تفسير سفر المزامير – مزمور ٣٥
انتبهوا إلى تبرئتي
هذا المزمور معنون ببساطة: مَزْموُرٌ لِدَاوُدَ. وهو واحد من المزامير المعروفة بالمزامير اللعّانة (التي تستنزل اللعنات)، حيث يطلب بلغة قوية من الله أن يهزم أعداءه ويقضي عليهم. وعندما نقرأ عبر سفر المزامير، تصبح اللغة أكثر حدة. ولعل المزمور ٧ هو الألطف بينها، بينما يُحصي بعضهم ما لا يقل عن ٣٠ لعنة في المزمور ١٠٩.
يصعُب علينا أن نعزو هذا المزمور إلى فترة محددة من حياة داود، غير أن صياغة مزمور ١:٣٥أ مشابهة للغة سفر صموئيل الأول ١٥:٢٤، ولهذا يمكن ربطه بحياة داود بينما كان مطارَدًا من الملك شاول.
أولًا. داود وخصومه
أ ) الآيات (١-٣): يتضرّع داود إلى الله من أجل حمايته.
١خَاصِمْ يَا رَبُّ مُخَاصِمِيَّ. قَاتِلْ مُقَاتِلِيَّ. ٢أَمْسِكْ مِجَنًّا وَتُرْسًا وَانْهَضْ إِلَى مَعُونَتِي، ٣وَأَشْرِعْ رُمْحًا وَصُدَّ تِلْقَاءَ مُطَارِدِيَّ. قُلْ لِنَفْسِي: «خَلاَصُكِ أَنَا»
١. خَاصِمْ يَا رَبُّ مُخَاصِمِيَّ. (تَرافَعْ عن قضيتي) قَاتِلْ مُقَاتِلِيَّ: حارب خصوم كثيرون داود، فصلّى مرّات كثيرة: قَاتِلْ مُقَاتِلِيَّ. وكان بإمكانه أن يصلي هذه الصلاة بحق لأنه كان بشكل عام يحيا في إرادة الله، وكان الذين يحاربونه يقاومون الله.
· “تستخدم الصلاة في القسم الأول من الآية ١ نفس التعبير أو الاستعارة التي استخدمها داود في احتجاجه على شاول (سفر صموئيل الأول ١٥:٢٤) ’يُحَاكِمُ مُحَاكَمَتِي.‘” ماكلارين (Maclaren)
· “كلمة ’خَاصِمْ‘ تعبير قانوني غالبًا ما كان يستخدمه الأنبياء.” فانجيميرين (VanGemeren)
· “تعني الآية حرفيًا: قاضِهم، حاكِمْهم كما يحاكمونني. تَرافَعْ ضدّهم كما يترافعون ضدي.” سبيرجن (Spurgeon) نقلًا عن كريسويل (Cresswell)
· “ينبغي لكل قديس من قديسي الله أن يتمتع بهذا الامتياز: المشتكي على الإخوة سيقابل محامي القديسين.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. أَمْسِكْ مِجَنًّا وَتُرْسًا وَٱنْهَضْ إِلَى مَعُونَتِي: يستخدم داود صورة مجازية حية نابضة بالحياة مناشدًا الله أن يرتدي درعه ومجنّه ويقاتل نيابة عنه.
· غالبًا لا نعتقد أن الله يمتلك أسلحة، لكنه يفعل. تقول الآية في سفر إشعياء ١٧:٥٩ عن الرب: “فَلَبِسَ الْبِرَّ كَدِرْعٍ، وَخُوذَةَ الْخَلاَصِ عَلَى رَأْسِهِ. وَلَبِسَ ثِيَابَ الانْتِقَامِ كَلِبَاسٍ، وَاكْتَسَى بِالْغَيْرَةِ كَرِدَاءٍ.”
· “يشبَّه الرب بمحارب يقاتل من أجل خاصّته. وهو يأتي بمجن وترس – كالذي يحمله حامل الترس (انظر سفر صموئيل الأول ٧:١٧، ٤١) ومعهم رمح كبير ورمح قصير.” فانجيميرين (VanGemeren)
٣. وَأَشْرِعْ رُمْحًا: الترس والمِجّنّ سلاحان دفاعيان بشكل أساسي، لكن داود يناشد الله أن يكون بمنزلة دفاعه. فعندما وجد حماية خلف ترس الله ومِجنّه، طلب من الله أن يُبقي أعداءه على مسافة منه برمحه.
· “لا يُطْلق هذ الرب المسلح الذي يمسك بترس ويشرع رمحًا صيحة قتال، لكنه يهمس بالتعزيات للرجل المرتعد الرابض خلف ترسه. فشكله الخارجي الموجه نحو الخصم مادي ومهدِّد، بينما من الداخل ممتلئ بالحنان وبتعزية ومحبة.” ماكلارين (Maclaren)
· “قبل أن يقترب العدو من المقر، يدفعه الرب بعيدًا برمح طويل.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. قُلْ لِنَفْسِي: «خَلاَصُكِ أَنَا»: احتاج داود أن يسمع ذلك في نفسه مرة تلو الأخرى – أن الله، وليس شخص آخر، خلاصه. فلم يكن داود مخلِّص نفسه. فذكّره الله في نفسه: «خَلاَصُكِ أَنَا».
· “كانت الظروف مرهِقة والألم شديدًا، وكان داود في خطر – على الأقل – فقدان توكيده وطمأنينته في الله. ومن هنا جاء التضرع إلى أن يعطيه الله إحساسًا داخليًا باليقين: قُلْ لِنَفْسِي: «خَلاَصُكِ أَنَا». كانت طلبته لتجديد تقوية التواصل الداخلي مع الله، والذي هو دائمًا سر تقويته في أيام الاضطراب والحزن.” مورجان (Morgan)
· “أيها الإخوة، لا يوجد شيء يمكن أن يجعلك قويًّا للعمل من أجل الله، وجسورًا لمحاربة أعدائك، وقويًّا لمقاومة تجاربك، مثل التوكيد الكامل أن الله إلهك وأنه خلاصك الأكيد.” سبيرجن (Spurgeon)
· توحي هذه العبارة بجوانب كثيرة من توكيد داود:
ü كان لدى داود شكوك.
ü لم يكن داود راضيًا عندما كانت لديه شكوك.
ü عرف داود من أين يحصل على توكيد كامل.
ü كان للتوكيد مصدر إلهي.
ü كان توكيد داود شخصيًّا وعميقًا.
ü كان توكيد داود حاضرًا، لا مستقبلًا.
ب) الآيات (٤-٨): داود يصلي من أجل القضاء على أعدائه.
٤لِيَخْزَ وَلْيَخْجَلِ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ نَفْسِي. لِيَرْتَدَّ إِلَى الْوَرَاءِ وَيَخْجَلِ الْمُتَفَكِّرُونَ بِإِسَاءَتِي. ٥لِيَكُونُوا مِثْلَ الْعُصَافَةِ قُدَّامَ الرِّيحِ، وَمَلاَكُ الرَّبِّ دَاحِرُهُمْ. ٦لِيَكُنْ طَرِيقُهُمْ ظَلاَمًا وَزَلَقًا، وَمَلاَكُ الرَّبِّ طَارِدُهُمْ. ٧لأَنَّهُمْ بِلاَ سَبَبٍأَخْفَوْا لِي هُوَّةَ شَبَكَتِهِمْ. بِلاَ سَبَبٍحَفَرُوا لِنَفْسِي. ٨لِتَأْتِهِ التَّهْلُكَةُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، وَلْتَنْشَبْ بِهِ الشَّبَكَةُ الَّتِي أَخْفَاهَا، وَفِي التَّهْلُكَةِ نَفْسِهَا لِيَقَعْ.
١. لِيَخْزَ وَلْيَخْجَلِ ٱلَّذِينَ يَطْلُبُونَ نَفْسِي: لم يطلب داود من الله أن يحميه فحسب، بل أيضًا أن يترافع عنه. أراد أن يرى ويعرف الآخرون أنه خدم الله وأطاعه حقًّا، وأن الذين قاوموه مِثْلَ الْعُصَافَةِ قُدَّامَ الرِّيحِ.
· “عندما ننظر إلى الخطاة كبشر، فإننا نحبهم ونطلب خيرهم. لكن في ما يتعلق بكونهم أعداء لله، لا نملك إلا أن نفكر فيهم من منظور الاستياء ورغبة صادقة في إرباك مكائدهم. ولا يمكن لتابع مخْلص لله أن يتمنى الخير للمتمردين. قد تعترض العاطفة شديدة الحساسية على اللغة المستخدمة هنا، لكن توجد في قلوب كل الأشخاص الصالحين أمنية في تشويش حياة صانعي الأذى.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. وَمَلَاكُ ٱلرَّبِّ دَاحِرُهُمْ: قام داود، بغرض التوكيد، بالصلاة مرتين من أجل تدخُّل إلهي خاص: مَلَاكُ ٱلرَّبِّ.
· سواءٌ عَلِمَ داود أم لم يعلم، فإنه ناشد الله الابن العون. “في تقديري أن هذا الشخص هو إظهار الأقنوم الثاني من الثالوث قبل تجسُّده، الرب يسوع المسيح. ولهذا يشار إليه دائمًا على أنه الرب.” بويس (Boice)
· “إما أن يكون ملاك الرب خلاصنا أو دينونتنا وهلاكنا. انظر سفر الخروج ٢٠:٢٣-٢٢.” كيدنر (Kidner)
· “قد تستقر العُصافة (القش) على حائط عندما تطيّرها الريح، لكن أين يمكن أن يستقر الذين يطاردهم ملاك الرب؟” تراب (Trapp)
٣. لِأَنَّهُمْ بِلَا سَبَبٍ أَخْفَوْا لِي هُوَّةَ شَبَكَتِهِمْ. بِلَا سَبَبٍ حَفَرُوا لِنَفْسِي: طلب داود من الله مرتين، بغرض التوكيد، أن يلاحظ أن أعداءه هاجموه بِلَا سَبَبٍ.
· يَسْهل أن يكون المرء واثقًا بخلوه من اللوم. فقد كرر كثيرون صلاة داود من دون أن يكونوا بلا لوم. غير أن داود يقول في صلاته بحق إن الذين هاجموه فعلوا ذلك بِلَا سَبَبٍ.
· “يُستخدم تعبير ’بِلَا سَبَبٍ‘ مرتين، هنا وفي مزمور ١٠٩. ويلمس هذا عُصب ألم داود. إذ تجعلنا المزامير حساسين جدًّا لآلام المظلومين.” كيدنر (Kidner)
· “صنعُ شبكةٍ والحفر أمران يتطلبان وقتًا وجهدًا، ويُشعل الأشرار كليهما بسرور بهدف إسقاط شعب الله.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. وَلْتَنْشَبْ بِهِ ٱلشَّبَكَةُ ٱلَّتِي أَخْفَاهَا: طلب داود أن يقع المذنب في الشبكة التي نصبها. وكان المذنب هنا خصمه. صلى أن يأتي الهلاك (التَّهْلُكَةُ) على خصمه على حين غِرَّة (وهُوَ لاَ يَعْلَمُ).
· يمكننا أن نصلي بناء على هذا المبدأ حول خصومنا الروحيين، الرئاسات والقوّات التي تحاربنا في المجال الروحي. إذ لدى إبليس شباكه وفخاخه (رسالة تيموثاوس الأولى ٧:٣، رسالة تيموثاوس الثانية ٢٦:٢)، ولديه إستراتيجيات (رسالة كورنثوس الثانية ١١:٢) موضوعة ضدنا. يمكننا أن نصلي أن يقع إبليس في شباكه وإستراتيجياته.
ج ) الآيات (٩-١٠): تسبيح موعود لخلاص متوقع.
٩أَمَّا نَفْسِي فَتَفْرَحُ بِالرَّبِّ وَتَبْتَهِجُ بِخَلاَصِهِ. ١٠جَمِيعُ عِظَامِي تَقُولُ: «يَا رَبُّ، مَنْ مِثْلُكَ الْمُنْقِذُ الْمِسْكِينَ مِمَّنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَالْفَقِيرَ وَالْبَائِسَ مِنْ سَالِبِهِ؟».
١. أَمَّا نَفْسِي فَتَفْرَحُ بِٱلرَّبِّ: بعد أن توسل داود إلى الله لكي ينقذه ويحميه، وعد بأن نفسه ستفرح بالرب.
· “نحن لا ننتصر في هلاك آخرين، لكن في الخلاص المعطى لنا من الله.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. جَمِيعُ عِظَامِي تَقُولُ: «يَا رَبُّ، مَنْ مِثْلُكَ؟»: وعد داود بأن يكرس كيانه كله تكريمًا لله الذي ينقذ الْمِسْكِينَ مِمَّنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ.
د ) الآيات (١١-١٤): رعاية داود السابقة بخصومه.
١١شُهُودُ زُورٍ يَقُومُونَ، وَعَمَّا لَمْ أَعْلَمْ يَسْأَلُونَنِي. ١٢يُجَازُونَنِي عَنِ الْخَيْرِ شَرًّا، ثَكَلاً لِنَفْسِي. ١٣أَمَّا أَنَا فَفِي مَرَضِهِمْ كَانَ لِبَاسِي مِسْحًا. أَذْلَلْتُ بِالصَّوْمِ نَفْسِي، وَصَلاَتِي إِلَى حِضْنِي تَرْجعُ. ١٤كَأَنَّهُ قَرِيبٌ، كَأَنَّهُ أَخِي كُنْتُ أَتَمَشَّى. كَمَنْ يَنُوحُ عَلَى أُمِّهِ انْحَنَيْتُ حَزِينًا.
١. يُجَازُونَنِي عَنِ ٱلْخَيْرِ شَرًّا: تَذكَّر داود خزي أعدائه الذين قابلوا خيره لهم بالشر، فأحزن هذا روحه كثيرًا (ثَكَلاً لِنَفْسِي).
· “الكراهية بلا سبب هي نصيب الصالحين في هذا العالم الشرير. فصلاحهم سبب كاف لتلك الكراهية. فما يحبه ويكرهه البشر أمر يتبع معدنهم الأخلاقي.” ماكلارين (Maclaren)
· “يُجَازُونَنِي عَنِ ٱلْخَيْرِ شَرًّا. لم يكن هذا صحيحًا بالنسبة لداود أكثر مما كان صحيحًا بالنسبة ليسوع القدوس الذي، عندما وقف أمام بيلاطس البنطي، لم يحصل من اليهود على أي مقابلٍ على الكلمات اللطيفة التي نطقها، أو أعمال الرحمة التي أجراها بينهم. بل تلقّى افتراءات منهم، حتى إنهم أسلموه للموت.” هورن (Horne)
- ثَكَلًا لِنَفْسِي: إن سوء فهم الآخرين للمرء أو جعْله هدفًا متعمَّدًا لاتهامات كاذبة حُزن كبير. اقترح سمايث (Smyth) (الذي يستشهد سبيرجن بكلامه) عدة أسباب دفعت الله إلى السماح بمثل هذه المحنة المحزنة:
ü لكي يدفع شعبه إلى التواضع.
ü ليجعلهم يطلبونه في صلاة عاجلة.
ü ليمنعهم من السعي وراء نفس الشيء المتهمين به زورًا.
ü ليمتحنهم إن كانوا يعتمدون عليه في كل شيء.
ü ليعلّمهم كيف يتصرفون تجاه الآخرين عندما يُتهَمون زورًا.
ü ليحذّرهم من توجيه اتهامات زائفة تجاه آخرين.
٢. أَمَّا أَنَا فَفِي مَرَضِهِمْ كَانَ لِبَاسِي مِسْحًا: وصف داود بعض الأشياء الصالحة التي فعلها من أجل أعدائه. فقد أظهر لهم محبة واهتمامًا في مَرَضِهِمْ، جاعلًا من مشكلاتهم مشكلته، حيث اهتم بهم كصديق أو كأخ.
هـ) الآيات (١٥-١٦): كيفية خيانة خصوم داود له.
١٥وَلكِنَّهُمْ فِي ظَلْعِي فَرِحُوا وَاجْتَمَعُوا. اجْتَمَعُوا عَلَيَّ شَاتِمِينَ وَلَمْ أَعْلَمْ. مَزَّقُوا وَلَمْ يَكُفُّوا. ١٦بَيْنَ الْفُجَّارِ الْمُجَّانِ لأَجْلِ كَعْكَةٍ حَرَّقُوا عَلَيَّ أَسْنَانَهُمْ.
١. وَلَكِنَّهُمْ فِي ظَلْعِي (شدّتي) فَرِحُوا وَٱجْتَمَعُوا: عامل داود هؤلاء الأعداء معاملة حسنة في شدّتهم، لكنهم كانوا سعداء في وقت أزمته.
· “أُعيد تفعيل هذا التجمهر حول شخص صار فجأة قابلًا للجَرْح، شخص أخزى صلاحه آخرين، عند محاكمة يسوع.” كيدنر (Kidner)
٢. ٱجْتَمَعُوا عَلَيَّ شَاتِمِينَ (مهاجِمين) وَلَمْ أَعْلَمْ: كانت الهجمات من أعداء داود أسوأ، لأنها كانت خفية وجاءت كمفاجأة.
و ) الآيات (١٧-١٨): وعدٌ بتسبيح من أجل خلاص صلى داود من أجله.
١٧يَا رَبُّ، إِلَى مَتَى تَنْظُرُ؟ اسْتَرِدَّ نَفْسِي مِنْ تَهْلُكَاتِهِمْ، وَحِيدَتِي مِنَ الأَشْبَالِ. ١٨أَحْمَدُكَ فِي الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ. فِي شَعْبٍعَظِيمٍ أُسَبِّحُكَ.
١. يَا رَبُّ، إِلَى مَتَى تَنْظُرُ؟ تحدَّث داود إلى الله بصدق وصراحة معترفًا بأنه أحس بأنّ الله كان سلبيًّا وغير مكترث. ورجا الله أن ينقذه من محنته، وهي سيئة جدًّا حيث شعر بأنّ أشبالًا تطارده.
٢. أَحْمَدُكَ فِي ٱلْجَمَاعَةِ ٱلْكَثِيرَةِ: نذر داود أن يمجد الله على خلاصه وأن يفعل ذلك علانية.
ثانيًا. صلاة للتبرئة (للدفاع)
أ ) الآيات (١٩-٢٢): أسباب للتبرئة أمام أعدائه.
١٩لاَ يَشْمَتْ بِي الَّذِينَ هُمْ أَعْدَائِي بَاطِلاً، وَلاَ يَتَغَامَزْ بِالْعَيْنِ الَّذِينَ يُبْغِضُونَنِي بِلاَ سَبَبٍ. ٢٠لأَنَّهُمْ لاَ يَتَكَلَّمُونَ بِالسَّلاَمِ، وَعَلَى الْهَادِئِينَ فِي الأَرْضِ يَتَفَكَّرُونَ بِكَلاَمِ مَكْرٍ. ٢١فَغَرُوا عَلَيَّ أَفْوَاهَهُمْ. قَالُوا: «هَهْ! هَهْ! قَدْ رَأَتْ أَعْيُنُنَا». ٢٢قَدْ رَأَيْتَ يَا رَبُّ، لاَ تَسْكُتْ. يَا سَيِّدُ، لاَ تَبْتَعِدْ عَنِّي.
١. لَا يَشْمَتْ بِي ٱلَّذِينَ هُمْ أَعْدَائِي بَاطِلًا: واصل داود صلاته طالبًا من الله أن يبرئه أمام أعدائه.
· “وَلَا يَتَغَامَزْ بِٱلْعَيْنِ، أي يستهزئون بي، أو يهينوني تمامًا، كما تدل العبارة في سفر الأمثال ١٣:٦؛ ١٠:١٠).” بوله (Poole)
· بِٱلْعَيْنِ ٱلَّذِينَ يُبْغِضُونَنِي بِلَا سَبَبٍ: “تعاطف يسوع مع الذين يتألمون بلا سبب واضح، لأنه يطبق الكلمات في الآية ١٩ (انظر ٤:٦٩) على نفسه (يوحنا ٢٥:١٥).” فانجيميرين (VanGemeren)
٢. وَعَلَى ٱلْهَادِئِينَ فِي ٱلْأَرْضِ يَتَفَكَّرُونَ (يبتكرون) بِكَلَامِ مَكْرٍ: صلى داود من أجل التبرئة ضد أعدائه لأنهم تآمروا على شعب الله الودعاء البسطاء.
· ترجمت النسخة الألمانية اللوثيرية هذا التعبير إلى ’ٱلْهَادِئِينَ فِي ٱلْأَرْضِ‘ (كما في العربية)، وصار يشير لاحقًا إلى المؤمنين في ألمانيا، ولاسيما أولئك الذين ينتمون إلى التقليد التقوي الذي أكد حياة هادئة مكرسة أمام الله والناس، والثقة بدفاع الله عنهم.
· “في كل عصر كان لدى الله أتباعه الهادئون الذين يرتاحون من ضجيج الحياة ونزاعاتها، وينسحبون من طموحاتها وحسدها، غير متزعزعين من أخطارها، لأنهم دخلوا في سرّ حياة مختبئة في الله.” ميير (Meyer)
· “عندما يسخط عليك البشر، اذهب وأخبر يسوع. وعندما ترتفع العواصف، اختبئ في ستره. وعندما يتنافس الآخرون على الشهرة والتصفيق، وعندما يُحتمل أن تُصيبك عدوى شغفهم، ادخل إلى مخدعك، وأغلق بابك، وهدئ نفسك كفطيم.” ميير (Meyer)
٣. قَدْ رَأَيْتَ يَا رَبُّ… يَا سَيِّدُ، لَا تَبْتَعِدْ عَنِّي: واصل داود توسُّله إلى الله مستخدمًا اسمين مختلفين لله (رب، سيد – يهوه، أدوناي)، وغالبًا ما يُترجمان ككلمة واحدة في الإنجليزية.
· عندما تُكتب الكلمة الإنجليزية (LORD) بحروف كبيرة، فإنها تشير إلى الرب، يهوه، الكلمة العبرية التي تشير إلى إله العهد.
· عندما تُكتب الكلمة الإنجليزية (Lord) بحروف عادية، تأتي ترجمة لكلمة أدوناي الكلمة العبرية القديمة للرب. وتحمل كلمة أدوناي (adonai) هذه أحيانًا معنى السيد (Sir) وتُستخدم أحيانًا بمعنى الله.
· قَدْ رَأَيْتَ يَا رَبُّ: “رأى الله حقائق القضية، وهي لا تشمل براءة داود فحسب، بل أيضًا حقيقة أنه اتُّهم زورًا وتعرَّض للافتراء.” بويس (Boice)
· قَدْ رَأَيْتَ يَا رَبُّ: “رأيت استهزاء العدو القاطع كالسيف. فقد رأيناه بعيوننا.” كيدنر (Kidner)
ب) الآيات (٢٣-٢٦): التوسل من أجل تبرئة إلهية.
٢٣اسْتَيْقِظْ وَانْتَبِهْ إِلَى حُكْمِي، يَا إِلهِي وَسَيِّدِي إِلَى دَعْوَايَ. ٢٤اقْضِ لِي حَسَبَ عَدْلِكَ يَا رَبُّ إِلهِي، فَلاَ يَشْمَتُوا بِي. ٢٥لاَ يَقُولُوا فِي قُلُوبِهِمْ: «هَهْ! شَهْوَتُنَا». لاَ يَقُولُوا: «قَدِ ابْتَلَعْنَاهُ!». ٢٦لِيَخْزَ وَلْيَخْجَلْ مَعًا الْفَرِحُونَ بِمُصِيبَتِي. لِيَلْبِسِ الْخِزْيَ وَالْخَجَلَ الْمُتَعَظِّمُونَ عَلَيَّ.
١. ٱسْتَيْقِظْ وَٱنْتَبِهْ إِلَى حُكْمِي: كان داود واثقًا بأن الرب كان إلى جانبه في صراعه مع أعدائه، غير أنه تاق إلى تبرئة نشطة. فقد بدا أن الله كان سلبيًّا جدًّا، ولهذا صرخ داود ليتحرك الرب وينتبه (ٱسْتَيْقِظْ وَٱنْتَبِهْ) من أجل داود.
٢. يَا إِلَهِي وَسَيِّدِي: يستخدم داود هنا كلمة أخرى للإشارة إلى الله بشكل عام، وهي إيلوهيم الكلمة العبرية. وهي تأتي في صيغة الجمع لكلمة الله.
· يَا إِلَهِي وَسَيِّدِي: “هذا نفس هتاف توما عندما رأى جراح يسوع. فإن لم يَعُد توما ربنا يسوع الله في اعترافه هذا، فإن هذا ينطبق على داود هنا الذي ينسب الألوهة إلى يهوه. إذ لا يوجد فرق إلا في ترتيب الكلمتين واللغة المستخدمة التي كان يتكلم بها. والمعنى مطابق.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. لِيَخْزَ وَلْيَخْجَلْ مَعًا الْفَرِحُونَ بِمُصِيبَتِي: طلب داود من الله ببساطة وقوة أن يكون دفاعه أمام أعدائه.
· لِيَلْبِسِ ٱلْخِزْيَ وَٱلْخَجَلَ ٱلْمُتَعَظِّمُونَ عَلَيَّ: “سيخزيهم الله على قيامهم بخزي شعبه، جالبًا عليهم التشويش لقاء التشويش الذي تسببوا فيه. وسينزع عنهم الملابس الجميلة ويُلبسهم ملابس مهترئة للخزي، وسيحوّل فرحهم إلى بكاء ونواح وصرير أسنان. وبالفعل يجدر بالقديسين أن ينتظروا.” (سبيرجن)
ج) الآيات (٢٧-٢٨): يطلب داود من شعب الله أن يفرحوا بتبرئته.
٢٧لِيَهْتِفْ وَيَفْرَحِ الْمُبْتَغُونَ حَقِّي، وَلْيَقُولُوا دَائِمًا: «لِيَتَعَظَّمِ الرَّبُّ الْمَسْرُورُ بِسَلاَمَةِ عَبْدِهِ». ٢٨وَلِسَانِي يَلْهَجُ بِعَدْلِكَ. الْيَوْمَ كُلَّهُ بِحَمْدِكَ.
١. لِيَهْتِفْ وَيَفْرَحِ ٱلْمُبْتَغُونَ حَقِّي: نرى عبر المزامير بشكل عام أن داود لم يكن ينظر إلى نفسه كشخص كامل بمعنى الخلو من الخطية. لكن من خلال نزاعاته مع أعدائه، لم تكن لديه مشكلة في أن يرى أن الله كان إلى جانبه، لا إلى جانبهم. وفي صراعات كثيرة من هذه لا نحس بأن داود يعاني من شك في الذات.
· “سقوط العدو مناسبة للتسبيح السعيد، لا لأن الضحية المقصودة تستسلم لتجربة شريرة ليفرح داود فرحًا خبيثًا شريرًا في مصيبة الضحية. بل إن خلاص داود، لا هلاك الآخرين هو الذي يجعل المرنم فرِحًا في الرب.” ماكلارين (Maclaren)
٢. لِيَتَعَظَّمِ ٱلرَّبُّ: تحدّث داود كثيرًا عن احتياجه الخاص وضيقه في هذا المزمور. غير أنه يختم بتركيز قوي على الله وتسبيحه. اهتم بتوسيع مدارك شعب الله ليفهموا عظمة الرب في قلوبهم وعقولهم، وبالتسبيح المتواصل (وَلِسَانِي يَلْهَجُ بِعَدْلِكَ. ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ بِحَمْدِكَ).
· “أعدائي مهتمون بتعظيم أنفسهم (الآية ٢٦)، لكن رغبتي الأساسية هي في أن يتعظم الله.” بوله (Poole)