تفسير سفر المزامير – مزمور ١٠
من أزمنة الضيق إلى الثقة الهادئة
لأنّ هذا المزمور يحمل عنوانًا في وسط عدة ترانيم تحمل عناوين، ولأنه يشارك أفكارًا مشابهة مع المزمور التاسع، فقد اعتقد بعضهم أنه كان في الأصل النصف الثاني من المزمور التاسع. وتوجد أسباب أكثر للشك في هذا الرأي. فهذا المزمور يقف وحده كمزمور رثاء على نجاح الأشرار البادي، لكنه في نهاية الأمر مزمور ثقة بدينونة الله.
“لا يوجد في رأيي مزمور كهذا المزمور يصف فكر الأشرار وأساليبهم وأعمالهم وكلماتهم ومصيرهم بمثل هذه اللياقة والشمول والنور.” تشارلز سبيرجن (Charles Spurgeon) نقلًا عن مارتن لوثر (Martin Luther)
أولًا. التشكيك في نجاح الأشرار
أ ) الآيات (١-٤): التشكيك في خمول الله ضد الأشرار.
١يَا رَبُّ، لِمَاذَا تَقِفُ بَعِيدًا؟ لِمَاذَا تَخْتَفِي فِي أَزْمِنَةِ الضِّيقِ؟ ٢فِي كِبْرِيَاءِ الشِّرِّيرِ يَحْتَرِقُ الْمِسْكِينُ. يُؤْخَذُونَ بِالْمُؤَامَرَةِ الَّتِي فَكَّرُوا بِهَا. ٣لأَنَّ الشِّرِّيرَ يَفْتَخِرُ بِشَهَوَاتِ نَفْسِهِ، وَالْخَاطِفُ يُجَدِّفُ. يُهِينُ الرَّبَّ. ٤الشِّرِّيرُ حَسَبَ تَشَامُخِ أَنْفِهِ يَقُولُ: «لاَ يُطَالِبُ». كُلُّ أَفْكَارِهِ أَنَّهُ لاَ إِلهَ. (ليس الله في أيٍّ من أفكاره).
١. يا رَبُّ، لِمَاذَا تَقِفُ بَعِيدًا؟ هنا يطرح صاحب المزمور سؤالًا يعرفه جيدًا أولئك الذين يتبعون الله: فهنالك قلق وانزعاج بسبب خمول الله البادي. أحس صاحب المزمور بأن الله بعيد، بل إنه (يختبئ) يخْتَفِي فِي أَزْمِنَةِ الضِّيقِ.
· “إن حضور الله فرحٌ لشعبه. لكن أي شك في غيابه سيشتّت الانتباه إلى حد بعيد… ليست المحنة التي يمكن أن نتعرض لها هي التي تقصم ظهرنا بشكل سريع، بل إخفاء وجه أبينا السماوي.” سبيرجن (Spurgeon)
· أَزْمِنَة ٱلضِّيقِ: يقول ماكلارين (Maclaren) إنها مفردة نادرة الاستخدام في العبرية، وهي لا تستخدم إلا هنا وفي مزمور ٩:٩. “وهي تعني القطع، أي قطع الأمل في الإنقاذ. وتتكثف فكرة الضيق إلى أن توصل المرء إلى اليأس.”
٢. فِي كِبْرِيَاءِ ٱلشِّرِّيرِ يَحْتَرِقُ ٱلْمِسْكِينُ (يضطهد الشرير في كبريائه الشرير): يشرح هذا سبب انزعاج صاحب المزمور من خمول الله البادي. فهو يرى الرجل الشرير المتكبر الذي لا يضطهد المساكين ويوافق الخطاة (يبارك الجشعين) فحسب، بل أيضًا يخطئ إلى الله. فهو يجدف ويهين (أو ينكر) الرب، ولا يطلب الله… وليس الله في أيٍّ من أفكاره.
· ندرك فورًا أن أي شخص يُهِينُ (ينكر) الرب آثم. غير أن صاحب المزمور يضع كل من لا يطلب الله ومن لا يفكر في الله في نفس الفئة مع الذي يهين الله.
· لا يطلب الناس الله، وهذه خطية عظيمة. ولا يفكر الناس في الله، وهذه خطية عظيمة. فللإنسان التزامات تجاه الله بصفته خالقه وسيده، وإنها لخطيةٌ أن نهمل ذلك. ويرتكب الإنسان هذه الخطايا بسبب كبريائهم. وإن إهمالنا لله تعبير عن استقلاننا وإحساسنا بمساواتنا به أو حتى تفوّقنا عليه.
· لاحظ بوله (Poole) أن الكبرياء هي في القلب، لكنها تظهر في مُحَيّا الإنسان (تعابير وجهه)، ولهذا يشار إليها عادة على أنها “تَشَامُخُ الأَنْفِ” أو النظرات المتعالية.
· “لا يتفق الوجه البرونزي والقلب المكسور معًا أبدًا… فالصراحة تسطع في الوجه، لكن النذالة تبصبص من العيون.” سبيرجن (Spurgeon)
· يمكن أن يقال عن الشرير المتكبر في هذا المزمور إن الله ليس في أيٍّ من أفكاره. وفي الوقت نفسه، لا يستطيع أن يفكر في الله، كما سيفعل لاحقًا في مزمور ١١:١٠، ١٣ (قَالَ فِي قَلْبِهِ: «إِنَّ ٱللهَ قَدْ نَسِيَ. حَجَبَ وَجْهَهُ. لَا يَرَى إِلَى ٱلْأَبَدِ… لَا تُطَالِبُ). ومهما حاول، لا يستطيع التوقف عن التفكير في الله.
٣. يُؤْخَذُونَ بِٱلْمُؤَامَرَةِ ٱلَّتِي فَكَّرُوا بِهَا: كانت هذه صلاة صاحب المزمور حول الأشرار. وهي في مزامير أخرى توقُّعٌ واثق (مثل مزمور ١٥:٩). وهي هنا صلاة قلبية.
· “لن يشكك أحد في عدالة الله عندما يعلِّق الله كل هامان على مشنقته الخاصة، ويطرح أعداء كل دانيال في أجباب أسودهم.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٥-٧): كبرياء الأشرار.
٥تَثْبُتُ سُبْلُهُ فِي كُلِّ حِينٍ. عَالِيَةٌ أَحْكَامُكَ فَوْقَهُ. كُلُّ أَعْدَائِهِ يَنْفُثُ فِيهِمْ. ٦قَالَ فِي قَلْبِهِ: «لاَ أَتَزَعْزَعُ. مِنْ دَوْرٍ إِلَى دَوْرٍ بِلاَ سُوءٍ». ٧فَمُهُ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَغِشًّا وَظُلْمًا. تَحْتَ لِسَانِهِ مَشَقَّةٌ وَإِثْمٌ.
١. تَثْبُتُ (تزدهر) سُبْلُهُ فِي كُلِّ حِينٍ: هنا يقدم صاحب المزمور احتجاجًا إلى الله. إذ لا يبدو أن الشرير يتمتع بازدهار دائم فحسب، لكنه يعتقد أيضًا أن دينونات الله بعيدة جدًّا عنه، فلا يراها (عَالِيَةٌ أَحْكَامُكَ فَوْقَهُ).
· يمكننا أن نتخيل صاحب المزمور وهو يفكر هكذا: “لو أن الله يظهِر دينونته لهذا الرجل الشرير – وليته يفعل ذلك – فسيغيّر طرقه.” ربما يبدو هذا الكلام شكوى ضد الله بمعنى ما. غير أنه ينبغي النظر إلى ذلك على أنه ثقة بحكم الله وسلطته. فقد أدرك صاحب المزمور أن الشرير لا يمكن أن يزدهر إلا إذا سمح الله بذلك. ولهذا التمس من الله ألاّ يسمح بذلك.
٢. يَنْفُثُ فِيهِمْ (يسخر بهم)… “لَا أَتَزَعْزَعُ. مِنْ دَوْرٍ إِلَى دَوْرٍ بِلَا سُوءٍ”… فَمُهُ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَغِشًّا وَظُلْمًا: فحَصَ وفضح صاحب المزمور خطايا الرجل الشرير الذي لا يخشى أعداءه. توجد كبرياء وخطية في قَلْبِ الشرير، وفي فَمُه، وتَحْتَ لِسَانِهِ. فلا عجب أن صاحب المزمور طلب من الله أن يوقف هذا النوع من الخطاة!
· يُعجبنا كيف أن كلام الشرير يُعَد خطية مرات كثيرة في المزامير، بينما لا يُعد خطية على الإطلاق في هذه الأيام. “الشتائم، والكذب، والتهديد والكلام المزعج والشرير… هذه كلها هدّامة. وهي كلها تأتي من شخص لا يعتقد أنه سيكون تحت المساءلة.” بويس (Boice)
· “الأشخاص اللعّانون يُلْعَنون.” تراب (Trapp)
· “يا لهذا المعدن الأخلاقي المكتمل! مجدّف وخدّاع وفاسد!” كلارك (Trapp)
· “لا يريد الشرير نبيًّا ليعلّمه، أو كاهنًا ليكفّر عنه خطاياه، أو ملكًا ليقوده، أو مسيحًا ليفديه، أو روحَ قدسٍ ليقدّسه. فالشرير لا يؤمن برعاية إلهية، ولا يعبد أي خالق، ولا يخاف أي قاضٍ.” هورن (Horne)
ج) الآيات (٨-١١): عنف الأشرار وتجديفهم.
٨يَجْلِسُ فِي مَكْمَنِ الدِّيَارِ، فِي الْمُخْتَفَيَاتِ يَقْتُلُ الْبَرِيَّ. عَيْنَاهُ تُرَاقِبَانِ الْمِسْكِينَ. ٩يَكْمُنُ فِي الْمُخْتَفَى كَأَسَدٍ فِي عِرِّيسِهِ. يَكْمُنُ لِيَخْطَفَ الْمِسْكِينَ. يَخْطَفُ الْمِسْكِينَ بِجَذْبِهِ فِي شَبَكَتِهِ، ١٠فَتَنْسَحِقُ وَتَنْحَنِي وَتَسْقُطُ الْمَسَاكِينُ بِبَرَاثِنِهِ. ١١قَالَ فِي قَلْبِهِ: «إِنَّ اللهَ قَدْ نَسِيَ. حَجَبَ وَجْهَهُ. لاَ يَرَى إِلَى الأَبَدِ».
١. يَجْلِسُ فِي مَكْمَنِ ٱلدِّيَارِ: يواصل صاحب المزمور فحصه للرجل (أو الرجال) الشرير الذي سبق أن أزعجه كثيرًا. ومن الملامح الرئيسية لهذا الرجل الشرير هي السرية التي يلجأ إليها (مَكْمَنِ ٱلدِّيَارِ… ٱلْمُخْتَفَيَاتِ… عَيْنَاهُ تُرَاقِبَانِ… يَكْمُنُ… وَتَنْحَنِي…).
٢. يَقْتُلُ ٱلْبَرِيَّ: نرى سمة أخرى للرجل الشرير، وهي أنه متنمّر، حيث يركز عُنفه على الضعفاء (ٱلْبَرِيَّ… ٱلْمِسْكِينَ). وهو لا يتمتع برجولة كافية وشرف كافٍ ليقاتل الذين يمكن أن يقاتلوه بالمقابل بشكل فاعل.
· ٱلْمِسْكِين (الذي لا حول له ولا قوة): “تظهر الحالة المثيرة للشفقة للضحايا في تكرار كلمة ’مسكين‘ أو ’الفقير البائس،‘ وهي لا ترد إلا هنا (مزمور ٨:١٠، ١٠، ١٤).” كيدنر (Kidner)
· “لا ترد كلمة ’ٱلْمِسْكِين‘ إلا في هذا المزمور (الآيات
٨،
١٠،
١٤)، وقد قُدِّمت لها تفاسير كثيرة، لكن يرجح أنها مشتقة من جذر يعني ’يَسْوّد،‘ ومن هنا صار معناها: تعيس، بائس، وما إلى ذلك.” ماكلارين ()
٣. إِنَّ ٱللهَ قَدْ نَسِيَ. حَجَبَ وَجْهَهُ. لَا يَرَى إِلَى ٱلْأَبَدِ: يجعل هذا القتل والاضطهاد والتنمر بالنسبة لصاحب المزمور أسوأ مما هو في حالات أخرى. إذ فعل الشرير ذلك وهو فرِح لفكرة أن ٱللهَ قَدْ نَسِيَ، وقد حَجَبَ وَجْهَهُ فلا يرى الشر الذي قام به الشرير ضد المساكين والضعفاء العاجزين.
· من الشائع أن يعتقد بعضهم أن ٱللهَ قَدْ نَسِيَ لأنه يبدو لهم أنهم ارتكبوا تلك الجرائم منذ وقت طويل. “أليس من الحمق أن نتغافل عن الخطايا التي ارتُكبت منذ وقت طويل؟ فالخطايا القديمة التي ينساها الناس لاصقة في فكر الله اللانهائي. ولا يمكن للزمن أن يمحو شيئًا كان معروفًا منذ الأزل.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن ستيفن تشارنوك (Stephen Charnock).
· يمكننا أن نقول بإنصاف أن هذا تجديف ضد الله مضاف إلى الخطايا الكثيرة التي ارتكبها الشرير ضد الجنس البشري. يمكننا أن نتخيل دم كاتب المزمور يغلي عندما كان يفكر في هذا الخاطئ المبتسم والواثق بنفسه وبالسعادة التي شعر بها حينما فعل الإثم.
· نلاحظ أيضًا فرقًا كبيرًا بين ألم المؤمن الذي يخشى أن ٱللهَ قَدْ نَسِيَ (كما هو متضمن في مزمور ١:١٠) والخاطئ الذي يأمل عبثًا ويعزّي نفسه بفكرة أن ٱللهَ قَدْ نَسِيَ.
ثانيًا. صلاة لله من أجل الحماية والتبرئة
أ ) الآيات (١٢-١٣): مناشدة الله أن يتخذ إجراء.
١٢قُمْ يَا رَبُّ. يَا اَللهُ ارْفَعْ يَدَكَ. لاَ تَنْسَ الْمَسَاكِينَ. ١٣لِمَاذَا أَهَانَ الشِّرِّيرُ اللهَ؟ لِمَاذَا قَالَ فِي قَلْبِهِ: «لاَ تُطَالِبُ»؟
١. قُمْ يَا رَبُّ: دعا صاحب المزمور الله إلى أن يتحرك. “يا رب، يجد هذا الرجل تعزية في فكرة أنك لن تفعل أي شيء ضده. قُمْ يَا رَبُّ. يَا ٱللهُ ٱرْفَعْ يَدَكَ ضد هذا الرجل الشرير.”
· يُفترض غالبًا – وهذا أمر غير مذكور في هذا المزمور الذي لا يحمل عنوانًا – أن داود هو كاتب المزمور، لأنه مرتب في وسط عدة مزامير منسوبة إلى داود بصراحة (المزامير ٣-٩، ١١-٣٢). غير أننا نعرف أن داود كان رجلًا مِقدامًا يتمتع بروح المحارب، ولم يكن يقف في الخلف بشكل سلبي بينما كان الأشرار يقتلون ويرهِّبون الضعفاء والعاجزين. وسيكون الاستثناء الوحيد هو إن كان هذا الرجل الشرير في مكان سلطة معيّنة من الله، مثل شاول في إسرائيل. وربما كان هذا المزمور صرخة من داود إلى الله لكي يوقف شاول، لأنه عرف أنه ليس في مكان يسمح له بأن يرفع يده على مسيح الرب.
٢. لِمَاذَا أَهَانَ ٱلشِّرِّيرُ ٱللهَ؟ أجاب صاحب المزمور عن سؤاله في السطور التالية. يهين الأشرار الله لأنهم يقولون في قلوبهم إن الله لن يطالبهم أو يحاسبهم (لَا تُطَالِبُ).
· “بدلًا من أن يؤدي طول بال الله إلى توبة المرء، فإنه في إثمه يقسّي قلبه. ولأن الحُكم على العمل الشرير لا ينفَّذ سريعًا، فإنه يظن أنه لن يُنفَّذ أبدًا.” هورن (Horne)
· لهذ الملاحظة صلاة متأصلة: “يا رب، حاسِب (طالِب) الرجل الشرير الذي يهينك!”
ب) الآيات (١٤-١٥): طلب عون الله في ضوء لطف الله للمسكين.
١٤قَدْ رَأَيْتَ. لأَنَّكَ تُبْصِرُ الْمَشَقَّةَ وَالْغَمَّ لِتُجَازِيَ بِيَدِكَ. إِلَيْكَ يُسَلِّمُ الْمِسْكِينُ أَمْرَهُ. أَنْتَ صِرْتَ مُعِينَ الْيَتِيمِ. ١٥اِحْطِمْ ذِرَاعَ الْفَاجِرِ. وَالشِّرِّيرُ تَطْلُبُ شَرَّهُ وَلاَ تَجِدُهُ.
١. قَدْ رَأَيْتَ. لِأَنَّكَ تُبْصِرُ ٱلْمَشَقَّةَ وَٱلْغَمَّ: يدرك صاحب المزمور بعد مزيد من التفكير أن الله رأى فعلًا، لأنه يرى أنه يهتم لأمر مشقة المساكين والبائسين وغَمّهم.
٢. لِتُجَازِيَ بِيَدِكَ: نجد هنا ثقة صاحب المزمور بدينونات الله. فإنه أمر يقيني تمامًا أنه سيجازي الأشرار على خطاياهم. وسيستجيب الله فعلًا للمسكين وسيصير مُعِينَ ٱلْيَتِيمِ.
٣. اِحْطِمْ ذِرَاعَ ٱلْفَاجِرِ وَٱلشِّرِّير: يناشد صاحب المزمور الله مساعدة المسكين من خلال تحطيم ذِرَاعَ ٱلْفَاجِرِ وَٱلشِّرِّيرِ وأن يَطْلُبُ شَرَّهُ وَلَا (إلى أن لا) يَجِدُهُ.
ج) الآيات (١٦-١٨): ثقة بدينونات الله.
١٦الرَّبُّ مَلِكٌ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ. بَادَتِ الأُمَمُ مِنْ أَرْضِهِ. ١٧تَأَوُّهَ الْوُدَعَاءِ قَدْ سَمِعْتَ يَا رَبُّ. تُثَبِّتُ قُلُوبَهُمْ. تُمِيلُ أُذُنَكَ ١٨لِحَقِّ الْيَتِيمِ وَالْمُنْسَحِقِ، لِكَيْ لاَ يَعُودَ أَيْضًا يَرْعَبُهُمْ إِنْسَانٌ مِنَ الأَرْضِ.
١. الرَّبُّ مَلِكٌ إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلْأَبَدِ: بدأ صاحب المزمور بيأس كامل تقريبًا في أزمنة الضيق التي مرّ بها. وهو هنا ينهي بثقة هادئة في حكم الرَّبّ بصفته الملكَ الأبدي (الرَّبُّ مَلِكٌ إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلْأَبَدِ).
· منذ زمن طويل أُعلن الله ملكًا على إسرائيل (خروج ١٥:١٨)، حتى عندما رفض شعبه حُكمه (صموئيل الأول ٧:٨-٩). فإن كان داود قد كتب هذا المزمور (بشكل خاص أثناء اضطهاد شاول له)، عندئذٍ تكون لعبارة “الرَّبُّ مَلِكٌ إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلْأَبَدِ” معنى خاص، مدركًا حُكم الله حتى أثناء مُلك شاول الذي عانى من خلل وظيفي.
٢. بَادَتِ ٱلْأُمَمُ مِنْ أَرْضِهِ: أعطى تذكُّر انتصارات الله الماضية على الأعداء القساة لشعبه (في هذه الحال، يكونون الكنعانيين الذين احتلوا أَرْضِهِ) داود ثقة في ما يتعلق بعون الرب حاليًّا.
· “صاروا كلهم إما مقطوعين أو مهتدين. ربما يشير هذا إلى الكنعانيين. يا لرحمة الله العظيمة على بلدنا هنا! كانت ذات يوم وثنية بشكل كامل، والآن لا توجد عائلة وثنية واحدة في بلدنا هذا.” آدم كلارك (Adam Clarke) وهو يتحدث عن بلده الأصلي، إنجلترا.
٣. تَأَوُّهَ ٱلْوُدَعَاءِ قَدْ سَمِعْتَ يَا رَبُّ… تُثَبِّتُ قُلُوبَهُمْ. تُمِيلُ أُذُنَكَ: يواصل صاحب المزامير هنا التعبير عن الثقة الهادئة بالرب. فالله لن يتخلى عن المساكين والمحتاجين، لكنه سيساعدهم ويباركهم.
· “لا يقول داود: قد سمعت صلاة الودعاء. صحيح أنه يعني ذلك، لكنه يعني أكثر بكثير أيضًا. فغالبًا ما تكون لدينا رغبات لا نستطيع التعبير عنها. فهي أكبر وأعظم من أن تُطَوَّع للغة. وفي أحيان أخرى، تكون لدينا رغبات لا نجرؤ على التعبير عنها. نحس بأننا مُنْحَنون وبأننا غير مستحقين على الإطلاق، فلا نجرؤ على الدخول إلى عرش النعمة لنعبّر عن رغباتنا. لكن الرب يسمع رغباتنا التي لا نجرؤ على تقديمها له في الصلاة.” سبيرجن (Spurgeon)
· وبعبارة رائعة – تُثَبِّتُ (تهيّئ) قُلُوبَهُمْ – يذكّرنا صاحب المزمور أن تهيئة القلب روحيًّا هبة عظيمة، واستجابة للصلاة، وعلامة على بركة الله. “من المؤكد أن الرب وحده هو الذي يستطيع أن يهيئ القلب للصلاة. قال كاتب قديم: ’إنّ رفْع جرس على برج أصعب بكثير من قرْعه فيما بعد.‘ وهذه الشهادة صحيحة. فحالما يُرفع الجرس، يمكنك أن تقرعه فورًا وبسهولة. لكن يكمن العمل الجاد في رفع القلب.” سبيرجن (Spurgeon)
· “المتواضعون والوضيعون، مهما عانوا في هذا العالم، مفضَّلون لدى الرب. فهو يهتم برغبات قلوبهم. ومثل هذه القلوب المهيّأة للصلاة أدوات كبيرة تؤلَّف معًا وتُضبط في يد السماء.” هورن (Horne)
· حيثما يعطينا الله قلبًا مصلّيًا، فمن المؤكد أنه سيرينا قلبًا شفوقًا. فإن كان يهيّئ القلب، فإنه سيُميل الأذن أيضًا.” تراب (Trapp)
· “انظروا تدبير نعمة الله: ١. الله يهيئ القلب؛ ٢. يوحي بالصلاة؛ ٣. يسمع ما يُصلَّى من أجله؛ ٤. يستجيب الطلبة. يستطيع أي شخص لديه صرخة في قلبه نحو الله أن يطمئن إلى أن هذه الصلاة انبثقت من إعداد إلهي، وأن الاستجابة ستصل إليه سريعًا. لم يكن لدى أي إنسان صرخة في قلبه للخلاص إلا وكان الله مصدرها. فكل من يواصل الصراخ، لا بدّ أن تُسمع صرخته.” كلارك (Clarke)
٤. لِحَقِّ ٱلْيَتِيمِ وَٱلْمُنْسَحِقِ، لِكَيْ لَا يَعُودَ أَيْضًا يَرْعَبُهُمْ إِنْسَانٌ مِنَ ٱلْأَرْضِ: يختم صاحب المزمور بتوكيد أن عدالة الله ستطبَّق على الأشرار. وهكذا، ما بدا كيأس في أزمنة الضيق انتهى بثقة هادئة بعدالة الله وانتصاره.
· إِنْسَانٌ مِنَ ٱلْأَرْضِ: “إنهم بشر أرضيون فانون، صُنعوا من التراب. هكذا هم مضطهدو الناس.” بوله (Poole)
· “تحت حكم الله، لا بد أن يأتي ذلك اليوم الذي فيه لَا يَعُودَ أَيْضًا يَرْعَبُهُمْ إِنْسَانٌ مِنَ ٱلْأَرْضِ. هذه هي الكلمات الختامية للترنيمة. وهي تشكل استجابة ملائمة للسؤال الافتتاحي.” مورجان (Morgan)