تفسير سفر المزامير – المزمور ٥٠
تبدأ الدينونة بشعب الله
يخبرنا عنوان المزمور: ’مَزْمُورٌ لِآسَافَ‘ أنه أول مزمور في ترتيب سفر المزامير. كان آساف مرنّمًا وموسيقيًّا عظيمًا في عهدي داود وسليمان الملكيين. (أخبار الأيام الأول ١٧:١٥-١٩، ٥:١٦-٧، ٧:١٦، ٦:٢٥). وتضيف المقاطع في سفر أخبار الأيام الأول ١:٢٥ وأخبار الأيام الثاني ٣٠:٢٩ أن آساف كان نبيًّا في مؤلفاته الموسيقية.
أولًا. القدير ودينونته
أ ) الآيات (١-٣): القدير يأتي ليدين الأرض.
١إِلهُ الآلِهَةِ الرَّبُّ تَكَلَّمَ، وَدَعَا الأَرْضَ مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا. ٢مِنْ صِهْيَوْنَ، كَمَالِ الْجَمَالِ، اللهُ أَشْرَقَ. ٣يَأْتِي إِلهُنَا وَلاَ يَصْمُتُ. نَارٌ قُدَّامَهُ تَأْكُلُ، وَحَوْلَهُ عَاصِفٌ جِدًّا.
١. إِلَهُ ٱلْآلِهَةِ ٱلرَّبُّ: بدأ آساف المزمور بالإشارة إلى الله من منظور جلاله اللامتناهي مستخدمًا عدة كلمات أو أسماء للإشارة إلى الله الموجود فعلًا.
· إِلَه (القدير): “تمثل كلمة ’إيل‘ إلى قدرة الله بشكل بسيط ومطلق.” مورجان (Morgan)
· الآلِهَة (إيلوهيم): “وهي تأتي في صيغة الجمع لتشدد على الفكرة، وهي تتضمن دائمًا حكمة الله، إضافة إلى قدرته.” مورجان (Morgan)
· الرَّبّ (يهوه): “وهو الاسم الذي يعلَن عنه في نعمته.” مورجان (Morgan)
ü “تؤكد أول ثلاث كلمات عبرية في المزمور أن الله هو الذي تكلَّم: إيل (= الله)، إيلوهيم (= الله)، الرب (= يهوه).” فانجيميرين (VanGemeren)
· “يبدأ المزمور بتكويم جليل لأسماء الله معًا، كما لو أن المنادي الذي يعلن قدومه يذيع ألقاب ملك قدير عند افتتاح محكمة. ولكل اسم منها قوّته الخاصة في المعنى. إذ يتحدث ’إيل‘ عن الله بصفته القدير، و’إيلوهيم‘ عن كونه موضوع المخافة الدينية، و’يهوه‘ بصفته الموجود ذاتيًّا وإله العهد.” ماكلارين (Maclaren)
٢. تَكَلَّمَ وَدَعَا ٱلْأَرْضَ: الفكرة هنا هي أن الله جاء إلى أورشليم ليدين العالم. وتجتمع الأرض كلها – مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا – لهذا الغرض.
٣. يَأْتِي إِلَهُنَا وَلَا يَصْمُتُ: يستخدم آساف إشارات تذكّرنا بمجيء الله إلى جبل سيناء (سفر الخروج ١٦:١٩-١٩) ليبني توقُّعًا لدينونة الله البارّة الموشكة على البدء. وفي هذه المرة، يأتي الله إلى صهيون، لا إلى سيناء.
· “المشهد المتخيَّل في هذا المزمور القوي إظهار مرئي لله، حيث يظهر في النار والعاصفة في جبل صهيون ليدعو العالم كله إلى كرسيّ دينونته. لكن إن كانت كل العيون هي عليه، فإن عينيه على إسرائيل.” كدنر (Kidner)
· “النار رمز للعدالة وهي في حالة عمل، والعاصفة رمز لقوّته الساحقة.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٤-٦): يَضِيْق مجال الدينونة إلى شعب إسرائيل.
٤يَدْعُو السَّمَاوَاتِ مِنْ فَوْقُ، وَالأَرْضَ إِلَى مُدَايَنَةِ شَعْبِهِ: ٥«اجْمَعُوا إِلَيَّ أَتْقِيَائِي، الْقَاطِعِينَ عَهْدِي عَلَى ذَبِيحَةٍ». ٦وَتُخْبِرُ السَّمَاوَاتُ بِعَدْلِهِ، لأَنَّ اللهَ هُوَ الدَّيَّانُ. سِلاَهْ.
١. يَدْعُو ٱلسَّمَاوَاتِ إِلَى مُدَايَنَةِ شَعْبِهِ: عندما دعا الله السَّمَاوَاتِ والأَرْضَ إلى دينونته، لم يبدأ بالأمم، بل بشَعْبِهِ، قديسيه (أَتْقِيَائِي) ٱلْقَاطِعِينَ عَهْدِي عَلَى ذَبِيحَةٍ.
· “وفجأةً – لأن هذا يَبرز في آخر كلمة من الآية – تنقلب الأمور. فقد قدّمت إسرائيل التماسًا إلى الله لتجد أنها هي التي تُحاكَم.” كيدنر (Kidner)
· يبدو هذا الأمر في مزمورنا هذا وكأنه مفاجأة، لكن لا ينبغي أن يكون الأمر كذلك. فبعد قرون، ذكر الرسول بطرس المبدأ نفسه: “ِلأَنَّهُ ٱلْوَقْتُ لِٱبْتِدَاءِ ٱلْقَضَاءِ مِنْ بَيْتِ ٱللهِ. فَإِنْ كَانَ أَوَّلًا مِنَّا، فَمَا هِيَ نِهَايَةُ ٱلَّذِينَ لَا يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ ٱللهِ؟ (رسالة بطرس الأولى ١٧:٤).
٢. ٱجْمَعُوا إِلَيَّ أَتْقِيَائِي: يجمع الله قديسيه للدينونة أمام العالم كشاهد. فعندما يتعامل الله مع شعبه هكذا، فإنه يفعل ذلك أمام عالم مراقِب. يفضّل القديسون أن يتعامل الله مع خطاياهم على انفراد. لكن إذا لم يستمعوا إلى تقويمه، فسيأتي اليوم الذي سيتعامل مع خطاياهم بينما تكون الأرض كلها شاهدة.
٣. ٱلْقَاطِعِينَ عَهْدِي عَلَى ذَبِيحَةٍ: يمكن القول إن المزمور ٥٠ وحده يتحدث بشكل مباشر عن دينونة الله لإسرائيل، لأنها هي التي انضمت إليه في عهد (سفر
الخروج ٥:١٩-٦؛ ٥:٢٤-٨). لكن بالامتداد (وحسب مبدأ رسالة بطرس الأولى ١٧:٤)، فإن شعب الله كله في الصورة. وكلا الجانبين صحيح.
· “’صانعين‘ عهدًا، أو ’مُصادِقين‘ على عهد، أو حرفيًّا ’قاطعين‘ عهدًا، ولعل هذا يلمّح إلى ممارسة ذبح حيوان وتقسيمه كطقس ديني يرافق معاهدة مهيبة.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن ألكزاندر (Alexander)
· لن يواجه المؤمنون دينونة حول مصيرهم الأبدي. فقد وضعوا ثقتهم بيسوع وعمله من أجلهم، ولهذا فإنهم مخلَّصون. غير أنهم سيواجهون ما يدعوه بولس دينونة كرسي المسيح (رسالة رومية ١٠:١٤؛ رسالة كورنثوس الثانية ١٠:٥)، حيث يُحكَم على أعمالهم ودوافعهم من أجل المكافأة ومقدار السلطة التي سيتمتعون بها في الدهر الآتي.
٤. وَتُخْبِرُ (لتعلنِ) ٱلسَّمَاوَاتُ بِعَدْلِهِ، لِأَنَّ ٱللهَ هُوَ ٱلدَّيَّانُ: من المؤكد أن الله سيدين الأرض كلها، وسيشمل ذلك كل الأشرار، وسيفعل ذلك ببر (بِعَدْلِهِ). غير أن لديه الحق المطلق في أن يبدأ دينونته بشعبه.
ثانيًا. دينونة الله ضد شعبه
أ ) الآيات (٧-١٥): توبيخ طقوسهم.
٧«اِسْمَعْ يَا شَعْبِي فَأَتَكَلَّمَ. يَا إِسْرَائِيلُ فَأَشْهَدَ عَلَيْكَ: اَللهُ إِلهُكَ أَنَا. ٨لاَ عَلَى ذَبَائِحِكَ أُوَبِّخُكَ، فَإِنَّ مُحْرَقَاتِكَ هِيَ دَائِمًا قُدَّامِي. ٩لاَ آخُذُ مِنْ بَيْتِكَ ثَوْرًا، وَلاَ مِنْ حَظَائِرِكَ أَعْتِدَةً. ١٠لأَنَّ لِي حَيَوَانَ الْوَعْرِ وَالْبَهَائِمَ عَلَى الْجِبَالِ الأُلُوفِ. ١١قَدْ عَلِمْتُ كُلَّ طُيُورِ الْجِبَالِ، وَوُحُوشُ الْبَرِّيَّةِ عِنْدِي. ١٢إِنْ جُعْتُ فَلاَ أَقُولُ لَكَ، لأَنَّ لِي الْمَسْكُونَةَ وَمِلأَهَا. ١٣هَلْ آكُلُ لَحْمَ الثِّيرَانِ، أَوْ أَشْرَبُ دَمَ التُّيُوسِ؟ ١٤اِذْبَحْ للهِ حَمْدًا، وَأَوْفِ الْعَلِيَّ نُذُورَكَ، ١٥وَادْعُنِي فِي يَوْمِ الضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي».
١. اِسْمَعْ يَا شَعْبِي فَأَتَكَلَّمَ: الغرض من السطور السابقة هو التكرار والتوكيد. فالله يتكلم مع شعبه.
· ٱللهُ إِلَهُكَ أَنَا: “ولهذا كان عليك أن تطيعني.” تراب (Trapp)
· “بدأ الناموس بالقول: ’أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ ٱلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ ٱلْعُبُودِيَّةِ.‘ والآن تبدأ جلسة دينونتهم بنفس التذكير بمركزهم الفريد، وامتيازاتهم، ومسؤولياتهم. وليس الرب هو الله فحسب، بل هو إلهكم أيضًا، يا إسرائيل.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. لَا عَلَى ذَبَائِحِكَ أُوَبِّخُكَ (أو) مُحْرَقَاتِكَ: لم يوبّخهم الله على تقديم ذبائح. بل امتدحهم على ذلك. غير أنه لم يكن مهتمًّا بالحصول على مزيد من الذبائح الحيوانية (لَا آخُذُ مِنْ بَيْتِكَ ثَوْرًا، وَلَا مِنْ حَظَائِرِكَ أَعْتِدَةً) بمعزل عن طاعنهم له واتكالهم عليه. كان هذا توبيخًا للطقسية، التكرار الأجوف للطقوس الدينية.
- تطرَّق الله إلى طقوسهم أولًا، لأنهم تحت ستارها كانوا يبرِّرون الخطية التي سيذكرها لاحقًا في المزمور، ويعتقدون بذلك أن الله راضٍ عنهم وأنهم مبررون أمامه. “لماذا تطير أفكارهم، عند أُولى علامات استياء من الله (٧:٥٠) إلى مسألة طقسية، لا إلى مسألة علاقية؟” كيدنر ()
· كان يمكن لممارسة تقديم الذبائح تحت نظام العهد القديم أن تتحول بسهولة إلى طقس شكلي أجوف لا أكثر. إذ قد ينسى جالب الذبيحة مبدأ نقل الخطية إلى ضحية بريئة وأن دم حياتها يُسفك عند الموت كبديل عنه. “كانت الذبائح الحيوانية تحت الناموس اليهودي موضوعة من الله، لكن عندما بدأ الشعب يضعون ثقتهم فيها، احتقرها الله.” كلارك (Clarke)
· “حوّلوا ما قصَده الله لتعليمهم إلى موضوع ثقتهم.” سبيرجن (Spurgeon)
· لا يحتاج المؤمنون تحت نظام العهد الجديد إلى تقديم ذبائح حيوانية، لكنهم مجرَّبون بممارسة واجباتهم المسيحية بروح طقسية. ويتوجب تجنُّب ذلك بنشاط. فالله لا يُسَر بطقسيتنا.
· “وفيما بعد، كانت هذه خطية الفريسيين، وما زالت خطية البابويين، وعدد كبير من الإنجيليين الجسديين الذين يعتقدون أنهم يخدمون الله لأنهم موجودون في الكنيسة، وأنهم يقومون بواجباتهم لأنهم يتلون صلواتهم، إلخ.” تراب (Trapp)
· لَا آخُذُ مِنْ بَيْتِكَ ثَوْرًا: عندما نفهم المعنى الحرفي للثور بلغة الشارع الدارجة، ربما نبتسم للحقيقة التي تعبّر عنها بعض الترجمات: “لن أقبل أيّ ثور من بيتك.”
٣. لِأَنَّ لِي حَيَوَانَ ٱلْوَعْرِ وَٱلْبَهَائِمَ عَلَى ٱلْجِبَالِ ٱلْأُلوفِ: مع بعض التفكير، يَسْهُل علينا أن نرى أن الطقسية لا ترضي الله. فالله لا يحتاج إلى لحم الحيوانات المذبوحة. إِنْ جُعْتُ فَلَا أَقُولُ لَكَ، لِأَنَّ لِي ٱلْمَسْكُونَةَ وَمِلْأَهَا. عندما نقدّم لله شيئًا، فإننا لا نعطيه شيئًا لا يمتلكه أو يحتاج إليه. وبمعنى ما، فإن ذبائحنا هي من أجلنا نحن، لا من أجل الله. وهكذا تهزم الطقسية عملها من أجلنا.
· “كل الذبائح هي لله قبل أن تُقدَّم، ولا تصبح له بشكل أكبر عندما تقدَّم. وهو لا يحتاج إلى قوت مادي للبقاء، ولا يشارك فيه. لكن قلوب الناس ليست له من دون استسلام سعيد له.” ماكلارين (Maclaren)
· “هل يتوهم بعض الناس أن الله محتاج إلى لافتات وموسيقى وبخور وكتّان؟ إن كان الأمر كذلك، فإن النجوم ستزيّن مقياسه هذا، وستصبح الرياح والأمواج فرقته الموسيقية، وستفوح أنفاس الزهور عشرة ألف ضعف، وسيكون قوس قزح حزامه، وستكون غيوم النور عباءته. أيها الحمقى، يا بطيئي القلوب، أنتم تعبدون ما لا تعرفون!” سبيرجن (Spurgeon)
· “’إن جعتُ…‘ إلخ، كانت تُعَد الذبائح الحيوانية مأدبة للآلهة.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن كريسويل (Cresswell)
· لِأَنَّ لِي حَيَوَانَ ٱلْوَعْرِ وَٱلْبَهَائِمَ عَلَى ٱلْجِبَالِ ٱلْأُلوفِ: هنالك قصة – ربما تكون صحيحة أو غير صحيحة – لكنها مثل توضيحي جيد. تقول القصة إنه بعد وقت قصير من تأسيس كلية دالاس للاهوت في العشرينيات من القرن الماضي، أوشكت الكلية على الإغلاق بسبب الإفلاس. فاجتمع المؤسسون من أجل الصلاة. وكان بينهم هاري آيرونسايد (Harry Ironside). وعندما جاء دوره للصلاة، قال: “يا رب، نحن نعرف أن لك حَيَوَانَ ٱلْوَعْرِ وَٱلْبَهَائِمَ عَلَى ٱلْجِبَالِ ٱلْأُلوفِ. أرجو أن تبيع بعض الماشية وترسل إلينا مالًا.” وحسب القصة، دخل مزارع مكتب الكلية حاملًا معه شيكًا بمبلغ حصل عليه لقاء بيع حمولتين من الماشية. فدخلت السكرتيرة إلى القاعة التي كانوا يصلّون فيها، وأخبرتهم بما حدث، وقدّمت لهم الشيك. فالتفت الدكتور لويس سبيري شافر (Lewis Sperry Chafer)، مؤسس الكلية ورئيسها إلى الدكتور آيرونسايد، وقال له: “يا هاري، باع الله الماشية.”
٤. اِذْبَحْ لِلهِ حَمْدًا، وَأَوْفِ ٱلْعَلِيَّ نُذُورَكَ، وَٱدْعُنِي فِي يَوْمِ ٱلضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي: ذكر الله ما يريده أكثر من الطقوس والذبائح. أراد قلبًا شاكرًا، وحياة طاعة، وثقة حية به. ويكافئ الله من يفعلون ذلك قائلًا لهم: وَٱدْعُنِي فِي يَوْمِ ٱلضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي.
· “لا يهتم الله المجيد بالمظاهر على الإطلاق. لكن عندما تدعوه في يوم الضيق، وتطلب منه أن ينقذك، فإن هنالك معنى في أنينك وعذابك… يفضّل الله صلاة القلب المكسور على أرقى خدمة يقدّمها كهنة وجوقات موسيقية.” سبيرجن (Spurgeon)
· قدّم سبيرجن عظة حول مزمور ١٥:٥٠ بعنوان ’نص روبنسون كروزو.‘ روى سبيرجن كيف أن روبنسون كروزو، في الرواية التي كتبها ديفو، “كان على وشك الموت بسبب المرض. كان معتادًا على الخطية، وكانت لديه رذائل البحّار. لكنّ حالته الصعبة دفعته إلى التفكير. ففتح كتابًا مقدّسًا وجده في صندوق، ولمعت أمام عينيه كلمات: ’وَٱدْعُنِي فِي يَوْمِ ٱلضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي.‘ فصلّى في تلك الليلة لأول مرة في حياته، وتولَّد في قلبه منذ تلك اللحظة رجاء في الله. وهذا أمر يدل على ميلاد حياة سماوية.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (١٦-٢١): توبيخ على عدم طاعتهم لوصايا الله.
١٦وَلِلشِّرِّيرِ قَالَ اللهُ: «مَا لَكَ تُحَدِّثُ بِفَرَائِضِي وَتَحْمِلُ عَهْدِي عَلَى فَمِكَ؟ ١٧وَأَنْتَ قَدْ أَبْغَضْتَ التَّأْدِيبَ وَأَلْقَيْتَ كَلاَمِي خَلْفَكَ. ١٨إِذَا رَأَيْتَ سَارِقًا وَافَقْتَهُ، وَمَعَ الزُّنَاةِ نَصِيبُكَ. ١٩أَطْلَقْتَ فَمَكَ بِالشَّرِّ، وَلِسَانُكَ يَخْتَرِعُ غِشًّا. ٢٠تَجْلِسُ تَتَكَلَّمُ عَلَى أَخِيكَ. لابْنِ أُمِّكَ تَضَعُ مَعْثَرَةً. ٢١هذِهِ صَنَعْتَ وَسَكَتُّ. ظَنَنْتَ أَنِّي مِثْلُكَ. أُوَبِّخُكَ، وَأَصُفُّ خَطَايَاكَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ.
١. وَلِلشِّرِّيرِ قَالَ ٱللهُ: ربما نعتقد أن الله الآن قد انتهى من دينونته لشعبه بإدانتهم على طقسيتهم ليتفرغ للحكم على الأمم. لكن هذا ليس واقع الحال، حيث تتحدث الإشارات التالية عن فرائض الله وكيف أنهم يتظاهرون باتِّباع عهده. وهو يتكلم عن الأشرار بين شعبه.
· “الشكلية خطية ضد الله. والنفاق هو حصيلتها، وهو خطية ضد الإنسان، ويظل خطية ضد الله.” مورجان (Morgan)
· “تكمن المشكلة الحقيقية في الطقسية في أنها – إذا كانت تشكل كل ديانتنا – تعطينا شعورًا بأننا على علاقة سليمة بالله في حين أننا قد نكون مذنبين في أكثر الخطايا شناعة.” بويس (Boice)
٢. مَا لَكَ تُحَدِّثُ بِفَرَائِضِي؟ يشكك الله في حقهم في التكلم بكلمته بينما حياتهم عالقة في العصيان. تشير كلمات ’تُحَدِّثُ بِفَرَائِضِي… عَهْدِي عَلَى فَمِكَ‘ إلى الله، لكن حياتهم تهينه.
· تُحَدِّثُ بِفَرَائِضِي: “ربما تشير هذه الآية إلى القراءة الجهارية للناموس المأمور بها في سفر التثنية ١٠:٣١ فصاعدًا.” كيدنر (Kidner)
· مَا لَكَ تُحَدِّثُ بِفَرَائِضِي: “لم يقدر أوريجانوس بعد سقوطه الفظيع، وبعد قراءة هذا النص، على الوعظ. لكنه انفجر في بكاء شديد.” تراب (Trapp)
٣. وَأَنْتَ قَدْ أَبْغَضْتَ ٱلتَّأْدِيبَ وَأَلْقَيْتَ كَلَامِي خَلْفَكَ: أظهرتْ حياتهم بُغضًا وعدم اعتبار لكلمة الله، بِغَضّ النظر عما تقوله كلماتهم. فأسلوب حياتهم أعلى صوتًا من كلماتهم.
٤. إِذَا رَأَيْتَ سَارِقًا وَافَقْتَهُ، وَمَعَ ٱلزُّنَاةِ نَصِيبُكَ. أَطْلَقْتَ فَمَكَ بِٱلشَّرِّ، وَلِسَانُكَ يَخْتَرِعُ غِشًّا: قاموا على نحو محدد بكسر وصايا كثيرة من بينها السابعة والثامنة والتاسعة. وهذه طريقة أخرى أغضبوا بها الله، إضافة إلى الطقسية المذكورة في السطور السابقة.
· “تمثّل التُّهم الموجّهة المعينة هنا كسْر الوصايا العشر كلها.” فانجيميرين (VanGemeren)
· وَافَقْتَهُ: “صحيح أن الذين كسروا الوصايا السابعة والثامنة والتاسعة كسروا العهد كله. لكنه صحيح أيَضًا أن الذين يخالطون كاسري العهد يقعون تحت نفس الدينونة. فالخطية تكمن في كل من الفعل والموافقة عليه.” فانجيميرين (VanGemeren)
٥. ظَنَنْتَ أَنِّي مِثْلُكَ: كانت هذه، من بعض النواحي، أعظم خطاياهم، غير ناظرين إلى قداسة الله. والفكرة وراء تصوُّر قداسة الله هو الانفصال. وفي تفكيرهم أن الله مثلهم، عَدُّوه أكثر شبهًا بإنسان خارق بدلًا من أن يكون في حقيقته الإله القدوس المتوّج في السماء. فقد صاروا عَرَضيين (غير رسميين، من دون إظهار الاحترام اللائق) في علاقتهم به.
· من الطرق التي نسوا بها قداسة الله أنهم ظنّوا خطأً أن صبره وطول أناته عدم اكتراث بالخطية (هَذِهِ صَنَعْتَ وَسَكَتُّ). وغالبًا ما نرتكب نفس الخطية ونخلط بين المجال الواسع الذي يعطيه لنا الله للاعتراف والتوبة على أنه لا يسأل عن خطيتنا حقًّا.
· وَسَكَتُّ: “سكوت الله هنا طريقة توكيدية للتعبير عن احتماله الصبور للشر من دون عقاب. والقصد من وراء صبره وطول أناته هو أن يقود المرء إلى التوبة، ويبيّن عدم رغبة الله في أن يوجّه ضربة قوية. لكن الخبرة تبيّن أنه غالبًا ما يتم استغلال صبر الله وطول أناته.” ماكلارين (Maclaren)
· “إنه أمر عجيب أن يسكت الله في طول أناته مع الخطاة. وهنالك أمر عجيب آخر، وهو التفسير الوقح الذي يقدمه الخاطئ لهذا السكوت.” سبيرجن (Spurgeon)
٦. أُوَبِّخُكَ، وَأَصُفُّ خَطَايَاكَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ: أساءوا الحكم على كرم الله ولطفه، ونسوا قداسته. وفي محبته، لا يريد أن يستمر هذا الوضع بين شعبه. وسيصوّب الأمور أمام عيونهم.
ج ) الآيات (٢٢-٢٣): خاتمة: إلحاح نحو تصويب العلاقة بالله.
٢٢افْهَمُوا هذَا يَا أَيُّهَا النَّاسُونَ اللهَ، لِئَلاَّ أَفْتَرِسَكُمْ وَلاَ مُنْقِذَ. ٢٣ذَابحُ الْحَمْدِ يُمَجِّدُنِي، وَالْمُقَوِّمُ طَرِيقَهُ أُرِيهِ خَلاَصَ اللهِ».
١. ٱفْهَمُوا هَذَا يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُونَ ٱللهَ: قدم الله في نعمته فرصة لأولئك الذين نسوه لإعادة تقييم الأمور وتغيير فكرهم وطرقهم قبل أن يأتي إليهم في الدينونة المذكورة في الآيات الأولى من هذا المزمور.
٢. ذَابِحُ ٱلْحَمْدِ يُمَجِّدُنِي: يشير هذا إلى جانب ضرورة ترك الطقسية والمجيء إلى الله بقلب مستسلم له.
· ذَابِحُ ٱلْحَمْدِ يُمَجِّدُنِي: “مع أن تعبير ’ذَابِحِ ٱلْحَمْدِ‘ يترك مجالًا لتقديم ذبيحة فعلية، إلا أنه يوحي بتقديم مديح وتسبيح خالص.” كيدنر (Kidner)