تفسير سفر المزامير – مزمور ١١٥
الرب عون ومِجَنٌّ لنا
المزمور ١١٥ استمرار لمجموعة مزامير ’هلّل المصرية‘ (المزامير ١١٣-١١٨) التي رنمها اليهود أثناء احتفالات عيد الفصح. وهي لهذا تشكل جزءًا من الترانيم التي ربما رنمها يسوع وتلاميذه في الليلة التي تعرّض فيها للخيانة والقبض عليه (متى ٢٦: ٣٠ و مرقس ١٤: ٢٦). وإنه لأمر هادف جدًّا أن يكون في اعتبارنا أن هذا المزمور كان في قلب يسوع وعلى شفتيه أثناء تلك اللحظات الجليلة.
وفي ما يتعلق ببُنية هذا المزمور، يقول بويس (Boice): “ترى أغلبية المفسرين أن هذا المزمور طقسي يهدف إلى أن يرنَّم من مجموعات متناوبة من العابدين: الكهنة، رئيس الكهنة، الشعب، وهكذا.”
أولًا. الرب معظّم فوق كل الأوثان
أ ) الآيات (١-٢): تسبيح وصلاة غير مباشرة.
١لَيْسَ لَنَا يَارَبُّ لَيْسَ لَنَا، لَكِنْ لِٱسْمِكَ أَعْطِ مَجْدًا، مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ مِنْ أَجْلِ أَمَانَتِكَ. ٢لِمَاذَا يَقُولُ ٱلْأُمَمُ: «أَيْنَ هُوَ إِلهُهُمْ؟».
١. لَيْسَ لَنَا يَارَبُّ لَيْسَ لَنَا: فهِم صاحب المزمور أنه عندما قام الله بأعمال عظيمة، فقد فعل ذلك لكي يعود المجد عليه، لا على شعبه، رغم أنهم نشطون في العمل. إذ ينبغي أن يُعزى المجد لله ولاسمه القدوس.
· “هذا هو شعار الإنسان التقي وممارسته اليومية.” تراب (Trapp)
· “لا يهتم صاحب المزمور برفاهة شعب الله أولًا، بل بتبرئة اسم الله. وهذه نغمة عظيمة لكنها نادرة جدًّا في ترانيمنا. فنحن في خطر دائم في أن نضع رفاهة الإنسان قبل مجد الله.” مورجان (Morgan)
· “يبدو أن تكرار ’لَيْسَ لَنَا‘ يشير إلى رغبة جادة جدًّا في شجب مجد يمكن أن يَعْزوه لأنفسهم في أي وقت بكبرياء. وهو يعبّر أيضًا عن رغبته الشديدة في أن يعظَّم اسم الرب بأي ثمن.” سبيرجن (Spurgeon)
· “واجه هذا النص أدونيرام جدسون (Adoniram Judson) بينما كان ممتلئًا بالطموح، ساعيًا إلى صُنع اسم عظيم له، فتمرّد عليه. لكنه قال إن كل رؤاه البراقة للمستقبل بدت تتلاشى عندما راحت هذه الكلمات ترن في نفسه: ’لَيْسَ لَنَا يَارَبُّ لَيْسَ لَنَا، لَكِنْ لِٱسْمِكَ أَعْطِ مَجْدًا.‘” سبيرجن (Spurgeon)
· لعل هذه الآيات كانت في ذهن يسوع وقلبه في الليلة السابقة لصلبه. ولا بد أن ترنيم هذه الكلمات حرّكته بطريقة تتجاوز استيعابنا. “لم تدخل أي نفس – لا نفس مؤلف هذه الترنيمة ولا أي نفس استخدمتها – في كل أعماق دلالتها الروحية كما حدث مع يسوع قبل أن ينطلق من الجسيمانية إلى الجلجثة ليموت. لقد رنّمها مع تلك المجموعة الصغيرة من الرجال.” مورجان (Morgan)
٢. مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ مِنْ أَجْلِ أَمَانَتِكَ (حقِّك): تعني رحمة الله وحدها أنه هو المستحق للتسبيح والمجد وحده، لا الشعب الذي يحصل على رحمته. ويمكننا أن نضيف إلى رحمته أمانته (حقّه). فحقّه متجذر فيه لا في شعبه.
· الرحمة هنا ترجمة لكلمة ’حِسِد‘ العبرية التي يمكن أن تُفهم على أنها نعمة الله، ومحبته المُخْلِصة، ومحبته العهدية لشعبه. وعندما تكلم يوحنا لاحقًا كيف أن الرحمة والحق صارا بيسوع المسيح (يوحنا ١: ١٧)، فقد كتب بنفس فكرة صاحب المزمور وأنها تحققت فيه.
- “أعطتني رحمتك وعدًا، ووفّاه حقّك.” كلارك (Clarke)
٣. لِمَاذَا يَقُولُ ٱلْأُمَمُ: «أَيْنَ هُوَ إِلهُهُمْ؟»: هذه صلاة مصاغة بشكل ماهر. فالطِّلبة تقدَم بشكل غير مباشر لكن بقوة. طلب صاحب المزمور من الله أن يخلص شعبه لكي يتمجد بين الشعوب، وعندئذٍ لن يكون لدى الشعوب أي سبب للتفكير في أن الله هجر شعبه.
· “كان أمرًا طبيعيًا أن يسأل الوثنيون ’أَيْنَ هُوَ إِلَهُهُمْ؟‘ لأنه لم يكن لديهم رمز مادي خارجي، رمز ملموس، أو تمثال منظور، بينما كان لدى الوثنيين آلهة كثيرة ورموز كثيرة لها مصنوعة من الخشب والحجر. ولهذا سألوا: ’أَيْنَ هُوَ إِلَهُهُمْ؟‘” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٣-٨): تعظيم الرب فوق أوثان الشعوب.
٣إِنَّ إِلَهَنَا فِي ٱلسَّمَاءِ. كُلَّمَا شَاءَ صَنَعَ. ٤أَصْنَامُهُمْ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ، عَمَلُ أَيْدِي ٱلنَّاسِ. ٥لَهَا أَفْوَاهٌ وَلَا تَتَكَلَّمُ. لَهَا أَعْيُنٌ وَلَا تُبْصِرُ. ٦لَهَا آذَانٌ وَلَا تَسْمَعُ. لَهَا مَنَاخِرُ وَلَا تَشُمُّ. ٧لَهَا أَيْدٍ وَلَا تَلْمِسُ. لَهَا أَرْجُلٌ وَلَا تَمْشِي، وَلَا تَنْطِقُ بِحَنَاجِرِهَا. ٨مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا، بَلْ كُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا.
١. إِنَّ إِلَهَنَا فِي ٱلسَّمَاءِ: في أحسن الأحوال، كانت الشعوب تعبد كائنات خيالية أو إسقاطات لما تشتهيه وتتوق إليه. وفي أسوأ الأحوال، كانت تعبد أرواحًا شيطانية. لكن يهوة، إله عهد إسرائيل مميز عنهم تمامًا. فهو يسكن ويملك فِي ٱلسَّمَاءِ، وهو يعمل بشكل سيادي كل ما يريده (كُلَّمَا شَاءَ صَنَعَ).
· إِنَّ إِلَهَنَا فِي ٱلسَّمَاءِ: “حيث ينبغي أن يكون بعيدًا عن متناول البشر الفانين الساخرين، مسترقًا السمع إلى ثرثرات الناس الباطلة. وهو يشرف من السماء بازدراء صامت إلى صُنّاع بابل.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. لَهَا أَفْوَاهٌ وَلَا تَتَكَلَّمُ: يفضح صاحب المزمور حماقة العبادة الوثنية. كانوا يعبدون تماثيل من الفضة والذهب من صُنعهم (عَمَلُ أَيْدِي ٱلنَّاسِ). وقد صنعوها بأشياء تمثل أعضاء الجسم البشري (أفواه، أرجل، عيون، آذان، مناخر، أيدٍ، حناجر). لكن هذه الأجزاء التمثيلية لم تكن قادرة على فعل ما كان صانعوها قادرين على فعلها – أن يروا ويسمعوا ويشمّوا ويلمسوا ويمشوا ويتكلموا أو حتى يغمغموا. فالناس يعبدون أشياء من الواضح أنها دونهم!
· “تشبه نغمة الوصف هنا صُنع تمثال في إشعياء ٤٤: ٩-٢٠.” ماكلارين (Maclaren)
· “إنه واحد من مواضع في كلمة الله حيث يلقي نظرة فاحصة على ما لا يريد العالم أن يعترف به. وما يفعله هذا المزمور بالآلهة الزائفة هنا سيفعله سفر الجامعة بشكل رائع بالإنسان وطموحاته.” كيدنر (Kidner)
· لَهَا أَعْيُنٌ وَلَا تُبْصِرُ: “كانت لدى بعض الأوثان عيون مصنوعة من جواهر أثمن من فدية ملك. لكنها كانت عمياء مثل بقية الأوثان. والإله الذي ليس له عينان ولا يستطيع أن يرى إله أعمى. والعمى كارثة كبرى. وهو ليس من صفات اللاهوت. ولا بدّ أن يكون أعمى كل من يعبد إلهًا أعمى. ونحن نشفق على الرجل الأعمى. ومن الغريب أن يُعبَد تمثال أعمى.” سبيرجن (Spurgeon)
· وَلَا تَشُمُّ: “يهزأ صاحب المزمور، في سخرية مقدسة، من الذين يقدّمون التوابل زكية الرائحة، ويملأون معابدهم بسحب من الدخان لتقدَّم إلى إله لا يستطيع أن يدرك العطر.” سبيرجن (Spurgeon)
· لاَ تَمْشِي: روى جون تراب (John Trapp) كيف أن مدينة قديمة تحت الحصار وضعت سلسلة على تمثالها المعبود، هرقل، لئلا يهجرها وقت الحاجة. فلم يتزحزح هرقل من مكانه، لكن المدينة غُزِيت. “تمتلك أصغر حشرة قوة أعظم على الحركة من أعظم إله وثني.” سبيرجن (Spurgeon)
· وَلَا تَنْطِقُ بِحَنَاجِرِهَا: “إنها لا تُهَمْهِم أو تحْدث صوتًا كما تدل الكلمة في إشعياء ١٠: ١٤. فهذه الآلهة بعيدة عن أن تتكلم بحناجرها أو بأية أدوات للكلام كما يفعل البشر. ولا تستطيع أن تنتج حتى أصواتًا لا معنى لها مثل تلك الأصوات التي تُحْدثها الحيوانات.” بوله (Poole)
· “هذه مقابلة جميلة بين إله إسرائيل وأصنام الوثنيين. فقد خلق الله كل شيء، بينما خُلِقت تلك الأصنام من بشر. وهو في السماء، بينما هي على الأرض. وهو يفعل ما يشاء، بينما لا تستطيع أن تفعل شيئًا. وهو يرى المِحن، ويسمع الصلاة، ويستجيب، ويقبل التقدمات، ويهبّ إلى العون، ويفعّل خلاص عبيده. وأما هي فعمياء وصمّاء، وبلا عقل يدرك، أو قوة على الحراك. فهي عاجزة.” هورن (Horne)
· اقتبس بويس (Boice) إضافة أوغسطين إلى لائحة الاتهامات ضد الأوثان وعابديها. “فحتى الأموات يتفوّقون على إله لا يحيا ولم يَحْيَ قط.”
٣. مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا: فَهِم صاحب المزمور أنه عندما يعبد الناس أشياء غير جديرة بهم، أي أقل من مستواهم، فإن هذا يُنزل من قيمتهم. ويبدأون بفقدان قدرتهم على الإدراك والتعامل مع العالم. وسيكون مصير الذين يتكلون على هذه الأوثان نفس مصيرها، حيث تجذبهم الآلهة الزائفة إلى تحت، لا إلى فوق.
· مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا: هذا قانون روحي. فنحن نصبح مثل ما نعبده. فعندما نعبد الإله الحقيقي الذي يملك بالبر، الإله الذي أعلن نفسه بشكل كامل في يسوع المسيح، فإننا نصبح مثله. وعندما نعبد أوثانًا زائفة باطلة، نصبح مثلها.
· “ليست العبادة الزائفة غير بريئة، لكنها تحط من الروح المعنوية. وفي نهاية المطاف، يهلك العابدون مع أوثانهم القابلة للهلاك.” فانجيميرين (VanGemeren)
· “من المؤكد أن العبادة تولّد الشبه. فالإله الشهواني القاسي سيجعل عابديه هكذا. يخلق البشر آلهة حسب صورتهم. وعندما تُصنع، تجعل الآلهة عابديها مثلها. ونفس المبدأ الذي يحط من عابد الوثن يرفع المؤمن بيسوع المسيح إلى شبه المسيح.” ماكلارين (Maclaren)
· لاحظ ف. ب. ماير (F.B. Meyer) كيف أن هذا ينطبق على الذين يعبدون الأوثان. “أولًا، ينسب البشر إلى الآلهة رذائلهم. كما فعل اليونان والرومان بالآلهة والآلهات في مجمع الآلهة (بانثيون). وبعد ذلك يحاولون إكرامها عن طريق التقليد.” ثم لاحظ كيف أن هذا يحدث بشكل إيجابي بين تلاميذ يسوع. “هذا هو الأسلوب الإلهي. انظرْ واحْيَ؛ ثِقْ وستتجلّى؛ اثبت فيه وسيثبت فيك.”
ثانيًا. إسرائيل مدعوة إلى الاتكال على الرب ونوال بركته
أ ) الآيات (٩-١١): دعوة إلى الاتكال على الله.
٩يَا إِسْرَائِيلُ، ٱتَّكِلْ عَلَى ٱلرَّبِّ. هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ. ١٠يَا بَيْتَ هَارُونَ، ٱتَّكِلُوا عَلَى ٱلرَّبِّ. هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ. ١١يَا مُتَّقِي ٱلرَّبِّ، ٱتَّكِلُوا عَلَى ٱلرَّبِّ. هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ.
١. يَا إِسْرَائِيلُ، ٱتَّكِلْ عَلَى ٱلرَّبِّ: يفترض أن تدفعنا معرفتنا بحمق عبادة الأوثان إلى الاتكال على الإله الحقيقي وتجبرنا على اللجوء إليه كعون ومِجَن. وفي هذا لدينا شيء من قلب بطرس عندما قال: “يَا رَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلَامُ ٱلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ” (يوحنا ٨: ٦٨).
· نرى أن صاحب المزمور لم يحثّنا على الثقة بالله بشكل عام، بل على الاتكال عليه عمليًّا. ويتجاوز هذا أن ننظر إليه كجدير بالثقة، وأن نقوم بالفعل بالاتكال عليه، معتمدين عليه بثقة، لا على أنفسنا أو على أي وثن.
· رغم خبراتنا الكثيرة في خيبة الأمل عندما نبحث في أماكن عن عون ومِجَن، إلا أننا نكرر نفس الخطأ. وينبغي لنا أن نستمع إلى هذا الحثّ العقلاني على أن لا ننظر إلى مكان آخر غير الرب للعون والحماية.
· “إنه عوننا، ودعمنا، والوصي علينا، ودفاعنا لأننا وضعنا ثقتنا فيه.” كلارك (Clarke)
· يمكننا أن نتخيل عابد وثن مضطرًّا إلى أن يعين ويحرس الوثن الذي صنعه أو اشتراه. إنه أفضل بكثير أن يكون لديك إله يمكن أن يساعدك ويحميك.
٢. يَا بَيْتَ هَارُونَ، ٱتَّكِلُوا عَلَى ٱلرَّبِّ: إن كان ينبغي لشعب الله ككل أن يتكل على الله، فإنه ينبغي لخدامه المعيّنين منه أن يتكلوا عليه أكثر. فكان أمرًا صوابًا وحسنًا أن يَعُد كل الكهنة، بَيْتَ هَارُونَ، إله إسرائيل عونًا ومِجَنًا لهم.· “يتوجب أن يكون الخدام أنماطًا (أمثلة) للآخرين في الاعتماد على الله وحياة الإيمان.” تراب (Trapp)
· “يا من أنتم الأقرب إلى الرب، ثقوا به أكثر من الجميع. فنفس دعوتكم مرتبطة بحقّه، وهي تهدف إلى إعلان مجده. ولهذا لا تسمحوا بأي شك حوله. بل قودوا الطريق في ثقة مقدسة.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. يَا مُتَّقِي ٱلرَّبِّ، ٱتَّكِلُوا عَلَى ٱلرَّبِّ: ينبغي لأولئك الذين يحترمون الرب ويوقّرونه حقًّا أن يتخذوا الخطوة العملية في الاتكال عليه. وربما تشير هذه الفئة، مُتَّقِي ٱلرَّبِّ، إلى أمميين أحبّوا وأكرموا إله إسرائيل، لكن لم يصبحوا يهودًا.
· يُعرف هؤلاء في العهد الجديد بخائفي الله (أعمال الرسل ١٠: ١-٢؛ ١٣: ١٦؛ ١٣: ٢٦). وربما تكون هذه التسمية مأخوذة من مقاطع كهذه في العهد القديم. وقد اعترف كُتّاب العهد القديم بالأمميين الذين أكرموا إله إسرائيل (١ ملوك ٨: ٤١؛ إشعياء ٥٦: ٦).
· مُتَّقِي ٱلرَّبِّ: “يُفهم هذا التعبير بشكل طبيعي على أنه يشير إلى المتهودين. ونحن نرى في المكانة البارزة المعطاة لهم وعيًا متزايدًا في إسرائيل بقصدها كشاهدة للعالم.” ماكلارين (Maclaren)
· لا بد أن فكرة تشجيع الذين يتقون الرب – خائفي الله – أي الأمميين الذين اتكلوا على الله حلوة للغاية ليسوع في ليلة العشاء الأخير، عارفًا أن الحصاد من الأمميين قريب.
ب) الآيات (١٢-١٣): التوكيد الواثق للذين يجعلون الرب عونهم ومِجَنّهم.
١٢ٱلرَّبُّ قَدْ ذَكَرَنَا فَيُبَارِكُ. يُبَارِكُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. ١٣يُبَارِكُ بَيْتَ هَارُونَ. يُبَارِكُ مُتَّقِي ٱلرَّبِّ، ٱلصِّغَارَ مَعَ ٱلْكِبَارِ.
١. ٱلرَّبُّ قَدْ ذَكَرَنَا فَيُبَارِكُ: ارتكز صاحب المزمور على أمانة الله في الماضي مستخدًما إياها كأساس للثقة بمباركة الله لهم مستقبلًا. لم ينسنا في الماضي، ولهذا لن ينسى أن يباركنا في المستقبل.
· “لقد فعل الله هذا حتى الآن، ولهذا سيفعل – هذه حجة عادية في كلمة الله.” تراب (Trapp)
· فَيُبَارِكُ (فسيباركنا): “من طبيعة الله أن يبارِك، ومن حقّه أن يبارِك، ومجده هو أن يبارِك، ولذّته هي أن يبارك. لقد وعدنا بأن يبارِك، ولهذا يمكنك أن تتأكد من أنه سيبارِك وسيبارِك من دون توقُّف.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. يُبَارِكُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ: أُعلِنت بركات على المدعوين الذين يتكلوا على الرب في الآيات ٩-١١. فكل الذين يتكلون عليه سيبارَكون، ٱلصِّغَارَ مَعَ ٱلْكِبَارِ.
· “نتعزى بمعرفة أن ٱلصِّغَارَ يُذكَرون أولًا. ويعني هذا أنهم لن يُنسوا. “بركة الله لك، أيًّا كنتَ، شريطة أن تتوقف عن الاتكال على نفسك ووسائلك، وتبدأ بالاتكال على الرب بدلًا من ذلك.” بويس (Boice)
ج) الآيات (١٤-١٥): إعلان بركة.
١٤لِيَزِدِ ٱلرَّبُّ عَلَيْكُمْ، عَلَيْكُمْ وَعَلَى أَبْنَائِكُمْ. ١٥أَنْتُمْ مُبَارَكُونَ لِلرَّبِّ صَّانِعِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلْأَرْضِ.
١. لِيَزِدِ ٱلرَّبُّ عَلَيْكُمْ: في عالم إسرائيل القديمة، تطلَّع كثيرون إلى أوثان الشعوب كمصدر لخصوبة حقولهم ومواشيهم وعائلاتهم وازدهارها. ويدرك صاحب المزمور، في إعطائه لهذ البركة للذين يتقون الرب ويتكلون عليه، أن الرب هو مصدر هذه البركة التي تطال حتى أبناءنا.
٢. أَنْتُمْ مُبَارَكُونَ لِلرَّبِّ صَّانِعِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلْأَرْضِ: ومرة أخرى، يرفع صاحب المزمور الرب فوق أوثان الشعوب. فهو وحده صَّانِعِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلْأَرْضِ.
· “إذا باركك الرب، فلن يجوّعك الفقر، ولن يقتلك المرض، ولن ينهكك الكد، ولن يستهلكك الأسى. ولن تستطيع الحياة أن تخدعك، ولن يميتك الموت، ولن يُطْبِق عليك الجحيم.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (١٦-١٨): السموات والأرض والتسبيح إلى الأبد.
١٦السَّمَاوَاتُ سَمَاوَاتٌ لِلرَّبِّ، أَمَّا ٱلْأَرْضُ فَأَعْطَاهَا لِبَنِي آدَمَ. ١٧لَيْسَ ٱلْأَمْوَاتُ يُسَبِّحُونَ ٱلرَّبَّ، وَلَا مَنْ يَنْحَدِرُ إِلَى أَرْضِ ٱلسُّكُوتِ. ١٨أَمَّا نَحْنُ فَنُبَارِكُ ٱلرَّبَّ مِنَ ٱلْآنَ وَإِلَى ٱلدَّهْرِ. هَلِّلُويَا.
١. السَّمَاوَاتُ سَمَاوَاتٌ لِلرَّبِّ: أدرك صاحب المزمور سلطان الله كخالق على كل من السموات والأرض (الآية ١٥). وهنا يقرر سيادة الله المستمرة على السَّمَاوَاتُ، وعلى الأرجح بالمعاني الثلاثة (السماء الزرقاء، وسماء النجوم، والسماء الثالثة حيث يسكن الله).
٢. أَمَّا ٱلْأَرْضُ فَأَعْطَاهَا لِبَنِي آدَمَ: رغم أن لدى الله السيادة على الأرض كخالق، إلا أنه أعطى بني آدم هيمنة كبيرة عليها. ولا بد أنه خطر ببال صاحب المزمور تفويض الله لآدم بالتسلط على الأرض (سفر التكوين ١: ٢٥-٣٠).
· تعطى الهيمنة المعطاة من الله إلى البشر على الأرض لكي يستخدموا مواردها لخير البشرية كوكلاء حكماء ويدبروها بمراعاة. يمكننا أن نستخدمها، لكن لا ينبغي أن نهدمها وندمّرها.
· “الأرض هي للإنسان، لكن بِهبةٍ من الرب. ولهذا ينبغي للبشر أن يتذكروا شروط ولايتهم، وأن يعترفوا بشكر بمحبته المعطاءة.” ماكلارين (Maclaren)
· “الكل له، لكننا ورثته والأُمَناء الرئيسيون على ما له. يوجد كرم في هذه العبارة (أَمَّا ٱلْأَرْضُ فَأَعْطَاهَا لِبَنِي آدَمَ). وتوجد مسؤولية أيضًا، لأننا لسنا صانعيها. وهي ليست موجودة كمادة لا معنى لها لاستغلالها. فوراء العطية يوجد مُعطٍ.” كيدنر (Kidner)
٣. لَيْسَ ٱلْأَمْوَاتُ يُسَبِّحُونَ ٱلرَّبَّ: لا يعود يُسمع صوتهم بين الأحياء. ومهما كانت الجوقة السماوية التي ينضمّون إليها، فإنهم غائبون عن الجوقة الأرضية. ولن يكون تسبيحهم شهادة للذين يقاومون الإله الحقيقي ويرفضونه.
· عندما رنّم يسوع هذه الترنيمة مع تلاميذه (متى ٢٦: ٣٠؛ مرقس ١٤: ٢٦)، فقد كان يرنم عارفًا أنه لن يرنم مع تلاميذه بعد على الأرض. فتأمّل عمق شعوره في تلك اللحظة.
٤. مِنَ ٱلْآنَ وَإِلَى ٱلدَّهْرِ: بالنظر إلى إدراك عدم يقينية التسبيح في الحياة القادمة، وعظمة الله، والبركة المذهلة المعطاة للبشر، فإنه أمر جدير أن يسبَّح إلى الأبد. وهذا شيء يمكن لشعب الله أن يستجيبوا له بهتاف: هللويا!
· “مِنَ ٱلْآنَ وَإِلَى ٱلدَّهْرِ. يعني هذا في هذه الحياة والحياة القادمة. فهناك زمنان يمكن فيهما أن نسبّح الرب: الآن وإلى الأبد.
· “سنحرص نحن الذين ما زلنا أحياء على أن لا تتوقف تسبيحات الله بين بني آدم. ولن نسمح لمحننا ومحبطات أرواحنا بأن تجعلنا نعلّق تسبيحاتنا.” سبيرجن (Spurgeon)
· إن كان للتسبيح أن يستمر إلى الأبد، فلا بد أنه يمتد إلى العالم الآتي، حتى عندما لا يعود يُسمع صوت تسبيح على الأرض.
· “رغم أن الأموات والأشرار واللامبالين لن يسبّحوا الرب، إلا أننا نهتف هللويا إلى أبد الآبدين. آمين.” سبيرجن (Spurgeon)
· “ومرّةً أخرى يعود الفكر إلى العليّة، إلى المرنم الإلهي (يسوع) الذي كان أعمق شغف له هو إرادة الله ومجد اسمه، إلى ذاك الذي سيمضي في صمت حيث لن تُسمع نغمة تسبيح، لكن إلى ذاك الذي سيحوّل الصمت إلى ترنيمة أبدية.” مورجان (Morgan)