تفسير سفر المزامير – مزمور ٤٤
حُسِبنا خرافًا للذبح
هذا المزمور، شأنه شأن المزمور ٤٢، معنون لِإِمَامِ ٱلْمُغَنِّينَ. قَصِيدَةٌ (تأمُّل) لِبَنِي قُورَحَ. كان أبناء قورح لاويين من عائلة قهات. وبحلول زمن داود، خدموا في الجانب الموسيقي من عبادة الهيكل (سفر أخبار الأيام الثاني ١٩:٢٠).
تحدّث المزمور ٤٢ عن إسرائيل في موسم هزيمة كبيرة، فانطلقت صرخة إلى الله من أجل الإنقاذ. اعتقد بعضهم أن هذا المزمور (٤٤) يعود إلى فترة السبي أو بعدها، في أيام المكابيين. غير أن هنالك أسبابًا كافية لإرجاعه إلى العهد الملكي لإسرائيل.
يلاحظ ديريك كيدنر (Derek Kidner) أن كتاب الصلاة الأنجليكاني الذي جمعه توماس كريمر (١٥٥٤) وضع الشطر الأول والشطر الثاني من هذا المزمور معًا كـ “إعلان وتضرُّع.” وفي ذلك الكتاب كان الكاهن يقول: “اَللَّهُمَّ، بِآذَانِنَا قَدْ سَمِعْنَا. آبَاؤُنَا أَخْبَرُونَا بِعَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي أَيَّامِهِمْ، فِي أَيَّامِ ٱلْقِدَمِ. وترُد الجوقة بالقول: قُمْ عَوْنًا لَنَا وَٱفْدِنَا مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ.” ولاحظ كيدنر قائلًا: “يتم التعامل مع هذه الصلاة في هذا الكتاب على أنه تراث مسيحي، لا كمجرد قصيدة إسرائيلية.”
أولًا. انتصارات الله العظيمة من أجل إسرائيل في الماضي والحاضر
أ ) الآيات (١-٢): انتصار الله من أجل إسرائيل في أيام غزو يشوع.
١اَللَّهُمَّ، بِآذَانِنَا قَدْ سَمِعْنَا. آبَاؤُنَا أَخْبَرُونَا بِعَمَل عَمِلْتَهُ فِي أَيَّامِهِمْ، فِي أَيَّامِ الْقِدَمِ. ٢أَنْتَ بِيَدِكَ اسْتَأْصَلْتَ الأُمَمَ وَغَرَسْتَهُمْ. حَطَّمْتَ شُعُوبًا وَمَدَدْتَهُمْ. ٣لأَنَّهُ لَيْسَ بِسَيْفِهِمِ امْتَلَكُوا الأَرْضَ، وَلاَ ذِرَاعُهُمْ خَلَّصَتْهُمْ، لكِنْ يَمِينُكَ وَذِرَاعُكَ وَنُورُ وَجْهِكَ، لأَنَّكَ رَضِيتَ عَنْهُمْ.
١. اَللَّهُمَّ، بِآذَانِنَا قَدْ سَمِعْنَا. آبَاؤُنَا أَخْبَرُونَا بِعَمَل عَمِلْتَهُ فِي أَيَّامِهِمْ: تلقّى صاحب المزمور إرثًا خاصًّا من آبائه، من جيلهم الأقدم. وقد حرص هؤلاء الآباء على أن يخبروا أبناءهم بما فعله الله في أجيال سابقة.
· “جعلوا أفواههم ككتب، حيث تُقرأ عليها أعمال الرب النبيلة ليسبَّح الله عليها، وتُرسم على قلوب أبنائهم.” تراب (Trapp)
٢. أَنْتَ بِيَدِكَ ٱسْتَأْصَلْتَ ٱلْأُمَمَ وَغَرَسْتَهُمْ: أخبر هؤلاء الآباء من الجيل السابق صاحب المزمور عن عمل الله العظيم عندما طرد الكنعانيين وزرع إسرائيل في الأرض الموعودة لنسل إبراهيم وإسحق ويعقوب.
٣. لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَيْفِهِمْ ٱمْتَلَكُوا ٱلْأَرْضَ… لَكِنْ يَمِينُكَ وَذِرَاعُكَ: لدى قراءة قصة غزو فلسطين في أيام يشوع، نجد أنه كانت هنالك أوقات لم تفعل فيها إسرائيل أي شيء. فقد كان الله وحده يقوم بالعمل (سفر يشوع ١٢:٢٤-١٣). وكانت هنالك أوقات أخرى كان على إسرائيل أن تقاتل فيها. لكن قتالها ما كان ليحقق شيئًا من دون يمين الله من أجلهم.
٤. وَنُورُ وَجْهِكَ، لِأَنَّكَ رَضِيتَ عَنْهُمْ: كان هذا أكثر أهمية (وأَسْبَقَ) من عمل يمين الرب من أجلهم.
· نلاحظ أن هذه المعارك والغزوات حدثت قبل وقت طويل من جيل صاحب المزمور. فالآباء المشار إليهم في مزمور ١:٤٤ لم يختبروا الله شخصيًا فحسب، بل أيضًا تعلّموا ما فعله الرب في أجيال سابقة.
· “سيكون معادلنا في الذكريات تأملاتنا في تراثنا الروحي، في أحداث مثل الإصلاح البروتستانتي، أو الانتعاشات الويسلية، أو اليقظات العظيمة.” بويس (Boice)
ب) الآيات (٤-٨): صلاة واثقة من أجل انتصار الله من أجل إسرائيل في زمن صاحب المزمور.
٤أَنْتَ هُوَ مَلِكِي يَا اَللهُ، فَأْمُرْ بِخَلاَصِ يَعْقُوبَ. ٥بِكَ نَنْطَحُ مُضَايِقِينَا. بِاسْمِكَ نَدُوسُ الْقَائِمِينَ عَلَيْنَا. ٦لأَنِّي عَلَى قَوْسِي لاَ أَتَّكِلُ، وَسَيْفِي لاَ يُخَلِّصُنِي. ٧لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَّصْتَنَا مِنْ مُضَايِقِينَا، وَأَخْزَيْتَ مُبْغِضِينَا. ٨بِاللهِ نَفْتَخِرُ الْيَوْمَ كُلَّهُ، وَاسْمَكَ نَحْمَدُ إِلَى الدَّهْرِ. سِلاَهْ.
١. أَنْتَ هُوَ مَلِكِي يَا ٱللهُ، فَأْمُرْ بِخَلَاصِ يَعْقُوبَ: تلقّى صاحب المزمور هبة من آبائه بإخباره عن عمل الله العظيم في الماضي. وكان لهذه الهبة ثمن. إذ جعلته غير راضٍ عن أي إحساس بأن الله لا يفعل الأشياء نفسها في زمنه. ولهذا صلى إلى الله بأن يأمر بانتصارات من أجل يعقوب في زمنه الحالي، كما كان في قصص الماضي.
٢. بِكَ نَنْطَحُ مُضَايِقِينَا (ونطرحهم أرضًا): رُفعت الصلاة بإيمان، وتوقّع صاحب المزمور بثقة استجابة لصلواته كما لو أنها حدثت بالفعل.
· نَنْطَحُ مُضَايِقِينَا: “حرفيًّا، سنطوِّح بهم في الهواء بِقَرْنِنا. وهذه صورة مأخوذة من بقرة أو ثور وهو يطوِّح كلابًا تهاجمه في الهواء.” كلارك (Clarke)
· ننطح… نَدُوسُ: “هذه الصورة النابضة في مزمور ٥:٤٤ مأخوذة من أسلوب قتال شائع بين حيوانات برية ذات قرون، مثل الجواميس، تقوم بطرح خصومها أرضًا ثم تدوسها.” ماكلارين (Maclaren)
٣. لِأَنِّي عَلَى قَوْسِي لَا أَتَّكِلُ، وَسَيْفِي لَا يُخَلِّصُنِي: تحدَّث صاحب المزمور إلى الله نيابة عن شعبه، مؤكدًا له أن إيمانهم هو فيه وفي قوّته، لا في قوّتهم أو مهارتهم.
· “في الحروب الروحية، كما في الحروب الزمنية، ينبغي استخدام تلك الوسائل المعيّنة، لكن من دون الاتكال عليها. فعلى الإنسان أن يقاتل، لكن الله هو الذي يعطي النصر، ولهذا يُعْزى له المديح والشكر والقوة والمجد.” هورن (Horne)
٤. لِأَنَّكَ أَنْتَ خَلَّصْتَنَا مِنْ مُضَايِقِينَا: يوحي هذا بالشكر على الانتصارات الماضية. لم يتحدث صاحب المزمور كما لو أن الله لم يفعل شيئًا مثل هذا من قبل في جيله.
٥. بِٱللهِ نَفْتَخِرُ ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ، وَٱسْمَكَ نَحْمَدُ إِلَى ٱلدَّهْرِ: نحن نفترض أن هذا التسبيح هو على كل ما فعله الله (في الماضي البعيد والقريب) وفي توقُّع لما سيفعله استجابة للصلاة الحالية.
· “في هذه المرحلة، نتوقع أن يكون المزمور مزمور شكر وتسبيح وثقة.” بويس (Boice). فأول كلمة في مزمور ٩:٤٤ (لكن) تغيِّر نغمة المزمور بشكل كلي.
· سِلاهْ: “هذا توَقُّف قصير ملائم هنا، عندما نوشك على الهبوط من أعلى نغمة إلى أدنى نغمة. فلم نَعُد نسمع دُفّ مريم، بل نواح راحيل.” سبيرجن (Spurgeon)
ثانيًا. أزمة إسرائيل، وخيبة أملها، وثقتها في نهاية المطاف
أ ) الآيات (٩-١٦): هزيمة إسرائيل، وأزمتها، ويد الرب في ذلك.
٩لكِنَّكَ قَدْ رَفَضْتَنَا وَأَخْجَلْتَنَا، وَلاَ تَخْرُجُ مَعَ جُنُودِنَا. ١٠تُرْجعُنَا إِلَى الْوَرَاءِ عَنِ الْعَدُوِّ، وَمُبْغِضُونَا نَهَبُوا لأَنْفُسِهِمْ. ١١جَعَلْتَنَا كَالضَّأْنِ أُكْلاً. ذَرَّيْتَنَا بَيْنَ الأُمَمِ. ١٢بِعْتَ شَعْبَكَ بِغَيْرِ مَال، وَمَا رَبِحْتَ بِثَمَنِهِمْ. ١٣تَجْعَلُنَا عَارًا عِنْدَ جِيرَانِنَا، هُزْأَةً وَسُخْرَةً لِلَّذِينَ حَوْلَنَا. ١٤تَجْعَلُنَا مَثَلاً بَيْنَ الشُّعُوبِ. لإِنْغَاضِ الرَّأْسِ بَيْنَ الأُمَمِ. ١٥الْيَوْمَ كُلَّهُ خَجَلِي أَمَامِي، وَخِزْيُ وَجْهِي قَدْ غَطَّانِي. ١٦مِنْ صَوْتِ الْمُعَيِّرِ وَالشَّاتِمِ. مِنْ وَجْهِ عَدُوٍّ وَمُنْتَقِمٍ.
١. رَفَضْتَنَا وَأَخْجَلْتَنَا: يذكر صاحب المزمور حاجته العظيمة الحالية. فقد أحسوا بأن الله لم يعد يقاتل نيابة عن إسرائيل، ولهذا فإنهم بلا رجاء في المعركة. فكان المفتاح لأن يقووا على أعدائهم هو أن يقْوَوا بالرب.
· “أَخْجَلْتَنَا؛ جعلتنا نخجل من افتخارنا بك، ومن اتكالنا عليك، وهي أمور كثيرًا ما جاهرنا بها أمام أعدائنا.” بوله (Poole)
٢. جَعَلْتَنَا كَٱلضَّأْنِ أُكْلًا: فهِم صاحب المزمور أن الانتصار والهزيمة بالنسبة لإسرائيل، أمّة العهد، هو في الرب. فإذا هُزموا، أو تشتتوا (ذرَّيْتَنا)، أو بيعوا إلى العبودية (سُخْرَة)، وصاروا موضوع توبيخ واستهزاء (هُزْأة)، فإن هذا يعود إلى أن يد الرب كانت وراء ذلك بطريقة ما. لاحظ الاستخدام المتكرر لضمير المخاطب ’أنت‘ أو الضمير المتصل ’ك.‘
· “تتعمق ضيقة شعب الله مع كل شطر من الآيات ١٠-١٢، مع الهزيمة، والغنائم، والذبح، والتشتت، والعبودية.” كيدنر (Kidner)
· تَجْعَلُنَا مَثَلًا بَيْنَ ٱلشُّعُوبِ: من الواضح أنه تخلّى عنهم، وصاروا بالتالي مثلًا وقصة يتندّرون بها بين الشعوب. “انظروا العبرانيين! انظروا بؤسهم وتعاستهم! انظروا كيف أن غضب الله أسقط شعبًا مُسيئًا!” كلارك (Clarke)
· يبدو لأول وهلة أن تشتُّتهم بين الشعوب (مزمور ١١:٤٤) ووعي الشعب بالوثنية (مزمور ١٧:٤٤ فصاعدًا) يعطي انطباعًا بأن كاتب المزمور عاش بعد السبي. لكن كانت هنالك عمليات إجلاء قبل السبي (انظر سفر عاموس ٦:١، ٩). ويشكل هذا المزمور، شأنه شأن المزمور ٦٠ الذي كتبه داود (مع أوجه شبه قوية مع المزمور الحالي) تذكيرًا بأن الهزيمة لم تكن غير معروفة في عهد الملوك المخْلِصين لله.” كيدنر (Kidner)
٣. ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ خَجَلِي أَمَامِي، وَخِزْيُ وَجْهِي قَدْ غَطَّانِي: تدنّت الروح المعنوية لصاحب المزمور، لا بسبب الهزيمة والعار اللذين أُلحق بهما أعداؤهما فحسب، بل أيضًا بسبب ما هو أسوأ، وهو الإحساس بأن الله تخلى عن إسرائيل، وربما كان ضدها.
· الْمُعَيِّرِ وَالشَّاتِمِ: “يبدو من قيام الأعداء بالاستهزاء بشعب الله، أنهم كانوا يوجهون إهانات لله نفسه. فانتقلوا من الاضطهاد إلى الخطية الأقرب لها، وهي التجديف على الله.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (١٧-١٩): يحتج صاحب المزمور بأن إسرائيل بقيت وفية لله.
١٧هذَا كُلُّهُ جَاءَ عَلَيْنَا، وَمَا نَسِينَاكَ وَلاَ خُنَّا فِي عَهْدِكَ. ١٨لَمْ يَرْتَدَّ قَلْبُنَا إِلَى وَرَاءٍ، وَلاَ مَالَتْ خَطْوَتُنَا عَنْ طَرِيقِكَ، ١٩حَتَّى سَحَقْتَنَا فِي مَكَانِ التَّنَانِينِ، وَغَطَّيْتَنَا بِظِلِّ الْمَوْتِ.
١. هَذَا كُلُّهُ جَاءَ عَلَيْنَا، وَمَا نَسِينَاكَ: شعر صاحب المزمور بأنه مدفوع بواجبه في أن يخبر الله أنه، رغم إحساسهم العميق بأن الله تركهم، إلا أنهم لم يتركوه (وَمَا نَسِينَاكَ). إذ تذكّروه وبقوا أوفياء للعهد.
· كان وراء ذِكْر العهد قصد خاص. فبموجب نظام العهد القديم (الذي يُعرف أحيانًا بالعهد الموسوي أو السينائي)، وعد الله بأن يبارك إسرائيل المطيعة ويلعن إسرائيل العاصية (كما في سفر التثنية ٢٨). ويضمّن هذا الكلام أنه يتوجب على الله الآن أن يكون وفيًّا حول ذلك الجزء الخاص به من العهد، لأن إسرائيل كانت وفية لذلك الجزء الخاص بها.
· “حذرت شريعة موسى من أن عصيان العهد سيؤدي إلى سخط الله، وفي النهاية إلى هزيمتهم وسلبهم وسبيهم وتشتيتهم بين الشعوب.” (سفر التثنية ١٥:٢٨-٦٨).” فانجيميرين (VanGemeren)
٢. لَمْ يَرْتَدَّ قَلْبُنَا إِلَى وَرَاءٍ، وَلَا مَالَتْ خَطْوَتُنَا عَنْ طَرِيقِكَ: من دون أن يدّعي صاحب المزمور الكمال الخالي من الخطية من جهة إسرائيل، أصرّ على أنها ككل كانت مكرسة له من حيث القلب والسلوك (خَطْوَتُنَا).
· ربما ندعو هذا المزمور مزمورًا صادقًا غير موجّه إلى التوبة. توجد عدة مزامير ممتلئة بإحساس عميق بالإثم الشخصي والندم والانسحاق. ونحن نجد في المزمور ٤٤ أن صاحب المزمور يطرح بصدق (لا ببر ذاتي) قضيته على أنها ليست بسبب خطية لم يتم التعامل معها، أو بسبب التمرد.
· “إن الحقيقة التي تأسر الانتباه هنا هي أن لدينا ترنيمة تكشف خبرة هزيمة وإذلال، وبالتالي معاناة بلا أي سبب يمكن أن نجده في سلوك المتألمين.” مورجان (Morgan)
· “يمثل هذا المزمور استكشافًا لتقلُّبات مُحيِّرة لها نظيرها في التاريخ المسيحي: فترات بركة وعُقم، فترات تقَدٌّم وتراجع ربما لا تتوافق مع تغيُّرات بادية لولاء البشر أو أساليبهم.” كيدنر (Kidner)
٣. سَحَقْتَنَا فِي مَكَانِ ٱلتَّنَانِينِ، وَغَطَّيْتَنَا بِظِلِّ ٱلْمَوْتِ: وفي احتجاج صارم ومؤدَّب في الوقت نفسه، يصر صاحب المزمور على أن أمانة إسرائيل لله قوبلت بكارثة منه.
· سَحَقْتَنَا (كَسَرْتَنا): “أن نُكسَر من الله (ليقرّبنا إليه) أفضل من أن نُكسَر منه (تأديبًا لنا). وأن نكون في مكان التنانين أفضل من أن نكون في مكان الخدّاعين.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (٢٠-٢٢): استُجيبت طاعة إسرائيل بهزيمة.
٢٠إِنْ نَسِينَا اسْمَ إِلهِنَا أَوْ بَسَطْنَا أَيْدِيَنَا إِلَى إِلهٍ غَرِيبٍ، ٢١أَفَلاَ يَفْحَصُ اللهُ عَنْ هذَا؟ لأَنَّهُ هُوَ يَعْرِفُ خَفِيَّاتِ الْقَلْبِ. ٢٢لأَنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ الْيَوْمَ كُلَّهُ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ.
١. إِنْ نَسِينَا ٱسْمَ إِلَهِنَا: استمر صاحب المزمور في إصراره على أن إسرائيل بقيت وفيّة له. فقد تذكرت الرب ولم تصلِّ إلى أوثان (أَوْ بَسَطْنَا أَيْدِيَنَا إِلَى إِلَهٍ غَرِيبٍ). ولو فعلت ذلك، لعرف الله بذلك، ولن تكون هنالك فائدة من إنكار ذلك (لِأَنَّهُ هُوَ يَعْرِفُ خَفِيَّاتِ ٱلْقَلْبِ).
· أَوْ بَسَطْنَا أَيْدِيَنَا إِلَى إِلَهٍ غَرِيبٍ: “كان أمرًا اعتياديًّا لدى الصلاة أن يمد العابد يديه نحو السماء أو نحو صورة ما يعبده، كما لو كان يتوقع أن ينال منه فضلًا يطلبه.” كلارك (Clarke)
٢. أَفَلَا يَفْحَصُ ٱللهُ عَنْ هَذَا؟: يعني هذا بالنسبة لصاحب المزمور أنه لم يكن بين إسرائيل في ذلك الوقت عخان، كما في سفر يشوع ٧، حيث جاءت الكارثة لشعب الله كله بسبب خطية خفية. لقد طلبوا الله بإخلاص من أجل فهمٍ كهذا.
· “تعني عبارة ’أَفَلَا يَفْحَصُ ٱللهُ عَنْ هَذَا‘ ما يلي: أما كان سيكشف الله الأمر لنا لو حدث مثل هذا؟ أو، لو أننا فعلنا خطأً، أما كان الله قد أخبرنا؟” بويس (Boice)
٣. لِأَنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ: رغم إعلان إسرائيل وفاءها للرب، ابتُليت بموت. وكانت بلا حول ولا قوة أمام أعدائها كغنم للذبح.
· “كما لو أن المقصود هو أن نُقتل فحسب، وأن نُجعل ضحايا عمدًا، كما لو أنه كان أمرًا سهلًا أو بريئًا أن نُذبح كما لو أننا غنم للذبح.” سبيرجن (Spurgeon)
· “اللاجئون الطريدون غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم، وهم عاجزون عن المقاومة مثل الغنم، ومصيرهم هو أن يُلتَهموا… وهي المجزرة المعتادة لجيش مهزوم.” ماكلارين (Maclaren)
· مِنْ أَجْلِكَ: هاتان كلمتان مهمّتان. فهما تعنيان أنهم تألموا في وفائهم لله، وبسبب هذا الوفاء له. ومن دون تطوير الفكرة، فإن المزمور يوحي بتصوُّر ثوري للإنسان في العهد القديم، سواء أكان رجلًا أم امرأة: ربما لا تكون المعاناة عقابًا، بل ندبة معركة. “إنها ثمن الولاء في عالم في حرب مع الله.” كيدنر (Kidner)
· “يتألمون من أجل الله… يتلقون في ولائهم للرب إساءات أكبر مما لو كانوا قد شاكلوا العالم الوثني.” فانجيميرين (VanGemeren)
· اقتبس الرسول بولس مزمور ٢٢:٤٤ في رسالته إلى أهل رومية ٣٥:٨-٣٦. والمعنى هو أنه حتى في هذه الهزيمة والخزي الفظيعين، لا يستطيع شيء من هذا أن يفصلنا عن محبة المسيح أو يغيّر مصيرنا بصفتنا أعظم من منتصرين.
· “وهكذا تذكّرنا كلمة الله بحقيقة أن أولئك الذين هم شعب الله مدعوون إلى احتمال الآلام التي لا تفسير لها في هذا الوقت. ومن المؤكد أنها لا تدل على عدم وفاء منهم. فآلام كهذه جزء من الامتياز السامي المقدس للشركة مع الله.” مورجان (Morgan)
د ) الآيات (٢٣-٢٦): تضرُّع وصلاة ممتلئة بالرجاء في العون.
٢٣اِسْتَيْقِظْ! لِمَاذَا تَتَغَافَى يَا رَبُّ؟ انْتَبِهْ! لاَ تَرْفُضْ إِلَى الأَبَدِ. ٢٤لِمَاذَا تَحْجُبُ وَجْهَكَ وَتَنْسَى مَذَلَّتَنَا وَضِيقَنَا؟ ٢٥لأَنَّ أَنْفُسَنَا مُنْحَنِيَةٌ إِلَى التُّرَابِ. لَصِقَتْ فِي الأَرْضِ بُطُونُنَا. ٢٦قُمْ عَوْنًا لَنَا وَافْدِنَا مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ.
١. اِسْتَيْقِظْ! لِمَاذَا تَتَغَافَى يَا رَبُّ؟ ٱنْتَبِهْ! لَا تَرْفُضْ إِلَى ٱلْأَبَدِ: كان لصاحب المزمور علاقة عميقة بالله سمحت له بالتحدث إليه بمثل هذه الحرية. وكانت لدى الله المحبة والنعمة لا ليسمعه فحسب، بل أيضًا أن يدوّن ذلك في كلمته. تحَدَّث صاحب المزمور عن شعوره بأن الله تخلى عن إسرائيل الوفية ونسيها.
· لم يكن صاحب المزمور يعتقد أن الله نائم، لكنه أحس هكذا. “هذه حرية في الكلام لا يُسمح بها إلا لشخص مُلهَم من الله، حيث يكون كلامه مفهومًا مجازيًّا.” كلارك (Clarke)
· يُصوَّر هذا الشعور بشكل قوي عندما نام يسوع في مؤخرة السفينة في بحر الجليل العاصف. فخشي التلاميذ أن يهلكوا أثناء نومه. فصرخوا لكي يوقظوه. “رغم أن صورة نوم الرب قد تكون ساذجة بالنسبة لنا، إلا أنها صُوِّرت عمليًّا في العهد الجديد.” كيدنر (Kidner)
٢. لِأَنَّ أَنْفُسَنَا مُنْحَنِيَةٌ إِلَى ٱلتُّرَابِ. لَصِقَتْ فِي ٱلْأَرْضِ بُطُونُنَا: كانت إسرائيل جسدًا ونفسًا في مرحلة أزمة، وفي تُرابِ الهزيمة والخزي.
· ينبغي لأولئك الذين تمّ إيصالهم إلى حالة الإذلال هذه بمعاناة خارجية أن يوصلوا أنفسهم إليها من خلال إماتة الجسد وإنكار الذات، إن كانوا مستعدين أن يرفعوا صلوات تتلطف جلالة السماء بقبولها والاستجابة لها.” هورن (Horne)
٣. قُمْ عَوْنًا لَنَا وَٱفْدِنَا مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ: ذكر صاحب المزمور مشكلة إسرائيل بوضوح وقوة قدر الإمكان. ويمكننا أن نتوقع أن يكون غاضبًا من الله أو أن يفقد الأمل. وبدلًا من ذلك، ينهي مزموره وهو على ثقته بالله، حتى في ألمه وخيبة أمله. وقدّم التماسه الأخير، لا على أساس ما يمكن أن تستحقه إسرائيل، بل على أساس رحمته (محبته الثابتة).
· قُمْ عَوْنًا لَنَا: “هذه صلاة قصيرة، لكن حلوة وشاملة، وفي صميم الموضوع. وهي واضحة وبسيطة ومُلِحّة، كما ينبغي أن تكون كل صلاة.” سبيرجن (Spurgeon)
· “لم نذكر إخلاصنا في عبادتك إلا كحجة تدفعك إلى الرأفة، لا على أساس اتكالنا عليك وثقتنا بك، كما لو أننا استحققنا بفضلهما. لكننا نتوقع ونلتمس منك على أساس رحمتك المجانية الغنية.” بوله (Poole)