تفسير سفر المزامير – مزمور ١٥٠
ليسبّح كل شيء الربّ
يختتم كل واحد من الأقسام الخمسة من سفر المزامير ببركة نهائية مزمور ٤١: ١٣؛ ٧٢: ١٨-١٩؛ ٨٩: ٥٢؛ ١٠٦: ٤٨). ويمكن أن يُنظر إلى هذا المزمور كله على أنه بركة ختامية تختتم لا القسم الخامس والأخير من مجموعة المزامير، بل سفر المزامير كله.
ولا يتضمن المزمور ١٥٠ أيّة حجة، أو أي تعليم حقيقي، أو أي تفسير. لكنه صرخة بليغة مشبوبة بالعاطفة لكل الخليقة لإعطاء يهوه التسبيح اللائق به.
“المزمور أكثر من مجرد خاتمة فنّيّة لسفر المزامير. فهو نبوّة للنتيجة النهائية لحياة المرء التقية. وفي سطوعه الصافي، إضافة إلى شموليته، يعلن المزمور النهاية الأكيدة للسنوات المرهقة للفرد والعالم.” ألكزاندر ماكلارين (Alexander Maclaren)
أولًا. تسبيح غير محدود لإله غير المحدود في عظمته
أ ) الآية (١): في كل مكان سبِّحوا الرب.
١هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا ٱللهَ فِي قُدْسِهِ. سَبِّحُوهُ فِي فَلَكِ قُوَّتِهِ.
١. هَلِّلُويَا: يشترك آخر المزامير الخمسة في بداية المزامير الأربعة السابقة ونهايتها بكلمة ’هّلِّلُوْيَا،‘ حيث يُسبَّح يهوه، ويشجَّع شعبه على تسبيحه. ولا تلوح في الأفق أزمة أو عدو. فالمزمور كله تسبيح خالص.
٢. سَبِّحُوا ٱللهَ فِي قُدْسِهِ: مَقْدِس (قُدْس) الله هو المكان الأنسب لتسبيحه. إنه مكان مناسب لإكرامه، ويتضمن اعترافًا خاصًّا بحضوره. فإن كان لله أن يسبَّح في أي مكان، ينبغي أن يكون فِي قُدْسِهِ.
· ندرك في ضوء العهد الجديد أن مَقْدِس الله غير مقصور على مبنى معيّن في أورشليم.
ü يخدم يسوع شعبه في مَقْدِس موجود في السماء (عبرانيين ٨: ١-٢).
ü يجعل يسوع مَقْدِسه بين شعبه بشكل جماعي (٢ كورنثوس ٦: ١٦).
ü يجعل يسوع مَقْدِسه في المؤمن الفرد (١ كورنثوس ٣: ١٦).
ü وفي نهاية المطاف، يجعل يسوع نفسه مَقْدِس الله بين شعبه (رؤيا يوحنا ٢١: ٢٢).
· سَبِّحُوا ٱللهَ فِي قُدْسِهِ: “نجد كلمة ’هللويا،‘ Halelu-yah المركبة في مواضع كثيرة، وهي تعني ’سبّحوا يهوه – الرب.‘ لكن هذا هو المكان الأول الذي نجد فيه “هلِّل الله، Halelu-el أو الإله القوي.” كلارك (Clarke)
٣. سَبِّحُوهُ فِي فَلَكِ قُوَّتِهِ: إن كل امتداد السماء الواسع، بكل قوته في العواصف وأحوال الطقس، مكان ملائم أيضًا لتسبيح الله. بما أن الفلك (القبة لزرقاء) يمتد من الأفق إلى الأفق، فإن هذا يخبرنا أنه ينبغي أن يسبَّح الله في أي مكان تحت السماء.
· “يملأ مجده الكون، ولهذا لا ينبغي أن يفعل تسبيحه ما هو أقل من هذا.” كيدنر (Kidner)
· فِي فَلَكِ قُوَّتِهِ: “عبْر الامتداد كله، إلى أقصى حدود قوّته… سبِّحوا ذاك الذي تمتد عظمته وصلاحه عبْر العوالم. ودعوا سكان تلك العوالم يشتركوا في الجوقة الكبيرة المهيبة، بحيث تكون شمولية.” كلارك (Clarke)
ب) الآية (٢): سبِّحوا الرب من أجل كل سبب.
٢سَبِّحُوهُ عَلَى قُوَّاتِهِ. سَبِّحُوهُ حَسَبَ كَثْرَةِ عَظَمَتِهِ.
١. سَبِّحُوهُ عَلَى قُوَّاتِهِ (أعمال قدرته): إن أعمال الله المعبّرة عن قدرته سبب لتسبيحه في كل مكان. لقد قام بأعمال عظيمة وقوية، وعلى نحو خاص، ما أنجزه يسوع على الصليب وفي القبر الفارغ. لم يكن لدى صاحب المزمور إلا معرفة ضبابية حول هذا الأمر. لكن الإظهار النهائي لقوة الله سيأتي في قيامة يسوع (أفسس ١: ١٩-٢٠). فمن أجل هذا، ومن أجل أعمال الله العظيمة، ينبغي أن نسبّحه.
· “يمكن أن تترجم كلمة ’قُوَّاتِهِ‘ هنا إلى أعماله البطولية أو الباسلة. والإشارة هي إلى إنقاذ شعبه إظهار واضح للبراعة أو القدرة القاهرة.” ماكلارين (Maclaren)
· “كانت أعماله التي قام بها من أجل إسرائيل قوية. وكان ذاك القدوس في وسط شعبه القديم عظيمًا، لكن الأعمال التي قام بها المسيح يسوع من أجل افتداء العالم كانت أقوى.” هورن (Horne)
٢. سَبِّحُوهُ حَسَبَ كَثْرَةِ عَظَمَتِهِ (حسب عظمته المتفوّقة): في حين أن من الصواب أن نسبّح الله على قوّاته التي يقوم بها، ربما يكون هنالك شيء أعظم ينبغي تسبيحه من أجله، وهو طبيعته وجوهره، في كل كثرة عظمته. وتفُوق هذه العظمة كل شيء آخر في الكون نفسه. فهي تمتاز على كل شيء.
· “كَثْرَةِ عَظَمَتِهِ أو عظَمة عظَمته، وهو أمر لا يمكن القيام به لكن يتوجب أن نسعى إليه.” تراب (Trapp)
ج) الآيات (٣-٥): بكلِّ تعبير ممكن سبِّحوا الرب.
٣سَبِّحُوهُ بِصَوْتِ ٱلصُّورِ. سَبِّحُوهُ بِرَبَابٍ وَعُودٍ. ٤سَبِّحُوهُ بِدُفٍّ وَرَقْصٍ. سَبِّحُوهُ بِأَوْتَارٍ وَمِزْمَارٍ. ٥سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ ٱلتَّصْوِيتِ. سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ ٱلْهُتَافِ.
١. سَبِّحُوهُ بِصَوْتِ ٱلصُّورِ (البوق): أشار صاحب المزمور إلى أوركسترا شعب الله، وقاد موسيقاهم في تسبيح لله. فلم يستثنِ أيّة آلة موسيقية من الاشتراك في هذا التسبيح. إذ يتوجب على النحاس (الآلات الموسيقية النحاسية)، والأوتار، والريح (آلات النفخ الموسيقية)، وآلات الإيقاع والنقر الانضمام في تسبيح الإله العظيم.
· كان هنالك سبب وجيه لذكر البوق (الصُّوْر) في بداية القائمة الطويلة من الآلات الموسيقية. “يرتبط صوت البوق بأعظم الأحداث وأكثرها جلالًا، مثل إعطاء الشريعة، وإعلان سنة اليوبيل، وتتويج الملوك اليهود، وإعلان الحرب. وينبغي التفكير فيه في إشارة إلى المجيء الثاني لربنا وإقامة الموتى.” سبيرجن (Spurgeon)
· وصف آدم كلارك (Adam Clarke) ما اعتقده حول كل آلة موسيقية مذكورة هنا.
ü الصُّوْر (البوق): “وهو بالعبرية (Sophar) وله صوت نبيل ومبهج وجليل.”
ü العود (Nebel, the nabla): “آلة موسيقية مجوّفة، ربما تشبه القيثار.”
ü القيثارة (Kinnor): “آلة وترية أخرى تُعزف باليدين أو الأصابع.”
ü الدُّف (Toph): “هو جِلد ممتد فوق طوق، مثل آلة الرّق.”
ü رقص (Machol): “أي أنبوب من نوع ما. ولا تعني الكلمة ’الرقص‘ على الإطلاق. انظر الملاحظة حول مزمور ١٤٩: ٣.”
ü أوتار (آلات وترية) Minim: “وتعني هذه الكلمة حرفيًّا أوتارًا موضوعة بترتيب. وربما كان هذا نوعًا من الآلات المجوّفة التي توضع عليها الأوتار بانتظام، حيث يصبح كل وتر تالٍ أقصر من سابقه، وهكذا إلى نقطة ما.”
ü مزمار (Ugab): “من المرجح أنه الناي أو آلة تُنفخ بالفم. وهي تُستخدم حديثًا كما استُخدمت قديمًا.”
ü بصنوج التصويت (tseltselim): “الصّنج لوح نحاسي أجوف يُخرج صوتًا حادًّا عندما يُضرب بصنج آخر.”
ü بصنوج الهتاف: “وهما صنجان أكبر حجمًا يُضربان أحدهما بالآخر فوق الرأس، وبالتالي يُصدران صوتًا أعلى.”
· “لا يُقصد أن تكون قائمة الآلات شاملة، رغم أنها يمكن أن تكون كذلك. فنحن لا نعرف كل الأدوات التي استخدمها اليهود القدماء. والفكرة هنا هي أنه يمكن أن تستخدم كل ما تملكه في عبادة الله.” بويس (Boice)
· تخبرنا القائمة الواسعة للآلات الموسيقية أن الله يريد كل الطبقات والمجموعات من الناس أن تسبّحه، لأن هذه الآلات كانت تُستخدم من أنواع مختلفة من الناس. “كان يبوَّق الصُّوْر المنحني (Shophar) من الكهنة، بينما كان اللاويون يعزفون على الرباب. وكانت النساء ينقرن على الدف وهن يرقصن أثناء العزف على الآلات البشرية. ولم تكن الأنابيب والصنوج مقصورة على اللاويين.” ماكلارين (Maclaren)
٢. سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ ٱلْهُتَافِ: يتوجب أن تُعزف الآلات الفردية بقوة وباحتفال. وستملأ مجموعتها معًا الغرفة بالصوت. لم يكن تسبيحً أعرج أو مترددًا. بل كان مثل محبة الله وصلاحه غير الأعرجين أو المتردَدين نحونا بأي شكل من الأشكال.
· “فلننتهِ من العبادة الضعيفة وغير المثيرة دائمًا. فإذا لم تكن قادرًا على الترنيم بصوت عالٍ وتقديم موسيقى لتسبيح الله الذي فداك في المسيح يسوع، والذي يُحَضِّرك إلى السماء، فلعل السبب هو أنك لا تعرف الله حقًّا أو لا تعرف رسالة الإنجيل على الإطلاق. فإن كنت تعرفه، فسبِّحه (هللويا).” بويس (Boice)
ج) الآية (٦): سبّحوا الرب بكل نسمة متاحة.
٦كُلُّ نَسَمَةٍ فَلْتُسَبِّحِ ٱلرَّبَّ. هَلِّلُويَا.
١. كُلُّ نَسَمَةٍ فَلْتُسَبِّحِ ٱلرَّبَّ: هذه خاتمة رائعة لهذا المزمور ولسفر المزامير كله. إذ ينبغي لكل شيء يتنفّس أن يقدم تسبيحه لذاك الذي أنعم عليه بهذا النفَس. فكل نفَس هبة من الله، وينبغي أن يكون التسبيح استجابة ملائمة لهذه الهبة.
· لاحظ كيدنر (Kidner) أنا لعبارة الحرفية الأصلية هي: “ليسبّح كل نفَس الرب.”
· كتب جون تراب (John Trapp): “أو ليسبّح كل نفَس الرب… إذ لدينا أسباب لتسبيح الله قدر احتياجنا إلى التنفس.”
· “تدل الكلمة العبرية المترجمة إلى ’نسمة‘ Nesamah على كل الخلائق الحية التي أنعم الله عليها بالنفَس (تكوين ١: ٢٤-٢٥؛ ٧: ٢١-٢٢)، لكن في تمييز عن الخالق.” فانجيميرين (VanGemeren)
· “الشرط الوحيد للتسبيح هو امتلاك نفَس. أي أنه يتوجب للحياة التي تلقّيناها منه أن تعود إليه في تسبيح.” مورجان (Morgan)
· تخبرنا رؤيا يوحنا ٥: ١٣ أن هذا سيتم: “وَكُلُّ خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلْأَرْضِ وَتَحْتَ ٱلْأَرْضِ، وَمَا عَلَى ٱلْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا، سَمِعْتُهَا قَائِلَةً: “لِلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ ٱلْبَرَكَةُ وَٱلْكَرَامَةُ وَٱلْمَجْدُ وَٱلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ ٱلْآبِدِينَ.”
٢. هَلِّلُوْيَا: لا يمكن أن يكون آخر سطر أقل من ’هَلِّلُوْيَا‘ ينبغي أن يسبَّح الرب ويُكرم في وسط شعبه ومن قِبل كل خلائقه.
· “يبدأ سفر المزامير بكلمة ’طوبى‘ وينتهي بكلمة ’هَلِّلُوْيَا.‘” ميير (Meyer)
· “قد تشبه حياتك سفر المزامير بأمزجته المتنوعة، وبنوره وظله، بتنهيداته وابتساماته. لكنها تنتهي دائمًا بهتافات الهللويا إذا ظللت أمينًا لإرادة العلي وطريقه وعمله.” ميير (Meyer)