلمة الله عند الصلاة. بويس (Boice)
· “كانت كل روح صاحب المزمور منخرطة في هذا العمل الصالح. ومن يصرخ من كل قلبه إلى الله، لن ينهض من أمام عرش النعمة من دون بركة.” كلارك (Clarke)
· “ربما لا يوجد جمال في الخطابة في مثل هذه الصلوات، ولا إطالة في التعبير، ولا عمق في العقيدة، ولا دقة في الإلقاء. لكن عندما يكون القلب كله منخرطًا في هذه، فإنها ستجد طريقها إلى الله.” سبيرجن (Spurgeon)
· “لا ينظر الله إلى أناقة صلواتك ليرى مدى ترتيبها، ولا إلى حساب صلواتك ليرى عددها، ولا إلى موسيقى صلواتك ليرى مدى عذوبة صوتك. بل ينظر إلى إخلاص صلواتك ليرى كيف أنها قلبية.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن بروكس (Brooks)
٢. ٱسْتَجِبْ لِي يَا رَبُّ. فَرَائِضَكَ أَحْفَظُ. دَعَوْتُكَ. خَلِّصْنِي، فَأَحْفَظَ شَهَادَاتِكَ: هذا تكرار للفكرة الموجودة في الآية السابقة لغرض التوكيد. فقد صرخ صاحب المزمور بعاطفة قوية إلى الله من أجل الحكمة والقوة والقدرة على أن يطيعه. وهذه صلاة ترضي الله.
· عندما يقول إنه يصرخ، فإن هذا يعني أن صلواته كانت صوتية. “يجد الناس أن من المفيد أن يستخدموا أصواتهم في الصلاة. فمن الصعب أن نحافظ على كثافة التكريس ما لم نسمع أنفسنا ونحن نتكلم. ومن هنا، كسر صاحب المزمور صمته، ونهض من تأملاته الهادئة، وبدأ يصرخ بصوته وقلبه أيضًا للرب إلهه.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. تَقَدَّمْتُ فِي ٱلصُّبْحِ وَصَرَخْتُ. كَلَامَكَ ٱنْتَظَرْتُ (أنهذ قبل الفجر وأصرخ طالبًا العون، واضعًا رجائي في كلامك): كان صاحب المزمور يعتمد على الله وكلمته بشغف، لكن هذا لم يلغِ مشاركته بأية طريقة كانت. فكان ينهض باكرًا ليطلب الله في الصلاة (تَقَدَّمْتُ فِي ٱلصُّبْحِ وَصَرَخْتُ) بعون كلمة الله (كَلَامَكَ ٱنْتَظَرْتُ).
· “ما دام واجب الصلاة معروفًا، فإننا لن نقْنع بالأوقات التي نحددها للصلاة. لكن عندما نحس بهذا الامتياز، فسنبكِّر إلى العمل تابعين إيّاه صباح مساء.” بريدجز (Bridges)
· “قدّمت الكلمة رجاءه، وقدّم له رجاؤه صلاته.” تراب (Trapp)
· نحن نستخدم الصلاة في دراستنا لكلمة الله. وهذا أمر جوهري في أهميته. لكننا نستخدم كلمة الله أيضًا في صلواتنا. وفي الصلاة، تبيّن كلمة الله لنا:
ü طبيعة الله الذي نصلي إليه وقلبه
ü ما نلناه من الله وما ينبغي أن نشكر من أجله
ü عظمته، مثقِّفًا وموسِّعًا تسبيحنا
ü إرادته الأخلاقية لنا، موجّهًا إيانا للصلاة حتى نتمكن من فعل ذلك.
ü وعوده لشعبه، والتي نطالب بها بالإيمان
ü مادة لصلواتنا بينما نقرأ–نصلي كلمة الله
· “من يَجِدّ في الصلاة لن يعوزه رجاء أبدًا. لاحظ أنه كما يلتقط الطائر دودة، كذلك فإن الصلاة المبكّرة تنتعش بالرجاء.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (١٤٨-١٤٩): السعي الجاد إلى الكلمة المُحْيِية.
١٤٨تَقَدَّمَتْ عَيْنَايَ ٱلْهُزُعَ، لِكَيْ أَلْهَجَ بِأَقْوَالِكَ. ١٤٩صَوْتِيَ ٱسْتَمِعْ حَسَبَ رَحْمَتِكَ. يَا رَبُّ، حَسَبَ أَحْكَامِكَ أَحْيِنِي.
١. تَقَدَّمَتْ عَيْنَايَ ٱلْهُزُعَ، لِكَيْ أَلْهَجَ (أتأمل) بِأَقْوَالِكَ: لم يستيقظ صاحب المزمور باكرًا ليصلي لله (كما فعل في الآية السابقة) فحسب، لكنه بقي مستيقظًا طوال الليل مفكرًا في الله وكلمته أيضًا.
· كان يسوع يصلي أحيانًا مبكرًا في الصباح (مرقس ١: ٣٥)، وفي بعض الأحيان كان يصلي طوال الليل (لوقا ٦: ١٢).
· يعرّف بويس (Boice) التأمل: “إنه استيعاب تعليم الكتاب المقدس إلى درجة يصبح جزءًا من كيان المرء الذاتي، فيجعل الكتاب المقدس جزءًا من تفكيره، بحيث يفكر بشكل مختلف، ويعمل بشكل مختلف نتيجة لذلك.”
٢. ٱسْتَمِعْ حَسَبَ رَحْمَتِكَ (مراحمك، اللطف المتّسم بالمحبة). يَا رَبُّ، حَسَبَ أَحْكَامِكَ أَحْيِنِي: طلب صاحب المزمور إلى الله أن يسمعه حسب رحمته (مراحمه، اللطف المتّسم بالمحبة)، ثم طلب إليه بعد ذلك أن يحييه حسب عدله. وهذان سببان للصلاة والثقة بالله في توسّلنا.
· يمكننا أن نصلي حَسَبَ رَحْمَتِكَ: “يا رب، أعرف أني لا أستحق أن تسمعني. غير أني أومن أنك غني في النعمة والرحمة. فأرجو أن تسمع صلاتي حسب محبتك الكريمة.”
· علّق سبيرجن (Spurgeon) على كلمة “حِسِد” العبرية (مراحم): المراحم (اللطف المتّسم بالمحبة) واحدة من أعذب الكلمات في لغتنا. ويتضمن اللطف (وهو جزء من هذا التعبير) الكثير حتى إنه ثمين جدًّا في حد ذاته. لكن المراحم (اللطف المتّسم بالمحبة) ثمينة بشكل مضاعف. إنها صفوة اللطف.”
· يمكننا أن نصلي حَسَبَ أَحْكَامِكَ (عدل الله): “يا رب، أعرف أن خطاياي غُفرت بشكل بار بسبب ما فعله يسوع على الصليب. وأعرف أنك غفرت لي حسب عدلك، وأنا أصلي كشخص مغفور له. وأنا أعرف أنك، حَسَبَ أَحْكَامِكَ (عدلك)، ترى برّ قضيتي مع الذين هم ضدي. ولهذه الأسباب، أعطني حياة جديدة من فضلك.
· أحيِني حسب عدلك: رغم أن الانتعاش من الله أمر غير مستحق أبدًا، إلا أنه يمكننا أن نطلبه حسب عدل الله. إذ يمكننا أن نصلي من أجله بناءً على عمل يسوع المسيح على الصليب الذي أرضى العدالة الإلهية. ويمكن أن يصلَّى من أجل ذلك لإكرام عدل الله على الأرض، وبشكل خاص عندما يكثر الإثم.
ج) الآيات (١٥٠-١٥١): قريب وبعيد.
١٥٠ٱقْتَرَبَ ٱلتَّابِعُونَ ٱلرَّذِيلَةَ. عَنْ شَرِيعَتِكَ بَعُدُوا. ١٥١قَرِيبٌ أَنْتَ يَا رَبُّ، وَكُلُّ وَصَايَاكَ حَقٌّ.
١. ٱقْتَرَبَ ٱلتَّابِعُونَ ٱلرَّذِيلَةَ: أحس صاحب المزمور بأن الأشرار الذين قاوموه اقتربوا منه وصاروا يشكلون تهديدًا أكبر له.
٢. عَنْ شَرِيعَتِكَ بَعُدُوا: على الرغم من أنهم اقتربوا من كاتب المزمور ، إلا أنهم كانوا بعيدين عن كلمة الله
· “قبل أن يكون بمقدور هؤلاء الرجال أن يصبحوا مضطهِدين لصاحب المزمور، كان لا بد لهم أن يبعدوا عن قيود شريعة الله. فلم يكن بوسعهم أن يبغضوا قديسًا ويحبوا الشريعة معًا.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. قَرِيبٌ أَنْتَ يَا رَبُّ: رغم أن الأشرار كانوا قريبين من صاحب المزمور، وبعيدين عن كلمة الله، إلا أنه عرف أن الله قريب، حيث اقترب إلى صاحب المزمور من خلال كلمته نفسها.
· “لاحِظْ واقعية التصريح المزدوج… اقْتَرَبوا… قَرِيبٌ أَنْتَ. هنا لا يُلغى التهديد، لكن يوضع في منظور حقيقة أكبر.” كيدنر (Kidner)
٤. وَكُلُّ وَصَايَاكَ حَقٌّ: استطاع صاحب المزمور الذي أدرك قرب الله منه أن يرى بوضوح أن كل وصايا الرب حق. وفهم أن كلمة الله موحى بها ومعصومة حقًّا.
د ) الآية (١٥٢): الثقة بالكلمة الأبدية.
١٥٢مُنْذُ زَمَانٍ عَرَفْتُ مِنْ شَهَادَاتِكَ أَنَّكَ إِلَى ٱلدَّهْرِ أَسَّسْتَهَا.
١. مُنْذُ زَمَانٍ عَرَفْتُ: كان لصاحب المزمور علاقة قديمة بكلمة الله. فلم يكن حبه وتقديره لكلمة الله طفرة شبابية من الافتتان. فحبه عميق ثابت متجذر مع الوقت.
٢. إِلَى ٱلدَّهْرِ أَسَّسْتَهَا: أدى حب صاحب المزمور وتقديره لكلمة الله إلى فهمه أنها أبدية (إِلَى ٱلدَّهْرِ أَسَّسْتَهَا). فكلما درسها وتأمّل فيها، ازداد فهمًا لأصلها الإلهي.
· “نحن راضون عن الحقيقة القديمة قِدَم التلال، والثابتة مثل الجبال العظيمة. دعوا ’الأدمغة المثقفة‘ تخترع إلهً آخر أكثر لطفًا وتساهلًا من إله إبراهيم. لكننا قانعون تمامًا بعبادة الرب الذي لا يتغير أبديًّا.” سبيرجن (Spurgeon)
· كانت هذه شهادته حول الصلاة المستجابة. ويبيّن هذا النص كله لنا:
ü كيف صلى (مِنْ كُلِّ قَلْبِي – الآية ١٤٥)
ü ما صلى من أجله (خَلِّصْنِي، فَأَحْفَظَ شَهَادَاتِكَ – ١٤٦)
ü متى صلى (تَقَدَّمْتُ فِي ٱلصُّبْحِ – ١٤٧)
ü مدة صلاته (ٱلْهُزُعَ – ١٤٨)
ü أسس الطِّلبة (حَسَبَ رَحْمَتِكَ. يَارَبُّ، حَسَبَ أَحْكَامِكَ – ١٤٩)
ü كيف الله استجاب صلاته (قَرِيبٌ أَنْتَ يَا رَبُّ – ١٥٠)
ü شهادته حول الصلاة المستجابة (شَهَادَاتِكَ أَنَّكَ إِلَى ٱلدَّهْرِ أَسَّسْتَهَا – ١٥٢)
عشرون. الراء (Resh ר): انتعاش حسب كلمة الله
أ ) الآيات (١٥٣-١٥٤): توسُّل حياة جديدة من الله في أوقات عصيبة.
١٥٣اُنْظُرْ إِلَى ذُلِّي وَأَنْقِذْنِي، لِأَنِّي لَمْ أَنْسَ شَرِيعَتَكَ. ١٥٤أَحْسِنْ دَعْوَايَ. افدِني، وأَحيِني حسبَ كلمتِك.
١. اُنْظُرْ إِلَى ذُلِّي وَأَنْقِذْنِي: يذكّرنا هذا بأن صاحب المزمور كان يعيش في برج عاجي في مكان منعزل حيث كل ما كان يفعله هو دراسة كلمة الله طوال اليوم. فقد عاش حياة حقيقية في تفاعُل مع الناس (كان بعضهم أعداء له). عاش حياة اختبر فيها مِحَنًا.
· “لكن لا يوجد نفاد صبر. لا يطلب من الله عملًا متسرعًا، بل مراعاة. وهو يصرخ: “اُنْظُرْ إِلَى حالتي، وانظر إن كنت لا أحتاج إلى خلاص. احكم من حالتي المحزنة الأسلوب الملائم لإنقاذي.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. لِأَنِّي لَمْ أَنْسَ شَرِيعَتَكَ: يدفع الضيق بعض الناس بعيدًا عن الله وكلمته. وأمّا بالنسبة لصاحب المزمور، فقد دفعته الأوقات العصيبة إلى الاقتراب أكثر إلى الله وكلمته.
٣. أَحْسِنْ دَعْوَايَ (دافعْ عن قضيتي وافدِني): بحث صاحب المزمور عن عون وخلاص خارج نفسه. ويعزّز هذا الأمر الفكرة أن تصريحاته السابقة عن برّه لم تكن مطلقة، بل قيلت في مقارنة مع أشخاص أشرار. فعرف أنه محتاج إلى الله للدفاع عن قضيته وإلى فداء.
· أَحْسِنْ دَعْوَايَ: “هذه لغة مستعارة من قاعة المحكمة. طلب صاحب المزمور من الله أن يتبنّى قضيته ويدافع عنها كما يمكن أن يفعل المحامي. وتمثّل كلمة ’دعوى‘ الكلمة العبرية Ribah مصطلحًا قانونيًّا (مزمور٣٥: ١؛ ٤٣: ١؛ ٧٤: ٢٢). وهي تُستخدم في الغالب من قِبل الأنبياء بصفتهم المدّعين العامّين عن الله (انظر هوشع ٤: ١).” فانجيميرين (VanGemeren)
· “لكنك تقول: “كيف أعرف أنه يتكلم نيابة عني؟” لكن إن لم يكن يتكلم عنك، فعمّن يتكلم إذًا؟ فمن الذي يحتاج إلى محامٍ أكثر منك؟ هو لا يذكر أشياء جيدة عنك في دفاعه عنك، لكنه يتكلم كثيرًا في الدفاع عنك، لأنه يدافع عن استحقاق دمه.” بريدجز (Bridges)
٤. أَحيِني حسبَ كلمتِك: تتكرر هذه الفكرة من نصوص سابقة من هذا المزمور (في الآيتين ٢٥ و ١٠٧). فقد أراد صاحب المزمور أن يحييه الله حسب كلامه.
· كلمة الله مصدر للانتعاش. فإذا قرأناها وعملنا بها في الصلاة، في تكريسنا، في طلب الله من كل القلب، ستكون مصدر انتعاش شخصي وجماعي.
· الانتعاش نفسه هو حسب كلمة الله. ومفهوم الانتعاش الشخصي والجماعي أمر كتابي. وسيُكرم الانتعاش الحقيقي كلمة الله ويعزّزها.
· غير أنه ربما يكون هنالك انتعاش زائف أو ظاهري وليس حسب كلمة الله. ومن الإنصاف أن نقيّم كلمات الانتعاش المزعومة حسب القياس الإلهي: “هل هذا حسب كلمة الله؟”
· “يا له من توسُّل عظيم، ’حسب كلمتك‘ لا توجد أية بندقية في ترسانتنا تضاهيها.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (١٥٥-١٥٦): الأشرار بعيدون عن الخلاص.
١٥٥ٱلْخَلَاصُ بَعِيدٌ عَنِ ٱلْأَشْرَارِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَمِسُوا فَرَائِضَكَ. ١٥٦كَثِيرَةٌ هِيَ مَرَاحِمُكَ يَا رَبُّ. حَسَبَ أَحْكَامِكَ أَحْيِنِي.
١. ٱلْخَلَاصُ بَعِيدٌ عَنِ ٱلْأَشْرَارِ: فهِم صاحب المزمور بعيدون عن الخلاص، تمامًا كما قال بولس لاحقًا (غلاطية ٥: ١٩-٢١). وفهِم أيضًا أن شرّهم متجذر في عدم طلبه لله وكلمته (لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَمِسُوا فَرَائِضَكَ).
· “في مثابرتهم على الشر، فإنهم يضعون أنفسهم تقريبًا خارج وتد الرجاء. يتحدثون عن كونهم مخلَّصين، لكنهم لن يعرفوا أي شيء من الخلاص ما داموا أشرارًا.” سبيرجن (Spurgeon)
· “لا يوجد من يتعاطف معهم في محنتهم، ولا يوجد من يخلّصهم، ولا يوجد من يقِيْم دعواهم. وبالفعل، فإن البؤس الذي تستطيع أن تحتمله النفس الخالدة عبر الأبدية متضمَّن في هذه الجملة. ٱلْخَلَاصُ بَعِيدٌ عَنِ ٱلْأَشْرَارِ.” بريدجز (Bridges)
· ٱلْخَلَاصُ بَعِيدٌ عَنِ ٱلْأَشْرَارِ: “كيف يمكن أن يكون الأمر على خلاف هذا؟ فعندما لا يكون الله في أفكارهم (مزمور ١٠: ٤)، أو في قلوبهم (مزمور١٤: ١)، أو في كلماتهم (مزمور ١٢: ٤)، أو في طرقهم (تيطس ١: ١٦)، كيف يمكن أن يكون لهم نصيب في الخلاص؟” تراب (Trapp)
· “الرب عظيم ليعفو. لن يستخدم الله هذا من أجلك، أيها الخاطئ غير النادم. ليس لديك رفيق على مقعدك. ولا تتحدث أية صفة من صفات الله دفاعًا عنك. وستجلس الرحمة نفسها وساصوّت مع صفات الله الأخرى على دينونتك.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن جورنال (Gurnall)
· لا يطلبون فرائضك: ’ومن لا يطلب لا يجد.‘ كلارك (Clarke)
٢. كَثِيرَةٌ هِيَ مَرَاحِمُكَ يَا رَبُّ: رغم أن الأشرار بعيدون عن الخلاص، وبعيدون عن كلمة الله، لكن مراحم الرب قريبة لكل الذين يطلبونها. وبطريقة متناقضة ظاهريًّا، فإنه رغم أن خلاص الله بعيد عنهم، إلا أن الله ليس بعيدًا بفضل مراحمه.
· يمكننا أن نقيس عظمة رحمة الله
ü بالدَّين غير المحدود الذي تلغيه (إشعياء ١: ١٨؛ ٤٣: ٢٢-٢٥).
ü الدمار الأبدي الذي تخلّصنا منه (مزمور ٨٦: ١٣).
ü بالإكليل السماوي الذي ترفعه (رؤيا ١: ٥-٦).
· “الصفة الأخرى التي يذكرها هي مراحم الله الحنون، لأنه يسهل علينا أن نتوسل إلى الله على أساسها، لأنه بطيء في الغضب، لكنه مستعد أن يُظهر الرحمة.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن كاوبر (Cowper)
٣. حَسَبَ أَحْكَامِكَ أَحْيِنِي: تتكرر هذه الفكرة من الآية ١٥٤. ويؤكد صاحب المزمور في الآيتين أن كلمة الله هي مصدر الانتعاش وقياسه في الوقت نفسه.
ج) الآيات (١٥٧-١٥٨): التكريس لكلمة الله رغم الاضطهاد.
١٥٧كَثِيرُونَ مُضْطَهِدِيَّ وَمُضَايِقِيَّ، أَمَّا شَهَادَاتُكَ فَلَمْ أَمِلْ عَنْهَا. ١٥٨رَأَيْتُ ٱلْغَادِرِينَ وَمَقَتُّ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْفَظُوا كَلِمَتَكَ.
١. كَثِيرُونَ مُضْطَهِدِيَّ وَمُضَايِقِيَّ: عاش صاحب المزمور في عالم واقعي، غير محمي في بيئة ثابتة من دراسة كلمة الله. وقد تشكّلت ثقته بكلمة الله في هذا العالم الواقعي، عالم ممتلئ بالمضطهِدين والأشرار.
· “الاضطهاد بالنسبة للمجاهر الزائف بالإيمان فرصة للارتداد (متى ١٣: ٢٠-٢١)، وهو لخادم المسيح الأمين امتحان لإيمانه (١ بطرس ١: ٦-٧)، وهو مصدر أغنى التعزيات (متى ٥: ١٠-١٢؛ أعمال الرسل ١٣: ٥٠-٥٢؛ ١ بطرس ٤: ١٢-١٦)، وحارس مجاهرته بالإيمان (متى ١٠: ١٦؛ فيلبي ٢: ١٤-١٦)، وهو قوة مثابرته (أعمال الرسل٢٠: ٢٢-٢٤).” بريجز (Bridges)
٢. أَمَّا شَهَادَاتُكَ فَلَمْ أَمِلْ عَنْهَا: لم يدفع هذا العدد الهائل من الأشرار والمضطهِدين صاحب المزمور إلى الارتداد أو اليأس من محبة الله له، أو الشك فيها. لم يتوقع أن تكون حياة التقوى خالية من المشكلات والمحن. بل كان مصممًا على الانتباه إلى كلمة الله والتركيز عليها.
· “طالما لا يستطيع أعداؤنا أن يدفعونا إلى الانحطاط الروحي، فإنهم لا يسبّبون لنا ضررًا عظيمًا، ولا يحققون أي شيء بأذاهم هذا. فإذا لم ننحط روحيًّا، فإنهم مهزومون. وإذا لم يدفعونا إلى الخطية، فقد أخطأوا هدفهم. فالأمانة للحق هو الانتصار على أعدائنا.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. رَأَيْتُ ٱلْغَادِرِينَ وَمَقَتُّ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْفَظُوا كَلِمَتَكَ: لم يكن صاحب المزمور يتوقع سلوكًا تقيًّا من الأشرار، وهذا أمر نبّه إليه بولس (١ كورنثوس ٥: ٩-١٣)، لكنه أحس بالاشمئزاز (مَقَتُّ) لأن الله وكلمته تعرضا للإهانة والخزي حتى من أشخاص مُخْزِين.
· “حزنتُ لرؤية مثل هؤلاء الخطاة. وشعرت بالاشمئزاز منهم. لم أستطع أن أتحملهم. لم أجد أية متعة فيهم. كان مشهدًا مؤسفًا محزنًا لي، مهما كانت ملابسهم أنيقة ومحادثاتهم بارعة. وحتى عندما كانوا مرحين جدًّا، جعل مرآهم قلبي ثقيلًا. لم أستطع أن أتحملهم أو أن أتحمل أفعالهم.” سبيرجن (Spurgeon)
· هذه الحساسية تجاه الخطية، والرغبة القوية في مجد الله سمة للانتعاش الذي كان يصلي صاحب المزمور من أجله على نحو متكرر في هذا القسم.
· “لا بد أن تصاحَب الشركة مع أفراح الملائكة من أجل الخطاة التائبين (لوقا ١٥: ١٠) بمرارة من الحزن النقي على قساوة هؤلاء الذين لا يرفضون التوبة وحفظ كلمة الله.” بريجز (Bridges)
د ) الآيات (١٥٩-١٦٠): منتعش بالكلمة الحقيقية الأبدية.
١٥٩ٱنْظُرْ أَنِّي أَحْبَبْتُ وَصَايَاكَ. يَا رَبُّ، حَسَبَ رَحْمَتِكَ أَحْيِنِي. ١٦٠رَأْسُ كَلَامِكَ حَقٌّ، وَإِلَى ٱلدَّهْرِ كُلُّ أَحْكَامِ عَدْلِكَ.
١. ٱنْظُرْ أَنِّي أَحْبَبْتُ وَصَايَاكَ. يَا رَبُّ، حَسَبَ رَحْمَتِكَ أَحْيِنِي: طلب صاحب المزمور إلى الله أن ينظر إلى محبته لكلمته، وأن يُحْييه حسب رحمته، لا من أجل استحقاقه الخاص.
· “هذه مرة ثانية يطلب فيها صاحب المزمور إلى الله أن ينظر إلى حالته. فكما سبق أن قال، ’اُنْظُرْ إِلَى ذُلِّي،‘ فإنه يقول الآن: ’انظر محبتي.‘ لقد أحب وصايا الله بشكل لا يوصف. أحبها إلى درجة أنه حزن على الذين لا يحبونها.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. يَا رَبُّ، حَسَبَ رَحْمَتِكَ أَحْيِنِي: هذه فكرة تكررت من الآية ٨٨. والانتعاش أمر لا يُستحَق، بل يعطَى بفضل مراحم الرب.
· “يُكشف الوعي بالحاجة في التكرار الثلاثي، ’أَحْيِني.‘ فهو يشعر بضعف حياته تحت ضغط الظروف.” مورجان (Morgan)
٣. رَأْسُ كَلَامِكَ حَقٌّ، وَإِلَى ٱلدَّهْرِ كُلُّ أَحْكَامِ عَدْلِكَ: يعلن صاحب المزمور مرة أخرى طبيعة كلمة الله المعصومة. كل كَلَامِكَ حَقٌّ، وليست مجرد أجزاء أو مفاهيم فردية من الكلمة. وليس كلامك حقًّا فحسب، لكنها حق أبدي أيضًا.
· “كلمة الله صحيحة في سفر التكوين كما في سفر الرؤيا. وهي صحيحة في الأسفار الخمسة كما هي في الأناجيل الأربعة. لا يوجد خطأ واحد سواء أكان ذلك في كلمة الله أم في المعاملات الإلهية. ولا يوجد في كِتاب الوحي أو في الرعاية الإلهية احتياج إلى ملاحظة تشير إلى خطأ مطبعي. ولا يوجد لدى الرب ما يندم عليه أو قول يتراجع عنه. ولا يوجد شيء لتصحيحه أو لعكسه.” سبيرجن (Spurgeon)
الحادي والعشرون. الشين (ש Shin): في خشوع لكلمة الله
“كان مقطع الشين كله تقريبًا صلاة. وفي هذه المقاطع من المزمور، تميل الصلوات إلى التراجع. ولا يتضمن مقطع الشين/الخطية أية صلوات صريحة على الإطلاق. ويحل محلها انتظار هادئ مطيع لله.” بويس (Boice)
أ ) الآيات (١٦١-١٦٢): كنز كلمة الله الباعثة على الخشوع.
١٦١رُؤَسَاءُ ٱضْطَهَدُونِي بِلَا سَبَبٍ، وَمِنْ كَلَامِكَ جَزِعَ قَلْبِي. ١٦٢أَبْتَهِجُ أَنَا بِكَلَامِكَ كَمَنْ وَجَدَ غَنِيمَةً وَافِرَةً.
١. رُؤَسَاءُ ٱضْطَهَدُونِي بِلَا سَبَبٍ: في عالم الحياة الواقعية، كان صاحب المزمور يتفاعل حتى مع رؤساء – حكام اضطهدوه بلا سبب.
· يعرف أولئك الذين يعتقدون أن داود هو صاحب هذا المزمور العظيم أنه اضطُهِد بالفعل من رؤساء (شاول ورفقائه) بلا سبب.
· “كان أمرًا حسنًا أن يؤكد المتألم بصدق أن اضطهاده كان بلا سبب. لم يكسر قوانينهم، ولم يؤذِهم. لم يرغب في أذيّتهم، ولم يَدْعُ إلى التمرد أو الفوضى. لم يقاوم سرًّا أو علنًا سلطتهم. ولهذا، بينما جعل هذا اضطهادهم له بلا مبرر، فإنه نزع جزءًا من لسعته، وأعطى خادم الله ذا القلب الشجاع القدرة على التحمل.” سبيرجن (Spurgeon)
· “هذا القسم لافت للنظر من حيث إنه أحد قسمين لا يتضمنان أي التماس. [القسم الثاني هو مزمور ميم ٩٧-١٠٤]. وهذا أمر جدير بالملاحظة لأن الجملة الافتتاحية فيه تبيّن أن المرنم ما زال واعيًا بظروف ضيقه.” مورجان (Morgan)
٢. وَمِنْ كَلَامِكَ جَزِعَ (خشع) قَلْبِي: لم تكن المحن الصعبة – حتى الاضطهاد من قِبل الذين في السلطة – لتُفقِد صاحب المزمور إحساسه بالخشوع أمام كلمة الله (مِنْ كَلَامِكَ جَزِعَ ’خشع‘ قَلْبِي). فلم يكن لديه تقدير شرطي لكلمة الله. إذ أحبها في الأوقات الجيّدة والسيئة.
· ربما كان ممكنًا أن يحس بالجزع (بالخشوع) من الرؤساء لولا أنه كان مدفوعًا بخوف أعظم طرد الخوف الأقل. إذ تملَّكَه خشوع من كلمة الله. فما أصغر التيجان وقضبان الصولجان في تقدير هذا الرجل الذي أدرك مهابة مَلَكِية في أوامر إلهه.” سبيرجن (Spurgeon)
· يقول بريدجز (Bridges) إن بعض مجموعات الأسفار الكتابية اليهودية العظيمة كانت موضوعة على واجهة تصريح يعقوب ودهشته في رؤياه لله في إيل: مَا أَرْهَبَ هَذَا ٱلْمَكَانَ! “مَا هَذَا إِلَا بَيْتُ ٱللهِ، وَهَذَا بَابُ ٱلسَّمَاءِ” (تكوين ٢٨: ١٧).
٣. أَبْتَهِجُ أَنَا بِكَلَامِكَ كَمَنْ وَجَدَ غَنِيمَةً وَافِرَةً: أحب صاحب المزمور كلمة الله كما يحب بعض الناس الكنوز. فقد عرف أنها ثمينة وثرية للحياة. والكنز هنا غنيمة، أو ما يُنهب في معركة.
· أَبْتَهِجُ أَنَا بِكَلَامِكَ: “يمكنني أن أقول إنه ما لم يكن لدينا خشوع عميق لكلمة الله، فلن نبتهج بها كثيرًا. إذ يقاس ابتهاجنا بها بمدى توقيرنا لها.” سبيرجن (Spurgeon)
· “يبدو أن هذا يشير إلى الغنائم التي يتم الحصول عليها من تجريد الموتى في ساحة القتال من أمتعتهم، حيث تُسلب أفخر الثياب من الرؤساء والقواد القتلى. وقد يشير إلى النهب بشكل عام. وقد فتح الله عيني صاحب المزمور ليرى عجائب من شريعته. وكان كل اكتشاف من هذا النوع بمثابة العثور على كنز.” كلارك (Clarke)
· في بعض الأحيان، هنالك قتال من أجل الحصول على غنائم. ويتوجب أن نقاتل من أجل غنى كلمة الله. وفي بعض الأحيان، نعثر على غنائم فنأخذها ببساطة.
ü إن كانت الكنوز في كلمة الله مثل الغنائم في المعركة، فإن المعركة قد انتهت.
ü إن كانت الكنوز في كلمة الله مثل الغنائم في المعركة، فإن لدى العدو ما هو أقل ليقاتل به.
ü إن كانت الكنوز في كلمة الله مثل الغنائم في المعركة، هنالك إحساس بالنصر.
ü إن كانت الكنوز في كلمة الله مثل الغنائم في المعركة، هنالك منفعة وسرور ومجد.
ب) الآيات (١٦٣-١٦٤): تسبيح إله الكلمة باستمرار.
١٦٣أَبْغَضْتُ ٱلْكَذِبَ وَكَرِهْتُهُ، أَمَّا شَرِيعَتُكَ فَأَحْبَبْتُهَا. ١٦٤سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي ٱلنَّهَارِ سَبَّحْتُكَ عَلَى أَحْكَامِ عَدْلِكَ.
١. أَبْغَضْتُ ٱلْكَذِبَ وَكَرِهْتُهُ، أَمَّا شَرِيعَتُكَ فَأَحْبَبْتُهَا: البغض والمحبة في هذه الآية متناسبان تمامًا. فلا بد لمن يحب حق الله الخالص أن يبغض الأكاذيب بشكل طبيعي.
· “إذا ابتعدنا عن كل كذب، ستكون ترنيمتنا مقبولة أكثر لأنها تخرج من شفاه نقية. فإذا لم نتملق الناس، سنكون في وضع أفضل لإكرام الله.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي ٱلنَّهَارِ سَبَّحْتُكَ عَلَى أَحْكَامِ عَدْلِكَ: دفع صلاح كلمة الله ومجدها (أَحْكَامِ عَدْلِكَ) صاحب المزمور إلى التسبيح. وكان هذا التسبيح ثابتًا ومستمرًّا (سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي ٱلنَّهَارِ).
· “سَبْعَ مَرَّاتٍ… سَبْعَ مَرَّاتٍ: غالبًا ما يؤخذ هذا الرقم المحدد على أنه بلا حد كما في
لاويين ٢٦: ٢٨، وفي مواضع أخرى.” بوله (Poole)
· إنه أمر حسن أن نحدد أوقاتًا منتظمة للصلاة في قراءة الكتاب المقدس والتأمل عبر النهار. لكن لا ينبغي أن نفعل ذلك بروح ناموسية. “أحيانًا ما يضع الشباب المؤمنون بالمسيح أنفسهم في عبودية فارضين على ضمائرهم القيام بواجبات مرّات متعددة معيّنة، أو إعاقة الالتزامات الحالية، أو الضغط غير الضروري على نقاط ضعف الجسد.” بريدجز (Bridges)
· “هل نسبّح الله سبع مرّات في اليوم الواحد؟ هل نسبّحه مرة واحدة في سبعة أيام؟” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (١٦٥-١٦٦): السلام في طاعة كلمة الله.
١٦٥سَلَامَةٌ جَزِيلَةٌ لِمُحِبِّي شَرِيعَتِكَ، وَلَيْسَ لَهُمْ مَعْثَرَةٌ. ١٦٦رَجَوْتُ خَلَاصَكَ يَا رَبُّ، وَوَصَايَاكَ عَمِلْتُ.
١. سَلَامَةٌ جَزِيلَةٌ لِمُحِبِّي شَرِيعَتِكَ، وَلَيْسَ لَهُمْ مَعْثَرَةٌ: لقد جلبت المحبة الكبيرة التي حملها صاحب المزمور للشريعة مزايا حقيقية إلى حياته. إذ جلبت له سلامًا عظيمًا واستقرارًا في حياته (وَلَيْسَ لَهُمْ مَعْثَرَةٌ).
· “السلام (شالوم) كلمة كبيرة وواسعة تدل على الخير الذي يأتي للشخص الذي يرضى عليه الرب.” بويس (Boice)
· “في وسط عواصف العالم وأعاصيره، يوجد هدوء كامل في صدور الذين لا يعملون إرادة الله فحسب، بل يحبون أن يعملوها أيضًا.” هورن (Horne)
· “إنهم في سلام مع الله بدم المصالحة، وفي سلام مع أنفسهم بإرضاء ضميرهم الصالح وإخضاع الرغبات التي تحارب النفس، وفي سلام مع الآخرين بروح المحبة والإحسان. والخليقة كلها في سلام معهم. وكل الأشياء تعمل معًا لخيرهم.” هورن (Horne)
· “لا تَعِد هذه الآية بالسلام الذين يحفظون شريعة الله بشكل كامل، لأنه من الذي يستطيع أن يحفظها؟ فهي تَعِد بالسلام للذين يحبون شريعة الله.” بويس (Boice)
· “في كل عصر يوجد أشخاص مثل لوثر (Luthers) ولاتيمير (Latimers) [استُشهِد هيو لاتيمير في عام ١٥٥٥م] لم يتمسكوا بثقتهم فحسب، بل تَعَمَّقَ سلامهم مع هدير الأمواج. فكلما تخلى الناس عنهم، قويت شركتهم مع الرب.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن مارتن (Martin)
٢. رَجَوْتُ خَلَاصَكَ يَا رَبُّ، وَوَصَايَاكَ عَمِلْتُ: يعرض صاحب المزمور هنا نوع الثقة أو الإيمان النشط الذي يخلّص. إذ كان لديه إيمان بالله من أجل الخلاص. غير أن إيمانه يقول، ’وَصَايَاكَ عَمِلْتُ.‘ وهذا هو نوع الإيمان الحي الذي تدعو إليه رسالة يعقوب.
· “هذا قول استعاره من يعقوب الشيخ الصالح في سفر التكوين ٤٩: ١٨.” تراب (Trapp)
· هذا الرجاء مشابه للإيمان كثيرًا. “الإيمان هو ممارسة النفس بمعنى الحاجة والرغبة والثقة. ويذهب الإيمان إلى الله على أساس الوعد، ويذهب الرجاء متوقعًا الشيء الموعود. وهكذا يتضمن الرجاء عملية الإيمان.” بريدجز (Bridges)
د ) الآيات (١٦٧-١٦٨): حفظ كلمة الله.
١٦٧حَفِظَتْ نَفْسِي شَهَادَاتِكَ، وَأُحِبُّهَا جِدًّا. ١٦٨حَفِظْتُ وَصَايَاكَ وَشَهَادَاتِكَ، لِأَنَّ كُلَّ طُرُقِي أَمَامَكَ.
١. حَفِظَتْ نَفْسِي شَهَادَاتِكَ، وَأُحِبُّهَا جِدًّا: حفظ صاحب المزمور كلمة الله لا بأعمال خارجية فحسب، بل بنفسه أيضًا. فكانت محبته لكلمة الله وامتثاله لها أمرًا متجذّرًا بعمق، لا سطحيًّا.
· “وبالفعل، فإن تحيُّز الطبيعة الجديدة إلى حفظ كلمة الله مثل تحيُّز الطبيعة القديمة إلى كسرها.” بريدجز (Bridges)
٢. حَفِظْتُ وَصَايَاكَ وَشَهَادَاتِكَ، لِأَنَّ كُلَّ طُرُقِي أَمَامَكَ: بالنسبة لصاحب المزمور، فإن معرفته بأن كون كل طرقه امام الله هو الذي دفعه إلى الطاعة. فقد عرف أن الله الذي أعطى الكلمة كان يراقب حياته. ويأتي هذا بالمقابلة مع الكثيرين الذين يعيشون كما لو أن الله لا يراقب على الإطلاق طرق الإنسان.
· “غطّى اليهود وجه المسيح، ثم ضربوه (مرقس ١٤: ٦٥). وهكذا يفعل المنافق. أولًا، يقول في نفسه إن الله لا يرضى، أو على الأقل أنه ينسى ما يراه، ثم يرتكب خطية وقحة ضده.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن جورنال (Gurnall)
· وَصَايَاكَ … َشَهَادَاتِكَ أَمَامَي: “لاحظ التوقير لله نفسه، لا لكلمة الله بمعزل عنه.” كيدنر (Kidner)
الثاني والعشرون. التاء (Tau ת): الله وكلمته يطلبان صاحب المزمور.
“يقترب صاحب المزمور إلى نهاية المزمور. وتكتسب التماساته قوة وحماسة. ويبدو أنه يقتحم الدائرة الداخلية من الشركة الإلهية حتى إلى قدمي الله العظيم الذي يناشده العون. ويخلق هذا القرب نظرة وضيعة إلى نفسه. ويقوده هذا إلى أن يختم المزمور وهو مطروح على وجهه في تذلل عميق، طالبًا أن يجده الله كخروف ضال.” سبيرجن (Spurgeon)
أ ) الآيات (١٦٩-١٧٠): إنقاذ حسب كلمة الله.
١٦٩لِيَبْلُغْ صُرَاخِي إِلَيْكَ يَا رَبُّ. حَسَبَ كَلَامِكَ فَهِّمْنِي. ١٧٠لِتَدْخُلْ طِلْبَتِي إِلَى حَضْرَتِكَ. كَكَلِمَتِكَ نَجِّنِي.
١. لِيَبْلُغْ صُرَاخِي إِلَيْكَ يَا رَبُّ. حَسَبَ كَلَامِكَ فَهِّمْنِي: صرخة صاحب المزمور صلاة. إنها تضرُّع للحصول على فهم حسب كلام الله. إذ أراد أن تتحول أفكاره حسب كلمة الرب.
· هذا هو تقريبًا نفس التفكير الذي عبّر عنه الرسول بولس في رومية ١٢: ٢: ’وَلَا تُشَاكِلُوا هَذَا ٱلدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ ٱللهِ: ٱلصَّالِحَةُ ٱلْمَرْضِيَّةُ ٱلْكَامِلَةُ.‘ أراد صاحب المزمور فهمه للحياة والعالم مشكَّلًا حسب كلمة الله.
· “هنالك تشخيص لصرخة صاحب المزمور من أجل الإنقاذ، حيث جعلها شيئًا عاقلًا يرسله إلى عرش النعمة ليتوسط من أجله.” كلارك (Clarke)
· لِتَدْخُلْ (لِتُقَرَّبْ) طِلْبَتِي إِلَى حَضْرَتِكَ: “الكلمة العبرية المستخدمة هنا هي q-r-b وهي اصطلاح لتقديم ذبيحة أو تقدمة…. فلم يَعُد لديه ليقدمه إلى الله إلا صرخة.” فانجيميرين (VanGemeren)
٢. لِتَدْخُلْ (لِتُقَرَّبْ) طِلْبَتِي إِلَى حَضْرَتِكَ: هذه إشارة أخرى إلى الصلاة من صاحب المزمور. وهي في هذه المرة صلاة من أجل الإنقاذ حسب كلام الرب. أراد خلاصًا، لكنه أراد خلاصًا متوافقًا مع كلمة الله وإرادته المعلنة. فلم يُرِدْ خلاصًا غير خاص أو غير حكيم.
· طلب هذا الخلاص أيضًا حسب وعود الله. “إنه لأمر جميل أن نلاحظ زيت إيمان صاحب المزمور وهو يغذي شعلة تضرُّعه. وكل التماس من أجل الوعد هو مقدم حسب الكلمة.” بريدجز (Bridges)
· “قُدّمت صلوات كثيرة لله في هذا المزمور، وهو الآن يصلي من أجل صلواته أن يسمح لها الله بأن تأتي أمامه.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن كاوبر (Cowper)
ب) الآيات (١٧١-١٧٢): تسبيح لله والتكلم بكلمته.
١٧١تُنَبِّعُ شَفَتَايَ تَسْبِيحًا إِذَا عَلَّمْتَنِي فَرَائِضَكَ. ١٧٢يُغَنِّي لِسَانِي بِأَقْوَالِكَ، لِأَنَّ كُلَّ وَصَايَاكَ عَدْلٌ.
١. تُنَبِّعُ شَفَتَايَ تَسْبِيحًا إِذَا عَلَّمْتَنِي فَرَائِضَكَ: أراد صاحب المزمور لكلماته (شَفَتَايَ… لِسَانِي) أن تسبّح الله وتمدح كلمته. وعرف أنه في الغالب أن الكلمات إما أن تكون شريرة أو باطلة أو كليهما. لكنه كان مصممًا على أن يسمع الآخرون تسبيحه لله ومديحه لكلمته.
· “في التعبيرين ’ينبّع‘ و’يغنّي،‘ ربما يكون هنالك ترنيم شخصي عفوي وجماعي على التوالي. إذ تفيد كلمة ’تنبّع‘ معنى بقبقة الماء وهو يخرج من النبع، وتفيد كلمة ’يغنّي‘ (حرفيًّا ’لساني يجيب‘) معنى تسبيح من مجموعتين في جوقة.” كيدنر (Kidner)
٢. تُنَبِّعُ شَفَتَايَ تَسْبِيحًا إِذَا عَلَّمْتَنِي فَرَائِضَكَ: كان بمقدور شفتي صاحب المزمور أن تسبّحا الله لأنه عُلِّم كلمة الله. فلم تسبّح شفتا صاحب المزمور الله بالطبيعة. بل كان عليه أن يتعلّم حق الله، وأن يتعلّمه من الله نفسه. فقد أنارت كلمة الله تسبيحه وأغنته. فكان تسبيحًا عاقلًا مستنيرًا.
· “ومع ذلك، من منّا يصلح للتسبيح غير الذين علّمهم الله؟ فالترنيمة الجديدة لا تتوافق مع القلب القديم.” بريدجز (Bridges)
٣. لِأَنَّ كُلَّ وَصَايَاكَ عَدْلٌ: عرف صاحب المزمور نقاوة كلمة الله وعصمتها، فجعله هذا يرغب في التحدث عنها للآخرين. فكان واثقًا في قناعته.
· “ثم علينا أن نكسر صمتنا الآثم… فلا ينبغي لنا أن نتكلم عن أعمال الله فحسب، بل نتكلم بكلمته أيضًا.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (١٧٣-١٧٤): الحنين إلى الخلاص ومحبة كلمة الله.
١٧٣لِتَكُنْ يَدُكَ لِمَعُونَتِي، لِأَنَّنِي ٱخْتَرْتُ وَصَايَاكَ. ١٧٤ٱشْتَقْتُ إِلَى خَلَاصِكَ يَا رَبُّ، وَشَرِيعَتُكَ هِيَ لَذَّتِي.
١. لِتَكُنْ يَدُكَ لِمَعُونَتِي، لِأَنَّنِي ٱخْتَرْتُ وَصَايَاكَ: أحس صاحب المزمور بأن بمقدوره أن يطلب بجسارة من الله عونًا لأنه اختار أن يحب وصاياه ويحفظها.
· “تذكّرنا هذه الصلاة بمشي بطرس على البحر وبداية غرقه. إذ صرخ هو أيضًا: ’يا ربُّ، نجِّني.‘ فامتدت يد سيده إليه لينقذه.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. ٱشْتَقْتُ إِلَى خَلَاصِكَ يَا رَبُّ، وَشَرِيعَتُكَ هِيَ لَذَّتِي: هذان التعبيران منسجمان. فلأن خلاص الله هو من كلمته وحسبها (١ بطرس ١: ٢٣)، فقد كان أمرًا طبيعيًّا أن يلتذ بكلمة الله ويشتاق إلى خلاص الرب.
· “لطالما كان الخلاص موضوع آمال الأمناء ورغباتهم وأشواقهم وحنينهم منذ آدم إلى هذه الساعة. وسيبقى الحال هكذا إلى أن يعود إلينا بجلال عظيم ذاك الذي سبق أن زارنا في تواضع عظيم، ليكمل فداءنا ويأخذنا إلى نفسه.” هورن (Horne)
د ) الآيات (١٧٥-١٧٦): الاعتماد على كلمة الله الذي يسعى إلينا.
١٧٥لِتَحْيَ نَفْسِي وَتُسَبِّحَكَ، وَأَحْكَامُكَ لِتُعِنِّي. ١٧٦ضَلَلْتُ، كَشَاةٍ ضَالَّةٍ. ٱطْلُبْ عَبْدَكَ، لِأَنِّي لَمْ أَنْسَ وَصَايَاكَ.
١. لِتَحْيَ نَفْسِي وَتُسَبِّحَكَ، وَأَحْكَامُكَ لِتُعِنِّي: أدرك صاحب المزمور أن نفسه احتاجت إلى حياة من الله وإرشاد من كلمته معًا. وسيبني بهذا المزيج من الحياة والإرشاد علاقة صحية بالله.
· “الآية ١٧٥، إلى جانب الآية الأخيرة، الآية ١٧٦، بيان كتابي جيد لما يسمّيه ’تعليم ويستمنستر الأقصر‘ ’غاية الإنسان الرئيسية،‘ أي تمجيد الله والتمتع به إلى الأبد: لِتَحْيَ نَفْسِي وَتُسَبِّحَكَ. لكن الآية الأخيرة، الآية ١٧٦، تذكّرنا بأن هذا التسبيح يأتي من خطاة مساكين ضعفاء ضائعين ضالّين مثلنا.” بويس (Boice)
· يؤكد القسم النهائي من هذا المزمور العظيم الحاجة لصاحب المزمور إلى الله واعتماده عليه. فلم تجعله محبته وتكريسه لكلمة الله أكثر استقلالًا عن الله، بل أكثر اعتمادًا عليه. فما الذي احتاج إليه صاحب المزمور؟
ü الفهم (الآية ١٦٩)
ü الخلاص (١٧٠)
ü القدرة على عبادة الله بشكل سليم (١٧١-١٧٢)
ü القدرة على أن يحيا حياة مستقيمة (١٧٣-١٧٤)
ü قوة على المثابرة (١٧٥)
· “يُكشف الوعي بالاحتياج في كل التماس متتالٍ. غير أن الترنيمة ليست عويلًا من اليأس، لأنه يوجد إلى جانب الإحساس بالاحتياج اقتناع عميق واضح طوال هذا القسم بكفاية إرادة الله.” مورجان (Morgan)
٢. ضَلَلْتُ، كَشَاةٍ ضَالَّةٍ: ينهي صاحب المزمور بملاحظة مؤثرة. تَذكَّر صاحب المزمور هشاشته وميوله الآثمة (ضَلَلْتُ، كَشَاةٍ ضَالَّةٍ)، ولهذا طلب من الله أن يجده.
· نجد هنا أولًا اعترافًا بالنقص والعجز. ويعني هذا في واقع الأمر نقصًا وعجزًا دائمين، لأن الكلمة العبرية المستخدمة لا تشير إلى الماضي فحسب، بل إلى الحاضر أيضًا.” سبيرجن (Spurgeon)
· لم يصبح صاحب المزمور بارًّا ذاتيًّا بسبب تأملاته وعبادته لله رغم تصريحاته المتكررة أنه أطاع تعاليم الكتاب المقدس.” بويس (Boice)
· هذه الآية عاطفية للغاية وممتلئة بالدموع، لأننا جميعًا ضالون حقًّا، ولذلك يتوجب علينا أن نصلي أن يفتقدنا ويحملنا الراعي الصالح، الرب يسوع المسيح، الذي هو مبارَك إلى الأبد. آمين.” بويس (Boice) نقلًا غن لوثر (Luther)
· “لم يكن مثل كلب يستطيع أن يجد طريقه إلى البيت بطريقة ما، لكنه كان كخروف ضال ابتعد أكثر فأكثر عن البيت. غير أنه كان خروفًا. كان خروف الرب، مقتناه الثمين في نظره، ولهذا رجا أن يُطلَب لكي يُسترد.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. ٱطْلُبْ عَبْدَكَ، لِأَنِّي لَمْ أَنْسَ وَصَايَاكَ: يمكننا أن نخمّن أن الله طلب عبده في كلمته. فالله يسعى إلينا ويطلبنا في كلمته. وكلمته تمتحنا، وتشجعنا، وتقوينا، وتوبخنا، وتعيننا، وتفهِّمنا، وتحمينا.
· ٱطْلُبْ عَبْدَكَ: “إنه عبد مسكين، ضائع، ضعيف، آثم، بل غير نافع (انظر لوقا ١٧: ١٠)، لكنه ما زال عبدًا لله.” بويس (Boice)
· يصف صاحب المزمور خبرة رومية ٧: ٢١: ’إِذًا أَجِدُ ٱلنَّامُوسَ لِي حِينَمَا أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ ٱلْحُسْنَى أَنَّ ٱلشَّرَّ حَاضِرٌ عِنْدِي.‘ وكان لدى صاحب المزمور في تلك الفترة المبكرة نفس العلاج الذي وجده الرسول بولس في أزمنة لاحقة، لأن خلاص الله واحد: “وَيْحِي أَنَا ٱلْإِنْسَانُ ٱلشَّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هَذَا ٱلْمَوْتِ؟ أَشْكُرُ ٱللهَ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ رَبِّنَا.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن ستيفن (Stephen)
· “إن نغمة إلحاح الحاجة في نهاية المزمور برهان كافٍ أن محبة كلمة الله – التي حفزت الكتبة في كل عصر – لا تلزم أن تتقسى بالكبرياء الأكاديمية. وما كان يمكن لهذا الرجل أن ينضم إلى موقف الفريسي (في مثل الفريسي والعشّار) الذي هنّأ نفسه، لكن يمكن أن ينضم إلى العشّار الذي وقف بعيدًا، لكنه رجع إلى بيته مبرَّرًا.” كيدنر (Kidner)
· ينتهي هذا المزمور بتذكير أن قوة كلمة الله وعظمتها لا تكمنان في الذكاء الأدبي. فعظمتها ومجدها يكمنان في حقيقة أن الله يأتي إلينا في كلمته ومن خلالها.
· “لا أعتقد أنه يمكن أن تكون هنالك خاتمة أكثر ملاءمة لمثل هذا المزمور العظيم الممتلئ بالخبرات المتنوعة والأطر والمشاعر المتغيرة باستمرار لابن من أبناء الله، في أيام الصحو وأيام المطر، في الهدوء وفي العاصفة، حيث هنالك الإحساس المستمر بميله إلى التيهان، والتعبير عن عجزه المطلق عن إيجاده المطلق عن إيجاد طريقه ثانية من دون يد الله الهادية لكي تسترده.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن بوشييه (Bouchier)
“قدر ما استطعتُ، وقدر ما أعانني الرب، تناولتُ هذا المزمور العظيم، وشرحته. وهذه مهمة قام بها وسيقوم بها مفسّرون أكثر قدرة وتعلُّمًا مني. لكني لن أحجب خدماتي بسبب هذا.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن أوغسطين (Augustine)