تفسير سفر المزامير – مزمور ١٤٧
تسبيح إله الرعاية والخلق
هذا مزمور ثانٍ من آخر المزامير الخمسة التي لا عنوان لها في النص العبري. ويبدأ كل واحد من هذه المزامير الخمسة وينتهي بكلمة ’هلّلويا،‘ أي ’سبّحوا الرب.‘
أولًا. تسبيح الرب على حمايته وحفظه
أ ) الآية (١): صلاح تسبيح الرب (هلّلويا).
١سَبِّحُوا ٱلرَّبَّ، لِأَنَّ ٱلتَّرَنُّمَ لِإِلَهِنَا صَالِحٌ. لِأَنَّهُ مُلِذٌّ. ٱلتَّسْبِيحُ لَائِقٌ.
١. سَبِّحُوا ٱلرَّبَّ (هلّلويا): هاتان الكلمتان إعلان لتسبيح الرب وتشجيع على ذلك في الوقت نفسه. فصاحب المزمور يحثّنا على المشاركة معه في تسبيح يهوه.
· “لا توجد سماء، لا في هذا العالم، ولا في العالم الآتي، لأناس لا يسبّحون الله. فإذا لم تدخل في روح السماء وعبادتها، فكيف يمكن لفرح السماء أن يدخلك؟” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن باسفورد (Puslford)
٢. لِأَنَّ ٱلتَّرَنُّمَ لِإِلَهِنَا صَالِحٌ: كان صوابًا أن يطلب صاحب المزمور من نفسه والآخرين أن يسبّحوا الرب. وافترض أن شعب الرب سيفعل هذا من خلال الترنيم. ويأتي صلاح التسبيح من حقيقة أنه في حد ذاته مُلِذ (مُسِر) ولائق (جميل).
· تقول مزمور ٣٣: ١ إن التسبيح المقدم من المستقيمين حلو. والترنيم الحقيقي جميل بالنسبة لشعبه كمجتمع، وللعابد الفرد.
· التسبيح ملذ ولائق (جميل) للبشر. “إنه أمر لائق وملائم أن يعترف كل مخلوق عاقل بالكائن الأسمى. وبما أنه لا يفعل شيئًا غير الخير (الصلاح) لأبناء البشر، فإن عليهم أن يسبحوا اسمه.” كلارك (Clarke)
· “بما أن التسبيح لائق، فإن الإنسان غير الشكور مشهد قبيح غير مرضيّ عنه.” تراب (Trapp)
ب) الآيات (٢-٦): رعاية الله وقوّته.
٢ٱلرَّبُّ يَبْنِي أُورُشَلِيمَ. يَجْمَعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ. ٣يَشْفِي ٱلْمُنْكَسِرِي ٱلْقُلُوبِ، وَيَجْبُرُ كَسْرَهُمْ. ٤يُحْصِي عَدَدَ ٱلْكَوَاكِبِ. يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ. ٥عَظِيمٌ هُوَ رَبُّنَا، وَعَظِيمُ ٱلْقُوَّةِ. لِفَهْمِهِ لَا إِحْصَاءَ. ٦ٱلرَّبُّ يَرْفَعُ ٱلْوُدَعَاءَ، وَيَضَعُ ٱلْأَشْرَارَ إِلَى ٱلْأَرْضِ.
١. ٱلرَّبُّ يَبْنِي أُورُشَلِيمَ. يَجْمَعُ مَنْفِيِّي (منبوذي) إِسْرَائِيلَ: يصف صاحب المزمور صلاح الله وعظمته لكي يكون لديه وللآخرين أسباب لتسبيح الرب. والسبب الأول هو اهتمام الله النشط بأورشليم. وربما تكون هذه إشارة الاسترداد بعد السبي.
· يخبرنا الإصحاح الثاني عشر من سفر نحميا كيف إحضار اللاويين إلى المدينة لقيادة احتفال كبير ’بِفَرَحٍ وَبِحَمْدٍ وَغِنَاءٍ بِٱلصُّنُوجِ وَٱلرَّبَابِ وَٱلْعِيدَانِ‘ (نحميا ١٢: ٢٧). فكان ملائمًا لهم أن يرنموا هذا المزمور، وبشكل خاص الآيتين ٢-٣.
· في عظة معنونة ’تشجيع جيد للمنبوذين،‘ فكّر سبيرجن (Spurgeon) في أنواع مختلفة من المنبوذين الذين يجمعهم ويباركهم الرب اليوم.
ü قد يكون المنبوذون هم الأكثر فقرًا واحتقارًا بين الناس.
ü قد يكون المنبوذون هم الذين جعلوا أنفسهم هكذا بِشرّهم.
ü قد يكون المنبوذون هم الذين حكموا على أنفسهم بأنهم منبوذون.
ü قد يكون المنبوذون هم الذين ارتدوا من الكنيسة.
ü قد يكون المنبوذون هم سقطوا في كآبة روحية عميقة.
ü قد يكون المنبوذون هم يتألمون من أجل البر.
٢. يَشْفِي ٱلْمُنْكَسِرِي ٱلْقُلُوبِ: لا يهتم الله بالمجتمعات فحسب، لكن بالأفراد أيضًا. والمتألمون – كسيرو القلب والمجروحون – هم موضوع اهتمامه الخاص.
· “القلوب مكسورة بسبب خيبة الأمل. والقلوب مكسورة بسبب الفجيعة. والقلوب مكسورة بطرق لا تُحصى، لأن هذا عالم كاسر للقلوب. والمسيح ماهر في شفاء كل أنواع كسور القلب.” سبيرجن (Spurgeon)
· أدرج سبيرجن (Spurgeon) أسبابًا كثيرة تجعل يسوع ماهرًا في شفاء القلب الكسير:
ü لقد تَعَلَّمَ يسوع هذا ليؤهَّل لهذا العمل، بعد أن كُسِر قلبه.
ü يسوع صاحب خبرة في هذا المجال، حيث شفى قلوبًا كسيرة على مدى ألفي عام.
ü يسوع مستعد لأن يقبل أسوأ المرضى، ولم يفقد واحدًا منهم بعد.
ü يسوع شفى القلوب المكسورة بأدوية وفّرها بنفسه.
· “أن يعرف الله عدد النجوم فهذا أمر متوقع منه. لكن أن يكون قادرًا على أن ينحني على قلب واحد كسير ويربطه بتعاطفه، ويشفيه بجراحه المتدفقة، فإن هذا رائع، مذهل، بديع!” ميير (Meyer)
٣. يُحْصِي عَدَدَ ٱلْكَوَاكِبِ. يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ: إن نفس الإله الذي يعرف كل النجوم (ٱلْكَوَاكِبِ) بأسمائها يهتم بأمر الفرد أيضًا. إذ يمتد جلاله إلى كلا الاتجاهين، من امتداد الكون إلى احتياج الفرد.
· سمح لنا صاحب المزمور بأن نصل إلى الاستنتاج المنطقي، أي أنه إذا كان الله يعرف النجوم وأسماءها، فإن من المؤكد أنه يعرفني وأنه يسمّيني.
· من الواضح أنه في زمن ماثيو بوله (Matthew Poole) (١٦٢٤-٧٩)، حصى الفلكيون ١٠٢٥ نجمًا وكوكبًا. “يحصي الرب عدد النجوم التي لا يستطيع إنسان أن يحصيها (تكوين ٢٢: ١٧). فبالنسبة للفلكيين الذين يَعُدّون ١٠٢٥ كوكبًا ونجمًا، فإن هذه النجوم والكواكب التي يرونها بوضوح بالعين والتي لها أعظم تأثير.” وفي القرن الحادي والعشرين يقدّر العلماء أن هنالك مليار تريليون نجم في الكون المرئي، ويعرف الله عددها الدقيق.
· يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ: “لا يعني هذا أنه يعطيها تسميات، بل يعني أنه ينادي عليها كما ينادي القائد العسكري جنود فرقته في قائمة التفقد العسكري. ويمكن أن توحي بمعرفته الكاملة لكل فرد من جنوده الذين لا حصر لهم.” ماكلارين (Maclaren)
· “ليست النجوم قِوى أو آلهة كما في الشرق الأدنى القديم، بل كيانات يتسيد عليها الرب.” فانجيميرين (VanGemeren)
٤. عَظِيمٌ هُوَ رَبُّنَا، وَعَظِيمُ ٱلْقُوَّةِ: مرة أخرى يصف صاحب المزمور الله في أعلى جلاله (لِفَهْمِهِ لَا إِحْصَاءَ)، وفي الجوانب الدنيا الأكثر رأفة من جلاله (ٱلرَّبُّ يَرْفَعُ ٱلْوُدَعَاءَ).
· “إنه يقلب رأسًا على عقِب الحجة المألوفة التي تقول إن شؤوننا الصغيرة في مثل هذا الكون العظيم دقيقة جدًّا بحيث لا تلاحَظ.” كيدنر (Kidner)
· لِفَهْمِهِ لَا إِحْصَاءَ: “لا يوجد استيعاب لحكمته، ولا قياس لمعرفته. فهو أزلي في وجوده، وفي قوّته، وفي معرفته، كما تعلمنا هذه العبارات الثلاث بوضوح.” سبيرجن (Spurgeon)
٥. ٱلرَّبُّ يَرْفَعُ ٱلْوُدَعَاءَ، وَيَضَعُ ٱلْأَشْرَارَ إِلَى ٱلْأَرْضِ: يشبه هذا إلى حد كبير العبارة التي تتردد عبر الكتاب المقدس: ’كَمَا أَنَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِٱلْمُسْتَهْزِئِينَ، هَكَذَا يُعْطِي نِعْمَةً لِلْمُتَوَاضِعِينَ‘ (أمثال ٣: ٣٤؛ يعقوب ٤: ٦؛ ١ بطرس ٥: ٥).
· “إنه يعكس الترتيب الشرير للأشياء. فالودعاء هم تحت، وهو يرفعهم. والأشرار معظَّمون، وهو يلقي بهم إلى التراب.” سبيرجن (Spurgeon)
· “كما يصنَّف المرء في أحد هذين القسمين، يمكنه أن يتوقع من السماء عاصفة أو أشعة الشمس، رحمة أو دينونة.” هورن (Horne)
ثانيًا. تسبيح الله على عمله في الخليقة
أ ) الآيات (٧-٩): الحث على ترنيم تسابيح للرب.
٧أَجِيبُوا ٱلرَّبَّ بِحَمْدٍ. رَنِّمُوا لِإِلَهِنَا بِعُودٍ. ٨ٱلْكَاسِي ٱلسَّمَاوَاتِ سَحَابًا، ٱلْمُهَيِّئِ لِلْأَرْضِ مَطَرًا، ٱلْمُنْبِتِ ٱلْجِبَالَ عُشْبًا، ٩ٱلْمُعْطِي لِلْبَهَائِمِ طَعَامَهَا، لِفِرَاخِ ٱلْغِرْبَانِ ٱلَّتِي تَصْرُخُ.
١. أَجِيبُوا ٱلرَّبَّ بِحَمْدٍ: عندما نفهم جلال الله في كل من تعبيريه السماوي والأرضي، يفترض أن يخلق فينا هذا استجابة طبيعية من الحمد. فنحن نجلب حمدنا وتسبيحنا بالترانيم، والشكر والموسيقى (رَنِّمُوا لِإِلَهِنَا بِعُودٍ).
· لِإِلَهِنَا: “إنه إلهنا سواء أكان إله آخرين أيضًا أم لا. وهو إلهنا باختياره لنا، وباختيارنا له. وهو إلهنا بموجب عهد أبدي نلزم به نحن أنفسنا.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. الْكَاسِي ٱلسَّمَاوَاتِ سَحَابًا، ٱلْمُهَيِّئِ لِلْأَرْضِ مَطَرًا: تجتمع قوة الله واهتمامه المُحِب معًا في عمله في الطبيعة. وهو يجلب المطر، وينمّي العشب ويعطي البهائم طعامها.
· لِفِرَاخِ ٱلْغِرْبَانِ: “… التي يذكرها جزئيًّا، لأنها كانت محتقرة للغاية، وبشكل خاص لدى اليهود الذين عدّوها طعامًا نجسًا ومحرّمًا؛ وجزئيًّا، لأنها جشعة ونَهِمة؛ وجزئيًّا، لأنها مهملة لا من البشر فحسب، بل أيضًا تُترك من أمهاتها حالما تستطيع الطيران. ولهذا فإنها كلّيًّا لاهتمام الرعاية الإلهية وحفظها.” بوله (Poole)
· “الرب متسيد على خليقته ومهتم بها، فلا يهتم بالنجوم العظيمة الرائعة فحسب، بل أيضًا بالمخلوقات الوضيعة في الأرض أيضًا. فما أعظم الاختلاف بين إله إسرائيل والبعل الذي كانت قواه المزعومة المرتبطة بالمطر والخصب! فلا يوجد أي وجه للمقارنة.” فانجيميرين (VanGemeren)
ب) الآيات (١٠-١١): ما يسر الرب.
١٠لَا يُسَرُّ بِقُوَّةِ ٱلْخَيْلِ. لَا يَرْضَى بِسَاقَيِ ٱلرَّجُلِ. ١١يَرْضَى ٱلرَّبُّ بِأَتْقِيَائِهِ، بِٱلرَّاجِينَ رَحْمَتَهُ.
١. لَا يُسَرُّ بِقُوَّةِ ٱلْخَيْلِ: نحن نولي اهتمامًا كبيرًا بقوة خليقة الله، سواء أكانت قوة الخيل أو قوة ساقي الرجل. لقد خلق الله هذه الأشياء، لكنها ليست ما تسرّه بشكل أساسي.
٢. يَرْضَى ٱلرَّبُّ بِأَتْقِيَائِهِ (بمن يخافونه): إن ما يسر الله هو توقير شعبه له واتكالهم عليه. ويسر أيضًا بالراجين رحمته، لأنهم يكرمونه بثقتهم به.
· الرحمة هي ترجمة للكلمة العبرية ’حِسِدْ‘ التي تشير إلى محبة الله العظيمة، وبشكل خاص في سياق ولائه لوعوده وعهده. ويُسَر الله عندما نضع رجاءنا في محبته الوفية، لطفه أو كرمه المتسم بالمحبة.
· بِأَتْقِيَائِهِ… بِٱلرَّاجِينَ: “علامتا الولادة الجديدة هما الخوف (التقوى) والرجاء. وهم يخافون لأنهم خطاة، ويرجون لأن الله رحيم. يخافونه لأنه عظيم، ويرجونه لأنه صالح، وخوفهم يصحّي رجاءهم، بينما يضيء رجاؤهم خوفهم. ويسَر الله بكليهما في ارتعادهم وفي فرحهم.” سبيرجن (Spurgeon)
ثالثًا. تسبيح الله على حكمته وقوته وكلمته
أ ) الآيات (١٢-١٨): مزيد من التسبيح لإله العناية والقوة العظيمين.
١٢سَبِّحِي يَا أُورُشَلِيمُ ٱلرَّبَّ، سَبِّحِي إِلَهَكِ يَاصِهْيَوْنُ. ١٣لِأَنَّهُ قَدْ شَدَّدَ عَوَارِضَ أَبْوَابِكِ. بَارَكَ أَبْنَاءَكِ دَاخِلَكِ. ١٤ٱلَّذِي يَجْعَلُ تُخُومَكِ سَلَامًا، وَيُشْبِعُكِ مِنْ شَحْمِ ٱلْحِنْطَةِ. ١٥يُرْسِلُ كَلِمَتَهُ فِي ٱلْأَرْضِ. سَرِيعًا جِدًا يُجْرِي قَوْلَهُ. ١٦ٱلَّذِي يُعطِي ٱلثَّلْجَ كَٱلصُّوفِ، وَيُذَرِّي ٱلصَّقِيعَ كَٱلرَّمَادِ. ١٧يُلْقِي جَمْدَهُ كَفُتَاتٍ. قُدَّامَ بَرْدِهِ مَنْ يَقِفُ؟ ١٨يُرْسِلُ كَلِمَتَهُ فَيُذِيبُهَا. يَهُبُّ بِرِيحِهِ فَتَسِيلُ ٱلْمِيَاهُ.
١. سَبِّحِي يَا أُورُشَلِيمُ ٱلرَّبَّ (هللويا): يأتي الحض على التسبيح مرة أخرى مع كلمة ’هللويا‘ (سبّحي الرب). ومع زيادة فهمنا لقوة الله واهتمامه، يفترض أن يزداد تسبيحنا له.
٢. لِأَنَّهُ قَدْ شَدَّدَ عَوَارِضَ أَبْوَابِكِ: يبدأ هذا سلسلة من أربعة أعمال عظيمة رحيمة سبق أن فعلها الرب من أجل شعبه. وكل واحد منها سبب للتسبيح. فليست عبادتنا افتنانًا فارغًا. بل هي امتنان لصلاح (خير) محدد وتوقُّع صلاح (خير) مستقبل.
· يعطي أمانًا (يشدد عَوَارِضَ أَبْوَابِكِ).
· يعطي مستقبلًا (يبارك أَبْنَاءَكِ دَاخِلَكِ).
· يعطي سلامًا (يَجْعَلُ تُخُومَكِ سَلَامًا).
· يوفّر الاحتياجات (يُشْبِعُكِ مِنْ شَحْمِ ٱلْحِنْطَةِ).
ü شَدَّدَ عَوَارِضَ أَبْوَابِكِ: “اكتملت تحصينات أورشليم الآن. وتوفّر قوّتها أمانًا للشعب المتجمع في المدينة. فعلى الأرض التي خرّبتها الحرب ذات يوم، يرفرف السلام. وها هي الحقول التي كانت مقفرة ذات يوم تعطي حصادها.” ماكلارين (Maclaren)
٣. يُرْسِلُ كَلِمَتَهُ (أمْره) فِي ٱلْأَرْضِ: يبدأ هذا سلسلة من أوصاف قصيرة لحضور الله وعمله في العالم الطبيعي، حيث يبدأ عمله فيه بإصدار أمر (كلمته) للأرض. وسَرِيعًا جِدًا يُجْرِي قَوْلَهُ.
· طلب الرسول بولس في رسالته الثانية إلى أهل تسالونيكي ٣: ١ صلاة ’كَيْ تَجْرِيَ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ وَتَتَمَجَّدَ.‘ ومن المرجح أن هذه الآية ١٥ من هذا المزمور كانت في ذهنه وهو يكتب هذا.
· سَرِيعًا جِدًا يُجْرِي قَوْلَهُ: “إن كانت كلمة الله تجري بسرعة كبيرة، فإنها تستطيع أن تسبق الذين يهربون منها. فلا يستطيع الرب أن يأتي سريعًا إلى الذين يطلبونه فحسب، بل يستطيع أن يسبق الذين يسارعون إلى الهرب منه.” سبيرجن (Spurgeon)
· كَلِمَتَهُ (أمْره): “… التي هي كافية من دون أية أدوات لتنفيذ ما يشاء، سواء أكان في الطبيعة أم في مجال العناية الإلهية. سَرِيعًا جِدًا يُجْرِي قَوْلَهُ. ويتم هذا من دون أي تأخير أو صعوبة.” بوله (Poole)
٤. يُعطِي ٱلثَّلْجَ كَٱلصُّوفِ: فكّر صاحب المزمور في قوة الله كما تُرى في الطقس البارد. فالثلج والصقيع والجَمَد (البرَد)، والبرْد كلها تعبيرات عن قوة الله في الطبيعة. وعندما يرسل الله كلمته ويذيبها، فإن هذا تعبير آخر عن قدرته.
· تصف رسالة العبرانيين ١: ٣ يسوع بصفته ’حَامِلَ كُلَّ ٱلْأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ،‘ أي الذي يجعلها تتماسك. وتذكّرنا الآية ١٨ بأنه حتى النظام الطبيعي للثلج والذوبان وتدفُّق المياه تحدث عندما يرسل الله كلمته.
· يُرْسِلُ كَلِمَتَهُ فَيُذِيبُهَا: “يمكن بسهولة أن يذيب أقسى القلوب بكلمته والتي تُفَعَّل لهذا الغرض بروحه القدوس. فإذا هبّت هذه الريح، فإن مياه التوبة ستتدفق.” تراب (Trapp)
· يَهُبُّ بِرِيحِهِ: حاولت إسبانيا أن تغزو إنجلترا في عام ١٥٨٨. فكانت أول خطوة في خطتها أن يحطموا الأسطول البريطاني. فأرسلت ١٣٠ سفينة حربية ضد ٩٠ سفينة إنجليزية. وفي مرحلة حاسمة من المعركة الطويلة، جاءت رياح عنيفة ودفعت الأسطول الإسباني بعيدًا، حيث هلك أكثر من نصف سفنه. “كان الانتصار الإنجليزي تامًّا، وكانت الهزيمة الإسبانية كلية. فاحتفل الإنجليز بخلاصهم بسكّ عملات معدنية جيدة نقشت عليها عبارة لاتينية تقول Affavit Deus أي “الله يهب بريحه،” وهي مأخوذة من مزمور ١٤٧: ١٨: “يُرْسِلُ كَلِمَتَهُ فَيُذِيبُهَا. يَهُبُّ بِرِيحِهِ فَتَسِيلُ ٱلْمِيَاهُ. ففي تلك الأيام، كانت هنالك أمة واحدة على الأقل تعرف كيف تسبّح الله على سلامتها.” بويس (Boice)
ب) الآيات (١٩-٢٠): حضور كلمة الله وصلاحها لإسرائيل.
١٩يُخْبِرُ يَعْقُوبَ بِكَلِمَتِهِ، وَإِسْرَائِيلَ بِفَرَائِضِهِ وَأَحْكَامِهِ. ٢٠لَمْ يَصْنَعْ هَكَذَا بِإِحْدَى ٱلأُمَمِ، وَأَحْكَامُهُ لَمْ يَعْرِفُوهَا. هَلِّلُويَا.
١. يُخْبِرُ يَعْقُوبَ بِكَلِمَتِهِ: إن الإله الذي يأمر ويوجه العالم الطبيعي من خلال كلمته هو نفسه الذي جلب الإعلان عن قلبه وفكره إلى إسرئيل من خلال كلمته.
· يبيّن إعلان الله أنه يَعُد البشر عقلانيين وقادرين على إقامة علاقة. فهو بمخاطبتنا، لا ببرمجتنا، يبيّن أنه يسعى إلى إقامة علاقة، لا إلى مجرد سلسلة من الأحداث تنتظر التنفيذ.” كيدنر (Kidner)
· “كان اليهود حافظي مكتبة الله. فقد عُهِدت إليهم (كفضل خاص) إعلانات الله الحية المُحْيِيَة. (رومية ٣: ٢).” تراب (Trapp)
· “الخالق نفسه هو كاشف الإعلان ينبغي أن نسبّح الرب فوق كل شيء على أنه أظهر نفسه لنا.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. لَمْ يَصْنَعْ هَكَذَا بِإِحْدَى ٱلأُمَمِ: اختار الله بشكل فريد لتكون متلقّية لكلمته المعلنة ووصيةً عليها. فلم يختر الله الفلسطيين أو الأدوميين أو المصريين لهذا الدور. فلم تعرف الأمم الأخرى أحكام الله (أي كلمته).
· كما سيكتب الرسول بولس لاحقًا، فإن إحدى المزايا الرئيسية التي أعطاها الله لإسرائيل هو أنه عهِد إليهم بإعلاناته (رومية ٣: ٢). فتلقّت إسرائيل هذه المسؤولية بجدية، وحرصت حرصًا كبيرًا على نسخ الأسفار العبرية، وتعلُّمها والمحافظة عليها.
· “لا يبتهج صاحب المزمور لأن الأمم الأخرى لم تتلقَّ هذا الإعلان، بل لأن إسرائيل تلقّتها. وامتيازها هو مسؤوليتها. فقد تلقّتها لكي تطيعها، وبعد ذلك توصلها لتلك الأمم الأخرى.” ماكلارين (Maclaren)